الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] ؛ لأن الجريمة البشعة تتعدى الفرد إلى الاعتداء على النوع الإنساني كله وحرمانه حقه المقدس في الحياة، والتساهل في الاعتداء على حياة فرد واحد كفيل بأن يجعل القتل والقتال بين الناس أمرا عاديا، ويشجع على الجريمة المنظمة كما نرى في بعض المجتمعات المعاصرة.
غير أننا نرى -مع بالغ الأسف- قدرة الإنسان على التردي بالمبادئ النبيلة، وتسخيرها لغاياته الخاصة بل ربما لغايات تناقض مراميها، فقضية الإرهاب يجري التسامح معها وإغماض العين عنها، حين تمارسه دولة معتد بها لسبب بسيط هو أن تلك الدول تخدم المصالح الإستراتيجية للغرب، ويمكن أن نضع إسرائيل نموذجا لهذه الحالة. وفي الوقت نفسه يتهم الغرب دولا مسالمة بالإرهاب، ويطبق عليها عقوبات كثيرة لا لشيء سوى أن تلك الدول لا تسير في الخط المرسوم، ولا تلتزم بالتعليمات، مما جعل قضية الإرهاب قضية مائعة وسلبها الجدية الجديرة بها.
إن الإسلام ينظر لهذه القضية بميزان واحد، ويتعامل معها على أنها خطر يهدد سلامة الأبرياء، سواء صدرت عن دولة أو عن فرد من الأفراد، والقرآن يدعو المؤمنين لأن يكونوا عادلين منصفين في الأحوال كلها:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152] .
ثامنا: الحقوق الاقتصادية
تنطلق حقوق الإنسان وواجباته -في المفهوم الإسلامي- من جذر واحد، هو الإيمان بالله وحده، وهذا الإيمان ينبغي أن يخالط حياته وأن يصاحب كل حركاته وسكناته، وكما أن له حقوقا في مال الله، وأرض الله، وله أن يكسب معيشته في حدود ما شرع الله، فإن عليه واجبات إزاء أسرته، وواجبات إزاء مجتمعه والإنسانية قاطبة، وهذه الحقوق والواجبات تمشي يدا بيد، وفي الشريعة الإسلامية أبواب وبنود تحكم كل دقائقها وتفاصيلها.
لقد خلق الله الإنسان بيديه، ونفخ فيه من روحه، ودعا الملائكة المقربين للسجود بين يديه، علامات للتكريم والاستخلاف، وقال في محكم التنزيل:
{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} ثم قال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 72] . ولقد قضى الاستخلاف أن يتولى الإنسان عمارة الأرض، ويستخرج كنوزها، وخيراتها، بالقدرات العلمية التي أودعها الله فيه، وهكذا تحددت رسالة الإنسان في هدفين: الأول: عبادة الله وتوحيده، والثاني: عمارة الأرض واستغلال كنوزها وفق شريعة الله.
ولما كان الإسلام يضع الإنسان في هذه المنزلة الكريمة، فإن نظرته الاقتصادية تميل إلى تأكيد حرية الإنسان في العمل والكسب، واحترام مبادراته الخاصة وإرادته في الاكتشاف والابتكار، والإسلام من هذه الناحية يختلف اختلافا بينا عن النظريات الشمولية التي تسحق إرادة الإنسان، وتجعله جزءا جامدا في آلة الدولة، مما يعطل كل مزاياه ومواهبه، وينحدر به إلى مستوى الحديد البارد. وهكذا يعطيه الإسلام الحق في اكتساب المال، وتكوين الثروة، وامتلاك المزارع والمصانع، حتى تنشط الأسواق، وتزدهر التجارة والصناعة، ومع أن الإسلام يضمن هذه الحريات الواسعة، إلا أنه يضع لها حدودا تحافظ على خيرها، وبركاتها، وتحميها من أن تكون أداة للفساد، والترف، والاستغلال، فترى الشريعة الإسلامية تحرم الإسراف، والتبذير، والاحتكار، والربا، وترسم حدود التنافس الشريف والتعامل النظيف، وتحدد حق الفقراء في المال من زكاة وصدقات، حتى تتحقق العدالة، والأمن الاجتماعي، فلا تقوم طبقة مترفة بطرة على حساب أغلبية الناس، وفي ذلك يعطي القرآن الكريم والسنة المطهرة توجيهات كثيرة تغطي كل جوانب هذه القضية، القرآن الكريم يقول عن المال:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"نعم المال الصالح للرجل الصالح" ويقول الخليفة الثاني رضي الله عنه: "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة".