الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثاني عشر: حقوق الإنسان والقضايا الإسلامية
قضية فلسطين
…
اثني عشر: حقوق الإنسان والقضايا الإسلامية
لقد أوضحنا بالإيجاز الذي تفرضه هذه الورقة المحدودة، وموقف الإسلام من حقوق الإنسان، وموقفه من العلاقات الدولية القائمة على تلك الحقوق، وينفرد الإسلام بأنه يجعل حقوق الإنسان والعلاقات الدولية المنبعثة منها واجبات وفرائض، كما أن الشريعة الإسلامية وضعت نصوصا حاسمة تكفل الالتزام بهذه الحقوق1.
فإذا قارنا هذه الحقيقة بما يسمى "القانون الدولي" أو قانون الأمم، نجد أن هذا القانون غير ملزم، بل لم يتفق بعد على تحديده، وهو متروك لكل دولة أن تفسره على هواها2. وهذه الميوعة في التفسير تسمح بأن يستخدم القانون الدولي كسلاح في يد الدول الكبرى لتبرير العدوان، واغتصاب حقوق الآخرين.
ومن الناحية النظرية، فإن القانون الدولي يحظر اعتداء دولة على أخرى، أو العدوان على المدنيين زمن الحرب، وتسهيل وصول المؤن والمواد الطبية للاجئين، وحق المهجرين في العودة إلى أوطانهم، ولا نحتاج لتوضيح التناقضات الصارخة بين هذه المبادئ البراقة وبين الواقع القائم في عالم اليوم، وما اقترفته الدول الكبرى -ولا تزال تقترفه- في حق الدول الصغرى، ولا سيما دول العالم الإسلامي.
1-
قضية فلسطين:
لا توجد قضية في التاريخ الإنساني يظهر فيها التنكر لأبسط حقوق الإنسان، ومجافاة كل قيم العدالة والصدق، والتحدي الصارخ للقوانين والأعراف الدولية كالقضية الفلسطينية، ولعل من أسباب الاهتمام بهذه القضية يعود لحقيقة أن الصهيونية تستند -زيفا- إلى نصوص في الكتب المقدسة التي حرفتها أو أعادت صياغتها على هواها، ولما كانت هذه الكتب تشكل الأساس في الحضارة الغربية، ولدى أعداد كبيرة من سكان العالم، فقد غطت هذه القضية على الأحداث السياسية في القرن الأخير.
وبالرغم من وضوح الحق والباطل في هذه القضية، فقد استطاع دعاة الصهيونية أن يدوسوا كل القيم والمبادئ، وأن يجدوا من يعينهم على ذلك من ساسة العرب، إما خضوعا لمغريات المناصب والمال، أو انصياعا للتفسير
1 كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني.
2 الموسوعة البريطانية.
المحرف لنبوءات الكتاب المقدس، وليس أدل على ذلك من موقف السياسي البريطاني بلفور صاحب الوعد المشئوم للصهيونية، حيث نشرت ابنة أخيه وسكرتيرته الخاصة بعد وفاته أنه لم يكن يعمل لصالح اليهود، ولكنه كان يؤمن بالنصوص التي تقول:"إن عودة المسيح الثانية إلى الأرض لا تأتي إلا في دولة يهودية"1. وقد ثبت الآن أن كثيرا من النبوءات التوراتية قد نسجها اليهود -قصدا- لخدمة أغراض سياسية، ومن الذين تبنوا هذا الرأي الكاتب والفيلسوف الفرنسي باسكال في تأملاته المعروفة. ويضاف إلى سطوة النبوءات الدينية، الكراهية الموروثة للعرب والمسلمين، وسطوة المصالح الإستراتيجية للدول الغربية وخصوصا بريطانيا التي أسلمت هذه التركة السوداء إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد غروب شمس الإمبراطوريات الأوروبية.
لقد اعتمد الصهاينة على عبارات غامضة في الكتاب المقدس تحتمل كل تفسير؛ ليقولوا للناس: إن الله قد أعطى هذه الأرض لإبراهيم وسلالته من نهر مصر إلى النهر الكبير "الفرات"2. وقد اكتسبت هذه الهجمة عنفوانا مضاعفا مع التقارب المسيحي اليهودي على صعيد العقائد؛ مما وضع لمعركة تاريخية طويلة، ومكن عملاء الصهيونية من إقناع قطاعات كبيرة من المسيحيين لمناصرة إسرائيل باعتباره واجبا دينيا يؤكد صدق الكتاب المقدس، وها هو القسيس "جاكوب شونفيلد" الأمين العام لجمعية الصداقة اليهودية المسيحية يكتب في تقرير رفعه إلى المؤتمر العام للجمعية في عام 1983 يقول فيه: "إن كلمة الله الحقيقية هي التوراة، وإنها تجسدت في المسيح، فلما صلب المسيح بجسده بقيت كلمة الله في التوراة" ومضى القسيس المتآمر لأقصى غاية حين يقول: "إن عودة المسيح قد تمت فعلا بقيام إسرائيل".
وهذه الحجة الواهية رسبها قادة الصهيونية في عدوان مسلح على الشعب العربي الفلسطيني، وانتزاع أرض آبائه وأجداده مع أن أكثر قادتهم الكبار أمثال: هرتزل، وبن جوريون، وجولدامائير من الملحدين الذين لا
1 BIBLE AND SWORD، HOW THE BRITISH CAME TO PALESTINE، BARBARA W. TUCHMAN.
2 سفر التكوين 21-71.
يؤمنون بإله أو كتاب، وها هو كبيرهم هرتزل يسمي هذه النبوءات بـ "الأساطير المفيدة"1. وهناك أكثر من رد على تهافت هذا المنطق وزيفه من كلام التوراة نفسها حيث يقول سفر التكوين 25-9-10:"إن إبراهيم قد اشترى أرضا من عفرون الحثي ليحفر قبرا يدفن فيه زوجته "سارة"، وليكون مقبرة للأسرة بعد ذلك، والزائر إلى مدينة الخليل العربية يجد حتى اليوم مغارة ماكفيلا التي تضم مدفنا للأسرة الإبراهيمية، وفي أماكن كثيرة من التوراة يبرز اسم إسماعيل بن إبراهيم أبي العرب الذين يملكون في تراث إبراهيم أكثر من غيرهم، كما يقول القرآن الكريم:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 67، 68] ، فهي في نظر الإسلام وراثة نبوة ورسالة، وإيمان، وليس وراثة مادية تتمثل في أرض وعقار، وسلاحها الاغتصاب والاعتداء، وإذا كانت القضية وراثة سلالية فإن العرب هم من سلالة إبراهيم، وإن قبائلهم كاليبوسيين والعموريين قد سكنوا فلسطين قبل الغزو العبراني بآلاف السنين.
لقد مر الحلم الصهيوني الخرافي بأطوار مختلفة، وترعرع في رحم المؤامرات الدولية التي يحركها التعصب الديني، والمصالح الإستراتيجية حتى أدى إلى صدور قرار الأمم المتحدة رقم 181 بالتقسيم في عام 1947، وقد أعطى هذا القرار الجائر كيانا ملموسا لأحلام الصهيونية، وأصبح ركيزة ثابتة تدور حولها السياسة الغربية إزاء فلسطين. وفي غمار هذا التطور لم يعد أحد يتحدث عن الحقوق الأساسية أو وجود الشعب الفلسطيني على الأرض؛ لأن المطلوب هو تعديل كل شيء وتغييره لكي يتلاءم مع المؤامرة الدولية، ولتحقيق ذلك كان لا بد من تهجير الشعب الفلسطيني، بل إبادته كما وقع في حالات كثيرة، وكان لا بد أن تقع تغييرات على الخارطة السياسية للمنطقة حتى تتفق مع التخطيط الجديد.
وهكذا، أصبح الحق باطلا والباطل حقا، وتمكنت إسرائيل من فرض
1 رجاء جارودي "الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل".