الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامس عشر: التثبت مما يقال
، والنظر في جدوى نشره، والحرص على رد الأمور إلى أهلها:
فالعاقل اللبيب لا يتكلم في شيء إلا إذا تثبَّت من صحته؛ فإذا ثبت لديه ذلك نَظَرَ في جدوى نشره؛ فإن كان في نشره حفز للخير، واجتماعٌ عليه -نشره، وأظهره، وإن كان خلاف ذلك أعرض عنه، وطواه.
ولقد جاء النهي الصريح عن أن يحدث المرء بكل ما سمع.
قال صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» (1) .
وقد عقد الإمام مسلم في مقدمة صحيحه باباً سماه (باب النهي عن الحديث بكل ماسمع) وساق تحته جملة من الآثار منها الحديث السابق، ومنها مارواه بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:«بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع» (2) .
وقال مسلم: " حدثنا محمد بن المثنى قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: " لا يكون الرجل إماماً يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع " (3) .
ويتعين هذا الأدب في وقت الفتن والملمات، فيجب على المسلم أن يتحرى هذا الأدب؛ حتى يقرب من السلامة، وينأى عن العطب.
(1) رواه مسلم (5) في مقدمة صحيحه
(2)
رواه مسلم (5) في مقدمة صحيحه
(3)
مسلم في مقدمة صحيحه (5) .
قال الله -تعالى-: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83] .
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية: هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة مما يتعلق بالأمن، وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم -أن يتثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم: أهل الرأي، والعلم، والنصح، والعقل، والرزانة، الذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح وضدها.
فإذا رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمؤمنين، وسروراً لهم، وتحرزاً من أعدائهم-فعلوا ذلك، وإن رأوا ما ليس فيه مصلحة، أو فيه مصلحة، ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه.
ولهذا قال: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} .
أي يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة، وعلومهم الرشيدة.
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك، ويجعل إلى أهله، ولا يُتقدم بين أيديهم؛ فإنه أقرب إلى الصواب، وأحرى للسلامة من الخطأ.
وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمرُ بالتأمل قبل الكلام، والنظر فيه هل هو مصلحة فيقدم عليه الإنسان أم لا فيحجم عنه؟ (1)
(1) تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن للسعدي ص154
وقال - رحمه الله تعالى - في موضع آخر حاثاً على الثبت، والتدبر، والتأمل قال: وفي قوله -تعالى-: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114] أدبُ طالب العلم، وأنه ينبغي له أن يتأنى في تدبره للعلم، ولا يستعجل بالحكم على الأشياء، ولا يعجب بنفسه، ويسأل ربه العلم النافع والتسهيل (1) وقال: قوله -تعالى-: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12] هذا إرشاد منه لعباده إذا سمعوا الأقوال القادحة في إخوانهم المؤمنين رجعوا إلى ما علموا من إيمانهم، وإلى ظاهر أحوالهم، ولم يلتفتوا إلى أقوال القادحين، بل رجعوا إلى الأصل، وأنكروا ما ينافيه. (2) .
قال ابن حبان رحمه الله: أنشدني منصور بن محمد الكريزي:
الرفقُ أيمنُ شيءٍ أنت تَتْبَعُه
…
والخُرق أشأمُ شيء يُقْدِم الرَّجُلا
وذو التثبت من حمد إلى ظَفَرٍ
…
من يركبِ الرفقَ لا يستحقبِ الزللا
(3)
هذا وسيتضح شيء من ذلك في الفقرة التالية.
(1) فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن للشيخ عبد الرحمن السعدي عناية الشيخ د. عبد الرزاق البدر ص161
(2)
فتح الرحيم الملك العلام ص162
(3)
روضة العقلاء ص 216