الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الأذواق والأمزجة. فهناك مقالات حول الرياضة وأخرى حول الفن بالإضافة إلى السياسة والاقتصاد والشئون العامة.
فكاتب المقال الافتتاحي يدرك تمام الإدراك أن صياغته للمقال ليست صياغة أدبية، ولا هي صياغة غير ملتزمة، وإنما هي صياغة ترتبط بسياسة الجريدة من ناحية، واهتمام القراء وميولهم من ناحية أخرى. لهذا نجد أن افتتاحيات الصحف الكبرى تحتوي على تعليق سياسي، وآخر اقتصادي، وثالث اجتماعي، ولا تهمل التعليق الطريف أو الخفيف الذي يقوم بالتسلية والنقد والسخرية في وقت معا.
وقد درجت الصحف الأوروبية والأمريكية الكبرى -وخاصة صحافة الصفوة- على نشر الافتتاحيات في صفحة القلب أو الصفحة الوسط كما تفعل التيمس والديلي تلجراف والفيجاور، في حين تنشر الصحف الشعبية افتتاحياتها على الصفحة الأولى إلى اليسار كما تفعل الديلي ميل والديلي إكسبريس.
موضوعات المقال الافتتاحي:
وقد أصبح المقال الافتتاحي في الصحف الحديثة أخباريا في جوهره، يعني أن ما فيه من رأي ومن توجيه ومن ترفيه يعتمد على الأخبار وتفسيرها واستغلالها في تأييد رأي سياسي أو آخر. ولذلك ينبغي أن يكتب المقال في حذر وعن بينة وموازنة بين المصالح المختلفة والآراء المتعارضة التي يمكن أن يمسها المقال فيرضي طائفة أو يسخط أخرى.
وكثيرا ما يتعرض محرر هذا المقال لمزالق خطره على الجريدة وقرائها حتى في القضايا البراقة التي لا يتبين الكاتب لأول وهلة ما فيها من مساس لمصالح طوائف من الشعب على حساب طوائف أخرى كقضية الإنتاج وضرورة تشجيعه وزيادته. فالصحفي غير اليقظ قد يتحمس لهذه القضية كثيرا غير مدرك ما قد يكون هناك من تعارض بين مصلحة المنتجين ومصلحة المستهلكين، مع أن المستهلكين طبقة أوسع من طبقات القراء. فتشجيع الإنتاج مثلا قد يدعو إلى
فرض ضرائب جمركية واقية أو مانعة، ونعني بالواقية التي يقصد منها حماية الإنتاج المحلي، ويترتب على ذلك أن يضطر المستهلك إلى أن يشتري السلع المحلية بدلا من السلع الأجنبية، مع أنها أقل جودة وأكثر ثمنا، وبذلك يضار المستهلك، وإن كان المنتج الوطني سيستفيد بالضرورة؛ إذ سيستطيع زيادة إنتاجه وتوزيع هذا الإنتاج في الأسواق المحلية على الأقل.
كما أن زيادة الإنتاج ليست هي المشكلة الاقتصادية الوحيدة التي يعانيها المجتمع، فإلى جانب الإنتاج تقوم مشكلة التوزيع ثم مشكلة التداول وأخيرا مشكلة الاستهلاك، وهذه المشاكل الأربعة: أي الإنتاج والتوزيع والتداول والاستهلاك كثيرا ما تتعارض مع مصالح القائمين بها من طبقات الشعب. فتعزيز الإنتاج مثلا قد يؤدي إلى مناصرة رأس المال ضد العمل وإلى فوز رأس المال بالنصيب الأكبر من ثمرات ذلك الإنتاج. ولذلك لا بد وأن يحسب بحساب دقيق مشكلة التوزيع، أي توزيع ثمرات الإنتاج بين العمل ورأس المال.
وليست كمية الإنتاج هي المشكلة الاقتصادية الوحيدة لأن تداول الثروات يعتبر هو الآخر أساسيا في الحياة الاقتصادية. وفي النهاية تأتي مشكلة الاستهلاك وارتباطها بعمليات الإنتاج والتوزيع والتداول. ومصالح المستهلكين قد تتعارض مع مصالح المنتجين، كما قد تتفق معها، وذلك لأن إنتاجا بغير استهلاك لا يمكن أن يستمر، ولا بد أن يصاب في النهاية بالكساد أو التوقف، ولذلك فمن مصلحة الإنتاج أن تزداد القوة الشرائية للمستهلكين وأن يكثر إقبالهم على الاستهلاك ليستطيع دولاب الإنتاج الاستمرار في عمله.
ومن هذا التحليل السريع للحياة الاقتصادية نتبين ما فيها من تيارات متعارضة ومصالح متضاربة لا بد للصحفي أن يفطن إلى كل منها، وأن يقدر عند كتابته الجمهور الذي يريد أن يرضيه أو أن يدافع عن مصالحه حتى يلقى ما يهدف إليه من استجابة.
ومسائل السياسة الداخلية يتوقف علاجها على وضع الصحافة القانوني والفعلي ومدى ما يتمتع به من حرية أو ما تخضع له من رقابة والتزامات. فالأمر
فيها ليس أمر رأي فحسب، بل أمر إمكانيات وإباحات ومحظورات أيضا، وهي تحتاج أحيانا إلى لباقة وتحاليل أكثر مما تحتاج إلى قوة رأي أو لسلامة قصد.
وقد يشقى بها الصحفيون شقاء مرا عندما يتعارض رأيهم مع الممكن وغير الممكن.. وقد يحملهم القراء أو المواطنون تبعات لا قبل لهم باحتمالها؛ إذ ينتظرون منهم ما لا تسعفهم به الممكنات من نقد أو توجيه أو معارضة أو تأييد، ولذلك لا تزدهر الكتابة السياسية إلا في ظل نظام تكفل فيه الحدود المقبولة لحرية الرأي والنقد والتوجيه. وفي مثل هذه الحالة تنمو الثقافة السياسية العامة للأمة بفضل الصحافة. وتتعارض الآراء وتتصارع لينتصر الأصلح في نهاية الأمر.
وأما السياسة الخارجية فقد تعقدت هي الآخرى لكثرة التيارات والمنظمات الدولية التي تعمل في العالم. ولا غنى للصحفي عن الإلمام بتلك النظم وطريقة عملها والهيئات التابعة لها واختصاصات كل هيئة ومدى تعلق مصالح بلاده بها. لأن الكثير من مسائل السياسة الدولية أصبح مرتبطا بهذه المنظمات كهيئة الأمم المتحدة بما فيها من جمعية عامة ومجلس أمن ومجلس اقتصادي واجتماعي وما إلى ذلك من وكالات متخصصة كاليونسكو ومنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية وغيرها.
وهناك حركة التكتلات الدولية التي تسيطر الآن على سياسة العالم والتي تشعبت في اتجاهاتها على نحو لا تكاد الصحافة تنجح في ملاحقته. ففي كل يوم تنشأ أحلاف جديدة وتكتلات مشتركة متداخلة، حتى أصبحت السياسة الدولية مختلفة المعاني. وتتبع هذه الحركة يستلزم الاطلاع على الكثير من الوثائق الدولية التي تسجل هذه المواثيق. ومن حسن الحظ أن بعض شركات الأنباء أخذت تعنى بجمع هذه الوثائق ومد الصحف بها، إلى جانب نشراتها الأخبارية، وإن كانت صفحات الجرائد والمجلات كثيرا ما تضيق عن نشر هذه الوثائق، ولكن إدارات الصحف الكبرى تحتفظ بها في محفوظاتها ليستعين بها رئيس التحرير والمحررون المختصون في كتابة مقالاتهم الإيضاحية والإرشادية في السياسة الدولية.