المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خاتمة: ليس غريبا أن يؤيد العرب المسلمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - حقوق الإنسان والقضايا الكبرى

[كامل الشريف]

الفصل: ‌ ‌خاتمة: ليس غريبا أن يؤيد العرب المسلمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

‌خاتمة:

ليس غريبا أن يؤيد العرب المسلمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حين يجدون فيه مجموعة من المبادئ الإنسانية السامية، التي تتفق مع دينهم وتقاليدهم، والتي عاشوها بالفطرة قبل أن يعرف الإنسان المعاهدات والمواثيق الدولية، نقول ذلك دون أن نغفل عن حقيقة واضحة يكابد منها عالمنا المعاصر، وهي أن نزعة الإنسان القديمة للسيطرة والظلم والتحكم كثيرا ما تطل برأسها من فوق القيم الخلقية والمبادئ الإنسانية. وفي حالات كثيرة تستخدمها المؤسسات لتنفيذ المآرب والمصالح الوطنية، ونستطيع أن نشير إلى حالات كثيرة وقع فيها الاعتداءات العسكرية على شعوب صغيرة وفرض عليها الحصار تحت أعلام الأمم المتحدة، وكذلك شاهدنا خرق استقلال دول أخرى وطمس حقوقها بدعوى الغيرة على حقوق الإنسان، مما ألقى ظلالة من الشك واليأس ودفع الكثيرين للاعتقاد بأن هذه المواثيق والمؤسسات لم تقم أصلا إلا للحفاظ على الأمر الواقع الدولي، وتحكم الدول الكبيرة في الكيانات الصغيرة، ومنع الاستقطاب الذي يفرز قوى مستقلة. ومع الاعتراف بهذه الحقائق المؤلمة التي تعود لضعف الإنسان وانسياقه وراء شهواته، إلا أننا نرى في ميثاق الأمم المتحدة، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أهدافا مثالية تلبي حاجات الإنسان للأمن والسلام، ومن الضروري المحافظة عليها وتطويرها نحو الأحسن، وإحاطتها بضمانات جماعية؛ حتى تؤدي أهدافها النبيلة بصورة أحسن تنفيذا لتوصية القرآن الكريم التي تحث على التعاون على الخير {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} .

ولا شك أن واجبا كبيرا يقع على المسلمين حكاما وشعوبا لتبيان ما يمكن أن يقدمه الإسلام من المبادئ والقيم لإغناء هذه المسيرة الخيرة، ومن نافلة القول أن نؤكد أن تقيد المسلمين بحقوق الإنسان في بلادهم هو أهم دعوة لفهم الإسلام، والتصدي للحملات الظالمة التي يتعرض إليها.

ص: 38

إن أفكارا كثيرة تطرح اليوم لتطوير عمل منظمة الأمم المتحدة لتكون أكثر فعالية في تطويق الأزمات، ومنع الحروب، وإنهاء احتكار الدول الكبرى للمنظمة الدولية، وهي أفكار تستحق العناية؛ ذلك لأن اضطراب التوازن الدولي، وإشاعة اليأس من جدوى المنظمات العالمية والمواثيق سوف يقود -حتما- لمصادمات كثيرة أو صغيرة ليست في صالح أحد، ومن العبث الاعتقاد بأن دولة واحدة أو كتلة واحدة تستطيع أن تفرض إرادتها على العالم كله بالقوة المسلحة لمدى غير محدود، والبديل عن هذه المخاوف والاحتمالات هو أن يحتل العقل الراشد مكانه في توجيه سياسة الدول، وأن تزول إلى غير رجعة أحلام السيطرة والتوسع، وأن نعمل جميعا لبناء عالم مستقر تزدهر فيه كل الحضارات والثقافات وتتلاقى على حماية الإنسان والارتقاء بمستواه المادي والروحي، كما يدعو القرآن الكريم:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] . فالإسلام يقر بقبول التنوع والاختلاف ويعدهما أصلا من أصول الحياة، ويجعل الهدف منهما هو التعارف والتعاون بين بني البشر جميعا، ويزيل التفاضل والتمايز بين الناس بسبب اللون أو الجنس، كما قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام:"الناس كلهم لآدم وآدم من تراب، وأكرمهم عند الله أتقاهم"1.

1 اقتباس عبد القادر عودة "التشريع الجنائي في الإسلام".

ص: 39