المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌حقوق الإنسان الاجتماعية ‌ ‌مدخل … حقوق الإنسان الاجتماعية: 1- يمكن تلخيصها بما أجملته نصوص - حقوق الإنسان في الإسلام لجمل الليل

[طاهر أحمد مولانا جمل الليل]

الفصل: ‌ ‌حقوق الإنسان الاجتماعية ‌ ‌مدخل … حقوق الإنسان الاجتماعية: 1- يمكن تلخيصها بما أجملته نصوص

‌حقوق الإنسان الاجتماعية

‌مدخل

حقوق الإنسان الاجتماعية:

1-

يمكن تلخيصها بما أجملته نصوص الشريعة الإسلامية فيما يلي:

أ- كرامة الإنسان عملا بقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء: 70] .

ب- عدم التمييز في الكرامة وفي الحقوق الأساسية ما بين إنسان وآخر، بسبب العراق، أو الجنس، أو النسب، أو المال؛ عملا بما جاء في القرآن الكريم:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وعملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا فضل لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى"، وقوله أيضا:"النساء شقائق الرجال"1.

ج- النداء بوحدة الأسرة الإنسانية، والإعلان بأن خير بني الإنسان عند الله هو أكثرهم نفعا لهذه الأسرة؛ عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله".

د- حرية الإنسان في عقيدته، وعدم جواز ممارسة الإكراه فيها؛ عملا بما جاء في القرآن الكريم:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، وعملا بقوله أيضا:{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] مستنكرا استعمال الضغط على الحريات.

هـ- حرمة وحصانة البيت المسلم، وحماية حرية الإنسان في منزله؛ عملا بقوله تعالى:{لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27] .

و فرض الحجر الصحي في حالات الأمراض المعدية منذ أربعة عشر قرنا، وذلك مبالغة في حماية الصحة العامة؛ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم

1 أبو داود، الطهارة، ص94.

ص: 24

بالطاعون بأرض فلا تدخلوا عليها، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها" 1.

2-

ولكن عند الحديث عن الحقوق الاجتماعية سنجد أن الكلام عن المرأة يشكل حيزا مهما؛ لما تحتله مكانة المرأة من أهمية ذات دلالة في المجتمع، ولما أثاره وضعها في الإسلام من تقولات وسوء فهم.

ولذلك نقول: أعلن الإسلام أن النساء شقائق الرجال، وأن لهن من الحقوق مثل ما عليهن، إلا ما جعل للرجال من حق في رئاسة الأسرة وتحمل مسئولياتها ولما بني عليه تكون الرجال. وما هذا في الحقيقة إلا عبء ثقيل وضع على الرجل.

3-

وتدعم هذه الحقوق الإنسانية للمرأة النصوص القرآنية الكثيرة بصراحتها معلنة:

أولا: وحدة خلق الإنسان بنوعيه من نفس واحدة، كما جاء في مطلع سورة النساء:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1] .

ثانيا: وحدة ما على النساء من حقوق نحو الرجال وما على الرجال من حقوق نحو النساء، إلا ما جعل مناسبا للطبيعة البيولوجية لكلا الجنسين، وما يترتب على هذا اجتماعيا؛ عملا بقوله تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، وعملا بقوله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] . فالقوامة مشروطة بالإنفاق الذي هو سبب التفضيل.

4-

ولا يمكن إدراك أبعاد هذه الإنجازات في مجال حقوق المرأة إلا بالإشارة الوجيزة إلى ما كان عليه وضع المرأة قبل الإسلام، وفي عالم حضارات الإنسان في تلك الأزمان.

5-

ففي شريعة الرومان، كان العرف الشائع في تلك "الحضارة" عدم الاعتراف بأية حقوق للمرأة.

1 مسند الإمام أحمد.

ص: 25

كما أن وضعها "بسبب جنسها" جعلها تحت الوصاية الدائمة، لا فرق في المرأة بين صغرها أو بلوغها سن الرشد، فهي تحت وصاية الأب أولا، والزوج ثانيا، ولا تملك أية حرية في تصرفاتها، وهي في ذلك -في الجملة- موروثة لا وارثة1.

والنتيجة، فالمرأة الرومانية كانت شيئا من الأشياء التابعة للرجل؛ وهي لذلك فاقدة لكل شخصيتها، ومحرومة من كل اعتبار لحرية تصرفاتها.

6-

وحتى في أدبيات الإغريق، وهم أصل الحضارة الرومانية -والأوروبية عامة- لا نجد ذكرا حسنا للنساء، سواء في جمهورية أفلاطون أو محاوراته، أو في كتابات وآثار تلاميذه الفلسفية وعلى رأسهم أرسطو.

بل هن رمز للخراب والدمار، كما صورتها الأقاصيص التي دارت حول حرب طروادة، فهيلين هي السبب في إضرام نيران تلك الحرب التي أحرقت الناس والبلاد، أو هي عنوان على القسوة والانتقام والاضطراب، فنفوسهن تمتلئ بالنزوع الغرائزي، فهن لسن كالرجال بحكمتهم وإخلاصهم للواجب.

هكذا نقرأ عن كلتمنسترا وألكترا وأنتيجون في سائر أساطيرهم الممسرحة ليوربيس وأسخيلوس وسوفكليس بشكل عام2.

وكان ديموستين خطيب اليونان الشهير يقسم النساء إلى قسمين:

قسم هن الخليلات للعناية براحة الرجال، وقسم هن الزوجات ليلدن الأولاد الشرعيين.

7-

وفي العصور الوسطى ثارت الشكوك حول إنسانية المرأة وطبيعة روحها، وقد عقدت مؤتمرات في روما للبحث حول المرأة وروحها، وهل تتمتع بروح كروح الرجال، أو أن روحها كروح الحيوانات مثل الثعابين والكلاب؟ بل إن أحد هذه الاجتماعات في روما قرر أنه لا روح لها، ولن تبعث بالتالي.

8-

أما في قبائل جزيرة العرب الجاهلية، فقد وصلت المرأة إلى وضعية

1 الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة، البهي الخولي، ص13.

2 الأدب الإغريقي، أحمد عثمان، عالم المعرفة، الكويت.

ص: 26

مزرية؛ فقد كانت عارا يحرص أولياؤها الذكور على التخلص منها ووأدها حية ساعة ولادتها، وذلك بسبب الفقر، والخوف من السمعة الاجتماعية السيئة والمترتبة على انحرافها.

ولقد وقفت دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عند ظهورها ضد هذا الوضع الأليم، وجاهر القرآن الكريم به في آياته المتعددة وفي سياقات مختلفة؛ فقال:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58، 59] . وقال أيضا جل من قائل: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9]، وقال مرة أخرى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31] .

9-

أما الإسلام فقد جاء محرما وأد البنات، ومعطيا للمرأة كرامتها وإنسانيتها وكامل أهليتها في جميع حقوقها وتصرفاتها، تملكا وبيعا وشراء وزواجا من غير وصاية عليها أو تحديد، خلافا لكثير من أوضاعها التي لا تزال قائمة في بعض قوانين العلم الحديث.

10-

فلا فرق في الإسلام بين الذكر والأنثى في الأهلية -حتى في أهلية الولاية لكل منهما على الآخر- فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 71] .

بل ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفع شأن المرأة، فقال:"الجنة تحت أقدام الأمهات"1.

وسأل سائل رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، من أحق بحسن صحبتي؟ قال:"أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أبوك"2.

1 رواه ابن ماجه والنسائي والحاكم وصححه.

2 رواه البخاري ومسلم.

ص: 27

ولكن هناك بعض الملاحظات التي يثيرها المتشككون على مساواة المرأة في الحقوق للرجال في شريعة الإسلام، وهذه الشبه تنحصر في الأمور الآتية:

أولا: عدم مساواة المرأة للرجل في نصاب الشهادة.

ثانيا: عدم مساواة المرأة للرجل في الميراث.

ثالثا: استئثار الرجل بإيقاع الطلاق.

رابعا: تعدد الزوجات.

خامسا: الحجاب.

12-

أما فيما يتعلق بعدم مساواة المرأة للرجل في نصاب الشهادة عملا بما جاء في القرآن الكريم: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] ، فليس ذلك من موضوع حقوق الإنسان، وإنما هو من موضوع الأعباء التي يدعى لتحملها الإنسان ويتوجب عليه أداؤها، وعملا بقوله تعالى:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] .

وفي كل الأحوال، فقد قبلت أحكام الإسلام شهادة المرأة في كل الأمور، والتي قد يعظم أحدها ويصبح ذا أثر كبير.

13-

أما فيما يتعلق بعدم مساواة المرأة للرجل في الميراث فهو زعم يناقض المبدأ الأصلي في المساواة الثابت في القرآن فيما بين حقوق النساء والرجال، في مثل قوله تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] أي: من الحقوق.

14-

فالقول بعدم مساواة المرأة للرجل اعتمادا على ما جاء في القرآن الكريم من الجهر بأن للذكر مثل حظ الأنثيين، فهذا ليس مطلقا في كل الأحوال، وإنما يصح في بعض الحالات لأسباب تتعلق بالعدل بين الجنسين، وقد نص القرآن العزيز على:

أولا: المساواة في الإرث بين الأم من ولدها المتوفى، إذا كان للمتوفى فروع ذكور.

ص: 28

ثانيا: نص التشريع الإسلامي أيضا على المساواة في الإرث بين الأخت والأخ لأم، إذا لم يكن لأخيهما المتوفى أصل مذكر ولا فرع وارث.

15-

ثالثا: يعدل عن هذا المبدأ "المساواة في الإرث بين الجنسين" أحيانا؛ تحقيقا للعدالة، وفي حالات نظمها الشرع وحددها كما يلي:

أ- في حال وجود أولاد للمتوفى، فتبرز قاعدة:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، وتشبهها حالات مماثلة قعّدها الفقهاء.

ب- في حالة الزوجين، فالزوج يرث عن زوجته ضعف ما ترثه هي منه1.

أما العلة في ذلك -والله أعلم- فهي مسئولية الإنفاق عند الاقتضاء، وهذه المسئولية غالبا تقع على عاتق الرجل ووفقا للقاعدة الشرعية:"الغنم بالغرم"، وهذا ينطبق على كل حالات التمييز الاقتصادي الذي قد يلاحظ في حالتي الميراث السابقتين وأمثالهما من حالات التعصيب.

ومن قبل ومن بعد أية تعليلات، نورد قوله تعالى الحكيم العليم:{آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 11] .

16-

وأما استئثار الرجل بإيقاع الطلاق وقصر هذا الحق عليه دون المرأة، فهذا يعود إلى طبيعة الزواج في الإسلام لكونه عقدا مبنيا على التراضي العلني، ويقوم على العطاء المتبادل وفقا للأحكام الشرعية2.

ولكن المرأة امتازت على الرجل باستحقاق المهر لها؛ وبالتالي فإن فسخ العقد "إيقاع الطلاق" من قبلها سيعد إضرارا بالطرف الآخر، ومن هنا كان تضييق هذا الفعل "الطلاق"3.

17-

وأما تعدد الزوجات فقد كان بابا مفتوحا على مصراعيه قبل الإسلام،

1 من كتاب "أحكام التركات والمواريث"، للإمام محمد أبي زهرة.

2 انظر أيضا: محمد محيي الدين عبد الحميد، "الأحوال الشخصية في الشريعة".

3 انظر أيضا: قواعد الطلاق وحدوده في المدونة الكبرى.

ص: 29

ومنذ الديانة اليهودية، فقد كان حقا مباحا ولا زال في العصر الحاضر، ولكن بصور غير شرعية ولاإنسانية؛ لأنها تضر بحقوق المرأة الاجتماعية هي وأولادها.

أما إصلاح الإسلام الاجتماعي لهذا الوضع، فقد جعله محددا بأربع زوجات؛ لتكون العلاقات مبنية على الوضوح والحلال لضمان مصلحة الزوجة والأبناء، وكما قيد هذا الحق للرجال أيضا بضرورة العدالة بين الزوجات في الحقوق، وجعل للزوجة في ذلك حق مراجعة القضاء عند عدم العدل:

يقول تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] .

18-

أما موضوع الحجاب فهو قد يبدو انتقاصا من حق المرأة عند البعض، الذي يرى أن من الحق للمرأة ارتداء ما تبغي، ونقول: إن هذا الأمر متعلق بأمرين:

أولا: "تحريم العري" على كل من الرجال والنساء.

ثانيا: "فرض الحشمة والحياء" في الظهور بين الناس على كلا الجنسين حماية للأخلاق العامة. وهذا ما ميز الإنسان على الحيوان باصطناع اللباس حماية لهيبته؛ ولذا كان ستر العورة أولى خطوات الإنسان المتحضر تمييزا لنفسه عن الحيوانية المتوحشة.

وقد أقر الإسلام هذه المفاهيم الحضارية، حيث ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] .

ومن ثم حدد محل العورة للرجل والمرأة، والحدود الدنيا في لباسهما في الصلاة والمعيشة اليومية1.

فليس من الإنسانية في شيء أن تعرض المرأة جسدها -ولو بإرادتها- وتختزل نفسها من إنسان خلقه الله وكرمه، إلى جسد يقضي فيه الشهوانيون

1 وراجع أيضا: "روح الدين الإسلامي"، لعفيف عبد الفتاح طبارة.

ص: 30

وطرهم، وليت شعري لهذا قمة الاستعباد والاسترقاق.

19-

والقرآن الكريم يجعل للمرأة حق المشاركة وإبداء الرأي في رضاع ابنها وفطامه وتربيته: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233] .

والسنة تجعل للأم رأيا في زواج بناتها: "آمروا النساء في بناتكم" وتجعل الرأي الأخير للبنت نفسها: "البكر تستأذن وإذنها صمتها، والثيب أحق بنفسها"1.

هذا بالإضافة إلى مظاهر الاستقلالية الاقتصادية التي تتمتع بها المرأة في التشريع الإسلامي.

20-

ولو انتقلنا إلى القانون المدني الفرنسي "قانون نابليون" في الفصل "271" وجدناه يقرر: أن المرأة المتزوجة لا يجوز لها أن تهب، ولا تنقل ملكيتها، ولا أن ترهن، ولا أن تملك بعوض أو بغيره بدون اشتراك زوجها في العقد، وموافقته عليه موافقة كتابية.

وهذا مما يدل على أن المرأة افتقدت أهليتها وشخصيتها واستقلاليتها حتى في أكثر التشريعات تقدما، بل وفقدت في العرف الجاري اسمها ونسبها العائلي الخاص، وصارت من متعلقات زوجها! فيما ظل التاريخ يذكر لنا عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وغيرهما من أمهات المؤمنين -رضوان الله عليهن- مع اقترانهن بخير الناس.

21-

بل يرى البلاذري في "فتوح البلدان" أن الشفاء العدوية كانت كاتبة في الجاهلية، وكانت تعلم الفتيات، وأن حفصة بنت عمر تعلمت منها القراءة والكتابة، قبل زواجها بالرسول صلى الله عليه وسلم فلما تزوجها طلب إلى الشفاء أن تتابع تعليمها وتثقيفها، وأن تعلمها تحسين الخط وتزيينه كما علمتها الكتابة.

1 أبو داود والنسائي.

ص: 31