الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثاني عشر: قيام روح الشورى:
خصوصاً بين أهل العلم، والفضل، والحل والعقد، وذلك بأن ينظروا في مصلحة الأمة، وأن يقدموا المصالح العليا قال الله -تعالى- في وصف المؤمنين:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] .
وقال عز وجل لنبيه: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] .
فقد أذن الله له "بالاستشارة وهو غني عنها بما يأتيه من وحي السماء؛ تطييباً لنفوس أصحابه، وتقريراً لسنة المشاورة للأمة من بعده.
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه من العلم بالشريعة، والخبرة بوجوه السياسة في منزلة لا تطاولها سماء، ومع هذا لا يبرم حكماً في حادثة إلا بعد أن تتداولها آراء جماعة من الصحابة (1)
وهكذا كان عمر رضي الله عنه في الشورى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فكان عمر يشاور في الأمور لعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبي موسى ولغيرهم، حتى كان يدخل ابن عباس معهم مع صغر سنه.
وهذا مما أمر الله به المؤمنين ومدحهم عليه بقوله: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] .
(1) انظر الحرية في الإسلام ص21
ولهذا كان رأي عمر، وحكمه، وسياسته من أسدِّ الأمور، فما رؤي بعده مثله قط، ولا ظهر الإسلام وانتشر، وعزَّ كظهوره، وانتشاره، وعزه في زمنه.
وهو الذي كسر كسرى، وقصر قيصر الروم والفرس، وكان أميره الكبير على الجيش الشامي أبا عبيدة، وعلى الجيش العراقي سعد بن أبي وقاص، ولم يكن لأحدٍ -بعد أبي بكر - مثل خلفاءه ونوابه وعماله وجنده وأهل شوراه) (1) .
وكما كانت هذه هي سيرةَ الخلفاء الراشدين في الشورى فكذلك كانت سيرة من جاء بعدهم فهذا معاوية رضي الله عنه الذي كان مضرب المثل في الدهاء والحلم وكياسة الرأي كان يأخذ بسنة الشورى.
(1) منهاج السنة النبوية 8 / 58
جاء في الثمار للثعالبي ص68 ما يلي: دهاء معاوية رضي الله عنه ذلك ما اشتهر أمره، وسار ذكره، وكثرت الروايات والحكايات فيه، ووقع الإجماع على أن الدهاة أربعة: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه رضي الله عنهم فلما كان معاوية رضي الله عنه بحيث هو من الدهاء وبعد الغور-وانضم إليه الدهاة الثلاثة الذين يرون بأول آرائهم أواخر الأمور- فكان لا يقطع أمراً حتى يشهدوه، ولا يستضيء في ظلم الخطوب إلا بمصابيح آرائهم-سلم له أمر الملك، وألقت إليه الدنيا أزمتها، وصار دهاؤه ودهاء أصحابه الثلاثة مثلاً.
ثم إن للشورى فوائد عظيمة منها تقريب القلوب، وتخليص الحق من احتمالات الآراء، واستطلاع أفكار الرجال، ومعرفة مقاديرها؛ فإن الرأي يمثِّل لك عقلَ صاحبه كما تمثل لك المرآةُ صورةَ شخصِه إذا استقبلها.
وقد ذهب الحكماء من الأدباء في تصوير هذا المغزى مذاهب شتى، قال بعضهم:
إذا عنَّ أمرٌ فاستشر فيه صاحباً
…
وإن كنت ذا رأي تشير على الصحبِ
فإني رأيت العين تجهل نفسها
…
وتدرك ما قد حل في موضع الشهب
وقال آخر:
اقرن برأيك رأي غيرك واستشر
…
فالحق لا يخفى على الاثنين
والمرء مرآةٌ تريه وجهه
…
ويرى قفاه بجمع مرآتين
وقال آخر:
الرأي كالليل مسوداً جوانبه
…
والليل لا ينجلي إلا بإصباح
فاضمم مصابيحَ آراءِ الرجال إلى
…
مصباح ضوئك تزددْ ضوءَ مصباح
وإذا كان العالم النحرير، والحكيم الداهية، والقائد الحصيف لا يستغنون عن الشورى-فكيف بمن دونهم، بل كيف بمن كان شاباً في مقتبل عمره، ولم تصلب بعد قناته، ولم تُحَنِّكْهُ التجارب؟!.