المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقد تقلد من أشراف ملكك ما … به على أنجم - ذيل مرآة الزمان - جـ ٤

[اليونيني، أبو الفتح]

الفصل: وقد تقلد من أشراف ملكك ما … به على أنجم

وقد تقلد من أشراف ملكك ما

به على أنجم الجوزاء يفتخر

رفعت أعلاه إعلاماً معودة

أن لا يزال بها الإسلام ينتصر

تبدو بها غرر الطلعات طالعة

فكل ناحية من وجهها قمر

وكسوته عندما جردته حللاً

من المهابة يعشى دونها النظر

جددت ربع الهوى حتى عدت بدلاً

فيه من الصور المعبودة السور

إن لم ينوف الورى بالشكر ما فتحت

يداك فالله والأملاك قد شكروا

ولما كان السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمه الله على حصار المرقب، وردت عليه البشرى بولادة ولده السلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد، فمولده في تلك السنة أيده الله تعالى. ودخل الملك المنصور عائداً من المرقب يوم الأحد ثالث جمادى الأولى، وطلب محيي الدين محمد ابن النحاس، وقلده الوزارة بدمشق والشام، وخلع عليه خلعة كاملة يوم الخميس سادسه، وصرف شرف الدين توبة من الوزارة موقراً، وسافر الملك المنصور إلى الديار المصرية بكرة الاثنين ثامن عشر جمادى الأولى، وسافر تقي الدين توبة إلى القاهرة يوم الأحد حادي عشر رجب، وتوجه شمس الدين الدمشقي إلى حلب حاكماً يوم الخميس حادي عشر شوال، وخرج ركب الحجاز من دمشق يوم السبت تاسع شوال، وأميرهم بدر الدين ابن أبي القاسم.

‌فصل

وفيها توفي: أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو العباس الأندلسي الإشبيلي

ص: 259

الأصل، المنعوت بزين الدين، المعروف بكتاكت المصري الواعظ المقرئ. مولده بتنيس سنة خمس وست مائة، وقيل في مولده غير ذلك، وتوفي بالقاهرة في ليلة الثالث عشر من ربيع الأول هذه السنة أعني سنة أربع وثمانين. كان إماماً في الوعظ، وعنده فضيلة، ومعرفة بالأدب، وله نظم حسن، فمنه:

ظهرت كالشمس لا يقوى لها بصر

فلا تلم عنك من ولي ولا من نظرا

تزيد تفهمنا حرفاً وتعجمه

وكيف يقرأه من لا عليك قرا

لكأس طرفك في يمناك بارقة

تكاد لألاؤها إذ يخطف البصرا

وإن لم تروها فإن الكل قد قنعوا

عمن سقاك بأن يروى لهم خبرا

وقال أيضاً رحمه الله:

أدارت خمرها الأحداق سراً

على الأرواح واتصل النعيم

وبتنا واعتبقنا واصطحبنا

ولم يشعر بوصلنا الجسوم

فها أنا والعروسة تحت ستر

به ألقاب عفتنا رقوم

وما فهمت بروق الحي عنا

إشارتنا ولا فطن النسيم

وقال أيضاً رحمه الله:

من أنت محبوبه ماذا يغيره

ومن صفوت له ماذا يكدره

هيهات عنك ملاح الكون يشغلني

والكل أعراض حسن أنت جوهره

وقال أيضاً رحمه الله:

اكشف البرقع عن بكر العقار

داخل في ليلك مع شمس النهار

وانهب العيش ودعه ينقضي

غلطاً ما بين هتك واستتار

ص: 260

وإن تكن شيخ خلاعات الصبي

فالبس الصبوة في خلع العذار

وارض بالعار وقل قل لذلي

في هوى خمار كأسي ليس عاري

وقال أيضاً رحمه الله:

حضروا فمذ نظروا جمالك غابوا

والكل مذ سمعوا خطابك طابوا

فكأنهم في جنة وعليهم

من خمر حبك طافت الأكواب

يا سالب الألباب يا من حسنه

لقلوبنا الوهاب والنهاب

القرب منك لم يحبك جنة

قد زخرفت والبعد عنك عذاب

يا عامراً مني الفؤاد بحبه

بيت العدول على هواك خراب

أنت الذي ناولتني كأس الهوى

فإذا سكرت فما عليك عتاب

وتركتني في كل واد هائماً

وأخذتني مني فأين أصاب

وعلى التقى حزم لعلوه

آمن من حوله يختطف الألباب

لفريقها كيف الوصل ودونه

نار لها بحشاشتي إلهاب

وبسمريات القدود على لحمى

بحمى خيام شرعت وقباب

خاطرت مني بالفؤاد وزرته

ليلاً ولم يشعر بنا مرتاب

قال: وأنشدني الشيخ سعد الدين سعد الله بن مروان الفارقي رحمه الله:

حثوا إلى نجد نياق الهوى

فثم واد حوله معشب

ص: 261

وانتظروا حتى يلوح الحمى

والعيش فيه طيب طيب

إسماعيل بن إبراهيم بن علي المعروف بالفراء. كان شيخاً صالحاً زاهداً عابداً ورعاً ناسكاً قدوة ذاكراً، له كرامات، وأحوال باهرة، وعلوم ظاهرة، ويعرف اسم الله الأعظم وغيره من الأسماء الجليلة التي انتفع بمعرفتها، ونفع بها، وكان حنبلي المذهب صحيح الاعتقاد. قال أخي رحمه الله: صحبته من سنة إحدى وأربعين وست ومائة من المدينة الشريفة صلوات الله وسلامه على ساكنها فرأيت منه الكرامات الظاهرة، والأخلاق الطاهرة، والمعاملات الباطنة ما يقصر عنه الوصف، صحب والده رحمه الله من سنة ثمان وثلاثين إلى حين وفاته سنة ثمان وخمسين، وكان وفاة الشيخ إسماعيل المذكور رحمه الله يوم الخميس سابع شهر رجب بدمشق، ودفن من يومه بسفح قاسيون. وكان مخزومي النسب رحمه الله.

أيدكين بن عبد الله الأمير علاء الدين البندقدار الصالحي النجمي. كان في بداية أمره مملوكاً للأمير جمال الدين موسى بن يغمور، ثم انتقل عنه إلى الملك الصالح نجم الدين، فجعله بندقداره، وأمره، وكان من أكابر الأمراء وأعيانهم، وكان الملك الظاهر مملوكه، وعنه انتقل إلى الملك الصالح لما حبسه، واحتاط على موجوده، ولم يكن الملك الظاهر يعرف قبل السلطنة إلا البندقداري، وكان الملك لظاهر يعظمه، ويحترمه، ويرى له حق التربية، وكان هو يبالغ في خدمة الملك الظاهر، والنصح له، وهو الذي انتزع دمشق وقطعة من الشام من يد الأمير علم الدين الحلبي، وكان عنده حشمة، وحسن ترتيب ما لا مزيد عليه، توفي بالقاهرة في ربيع الآخر سنة

ص: 262

أربع وثمانين، ودفن بتربته قريب بركة الفيل، وقد ناهز السبعين سنة من العمر، وصلى عليه بالنية بجامع دمشق يوم الجمعة مستهل جمادى الأولى رحمه الله وسبب انتقال الملك الظاهر إلى لملك الصالح أنه لما ملك قلعة عجلون في أواخر سنة ثلاث وأربعين، ترتب فيها الأمير علاء الدين البندقدار بعسكر. فلما استقر بها، تزوج سرية الأمير سيف الدين علي بن قليج النوري من غير مشاورة الملك الصالح فنقم عليه، وأمره أن يخرج من عجلون، ويذهب حيث شاء مالكاً لأمره، فخرج متوجهاً إلى العراق على البرية، فلما بلغ الملك الصالح خبره، ندم، وكتب إلى سعيد بن يزيد أمير آل مراء إذ ذاك يأمره بإدراكه، ورده تحت الحوطة، فلما رده وافى الملك الصالح بعمتا، قد خرج من مصر متوجهاً إلى دمشق في شوال سنة أربع وأربعين، فأمر بالقبض عليه، وأخذ ما كان معه من المماليك وغيرهم، وحبسه بعجلون، وكان فيمن أخذ منه الملك الظاهر، فقدمه على طائفة من الجمدارية، فلما مات الملك الصالح سنة سبع وأربعين، وملك بعد ولده الملك المعظم، وقتل، وأجمعوا على الأمير عز الدين أيبك التركماني، فولوه الأتابكية لأمر جليل؛ ثم ملكوا الملك الأشرف ابن الملك الناصر ابن الملك المسعود أقسيس ابن الملك الكامل، وكان صغيراً. وأقروا التركماني على الأتابكية، ثم خطب الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار بنت صاحب حماة، وأجيب، فخشي التركماني إن هو دخل بها عظمت نفسه، وتاقت إلى الملك لقوة شوكته بالبحرية، فقتله يوم الاثنين سادس عشر شعبان سنة اثنتين

ص: 263

وخمسين وست مائة.

الحسن بن محمد بن علي بن محمد أبو محمد نجم الدين الأنصاري الدمشقي. خدم الأمير عز الدين أيبك المعظمي رحمه الله صاحب صرخد، ثم الطواشي شهاب الدين رشيد، وتنقل في مباشرة سد الجهات والولايات، وآخر ما ولي قلعة بعلبك ومدينتها بعد وفاة كمال الدين إبراهيم بن شيث رحمه الله وقدمها مستهل شهر ربيع الآخر سنة أربع وسبعين، واستمر بها إلى أن استولى على دمشق وما معها الأمير شمس الدين سنقر الأشقر نائباً عن الملك المنصور رحمه الله فصرفه، وولى عوضه سعد الدين عمر ابن قليج، فلما اتصل ذلك بالملك المنصور أنكره، وأمر بإعادته فأعاده، واستمر إلى شهر رجب سنة اثنتين وثمانين، وطلب إلى دمشق، وصرف عن الولاية، ورسم عليها أياماً، ثم أفرج عنه، ولزم منزله بدرب الفراش بدمشق إلى أن خرج الملك المنصور رحمه الله لحصار المرقب، فخرج في جملة العساكر، وبعد فتوح المرقب حصل له مرض، وأدركته منيته في أرض القصب من أعمال حمص، ودفن هناك وهو في عشر الثمانين، وكان عنده أمانة وخبرة بالولاية والتصرف، وهو من كبراء رماة البندق، ويحاضر بالحكايات والأشعار والتورايخ، وله حدة، وكان يزعم أن بدر الدين بن نقادة الشاعر المشهور نسيبه من جهة والدته والله أعلم. وكانت وفاته يوم الأحد ثالث جمادى الأولى، وكان يتهم بمال كثير فلم يظهر له منه شيء، والظاهر أنه خفي والله أعلم. ثم بلغني بعد موته بقريب خمس وعشرين سنة

ص: 264

وقد خربت داره أنه كان صبيان يمفرون في الدار فوجدوا شيئاً، واتصل ذلك بالدولة، فسيروا من استقصى في الحفر، فوجدوا مقداراً صالحاً من الذهب والدراهم. وحكى لي نجم الدين حسن المذكور ما معناه أن الملك المعظم عيسى رحمه الله رسم للأمير عز الدين أيبك صاحب صرخد أن يسير جماعة من حجي بن يزيد أمير آل مراء، فسير جماعة، وكان نجم الدين منهم، قال: فسيرنا في البرية، ومع حجي قداحة، إذا قدحها ينهر منها النار، ومع غيره من العرب وغيرهم قداحات، وهم يقدحون، والناس يتبعونهم، فبينا نحن نسير في أرض محجر، سقطت القداحة من يد حجي فتركها، ورحنا في المهم الذي نحن قاصدوه، وقضينا الشغل، وعدنا، ومررنا بتلك الأرض بالليل، فلما صرنا بالمكان الذي سقطت فيه القداحة، قال حجي: في هذا المطرح سقطت قداحتي؛ وضرب الأرض برمحه، فطنت القداحة. فأسرجنا ضوءاً. ووجدناها، وهذا من غريب الاتفاق.

سعيد بن علي بن سعيد أبو محمد رشيد الدين البصراوي الحنفي مدرس الشبلية. كان إماماً عالماً فاضلاً، كثير الديانة والورع، عرض عليه القضاء غير مرة فامتنع، وله معرفة تامة بالعربية، ويد في النظم، وكانت وفاته في شعبان بمنزلة المجاور للمدرسة الشبلية، ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى وقيل أنه توفي في ثالث شهر رمضان وصلى عليه بعد العصر بجامع الجبل. قال الشيخ علم الدين القاسم بن البرزالي أنشدني من لفظه لنفسه في ذي القعدة سنة ثمانين وست مائة:

ص: 265

ألا أيها الساعي على سنن الهوى

رويدك آمال النفوس غرور

أتدري إذا خان الرحيل وقربت

مطايا المنايا منك أين تسير

أطعت دواعي اللهو في سكرة الصبا

أما لك من شيب العذار نذير

كأني بأيام الحياة قد انقضت

وإن طال هذا العمر فهو قصير

وفاجاك مرتاد الحمام وما لها

زيارة من لا تشتهيه يزور

وأصبحت مصروع السقام معللاً

يقولون داء قد ألم يسير

وهيهات بل خطب عظيم وبعده

عظائم منها الراسيات تمور

ولما تيقنت الرحيل ولم يكن

لديك على ما قد أتاك نصير

وما لك من زاد وأنت مسافر

ولا من شفيع والذنوب كثير

بكيت وما يغني البكا على الذي

جرى وتلافى المتلفات عسير

فبادر وأيام الحياة مقيمة

وحالك موفور وأنت قدير

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

إلهي لك الحمد الذي أنت أهله

على نعم منه الهداية للحمد

صحيحاً خلقت الجسم مني مسلماً

ولطفك بي ما زال مذ كنت في المهد

وكنت يتيماً قد أحاط في الردى

فأويت واستنقذت من كل ما يردي

وهبت لي العقل الذي يصبى به

إلى كل خير يهتدي صاحب الرشد

ووقفت للإسلام قلبي ومنطقي

فيا نعمة قد جل موقعها عندي

ولو رمت جهدي أن أحل فضيلة

فضلت بما لم يمحو أطرافها حدي

ألست الذي أدعوك في كل كربة

ففرجتها لولاك طارت بها كبدي

ألست الذي أرجو جنابك حيثما

تخلفني الأهلون وحدي في لحدي

ص: 266

فجد لي بلطف منك يهدي سريرتي

وقلبي ويهديني إليك من البعد

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

يا عين سحي دماً وسحي

غدا تخلين في الضريح

ويصبح النور منك يمحى

والحسن من وجهك الصبيح

فتمسين والدود سوف يغشى

سواد إنسانك المليح

يا طول غمى وما تلا في

صفحة وجهي من الصفيح

كأنني بي وقد أتاني

رسول ربي ليقبض روحي

ينزعها من يدي حريص

على موالاتها شحيح

ضاق لخوف الورد صدري

وساحة النهج الفسيح

وكل من في الورى عليل

فأين أشكو إلى صحيح

أنطق بخير فسوف تأتي

صمت على نطقك الفصيح

كل كتاب وما خلقنا

له سينجاب بالضريح

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

قل لمن يحذر أن يدركه

بكتاب الدهر لا يعني عن الحذر

أذهب الحزن اعتقادي أنه

كل شيء بقضاء وقدر

ليت لا أصبح ليلى إنما

ينطرق الآفات في وقت السحر

ما لي من يدري يقيناً أنه

راحل يغفل عن زاد السفر

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

أرى عناصر طيب العيش أربعة

ما زال منها فطيب قد زالا

ص: 267

أمناً وصحة جسم لا يخالطها

معاً نزف الشباب الغض والمالا

وقال أيضاً رحمه الله:

استجري دمعك ما استطعت معيناً

فعساه يمحو ما جنيت شيئا

أنسيت أيام البطالة والهوى

أيام كنت لدى الضلال قرينا

وقال أيضاً دو بيت:

أشر عليك اجتهد في فك انحلالك

لا ترخصن حياتك في أغلالك

واصحب إذا شئت من لا يختفي حالك

عنه ولازم حبابه ذو نصيحة لك

وقال أيضاً:

يا من يداري وما دارى مرض قلبه

قد مات قلبك فقل لي كيف تصنع به

أقرن عليه الماثم في دجى نح به

هذا الشقي المعذور قد قضى نحبه

وقال أيضاً موالياً:

كيف اعتمدت على الدنيا وتجريبك

أراك فلك تراها كيف تجري بك

ما زالت الخادعة تدنو وتعتري بك

حتى رمتك بأبعادك وتغريبك

عبد الله بن إسماعيل بن محمد بن أيوب بن شاذي بن محمد جلال الدين الملك المسعود ابن الملك الصالح عماد الدين أبي الفداء ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر. كان من اجمل الناس صورة مع مكارم الأخلاق، جمع بين حسن الصورة والمعنى. وتوفي إلى رحمة الله بقرية بالمرج. وحمل إلى جبل قاسيون، فدفن بتربة عمه الملك الأمجد تقي الدين عباس

ص: 268

رحمه الله يوم الأحد خامس وعشرين جمادى الآخرة، وقد نيف على الخمسين من العمر رحمه الله.

عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة شمس الدين المقدسي الحنبلي. مولده سنة خمس وثلاثين وست مائة، وتوفي بقرية جماعيل من عمل نابلس في يوم الاثنين ثامن وعشرين شعبان، ودفن بها رحمه الله. كان من الفضلاء الصلحاء الأخيار، سمع الكثير، وحدث، وكتب بخطه، وشرع في تأليف كتاب، وجمعه من الأحاديث النبوية مرتباً على أبواب الفقه. ولو تم لكان نافعاً. ورأى بعض الصلحاء بجبل الصالحية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام. وقد جاء إلى الجبل فقال له الرائي: يا رسول الله! فيما جئت إلى هنا؟ أو كلاما هذا معناه، فقال: جئنا نقيس عبد الله من نورنا، وكان شيخنا شمس الدين عبد الرحمن رحمة الله عليه يحبه كثيراً. ويفضله على سائر أهله وأولاده، وكان أهلاً لذلك رحمه الله ورضى عنه. فلقد كان من حسنات المقادسة كثير الكرم، والخدمة، والتواضع. والسعي في قضاء حوائج الإخوان والأصحاب.

علي بن بلبان بن عبد الله أبو القاسم علاء الدين الكركي المعروف والده بالناصري. سمع الكثير، وحدث، وتوفي بدمشق ليلة الخميس مستهل شهر رمضان المعظم، ودفن يوم الخميس بمقابر باب الصغير، وهو في عشر السبعين رحمه الله تعالى.

عمر بن إسحاق بن وفاء شمس الدين الناصري. كان له اختصاص بالملك

ص: 269

الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله وملازمة له في خلواته، وعنده مروءة، ومثابرة على قضاء حوائج من يقصده من لطفه وكرمه وسعة صدره، وبقي بعد انقضاء الدولة الناصرية، وحرمته وافرة، وجانبه مرعى، وأقام بدمشق إلى أن أدركته وفاته بها يوم الاثنين منتصف صفر. وأخرج يوم الثلاثاء إلى الجامع. فصلى عليه، وحمل إلى سفح قاسيون، فدفن بتربته المجاورة لتربة ابن وداعة. والألسن مجمعة على شكره والترحم عليه، وهو في عشر السبعين رحمه الله تعالى.

كافور بن عبد الله أبو المسك شبل الدولة الصوابي الخادم. توفي بقلعة دمشق ليلة الخميس مستهل شهر رمضان، ودفن يوم الخميس، وقد نيف على الثمانين رحمه الله. كان من عقلاء الدينة الأخيار. سمع الحديث، وأسمعه، وتولى عدة ولايات، وكان في آخر عمره قد رتب خزندار بقلعة دمشق، والصوابي نسبة إلى الأمير شمس الدين صواب العادلي الأمير الكبير المشهور رحمه الله تعالى.

محمد بن إبراهيم بن علي بن شداد أبو عبد الله عز الدين الحلبي. مولده بحلب في سادس ذي الحجة سنة ثلاث عشرة وست مائة. وتوفي بمصر في سابع عشر صفر هذه السنة، ودفن بسفح المقطم. كان رئيساً، حسن المحاضرة، وصنف تاريخاً لحلب، وسيرة الملك الظاهر ركن الدين، وكان من خواص الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن محمد، وترسل عنه إلى هولاكو وغيره من الملوك، واستوطن الديار المصرية بعد أخذ التتار حلب في سنة

ص: 270

ثمان وخمسين، وكان له مكانة عند الملك الظاهر ركن الدين، والملك المنصور سيف الدين رحمهما الله تعالى وحرمته وافرة، وله توصل ومداخلة، وعنده بشر كثير، ومسارعة إلى قضاء حاجة من يقصده رحمه الله تعالى.

محمد بن الحسن بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله الملقب شرف الدين المعروف بالأخميمي الشيخ المشهور. كان كثير التعبد والاجتهاد، ولكثير من الناس فيه عقيدة حسنة، وبعض الناس ينسبه إلى التصنع، وكان يتحصل له من الأمراء والأكابر جمل كثيرة، وإذا قوبل بقدر يسير لا يقبله، وتوفي بمنزله بسفح قاسيون ليلة الأربعاء ثامن عشر جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن بسفح قاسيون، وهو في عشر السبعين رحمه الله تعالى غسله الشيخ فخر الدين بن عز القضاة، والشيخ شرف الدين أحمد الفزاري، والشيخ برهان الدين الإسكندري، وصلى عليه الشيخ جمال الدين الشريشي، وحضر جنازته خلق كثير، وكان عليه روح، وسكون، وهيبة رحمه الله تعالى وهو الذي ذكره الشيخ كمال الدين بن طلحة في تصنيفه في علم الحروف من الحروف المفردة غير المكررة في القرآن المجيد، وأن الشيخ محمد رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وأنه أوراه دائرة الحروف. قال الشيخ كمال الدين بن طلحة رحمه الله في تصنيف أفرده لذلك: أما بعد، فإنه لما رزقني الله من مبار ألطافه، ورفده مؤاخاة عبد صالح من صلحاء عباده فيه، تحكم له فيه من قلبي منزلة ما وصلت إليه أخوة النسب من قبلها، ولا تصل إليها من بعدها، ونمت بيننا المحبة في الله تعالى وتقدس

ص: 271

نمواً بلغت بها نهاية حدها، وأحرزت به اليقين حصل وحدها، ومنح الله جل وعلا كل واحد منا بصاحبه ما ظهرت له به زيادة عبادته، وثبت ذلك عنده بإقرار قلبه وشهادته، وكان كثيراً من مطالبه من ربه تعالى أن يمنحه ما يعرف به الاسم الأعظم، واقتدى بذلك ممن سلف من أئمة الطريق الأقوم، وتكرر لذلك تقلب وجهه في السماء، ورفع يديه إلى الله تعالى بأنواع الدعاء، فبينما هو في بعض خلواته مشتغل بصلواته تحت جلباب حندس الظلماء، إذ كشف له عن لوح شاهده بحيث لا يتطرق إليه شبه الشك ولا ريب الامتراء، فأعرض عنه مشتغلاً بذكر ربه في مقام قربه، فوكزه بدمع صوت يقول له: خذ ما ينتفع به، فأخذه، واستبث ما فيه، فوجده دائرة، وخطوطاً، وأسماء، وحروفاً، وأحاط علماً بصورها دون معانيها، ولم يعلم شيئاً من الأسرار المودعة فيها، فلما سمر الليل ذيل ظلمته، وتنفس الصبح لأسفار أنوار غرته، وقضى الواجب عليه من أداء حق الوقت وفريضته، عشيته غيبة صافحته بها يد سنته، فرأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبي رضوان الله عليه فسلم عليه وقال له: أين اللوح الذي أوتيته؟ فأخرجه فأخذه عليه السلام، فنظر فيه واستعظمه، ثم قال له في معناه: أشياء لم يفهمها ولا يعرف منها سوى كلمة واحدة، فقال: يا أمير المؤمنين! ما فهمت ما قلت لي. فقال له: إن فلاناً يعني الشيخ كمال الدين بن طلحة يشرحه لك إن شاء الله تعالى، فلما علا النهار، حضر عند الشيخ كمال الدين، وعرفه عين الواقعة بصورتها، وتلا عليه آيات صورتها، وخط صورة الدائرة، وما عليها

ص: 272

خارجاً وداخلاً عنها وفيها، فوقف عليه تأملها، فرآها من عجائب الأقدار وضعاً. وغرائب الأسرار أصلاً وفزعاً، ونظر في حروفها المرتبة وتراً وشفعاً، وأسمائها المركبة تفرقة وجمعاً. قال الشيخ كمال الدين: فعلمت أنه لا يمكن الوقوف على كنه مقصدها. ولا الوصول إلى جل عقدها، ولا محض أوطان مطالبها باستخراج زبدها إلا بتأييد رباني، وتوفيق إلهي، فرفعت يدي متضرعاً إلى عالم السر والنجوى، وسألته أن يفتح لي رتاج مكنونها، ويمنحني بنتاج مصونها، ويوضح لي منها مخزونها ويشرح صدري باستخراج اسرار مضمونها فأحست نفسي بأنفاس إجابة دعائها، وتضرعها، ونشطت إلى استشراق أنوار الأسرار من مطلعها، فلما لاحت الأنوار، وظهرت الأسرار بأمر مبدئها ومبدعها، وتخبير مرها ومطلعها، علقت هذه الرسالة. قلت: ثم أثبت الشيخ ذكر الدائرة وتخطيطها وصفتها، وصورة ما في وسطها، وما أحاط بها محيطها، وكيفية وضع حروفها وأسمائها وخطوطها، ثم ذكر أنها سر من أسرار الاسم الأعظم، ثم شرع في حل تلك الحروف المفردة وتبيين أسرارها وإظهار معانيها بما يذهل العقل، ولقد حذا في استنباط المعاني من تلك الدائرة ما سلكه الإمام أبو الحكم ابن برجان في تفسير قوله:" وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين " وبين تدوير الحروف هناك، وسر البضع في كلام العرب. ثم ذكر أنه إن صح ذلك، فتح البيت المقدس في سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة، فوقع الأمر كما قال. ومات هو قبل

فتحه في سنة ست وثلاثين وخمس مائة مغرباً عن وطنه بمراكش، فهؤلاء المشايخ الأطهار أطلعهم الله تعالى على أسرار العلوم، وبنى الشيخ كمال الدين أمر الدائرة على سر التوحيد، وبيان عظمة الله تعالى وقدرته، وسير أسرار الحروف بما يشرح الصدور ويسر القلوب، وسمى هذه الرسالة المتضمنة شرح هذه الدائرة " الدر المنظم في شرح الاسم الأعظم " فمن أراد الوقوف عليه فليراجعه والله تعالى يوفق للصواب. هـ في سنة ست وثلاثين وخمس مائة مغرباً عن وطنه بمراكش، فهؤلاء

ص: 273

المشايخ الأطهار أطلعهم الله تعالى على أسرار العلوم، وبنى الشيخ كمال الدين أمر الدائرة على سر التوحيد، وبيان عظمة الله تعالى وقدرته، وسير أسرار الحروف بما يشرح الصدور ويسر القلوب، وسمى هذه الرسالة المتضمنة شرح هذه الدائرة " الدر المنظم في شرح الاسم الأعظم " فمن أراد الوقوف عليه فليراجعه والله تعالى يوفق للصواب.

محمد بن عثمان بن علي أبو عبد الله شرف الدين المعروف بابن الرومي، الشيخ الصالح الزاهد العارف. كان رحمه الله من أكرم الناس كفاً، لا يدخر شيئاً بل مهما فتح الله به ينفقه على الفقراء، وكان كبير النفس، عالي الهمة، كثير التواضع، لطيف الأوصاف، منقطعاً في زاويته بسفح قاسيون، لا يتردد إلى أحد إلا في النادر، ويعمل السماعات، ويصعد إلى الخلق الكثير من الفقراء وغيرهم، فيرقص من أول السماع إلى آخره، ويخلع جميع ثيابه على المغاني، ويرقص عرياناً ليس عليه إلا السراويل، وله الحرمة الوافرة عند الأمراء والملوك، ويحمل إليه من الفتوح شيء كثير، فيخرجه من وقته، وكان حضر حصار المرقب، ثم عاد إلى دمشق، وتوفى إلى رحمة الله تعالى عقيب عوده بأيام، ودفن بزاويته بسفح قاسيون رحمه الله تعالى وهو في عشر الثمانين، وكانت وفاته ثالثة نهار الجمعة العشرين من جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وست مائة. وتوفي والده يوم الجمعة ثامن المحرم سنة ست وثلاثين وست مائة بمدينة حماة، وحمل على أكتاف مريديه، ودفن بزاويته بسفح قاسيون عشية الاثنين حادي عشرة،

ص: 274

ودفن ليلاً، وقد جاوز السبعين رحمه الله تعالى.

محمد بن عبد الله أبو عبد الله ناصر الدين الحراني الحنبلي. ولي دمشق بعد وفاة والده رحمهما الله وأضيف إليه شد الأوقاف والنظر فيها مستقلاً من غير مشاركة، يولي ويعزل، ويصرف كيف شاء، وكان مدار أمور الدولة بدمشق وأعمالها عليه؛ ونائب السلطنة لا يخالفه، ولا يخرج عن رأيه. وله المكانة العالية عند الملك الظاهر ووزيره وأكابر أمراء دولته، وكلمته مسموعة في سائر المملكة، وكتبه نافذة في الأقطار، وعنده معرفة تامة، ورياسة كبيرة، وخبرة بسائر الأمور، ويكتب خطاً منسوباً، رأيته يكتب وهو ينظر إلى جهة أخرى، وكان كثير المكارم والستر، وقضى حوائج الناس، يصلح لكل شيء، ولقد سمعت بعض الأمراء الأكابر يقول عنه: والله يصلح لوزارة بغداد في زمن الخلفاء، ولا يقوم غيره مقامه، ثم استعفى من ولاية دمشق، وسأل ذلك فأجيب عليه، ثم رسم له الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمه الله بنيابة السلطنة بحمص وأعمالها، فتوجه إلى كره منه، فهذب أمورها، وأصلح أحوالها، ولم تطل مدته بها، فأدركته منيته ليلة الثلاثاء منتصف شعبان، فغسل بها، وكفن، وصلي عليه، وحمل إلى دمشق، فوصل يوم الخميس سابع عشره، فصلي عليه، ودفن بسفح قاسيون بتربة الشيخ أبي عمر رحمة الله عليه ولم يبلغ الستين رحمه الله تعالى وكان وقف في حال حياته قبل موته بمدة سنين وقفاً كثيراً على عتقائه، وعلى وجوه البر، وأثبته، وحكم به الحكام، وصرف ريعه في حال حياته كما شرط، فنفعه بعض الكلمة فيه، وقال الواقف:

ص: 275

أثبته على الشيخ في حال حياته كما شرط، ونل نظر الوقف عند عدم من أسند إليه الواقف إلى الإمام المجامع المظفري، وإمامه ابن الشيخ شمس الدين، فتمنع منه، وأبطل الوقف، واحتيط عليه، وباء بإثمه من سعى في ذلك مع أن جماعة كثير من أعيان العدول الذين شهدوا على الواقف رحمه الله أحياء مرزوقين، أما الواقف فوقع أجره على الله تعالى. سمع الأمير ناصر الدين الحديث الكثير، وكانت أوقاته معمورة بتلاوة القرآن العزيز، وسماع الحديث، ومصالح المسلمين، ولم يخلف ولداً رحمه الله تعالى.

محمد بن علي بن يوسف بن محمد بن يوسف أبو عبد الله رضى الدين الأنصاري الشاطبي الإمام العلامة في علم العربية واللغة. توفي بمصر، ودفن بالقرافة الصغرى في ثامن عشرين شهر جمادى الأولى وقد جاوز ثمانين سنة من العمر رحمه الله تعالى ومولده سنة إحدى وست مائة، روى عن ابن المقير وابن الجميزي، وجماعة يطول شرحهم. قال أخي رحمه الله أنشدني:

رب سهل على فتاتي لتراى

هل سلا فتاها فتاها

علمته جفونها أي سحر

ما تلاها عن حسنها مذ تلاها

وأنشده أيضاً:

لولا ثباتي وساتي

لطرت شوقاً إلى الممات

لأني في جوار قوم

تعصني قربهم وحياتي

ص: 276

وأنشده أيضاً رحمه الله بمصر:

منغض العيس لا يأوي إلى دعة

من كان في بلد أو كان ذا ولد

والساكن النفس من لم ترض همته

مسكني مكان ولم يسكن إلى أحد

محمد بن يعقوب بن علي أبو عبد الله فخر الدين المعروف بابن تميم. وهو سبط ابن تميم، أظنه دمشقي الأصل والمولد والمنشأ، ونقل إلى حماة واستوطنها، وخدم صاحبها الملك المنصور ناصر الدين رحمه الله جندياً، وكان له به اختصاص وقرب. وكان فاضلاً عاقلاً شجاعاً، كريم الأخلاق، حسن العشرة، وحج إلى بيت الله الحرام، وهو من الشعراء المعدودين في عصره، وتوفي بحماة - رحمه الله تعالى - في هذه السنة. ومن شعره قوله في الحماسة:

صبح بنا أرض الفرنج بغارة

تحوي بها أموالها ورجالها

محتادنا قد حرمت أوساطها

نحو المسير وشمرت أذيالها

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

كم فارس صاحبته يوم الوغى

وتركته إذ خانه أقدامه

حتى بلغت بحد سيفي موضعاً

في الحرب لم تبلغ إلى سهامه

وقال أيضاً رحمه الله:

دعني أخاطر في الحروب بمهجتي

إما أموت بها وإما أرزق

فسواد عيشي لا أراه أبيضاً

إلا إذا احمر السنان الأزرق

ص: 277

وقال أيضاً رحمه الله:

لو كنت تشهدني وقد حمس الوغى

في موقف ما الموت عنه بمعزل

لترى أنابيب القناة على يدي

تجري دماً تحت ظل القسطل

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

ألا من مبلغ المحبوب أني

وقفت وللظبي حولي صليا

وأني جلت في جيش الأعادي

برمحي وهو في فكري يجول

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

يا قوم قد بلغ قول الحيا

عني إلى المحب بلا علم

من خنجري أطل من سيفي

ورمحه أقصر من سهمي

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

لمنجنيق وللحصون وقائع

فيها عجيب للذي يتفهم

يومي إليها بالركوع مخادعاً

فتخر ساجدة له وتسلم

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

لا تحقرن قليل السر إن له

زيادة كضوارم النار في القبس

فحرب وائل صرع الباب أسعرها

وحرب قيس حسها لطمة الفرس

وقوله في صفة الرياض والأزهار ونحوه:

مولاي قد وافى زمان لم يزل

بقدومه تستبشر الندماء

ص: 278

زمن كأن الأرض فيه ألبست

خلعاً أجادت صنعها صنعاء

....بلحظ عين لا ترى

إلا غديراً حال فيه الماء

وترى بنفسك عزة في دوحة

إذ فوق رأسك حيث سرت لواء

لا تهملن لذاذة الدنيا فقد

رق النسيم وراقت الصهباء

واشرب من الحمراء في مبيضة

ليحافل الصفراء والسوداء

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

رعى الله وادي النيرين فإنني

قضيت به يوماً لذيذاً من العمر

درى أنني قد جئته متنزهاً

فمد لأثوابي بساطاً من الزهر

وأقدمني الماء الفراح فحيثما

سبحت رأيت الماء في خدمتي يجري

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

وحديقة بستان فيها جدول

طرفي برونق حسنه مدهوش

تبدو ظلال غصونه في مائه

فكأنما هو معصم منقوش

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

لم لا أهيم إلى الرياض وزهرها

وأقيم منها تحت ظل صافي

والغصن يلقاني بثغر باسم

والماء يلقاني بقلب صافي

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

شبهت نرجسه أهدي إلي بها

خلي وقد جئت في التشبيه بالعجب

ص: 279

كفا من الفضة البيضاء ساعدها

زمرد حكيت كأساً من الذهب

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

عاينت ورد الروض يضم خده

ويقول وهو على البنفسج محنق

لا تقربوا وإن تضوع نشره

ما بينكم فهو العدو الأزرق

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

وناعورة شبهتها حين ألبست

من الشمس ثوباً فوق أثوابها الخضر

بطاووس بستان تدور وتنجلي

وتنفض عن أرياشها ثلل القطر

محمود بن الحمصي. كان إماماً عالماً فاضلاً، متقناً بارعاً، فقيهاً عارفاً، ورعاً زاهداً، متقللاً من الدنيا، صاحب معاملات وكرامات، مجاب الدعوات، صحيح الاعتقاد، له الكرامات الظاهرة، والأحوال الباهرة، صام أربعين سنة بصوم نهارها، ويقوم أكثر ليلها، ثقة حجة، ما أظن حافظيه كتباً عليه سيئة واحدة منذ سلك هذه الطريقة، وكانت بدايته أنه اجتاز بقرية يونين في حال صباه، فزار الشيخ عيسى اليونيني رحمه الله تعالى فلزمه وانتمى إليه، وصحبه إلى أن مات الشيخ رحمه الله تعالى فدخل مدينة بعلبك وأقام بمسجد الحنابلة مكباً على العبادة والاشتغال بالعلم إلى أن أدركته منيته في ليلة الاثنين حادي عشر جمادى الأولى هذه السنة، ودفن من الغد بمقابر باب سطحاء ظاهر بعلبك رحمه الله تعالى.

ص: 280