المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السنة السادسة والثمانون وستمائة - ذيل مرآة الزمان - جـ ٤

[اليونيني، أبو الفتح]

الفصل: ‌السنة السادسة والثمانون وستمائة

مقالة حفظ الصحة، كتاب العمدة في صناعة الجراح في عشرين مقالة: عشرة علم وعشرة عمل. آخر الجزء.

‌السنة السادسة والثمانون وستمائة

إستهلت هذه السنة والخليفة والملوك على القاعدة المستقرة. والملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمه الله بالديار المصرية، وقد جهز طائفة من العساكر صحبة الأمير حسام الدين طرنطاي إلى الشام لحصار صهيون، وبرزية، وانتزاعهما من يد الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، فوصل الأمير حسام الدين بمن معه من العسكر المصري دمشق في أثناء المحرم أو أواخره، واستصحب معه الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة بالشام، وعسكر الشام، وتوجه إلى صهيون بالمجانيق، وقاسوا من الأوحال شدة فوصلوها، وشرعوا في حصارها، فكان الأمير شمس الدين قد استعد لهم، وجمع إلى القلعة خلق كثير من رعية بلده، وبعد منازلته بأيام توجه الأمير حسام الدين إلى حصن برزية، وحصره، واستولى عليه، وهو مما يضرب المثل بحصانته، ففتحه، ووجد فيه خيولاً منسوبة للأمير شمس الدين وغير ذلك، فلما فتح لانت عريكة الأمير شمس الدين، وأجاب إلى تسليم صهيون على شروط اشترطها، فأجابه الأمير حسام الدين طرنطاي إليها، وحلف له بما وثق به من الأيمان، ونزل من قلعة صهيون بعد حصرها شهراً واحداً، وأعين على نقل أثقاله بجمال كثيرة وظهر، وحضر بنفسه

ص: 314

وأولاده، وعياله، وأتباعه، وأشياعه إلى دمشق، ثم توجه إلى الديار المصرية صحبة الأمير حسام الدين طرنطاي، ووفى له بجميع ما حلف عليه، ولم يزل يذب عنه أيام حياته أشد ذب، وأعطي بالديار المصرية خبز مائة فارس، وبقي وافر الحرمة إلى آخر الأيام المنصورية، وانتظمت صهيون وبرزية في سلك الممالك المنصورية، وهما من أحصن القلاع وأشدهما منعة.

وفي خامس عشر المحرم ولي قاضي القضاة شهاب الدين محمد بن الخوبي قضاء القضاة بالشام عوضاً عن قضاء القاهرة، وسافر إلى دمشق من القاهرة في ثالث عشر صفر، وكان وصوله دمشق يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الأول، وحكم ليومه بالمدرسة العادلية، واستمر بنيابته الشيخ شرف الدين أحمد بن المقدسي، وقرئ تقليده يوم الجمعة بالجامع.

وفي سابع وعشرين شهر رجب سافر الملك المنصور سيف الدين قلاوون من القاهرة قاصداً الشام، فلما وصل غزة، أقام بتل العجول إلى شوال، ثم رجع إلى القاهرة، ودخل القلعة يوم الاثنين ثالث عشر شوال، وكان استناب الأمير علم الدين سنجر الشجاعي.

وفي شهر رمضان وصل إلى دمشق بريدي من الديار المصرية بمرسوم يتضمن طلب سيف الدين أحمد السامري بسبب مرافعة ناصر الدين محمد بن المقدسي له، فإنه كان توجه لمرافعة قاضي القضاة بهاء الدين يوسف ابن الزكي رحمه الله، فلما وصل الديار المصرية بلغه وفاته، فتوصل

ص: 315

بشمس الدين الأتابكي، ودخل على الشجاعي، وحدثه في معنى ابنة الملك الأشرف موسى بن العادل رحمه الله وأنها باعت أملاكاً جليلة بأيسر ثمن، وعمل يسفهها محضراً شهد فيه أراذل، وثبت عند ابن مخلوف المالكي، ولم يوافق على ذلك غيره، ثم إن الملك المنصور سيف الدين قلاوون شهد عنده أن الملك الصالح نجم الدين أيوب حجر عليها، وأثبتوا ذلك في وجه السامري، وأبطلوا جميع ما باعته، وأخذوا من السامري حزرما. وادعوا عليه بمغلها عشرين سنة، وأخذوا منه بسبب المغل سبعة عشر سهماً بقرية الزنبقية بمبلغ قيمته تسعين ألف درهم، وأخذوا منه مائة ألف درهم تكملة مائتي ألف درهم.

وفيها توفي: إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن المحسن بن محمد بن المهذب أبو إسحاق السلمي الشافعي المنعوت بالشمس. ولي خطابة جامع التوبة ظاهر دمشق بعد وفاة أخيه بدر الدين المقدم ذكره في هذا الكتاب، ولم يزل مستمراً بها إلى حين وفاته. فكان يقول في خطبته: أين سام! وأين حام! وأين عز الدين بن عبد السلام! فتحدث الناس فيه بسبب ذلك، فدخل على قاضي القضاة محي الدين يحيى بن الزكي رحمه الله فكتب في حقه ورقة مضمونها: " الله ولي التوفيق، يقول الفقير إلى الله تعالى يحيى بن الزكي: إنني حضرت

ص: 316

صلاة القاضي الأجل الإمام العالم شمس الدين ولد سيدنا قاضي القضاة شيخ العلماء عز الدين بن عبد السلام أيده الله تعالى، وأمتع ببقاء ولده فسمعته خطب خطبة حسنة بليغة وجلت لها القلوب، وذرفت العيون، وأدى أداء حسناً بفصاحة، وطلاقة لسان، وضبط الإعراب، ووقوف على مقاطع الكلام، وإتيان الفرائض، وتوفية السنن، ثم صلى صلاة حسنة، أكمل فروضها، وأتى بسننها، وأحسن أداء القراءة فيها، وأوجز في خطبته، وأطال الصلاة غير ممل في صلاته، وذلك ليس ببدع منه، فإنه نشأ في حجر العلم، وغذى بدر الورع والزهد، فنفع الله تعالى به، وألهم ولي الأمر، وأعانه الله تعالى على ما ولاه من الإحسان إليه، والعاطفة عليه، بمنه وكرمه ".

وكان الشمس المذكور يتكلم بكلام مسجوع يشبه سجع الكهان، ويدعي أنه يلقى إليه من الجن، وتمانى الوعظ، فكان فيه منحط الرتبة، وبلغ والده شيخ الإسلام عز الدين رحمه الله، فورد كتابه إلى بعض أصحابه، وفيه: بلغني أن هذا الولد المتخلف إبراهيم قد صار عضة للناس، فترك ما كان يعانيه من ذلك، وكان يترفع في المجالس بسبب والده رحمه الله، فعمل النجم ابن إسرائيل في ذلك:

تصدر البطرخل

وهو الأقل الأذل

فلا رعى الله شيخاً

به علينا بذل

وكان الشمس ينبز بالبطرخل وغيره من هذا الجنس، وكانت وفاته بالعقيبة ظاهر دمشق في ليلة الأحد تاسع عشر ربيع الأول، ودفن بمقابر باب الصغير

ص: 317

رحمه الله تعالى، ومولده سنة إحدى عشرة وست مائة.

أحمد بن عمر أبو العباس شهاب الدين الأنصاري المرسي المالكي الشيخ العارف. كان قطب زمانه وعلامة أوانه في العلوم الإسلامية، وله القدم الراسخ في علم التحقيق، والكرامات الباهرة. وكان يقول: شاركنا الفقهاء فيما هم فيه، ولم يشاركونا فيما نحن فيه. وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: أبو العباس بطرق السماء أعلم منه بطرق الأرض. وقال أبو العباس: رأيت عمر بن الخطاب رضوان الله عليه في المنام، فقلت: يا أمير المؤمنين! ما علامة حب الدنيا؟ قال: خوف المذمة، وحب الثناء. وكان يقول: والله! ما دخل بطني حرام قط. وكان يقول: الورع من ورعه الله تعالى. وقال: عزم علينا بعض الصلحاء بالإسكندرية في بستان له بالرمل، فخرجت أنا وجماعة من صلحاء الثغر، ولم يخرج معنا صاحب البستان ذلك الوقت، بل وصف لنا المكان فتجارينا، ونحن خارجون الكلام في الورع، فكل قال شيئاً، فقلت لهم: الورع من ورعه الله تعالى. فلما أتينا البستان، وكان زمن التوت، كلهم أسرع إلى الأكل، وأكلت، وكنت كلما جئت لآكل أجد وجداً في بطني، فأرجع فينقطع الوجع عني، فعلت ذلك مراراً، فجلست فلم آكل شيئاً وهم يأكلون، وإذا بإنسان يصيح: كيف يحل لكم أن تأكلوا من ثمرة بستاني بغر إذني! فإذا هم غلطوا بالبستان، فقلت لهم: ألم أقل لكم: إن الورع من ورعه الله تعالى؟ وقال لرجل جاء من الحج: كيف كان حجكم؟ فقال ذلك الرجل: كثير الماء سعر كذا وكذا، فأعرض

ص: 318

الشيخ عنه، وقال: تسألهم عن حجهم وما وجدوا من الله تعالى من علم ونور وفتح، فيجيبون برخاء الأسعار وكثرة المياه، حتى كأنهم لم يسألوا إلا عن ذلك! توفي إلى رحمة الله تعالى ورضي عنه بالإسكندرية في سنة ست وثمانين وست مائة.

الخضر بن الحسن بن علي أبو العباس برهان الدين السنجاري الزرزاري الشافعي. كان من الفضلاء الرؤساء الأعيان. مولده سنة ست عشرة وست مائة، وتوفي يوم الأربعاء عاشر صفر بمنزله بالمدرسة المعزية بمصر، ودفن بالقرافة الصغرى بمدرسة أخيه قاضي القضاة بدر الدين رحمه الله المجاورة للإمام الشافعي رحمة الله عليه. ولي القضاء بالقاهرة عشرين يوماً، وكان ولي القضاء بمصر في دولة الملك الصالح نجم الدين أيوب، وأخوه بدر الدين قاضي القاهرة، وبقي على ذلك إلى أيام الملك الظاهر، فتخيل منه الوزير بهاء الدين، وسعى إلى أن عزل عن القضاء، وضرب، وحبس، وبقي معزولاً فقيراً، ليس بيده سوى مدرسته المعزيه. فلما مات بهاء الدين في آخر سنة سبع وسبعين، كان الملك السعيد بالشام، فسير له تقليداً بالوزارة، ورسم له أن يستخرج من أولاد بهاد الدين ما قرر عليهم من الأموال فلم ينتقم منهم، ولا قابلهم بما فعل به الصاحب بهاء الدين، بل أحسن إليهم غاية الإحسان، وبقي على وزارته إلى أن سلطن الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمه الله فأقره عليها إلى أن تولي الأمير علم الدين الشجاعي شد الدواوين، فسعى في عزله، وضربه، وبقي معزولاً إلى أن مات ابن الأصفوني الوزير، فأعيد إلى

ص: 319

الوزارة وبقي مدة، ثم سعى الشجاعي في عزله، وضربه، وحبسه، ثم أفرج عنه، ولما توفي قاضي القضاة بهاء الدين يوسف إلى رحمة الله تعالى، عين لقضاء الشام، فحصل التعصب عليه، وولي شهاب الدين الجويني، وولوه عوض الخويي في قضاء القضاة. فبقي نحو عشرين يوماً، فتوفي، وقيل: إنه سم، وكان رحمه الله حسن السيرة والطريقة، متوفراً على قضاء حوائج الناس رحمه الله تعالى، قال قاضي القضاة نجم الدين أحمد بن صصرى: كتبت إليه في أثناء تهنئته عند ولايته القضاء بالديار المصرية في المحرم سنة ست وثمانين وست مائة هذه الأبيات:

وهنا مصر وأهلها وبلادها

بالفضل والفخر الرفيع الشان

فهي التي شرفت وشرف أهلها

بمليك رق الجود والإحسان

أضحوا متى جحدوا الحسود فخارهم

قام الدليل عليه بالبرهان

وقال: ولي برهان الدين القضاء بالقاهرة وأعمالها. وتدريس المدرسة المنصورية القطبية مضافاً إلى ما بيده من تدريس المدرسة المعزية، ومدرسة الإمام الشافعي رحمة الله عليه بالقرافة الصغرى، ومدرسة القاضي بدر الدين، وخلع عليه. وباشر منتصف المحرم سنة ست وثمانين، وتوفي في تاسع صفر، فكانت مدة ولايته أربعة وعشرين يوماً، وولي بعده القضاء والتدريس بالمنصورية، والشافعي، والقطبية القاضي تقي الدين بن بنت الأعز يوم وفاته، وخلع عليه، وباشر ليومه مضافاً إلى ما بيده وهو القضاء بمصر وأعمالها، والخطابة بالجامع الأزهر، وتدريس الصالحية ونظرها، والشريفية،

ص: 320

ونظر الخزانة، والنظر على أولاد الملك الظاهر ودواوينهم، وجميع ما كان للصاحب برهان الدين مباشرة من القضاء والمدارس سوى المعزية والبدرية بالقرافة، فإن نظرهما لورثته، ورتبهم أن يكون تدريسها لهم ويقيموا عنهم فيها نائباً إلى أن تأهلوا.

سليمان بن بليمان بن أبي الجيش بن عبد الجبار بن بليمان أبو الربيع شرف الدين الهمذاني الأصل الرعياني المولد الإربلي المنشأ الشاعر المشهور صاحب النوادر والزوائد. كان من شعراء الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن محمد رحمه الله تعالى قدم دمشق واستوطنها إلى أن توفي بها في ليلة الجمعة عاشر صفر سنة ست وثمانين وست مائة. مولده سنة ست وتسعين، وقيل: سنة تسعين وخمس مائة. ذكره شرف الدين بن المستوفي وزير إربل، وصاحب تاريخها. فقال: أبو الربيع سليمان بن بليمان بن أبي الجيش أبوه صائغ، وهو صائغ من أنشاء إربل، وهو ممن ولد بها، له طبع حسن في نظم الشعر، ويحفظ منه جملة، وله بديهة حسنة، وأجوبة مسكتة، أنشدني لنفسه:

رويدك إن عذلك غير مجد

فلا تذكي بقولك نار وجدي

ففي أذني وقر عن سماع الملام وفي الهوى عني ورشدي

عذولي لا تزد بلواي بلوى

فسقمي قد تجاوز كل حد

ص: 321

وليس من المروءة عذل صب

تطير بلبه نفحات نجد

أسير لا يفك له قياد

بنرجس مقلة وبورد خد

يعيد غرامه ذكر الليالي

التي سلفت بنعمان ويبدي

ألا يا صاحبي إن كنت ترعى

مواثيقي الأولى وقديم عهدي

علام إذا تألق برق نجد

يؤرقني خلاف الركب وجدي

واسكب في تلمعه شؤوناً

تفوق السحب إذا هطلت برغد

وإن نسمت نسيم الغور تهدي

إلى أرنج حوذان ورند

أو ارتفعت بأعلى الغور نار

تؤرقني على قرب وبعد

أرحني صاح من ذكر البوادي

وحل عن القباب قباب سعد

فقد ملكت بنو الأتراك رقي

بهزل من تجنيهم وجد

ظباً صرعت أسود الغاب فاعجب

لآرام لأسد الغاب تردي

يدور دجىً أقلتها غصون

غنوا عن كل خطي بقد

تحل عزيمتي من أن يصدوا

بحل من بنودهم وشد

كلفت بهم ولا كلفي بمولي

أمير البدر في حل وعقد

جدير المكرمات أبو العطايا

إلى طرق الندى من ضل يهدي

فكم ستر لعرس الدين سارت

عن العافين من شكر وحمد

له أيد على كل البرايا

ولا سيما خلاف الناس عندي

ص: 322

سخا في المكرمات جدود صدق

صناديد الوغى وثناة مجد

لهم في المبتدا حكم الرواسي

ويوم الروع سطوة كل ورد

إذا ورد الذي لو لاه ضاقت

لدي مذاهبي وأسبع وردي

ومن بمديحه ذهبت نحوسي

وأقبل حيث يممت سعدي

أتاك العيد يأذن بالبقاء الطويل وكل إقبال وجد

تهن به ودم ما دام رضوى

على رغم الحسود وكل ضد

قال أبو البركات: وأنشدني أيضاً لنفسه:

قم يا أخا المكارم.... نسعى

لارتشاف الطلي وغصن الخدود

واغتنم غفلة الزمان وحاذر

أن تبيع الموجود بالمفقود

وأنشدني الأمير عز الدين محمد بن أبي الهيجا رحمه الله للمذكور يهجو الشهاب بن التلعفري وقد بلغه أنه قامر بخفافه وأنشدها ابن بليمان الملك الناصر يوسف بن محمد رحمه الله تعالى:

يا مليكاً فاق الأنام جميعاً

منه جود كالعارض الوكاف

والذي راش بالعطايا جناحي

وتلافى بعد الإله تلافى

ما رأينا ولا سمعنا بشيخ

قبل هذا مقامر بالخفاف

ونهاكم يدق في كل يوم

في قفاه والرأس والأكتاف

ص: 323

أسود الوجه أبيض الشعر في لو

ن سحيم في قبحه وخفاف

يدعي نسبة إلى آل شيبا

ن وتلك القبائل الأشراف

وهمو ينكرون ما يدعيه

فهو والقوم دائماً في خلاف

مثل نجد لو استطالت لقالت

ليس هذا الدعي من أكناف

فابسط العذر في هجاء رقيع

عادل عن طريقة الإنصاف

من أبيات. وقال يمدح الملك الناصر صلاح الدين يوسف، ويهنئه بعيد النحر:

يا قمراً قلبي له منزل

قد رق لي في حبك العذل

فضل معني فيك ذو لوعة

يعرب عنها دمعه المهمل

وأرني لبلوى دنف حاله

مفضل إيضاحه محمل

وأصغي لشكوى كلف ذي جوى

يدبل من أيسره ويذبل

يا طلعة البدر المنير الذي

في كل يوم حسنه يكمل

ومن له طرف إذا ما رنا

يعار منه الظبية الغزل

قدك هذا أم غصن مائس

تثني الصبا عطفيه والشمأل

إذا تثنى من دلال الصبي

يحسده العسالة الذبل

ولحظك الساحر أم صارم

مهند في جفنه يقبل

يا رشا الأتراك عطفاً على

خلف غرام داؤه معضل

ناظرك الفاتك في

... فعلك أم حاجبك المقفل

ص: 324

أم جاء في فترة أجفانك

المرضى بقتلى صدغك المرسل

إلى متى تمطلني دائماً

وحجة الموسر لا تقبل

وكم ديون لي تقتضي

وعن غرامي فيك لا تسأل

هل لليالي سلفت عودة

ونحن في برد الصبي نرفل

أيام لا يحذر من كاشح

بسر أخبار الهوى ينقل

والعيش غصن مورق عوده

وأنت يا كل المنى مقبل

وإذ معاني الهوى مأهولة

وليل فودى حلل أليل

وعطرت أرجاؤه نسمة

تضوع من أنفاسها المندل

وروضة منه الثرى ديمة

ترضعه أخلافها الحفل

يحلى بذي نخل العزيز الذي

يخجل منه العارض المسبل

الملك الناصر من جاره

دون ملوك الأرض الميل

يجري ندى عذب لوراده

ليس يضام دونه منهل

طوى الحجى ما لملوك الأرض

غير حجاه أبداً معقل

شمس على أنجم حسارة

عابرة من نوره أفل

يعدل في الحكم ولكنه

عن طرق المعروف لا يعدل

كم سد

لولاه وكم

حل لنا من قوله المشكل

ليث إذا ما صار في معزل

دان له لبث الشرى المشبل

تعيد ليل النقع أسيافه

صبحاً إذا ما ازدحم الجحفل

ص: 325

إذا التقى الجمعان في مأزق

له سماء شادها القسطل

وطاشت الألباب في ساعة

يراع فيها القلب والحول

وقامت الحرب على ساقها

إذا كل قلب ثابت يذهل

أقبل كالسيل على سابح

كأنه من تحته بر أجدل

فاعجب لبحر ضمه في الوغى

نهى له في كفه جدول

ينقط في وجهه للعدى

سمره وبيضه من بعدها يشكل

يا مالكاً راش جناحي ولي

من جوده ماضٍ ومستقبل

ظلت ملوك الأرض طراً

جئت أخيراً أو هم أول

وسدت من مجدك فوق الذي

بناه آباؤك أو أثلوا

فالناس في عصرك في جنة

قطوفها دانية ميل

قد بلغوا فيه الذي حاولوا

وأدركوا منك الذي أملوا

فاستجل بكراً نظمها

رائق بالفضل لها جرول

عذراء ينسيك الدمى حسنها

بنفسها أعينها تكحل

لو اجتبت في آل حرب كما

نكب عن ألفاظها الأخطل

وأقبل عن داع لكم مخلص

رضاك يرجو وله يؤمل

سعى به ذو عزة قوله

كل على الأسماع مستثقل

ورام أن يحمل من قدرة

وعندك الباطل لا يقبل

وكيف يلغى عندكم شاعر

كسيف أحسابكم صيقل

ص: 326

عبد ولاه لم يزل شاكراً

ليس له عن ظلكم معدل

فاسعد بعيد النحر واسلم له

لا زلت في ثوب الهنا ترفل

وذكره الصاحب كمال الدين عمر بن العديم رحمه الله في تاريخ حلب، فقال: سليمان بن بليمان بن أبي الجيش بن عبد الجبار بن بليمان الهمذاني الأصل الإربلي المولد، أنشدني من لفظه لنفسه:

يا شرف الدين الذي لم يزل

بمجده المنصوب في رفع

والكامل الخير الذي لم يزل

يصدق فيه خبر المسمع

رب الصناعات الحسانات

التي تجمعت في أحسن الصنع

طال ندى التذكار في مدة

لخاطري في النظم أو طبع

مرهفة كالقضيب هندية

تحيل بين الأصل والفرع

تسطو على أرقش ماضي السنا

مؤهل الضر والنفع

إذا جرى في طرسه مسرعاً

فات وميض البرق في اللمع

عذرك في تاريخها واضح

وذاك محمول على الوضع

لو وصت كنت معجباً

لأنها من آلة القطع

فحلها واستحل عينيه

تفرق عن السفح والجزع

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

وما زالت الركبان تخبر عنكم

أحاديث كالمسك الذكي بلا مين

إلى أن تلاقينا فكان الذي وعت

من القول أذني دون ما أبصرت عيني

ص: 327

عبد العزيز بن عبد المتعم بن علي بن الصيقل أبو العز عز الدين الحراني. كان مسند وقته، وله السماعات العالية، انفرد بها، وكان رجلاً جيداً خيراً، توفي بالقاهرة ظهر يوم الثلاثاء رابع عشر رجب، ودفن بالقرافة رحمه الله.

عبد الله بن محمد بن محمود بن الفقاعي صفي الدين المقريء. كان نادرة وقته في القراءة لم يسمع له ند بحسن قراءته وطيبها. وكان قد بلغ الثمانين ولم يتغير صوته، وكان يقرأ عشراً بدار الحديث كل ميعاد، والعجب أنه ما يقرأ الا ما يناسب ما يقرأ من الأحاديث، وهذا يعد من مناقبه، وكان إمام مقصورة الحنفية بدمشق، والناس يزدحمون على قراءته، وكانت وفاته يوم الأحد ثاني عشرين المحرم، ودفن من يومه بمقابر باب الصغير رحمه الله تعالى.

علي بن يوسف بن محمد بن غازي بن يوسف بن أيوب علاء الدين ابن الملك الناصر. كان شاباً حسناً، توفي في تاسع عشرين المحرم يوم الخميس، وأخرج ميتاً من قلعة الجبل بالقاهرة، ودفن بالقرافة، وكان محبوساً بها رحمه الله تعالى.

محمد بن عباس بن محمد بن أحمد بن عبد بن صالح أبو عبد الله الربعي الدنيسري المنعوت بالعماد. مولده بدنيسر في سنة ست وست مائة، وتوفي بدمشق في يوم الثلاثاء ثامن صفر سنة ست وثمانين وست مائة، ودفن يوم الأربعاء بمقابر باب الصغير. روى عن ابن المقير، وعن جماعة من أصحاب السلفي وغيرهم. وله معرفة بالطب، وإلمام بالأدب، وينظم الشعر،

ص: 328

وعنده حسن المحاضرة، ومداخلة للرؤساء والأعيان، وعلى ذهنه قطعة من التاريخ وأيام الناس، ولازم بهاء الدين زهير المقدم ذكره رحمه الله، وكان له به اختصاص، اجتمعت به مراراً، ومن شعره:

من أعلم القلب أنى كلفت به

حتى غدا منه في حزن وفي كرب

يشكو الغرام ولا يشكو مرارته

مبلبل البال بين الجد واللعب

رام العواذل سلواني فقلت لهم

والدمع يقطر من جفني عن لهب

يا للرجال أنا المضني بفرط هوى

فلم عذولي لا تحملوا من التعب

لم أنس ليلة وافى وهي في يده

حمراء قد عصرت من رائق العنب

جنى بها بعد ما جنى بطلعته

وذاقها فحلت من ذلك الشنب

ودار بالطاس والكأسات في يده

قد زينت بالحميا ثم بالحبب

ونحن في مجلس حف السرور به

كأننا منه فوق الأنجم الشهب

ظبي أقام بقلبي وهو يطلبه

مع الزمان وهذا غاية العجب

مورد الخد معسول المراشف ممشوق القوام كثير الدل والغضب

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

كم ليلة بت أستحلي المادم على

وجه الحبيب وبدر التم في السجف

حتى إذا أخذت منه المدامة

والواشون في غفلة عنا فلم نخف

عانقته عندما قبلت مبسمه

حباً له كاعتناق اللام للألف

محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك أبو عبد الله الطائي الكناني الأصل بدر الدين. الإمام العلامة في علوم النحو والعربية والبيان مع الذكاء المفرط

ص: 329

وجودة الذهن، ولطافة الأخلاق، وحسن العشرة، وله مشاركة جيدة في الفقه، والأصول وغير ذلك، أقام ببعلبك مدة سنين ثم سكن دمشق وتصدر للاشتغال بعد وفاة والده الشيخ جمال الدين رحمه الله. وكان والده إمام عصره في هذا الشأن، وقد تقدم ذكره في سنة اثنتين وسبعين وست مائة، وسمعت جماعة من الفضلاء العارفين بهذا الفن إن ولده الشيخ بدر الدين المشار إليه التحق به، وبرز عليه في بعض هذه العلوم. وكان كثيراً ما يعتريه قولنج فيجد منه ألماً شديداً، واعتراه قبل وفاته بأيام فكان سبب موته، وتوفي بدمشق يوم الأحد ثامن المحرم. وكان دفنه يوم الاثنين، ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله تعالى ولم يترك بعده في هذا العلم مثله في الشام مما علمنا. وله تصانيف مفيدة مختصرة، وشروح حسنة رحمه الله تعالى.

محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله بن الميمون القيسي الشاطبي المعروف بابن القسطلاني، قطب الدين أبو بكر بن أبي العباس ابن أبي الحسن التوريزي الأصل، المصري المولد، المكي المنشأ، الشافعي الفقيه المحدث الإمام العلامة مجموع الفضائل. كان إماماً عالماً فاضلاً ورعاً زاهداً، لم يكن في وقته مثله. وكان في وقته مثله، وكان له صيت حسن، وتوجه وانقطاع إلى الله تعالى، وكان شيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة، وبيده الوظائف الدينية، وكان من مشايخ العصر المشهورين بسعة العلم. مولده يوم الاثنين السابع والعشرين من ذي الحجة سنة أربع عشرة وست مائة، وتوفي يوم السبت ثامن عشر المحرم بالقاهرة ودفن من الغد

ص: 330

بالقرافة الصغرى، وكان قد سمع من مشايخ عصره، ونظم الشعر الحسن، فمنه ما أنشده الأمير علم الدين سنجر الدويداري في شهور سنة سبع وخمسين وست مائة:

إذا كان أنسى في التزامي لخلوتي

وقلبي عن كل البرية خال

فما ضرني من كان لي الدهر قالياً

ولا سرني من كان في موال

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

ألا هل لهجر العامرية إقصار

فتقضي من الوجد المبرح أوطار

ويشفي عليل من عليل موله

لنجم من الجوزاء في الليل سمار

أغار عليه السقم من جنباته

وأعزاه بالأحباب نأي وتذكار

ورق له مما يلاقي عذوله

وأرقه دمع يرقرق مدرار

يحن إلى برق الأبيرق قلبه

ويخفق إن ناحت حمائم وأطيار

عسى ما مضى من حفظ عيشي على الحمى

يعود قلبي فيه نجوم وأقمار

عدمت فؤادي إن تعلقت غيرها

وإن زين السلوان لي فهو غدار

ولي من دواعي الشوق في السخط والرضى

على الوصل والهجران ناه وأمار

أأسلو وفي الأحشاء من لاعج الأسى

لهيب أسال الروح فالصبر منهار

كان والده قطب الدين من سادات المشايخ وزهادهم، روى عن ابن بري وغيره. سئل عن مولده فقال: في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وخمس مائة بمصر.

ص: 331

وتوفي رحمه الله بمكة شرفها الله تعالى في ليلة الأحد مستهل جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وست مائة، ودفن من الغد بالمعلى، وسمع من مشايخ الطريق، وأخذ عنهم، وكان خصوصه بالشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي الهاشمي الصالح العارف المشهور الذي لم يكن في زمانه مثله. وكان كثير الابتلاء والرضى به، وروى عنه شيئاً كثيراً من كلامه مما رواه عنه أنه قال: من لم يدخل في الامور بالادب لم يدرك مطلوبه وسمعه يقول: الذم الأدب وحدك من العبودية، ولا تتعرض لشيء، فإن أرادك لشيء هيأك له. وسمعه يقول: العاقل يأخذ من الأمور ما صفا، ويدع التكلف فإنه تعالى يقول:" وإن يردك بخير فلا راد لفضله "، وسمعه يقول: إذا أخذت في الأمور فاختر أيسرها، وإلا أسأت الأدب. وسمعه يقول: النافلة لمن أكمل الفريضة. وسمعه يقول: من لم يعرف الزيادة من النقصان في هذه الدار فهو محجوب. وسمعه يقول: من لم يراع حقوق الإخوان يترك حقوقه وحرم بركة الصحبة. وسمعه يقول: من لم يكن له مقام من التوكل، كان ناقصاً في توحيده. وسمعه يقول: لا يصلح التعلم في هذا الشأن إلا لمن يعز عليه فرضه، وخاف العقوبة من ترك الكلام. وسمعه يقول: من نظر إلى المشايخ بعين العصمة حجب رؤيتهم. وروى عنه شيئاً كثيراً رحمة الله عليه. وكان الشيخ أبو عبد الله من السالكين الأبرار الأولياء، ذكره المرحوم تاج الدين بن الأثير في مختصره، فقال:

ص: 332

أبو عبد الله محمد بن أحمد القرشي الهاشمي المغربي من أهل الجزيرة الخضراء، توفي بالقدس الشريف سنة تسع وتسعين وخمس مائة، وعمره خمس وخمسين سنة، وقبره بالقدس، والجزيرة الخضراء في بر الأندلس.

مفضل بن إبراهيم بن أبي الفضل رضي الدين الدمشقي الطبيب المشهور بالفضيلة التامة. كان طبيباً حاذقاً، حسن المعالجة ديناً ورعاً صالحاً، حسن الاعتقاد، كثير المحبة للخير، سافر إلى البلاد بركة وخدمة، وحصل منه أموالاً كثيرة نهبت عند عوده إلى دمشق، وعرضت عليه رياسة الأطباء فأباها، وكان روى عن مشايخ وقته، وخطه في الإجازات كثير، ومولده سنة عشر وست مائة، وتوفي ليلة الأربعاء ثالث عشر صفر، ودفن من الغد بسفح قاسيون رحمه الله تعالى، وكان له في النظم يد، فمن ذلك:

الشمعة قالت بلسان الحال

البعد عن الشهد برء أوصالي

ها قلبي كيف حاله أنت ترى

النار به تذيب قلبي البالي

آخر الجزء السابع عشر من ذيل تاريخ مرآة الزمان يتلوه الجزء الثامن عشر: السنة السابعة والثمانون وست مائة استهلت هذه السنة والخليفة والملوك على القاعدة المستقرة.

كان الفراغ من كتابة هذا الجزء في يوم الخميس لثمان خلون من شوال سنة 1115 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فغفر الله لكاتبه، ولقارئه، ولسامعه، ولوالديه، وللمسلمين، ومن دعا له بالمغفرة، آمين آمين آمين؛ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم!

ص: 333