الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويعلق على ذلك قائلا: "الجامعة الإسلامية إذن ليست في الواقع إلا شعورا عاما لدى المسلمين جميعا بالظلم، وشكايات متكررة من وقع هذا الظلم، ورغبة عامة في النهوض بالأمم الإسلامية للتخلص من آثار الظلم إلى الأبد".
فلا شك -إذن- أن بيئة التنوير، وعصر النهضة الفكرية، وتفجير طاقات النقد والنقد الذاتي، والابتداع في التحليل والتشخيص، والاتجاه نحو الترشيد والعقلانية، وظهور الرأي العام المصري وتكونه من خلال الصحافة والتعليم، والتأثر بالتيارات الفكرية الحديثة، والرغبة في التغيير السياسي والاجتماعي كل هذه الظروف والعوامل قد هيأت الجو لظهور فن المقال الصحفي لأنه بطبيعته فن حضاري يزدهر في بيئة الفكر والعلم والنهضة والتنوير.
ماهية فن المقال:
وكلمة مقال1 ذاتها تعني محاولة2 أو خبرة3 أو تطبيقا مبدئيا4 أو تجربة أولية5. وقد رأينا أن روح عصر النهضة هي روح التجربة، والعناية بالخبرة الإنسانية، والاهتمام برأي الفرد، والإيمان بقدرته، فهناك تطابق تام بين طبيعة فن المقال، وروح عصر النهضة. فالمقال محاولة لاختيار فكرة من الأفكار، أو لتدبر رأي من الآراء، أو لتأمل اتجاه من الاتجاهات النفسية، والتعبير عنها بأسلوب سلس جذاب.
فليس المقال بحثا علميا، أو فصلا من فصول كتاب أدبي أو علمي ولا قصة ولا محاضرة من المحاضرات المنظمة ولا دراسة مرتبة ترتيبا منطقيا، وإنما المقال فكرة يتلقفها الكاتب من البيئة المحيطة به، ويتأثر بها -وفي هذا الجو الوجداني للتلقف يعبر الكاتب عن هذه الفكرة بطريقة ما، حظها من النظام قليل، وحاجته إلى الترتيب والتمحيص والتدقيق أقل، ذلك أن الكاتب لا يقصد إلى التعبير
1 ESSAY.
2 EPREUVE.
3 EXPERIENCE.
4 PREMIERE APPLICATION.
5 PREMIERE TENTATIVE.
بالمنطق الشكلي الجامد، وإنما بالمنطق النفسي الإنساني. فالمقال حديث يوشك أن يكون عاديا، يعرض الكاتب فيه على قرائه فكرة أو اتجاها، كما يعرض لموضوع من الموضوعات التي يزجي بها وقت الفراغ من بعض الجلساء.
أليست هذه الصفات تتطلب اعترافا بقيمة الفكر والرأي؟ أليست تتضمن احتراما لشخصية الكاتب والقارئ على السواء؟ أليست تنطوي على معنى الحرية والمناقشة والحوار؟ أنها تفتح مجالا للتفكير والمسامرة والتوجيه والإرشاد والترفيه والتسلية والتجربة والتعليم والتنشئة الاجتماعية -وهي جميعا- أهداف الفن الصحفي نفسه، كما سبق القول.
ولعل أشهر تعريف للمقال1 ما ذهب إليه الدكتور جونصون، وهو يتفق مع ما أشرنا إليه من قبل "المقال وثبة عقلية لا ينبغي أن يكون لها ضابط من نظام، وهو قطعة إنشائية لا تجري على نسق معلوم، ولم يتم هضمها في نفس صاحبها، أما الإنشاء المنظم فليس من المقال في شيء".
وفي تعريف آخر2: "المقال هو الإنشاء المتوسط الطول، يكتب نثرا عادة، ويعالج موضوعا بعينه بطريقة بسيطة موجزة على أن يلتزم الكاتب حدود هذا الموضوع، ويكتب عنه من وجه نظره هو". وما كان المقال، الذي هو أصلا اتجاه ذاتي -عندما يكون المقال أدبيا- أو وثبة ذهنية أو وجهة نظر خاصة بصاحبها، أو مسامرة طريفة تنم على شخصية قائلها، ليجد بيئة أكثر ملاءمة من بيئة عصر النهضة. وليست كذلك مجرد صدفة أن يكون أول من يكتب في هذا الفن اثنان من أئمة عصر النهضة هما: مونتاني3 وبيكون4. كما وجدنا أيضا أن أئمة عصر التنوير المصري والنهضة السياسية والاجتماعية من أمثال رفاعة الطهطاوي والنديم ومحمد عبده وأحمد لطفي السيد وقاسم أمين ومحمد حسين هيكل هم أنفسهم أعظم كتاب المقال المصري.
1 يلاحظ أن كلمة ESSAY مشتقة من الفعل essayer ومعناه يقيس أو يزن أو يختبر أو يجرب، ومشتقة أيضا من الاسم assay ومعناه اختبار المعادن مثل الذهب أو الفضة لمعرفة جوهرها أو حقيقتها. ونلاحظ أن كلمة essay الإنجليزية ومرادفتها الفرنسية essai تتفق إلى حد كبير في المعنى اللفظي لكلمة مقال العربية. فهذا اللفظ باشتقاقه من الأصل قال والاسم هو القول بمعنى الرأي أو الاتجاه. وهكذا تتقارب في نظرنا المعاني اللفظية للكلمات الإنجليزية والعربية والفرنسية: essai ومقال و essai.
2 encyclopedia britannica، vol. 8-p.716.
3 montaigne.
4 bacon.