الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
ظهرت في السنوات الأخيرة كتب عديدة تناولت بالبحث تاريخ الصحافة، وتطور الصحف، وعلاقة هذا التطور بالظروف السياسية والاجتماعية. ولكن عددا قليلا من هذه الكتب هو الذي اهتم بالصحافة كفن. وقد رأيت أن أجعل "الفن الصحفي" موضوعا لدراسة عميقة تبدأ بتعريف هذا الفن، وعرض خصائصه ومميزاته، ثم بيان قوالبه المختلفة، وأنماطه المتعددة من خبر إلى تقرير إلى مقال إلى عمود إلى تحقيق صحفي إلى حديث.
غير أن الفن الصحفي لا يقتصر على التحرير وحده، وإنما تلعب الصور والرسوم البيانية والكاريكاتورية والعناوين المنتشرة على عرض الصفحات، والعناوين الفرعية، فضلا عن الألوان وفنون الإعلان دورا هاما في إبراز الأفكار وتجسيدها، وتحويل المعلومات المجردة إلى معلومات ملموسة مجسدة. فإذا كانت النشرات العلمية، مثلا، تعنى بالجوانب الأكاديمية والنواحي النظرية من البحوث والدراسات، مما يخص العلماء والخبراء، فإن الفن الصحفي هو الذي يستطيع -بالتبسيط والتفسير والتجسيد والتشويق وجذب الانتباه- أن يعرض النظريات العلمية والدراسات الأكاديمية بأسلوب جديد شيق، يفهمه عامة الناس.
فجوهر الفن الصحفي هو الإعلام ورواية الأحداث وتفسيرها، ثم توجيه الجماهير وإرشادها، فضلا عن امتاعها وتسليتها، وذلك باستخدام الأشكال والفنون الطباعية المختلفة. ولكن بيت القصيد في كل فن صحفي يكمن في ارتباطه
بالجمهور. ولذلك كانت أهم خصائص الفن الصحفي معالجة الأمور الصعبة بأسلوب سهل، وتفسير الانجازات العظيمة بعبارات سلسة بسيطة.
ولكن، كيف يفعل الصحفي ذلك؟
هذا هو موضوع الكتاب الذي بين يديك. وفيه نحاول تقديم الفن الصحفي كوسيلة إعلامية من خلال الكلمة والصورة والعنوان والرسم، وعلاقة الشكل بالمضمون، مع بيان كيفية التجسيد والتبسيط التي يقوم بها الصحفي، والوسائل التي تساعده على ذلك.
ولا بد في البداية من شرح أهداف الفن الصحفي وعلاقته بالمجتمع لمعرفة الوظائف والأغراض التي ينهض لتحقيقها، ثم نتناول بعد ذلك فنون التحرير المختلفة كإعداد للمضمون، ثم فنون الإخراج المختلفة كإعداد للشكل الذي لا يمكن فصله عن المضمون.
إن الفن الصحفي في حقيقة الأمر هو الفن الإعلامي الكلاسيكي الذي تعلمت منه سائر الفنون الإعلامية الأخرى كالإذاعة والتليفزيون والسينما. فما أنجزه الفن الصحفي عبر القرون الطويلة منذ اخترع جوتنبرج المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر حتى الآن من استخدام للحروف والخطوط والرسوم والأشكال والصور لعرض الفكر الإنساني وتبسيطه للجماهير، كان الصيغة الأساسية التي بنت عليها الإذاعة فنها المرتبط بالموسيقى والكلمة المسموعة والمؤثرات الصوتية، وكذلك التليفزيون بالصورة المرئية المتحركة المقترنة بالصوت والموسيقى، كما فعلت السينما نفس الشيء على شاشتها الكبيرة.
فالفن الصحفي -إذن- هو فن الإعلام الكلاسيكي، الذي اشتقت منه سائر فنون الإعلام الأخرى أشكالها وفنونها وأساليبها طرائقها. فالنشرات الإخبارية، والتعليقات، والندوات، والتحقيقات والصور والإعلانات والجوانب القصصية والدرامية، تشترك جميعا في الفنون الإعلامية المختلفة، ولكنها ترتكز أساسا على خبرة الفن الصحفي الطويلة والمتنوعة.
فالذي يميز الفن الصحفي عن سائر الفنون هو ارتباطه الوثيق بالجماهير فضلا عن عموميته، ودوريته، وعلى هذا الأساس يسعى الفنان الصحفي إلى تحويل الفكر الأكاديمي المجرد إلى عرض فني منسق يستسيغه الجمهور دون أن يهبط إلى مستوى الإسفاف والمبالغة، وهذه هي المعادلة الصعبة أو التحدي العظيم الذي يواجه الفن الصحفي الحديث.
وإني إذ أقدم هذه الدراسة للقارئ العربي أرجو أن يجد فيها معالجة جديدة للفن الصحفي. والله الموفق.
يناير سنة 1972.
دكتور إبراهيم إمام