الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستقلة. فهذه هي طريقة التعبير الأوروبي تماما بالجمل الاسمية المستقلة التي تجعل فيها النقط والوقفات، فقرات متتالية.
فطريقة تحرير الأخبار الصحفية المترجمة من أجهزة "التيكرز" أو المبرقات الصحفية قد ساعدت على تطور أسلوب صحفي جديد على اللغة العربية، تتناثر فيه الجمل وتستقل عن بعضها البعض في وحدات ذات مغزى. غير أن هذا الأسلوب الأخباري الصحفي سرعان ما أخذ يغزو فنون الصحافة الأخرى حتى طغى على المقال والتحقيق والحديث والعمود واليوميات وغيرها.
ولا بد أن القارئ الحديث يضحك كثيرا عندما يقرأ في الصحف المصرية القديمة تلك الأخبار التي حرص كاتبها على أن تكون مسجوعة ومليئة بزخارف الجناس والطباق. ثم بالتدرج أخذت الصحف تتخلص من هذا الشكل العتيق من أشكال التحرير. ثم لم يقف الأمر عند هذا الحد حتى وجدنا أن فن تحرير الخبر أصبح له أصول وقواعد وقوالب وصيغ معينة، نتحدث عنها في الفصول القادمة.
الصحافة والطباعة والتعليم:
والحقيقة أن الفن الصحفي الحديث كان نتاج تقدم حضاري، ولم يكن تلازم اختراع الطباعة مع ظهور القومية والنهضة الإنسانية والاعتراف بالرأي العام والديمقراطية مجرد مصادفة؛ لأن هذه الظواهر جميعها قد تفاعلت مع بعضها البعض بطريقة دينامية حية ساعدت على خلق ثقافة حديثة، وهيأت الجو لظهور الصحافة، ثم لتطور الفن الصحفي الحديث.
وقد شهدت السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر ثورة لغوية ساعد على الإسراع بها خمس آلات أصبحت الآن معروفة وشائعة حتى أصبحنا الآن لا نلقي بالًا لأهميتها الاجتماعية والفردية. ففي عام 1876 اخترع جراهام بيل التليفون. وفي سنة 1877 اخترع أديسون الجراموفون، وبعد حوالي عشرين عاما في ذلك
التاريخ استطاع ماركوني أن يجعل الاتصال اللاسلكي ممكنا. ولم تمض ثلاثون سنة على نفس التاريخ حتى أصبحت الأفلام الناطقة وسيلة للأخبار والتسلية، كما أصبح التليفزيون وسيلة محبوبة في بلاد كثيرة.
وفي نفس هذه الحقبة، أخذت الحكومات تعترف بمسئوليتها في التعليم ومحو الأمية، وأنشئت المدارس الابتدائية والالزامية على نطاق واسع بعد سنة 1870. ولا شك أن محو الأمية قد ساعد على انتشار الصحافة، وألزم الصحف باتخاذ أساليب جديدة، وفنون حديثة للاتصال بهذه الجماهير العريضة التي محيت أميتها، وكان من الضروري أن تجد في الصحافة مجالا للاطلاع والقراءة.
فشهدت هذه الحقبة مولد الفن الصحفي الذي يتوجه إلى الجماهير العريضة بلغة سلسلة سهلة، وفنون طباعية تؤكد المعاني إلى جانب الكلمة البسيطة.
ولا شك أن استخدام طابع البريد ذي الثمن الزهيد، والمكتبات الشعبية الحرة، وتوفير المواد المطبوعة طبعا أنيقا بالألوان، والتعبير عن الأفكار والمشاعر بطريقة بيانية طباعيا كل ذلك كان يسير جنبا إلى جنب مع تقدم طرق المواصلات ووسائل الاتصال السلكية واللاسكية. ففي مستهل القرن العشرين تزايد عدد القراء حتى أصبح يحصى بالملايين وأصبح للفن الصحفي لغته الخاصة وأساليبه الفنية لسد حاجات هؤلاء الملايين. ولم يلبث هذا الفن الصحفي نفسه أن أصبح مؤثرا على الحضارة، فأسهم في إدخال أساليب جديدة للسلوك، وعادات جديدة، ومواقف اجتماعية مستحدثة.
وقد ذهب العالم الأمريكي مارشال ماكلوهان إلى حد إسناد روح الفردية وروح القومية إلى اختراع جوتنبرج للحروف المتحركة وتنفيذها في أسطر مكونة من كلمات متتابعة. وهو يرى أن الحضارة تشتق طابعها من وسيلة الإعلام. فهو يقول إن الطباعة قد أدت إلى تفجيرات في المجتمعات فأصبحت فردية ومجزأة. وبفضل الكهرباء والتليفزيون، انتعش الإحساس الجمعي والشعور بالعالمية.