الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد قال اللورد نورثكليف -منشئ الصحافة الإنجليزية الحديثة- أن الشيء الوحيد الذي يساعد على زيادة توزيع الجريدة هو الخبر، والخبر هو كل ما يخرج عن محيط الحياة العادية المألوفة، ويكون مدار حديث العامة والخاصة1.
وهناك تعريف آخر يقول2: إن الخبر الصحفي هو كل خبر يرى رئيس التحرير أو رئيس قسم الأخبار في جريدة ما أنه جدير بأن يجمع ويطبع وينشر على الناس لحكمة أساسية هي أن الخبر في مضمونه يهم أكبر جمع من الناس ويرون في مادته أما فائدة ذاتية أو توجيها هاما لأداء عمل أساسي أو تكليفا بواجب معين إلى آخر ما يراه الناس واجبا يتحتم على الصحافة كأداة من أدوات الإعلام أن تؤديه نحوهم. ومن هنا نستطيع أن نفرق بين الأخبار العادية التي تتداولها بعض الألسنة، والأخبار الصحفية التي تتداولها كل الألسنة.
1 د. عبد اللطيف حمزة، المدخل في فن التحرير الصحفي "1956" ص55، 56.
2 جلال الدين الحماصي، المندوب الصحفي، الجزء الأول "1963" ص23، 24.
الخبر الصحفي بين الشرق والغرب:
على أننا ينبغي أن نفرق بين مفهوم الخبر في الحضارة الغربية ومفهومة في الحضارة الاشتراكية الشرقية، فالصحافة الغربية تجد أن نشر الأخبار غاية في ذاتها. ولعل نورثكليف هو صاحب القول المأثور:"إن كلبا عض رجلا ليس خبرا يستحق النشر، ولكن رجلا عض كلبا هو الخبر الذي يستحق النشر"، بالرغم من أن مثل هذا الخبر يخلو تماما من الدلالة أو القيمة للصالح العام. وقد ذكرنا أن الصحافة الصفراء -صحافة الجنس والعنف والإثارة- قد نجمت عن الرغبة في إثارة الجماهير العريضة، ونشر الأخبار التافهة. وقد ارتبطت هذه الصحافة في أمريكا باسم بولتزر وهيرست1 عندما أصبح التهويل والمبالغة طابعا عاما للصحافة الصفراء من أجل رفع التوزيع وزيادة الأرباح. وأخطر من ذلك عناية هذه الصحف عناية عجيبة بنشر أخبار الجريمة، مما أثار القادة وأرباب
1 pulizer & hearst،
الأقلام والمصلحين. وقد ارتبطت هذه الصحافة الصفراء بالعناوين العريضة "المانشيتات" والمبالغة في استخدام الصور والألوان الزاهية، والإسراف في الرسوم والصور الكاريكاتورية1.
وتعمد الصحافة الصفراء إلى الإكثار من النكت والفكاهات والمداعبات، كما أنها تبتكر الشخصيات، وتخترع المواقف المسرحية الدرامية، وكأنها تدافع عن الصالح العام، في حين أنها تجري وراء الأخبار الشخصية والفضائح، حتى ولو كان ذلك على حساب الأسر المرموقة والشخصيات المحترمة. غير أن القراء في نهاية الأمر، يرفضون هذا النوع من الصحافة، ويسعون وراء الدقة والعناية بالجوهر. ولعل هذا الشعور هو الذي أفضى بجريدة لابرس2 الفرنسية -وهي من الصحف الصفراء- إلى التوقف عن الصدور، سنة 1927، عندما بالغت في التغرير بالجمهور. فقد نشرت هذه الجريدة نبأ وصول طيارين مغادرين إلى نيويورك بعد أن عبروا المحيط الأطلنطي لأول مرة، ثم تبين فيما بعد أن الطائرة سقطت في المحيط.
أما الصحافة في العالم الاشتراكي كالاتحاد السوفييتي مثلا، فإنها تنظر إلى الخبر من ناحية وظيفته الاجتماعية. فالسبق الصحفي لا يقصد لذاته، ولا ينشر خبر من الأخبار إلا بعد التأكد من فائدته للحزب وللمجتمع. فمثلا، لقد ألقى إيزنهاور خطبة هامة طالب فيها بعقد اتفاق عالمي للسلام، وكان ذلك في السادس عشر من إبريل سنة 1953، غير أن الصحافة السوفييتية لم تنشره إلا في الخامس والعشرين من نفس الشهر. كما أن أخبار انتخاب نيكسون مثلا لم تجد طريقها إلى الصحف الاشتراكية إلا بعد فترة من الزمن. وكان الخبر بسيطا في ذيل عمود في آخر الصفحات. بل إن أخبار أبوللو 12 و13 و14 ووصول رواد الفضاء إلى القمر لم تجد طريقها للنشر. وهناك تعريف للخبر يقول:"إن الخبر هو ذلك الشيء الذي يخدم مصالحنا! ".
1 frank luther mott، american journalism.
2 la presse.
ويرى السوفييت أن السبق الصحفي عادة برجوازية سيئة. ويعلل جوكوف -نائب رئيس تحرير البرافدا- سبب التأخر في النشر والتعليق على بعض الأحداث العالمية يومين أو ثلاثة بقوله: "إن النجار الماهر يقيس سبع مرات ويقطع مرة واحدة"1 فليس غريبا أن تقبع البرافدا في مكان هادئ بمبناها الضخم المرتفع، ولا يسمح للأجانب بالصعود إليها إلا بإذن خاص، ولا حتى للسوفيتي نفسه، إلا بعد تقديم بطاقته إلى الحارس الرسمي.
والحقيقة أن الصحافة السوفييتية قد تعرضت لنقد عنيف في المقال الذي نشرته مجلة الحزب القومية "كوميونست" بقلم ستربيوكهوف وهو من الموظفين البارزين في إدارة الإعلام والدعاية المركزية للحزب الشيوعي، وقد جاء فيه:"إن الصحف السوفييتية جامدة مملة، ذات طابع واحد، وسطحية، وضعيفة من وجهة النظر الأيديولوجية. وإننا لو نظرنا إلى مجموعة من الصحف والمجلات الصادرة لما أمكن التفريق بينهما إلا بالنظر إلى أسمائها".
وتطالعنا جريدة "البرافدا" في الخامس من مايو سنة 1956-وهو يوم الصحافة السوفييتية- بمقال جاء فيه: "إن تقرير اللجنة المركزية إلى المؤتمر العشرين أبرز أهمية توجيه عناية خاصة إلى تدعيم دور الصحافة في جميع الميادين السياسية والتنظيمية والأيديولوجية. وعلى ذلك يجب إدخال تحسينات جوهرية على طريقة تحرير الصحف وإزالة الأخطاء التي جعلت من الصحافة شيئا غير مستساغ، وتعالج موضوعات مكررة لا معنى لها".
وقد امتدح "بولن" -مساعد رئيس تحرير الأزفستيا- الصحافة الغربية، ونصح الصحفيين بمحاولة إرضاء أذواق القراء. ولقد أعرب إيفار سبكتور2 عن هذه الحقيقة بقوله: "إن الروس الذين يقرءون الصحف الأمريكية محقون في إبداء دهشتهم، عندما تفاجئهم هذه الصحف بأخبار الحوادث والجرائم وحالات الطلاق والزواج وغيرها من أخبار المجتمع، وهم يدهشون كذلك عند رؤيتهم قسما خاصا
1 أحمد بهاء الدين، شهر في روسيا، صحفة 109.
2 إيفار سبكتور، خطر العقل الروسي ترجمة صلاح الشبكشي، صفحة 14.