الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقوق الإنسان المدنية
مدخل
…
حقوق الإنسان المدنية:
1-
ينبني المجتمع المدني على قاعدة أساسية، ألا وهي القضاء، فالقضاء ضمان للعدل، والعدل ركيز العمل المنتج والإبداع والعمران، ولما كان الإسلام حريصا على إرساء قيم التحضر، فقد ارتكنت قوانينه التشريعية على قواعد قضائية راقية تضمن حق الإنسان، وتصون حياته وحريته.
2-
رغم بشاعة جرم الزنا، لما يشكله من اعتداء على الأعراض واختلاط في الأنساب، إلا أن الشارع القرآني لم يعاقب عليه إلا بعد ثبوت ارتكابه بأربعة شهود عدول، واعتبر الشاهد الواحد غير كاف وأنزل فيه عقوبة الجلد فيما لو جاء يعلن ذلك وحده، وكذلك فعل مع الشاهدين، وكذلك فعل مع الشهود الثلاثة، واعتبر أقل الشروط للثبوت، أربعة شهود صادقين غير متهمين. وأن يروا ذلك العمل بشكل لا شك فيه، ولا يكتفى فيه برؤية المتهمين عاريين وملتصقين1.
كل هذا التدقيق كان صيانة لحق الإنسان "حتى لو كان مجرما" في محاكمة عادلة لا تنقصه شيئا من حقوقه.
3-
وتزيد على ذلك ما لم ينته إليه المقننون المحدثون، وقد نص عليه القرآن الكريم بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8] ، ويستدل بهذه الآية على تنفيذ العدل بلا تمييز في تطبيقه بسبب الحقد والعداء.
1 انظر كتاب: "الدستور القرآني والسنة النبوية في شئون الحياة"، لمحمد عزة دروزة، ص383-384.
4-
ولا بد من الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية اتجهت في نظامها القانوني المحكم إلى تعزيز الشهادة حتى لا تكون عرضة للاتهام. ولذلك عززت شهادة الرجل الواحد بشهادة رجل آخر، ضمانا لحقوق الإنسان "المحاكم"، وكذلك عززت شهادة المرأة بشهادة امرأة أخرى1.
5-
وبعد ضمان إجراءات التقاضي العادلة، يأتي تنفيذ الأحكام "الحدود"، وقد تحفظت منظمات حقوقية عديدة على ما سمته "العقوبات الجسدية" في حالات السرقة، والزنا، والسكر، وهي أحكام مطبقة في الإسلام بشروط معروفة، ويزول الاستنكار عندما نعلم أثر هذه العقوبات في اجتثاث الجريمة بمجرد الإعلان عنها، وبمقارنة نسبة الجرائم في مجتمع مسلم يطبق الحدود وآخر يتجاهلها.
6-
وإذا ابتعدنا عن القضاء كمظهر من مظاهر المجتمع المدني الراقي، نجد أن الحرية المدنية بمعانيها الأخرى متوفرة في الإسلام والتي تضمن تواجد المرء في مجتمع تواجدا مثمرا. وتعني في أحد تعريفاتها: أهلية الإنسان لتحمل الالتزامات والتمتع بالحقوق، كإجراء العقود والتملك والتصرف وغيرها2.
ولم يميز الإسلام في ذلك الحق بين مسلم وذمي، وامرأة ورجل، فقد ظلت المرأة المسلمة تمارس حقها في التصرف بمالها، بيعا وشراء وتوريثا وعقودا، مستقلة عن زوجها متمتعة بشخصيتها الخاصة.
1 كفاية الأخيار، ص520.
2 الدكتور يوسف الكتاني، مجلة دعوة الحق. العدد "236". وهناك تعريف آخر للحقوق المدنية، ألا وهو الذي أورده الدكتور سامي مدكور في كتابه القانوني "نظرية الحق" ويقول:"الحقوق المدنية أو الحقوق الخاصة هي السلطات المقررة في القانون الخاص للأشخاص والتي تمكنهم من إبداء نشاطهم في المحيط العائلي"، ص12.