المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الأولحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - الأحاديث الواردة في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

[عبد الله بن فوزان الفوزان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌أولاً: لمحة موجزة فيما ورد من فضائل يوم الجمعة، وفضل بعض الأعمال فيه

- ‌ثانياً: ومضة يسيرة فيما ورد من فضائل سور القرآن

- ‌ثالثاً: الأحاديث الواردة في فضل سورة الكهف

- ‌رابعاً: الأحاديث الواردة في الترغيب بقراءة سور أخرى يوم الجمعة

- ‌المبحث الأول الأحاديث الواردة في الترغيب بقراءة سورة الكهف يوم الجمعة

- ‌الحديث الأولحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

- ‌الحديث الثانيحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌الحديث الثالثحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه

- ‌الحديث الرابعحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

- ‌الحديث الخامسحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌الحديث السادس والسابعحديثا ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم

- ‌الحديث الثامن والتاسعحديثا البراء وابن عباس رضي الله عنهم

- ‌الحديث العاشرحديث إسماعيل بن رافع

- ‌المبحث الثاني الآثار الواردة في الباب

- ‌الأول: أثر أبي المهلب الجرمي

- ‌الثاني: أثر أبي قلابة الجرمي

- ‌الثالث: أثر خالد بن معدان

- ‌المبحث الثالث كلام أهل العلم من المحدثين والفقهاء في ذلك

- ‌خاتمة المبحث

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌الحديث الأولحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

‌الحديث الأول

حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه

-

حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مداره على أبي هاشم الرماني (1)، عن أبي مِجْلَز (2)، عن قيس بن عباد (3)، عن أبي سعيد (4).

(1) هو: الرماني الواسطي، قيل: اسمه: يحيى بن دينار، وقيل: يحيي بن الأسود، وقيل: ابن أبي الأسود، وثقه: ابن معين، وأحمد، وأبو زرعة، والنسائي، والدارقطني، وغيرهم، توفي سنة 122 هـ، وقيل: 145 هـ روي له الجماعة. ينظر: التاريخ الكبير (8/ 271)، والجرح والتعديل (9/ 140)، والثقاب (7/ 596)، وتهذيب الكمال (8/ 271)، والجرح والتعديل (9/ 140)، والثقاب (7/ 597)، وتهذيب الكمال (34/ 362) وسير أعلام النبلاء (6/ 152) وتهذيب (12/ 261) ، التعريب (8492).

(2)

لاحق بن حميد السدوسي أبو مجلز البصري الأعور، من الثقات الحفاظ، توفي سنة 101 هـ، وقيل: 106 هـ، وقيل: 109 هـ، وروي له الجماعة. ينظر: التاريخ الكبير (5/ 518)، وتهذيب الكمال (31/ 176)، وتهذيب التهذيب (11/ 171)، والتقريب (7540).

(3)

هو: القيس الضبعي، أبو عبد الله البصري، ثقة مخضرم من الصالحين، توفي بعد الثمانين، روي له الجماعة إلا الترمذي. ينظر: التاريخ الكبير (7/ 145)، والجرح والتعديل (7/ 101)، والثقات (5/ 307) وتهذيب الكمال (24/ 64)، وتهذيب التهذيب (8/ 400) والتقريب (5617).

(4)

اسمه: سعد بن مالك بن سنان الخزرجى الأنصاري، كان من نجباء الصحابة، وعلمائهم، وفضلائهم، توفي سنة 74 هـ، روي له الجماعة. ينظر: التاريخ الكبير (4/ 44)، والجرح والتعديل (4/ 93)، والاستيعاب (2/ 602)، وتهذيب الكمال (10/ 294)، والسير (3/ 168) وتهذيب التهذيب (3/ 479)، والتقريب (2266)، والإصابة (3/ 78).

ص: 21

وقد وقع فيه على أبي هاشم اختلاف في إسناده، إذ روي عنه موقوفاً ومرفوعاً، واختلاف آخر في متنه، إذ روي مطولاً ومختصراً بألفاظ متعددة.

وحاصل ذلك: أن أصل الحديث رواه عن أبي هاشم ستة من تلاميذه - فيما وقفت عليه -، ولفظ الحديث إجمالاً ورد في أمرين:

الأول منهما: فضيلة الذكر بعد الوضوء، ولفظه:«من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رِقٍّ، ثم طبع بطابع، فلم يكسر إلى يوم القيامة» .

الثاني: فضيلة قراءة سورة الكهف.

فبعض الرواة عن أبي هاشم اقتصر على لفظ الذكر بعد الوضوء، وهم: قيس بن الربيع، والوليد بن مروان، وروح بن القاسم، وفي أسانيد أحاديثهم ضعف.

وآخرون جمعوا بينهما في سياق واحد، وهم: هشيم بن بشير، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، على اختلاف بينهم وعنهم - كما سيأتي-.

وسوف أقصر التخريج والدراسة على رواياتهم:

ص: 22

* طريق هشيم بن بشير (1):

أخرجه: أبو عبيد القاسم بن سلام (2) - ومن طريقه النسفي (3)، والذهبي (4) -، والدارمي (5) عن أبي النعمان محمد بين الفضل السدوسي.

- وابن الضريس (6) - ومن طريقه الخطيب البغدادي (7) - عن أحمد بن خلف البغدادي (8).

- والبيهقي في (شعب الإيمان)(9)، من طريق سعيد بن منصور.

(1) هو هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية الواسطي، ثقة ثبت، كثير التدليس، والإرسال الخفي، توفي سنة 183 هـ، روي له الجماعة. ينظر: التاريخ الكبير (8/ 242)، والجرح والتعديل (9/ 115) وتهذيب الكمال (30/ 272) وتذكر الحفاظ (1/ 148)، وسير أعلام النبلاء (8/ 287)، وتهذيب (11/ 59)، والتقريب (7362).

(2)

فضائل القرآن ص (244).

(3)

القند في ذكر علماء سمرقند ص (61)، ووقع في إسناده سقط.

(4)

تاريخ الإسلام (7/ 693).

(5)

(4/ 2143) ح (3450).

(6)

فضائل القرآن ص (99) رقم (211).

(7)

تاريخ بغداد (4/ 134).

(8)

قال فيه الخطيب: (وهو شيخ غير معروف عندنا، وقد سقط من روايته أبو هاشم.

(9)

شعب الإيمان (2/ 474) ح (2444).

ص: 23

أربعتهم: (أبو عبيد، وأبو النعمان، وابن خلف، وسعيد) عن هشيم، عن أبي هاشم به موقوفاً، بلفظ:«من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق» ، وهذا لفظ أبي عبيد، والبقية نحوه، عدا محمد بن الفضل ففي روايته:«ليلة الجمعة» .

وأخرجه: الحاكم (1) - وعنه البيهقي (2) - من طريق نعيم بن حماد.

- والبيهقي في شعب الإيمان، وفضائل الأوقات (3)، من طريق يزيد بن مخلد بن يزيد.

- والدارقطني (4) معلقاً، من طريق الحكم بن موسى، ثلاثتهم:(نعيم، ويزيد، والحكم) عن هشيم، عن أبي هاشم به مرفوعاً، بلفظ:«من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق» . وهذا لفظ يزيد، ولفظ نعيم «أضاء له من النور ما بين الجمعتين» .

قال الحاكم عن طريق نعيم: (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه).

خلفه الذهبي إذ قال: (نعيم ذو مناكير).

(1) المستدرك (2/ 368).

(2)

السنن الكبرى (3/ 249)، والسنن الصغير (1/ 235) ح (606).

(3)

شعب الإيمان (2/ 475) ح (2445)، وفي (3/ 112) ح 3039) وفضائل الأوقات (1/ 502) ح (279).

(4)

العلل (11/ 308).

ص: 24

* طريق سفيان الثوري (1):

أخرجه: عبد الرزاق (2) - ومن طريقه الطبراني (3).

- وابن أبي شيبة (4)، ونعيم بن حماد (5) عن وكيع بن الجراح.

- ونعيم بن حماد (6)، والنسائي في (الكبرى)، وهو في عمل اليوم والليلة (7)، والحاكم (8)، من طريق عبد الرحمن بن مهدي.

- والبيهقي (9) من طريق قبيصة بن عقبة.

أربعتهم: (عبد الرزاق، ووكيع، وابن مهدي، وقبيصة) عن سفيان، عن أبي هاشم به موقوفاً، بلفظ: «من توضأ، ثم فرغ من وضوئه، ثم قال: سبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك، ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش، فلا تكسر إلى يوم القيامة، ومن قرأ سورة الكهف كما أنزلت ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه، ولم

(1) الإمام الحافظ الحجة سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، أمير المؤمنين في الحديث، توفي سنة 161 هـ، روي له الجماعة. ينظر: التاريخ الكبرى (4/ 92)، والجرح والتعديل (1/ 55)، وتهذيب الكمال (11/ 154)، وتذكرة الحفاظ (1/ 203)، والسير (7/ 229)، وتهذيب التهذيب (4/ 1111) والتقريب (2458) ..

(2)

المصنف (1/ 186) ح (730)، وفي (3/ 378) ح (6033).

(3)

الدعاء (1/ 141) ح (391).

(4)

المصنف (1/ 3)، وفي (10/ 450).

(5)

الفتن (2/ 562) ح (1579).

(6)

الفتن: (2/ 264) ح (1582).

(7)

(9/ 348) ح (10724) عمل اليوم والليلة رقم (954).

(8)

المستدرك (1/ 565) وفي (4/ 511).

(9)

شعب الإيمان (2/ 112) ح (3038).

ص: 25

يكن له عليه سبيل، ومن قرأ خاتمة سورة الكهف أضاء نوره من حيث قرأها ما بينه وبين مكة». وهذا لفظ عبد الرزاق.

وأما وكيع فذكر في رواية ابن أبي شيبة لفظ الوضوء، وفي رواية نعيم بن حماد قراءة الكهف ولفظه:«من قرأ سورة الكهف كما أنزلت أضاء له ما بينه وبين مكة، ومن قرأ آخرها ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه» .

واقتصر ابن مهدي في روايته على قراءة السورة ولفظه: «من قرأ سورة الكهف كما أنزلت ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه، ولم يكن له عليه سبيل، ومن قرأ سورة الكهف كان له نوراً من حيث قرأها ما بينه وبين مكة» .

وأما قبيصة فلفظه: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فأدرك الدجال لم يسلط عليه- أو قال: لم يضره-، ومن قرأ خاتمة سورة الكهف أضاء الله نوراً من حيث كان بينه وبين مكة» .

قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه).

* طريق شعبة بن الحجاج (1).

أخرجه: النسائي (2) من طريق غندر محمد بن جعفر.

(1) هو: ابن الحجاج بن لورد العتكي الأزدي، أبو بسطام الواسطي، ثقة حافظ متقن، أمير المؤمنين في الحديث، توفي سنة 160 هـ، روى له الجماعة. ينظر: التاريخ الكبير (4/ 244)، والجرح والتعديل (1/ 126) وتهذيب الكمال (12/ 479) وتذكرة الحفاظ (1/ 193)، والسير (7/ 202)، وتهذيب التهذيب (4/ 338)، والتقريب (2805).

(2)

السنن الكبرى (9/ 348) ح (10723)، عمل اليوم والليلة رقم (953) ..

ص: 26

- والطبراني في الدعاء (1) من طريق عمر بن مرزوق.

- وذكره البيهقي (2) معلقاً من طريق معاذ بن معاذ.

ثلاثتهم: (غندر، وعمرو، ومعاذ) عن شعبة، عن أبي هاشم به موقوفاً، ولفظه:«من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نوراً من حيث يقرؤها إلى مكة، ومن قرأ آخر الكهف فخرج الدجال لم يسلط عليه» ، وهذا لفظ غندر، والبقية نحوه.

وأخرجه: النسائي (3)، والطبراني (4) - ومن طريقه ابن حجر في نتائج الأفكار (5)، والحاكم (6) - وعنه البيهقي (7) - من طريق يحيى بن كثير.

والبيهقي (8) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث.

- والدارقطني (9) معلقا من طريق ربيع بن يحيي.

ثلاثتهم: (يحيي، وعبد الصمد، وربيع) عن شعبة، عن أبي هاشم به مرفوعا، بلفظ: «من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نورا يوم القيامة من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يسلط عليه، ومن

(1) الدعاء (1/ 140) ح (388).

(2)

شعب الإيمان (3/ 21).

(3)

السنن الكبرى (9/ 348) ح (10722)، وعمل اليوم الليلة (952).

(4)

المعجم الأوسط (2/ 271) ح (1478).

(5)

(1/ 248).

(6)

المستدرك (1/ 564).

(7)

شعب الإيمان (3/ 21) ح (2754).

(8)

شعب الإيمان (2/ 21) ح (2754).

(9)

العلل (11/ 308).

ص: 27

توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق ثم جعلت في طابع فلم يكسر إلى يوم القيامة».

وهذا لفظ يحيي عند الطبراني، والحاكم، والبيهقي، وعند غيرهما مختصراً دون لفظ الوضوء، ولفظ عبد الصمد نحوه، ولم أقف على لفظ ربيع.

قال الحاكم عن طريق يحيى: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ورواه سفيان الثوري، عن أبي هاشم فأوقفه).

دراسة الاختلاف في الحديث

من خلال تخريج الحديث تبين أن مداره على أبي هاشم الروماني، وقد رواه عنه ثلاثة من تلاميذه، وهم: هشيم، والثوري، وشعبة، وقد اختلف عليهم في رواياتهم سنداً ومتناً حسب التفصيل التالي:

أولاً: الاختلاف على هشيم:

وقد اختلف عليه في إسناده ومتنه:

فأما الاختلاف في الإسناد فقد رواه عنه أصحابه على وجهين: موقوف، ومرفوع.

الوجه الأول: الموقوف.

وقد روى هذا الوجه أربعة، وهم:

ص: 28

* أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي، الإمام الثقة، صاحب التصانيف (1).

* وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي البصري، الملقب بعارم، وهو ثقة ثبت، حصل له تغير في آخر عمره (2).

* وأحمد بن خلف البغدادي، وهو شيخ غير مشهور، كما قال الخطيب (3).

* وسعيد وهو: ابن منصور أبو عثمان الخراساني، الإمام الثقة الثبت (4).

الوجه الثاني: المرفوع:

وقد روي هذا الوجه ثلاثة من أصحابه، وهم:

* نعيم بن حماد: وهو أبو عبد الله الخزاعي المروزي، صدوق، يخطئ كثيراً، فقيه، عارف بالفرائض، كما قال ابن حجر (5).

(1) ينظر في ترجمته: تاريخ بغداد (12/ 403)، وتهذيب الكمال (23/ 354)، وسير أعلام النبلاء (10/ 490)، وتقريب التهذيب (5497) ..

(2)

ينظر في ترجمته: تهذيب الكمال (26/ 287)، وسير أعلام النبلاء (10/ 265) وتقريب التهذيب (6266).

(3)

ينظر: تاريخ بغداد (4/ 134).

(4)

ينظر في ترجمته: تهذيب الكمال (11/ 77)، وسير أعلام النبلاء (10/ 586) وتقريب التهذيب (2412).

(5)

تقريب التهذيب (7215)، وينظر: تاريخ بغداد (13/ 306)، وتهذيب الكمال (29/ 466)، والسير (10/ 595).

ص: 29

* ويزيد بن مخلد بن يزيد، وقد ترجم له ابن أبي حاتم، وأبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى، والذهبي في المقتنى، ولم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً (1).

* والحكم بن موسى وهو: أبو صالح القنطري البغدادي، صدوق (2).

وقد حكم بعض الحفاظ بترجيح رواية الوقف عن هشيم:

فقال الدارقطني عن رواية الحكم بن موسى: (ووقفه غيره عن هشيم، وهو الصواب)(3).

وقال البيهقي: (هذا هو المحفوظ موقوف)(4).

وقال ابن القيم بعد ذكر المرفوع: (وذكره سعيد بن منصور من قول أبي سعيد الخدري، وهو أشبه)(5).

ووجه الترجيح ظاهر، إذ من رواه موقوفاً أكثر من حيث العدد، وأحفظ من حيث الضبط.

وعلى كل حال فقد تكلم في روايه هشيم مطلقاً.

(1) ينظر: الجرح والتعديل (9/ 291)، والأسامي والكنى (4/ 283) والمقتني (1923) ..

(2)

ينظر في ترجمته: تاريخ بغداد (8/ 226)، وتهذيب الكمال (7/ 136) والسير (11/ 5)، والتقريب (1470).

(3)

العلل (11/ 308).

(4)

شعب الإيمان (2/ 474).

(5)

زاد المعاد (1/ 376).

ص: 30

قال الإمام أحمد رحمه الله وهو ممن روى جملة الوضوء فقط عن هشيم بهذا الإسناد - (لم يسمعه هشيم من أبي هشام)(1).

وقد وقفت على تصريح هشيم بالتحديث في رواية أبي عبيد، ومحمد بن الفضل، وسعيد بن منصور، ونعيم بن حماد، ولا شك أن التصريح يفيد السماع غالباً، لا سيما وأنه هنا وقع في رواية أربعة من أصحاب هشيم، فيستدعي هذا تأملا في نفي الإمام أحمد، وهل قال ذلك من أجل أنه تيقن عدم سماع هشيم لهذا الحديث، أو لأنه لم يقف على تصريح هشيم بالسماع؟ فإن قيل بالأول: جزمنا بأن روايات التصريح خطأ، وإن قيل بالاحتمال الثاني: فيكون إثبات السماع صحيحاً، ويقدم على نفي الإمام أحمد.

ومما يؤيد عدم سماعه له - في نظري- ما يلي:

1 -

شهرة هشيم بالتدليس، وشدته فيه.

قال الإمام أحمد: (التدليس من الريبة - وذكر هشيما - فقال: كان يدلس تدليسا وحشاً، وربما جاء بالحرف الذي لم يسمعه فيذكره في حديث آخر، إذا انقطع الكلام يوصله)(2).

2 -

نفي الإمام أحمد للسماع، والإمام رحمه الله من أعلم

(1) العلل ومعرفة الرجال - رواية ابنه عبد الله - رقم (2153).

(2)

العلل - رواية المروذي - رقم (31).

ص: 31

الناس بحديث هشيم، وأعرفهم بتدليسه، فهو من أوائل شيوخه، وقد حفظ حديثه كله قبل وفاته (1)، وقد نص الإمام على عدم سماع هشيم في أحاديث كثيرة (2).

3 -

وجود شيء من الاختلاف على هشيم في لفظ الحديث يقوي نفي السماع.

4 -

مخالفة هشيم في لفظ الحديث لسفيان وشعبة - كما سيأتي - من القرائن التي يستأنس بها في ذلك.

وعليه: فيكون التصريح في بعض الطرق لا يدل على السماع، لا سيما مع النفي الصريح من إمام ناقد كأحمد رحمه الله، إذ يكون التصريح أحيانا خطأ من الراوي، أو تصحيفاً، أو صيغة أداء مطلقة لم يقصد بها المحدث إثبات السماع.

قال ابن رجب رحمه الله: (كثيراً ما يرد التصريح بالسماع، ويكون خطأ .. ، وكان أحمد يستنكر دخول التحديث في كثير من الأسانيد، ويقول: هذا خطأ - يعني: ذكر السماع-

، وحينئذ فينبغي التفطن لهذه الأمور، ولا يغتر بمجرد ذكر السماع والتحديث في الأسانيد، فقد ذكر ابن المديني أن شعبة وجدوا له غير شيء يذكر فيه الإخبار عن شيوخه، ويكون منقطعا) (3).

(1) ينظر: الجرح والتعديل (1/ 295)، وحلية الأولياء (9/ 163).

(2)

ينظر: العلل - رواية عبد الله - ففيه أحاديث كثيرة نفي الإمام فيها سماع هشيم.

(3)

شرح علل الترمذي (2/ 589 - 594).

ص: 32

وأما الاختلاف على هشيم في متن الحديث.

فقد رواه جمهور أصحابه عنه بلفظ: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق» أو بنحوه، أو معناه.

إلا محمد بن الفضل السدوسي ففي روايته: «ليلة الجمعة» بدل (يوم الجمعة).

ولعل ذلك من أوهام محمد بن الفضل، فإنه قد تغير في آخر حياته، وقد خالف من هم أكثر، وأحفظ منه (1).

ووقع اختلاف آخر في متنه، ففي لفظ نعيم بن حماد:(أضاء له من النور ما بين الجمعتين).

وقد تفرد نعيم بهذا اللفظ من بين سائر الرواة عن هشيم، فجميعهم رووه بلفظ:«ما بينه وبين البيت العتيق» أو بمعناه.

وهذا من مناكير نعيم، فإنه صاحب مناكير، ويخطئ كثيراً، وخالف من هم أضبط منه حفظاً، وأكثر عدداً.

فتلخص من رواية هشيم: أنها موقوفة، ومشكوك في

(1) جمع الحافظ ابن حجر بين اللفظين، فيما نقله صاحب فيض القدير (6/ 199) بقوله:(قال الحافظ ابن حجر في أماليه: كذا وقع في روايات (يوم الجمعة) وفي روايات (ليلة الجمعة) ويجمع بأن المراد اليوم بليلته والليلة بيومها) وينظر: الفتوحات الربانية (4/ 229)، ولم أقف عليه في كتب ابن حجر رحمه الله.

ص: 33

اتصالها، وأن اللفظ المحفوظ عنه:«من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق» أو نحوه.

ثانياً: الاختلاف على سفيان:

وضح من تخريج طرق حديث سفيان أنه رواه عن أبي هاشم موقوفاً، وقد رواه بعض أصحاب سفيان مرفوعا بلفظ الوضوء فقط، وليس لسورة الكهف فيه ذكر، فلم أطل بتخريج رواياتهم.

فأما روية سفيان من حيث المتن فرواه بلفظ: «من قرأ سورة الكهف كما أنزلت ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه، ولم يكن له عليه سبيل، ومن قرأ خاتمة سورة الكهف أضاء نوره من حيث قرأها ما بينه وبين مكة» أو بنحوه.

إلا قبيصة بن عقبة فقد تفرد عن بقية أصحابه بذكر يوم الجمعة، فرواه عنه بلفظ:«من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فأدرك الدجال لم يسلط عليه - أو قال: لم يضره -، ومن قرأ خاتمة سورة الكهف أضاء الله نورا من حيث كان بينه وبين مكة» .

وقبيصة متكلم في روايته عن سفيان.

قال ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: (هو ثقة، إلا في حديث سفيان الثوري ليس بذاك القوي).

ص: 34

وقال أحمد في روايته عنه (كان كثير الغلط)(1).

وقال يعقوب بن شيبة: (كان ثقة صدوقاً فاضلاً، تكلموا في روايته عن سفيان خاصة، كان ابن معين يضعف روايته عن سفيان)(2).

فتحصل أن رواية قبيصة بذكر الجمعة شاذة، وقد خالف وكيعاً، وابن مهدي، وعبد الرزاق، فلم تقع هذه اللفظة في شيء من رواياتهم.

ثالثاً: الاختلاف على شعبة:

ظهر مما سبق الاختلاف عليه من وجهين أيضا: مرفوع وموقوف:

الوجه الأول: الموقوف:

* غندر محمد بن جعفر وهو: الهذلي مولاهم، أبو عبد الله البصري، ثقة، من أثبت الناس في حديث شعبة (3).

* وعمرو بن مرزوق وهو: الباهلي مولاهم، أبو عثمان البصري، ثقة، إلا أن له أوهاما (4).

(1) ينظر: تاريخ بغداد (12/ 474).

(2)

ينظر: تهذيب الكمال (23/ 481)، وشرح علل الترمذي (2/ 811، 812).

(3)

ينظر في ترجمته: تهذيب الكمال (25/ 5) وسير أعلام النبلاء (17/ 102)، والتقريب (5824).

(4)

ينظر في ترجمته: تهذيب الكمال (22/ 224)، وسير أعلام النبلاء (19/ 403)، والتقريب (5145).

ص: 35

* ومعاذ بن معاذ وهو: العنبري، أبو المثنى البصري، ثقة متقن، من ثقات أصحاب شعبة (1).

الوجه الثاني: المرفوع:

وهذا رواه عنه ثلاثة أيضاً، وهم:

* يحيى بن كثير وهو: العنبري مولاهم، أبو غسان البصري، ثقة (2).

* عبد الصمد بن عبد الوارث وهو: التميمي العنبري مولاهم، أبو سهل البصري التنوري، ثبت في شعبة، صدوق في غيره (3).

* وربيع بن يحيي وهو: الأشناني، أبو الفضل البصري، صدوق له أوهام (4).

وقد صوب الأئمة رواية الوقف على الرفع.

فقد قال النسائي عن الرفع: (هذا خطأ، والصواب

(1) ينظر في ترجمته: تاريخ بغداد (13/ 131) وتهذيب الكمال (28/ 132) وسير أعلام النبلاء (17/ 51) والتقريب (6787).

(2)

ينظر في ترجمته: تهذيب الكمال (31/ 499) وسير أعلام النبلاء (18/ 71) والتقريب (7679)

(3)

ينظر في ترجمته: تهذيب الكمال (18/ 99) وسير أعلام النبلاء (18/ 47) والتقريب (4108).

(4)

ينظر في ترجمته: تاريخ بغداد (8/ 417) وتهذيب الكمال (9/ 106) وسير أعلام النبلاء (19/ 448) والتقريب (1913).

ص: 36

موقوف) (1).

وقال الطبراني: (رفعه يحيى بن كثير عن شعبة، ووقفه الناس)(2).

وقال الدارقطني: (ورواه غندر، وأصحاب شعبة، عن شعبة موقوفاً)(3).

ووجه هذا الترجيح أن من روى الوقف أحفظ وأقوى ممن رفعه.

فغندر محمد بن جعفر أوثق أصحاب شعبة، كما هو قول جمهور النقاد، وكذا معاذ بن معاذ من ثقات أصحابه.

قال عبد الله بن المبارك: (إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم فيما بينهم)(4).

وقال الإمام أحمد: (ما في أصحاب شعبة أقل خطأ من محمد بن جعفر)(5).

(1) السنن الكبرى (9/ 348) عمل اليوم والليلة ص (528) هامش رقم (953)

(2)

الدعاء ص (141)

(3)

العلل (11/ 308).

(4)

الجرح والتعديل (1/ 270) وينظر: شرح علل الترمذي (2/ 703).

(5)

مسائل ابن هانئ رقم (2276، 2277) وينظر: شرح علل الترمذي (2/ 702).

ص: 37

- وقال العجلي: (غندر من أثبت الناس في حديث شعبة)(1)

وقال ابن عدي: (أصحاب شعبة: معاذ بن معاذ، وخالد بن الحارث، ويحيى القطان، وغندر، وأبو داود خامسهم)(2).

وأما من رفعه عنه فليسوا من كبار أصحابه، فلا يصح صناعة تقديم روايتهم على رواية الوقف.

ومما يرجح ذلك - أيضاً- أنه قد تكلم في ثبوت بعض روايات الرفع:

فرواية عبد الصمد فيها ضعف، إذا الراوي عنه عبد الرحمن بن أبي الختري، ولم أجد من ذكره بجرح أو تعديل.

وكذا رواية ربيع بن يحيى، ضعفها الدارقطني، إذ قال رحمه الله (وقيل: عن ربيع بن يحيى، عن شعبة مرفوعاً، ولم يثبت) (3).

فيكون يحيى بن كثير قد تفرد بالرفع.

قال الطبراني في (الأوسط): (لم يرو هذا الحديث

(1) معرفة الثقات (2/ 234)، وينظر: شرح علل الترمذي (2/ 703).

(2)

الكامل (3/ 280) وينظر: شرح علل الترمذي (2/ 705).

(3)

العلل (11/ 308).

ص: 38

مرفوعاً عن شعبة إلا يحيى بن كثير) (1).

فهذه رواية شعبة من حيث الإسناد.

وأما من حيث المتن فقد رواه بلفظ: «من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نورا من حيث يقرؤه إلى مكة، ومن قرأ آخر الكهف فخرج الدجال لم يسلط عليه» فليس للجمعة ذكر في شيء من ألفاظ حديثه.

وخلاصة الحكم على حديث أبي سعيد رضي الله عنه:

أن مدار إسناده على أبي هاشم الرماني، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

والمحفوظ وقفه على أبي سعيد، ولا يصح رفعه.

قال البيهقي: (والمشهور موقوف)(2).

وقال الذهبي: (وقفه أصح)(3).

وقال ابن حجر: (ورجال الموقوف في طرقه كلها أتقن من رجال المرفوع)(4).

فهذا حكم إسناده.

وأما متنه فتبين - مما تقدم- أن تخصيص فضيلة قراءة سورة الكهف بيوم الجمعة أو ليلتها لم يرد عن أبي هاشم إلا من طريقين:

(1)(2/ 123) ح (1455).

(2)

الدعوات الكبير (1/ 42).

(3)

المهذب في اختصار السنن الكبير (3/ 1181).

(4)

ينظر: فيض القدير (6/ 199) ولم أقف عليه في المطبوع من كتبه.

ص: 39

الأول: طريق هشيم بن بشير، عن أبي هاشم، وقد تفرد بها هشيم عن الثوري، وشعبة، ولا شك في تقديمهما عليه إذا اجتمعا.

قال الحارث بن سريج: (قلت لعبد الرحمن بن مهدي: إذا اختلف الثوري وهشيم؟ قال: هشيم أثبت فيه - يعني: حصين بن عبد الرحمن - قلت: شعبة وهشيم؟ قال: هشيم، حتى يجتمعا، يعني: يجتمع سفيان وشعبة في حديث)(1).

كما أن رواية هشيم مشكوك في اتصالها بينه وبين أبي هاشم الرماني.

الثاني: طريق قبيصة عن الثوري، عن أبي هاشم، وقد تفرد بها قبيصة، عن سفيان، وروايته عنه ضعيفة لو تفرد، فكيف وقد خالف غيره.

فالحاصل: أن المحفوظ في الحديث وقفه على أبي سعيد رضي الله عنه بدون ذكر الجمعة فيه، إذ هذه الزيادة شاذة والله تعالى أعلم.

(1) ينظر: تاريخ بغداد (14/ 91)، وتهذيب الكمال (30/ 282).

ص: 40