الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معايير الحكم على الخبر:
والآن، بعد أن يصل الخبر إلى الصحيفة، ويتسلمه سكرتير التحرير المختص، وهو عادة إنسان ذواقة، يحكم على صلاحية الخبر للنشر، ويعرف المكان اللائق به، ابتداء من الصفحة الأولى والصفحات الداخلية إلى سلة المهملات. ولكن هل هذا الحكم الذي يصدره سكرتير التحرير مجرد إحساس ذاتي غامض، أم هو حكم مبني على أسس ومعايير وضوابط؟ الحقيقة أن هناك عدة معايير أو مقاييس تحدد قيمة الخبر، ومبلغ صلاحيته للنشر.
ومن أهم هذه المعايير: الصدق، والدقة، والحالية، والقرب، والضخامة. والقابلية للنشر، والاتفاق مع سياسة الصحيفة، والتشويق، والإثارة، والروعة، الطرافة.
ويعتبر الصدق أهم هذه المعايير جميعا، بل إنه الأساس الذي ينبني عليه الخبر الصحفي. ويتصل بعامل الصدق عدة مسائل منها: الكذب المباح "الأكاذيب البيضاء"، والشك في صحة الخبر، والخطأ في الاقتباس، وتلوين الأخبار، وتكذيب الأخبار، والرقابة على الأخبار، وتأثير المعلنين على الناشرين. ومع أن الصدق هو القاعدة الأساسية العامة، إلا أن لها استثناءات بالضرورة. فهناك حالات يباح فيها الكذب إلى حد ما في رواية الأخبار الصحفية، ولا تتقيد الصحيفة بقاعدة الصدق المطلق، وإنما قد تقضي المصلحة العامة بعدم ذكر الحقيقة كاملة، وهذا ما اصطلح عليه باسم الأكاذيب البيضاء. ومثال ذلك حالات الأوبئة والحرب. فليس من الحكمة في شيء نشر أخبار الأوبئة التي تورث الذعر بين الناس. بل ينبغي أن يكون النشر بحكمة وروية. وكذلك أخبار الحرب والخسائر لا بد وأن يراعى فيها جانب الدقة ومدى تأثيرها على الروح المعنوية للقوات المسلحة وللشعب. ومن هنا كانت البلاغات الرسمية أصول إعلامية ينبغي إتقانها؛ حفاظا على روح الأمة، وجمع الصفوف بين العسكريين والمدنيين على السواء.
وقد درجت الدول على عدم نشر أخبار مرض رؤساء الدول والقادة بطريقة فجة تثير الخوف أو الذعر، بل ينبغي أن تكون التقارير الطبية مطمئنة للناس، ما استطاع الأطباء ذلك. ولكن ليس معنى هذا الكذب أو عدم النشر في حالات الخطر المحقق.
أما الأخبار المشكوك فيها، والتي تذكر في عبارات غامضة مثل "لم يتأكد بعد" أو "يتكهن به المراقبون"، فإنها قد تعرض الصحفي الناجح لأخطاء كثيرة. ولا ينبغي للصحفي أن يؤرخ للغد، أو يعتمد على الحدس والتخمين، أو يكتب عن أمور متوقعة. وفي هذا يقول صحفي من رجال المدرسة الكلاسيكية وهو إسبندر1: "لا تعمل اليوم أبدًا ما تستطيع أن تطرحه حتى الغد لكي تتفادى
1 j. a. spender.
التعليقات غير الناضجة والتي يتضح فيما بعد أنها على غير أساس"، وقد دأبت بعض الصحف على كتابة أوصاف مسهبة لزيارة رئيس الوزراء مثلا لمنطقة معينة، ثم تنشرها فعلا بالعبارات التقليدية المألوفة، ولكن يتضح بعد ذلك أن رئيس الوزراء قد ألغى رحلته، وهنا تقع الصحيفة في خطأ بالغ، ويسخر منها القراء.
حدث مرة أن تناقلت وكالات الأنباء نبأ قالت فيه: "إن سلطان باشا الأطرش قد مات" وتسابقت الصحف المصرية في نشر هذا الخبر، عدا صحيفة الأهرام. فلما سئل أنطون الجميل رئيس تحرير الصحيفة يومئذ عن سبب ذلك أجاب بقوله متهكما:"من لم يمت في الأهرام، فإنه لم يمت"، وبالفعل أذاعت وكالات الأنباء في اليوم التالي خبرا قالت فيه:"إن الذي توفي هو والد سلطان باشا وليس هو سلطان باشا نفسه".
وقد ينجم الخطأ عن اقتباس مغرض يجترأ من حديث أدلى به مسئول، وينتزع انتزاعا قسريا من أجل تاكيد فكرة تريد الصحيفة أن تؤكدها. ولا شك أن الصحف الحزبية تعمد إلى اقتباسات تؤيد وجهة نظرها، وكذلك تفعل الصحف من خلال الإعلام الدولي، وفي خضم الحرب الباردة، بحيث يسوق كل فريق مجموعة من الاقتباسات التي تعزز سياسته.
ولا شك أن تلوين الأخبار، والمبالغة في المواقف، وصياغة الموضوعات الأخبارية بطريقة أدبية، وإثارة شعور القراء من خلال الوصف الذاتي، ويجعل القراء غير قادرين على الفصل بين حدود الحقيقة والخيال. وقد سبق أن قلنا إن جوهر الفن الصحفي يكمن في موضوعيته، أما نشر التقارير الخيالية، والإمعان في الإثارة والمبالغة، فإنه لا يدخل في صميم الفن الصحفي.
ولا ينبغي نشر الأخبار جزافا اعتمادا على أن مبدأ النشر لذاته هو الأساس، وأن وظيفة الصحافة هي محض النشر، ثم تكذيب ما نشر؛ لأن الوظيفة الحقيقية للصحافة هي تحري الدقة في نشر الأخبار.