الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاسع عشر: البعد عن الفتن قدر المستطاع:
فالفتنة في هذه الأزمان قائمة على أشدها؛ سواء فتنة الشهوات أو الشبهات؛ فالبعد عنها نجاة وسلامة، والقرب منها مدعاة للوقوع فيها.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إن السعيد لمن جُنِّبَ الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواها» (1) قال ابن الجوزي رحمه الله: من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة، ومن ادعى الصبر وكل إلى نفسه (2) .
وقال: فإياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى مع مقاربة الفتنة؛ فإن الهوى مكايد، وكم من شجاع في الحرب اغتيل فأتاه ما لم يحتسب (3) .
وقال: " ما رأيت فتنة أعظم من مقاربة الفتنة، وقل أن يقاربها إلا من يقع فيها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه "(4) وقال ابن حزم رحمه الله:
لا تلم من عرَّض النفس لما
…
ليس يرضي غيره عند المحن
لا تقرب عرفجاً من لهب
…
ومتى قربته ثارت دُخَنْ
(5)
وقال:
لا تتبع النفس الهوى
…
ودع التعرض للمحن
إبليس حيٌّ لم يمت
…
والعين باب للفتن
(6)
وقال الشيخ أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني - رحمه الله تعالى-:
من قارب الفتنة ثم ادعى الـ
…
عصمة قد نافق في أمره
(1) رواه أبو داود (4263) من حديث المقداد، وقال الألباني في صحيح الجامع (1637) :(صحيح) .
(2)
صيد الخاطر لابن الجوزي ص41.
(3)
صيد الخاطر لابن الجوزي ص41
(4)
صيد الخاطر ص350
(5)
طوق الحمامة لابن حزم ص128
(6)
طوق الحمامة لابن حزم ص127
ولا يجيز الشرع أسباب ما
…
يورِّط المسلمَ في حظره
فانجُ ودع عنك صداع الهوى
…
عساك أن تسلم من شره
(1)
ومما يدخل في ذلك البعد عن مجالس الخنا والزور، ومجالس الجدال بالباطل، ومجالس الوقيعة في عباد الله خصوصاً أهل العلم والفضل خصوصاً في أوقات الفتن التي يكثر فيها القيل والقال؛ فالبعد عن الفتن سبيل للنجاة منها إلا من كان لديه علم يزمُّه، وإيمان يردعه، وكان يأنس من نفسه نفع الناس، وتبصيرهم، وكشف الشبه، وبيانَ الحق؛ فأولى لمثل هذا ألا ينزوي في قعر بيته، ويدع الناس يتخبطون في دياجير الظُّلم.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: " هل الأفضل للسالك: العزلة أو الخلطة؟ ".
فأجاب بقوله: فهذه المسألة ـ وإن كان الناس يتنازعون فيها إما نزاعاً كلياً وإما حالياً - فحقيقة الأمر أن الخلطة تارة تكون واجبة، أو مستحبة، والشخص الواحد قد يكون مأموراً بالمخالطة تارة، وبالانفراد تارة.
وجماع ذلك أن المخالطة إن كان فيها تعاون على البر والتقوى فهي مأمور بها، وإن كان فيها تعاون على الإثم والعدوان فهي منهيٌّ عنها".
إلى أن قال: " فاختيار المخالطة مطلقاً خطأ، واختيار الانفراد مطلقاً خطأ ".
(1) روضة المحبين لابن القيم ص151
وأما مقدار ما يحتاج إليه كل إنسان من هذا وهذا، وما هو الأصلح له في كل حال " فهذا يحتاج إلى نظر خاص "(1) .
(1) ا. هـ مجموع الفتاوى 10 / 425-426