المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيان حكم إحياءديار ثمود - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌إثبات الأهلة

- ‌أقوال العلماءفي اعتبار كلام علماء النجوم والحساب في إثبات الأهلة

- ‌أدلة الأقوال ومناقشتها

- ‌أولا: أدلة من يقول بإثبات الشهور القمرية برؤية الهلال فقط:

- ‌ثانيا: أدلة من يعتبر الحساب في إثبات الشهور القمرية:

- ‌أولا: أن المراد بالحساب والتنجيم هنا معرفة البروج والمنازل

- ‌ثالثا: أن رؤية الهلال هي المعتبرة وحدها في حالة الصحو ليلة الثلاثين

- ‌رابعا: أن المعتبر شرعا في إثبات الشهر القمري هو رؤية الهلال فقط دون حساب سير الشمس والقمر

- ‌خامسا: تقدير المدة التي يمكن معها رؤية الهلال بعد غروب الشمس لولا المانع من الأمور الاعتبارية الاجتهادية

- ‌سادسا: لا يصح تعيين مطلع دولة أو بلد - كمكة مثلا - لتعتبر رؤية الهلال منه وحده

- ‌سابعا: ضعف أدلة من اعتبر قول علماء النجوم في إثبات الشهر القمري

- ‌بيان حكم إحياءديار ثمود

- ‌المذهب الثاني: جواز الإحياء

- ‌تحديد الممنوع إحياؤهمن ديار ثمود

- ‌ثانيا: ما ذكره أئمة اللغة التفسير وشراح الحديث وعلماء التاريخ مما يتعلق بتحديد ديار ثمود:

- ‌ثالثا: أقوال أهل الخبرة ومشاهدات اللجنة:

- ‌تدوين الراجح من أقوال الفقهاءفي المعاملات وإلزام القضاةبالحكم به

- ‌ الفرق بين المجتهد المطلق، ومجتهد المذهب، ومجتهد الفتوى، والمقلد المحض

- ‌ أقوال فقهاء الإسلام فيما يحكم به كل منهم إذا تولى القضاء مجتهدا كان أم مقلدا

- ‌الخلاصة

- ‌ المذهب الحنفي:

- ‌ المذهب المالكي:

- ‌ المذهب الشافعي:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌ نقول عن بعض الفقهاء المعاصرين الذين يدعون إلى هذه الفكرة:

- ‌ تمهيد

- ‌ الآثار المترتبة على البقاء مع الأصل:

- ‌ الآثار التي تترتب على العدول عن الأصل:

- ‌مصادر البحث

- ‌إقامة طابق على شارع الجمرات

- ‌ سبب المشروع:

- ‌ موضع الرمي:

- ‌ الأصل في تحديد المشاعر التوقيف:

- ‌ المستند لبقاء الوضع الحالي للجمار

- ‌ قد يقال: لا يجوز بناء حوض خارجي أوسع من الحالي:

- ‌حكم تمثيل الصحابةرضي الله عنهم

- ‌حكم تمثيل الصحابةفي مسرحية أو فيلم سينمائي

- ‌الأول: ما لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المكانة العليا في الإسلام:

- ‌الثاني: النظرة العامة إلى مشاهدة التمثيل:

- ‌الثالث: حال محترفي التمثيل من المناحي المسلكية:

- ‌الرابع: أغراض التمثيل:

- ‌الخامس: اعتياد كثير من المؤرخين في مؤلفاتهم التاريخية على التساهل في تحقيق الوقائع التاريخية:

- ‌فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

- ‌اشتغال المرأة المسلمة بالتمثيل

- ‌قرار لجنة الفتوى بالأزهر

- ‌قصص الأنبياء في السينما

- ‌إقامة أكشاك في منى

- ‌مقام إبراهيمعليه السلام

- ‌قتل الغيلة

- ‌ معنى قتل الغيلة في اللغة وضابطه عند الفقهاء:

- ‌ قتل الغيلة: لغة:

- ‌ قتل الغيلة شرعا:

- ‌ خلاف الفقهاء فيما يوجبه من القتل حدا أو قودا

- ‌الخلاصة

- ‌الخلاف بين الفقهاء فيما يوجبه قتل الغيلة:

الفصل: ‌بيان حكم إحياءديار ثمود

(2)

‌بيان حكم إحياء

ديار ثمود

هيئة كبار العلماء

بالمملكة العربية السعودية

ص: 49

بسم الله الرحمن الرحيم

بحث في بيان حكم إحياء ديار ثمود

إعداد

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

هذا بحث في بيان حكم إحياء ديار ثمود: فمن العلماء من منعه، ومنهم من أجازه، ولكل منهما مستند.

وفيما يلي بيان لبعض القائلين بكل قول، وبيان أدلتهم، ووجه الدلالة منها، والمقارنة بين الأدلة، وذكر بعض النظائر، ويختم البحث بذكر حكمة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول ديار ثمود، ثم بعد ذلك قائمة بأسماء المصادر التي أعد هذا البحث منها، والله ولي التوفيق.

أما القائلون بالمنع: فمنهم أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي، وأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ومحمود بن أحمد العيني، ومحمد بن أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية، والإمام أحمد، والحارثي وغيرهم، واستدلوا بما أخرجه البخاري في [صحيحه] بسنده، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر

ص: 51

قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين ثم قنع رأسه، وأسرع السير حتى أجاز الوادي (1) » وأخرج أيضا بسنده، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثلما أصابهم (2) » .

وأخرج البخاري أيضا بسنده، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم (3) » .

وأخرج البخاري في [صحيحه] بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم ألا يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها، فقالوا: قد عجنا منها، واستقينا، فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين، ويهريقوا ذلك الماء (4) » .

وقال البخاري: ويروى عن سبرة بن معبد، وأبي الشموس، «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإلقاء الطعام (5) » ، وقال أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم:«من اعتجن بمائه (6) » .

ثم ساق البخاري بسنده، عن عبيد الله، عن نافع، أن ابن عمر رضي الله عنهما أخبره: أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود الحجر،

(1)[فتح الباري] ، الجزء 8، كتاب المغازي، غزوة تبوك 125، رقم الحديث (4419) .

(2)

[فتح الباري] ، الجزء 8، كتاب المغازي، غزوة تبوك 125، رقم الحديث (4420) .

(3)

[فتح الباري](1 \ 530) ، كتاب الصلاة، باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، رقم الحديث (433) .

(4)

[فتح الباري](6 \ 378) ، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى (وإلى ثمود أخاهم صالحا) وما بعدها، حديث رقم (3378) .

(5)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3378) .

(6)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3378) .

ص: 52

واستقوا من بئرها، واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا من بئارها، وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كان تردها الناقة، تابعه أسامة عن نافع.

ثم ساق البخاري بسنده، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم، ثم تقنع بردائه وهو على الرحل (1) » .

ثم ساق البخاري بسنده عن سالم، أن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم (2) » .

هذه الأدلة التي سبقت؛ منها ما أخرجه البخاري مسندا، ومنها ما رواه معلقا بصيغة التمريض، ومنها ما رواه بصيغة الجزم، ومنها ما ذكره على سبيل المتابعة.

أما ما ذكره مسندا فقد أشير إليه فيما سبق، وأما ما رواه معلقا بصيغة التمريض فإنه ذكر حديثين بين ابن حجر رحمه الله اتصال سند كل منهما فقال: أما حديث سبرة بن معبد فوصله أحمد والطبراني من طريق عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد عن أبيه عن جده سبرة - وهو بفتح المهملة وسكون الموحدة - الجهني قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين

(1)[فتح الباري](6 \ 378) ، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى (وإلى ثمود أخاهم صالحا) حديث رقم (3380) .

(2)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3381) ، صحيح مسلم الزهد والرقائق (2980) ، مسند أحمد بن حنبل (2/117) .

ص: 53

راح من الحجر: من كان عجن منكم من هذا الماء عجينة، أو حاس به حيسا فليلقه» .

وأما حديث أبي الشموس - وهو بمعجمة، ثم مهملة، وهو بكري لا يعرف اسمه، فوصل حديثه البخاري في [الأدب المفرد] والطبراني وابن منده من طريق سليم بن مطير عن أبيه عنه قال:«كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك» - فذكر الحديث - وفيه «فألقى ذو العجين عجينه، وذو الحيس حيسه» ، ورواه ابن أبي عاصم، من هذا الوجه، وزاد «فقلت: يا رسول الله قد حسيت حيسة، أفألقمها راحتلي؟ قال: نعم» .

وأما المعلق بصيغة الجزم فهو حديث واحد، قال ابن حجر، وصله البزار من طريق عبد الله بن قدامة عنه، «أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فأتوا على واد، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم إنكم بواد ملعون، فأسرعوا وقال: من اعتجن عجينة أو طبخ قدرا فليكبها» الحديث، وقال: لا أعلمه إلا بهذا الإسناد.

وأما ما أخرجه البخاري على سبيل المتابعة فقد قال ابن حجر (1) . قوله: (تابعه أسامة) يعني: ابن زيد الليثي، (عن نافع) أي: عن ابن عمر روينا هذه الطريق موصولة في حديث حرملة عن ابن وهب قال: أخبرنا أسامة بن زيد - فذكر حديث عبيد الله، وهو ابن عمر العمري، وفي آخره:«وأمرهم أن ينزلوا على بئر ناقة صالح ويستقوا منها» .

هذه أدلة القائلين بالمنع، أما وجه استدلالهم بها فقد قال

(1)[فتح الباري](6 \ 380) ، كتاب أحاديث الأنبياء

ص: 54

الخطابي (1) : وفيه دلالة على أن مساكن هؤلاء لا تسكن بعدهم، ولا تتخذ وطنا؛ لأن المقيم المستوطن لا يمكنه دهره باكيا أبدا، وقد نهي أن تدخل دورهم إلا بهذه الصفة، وفيه المنع من المقام بها والاستيطان.

انتهى بواسطة نقل الكرماني عنه.

وقال ابن حجر (2) : وفي الحديث الحث على المراقبة، والزجر عن السكنى في ديار المعذبين، والإسراع عند المرور بها.

وذكر العيني (3) وجه الدلالة، كما ذكره الخطابي، إلا أنه أبدل لفظة (مساكن) التي ذكرها الخطابي - أبدلها بقوله:(ديار) ، كما ذكر الجملة الأخيرة من كلام ابن حجر.

وقال ابن القيم (4) : ومنها: أن من مر بديار المغضوب عليهم والمعذبين لم ينبغ له أن يدخلها، ولا يقيم بها، بل يسرع السير، ويتقنع بثوبه حتى يجاوزها، ولا يدخل عليهم إلا باكيا معتبرا.

وقال محمد بن مفلح (5) : وسأله مهنا عمن نزل الحجر أيشرب من مائها أو يعجن به؟ قال: لا، إلا من ضرورة، لا يقيم بها. انتهى.

وقال مرعي بن يوسف (6)، ومصطفى السيوطي:(قال الحارثي: مساكن) ديار (ثمود) لا تملك؛ لعدم دوام البكاء مع السكنى، (ومع

(1)[الكرماني على البخاري](4 \ 95) ، كتاب الصلاة، باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب.

(2)

[فتح الباري] ، (1 \ 531) ، كتاب الصلاة.

(3)

[عمدة القاري](4 \ 191) كتاب الصلاة

(4)

[زاد المعاد](3 \ 26) غزوة تبوك.

(5)

[الفروع](6 \ 301) كتاب الأطعمة.

(6)

[غاية المنتهى، وشرحها مطالب أولى النهي](4 \ 179) ، باب إحياء الموات.

ص: 55

الانتفاع) على رواية الأظهر خلافها. انتهى.

وكما استدل بتلك الأدلة التي سبقت على منع إحياء ديار ثمود أخذا من نهيه صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلا في حالة البكاء دائما ما دام فيها، وأن هذا متعذر، ومن كونه صلى الله عليه وسلم قنع رأسه وأسرع السير حتى اجتاز الوادي فقد أخذ منها أيضا منع الأحياء من وجه آخر، وهو منع الصلاة فيها، والطهارة من مائها، والتيمم بترابها، واستعمال مائها للشرب والطبخ، وهذه الطائفة من كلام أهل العلم في ذلك:

قال البخاري (1) في [صحيحه] ، باب الصلاة في مواضع الخسف، العذاب، وذكر على أثر علي الدال على منع الصلاة في مواضع الخسف، ثم ذكر حديث النهي عن دخول ديار ثمود إلا في حالة البكاء.

فهذا يدل على أن البخاري يرى منع الصلاة فيها.

ونقله العيني (2) عن أبي بكر بن العربي المالكي.

وقال القرطبي (3) : منع بعض العلماء الصلاة بهذا الموضع، وقال: لا تجوز الصلاة فيها؛ لأنها دار سخط، وبقعة غضب.

وقد سبق قول الإمام أحمد رحمه الله (لا يقيم فيها) ، وهذا يدل على أن يرى منع الصلاة فيها.

هذا بالنسبة لمنع الصلاة فيها.

وأما عدم جواز استعمال مائها للطهارة والشرب والطبخ، وكذلك

(1)[فتح الباري](1 \ 530) .

(2)

[عمدة القاري](4 \ 190) ، باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب.

(3)

[تفسير القرطبي](10 \ 47) سورة الحجر.

ص: 56

استعمال التراب للتيمم - فقد قال القرطبي (1) : أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهرق ما استقوا من بئر ثمود وإلقاء ما عجن وخبز به؛ لأنه ماء سخط، فلم يجز الانتفاع به؛ فرارا من سخط الله، وقال: اعلفوه الإبل. قال مالك: إن ما لا يجوز استعماله من الطعام والشراب يجوز أن تعلفه الإبل والبهائم، إذا لا تكليف عليها.

وقال النووي (2) بعد سياق الأدلة: قلت: فاستعمال ماء هذه الآبار المذكورة في طهارة وغيرها مكروه أو حرام إلا لضرورة؛ لأن هذه سنة صحيحة لا معارض لها، وقد قال الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، فيمنع استعمال آبار ثمود إلا بئر الناقة، ولا يحكم بنجاستها؛ لأن الحديث لم يتعرض للنجاسة، والماء طهور بالأصالة.

وقال موسى بن أحمد بن سالم المقدسي، ومنصور بن يونس البهوتي (3) :(ولا يباح ماء آبار) ديار (ثمود غير بئر الناقة) .

(فظاهره) أي: ظاهرة القول بتحريم ماء غير بئر الناقة من ديار ثمود (لا تصح الطهارة) أي: الوضوء والغسل (به) ؛ لتحريم استعماله كماء مغصوب أو) ماء (ثمنه المعين حرام) في البيع فلا يصح الوضوء بذلك ولا الغسل به؛ لحديث: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (4) » .

(فيتيمم معه) أي: مع ماء غير بئر الناقة من ديار ثمود، ومع المغصوب وما ثمنه المعين الحرام (لعدم غيره) من المباح، ولا يستعمله؛ لأنه ممنوع

(1)[تفسير القرطبي](1 \ 46) ، سورة الحجر.

(2)

[المجموع شرح المهذب](1 \ 137) ، كتاب الطهارة.

(3)

[الإقناع وشرحه](1 \ 21، 22) كتاب الطهارة.

(4)

صحيح مسلم الأقضية (1718) ، مسند أحمد بن حنبل (6/180) .

ص: 57

منه شرعا، فهو كالمعدوم حسا، انتهى.

وتقدم جواب الإمام أحمد رحمه الله لما سأله مهنا عمن نزل الحجر أيشرب من مائها أو يعجن به؟ قال: لا إلا من الضرورة، لا يقيم بها.

وحاصل ما سبق: أن من ذكر من العلماء استدل بالأدلة التي سبقت على عدم جوازها إحياء ديار ثمود، وأنه لا يجوز استعمال مائها للطهارة أو شرب أو طبخ، ولا يجوز التيمم بترابها، وأن الأدلة دلت على ذلك، وأن توجيه الاستدلال منها كما يأتي:

1 -

نهى صلى الله عليه وسلم عن دخول ديار ثمود، إلا في حال البكاء، وأنه لا بد من ملازمة البكاء ما دام باقيا فيها، ولو أنه بقي في أي جزء منها بدون هذه الصفة صدق عليه أنه دخل ذلك الجزء وهو غير باك فيكون منهيا عن الدخول فيه، فكما أنه منهي عن الدخول ابتداء إلا وهو متصف بالبكاء فنهيه عن الاستمرار بدون البكاء من باب أولى، فهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم، والنهي يقتضي التحريم والفساد، هذه هي القاعدة العامة في ذلك، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل يدل على ذلك، وكما صدر القول منه صلى الله عليه وسلم في النهي عن دخول ديارهم إلا في حالة الاتصاف بالبكاء، فقد قنع رأسه، وأسرع السير وهو على الرحل حتى اجتاز الوادي، والإحياء يترتب عليه البقاء فيها وبناء المساكن، ولا يمكن دوام البقاء مع ملازمة البكاء، ودوام البقاء مع ملازمة البكاء ممتنع، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم، فيمتنع الإحياء لامتناع البقاء مع ملازمة البكاء.

2 -

أمره صلى الله عليه وسلم بعدم الشرب من مائها، وعدم الطبخ، وأمره صلى الله عليه وسلم بطرح العجين الذي عجنوا به من مائها، وبإهراق الماء الذي استقوا من الآبار،

ص: 58