الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني والعشرون: مراعاة المصالح والمفاسد:
وقد مر شيء من ذلك؛ فلا يكفي مجرد سرد النصوص، وتنزيلها على أحوال معينة خصوصاً عند الفتن واشتباه الأمور بل لا بد من الرؤية، والاستنارة بأهل العلم والفقه والبصيرة، ولا بد من النظر في المصالح والمفاسد قال الشيخ السعدي رحمه الله: قوله {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] ، مفهوم الآية أنه إذا ترتب على التذكير مضرة أرجح تُرِكَ التذكير؛ خوف وقوع المنكر. (1) .
وقال ابن القيم رحمه الله: فإذا كان إنكار المُنْكَرِ يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه، ويمقت أهله.
وقال: " ومن تأمل ما جرى في الإسلام من الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته، فتولَّد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها.
بل لما فتح الله مكة، وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت، وردِّه على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك -مع قدرته عليه- خشيةُ وقوع ما هو أعظم منه، من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر (2) .
(1) فتح الرحيم الملك العلام ص164
(2)
إعلام الموقعين لابن القيم 3 / 6
وقال: فإنكار المنكر أربع درجات: الأولى: أن يزول ويَخْلُفَهُ ضدُّه 0
والثانية: أن يَقِلَّ، وإن لم يزل بالجملة.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شرٌ منه.
فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة محلُّ اجتهاد، والرابعة محرمة.
فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون الشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كرمي النُّشاب، وسباق الخيل، ونحو ذلك.
وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو، أو لعب، أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلتهم إلى طاعة الله فهو المراد.
وإلا كان تركهم على ذلك خيراً من أن تُفرِغَهم لما هو أعظم من ذلك؛ فكان ما هم فيه شاغلاً لهم عن ذلك.
وكما إذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون ونحوها، وخِفتَ من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر فَدَعْهُ وكتبه الأولى، وهذا باب واسع.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه ونورَّ ضريحة- يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر؛ فأنكر عليهم مَنْ كان معي؛ فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر؛ لأنها تصد عن ذكره وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس، وسبي الذرية، وأخذ الأموال؛ فَدَعْهم (1) .
(1) إعلام الموقعين 3 / 6-7