الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالث عشر: الصبر:
قال ربنا - جل وعلا -: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120] .
وقال عز وجل {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186]
ومن أعظم الصبرِ الصبرُ على هداية الناس، والصبر على انتظار النتائج؛ لأن استعجال الثمرة قد يؤدي إلى نتائج عكسية تضر أكثر مما تنفع؛ فالصبر إذا اقترن بالأمر كان عصمة من الملل واليأس والانقطاع، وتفجرت بسببه ينابيع العزم والثبات.
إنه الصبر المترع بأنواع الأمل العريض، وليس صبر اليائس الذي لم يجد بداً من الصبر فصبر.
وبالجملة فإن الصبر من أعظم الأخلاق، وأجلّ العبادات، وإن أعظمَ الصبرِ وأحمده عاقبةً الصبرُ على امتثال أمر الله، والانتهاء عمّا نهى الله عنه؛ لأنه به تَخْلُص الطاعة، ويصِحُّ الدين، ويُسْتَحَقُ الثوابُ؛ فليس لمن قل صبرُه على الطاعةُ حظٌّ من بِرٍّ، ولا نصيبٌ من صلاح.
ومن جميل الصبر: الصبرُ فيما يُخْشَى حدوثُه من رهبة يخافها، أو يحذرُ حلولُه من نكبةٍ يخشاها، فلا يتعجلْ همَّ ما لم يأتِِ؛ فإن أكثر الهموم كاذبة، وإن الأغلب من الخوف مدفوع.
ومن جميل الصبرِ الصبرُ على ما نزل من مكروه، أو حلّ من أمر مخوف؛ فبالصبر في هذا تنفتحُ وجوهُ الآراءِ، وتُسْتَدْفَعُ مكائدُ الأعداءِ؛ فإن من قلّ صبره عَزُب رأيه، واشتد جزعُه، فصار صريعَ همومه، وفريسةَ غمومه.
وكما أن الأفرادَ بأمسِّ الحاجةِ إلى الصبر فكذلك الأمة؛ فأمة الإسلام كغيرها من الأمم؛ لا تخرج عن سنن الله الكونية، فهي عرضةٌ للكوارث، والمحن.
وهي-في الوقت نفسه-مكلفةٌ بمقتضى حكم الله الشرعي بحمل الرسالة الخالدة، ونشر الدعوة المباركة، وتحمُّلِ جميعِ ما تلاقيه في سبيلها برحابة صدر، وقوةِ ثباتٍ، ويقينٍ بأن العاقبة للتقوى وللمتقين.
وهي -كذلك- مطالبة بالجهاد في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الله، ونشر دين الله، وإزاحة ما يقف في وجه الدعوة من عقبات؛ فلا بد لها من الجهاد الداخلي الذي لا يتحقق إلا بمجاهدة النفس والهوى.
وهذا الجهاد لا يتحقق إلا بخلق الصبر، ومغالبة النفس والشيطان والشهوات؛ فذلك هو الجهاد الداخلي الذي يؤهِّل للجهاد الخارجي؛ لأن الناس إذا تُرِكوا وطباعَهم وما أُوْدِعَ فيها من حبِّ للراحة، وإيثارٍ للدَّعة، ولم يُشَدَّ أَزْرُهُمْ بإرشاد إلهي تطمئن إليه نفوسهم، ويثقون بحسن نتائجه- عجزت كواهِلُهم عن حمل أعباء الحياة، وخارت قواهم أمام مغرياتها، وذاب احتمالُهم إزاء ملذاتها وشهواتها؛ فَيَفْقِدُون كلَّ استعدادٍ لتحصيل السمو، والعزة، والمنزلة اللائقة.
فلهذا اختار الله لهم من شرائع دينه ما يصقُل أرواحهم، ويزكّي نفوسهم، ويمحص قلوبهم، ويربي ملكات الخير فيهم من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج وغيرها من الشرائع..