المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجموع إذا اعتل مفردها - دراسات في النحو

[صلاح الدين الزعبلاوي]

الفصل: ‌الجموع إذا اعتل مفردها

‌الجُموع إذا اعتلَّ مُفرَدُها

كثيراً ما يشكل الجمع إذا ما اعتلت عين مفرده أو لامه، فلفظ (الثُّريَّا) بضم الثاء وفتح الراء وياء مشددة، على هيئة التصغير، قد جمع على (الثُّرَيَّات) بإضافة الألف والتاء بعد حذف ألف التأنيث، عند بعضهم، كما جمع (الثُّريَّيات) بإضافة ياء مخففة، بعد الياء المشددة، عند آخرين. ويلتبس الأمر أيضاً فيما اعتلت عينه كمكيدة ومعيشة، متى تظهر الياء في تكسيره، ومتى تبدل همزة، وكذلك المنارة والملامة والمناحة والمغارة والمخاضة، أترد ألفها في التكسير إلى الأصل، أم تؤول همزة. ولابد في هذا من ضابط يُقتاس به، وقياس يُطبع على غراره، فيُعرف بهديه حال المفرد المعتل ووجه الحكم فيه.

*جمع الثريا *عرض الأستاذ محمد علي النجار في كتابه (لغويات) لـ (ثُريَّا) أتجمع على (ثُريَّات) ، بياء مشددة بعدها ألف وتاء. أم على (ثرييات) بإضافة ياء مخففة بين الياء المشدّدة والألف والتاء؟

ولا يخفى أن (الثُّريَّا) اسم للنجم المعروف. وقد جاء في اللسان (والثروان الغزير، وبه سمي الرجل ثروان، بفتح وسكون، والمرأة ثريا، بضم الثاء وراء مفتوحة بعدها ياء مشددة، وهي تصغير ثَروى. والثريا من الكواكب سميت لغزارة نَوْئها، وقيل سميت بذلك لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها. فكأنها كثيرة العدد بالإضافة إلى ضيق المحل. لا يتكلم به إلا مصغراً، وهي تصغير على جهة التكبير

) . وقد أطلقت (الثُّريا) على المصباح، ففي اللسان:(الثريا من السُّرج، بضم السين والراء، على التشبيه بالثريا من النجوم) . وفي المزهر (2/ 164)، (وقال أبو حاتم: الثريا النجم مؤنثة بحرف التأنيث مصغرة، ولم يسمع لها تكبير، وكذلك الثُّريا من السُّرج) .

أما جمع (ثريا) فبابه التصحيح بالألف والتاء، بعد أن تقلب ألف تأنيثه ياء، كما تقلب ألف (حُبلى) ، في التثنية والجمع، فيقال (ثرييات) ، بتشديد الياء الأولى مفتوحة كما هو الأصل، تعقبها الياء المخففة التي صارت إليها الألف المقلوبة: كما قلبت ألف (حبلى) فجمعت على (حُبلَيات) .

لكن الشائع في جمع (ثريا) كما اطرد في كلام الكتَّاب وكثر على الالسنة هو (ثريات) بحذف ألفه وإضافة الألف والتاء، فهل لهذا وجه في طرائق العربية؟

ص: 430

ذهب الأستاذ النجار إلى أن العربية لا تجيز حذف الألف الخامسة إلا استثناء. وقد استشهد بقول الرضي في شرح الكافية (2/ 174) : (وقد يحذف الألف الزائدة خامسة فصاعداً في التثنية والجمع بالألف والتاء، كما في زَبْعَرى وقَبَعثرى. ولا يقاس عليه خلافاً للكوفيين) . وهكذا جمع الأستاذ (الثريا) على (الثرييات) . لكنه استدرك فقال: (لولا أن الثريات قد ذاعت وشاعت وأصبح من العسير صرف الناس عنها وتجنيبهم إياها) فلم يَر جواز حذف الألف الخامسة من (ثريا) لتجمع على (ثريات) ، بل ذهب إلى التسمح في هذا الجواز. وقد حاول أن يلتمس لهذا الحذف وجهاً فخلص بعد البحث إلى أن للثريا صورة أخرى هي (الثرية) بتاء التأنيث، وهذه تجمع قياساً على (ثريَّات) . قال:(هذا وقد رأيت في كتاب الأنيس المطرب.... كتابة الثريا في صورة الثُّريَّة. وقد ذكر هذه الصورة في كتابة ـ الثريا ـ دوزي في معجمه، وهذا كما ينطق به العامة اليوم. وهو جار على أصل سَرى في لسانهم. وقد يستبدلون بألف التأنيث تاء التأنيث فيقولون في الحُبلى حُبلة، وفي الحمراء بعد قصرها حمرة) . ثم قال: (ويحاول بعض الباحثين أن يجعل الثَّرية تصغيرة ترخيم للثروَى، وعلى هذا فالثريات جمع صحيح) .

*من المحدثين من أوجب جمع ثريا على ثريات *

قد بحث جمع (ثريا) الأستاذ عباس حسن في سفره المشهور (النحو الوافي) ، فذهب مذهباً آخر أوجب فيه حذف الألف الخامسة في المفرد، وجمعه على (ثريات) ، كما طاعت به ألسنة الكتاب، دون (ثرييات) فجرت مقالته من مذهب الأستاذ النجار مجرى الضد. وقد استدل على ما انتحاه بقول صاحب المزهر (2/ 52) :(ليس في كلامهم كلمة فيها ثلاثة أحرف من جنس واحد. ليس ذلك من أبنيتهم استثقالاً، إلا في حرفين: غلام بَبَّة أي سمين، وقول عمر بن الخطاب: لئن بقيتُ إلى قابل لأجعل الناس بَبَّاناً واحداً، أي أساوي بينهم في الرزق والأعطيات) .

ص: 431

أقول هذا قول ابن خالويه، ففي المصباح: (يقال هم ببّان واحد، مثقل الثاني، ونونه زائدة في الأكثر فوزنه فعلان، وقيل أصلية فوزنه فعَّال، والمعنى هم طريقة واحدة

قال ابن خالويه في كتابه: ليس في كلام العرب كلمة ثلاثية من جنس واحد، سوى كلمتين ببّة وببّان واحد) . وقال الجوهري: (ويقال هم ببان واحد، كما يقال بأج واحد. قال عمر بن الخطاب

) . وأورد الحديث.

وقال الأستاذ عباس حسن (4/ 458) : (وإذا قلبت الزائدة) على الثلاثة ياء، وأدى قلبها إلى اجتماع ثلاث ياءات في آخر كلمة واحدة، وجب حذف التي قبلها مباشرة، نحو ثريا وثريان وثريات، لكيلا يجتمع في الكلمة ثلاثة أحرف من نوع واحد) . وقال: (فلو قلبت ألفها ـ أي ألف ثريا ـ في التثنية.... وقلنا ثُرَييَّان لاجتمع في آخر الكلمة الواحدة ثلاثة أحرف هجائية من نوع واحد، وهذا ممنوع ـ غالباً ـ تبعاً لما نص عليه صاحب المزهر

حيث قال: ليس في كلامهم ثلاثة أحرف من جنس واحد....) . فما صواب المسألة.؟

*جواز جمع ثريا على ثريات وثريَّات *

صحة المسألة عندي أن جمع (ثريا) على (ثريات) بحذف ألفها جائز، بوجه من الوجوه، خلافاً لما ذهب إليه الأستاذ النجار، وأن جمعها بإثبات الياء على (ثرييات) غير مأبيّ ولا منكور، وهو الأصل والقياس، خلافاً لما انتحاه الأستاذ عباس حسن.

ص: 432

أما أن جمع (ثريا) على (ثريات) بحذف الألف سائغ، فذلك أنه إذا كان الرضي قد قصر حذف الألف الخامسة فصاعداً على (زبعرى وقبعثرى)، فقال:(ولا يقاس عليه خلافاً للكوفيين)، فانظر إلى ما جاء في اللسان حول تثنية (القهقرى والخوزلى) :(الأزهري: ابن الأنباري إذا ثنيت القهقرى أو الخوزلى تثنية بإسقاط الياء فقلت القهقران والخوزلان، استثقالاً للياء مع ألف التثنية وياء التثنية) . وقد أورد ذلك صاحب التاج فقال: (ونقل الأزهري عن ابن الأنباري قال: "القهقرى تثنية القهقران وكذلك الخوزلى، بحذف الياء فيهما استثقالاً لها مع ألف التثنية، وياء التثنية) .

فقد رأيت أن حذف الألف الخامسة فصاعداً في المقصور، عند التثنية، والجمع، لا يقتصر على زَبَعرى وقَبَعثرى، إذ أجازوه في القهقهرى والخوزلى أيضاً. قال: الإمام الصبان في حاشيته (4/ 108) : (قولهم القهقران والخوزلان، والقياس قهقريان وخوزليان) ، بل أجازوه في (جوزلى) بالجيم أيضاً، قال صاحب الهمع (1/ 44) :(وورد أيضاً حذف الزائدة وهي خامسة، سمع جوزلان في جوزلى) . وما دامت العلة في الحذف، الاستثقال، فالاستثقال في اجتماع ياءات (ثريَّيات) ، أوجب لجواز الحذف وأدعى، والباب واحد.

وإذا كان النحاة قد جعلوا من الاستثقال لاجتماع واوين تفصل بينهما ألف، سبباً لتثنية عشواء) على (عشواءين) بدلاً من (عشواوين) جوازاً أو وجوباً، فحذف ياء (ثريا) المقلوبة من ألفها عند الجمع أقرب وأسوغ. قال الأشموني (4/ 109) :(وزعم السيرافي أنه إذا كان قبل ألف واو، يجب تصحيح الهمزة، لئلا تجتمع واوان ليس بينهما إلا الألف. فتقول في عشواء عشواءان بالهمز، ولا يجوز عشواوان، وجوز الكوفيون، في ذلك الوجهين) .

ص: 433

هذا وعلة الاستثقال في حذف ألف (ثريا) المقلوبة ياء، حين الجمع، هي علة جواز لا علة وجوب، فأنت تقول في الجمع (ثريات) على الحذف، كما تقول (ثرييات) على الأصل أما اعتداد الأستاذ عباس حسن هذه العلة المجوزة علة موجبة، وجمع (ثريا) على (ثريات) قصراً دون (ثرييات) فليس بالوجه ذلك أنه احتج لوجوب الحذف بدليلين:

الأول: ماجاء في المزهر من امتناع اجتماع ثلاثة أحرف هجائية من جنس واحد في كلمة واحدة.

والثاني: ما ذكره العلماء في باب التصغير من وجوب حذف إحدى الياءين إذا وليا ياء التصغير.

أما عن الأول فالكلام ليس على إطلاقه. ذلك أن اجتماع ثلاثة أحرف هجائية من جنس واحد ممتنع إذا كانت أحرفاً أصلية. فقد قصر ابن خالويه كلامه في هذا على ماكان ثلاثياً، إذ قال: (ليس في كلام العرب كلمة ثلاثية من جنس واحد سوى كلمتين

) . فالنص إذن لا يجري على (ثرييات) البتة.

هذا وليس مجيء الفاء والعين واللام على حرف واحد، في الكلمة الواحدة، ممتنع قطعاً، فقد جاء في الفعل. فانظر إلى قول ابن الحاجب في الشافية (1/ 72) ، (وأن الياء وقعت فاء وعيناً ولاماً، في ييَّيتُ) .

قال الرضي: (مذهب أبي علي أن أصل الياء، يوى، فتقول يوّيت ياء حسنة، أي كتبت ياء، وعند غيره أصله، ييى، فهم يقولون: ييت، وتييت، وثييت إلى آخرها. وقال أبو علي: يوَّيت إلى آخرها)، وقال:(وإنما حكم أبو علي بكونها واواً، وأن لامها ياء لكثرة باب طويت ولويت وكونه أغلب....) . والذي يعنيه هذا أن عدول أبي علي إلى (يويت) كان لمحض غلبة باب (طويت ولويت) ، لا لامتناع توالي الياءات.

ص: 434

وأما عن الحجة الثانية فإن الأستاذ عباس حسن قد استند في جمع (ثريا) أو تثنيتها بالحذف، إلى علة حذف الياء في التصغير، فقال:(وإذا قلبت الزائدة على الثلاثة ياء وأدى قلبها إلى اجتماع ثلاث ياءات في آخر كلمة واحدة، وجب حذف التي قبلها مباشرة نحو ثريا وثريان، لكيلا يجتمع في الكلمة الواحدة ثلاثة أحرف من نوع واحد 4/ 458) . وبنى كلامه على ماجاء في (المزهر) مما تقدم القول فيه، وعلى ما أورده صاحب الهمع، والصبَّان، في باب التصغير. قال الأستاذ عباس حسن: (وجاء في الجزء الثاني من الهمع ما نصه: إذا ولي ياء التصغير ياءان حُذف أولاهما لتوالي الأمثال

وجاء في الصبان أول باب التصغير ما نصه: قال في التسهيل يحذف لأجل ياء التصغير أولى ياءين ولياها

) .

أقول قد شرح ذلك الأشموني فقال (4/ 164) : (فإنه إذا صغر تلحقه التاء نحو سماء وسميَّة. وذلك لأن الأصل فيه، أي تصغير سماء: سُمَيِّي، بثلاث ياءات، الأولى ياء التصغير والثانية بدل المَدَّة والثالثة بدل لام الكلمة: فحذف إحدى الياءين الأخيرتين، على القياس المقرر في هذا الباب، فبقي الاسم ثلاثياً فلحقه التاء

) . والذي يُفهم من كلامه أن حذف الياء هنا، حين تتوالى ثلاث منها، قياس مقرر في هذا الباب، أي في هذا الموضع الذي مثل له التصغير، لا على جهة الإطلاق، ولكن ما شروط الحذف هذه؟

أجاب عن ذلك الصبان في تعليقه على ما أثبتناه من كلام الأشموني، وقد أورد الأستاذ عباس حسن جانباً منه (4/ 533)، قال الصبان:(قوله على القياس، وهو حذف إحدى الياءات الثلاث عند اجتماعها في الطرف، بعد عين الكلمة، فلا يرد تصغير مهيام على مهييم، وحي على حيي ـ 4 / 164) . على أن كلام الصبان هذا ككلام الأشموني مخصوص بالتصغير بل بموضع من التصغير.

ص: 435

ذلك أنك إذا صغرت (سماء) قلت فيه (سُميِّو) على (فُعَيِّل) . فإذا أجريت عليه الإعلال قلت (سُميِّي) . وهكذا تجتمع ثلاث ياءات. قال الأشموني: (الأولى ياء التصغير والثانية بدل المدة، والثالثة بدل لام الكلمة، فحذف إحدى الياءين الأخيرتين) . فإذا أسقطت إحدى الياءين الأخيرتين فعلاً انتهت إلى (سُمَيّ) فإذا زدت التاء، وزيادتها واجبة فيه، قلت (سُميَّة) . وهكذا (عطاء) فتصغيره على (فُعَيِّل) عُطَي. والذي عنوه هنا بما مثلوا أن الياء المشددة بإدغام ياء التصغير بالياء التي تليها، قد جاءت مكسورة. وسترى أن هذا الكسر شرط للحذف مع تطرف الياء الثالثة. ولا يصح هذا في (ثريا) لأن أصلها (ثَروى) صُغرت على (ثُرَيَوَى) وزان فُعَيْلَى، فقلبت الواو فيها ياء فغدت (ثريا) ، فكانت الياء المشددة بإدغام ياء التصغير بالياء التي تليها، مفتوحة لا مكسورة، وبقيت كذلك في جمعها على (ثرييات) .

اجتماع الياءات الثلاث في الاسم المصغر

لا يوجب حذف إحداها إلا بشروط

ص: 436

إن اجتماع ثلاث ياءات في الاسم المصغر: الياء المشددة المفتوحة والياء المتطرفة كما هو الحال في (ثرييات) ، وقد دعيت متطرفة لعدم لزوم الألف والتاء كما لم تلزم ألف التثنية، لا يستوجب الحذف الذي جرى في تصغير سماء وعطاء، خلافاً لما ذهب إليه الأستاذ عباس حسن. قال الرضي في شرح الشافية (1/ 231) : (وذلك إذا اجتمع ثلاث ياءات والأخيرة منها متطرفة لفظاً

أو تقديراً

وثانيتها مكسورة مدغم فيها، ولم يكن ذلك في الفعل نحو أحَيِّي ويُحَيِّي، ولا في الجاري على الفعل نحو المُحيَّي، وجب حذف الثالثة نسياً، كما يجيء في باب الإعلال تحقيقه) فلابد في حذف الياء الثالثة في المصغر من تحقق شروط أربعة: اجتماع ثلاث ياءات، وتطرف الأخيرة، وكسر الياء المشددة، وألا يكون ذلك في الفعل أو ما جرى على الفعل. وقد أكد الرضي في باب الإعلال (3/ 187)، الشرط الثالث حين قال:(مع انكسار المشددة منها..) كما أكده في شرح الكافية (2/ 59) ، وهذا ما جاء في الكتاب لسيبويه (2/132) ، وشرح الشافية للرضي (1/235) ، و (3/188) ، و (3/192) .

فدل ما ذكرناه وبسطنا القول فيه أنه ليس في (ثرييات) ما يوجب حذف الياء. فإذا عدلنا إلى الحذف فقلنا (ثريات) كما هو مذهب الكوفيين، وكما أجازه البصريون في جمع (الزبعرى والقبعثرى والقهقهرى والخوزلى والجوزلى) ، كانت علة الحذف، وهي الاستثقال، علة مجوّزة لا موجبة، كما بيناه.

هذا وقد جاء وزان (ثريا) ، الحُذَيا للعطية أو القسمة من الغنيمة، والحُميَّا لشدة الغضب، والحدة والسَورة، والهُدَيا للمِثل، والحُديا للمنازع والمعارض، من التحدي.

*ما اعتلت عينه فثبت حرف العلة في جمعه على مفاعل *

يشكل على الكتاب جمع ما اعتلت عينه، على (مفاعل) أو ما جاء على هيئته، فيجمعون (المصير والمضيق) ، على مصائر ومضائق بالهمز، والصواب فيهما مصاير ومضايق بالياء.

ص: 437

والقياس في هذا أنه إذا اعتلت عين المفرد أصلاً بواو أو ياء، أو ألف مقلوبة عنهما، ثبت الواو أو الياء في الجمع. تقول فيما اعتلت عينه أصلاً بياء أو ألف مقلوبة عنها (المصير والمصاير) من صار يصير، و (المضيق والمضايق) من ضاق يضيق، و (المكيدة والمكايد) من كاد يكيد، و (المعيب والمعاب والمعابة والمعايب) من عاب يعيب، و (المطار والمطير والمطاير) من طار يطير، و (المعيش والمعيشة والمعاش والمعايش) ، وهكذا تقول (ما زال العدو يبث لنا مصايده، وينصب مكايده، ويرسل جنده في شعاب الوادي ومضايقه)، كما تقول:(ما زال الخصم يتسقط مثالبنا ويبغي معايبنا) ، و (الأمور بعواقبها ومصايرها) ، كل ذلك بالياء دون الهمز. قال الهمذاني في ألفاظه (هذه فواتح الأمور وأعقابها ومصادرها ومصايرها وعواقبها)، وقال:(حصرتهم في مضايقهم ومحاجرهم) . وقال صاحب العين (الجِزع ما اتسع من مضايق الوادي نبت أم لم ينبت) .

أما ما اعتلت عينه بواو أصلاً، أو ألف مقلوبة عنها، فإنك تقول فيه (المقام والمقامة والمقاوم) من قام يقوم، و (المعونة والمعاون) ، وهو مفعلة من العون، و (المثوبة والمثاوب) وهو مَفعَلة إذا كانت مَثوَبة، ومَفعُلة إذا كانت مَثُوبة وكلاهما من الثواب. و (المنارة والمناور) وهو مفعلة من النور، و (المجال والمجاول) من جال يجول، و (المقال والمقالة والمقاول) ، من قال يقول. وهكذا (المخاضة والمجاعة والمناحة والمغارة والمفازة والمسافة والمخافة)، فإنك تقول في جمعها (المخاوض والمجازع والمناوح والمغاور والمفاوز والمساوف والمخاوف) . تقول:(ما أخلاني فلان من عائدته ونواله ومعاونه)، و (جزاك الله المثاوب الحسنى) . وفي نهج البلاغة (2/232) :(كانت لهم مقاوم العز وحلبات الفخر) . وعلى هذا عامة ما يرد عليك من هذا الضرب.

ص: 438

هذا وما تثبت الواو أو الياء في جمعه، يرد الحرف المعتل متحركاً في واحده. فالمعونة التي جمعت على (المعاون) مضمومة العين في الأصل لأنها (مفعُلة) . و (المناحة) التي كسَّرت على (المناوح) مفتوحة العين في الأصل لأنها (مفعلة) ، ذلك خلافاً لما تثبت الهمزة في جمعه بدلاً من المدة الزائدة في واحدة، كما سنراه. لهذا اعتد العلماء تحرك المعتل في الواحد شرطاً لثبوته في الجمع، وهو يثبت فيه ولو كان زائداً. قال الرضي في شرح الشافية (3/ 103) :(وذلك بقصد الفرق بين المدتين الزائدتين، وبين الواو والياء اللتين كان لهما في الواحد حركة سواء كانتا أصليتين كمقاوم ومعايش في جمع مقامة ومعيشة، أو زائدتين ملحقتين بالأصل كعثاير وجداول، في جمع عثير وجدول. فإن ما له حركة أصلية أجلد وأقوى فلا ينقلب) . وقال ابن يعيش في شرح المفصل: (ألا ترى أنك لا تهمز ياء معيشة، بل تتركها ياء على حالها في الجمع نحو قولك معايش، لكون الياء أصلاً متحركة في الأصل) .

*ما كسِّر من الأسماء فثبتت الهمزة في جمعه *

القياس فيما تثبت الهمزة في جمعه أن يكون في واحده حرف مد زائد كالألف في (رسالة) والواو في (عجوز) ، والياء في (دفينة) ، فأنت تقول في جمعها (رسائل وعجائز ودفائن)، بالهمز. فالهمزة في جمعها بدل من المدة الزائدة في واحدها. قال الرضي في شرح الشافية (3/102) :(وأما الهمزة في نحو رسائل فبدل من الألف التي في الواحد، لا من الألف المنقلبة عن الواو والياء) . وهكذا تقول في (منيحة) : منائح. وأما (مناحة) فقد مر أن جمعها (مناوح) ، فالياء في منيحة حرف مد زائد، والألف في مناحة مقلوبة عن الواو المتحركة أصلاً. قال الهمذاني في ألفاظه:(هي النعم والمنائح والعطايا) . وقال ابن منظور (المناحة اسم يجمع على المناحات والمناوح) .

*قد تخفف الهمزة فتقلب ياء أو يمتنع قلبها *

ص: 439

من العلماء من أجاز تخفيف الهمزة في باب (رسائل) ولفظها (رسايل) . قال الأستاذ محمد علي النجار في كتابه (لغويات) : (بل وقفت على أن الزجاج أجاز النطق بالياء في نحو شعائر ورسائل وهاك نص الارتشاف: وفي الترشيح عجائز وقبائل ورسائل بالهمز، ولا تحرك بالياء لأنه لا أصل لها في الحركة. وقد يجوز تخفيف الهمز في هذا كله وقلبه ياء، أجازه أبو اسحاق الزجاج، قياس الهمزة قياس ماض في هذا وشبهه ا. هـ، وقرأ ابن كثير رواية شعاير بالياء)، وذلك في قوله تعالى:(إن الصفا والمروة من شعائر الله (. (البقرة ـ 158) .

وإذا جاز تخفيف الهمزة في باب (رسائل) والتلفظ بها ياء، فلا وجه لهذا الإبدال البتة في مثل (بائع وقائل) . قال المبرد في الكامل (2/ 125) :(والرائع مهموز، وكذلك كل فعل من الثلاثة، مما عليه واو أو ياء، إذا كانت معتلة ساكنة. تقول: قال يقول، وباع يبيع، وخاف يخاف، وهاب يهاب، ويعتل اسم الفاعل فيهمز موضع العين نحو قائل وبائع وخائف وهائب. فإن صحت العين في الفعل صحت في اسم الفاعل نحو عوِر الرجل فهو عاور، وصَيِد فهو صايد. والصَيَد داء يأخذ في الرأس والعين والشؤون. وإنما صحت عوِر وحَوِلَ وصَيِدَ، لأنه منقول من أحولَّ واعورَّ..) .

ونحو من ذلك قول ابن جني في كتاب التصريف (55) : (متى اعتلت عين فَعل بعد ألف فاعل همَزَتَ البتة لاعتلالها، ذلك نحو قام فهو قائم: وسار فهو سائر، وهاب فهو هائب، فإن صحت في الماضي صحَّت في اسم الفاعل أيضاً، وذلك نحو عوِر فهو عاوِر، وحَولِ فهو حاول، وصيد البعير فهو صايد غير مهموز) . قال الأستاذ محمد سعيد النعسان الحموي في شرحه: (يجب أن يكتب نحو قائم وسائر وهائب بالياء، على حكم التخفيف، لأن قياس الهمزة في ذلك أن تسهل بين الهمزة والياء، فلذلك كتبت ياء، وأما إبدال الهمزة في ذلك ياء محضة فنصُّوا على أنه لحن، ومن ثم امتنع نقط الياء من قائم وسائر وهائب ونحوها) .

ص: 440

وجاء في المخصص لابن سيده (2/ 6) : (ألا ترى أن عين فاعل، مما هي فيه حرف علة لا تأتي إلا مهموزة) . قال الشنقيطي في شرح المخصص: (آئب الصواب أن يكتب بالهمزة بعد المد، على قاعدة إبدال عين الفاعل المعتل فِعله، همزة. وهي قاعدة مطردة لم يستثن منها حرف) . فتبين بهذا أنك تهمز ماكان كـ (بائع) ، و (قائل) و (آئب) ، ولا تتلفظ بهمزته ياء صريحة البتة، بل تسهل بينها وبين الياء فتتلفظ بها بين بين. وهو ما يسميه العلماء تليين الهمزة أو تخفيفها بين بين.

وهذا وقد انفرد الشيخ نصر الهوريني في كتابه المطالع النصرية بإجازة قول القائل (آيب) ، بالياء الصريحة، وتبعه فيه الشيخ حسين والي، في كتابه الإملاء، ولا سند لهما فيما ذهبا إليه من كلام العلماء، كما بسطنا القول فيه، وذكره الأستاذ محمد علي النجار في رسالته (اللغويات) .

وذهب صاحب الكليات إلى جواز قول القائل (بايع) ، بالياء لأنه يائي، دون (قائل) ، فإنه بالهمز لأنه واوي، قال:(فرقاً بين الواوي واليائي ـ 5 / 158) . ولم أره في الأمهات.

وإذا قيس اسم الفاعل من (جاء) قيل (جائئ) بهمزتين. فلما أبدلوا من الهمزة الثانية، وهي لام الفعل، ياء أبقوا على الأولى فقالوا (جاءٍ) بالتنوين بعد حذف الياء، ومؤنثه (جائية) . لكنهم صححوا الهمزة الثانية في الاستعمال حيناً. قال ابن جني في الخصائص (1/ 406) : (وأنشدوا قوله:

فإنك لا تدري متى الموت جائئ إليك ولا ما يُحدث الله في غدٍ

قيل: أجل قد جاء هذا، لكن الهمز الذي فيه عرَض عن صحة صنعة. ألا ترى أن عين، فاعل، مما هي فيه حرف علة لا تأتي إلا مهموزة، نحو قائم وبائع، فاجتمعت همزة فاعل، ولامه همزة، فصححها بعضهم في الاستعمال) .

ص: 441

وأكد صاحب الهمع ثبوت همزة فاعل من معتل العين فقال: (2/ 219) : (وتبدل الهمزة أيضاً من كل ياء أو واو وقعت عيناً لما يوازن فاعل وفاعلة

نحو بائع وقائم أصلها بايع وقاوم) ، وفعلهما باع وقام معلّ، بخلاف مالم يعل فعله كصيد وعِور فهو صايد وعاور فلا إبدال فيه) .

هذا وجاء في سر صناعة الإعراب لابن جني (1/ 53)، في إيضاح قولهم الهمزة المخففة أو همزة بين بين:(ومعنى قول سيبويه بين بين، أي بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها، إن كانت مفتوحة فهي بين الهمزة والألف، وإن كانت مكسورة فهي بين الهمزة والياء، وإن كانت مضمومة فهي بين الهمزة والواو. إلا أنها ليس لها تمكن الهمزة المحققة. وهي مع ما ذكرنا من أمرها في ضعفها وقلة تمكنها بزنة المحققة، ولا تقع الهمزة المخففة، أولاً أبداً لقربها بالضعف من الساكن، فالمفتوحة نحو قولك في سأل: سال، والمكسورة نحو قولك في سئم: سيِم، والمضمومة نحو قولك في لؤم: لوُم) .

*ما ثبتت الهمزة في جمعه خلافاً للقياس *

إذا كان قياس ما اعتلت عين واحده بالواو أو الياء (أو بألف مقلوبة عنهما) أن يثبت حرف العلة في جمعه: خلافاً لباب (رسائل) وباب (بائع وقائل) ، فقد حكى العلماء ألفاظاً خرجت عن قياس ما ذكرنا.

ص: 442

فقد نقلوا في جمع (مصيبة) : (مصاوب ومصائب) : والقياس (مصاوب) لأن الياء مقلوبة فيه عن الواو أصلاً، وليست زائدة كياء (فعيلة) ليكون قياس جمعها (فعائل) . قال سيبويه في الكتاب (2/367) :(توهموا أن مصيبة فعيلة وإنما هي مُفعلة) . فقولهم (مصائب) ، إذاً على توهم زيادة الياء في (مصيبة) . وهو ما أسموه حديثاً (القياس الخاطئ)

و (المصيبة) في الأصل (مُصوِبة) على مُفعلة) . قال صاحب التاج: (قال أحمد بن يحيى مصيبة كانت في الأصل مصوبة، ألقوا حركة الواو على الصاد فانكسرت، وقلبوا الواو ياء بكسرة الصاد.) . قال: (ونقل شيخنا في الترشيح أن أصل المصيبة الرمية بالسهم، ثم استعملت في كل نازلة) . وقال في اللسان (قال الزجاج: أجمع النحويون على أنهم حكوا مصائب في جمع مصيبة بالهمزة جميعاً، وأجمعوا أن الاختيار مصاوب، وإنما مصائب عندهم من الشاذ) .

أقول أن (المصاوب) هو الأقيس، لكن (المصائب)، هو الأسير والأشهر. قال المرزوقي في شرح ديوان الحماسة (1877) :(والمصائب جمع مصيبة. وهي مفعلة. وشُبه مدتها بمدة فعيلة وجمعت جمعها، والقياس مصاوب، وقد جاء، ولكنه في الاستعمال دون مصائب، وهذا مما شذ في القياس، أعني مصائب. ومصاوب شاذ في الاستعمال مطرد في القياس) .

وقد أكد الرضى في شرح الشافية قياس (مصاوب) ، فجمع (مقيمة) و (مريبة) اسم الفاعل من (أقام) و (أراب) ، على مقاوم ومرايب. ذلك أنك إذا وضعت (مقيمة ومريبة) موضع الاسم فعدلت بهما عن الوصفية كما فعلت بـ (مصيبة) صح تكسيرهما، وقد كُسِّرا على مفاعل) كما رأيت. قال ابن الحاجب في الشافية (3/ 127) : (وتقلبان همزة في نحو قائم وبائع المعتل فعله

ولم يفعلوه في باب معايش ومقاوم للفرق بينه وبين رسائل) . فقال الرضي في شرحه (3/ 134) : (قوله ولم يفعلوه في باب معايش، أي فيما وقع بعد ألف الجمع، فيه واو أو ياء ليست بمدة زائدة، سواء كانت أصلية، كما في مقيمة ومقاوم، ومريبة ومرايب) .

ص: 443

*المنائر والملائم والمزائد والمعائن والمعائش والمدائن *

وقالوا في جمع (المنارة) مناور ومنائر، والقياس (مناور) لأنه مَفعلة من النور. قال ابن جني في الخصائص (3/ 145) ، (وقالوا أيضاً منارة ومنائر، وإنما صوابها مناور لأن الألف عين، وليست زائدة) . فهم توهموا زيادة الألف في (منارة) ، فحملوها على (رسالة) ورسائل. وقالوا في جمع (الملامة) ملاوم وملائم، والقياس (ملاوم) . لأنه مَفعلة من اللوم. قال الهمذاني صاحب الألفاظ (وما زلت أتجرع فيك الملائم والملاوم، واللوائم أيضاً) . وقال عروة بن الورد، وهو شاعر جاهلي:

إذا ما فاتني لم أستقله حياتي والملائم لا تفوت

وجاء في شرحه: قوله إذا ما فاتني، أي الحق، لم أستقله، أي لا أقدر أن أرده، والملائم: يريد الملامة، أي لم يفتني اللوم، قال محقق الديوان:(ومعنى البيت إذا لم أقم بما يجب علي من الحق ندمت طول حياتي، ولم أعدم من يلومني على تركه) .

وجمعوا (المزادة) على المزاود لأنه من الزاد، فعينه واو، قال ابن منظور:(قال أبو منصور المزادة مفعلة من الزاد، يُزوّد فيها الماء) . وقد جمعت على (المزايد) أيضاً. قال ابن منظور: (والمزادة مفعلة من الزيادة والجمع مزايد)، وجاء في جمعها (المزائد) وهو شاذ. قال ابن جني في الخصائص (1/ 333) :(من ذلك استنكارهم همز مصائب، وقالوا منارة ومنائر، ومزادة ومزائد، فهمزوا ذلك في الشعر وغيره. وإنما الصواب مزاود ومصاوب ومناور) . وجاء في جمع (المعونة) المعائن، فحملت على أنها فعولة من (معن) . قال صاحب المصباح:(والاسم المعون والمعانة أيضاً بالفتح، ووزن المعونة مفعلة بضم العين، وبعضهم يجعل الميم أصلية، ويقول هي مأخوذة من الماعون، وهي فعولة) . وفي اللسان نحو من ذلك.

ص: 444

وحكوا في جمع (المعيشة) المعايش والمعائش. أما المعايش فلأنه مفعلة من عاش يعيش، فالياء عين الفعل، وأن المعائش فلأنه فعيلة من معش، والياء زائدة. قال صاحب المصباح:(والمعيش والمعيشة مكسب الإنسان الذي يعيش به والجمع المعايش. هذا على قول الجمهور لأنه من عاش والميم زائدة ووزنه معايش مفاعل، فلا يهمزونه، وبه قرأ السبعة. وقيل هو من معش فالميم أصلية ووزن معيش ومعيشة فعيل وفعيلة، ووزن معائش فعائل فتهمز، وبه قرأ أبو جعفر المدني والأعرج) . وقال الرضي في شرح الشافية: (وقد تهمز معايش تشبيهاً لمعيشة بفعيلة، والأكثر ترك الهمز. وكذا قد تهمز المنائر في جمع منارة تشبيهاً له بفعالة، والفصيح المناور، والتزم الهمز في المصائب تشبيهاً لمصيبة بفعيلة) .

وقالوا في جمع (المدينة) المدائن والمداين. فإذا جعلته من مدن بمعنى أقام كان (فعيلة وفعائل) ، والجمع (مدائن) بالهمزة، وإذا جعلته من (دينت) أي مُلكت فهي مدينة أي مملوكة، فالياء عين الفعل، والجمع (مداين) بالياء. قال أبو الطيب في الإبدال (2/ 31) :(والمدينة عند بعضهم فعيلة من مدن بالمكان إذا أقام به، سميت بذلك لأن الناس يقيمون بها، وقال آخرون: إنما وزنها: مفعولة، من قولك دينت أي مُلِكَتْ، فالمدينة: المملوكة، وكل مدينة مملوكة) . ونحو من ذلك ماجاء في الصحاح، قال الجوهري:(ومن جعله مفعِلة من قولك دين أي مُلك لم يهمز كما لا يهمز معايش) . فمفعوله في اليائي تصبح بعد حذف الواو (مفعِلَة) .

*جمع المكان والمسيل *

ص: 445

المكان بمعنى الموضع (مفعل) من الكون. لكنهم جمعوه على أمكنة كما جمع (فعال على أفعله) نحو طعام وأطعمة. وقالوا أماكن وهو جمع الجمع. أما (المكانة) للمنزلة فقد جمعوه جمع تصحيح على مكانات ولم يكسِّروه. قال ابن منظور (قال ثعلب: يبطل أن يكون المكان فعالاً، لأن العرب تقول كن مكانك، وقم مكانك. فدل هذا على أنه مصدر من كان أو موضع منه) . وقال الفيومي في مصباحه: (والمكان يذكر فيجمع على أمكنة، وأمكن قليلاً، ويؤنث بالهاء فيقال مكانة والجمع مكانات، وهو موضع كون الشيء) هذا هو المشهور. وجاء في التاج (والمكانة المنزلة عند مالك والجمع مكانات ولا يجمع جمع التكسير

والمكان الموضع وجمعه أمكنة كقذال وأقذلة، وأماكن جمع الجمع) . فجمع المكان على أمكنة وأماكن، على توهم أصالة الميم، والميم فيه مزيدة لأنه مفعل من الكون.

و (المسيل) ، إما (فعيل) ، فيجمع على مسلان كرغيف ورغفان وقضيب وقضبان، أو على أمسلة كرغيف وأرغفة أو مُسل كقضيب وقضب، وأما (مَفعِل) فلا يجمع إلا على (مفاعل) أي (مسايل) ، فهي كالمدينة التي هي فعيلة أو مفعِلة. قال الجوهري (ومسيل الماء موضع سيله والجمع مسايل، ويجمع أيضاً على مُسُل وأمسلة ومسلان، كما قالوا: رغيف ورغف وأرغفة ورغفان، ويقال للمسيل مسَل

) . وقال ابن جني (3/279) : (وأما مسيل فذهب بعضهم في قولهم في جمعه أمسلة، إلى أنه من باب الغلط. وذلك لأنه أخذه من سال يسيل، فهو عندهم على مَفعِل كالمسير والمحيض، وهو عندنا غير غلط، لأنهم قالوا فيه: مُسل، وهذا يشهد بكون الميم فاء، فأمسلة ومُسلان: أفعلة وفُعلان كأجربة وجُربان

) .

*رأي المحدثين في جمع مفعلة معتل العين على مفاعل *

ص: 446

عرض الشيخ ظاهر خير الله الشويري لجمع (مفعلة) الأجوف، في رسالته (المفعلة) ، فقال إن (المقالة والمقامة) من الواوي، و (المنالة والمعابة) ، من اليائي، وما ماثلها، مما صار إلى (مفعلة) الأجوف، بزيادة التاء، لا تجمع جمع تكسير، كما لا تجمع أصولها أي (المقال والمقام والمنال والمعاب) ، هذا الجمع، واعتل للمنع بأنها لو جمعت على (مقاول ومقاوم ومنايل ومعايب) لم يجر الإعلال على جمعها، وقد جرى على واحدها، خلافاً للقاعدة. ولو كسرت على غير (مقاول ومقاوم

) ، لم يردها جمع التكسير إلى أصلها، والقياس أن يردها إليه، فاقتصروا على جمعها بالألف والتاء.

أقول لاشك أن (المقال والمقالة والمنال والمعاب) ، قد أعلت بنقل حركة العين إلا ما قبلها، وقلب الواو والياء ألفاً، فإذا جمعت على (مقاول ومقاوم

) . لم يجر الإعلال على الجمع، وإنما يُعدل عن إعلاله ويرد إلى أصله للفرق بينه وبين باب رسائل. قال ابن الحاجب في الشافية (3/ 127) : (وتقلبان همزة، أي الواو والياء، في نحو قائم وبائع المعتل فعله

ولم يفعلوه في باب معايش ومقاوم، للفرق بينه وبين رسائل) . هذا وإذا كان قد جاء في فقه اللغة أن (المعايب) من الجموع التي لا يعرف لها واحد (576)، فقد جاء في المخصص لابن سيده (12/ 170) :(ابن السكيت هو العيب والعاب والمعيب، والمعاب، والجمع عيوب ومعايب) . وجاء في نهج البلاغة (2/ 232) : (كانت لهم مقاوم العز وحلبات الفخر)، كما جاء فيه (1/ 170) :(ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم) . قال الشارح: (المقاوم جمع مقام والمراد الصفوف)، وأنه لكذلك. قال الأخطل:

وأني لقوام مقاوم لمن يكن جرير ولا مولى جرير يقومها

وقد استشهد به ابن جني في خصائصه (3/ 145)، لما نحن فيه فقال: (ومن الجيد قول الأخطل

) . وجاء في الوساطة للقاضي الجرجاني (133) : (بل أفصِّل لك بين المراتب والمقاوم) . وعلى ذلك النص واستعمال الأوائل.

ص: 447

فإذا كان ما ذهب إليه الشيخ ظاهر خير الله رداً لما جرى عليه النحاة وقننوه، وخروجاً عما اقتاسوا به وانتحوه في هذا الباب اعتماداً على ما حكي عن العرب، فقد كان الوجه أن يشير إلى سنده وحجته فيه. وهو قد استن بسنة النحاة حين اعتل للمنع بأن الأصل في جمع التكسير أن يعل إذا أعل واحده، وأن يرد المجموع إلى أصله. على أن قوله إذا أعل المفرد أعل الجمع لا يجري على إطلاقه. فإنك تجمع (الدار) ، وقد أعلَّت، على (ديار) وهي مُعَلَّة أيضاً. كذلك يجمع (ريَّان) وقد أعلّ، على (رواء) . وقد صححت فيه الواو ولم تعلّ. ذلك أن شرط الاعلال هنا أن تقع الواو عيناً لجمع تكسير صحيح اللام قبل كسرة، وأن تعل في واحده. فإذا كانت في اللام هي المعتلة وجب تصحيح الواو كـ (ريان ورواء) . وهكذا صحح حرف العلة في (معايش ومقاول) ، كما صحح في (عثاير وجداول) ، لأن شرط الإعلال فيما جاء على مثال (مفاعل) ، وما وازنه، أن يكون حرف العلة في واحدة مدة زائدة كصحيفة ورسالة، فإذا كان متحركاً امتنع الإبدال سواء كان الحرف المعتل أصلاً كمعايش ومقاوم أو ملحقاً كعثاير وجداول. قال الرضي في شرح الشافية (3 / 102) :(وأما كون الواو والياء في الجمع الأقصى هما في واحدة مدتان زائدتان كعجائز وكبائر، وذلك لقصد الفرق بين المدتين الزائدتين وبين الواو والياء اللتين كان لهما في الواحد حركة، سواء كانتا أصليتين كمقاوم ومعايش، في جمع مقامة ومعيشة أو زائدتين ملحقتين بالأصل كعثاير وجداول) .

ص: 448

قال الأستاذ ظاهر خير الله (ولا يشكل المعايب فإنه جمع معيب لا جمع معاب) . أقول إذا كان المعيب هو اسم المفعول فلا يجمع على (معايب) تكسيراً، لما بيناه في الصفات. وإذا كان هو (مفعل) بكسر العين اسماً كان أو مصدراً على رأي جماعة، فإنه يجمع على المعايب كالمعاب الذي هو مفعل بفتح العين، ولا حجة للأستاذ في التفريق بين جمعيهما. ولم يفرق ابن السكيت، على ما حكاه ابن سيده في مخصصه (12/ 170) : حين قال (هو العيب والعاب والمعيب والمعاب، والجمع عيوب ومعايب) .

وقد اعتل الأستاذ لمنع تكسير معاب فقال: (لأن مثل المقام والمقال والمنال والمعاب بُني في الأصل للواحد من النوع، والتاء التي تلحقه تاء الأخصيه

فحوفظ في جمعه على صيغته للدلالة على معناه الوضعي، وجمع الجمع الذي لا يغير صيغة المفرد، أي بالألف والتاء، توصلاً للدلالة على التعدد مع فقدان الدلالة الوضعية) . وكان الأستاذ يعني فيما تقدم من كلامه، أنه إذا جمع الواحد من (النوع) على حد تعبيره، جمع سلامة، حفظ عليه معناه الوضعي، وكانت دلالة الجمع محض التعدد، فإذا كسر فقد معناه الوضعي، ولست أدري ما معوَّل الأستاذ فيما يورد ويأتي به. وكل مايمكن أن يقال في هذا الصدد أنك إذا جمعت ما كان للجنس (كالتمر والشجر) ، فقد أردت اختلاف الأنواع فيه، لأن اسم الجنس يقع على القليل والكثير، فالأصل فيه ألا يُجمع، ولا فرق في هذا بين أن يكون الجمع جمع تكسير أو تصحيح. قال الجوهري في صحاحه:(الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير)، قال:(التمر اسم جنس الواحدة منها تمرة والجمع تمرات بالتحريك، وجمع التمر تمور وتُمران بالضم، ويراد به الأنواع، لأن الجنس لا يجمع في الحقيقة) .

ص: 449

وقد ذهب الأستاذ في إعلال ما جمع على (مفاعل) وما ماثله، مذهباً خالف به النحاة فقال:(وقالوا إن همز مصائب، من المصائب، والصواب غير ما قرروه، وهو أن الواوي إذا كانت عينه سلمت في المفرد من القلب كالمعونة والمثوبة، تسلم أيضاً في جمعه، فيقال المعاون والمثاوب، وإن كانت قلبت في المفرد أيضاً كالمنارة والمخاضة والمشارة والمغارة، يجوز في جمعها قلبها همزة وردها إلى أصلها. وقد يعبر عن الجمع بحذف تاء الواحدة، من ثم يقال: المنارات والمخاضات والمشارات والمغارات، والمنائر والمخائض والمشائر والمغائر، والمناور والمخاوض والمشاور والمغاور، والمنار والمخاض والمشار والمغار) . والذي يفهم من كلامه هذا أن ما جعله العلماء شاذاً كمنائر مثلاً اعتده هو قياساً فقال (مخائض ومنائر ومغائر) ، ولكن ما بيَّنته في هذا وما حجته؟.. وقد أضاف إلى هذا قوله (وإن كانت قلبت في المفرد ياء كالمصيبة فيتعين قلبها في الجمع همزة لبعدها عن أصلها كل البعد فيقال المصائب لا غير) . أقول قد جعل ابن جني مصائب شاذاً كما فعل سواه، لكنه حاول أن يعتل لهذا الشذوذ بأن الياء في (مصيبة) ، وإن لم تكن زائدة فإنها ليست بالأصل على كل حال، لأنها بدل من (الواو) في (مصوبة) . لكن الاعتلال للشذوذ، أو الاعتذار من الخطأ شيء، وجعله قياساً شيء آخر. قال ابن جني في الخصائص (3/277) : (ومن ذلك همزهم مصائب، وهو غلط منهم

) ، ثم قال:(وكأن الذي استهوى في تشبيه ياء مصيبة بياء صحيفة أنها، وإن لم تكن زائدة، فإنها ليست على التحصيل بأصل، وإنما هي بدل من الأصل، والبدل من الأصل ليس أصلاً، وقد عومل لذلك معاملة الزائد.) .

ص: 450

فإذا كان هذا هو الذي أوحى إلى الأستاذ أن يقول ما قال، ويقيس على ما اعتل له بوجه من الوجوه، فليس كل ما أمكن الاعتلال له بجائز أن يقاس عليه. وإذا صح الأخذ بما اعتل به ابن جني في توجيه همز (المصائب) للقياس عليه، فقد جاز جمع (المخالة) ، على مخائل بالهمز أيضاً، وقد منعه الأستاذ نفسه فقال:(وأما اليائي فيطرد في جمعه تكسيراً، سلامة عينه سواء كانت قلبت في المفرد ألفاً كالمخالة إذا اعتلت بنقل الحركة عنها فقط كالمعيشة، أو لم يلحقها منه ذلك شيء كالمشيخة، ومن ثم يقال المخايل والمعايش والمشايخ بالياء في جميعها) . فما باله يفرق بين الواوي واليائي في هذا، فيجيز منائر قياساً ولا يجيز مخاتل؟

بل ماباله يفرق ولا يعتل للتفريق؟ ولا يخفى أن (المصائب) مما اطرد في الاستعمال، وشذ في القياس، وهو لو قلَّ في الاستعمال وصح في القياس لكان طرد المسألة عليه، مقبولاً غير مأبي، وإن كان ما كثر استعماله وقوي قياسه أولى منه وأحجى.

هذا و (المخالة) على مَفْعَلة بالفتح، مصدر (خال) ، وكذلك (المِخيلة) على مفعلة بالكسر، ومعناها (المظنة) ، ويجمعان على (مخايل) ، كما يجمع عليه (مُخيلة) اسم فاعل من أخال، و (مخيلة) بفتح الأول اسم المفعول، وقد أسميت بهما (السحابة)، تحسبها مطارة. قال الجوهري:(وقد أخَلت السحابة وأخيلتُها إذا رأيتها مخيلة للمطر) . بضم الميم. وقال صاحب المصباح: (وأخال الشيء بالالف إذا التبس واشتبه، وأخالت السحابة إذا رأيتها وقد ظهرت فيها دلائل المطر فحسبتها ماطرة فهي مخيلة بالضم اسم فاعل، ومخيلة بالفتح اسم مفعول لأنها أحسبتك فحسبتها، وهذا كما يقال مرض مخيف بالضم اسم فاعل لأنه أخاف الناس، ومخوف بالفتح لأنهم خافوه) . وأردف (وعلى هذا يقال: رأيت مخيلة بالضم لأن القرينة أخالت أي أحسبت غيرها، ومخيلة بالفتح اسم مفعول لأنك ظننتها) . قال خُندج بن خندج:

متى أرى الصبح قد لاحت مخايله والليل قد مُزِّقت عنه السرابيل

ص: 451

قال المرزوقي في شرح الحماسة (1830) : (ومخايله ما يتبين به دنوّه) .

***

وقد عرض لما نحن فيه الدكتور مصطفى جواد في كتابه (قل ولا تقل) فأوجز القول فيه، وخلص إلى أنه (لم يشذ من كلمات الواو، وهي ألوف، إلا مصائب لأنها من أصاب يصيب، ومنهم من يقول مصاوب على القياس

والمنائر جمع المنارة، ومنهم من يقول المناور على الأصل) . والصحيح أن ما شذ من الواوي ليس (مصائب) في جمع مصيبة، و (منائر) في جمع منارة حسب، فقد رأيت أننا ذكرنا من ذلك (المزادة والمزائد) ، و (المعونة والمعائن) ، و (الملامة والملائم)

لكنه نادر على كل حال.

***

وعرض لما نحن في سبيله الأستاذ محمد العدناني في معجمه (الأخطاء الشائعة) فأوجب جمع (مصير) على (مصاير) ، كما أوجب (مغاور) ولم يجز (مغاير)، وقد أوجز فقال:(ويقولون اختبؤوا في مغاير الجبل، والصواب اختبؤوا في مغاور الجبل أو مغاراته. وجاء في الآية /58/ من سورة التوبة: (لويجدون ملجأ أو مغارات أو مدَّخلاً، لولُّوا إليه (. ولاشك أن (المغاور) هو الصواب كما أسلفنا، ولكن هل يقع جمعاً للمغار والمغارة؟ والمغارات جمع المغارة، ولكن هل تصح جمعاً للمغار أيضاً؟

أما أن (المغاور) بالواو دون الياء فذلك أنه من الغور، أما واحده فإنه المغار أو المغارة، كما فصلناه، وهو القياس. قال الجوهري:(والغار كالكهف في الجبل والجمع الغيران، والمغار مثل الغار، وكذلك المغارة) . فجعل المغار كالمغارة في دلالته، لكنه استدرك فأنزله منزلة الجمع فقال:(وربما سموا مكانس الظباء مغاراً) .

وجاء (المنار) جمعاً (لمنارة) أيضاً. ففي الحديث (لعن الله من غيَّر منار الأرض) . قال ابن الأثير في النهاية: (المنار جمع المنارة، وهي العلامة تجعل بين الحدين، ومنار الحرم أعلامه

) . وجاء فيه أيضاً: (أن للإسلام صوى ومناراً أي علامات وشرائع يعرف بها) . وفي الأساس: (وهدم فلان منار المساجد: جمع المنارة) .

ص: 452

ويبدو أن ما جاء كـ (مغاور ومنار ومخاض) ، من قبيل اسم الجنس، يقع على القليل والكثير، ويأتي واحده بالتاء فيقال (مغارة ومنارة ومخاضة)، ولو أن الأصل في اسم الجنس أن يكون من المخلوقات. قال الرضي في شرح الشافية (2/ 193) :(اعلم أن الاسم الذي يقع على القليل والكثير، بلفظ المفرد، فإذا قصد التنصيص على المفرد جيء فيه بالتاء، يسمى اسم الجنس) . وقال: (2/ 199) : (والأغلب في الاسم الذي يكون التنصيص على الواحد فيه بالتاء، أن يكون في المخلوقات دون المصنوعات، قالوا: لأن المخلوقات كثيراً ما يخلقها الله سجية، يعني جملة، كالتمر والتفاح فيوضع للجنس اسم، ثم إن احتيج فيه إلى المفرد أدخل فيه التاء. وأما المصنوعات فمفردها يتقدم على مجموعها. ففي اللفظ أيضاً يقدم فردها على جمعها، وفيه نظر. لأن المجرد من التاء من الأسماء المذكورة ليس موضوعاً للجمع كما توهموا حتى يستقيم تعليلهم، بل هو لمجرد الماهية سواء مع القلة أو الكثرة) . وقال أيضاً: (وليس أسماء الأجناس التي واحدها بالتاء قياساً، إلا في المصادر نحو ضربة وضرب، ونصرة ونصر) . وقال في شرح الكافية (2/178) : (ويخرج أيضاً اسم الجنس، أي الذي يكون الفرق بينه وبين مفرده إما بالتاء نحو تمرة وتمر، أو بالياء نحو رومي وروم. وذلك لأنها لا تدل على آحاد، إذ اللفظ لم يوضع للآحاد، بل وضع لما فيه الماهية المعينة، سواء كان واحداً أو مثنى أو جمعاً) . وقد رأيت إلى قول الجوهري (والمغار مثل الغار) ، فدل بالمغار على الواحد، وإلى قوله:(والمنار علم الطريق) ، فجعل المنار للواحد أيضاً. وكذا (المخاض) ، فقد نص الصحاح واللسان والقاموس والتاج على أنه جمع. ولكن نص على مجيئه واحداً أيضاً. قال صاحب اللسان والقاموس والتاج على أنه جمع. ولكن نص على مجيئه واحداً أيضاً. قال صاحب اللسان (والمخاض من النهر الكبير الموضع الذي يتخضوض ماؤه فيخاض عند العبور عليه، ويقال المخاضة بالهاء أيضاً) ، فاحتد (المخاض)

ص: 453

و (المخاضة) سواء.

جمع المذكر من أسماء ما لا يعقل بالألف والتاء

أسماع هو أم قياس

يجمع (المغار والمغارة) على (مغاور) قياساً، كما يجمع (المغارة) بالتاء على (مغارات) ، ولكن هل يصح المغارات جمعاً لـ (مغار) ؟

المغار مفعل من غار يغور، فقياس جمعه (مغاور) لا مغارات. فما جمع بالألف والتاء من مذكر ما لا يعقل إنما هو الوصف اطراداً. أما الاسم فيما اتفق من جمعه بالألف والتاء فهو متروك للسماع. وقد عاب النقاد على المتنبي جمعه بوقاً على بوقات في غير ضرورة إذ قال:

إذا كان بعض الناس سيفاً لدولة ففي الناس بوقات لها وطبول

ذلك أن (بوقاً) وزان فعل بضم الفاء، وبابه أفعال في أقل العدد، و (فعول) في أكثره

أما جمعه بالألف والتاء فلا يسوغ حتى يُسمع عنهم كما سمع جمع حمّام وساباط وخان وسجل وخيال ورمضان وشعبان وشوال وسواها، على حمَّامات وساباطات وخانات وهكذا

وعاب الحريري (في درة الغوص) جمع (جوالق) على جوالقات، فقال: (ويقولون جمع جوالق جوالقات فيخطئون فيه لأن القياس المطرد ألَاّ تجمع أسماء الجنس المذكر بالألف والتاء، وإنما أشذت العرب عن هذا القياس أسماء جعلتها بالألف والتاء تعويضاً لأكثرها عن تكسيرها وهي حمَّام

وجواب وسجل ومقام.. وجمع ذلك مما شذ عن الأصول، ولا يستعمل فيه غير المحصور المنقول، ولذلك عيب على المتنبي جمعه بوقاً على بوقات

) .

وقال الخفاجي في شرحه للدرة (الجوالق للغرارة معرّب من كوالة، وفي القاموس هو بكسر الجيم واللام، وبضم الجيم وفتح اللام وكسرها، وجمعه جوالق كصحائف وجواليق وجوالقات. اهـ. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، فلا عبرة بإنكار المصنف) .

ثم أشار إلى أن من العلماء من أقر حكاية (بوقات) ، كما نص على حكاية (جوالقات)، فقال:

(قال الواحدي البوق جاء في كلام العرب، وجمعه بوقات وإن كان مذكراً كحمَّام وحمَّامات، فقد عرفت أنه سمع جمعه

) .

ص: 454

هذا وفي كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني (333) ما يؤكد التعويل على السماع في جمع المذكر من أسماء ما لا يعقل بالألف والتاء، ونحو منه ما جاء في كتاب الهمع (1/ 23) ، وهو مذهب الجمهور. على أن من النحاة من جعله قياساً. فقد جاء في شرح الخفاجي (وخيالات كما قال الكندي يجوز أن يكون جمع خيالة وهو الأصل، أو جمع خيال: وهو القياس في جمع ما لا يعقل) .

وقال ابن جني في المحتسب حول قوله تعالى: (لو يجدون ملجأً أو مغارات أو مُدّخلاً لولُّوا إليه وهم يجمحون ((التوبة ـ 58) : (1/ 295) : (ومن ذلك قراءة الناس مغارات بفتح الميم، وقرأ سعد بن عبد الله بن عوف مُغارات بالضم. قال أبو الفتح: أما مَغارات بالفتح على قراءة الناس فجمع مغارة أو مغار. وجاز أن يُجمع مغار بالتاء، وإن كان مذكراً لأنه لا يعقل، ومثله إوان واوانات وجمع سبطر وجمال سبطرات، وحمام وحمامات. وقد ذكرنا هذا ونحوه في تفسير ديوان المتنبي عند قوله: ففي الناس بوقات لها وطبول، ومغار مفعل من غار الشيء يغور. وأما مغارات بضم الأول فجمع مغار، وليس من أغرت على العدو ولكنه من غار الشيء يغور وأغرتُهُ أنا أغيره كقولك غاب يغيب وأغبته، فكأنه لو يجدون ملجأ أو أمكنة يغيرون فيها أشخاصهم ويسترون أنفسهم وهذا واضح) .

فأنت ترى أن ابن جني أجاز جمع (مغار) على (مغارات) . كما أجاز جمع بوق على بوقات، ولو لم يُسمع، حين أساغ جمع ما لا يعقل بالألف والتاء ولو مذكراً.

وأما أبو حيان صاحب البحر المحيط، فإنه جعل (المغارات)، جمع مغارة ولم يزد. قال أبو حيان (5/ 54) :(والمغارات جمع مغارة، وهي الغار، ويجمع على غِيران بُني من غار يغور إذا دخل، مفعلة للمكان كقولهم مزرعة وقيل المغارة السرب تحت الأرض كنفق اليربوع) .

ص: 455

وممن خالف الجمهور فجمع أسماء ما لا يعقل بالألف والتاء، ولو كان مذكراً، ولم يعلقه على سماع، ابن الأنباري. قال صاحب المصباح (في مادة ابن) :(قال ابن الأنباري: واعلم أن جمع غير الناس بمنزلة جمع المرأة من الناس، تقول فيه منزل ومنزلات، ومصلى ومصلَّيات) . أي أن جمعك ما لا يعقل يكون بالألف والتاء كجمع الاسم المؤنث فمنزل على منزلات ومصلى على مصليات.

واتفق في الشعر جمع (علق) على علقات، و (نجدات)، فقد جاء في كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني (334) :

تكنفنا الأعداء من كل جانب لينزعوا علقاتنا ثم يربعوا

فجمع علقاً على علقات، وهو لأوس بن حجر، وأنشد لغيره:

يرى عيساً يسودهن ماء من النجدات يحلبها الذميل

فجمع نجداً على نجدات.

*القول بقياس جمع المذكر مما لا يعقل بالألف والتاء بشروط محددة*

على أن من العلماء من أجاز جمع ما لا يعقل بالألف والتاء، ولو مذكراً، لكنه قيّد ولم يُطلق. فقد جاء في كتاب الوساطة (423) :(فإن المحتج ليس هذا من الباب الذي ذكرته، وليس بجار مجرى الشاذ والنادر، بل قياس مستمر في جميع ما لا يوجد له مثال القلة من المذكر) .

ص: 456

وجاء في الهمع (1/ 23) : (وأشذ منه جمع بعض المذكرات الجامدة المجردة كسرادقات وحمامات ومسامات. وذهب قوم منهم ابن عصفور إلى جواز قياس جمع المكسَّر، من المذكر والمؤنث، الذي لم يكسر، اسماً كان أو وصفة

فإن كسِّر امتنع قياساً. لذلك لحنوا أبا الطيب في قوله: ففي الناس بوقات لها وطبول) .ففي قول المحتج عن المتنبي جواز جمع المذكر غير العاقل بالألف والتاء إذا لم يرد له جمع قلة، وفي قول ابن عصفور ومن معه سواغ جمع المؤنث السالم لما لم يسمع له جمع تكسير. والأعدل حقاً ألا يطلق جمع ما لا يعقل بالألف والتاء إذا كان مذكراً، وإلا أجزنا جمع (مال) على مالات، كما جاء في الوساطة، وجمع (قلم) على (قلمات) كما أشار إليه الأستاذ عباس حسن، و (بيت) على بيتات كما استقبحه الدكتور الشيخ عبد الرحمن تاج، على ما جاء في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة. وكل مايمكن أن يضاف إلى مذهب الجمهور في تعليق هذا الجمع على السماع، أن يباح جمع ما لا يعقل ولو مذكراً بالألف والتاء، إذا لم يرد له جمع تكسير، ولم يكن على قياس مطرد من التكسير. قال القاضي الجرجاني في الوساطة (332) :(وقال المحتج عنه أن أصل الجمع التأنيث، ولذلك جاء ما جاء منه بالتاء، وإن كان في الأصل مذكراً، قال: فمن جمع اسماً لم يجد عن العرب جمعه فأجراه على الأصل، لم يسغ الرد عليه، ولم يجز أن ينسب إلى الخطأ لأجله وـ بوق ـ اسم أعجمي تكلمت به العرب، ولم يحفظ عنهم جمعه، فلما احتاج المولدون إليه أجروه على أصل الجموع وتبعوا فيه عادة العرب في الأسماء المنقولة عن الأسماء الأعجمية نحو سرادق وسرادقات وساباط وساباطات وخان وخانات وهارون وهارونات وإوان واوانات، فعدلوا بجميع هذه الأبنية عن أصول قياسها وألحقوها بأصل الجمع وغلبوا فيها التأنيث. ولولا ذلك لما جاز في ـ خان ـ وهو مثل مال أن يجمع خانات، كما لا يقال مال ومالات، ولا في إوان وهو مثل جراب.) .وفي هذا إشارة إلى أن العرب لم

ص: 457

تجمع (بوقاً على (أبواق) فجمع على بوقات، خلافاً لما جاء في الهمع.

*جمع المغار على المغارات*

مغار هو مفعل بفتح الأول فبابه التكسير على مغاور بوزن مفاعل، هذا هو الأصل. وقد ذهب ابن جني إلى جواز جمعه على مغارات، كما قال بجمع مغار بضم الأول على مغارات أيضاً. وقد جاء (المطار) مصدراً لطار، واعتد اسم مكان أيضاً على مافي النهاية واللسان والدر النثير. والعرب تجيز الفتح والكسر ها هنا، في المصادر والأسماء جميعاً. فإذا ثبت (المطار) اسم موضع من (طار) أفيجمع على (مطاير) قياساً أم يباح في جمعه (المطارات) كما دار على الألسنة واستفاض، عملاً بما ذهب إليه ابن جني، في جمع مغار بفتح الأول على مغارات بالفتح، وجمع مغار بضم الأول، على مغارات بالضم؟

أقول ثمة وجه يمكن اعتماده في جمع ماكان كمطار ومغار من أسماء المكان جمع مؤنث سالماً، ولو كان بابه التكسير في الأصل. ذلك أن يحمل على أنه وصف، والوصف بغير العاقل إنما يجمع بالألف والتاء. وقد قيل في تعليل جمع المصغر جمع تصحيح، أن فيه معنى الصفة. فاسم المكان كالمصغر من هذه الجهة

فإذا كان الكتيَب على هيئة التصغير، هو الكتاب الصغير، فالمطار هو الموضع المطير فيه، والمغار هو المكان المغور فيه.

وإذا كان المصغر واسم المكان اسمين في الأصل، تضمنا معنى الوصف فعوملا في الجمع معاملة الوصف، فالصفة الغالبة ضارعتهما في أنها تقوم مقام الصفة والموصوف، لكنها صفة في الأصل أنزلت منزلة الأسماء، فعوملت معاملتها في الجمع أيضاً.

وقد ذكر الرضي في شرح الكافية أن المصغر كالوصف يجمع جمع تصحيح. فالمصغر لما لا يعقل جمعه بالألف والتاء ولما يعقل بالألف والنون. وهو يفترق عن الوصف من حيث أن الوصف لا يدل على موصوف معين كالضارب، والمضروب، والطويل والبصري.

ص: 458

قال الرضي في شرح الكافية (2/ 181) : (والوصف الذي يجمع بالواو والنون اسم الفاعل واسم المفعول وأبنية المبالغة إلا ما يستثنى، والصفة المشبهة والمنسوب والمصغر نحو رُجَيلون. إلا أن المصغر مخالف لسائر الصفات من حيث لا يجري على الموصوف جريها، وإنما لم يجر لأن جري الصفات عليه، إنما كان لعدم دلالتها على الموصوف المعين، كالضارب والمضروب والطويل والبصري، فإنها لا تدل على موصوف معين، وأما المصغر فإنه دال على الصفة والموصوف المعين معاً، إذ معنى رجيل رجل صغير

وهكذا كل صفة تدل على الوصف المعين لا يذكر قبلهما كالصفات الغالبة) .

وفي جمع المصغر جمع تصحيح تعليل آخر، هو الحرص على سلامة صيغة المفرد. ولو جمع جمع تكسير لغابت هذه الصيغة. قال الخفاجي في شرح الدرة: (جمع المصغر بالألف والتاء نحو ثويبات ودريهمات، علله المصنف بأنه بمنزلة صفات ما لا يعقل، وهي تجمع كذلك

وعلله غيره بأنه إذا جمع كذلك لتسلم علامة التصغير، ولو كسرت لزالت، وجعلوا ما لا يعقل في حكم المؤنث، ولكل وجهة) .

أقول لك أن تقول في جمع اسم المكان بالألف والتاء ماقاله الخفاجي في جمع المصغر، فإن التفادي من اللبس حيناً، مؤذن بإيثار جمع اسم المكان هذا الجمع، ولو كسرته تكسيراً لاجتمع غير مفرد من أسماء الأمكنة، على جمع واحد، كتكسيرك (المشفى والمستشفى) ، على مشاف، ذلك أن ما زاد على أربعة أحرف مما يراد تكسيره على صيغة منتهى الجموع، يحذف منه ما تختل معه صيغة هذا الجمع.

***

وهكذا كان الأعدل أن يعلق جمع المذكر مما لا يعقل بالألف والتاء، على السماع عامة، وأن يباح قياسه فيما لم يسمع في قياسه جمع من جموع التكسير، وفيما يؤثر في جمعه سلامة المفرد من أسماء الأمكنة منعاً للبس.

ص: 459