الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوسف بن عبد الله بن عمر أبو يعقوب جمال الدين الزواوي المالكي قاضي القضاة. كان إماماً عالماً فاضلاً، ديناً صالحاً مشتغلاً، كثير الكتب، عاقلاً، عارفاً بالأحكام والأمور، كريماً، ملازماً لبيته، قليل الحكومات والإثبات، يجلس في الجمعة مرة واحدة، وكان ابن عم الشيخ زين الدين الزواوي ناب عنه في الحكم مدة، ثم عزل الشيخ نفسه، فاستمر جمال الدين يحكم مدة سنين بإذن السلطان من غير تولية مستقلة، وكان يداري الشيخ زين الدين، ويخدمه، ويهاديه، ثم سعى لنفسه في الاستقلال، فأجيب إلى ذلك في حياة الشيخ، فاستمر واتفق له حج هذه السنة، فلما كان يوم الخميس ثالث ذي القعدة، توفي وهو راكب في المحارة ذاهباً في الطريق، ودفن بعد نزول الحاج في الفلاة بعد رحلتهم من حفر المعظم، وكان دفنه بعد عشاء الآخرة من ليلة الجمعة رحمه الله تعالى.
السنة الرابعة والثمانون وستمائة
إستهلت هذه السنة، والخليفة والملوك على القاعدة في السنة الخالية سوى الملك أحمد بن هولاكو، فإنه قتل، وترتب مكانه أرغون بن أبغا، وسوى الملك المنصور صاحب حماة، فإنه توفي في السنة الخالية على ما تقدم، واسنقر عوضه ولده الملك المظفر تقي الدين محمود، والملك سيف الدين قلاوون قد خرج من الديار المصرية إلى الشام، ودخل دمشق يوم السبت ثاني وعشرين من المحرم بالعساكر المصرية، وعرض العسكر الشامي مدة أيام، وخرجوا جميعاً يوم الاثنين ثاني صفر قاصدين المرقب، وكان قد بقي
في يد الأمير شمس الدين سنقر الأشقر قطعة من البلاد، منها: صهبون وبلاطنس وبرزية وغير ذلك، والعمل في الباطن على انتزاع ما يمكن انتزاعه من يده، وإفساد نوابه، فاتفق الحال بين من ببلاطنس من النواب وبين نواب الملك المنصور على تسليم بلاطنس، فسلمت في أول صفر، ووافى الملك المنصور البشري بتسليمها، وهو على عيون القصب متوجه إلى حصار المرقب، فسر بذلك واستبشر بنيل مقصوده من المرقب، وقد تقدم ذكر ما فعله أهل المرقب بالعسكر النازل لهم، فأثر ذلك في نفس السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمه الله وحضر بنية قصدهم، فلما كان في مستهل صفر، خرج من دمشق بالعساكر المنصورة لقصده، وتقدمته المجانيق، ونازل الحصن المذكور يوم الأربعاء العاشر منه، وشرع العسكر في عمل الستائر للمجانيق، فلما انتهت الستارة للمجانيق المقابل لباب الحصن، سقطت إلى بركة كبيرة فيها ماء مجتمع، وكان عليها جماعة كبيرة من أصحاب الأمير علم الدين الدواداري، منهم: شمس الدين سنقر أستاذ داره، وعدة من مماليكه، فاستشهدوا رحمهم الله تعالى.
وفي يوم الأحد رابع عشرة، راسل الفرنج من بيت الأسبتار، وسألوا السلطان الأمان لأهل المرقب على أنفسهم وأموالهم، ويسلمون الحصن المذكور، فلم يجبهم السلطان في ذلك، وكمل نصب المجانيق، ورمى بها، وشعث الحصن، وهدم معظم أحد أبراجه، واستمر الحال إلى سادس عشر ربيع الأول، زحف السلطان على الحصن، فأذعن من فيه بالتسليم، وحصلت
المراسلة في معنى ذلك، فلما كان يوم الجمعة ثامن عشر الشهر المذكور سلم ورفعت عليه الأعلام الإسلامية، ونزل من به بالأمان على أرواحهم، فركبوا، وجهز معهم من أوصلهم إلى أنطرسوس. وبالقرب من هذا الحصن مرقية، وهي بلدة صغيرة على البحر، وكان صاحبها قد بنى في البحر برجاً عظيماً لا يرام، ولا يصله النشاب، ولا حجر المنجنيق، وحصنه، واتفق حضور رسل صاحب طرابلس إلى السلطان يطلب مراضيه، فاقترح عليه خراب هذا البرج وإحضار من كان فيه أسيراً من الجبليين الذين كانوا مع صاحب جبيل، فأحضر من بقي في قيد الحياة منهم، واعتذر عن البرج أنه ليس له، فلم يقبل اعتذاره عن ذلك، وصمم على طلبه منه، فقيل: إنه اشتراه من صاحبه بعدة قرى وذهب كثير، وهدمه، وحصل الاستيلاء في هذه الغزوة على المرقب، وأعماله، ومن فيه، وبليناس؛ وهذا المرقب هو من الحصون المشهورة بالمنعة والحصانة، وهو كبير جداً، ولم يفتحه السلطان الشهيد صلاح الدين رحمه الله بل ادخره الله تعالى للملك المنصور رحمه الله فحاز أجره وشكره، ولو لم يكن من ضرورة إلا ما فعل أهله بالمسلمين في شهور هذه السنة لكفى، وضرره لا يحد، وأبقاه الملك المنصور، ورم ما تشعث منه، واستناب فيه، ورتب أحواله، وهو لبيت الأسبتار، وأنشئت الكتب بالبشائر بفتحه، فمن ذلك كتاب من السلطان إلى ولده الملك الأشرف صلاح الدين خليل بخط المولى تاج الدين أحمد بن الأثير تغمده الله برحمته ومن إنشائه وهو:
" أعز الله نصرة جناب العالي الملكي الأشرفي الصلاحي، ولا زالت جيوشه تفتتح من الممالك حصونها. وتبتذل مضمونها. وتستثمر من العادة غصونها. ويطوى لهم الأرض، فلا يبعد عليهم مرمى، يعملون العزائم المهمة ويصونها. وتحدث ألسنة العالم بنعم الله التي يرونها في أيامه ويروونها. ويقصون أجنحتها بالشكر ويقصونها. تهدى له كل ساعة خبر عن جنوده وما ملكت. وخيوله وما سلكت. وسيوفه وما قتلت. ومهابتها وما أخذت. ومواهبها وما تركت. هذه البشرى تقص عليه من غزوتنا أحسن القصص. وتمثل صورة الفتح التي انتهزنا فرصته، وقلما تنتهز الفرص. وتبدى لعلمه الكريم. أن الهمم بها تنال الممالك. وترتقي المسالك. وتجتني ثمرات النصر. وتطفئ جمرات الغدر. وقلما ظفر بالمراد وأودع. وكل أنف لا يأنف.... فهو أحق الأعضاء أن تجدع. ولم نزل نمثل في أفكارنا الصورة التي أقدم عليها أهل حصن المرقب في مبدأ الأمر عند اضطراب النيات وضعف البنيات. وغرور الآمال الكاذبة. واشتمالات الخيلات الجاذبة. حتى نالوا من عسكرنا بحصن الأكراد ما نالوه، وتخيلوا أن عزمنا قد صرفوه عن قصدهم، أو أمالوه بأخذ أمرهم في الظاهر بالرخصة دون العزيمة، ويعمل على ما لو تمثل لهم صورة لجروا منه ذيل الهزيمة. ويغضون من نواميس المجاورة، ويغضى ويمضون بما يبدو منهم، وتنزل المحاورة وتمضى. ويستر ما يسدده إلى نحورهم من سهم، ويريهم أنا ندفع في صدور الحقيقة بالوهم،
ونعرض عن مناقشتهم في الحساب؛ ونمسك عنهم، " وترى الجبال تحسبها جامدة، وهي تمر مر السحاب ". ومن لم يؤاخذ المشئ بفعله ويعرف مقدار حمله، استدام طعمه. واستقام طلقه، وحركته دواعي الشره للسرة، والحيل السلامة في كل مرة، فلم يزل يتربص لهم ريب المنون، وينزل ما كان منهم في جنب ما يكون، ويرتقب فيهم الوقت المنتظر، ويدب لهم الضراء، وتمشي لهم الحمر إلى أن آن مكان الفرصة، جمعنا لهم بين الشرقة والغصة، فأبعدنا إليهم المدني، واعتدنا مسعانا في طاعة الله عما إذا كانت مساعي الملوك عزماً، ووصلنا المسير بالسرى، وطرقناهم كما يطرق الطيف الكرى، وأوطأنا بهم حوافر الخيل، وجئناهم مجيء السيل، وظللنا عليهم ظلل الغم. وغشيهم منا ما غشى فرعون وجنوده من أليم. مع كون مكانهم قد جمع له منعة البر والبحر. وحل منهم بين السحر والنحر. تحامت قصده الملوك. وحمته الإعادة، فلم تبق الأماني إليه طريق مسلوك. ولم يظفر به ملك من الملوك في الإسلام، ولا طرقته خيلهم في
اليقظة، ولا خيالهم في المنام، يصد الرياح الهوج عند مخافة، ويرجع عند الطرق حسيراً لبعد المسافة بأسرع من أن فاجأناه، وحللنا بعرصته، وهاجمناه، وأحاطت به رجال الحرب، وشافهته بخطاب بالخطب، وعسكرنا بحمد الله تعالى مثل البحر ذا طما. والغيث إذا هما. والطود إذا سما. والليث إذا حمى. قد ملأ الفجاج. واستعذب الأجاج. وقاسمهم الرياج. فأعطاهم الأسنة، وأبقى له الزجاج. يتعرض أبطاله المنايا، ولو كانت عرضاً، ويقول كل منهم " وعجلت إليك رب لترضى ". فلم يزل القتال ينوبهم. وسهام المنون تصيبهم. وسحابها يصوبهم. والسيوف تغمد في الطلى. والرماح تركف في الكلى. والمجانيق تدلك سورتهم، وتسلك فورتهم بنجومها. وتصميهم برجومها. ونقذفهم من كل جانب دحوراً. ونعيد كل منهم مذموماً مدحوراً. وتشير إليهم أصابعها بالتسليم لا بالتسلم وببنانهم فما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم. إلى أن فتحناها، ولله الحمد عنوة. وحللنا مكايدهم فيها عقدة عقدة، ونقضنا عروة عروة. وسطرنا هذه البشرى، وأعلام النصر قد خفقت بنودها. وذلت لها علوج الكفر وكنودها. والسيف من دمائهم يقطر. والصليب جريان ينظر. والأذان مكان الناقوس. والقراء موضع القسوس. والكنيسة قد عادت محراباً. والجنة قد فتحت للمجاهدين، فكانت أبواباً. وكنا نود أن الولد معنا في هذه المشاهد. وأن ينظرها بعين المشاهد. ونرجو أن يكون ممن يستكين المرقد. وإن لم يحضر هذه الغزوة فيتأهب للأخرى. فكان قذفاً لهمم تجعل ثمار النصر دانية القطوف، والسعيد من لا يستظل إلا بسيفه، فإن الجنة تحت ظلال السيوف ". ولا خيالهم في المنام، يصد الرياح الهوج عند مخافة، ويرجع عند الطرق حسيراً لبعد المسافة بأسرع من أن فاجأناه، وحللنا بعرصته، وهاجمناه، وأحاطت به رجال الحرب، وشافهته بخطاب بالخطب، وعسكرنا بحمد الله تعالى مثل البحر ذا طما. والغيث إذا هما. والطود إذا سما. والليث إذا حمى. قد ملأ الفجاج. واستعذب الأجاج. وقاسمهم الرياج. فأعطاهم الأسنة، وأبقى له الزجاج. يتعرض أبطاله المنايا، ولو كانت عرضاً، ويقول كل
منهم " وعجلت إليك رب لترضى ". فلم يزل القتال ينوبهم. وسهام المنون تصيبهم. وسحابها يصوبهم. والسيوف تغمد في الطلى. والرماح تركف في الكلى. والمجانيق تدلك سورتهم، وتسلك فورتهم بنجومها. وتصميهم برجومها. ونقذفهم من كل جانب دحوراً. ونعيد كل منهم مذموماً مدحوراً. وتشير إليهم أصابعها بالتسليم لا بالتسلم وببنانهم فما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم. إلى أن فتحناها، ولله الحمد عنوة. وحللنا مكايدهم فيها عقدة عقدة، ونقضنا عروة عروة. وسطرنا هذه البشرى، وأعلام النصر قد خفقت بنودها. وذلت لها علوج الكفر وكنودها. والسيف من دمائهم يقطر. والصليب جريان ينظر. والأذان مكان الناقوس. والقراء موضع القسوس. والكنيسة قد عادت محراباً. والجنة قد فتحت للمجاهدين، فكانت أبواباً. وكنا نود أن الولد معنا في هذه المشاهد. وأن ينظرها بعين المشاهد. ونرجو أن يكون ممن يستكين المرقد. وإن لم يحضر هذه الغزوة فيتأهب للأخرى. فكان قذفاً لهمم تجعل ثمار النصر دانية القطوف، والسعيد من لا يستظل إلا بسيفه، فإن الجنة تحت ظلال السيوف ".
وكتب المولى تاج الدين رحمه الله عن السلطان رحمه الله في المعنى إلى الأمير علم الدين الشجاعي يقول:
" إذ أمر الله بهائي المجلس العلمي، وأحل البشائر بساحته. وسره
باستيلائنا على كل ثغر واستباحته. وأسمعه من أنبائنا الجميلة ما يعجز عن التعبير عنه لسان القلم على فصاحته. ولا زال مهنأ بأيامنا التي تؤرخ بالفتوح. وتنجد في مواقف الحرب بالملائكة والروح. وتختص بالمدح دون كل ممدوح. وترى ما يطوى بجيوشنا من الأرض، ولا يبعد عليها مكان به طروح. قد علم المجلس حركتنا إلى الشام، وإنا أنشأناها عجالاً، وجئنا بها على البديهة، فلو كانت قصيدة لأنشدناها ارتجالاً. وكانت مباديها توجد بأطراف الأنامل. ومناديها يعود بحينة الأمل. ومهامها متلقاة بالهمم القاصرة، وعزائمنا فيها كلها توقدت جمراتها، صادفت نيات إن لم تكن باردة فهي قارة، وإذا مر ذكرها بمن له غرض أو في قلبه مرض ظن الظنون. وخيل له أن أمرها لا يتم، وسرعتها لا تكون. ونحن نوسع للجهال حلماً. ونزداد بعواقب التدبير علماً. وكان الباعث عليها أمور مهمة. ومرأى تستفرغ قوى الأفكار المستجمة. وكل وقت نصعد النظر ونصوبه. ونتصفح وجه الرأي ونقلبه. ونرتاد جهات القصد التي كان منها منشأ المفاسد. وبها لشياطين النفاق نفاق، وكل سوق كاسد. فلما أخذت الأناة مآخذها ونفدت الآراء منها منافذها. وتمحضت زبدة الحلب. وأسفر وجه الطلب، ولم يبقى إلا أن تزم الركائب وترى الكتائب وتشرع الاسنة وتبدو ضمائر النفوس المستكنة، أخلصنا النية لله عز وجل في نصرة الإسلام. وتقاضينا ديونه على الأنام. وجعلنا منهم مقدماً على ما عداه. وصممنا على جهاد من نازعه رداء ملكه وعاداه.
تركنا حظ النفس بمعزل. وكان في عزمنا أن نرتاد منزلاً، فعرجنا على ذلك المنزل، وقلنا: يا خيل الله! اركبي. ويا ملائكة النصر! اصحبي. ويا أقلام البشرى! اكتبي. وصلنا إلى الشام في جنود تقبل مثل قطع الليل، وتندفع اندفاع السيل. وكلما مررنا بمملكة سالت بجموعنا أوديتها. وغصت بعساكرنا أنديتها. وانضم إلينا جنودها. وخفقت علينا بنودها، ولم نزل نطوي المراحل. ونتجاوز الخصب والماحل. إلى أن نزلنا بعيون القصب من عمل حمص، فوافاها البشير بما كان من أمر بلاطنس التي تقدمت بها البشرى. وفنيت فيها عضد من كان بها قد استطار شرر طعمه واستسرى. ولم تزل بعد السير. وتود لو استعرنا أجنحة الطير. إلى أن وافينا المرقب، وهي المقصد ومناخ ركائب العزم الذي هو لها مرصد، فكانت محط رحالنا. وإليها مطارح آمالنا. وأصحابها الذين بدأوا بالسنان، وقعقعوا لنا بالشنآن. وامتدت لهم الأيدي والألسنة، وجعلوا السيئة مكان الحسنة. وطمعوا بالبلاد وارتجاعها، وارتادوا موارد الحرب على بعد أشجاعها. واستلانوا من عسكر حصن الأكراد جانباً ظنوا به الغلب. وفعلوا أمراً عادوا منه بسوء منقلب. وصاروا يتكلمون من رؤوس ملأى من الجهل. ويأخذون في الحزن إذا أخذتهم إلى السهل. ونحن نعمل على الأمر الذي يلف العماء، ويعيرهم أذناً سميعة، لا أذناً صماً. ونرتاد منهم أمكنة الفرص، ونوحي لهم جمالة القنص. فلما رجمتهم
الظنون. وتمحضت لهم المنون. وثبنا لهم وثبة الليث المغضب. وأوردناهم بأسيافنا " ماء " لا ينزح قليبه ولا ينضب. وما وردنا حتى قامت جيوش الجو على ساق، وجاءت بعوث الغمائم من الآفاق. ورشقت سهام السحائب. وتغلغت ريح الصبا والحبائب. وجفت الرعود بجنودها. وجردت البروق بيضها من غمودها. والقطر يرسل الحجارة إلا أنها من برد البحر إذا مرت به الريح صار كأنه درع موصونة الزرد، فنزلناها ونازلناها. وأمطنا حجب المهابة وأزلناها، وأحدقنا بها إحداق السوار وأحطنا بها. كما يحيط باليد السوار، وكانوا يغترون بمنعهم، ويعتزون بما يحرى من سيل قلعتهم، ويعتقدون أن المعتصم بمكانهم واثق بأن يمس السماء بكفه، ويرى النجم دونه إذا لمحه بطرفه، فلم تزل تعاديهم الفتك وتراوحهم، وتماشيهم الحرب وتصاحيهم، وترسل إليهم رسل المنايا، وتوقر سهامهم إلا أنها من الحبايا، ونرميهم بعذاب واصب، ونكلهم إلى هم ناصب، والمنجنيقات تفوق إليهم سهامها قسيها وتخيل لهم أنها تسعى إليهم حبالها وعصيها، وهي الحصون من ألد الخصوم، وإذا أمت معصماً، حكم أنه ليس بإمام معصوم، ومتى افترى خلق في آلات الفتوح لم يكن أحد من الممترين، وإذا نزلت بساحة قوم فساء صباح المنذرين، تدعي إلى الوغى، فتكلم، وما أقيمت صلاة حرب عند حصن إلا كان ذلك الحصن من يسجد لها، ويسلم
إلى أن أقوت ربوعهم، وصبت على مثل جمر الغضا ضلوعهم. وأخذناهم أخذاَ وبيلاً، وأوردناهم مهاوي المهالك، وساءت سبيلاً، وخسرت صفقة غدوهم وتراوحهم وتحللت أعقد أجسامهم من أرواحهم، ووجدوا من أنفسهم حداً كليلاً، وجداً عثورا، وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً، وملكناها بالأمان وهو في المعنى بالسيف، وهجمناها هجوم الطيف، وكانت هي الني قد بقيت للأسبتار رحلة شتائهم وصيفهم، فلم يبق لهم رحلة شتاء ولا صيف، وسطرنا هذه البشرى والحرب قد وضعت أوزارها، والنفوس قد قضت منهم أوطارها، والبلاء قد دهم بلادهم وأقطارها، والعلم يبني على العلم، والسيف يملي على القلم، والثغر قد جدد على أيدينا إسلامه، وأبدلنا بعد قطوبه ابتسامه، والدهر لمن عادانا عادى، ولمن ولانا والى، وسيوفنا قد أصبحت مفاتح المعاقل، فإذا ملكناها عادت لها أقفالاً، والبشائر مخترقة الأمصار، والعساكر التي هجرت أوطانها، ونصرة الله قد كتبت من المهاجرين والأنصار ". إلى أن أقوت ربوعهم، وصبت على مثل جمر الغضا ضلوعهم.
وأخذناهم أخذاَ وبيلاً، وأوردناهم مهاوي المهالك، وساءت سبيلاً، وخسرت صفقة غدوهم وتراوحهم وتحللت أعقد أجسامهم من أرواحهم، ووجدوا من أنفسهم حداً كليلاً، وجداً عثورا، وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً، وملكناها بالأمان وهو في المعنى بالسيف، وهجمناها هجوم الطيف، وكانت هي الني قد بقيت للأسبتار رحلة شتائهم وصيفهم، فلم يبق لهم رحلة شتاء ولا صيف، وسطرنا هذه البشرى والحرب قد وضعت أوزارها، والنفوس قد قضت منهم أوطارها، والبلاء قد دهم بلادهم وأقطارها، والعلم يبني على العلم، والسيف يملي على القلم، والثغر قد جدد على أيدينا إسلامه، وأبدلنا بعد قطوبه ابتسامه، والدهر لمن عادانا عادى، ولمن ولانا والى، وسيوفنا قد أصبحت مفاتح المعاقل، فإذا ملكناها عادت لها أقفالاً، والبشائر مخترقة الأمصار، والعساكر التي هجرت أوطانها، ونصرة الله قد كتبت من المهاجرين والأنصار ".
وكتب الأمير حسام الدين لاجين رحمه الله نائب السلطنة بالشام إذ ذاك كتاباً إلى الملك الصالح علاء الدين علي ابن السلطان الملك المنصور رحمهما الله تعالى يهنئه بفتح المرقب، وهو من إنشاء المولى شهاب الدين محمود كاتب الدرج رحمهما الله تعالى من مضمونه:
" لا زالت آيات النصر تتلى على سمعه من صحف البشائر. ونفائس الظفر تجلى على سره في أسعد طالع، وأيمن طائر، وفواتح الفتح تملى لديه بما تزهى به الأسرة، وتزهر بنوره المنابر. ومحكمات التأبيد تنهي إليه بما يحد
مثل الدجى عليه سواد المحابر. وينهي أنه سطرها والنصر قد لمعت بوارقه. ونصب بعد النصب على فرق الفرقد سرادقه. والظفر قد أسفر على الفتح المبين صباحه، والتأييد وقد طار به محلق البشائر، فخفق في الخافقين جناحه، والإسلام وقد وطئ هام الكفر بقدمه، والدين وقد عز بفتكات سيفه، فأنف أن يكون الشرك من خدمه، والأفلاك وقد علم أن لهذا الفتح افترقت كواكبها، والأملاك قد نزلت لتشهد أخت النصرة البدرية في صفوفها ومواكبها، وحصن المركب وقد ألفت عليه الملة الإسلامية أشعر سعدها، وأنجزت الأقدار التي ذللته الإسلام أن يتطاول إليه يد الحوادث من بعدها، وقد أحاطت العلوم الشريفة بأن هذا الحصن طالما سحت الأحلام أن تخيل فتحه لمن سلف في المنام، فما حدثت الملوك أنفسها بقصده إلا وتناهى الخجل، ولا خطبته ببذل النفس والنفائس إلا وكانت من روعة الحرمان على وجل، وحوله من الجبال كل شامخ بنهيب عقاب الجو قطع عقابه، ولفف الرياح حسرى دون التوقل في هضابه، ومن الأولى به خنادق لا تعلم منها الشهور إلا بأنصافها، ولا تعرف فيه الأهلة إلا بأوصافها، وهو مع ذلك قد تفرط بالنجوم، وتفرطق بالغيوم، وسما فرعه إلى السماء ورسا أصله في النجوم، تخال الشمس إذا علت أنها تنتقل في أبراجه، ويظن من سها إلى السها أنه ذبالة في سراجه، فكم ذي جيوش قد أمات بعضه، وذي سطوات أعمل الحيل على رؤيته، فلم يفز من نظره على البعيد بغرضه، ولا يعلوه من الطير سوى نسر الفلك ومرزمه. ولا يرمق متبرجات أبراجه غير
عين شمسه، والمقل التي تطرق من أنجمه، وقد نصبت عليه من المجانيق ما سهامه أقتل من سهام الجفون، وخطراته أسرع من لحظات العيون، لا يخاطب إلا بواسطة رسله الصم الصلاب، ولا يرى لسان سهمه إلا كما يرى خطفات البرق إذا تألق في علو السحاب، فنزلت عليه الجيوش المنصورة نزول القضاء، وصدمته بهممها التي تستعير فيها الصوارم سرعة لمضاء وروعة الانتضاء، فنظرت منا حصناً قد رد عليه الجو جيب غمامه، وافتر بعزة، كلما حذر عليه البرق، فاضل لثامه، فذللت صعابه، وسهلت عقابه، وركزت الخبويات في سفحه، وطالما رامت الطير أدناه، فلم يقومها القوادم، وكم همت العواصف أن تبتسم رباه، فأصبحت محلقة تبكي عليها الغمائم، فعاد مصفحاً بصفاحها مشرفا بما علا من أسنة رماحها، وأرسلت إلى أرجائها ما أربى على العمائم، وزاد في لفحه على السمائم. وكان بها مثل الجنوب فأصبحت. ومن حيث القتلى عليها تمائم. ونصبت أمامه المجانيق المنصورة، فلم ترع حق حسبها، وسطت على نظائرها، فأصبح غدها في التحامل أبعد من أمسها، واستنهضها العدى، وأعلمتهم أنها لا تطيق الدفاع عن غيرها، بعد أن عجزت عن نفسها، وبسطت أكفها أمارة على الإذعان، ورفعت أصابعها، إما إجابة إلى بذل التشهد، وإما إنابة إلى طلب الأمان، فخوفوا من ظهور هذا الاستظهار، وعلموا أن المجانيق المنصورة فحول لا تثبت لها الإناث التي عريت من النفع بأيديهم، واستعانوا عليهم مع الغرى بطول الحذار، فعند ذلك غدت تكمن كمون الأوساد، ووثبت
وثبات الأسود، وتبارى بها الحصن السماء، فكلما قذفت هذه بكواكبها الزهر، قذف هذا بكواكبه السود، ولم يكسر له منجنيق إلا نصبوا عشراً مكانه، ولا قطعت لأحدها إصبع إلا ومد لآخر بنانه، فتطلب بتجارب مثل الكماة، وتتحايل تحايل الرماة، حتى فتحت وفسحت الرحال مجالاً، ونالت ونيل منها، وكذلك الحرب تكون سجالاً، هذا، والنقوب قد دبت في بواطنه دبيب السقام، وتمشت في مفاصله كما يتمشى في مفاصل شاربها المدام، وحشت أخالعه ناراً تشبه نار الهوى تحرق الاحشاء ولا يبدو لها ضرام فقد أحل من حلة الوجل، وتحققوا حلول الأجل، وأيقن الحصن بالانتظام في سلك ممالك الإسلام، وكاد يرقصه ممن فيه فرط الجدل. وزاد شوقه إلى التشريف بوسمها، وما صبا به مشتاق على أمل اللقاء كمشتاق بلا أمل، لكنهم أظهروا الجلد. وأحفظوا إضرام نار الكمد. وكيف يخفى وقد انحلوا في أشراك إشراكهم، لعلمهم أنه لا مقاض من يد أهل التوحيد لأهل الأحد، وتدفقت إليهم الجيوش المنصورة، فملأت الأفق، وأحاطت بهم إحاطة الطوق
بالعنق، ونهضت إليهم مسندة من عزمات سلطانها، مستعدة لانتزاح أرواح العدى على يدها من أوطانها، فانقطعت بهم الظنون. ودارت عليهم رحى المنون. وأمطرت عليهم المجانيق أحجارها، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعلمون، لمن بها من اللهب تلك الأحجار، فهدمت العمائر والأعمار، وأجرت في نواحيها أنهار الدماء، فهلكوا بالسيف والسيل والنار. ولما ركب مولانا السلطان خلد الله ملكه وسلطانه لأول الزحف في جيوشه الذي كاثرت البحر بأمواجه، وسقت العدى على ربها بالخوف كؤوساً أو من أجاجه. تزلزلت الحصن لشدة ركضه، وتضعضع من خوف غضبه، فلحقت سماؤه بأرضه، وتحللت قواعد ما شيد من أركانه، فانحلت وانشقت سماؤه من الجزع، فألقت الأرض ما فيها وتخلت، مشت النار من تحتهم وهم لا يشعرون، ونفخ في الصور بل في السور فإذا هم قيام ينظرون، وما كان إلا أن قابل مولانا السلطان خلد الله سلطانه ما شمخ من أبراجه حتى أهوى يلثم بين يديه التراب، وتأدب بآداب الطاعة حين نظرت إليه، فخر راكعاً وأناب. فهاجمهم الجيوش المنصورة مهاجمة الحتوف، وأسرعت المصاف الابتضاء، فلم يدر العدو أهم أم الذي في أيديهم السيوف، فحل بهم الذل ونزل، وخافوا فتكات تلك السيوف التي تسبق العذل، وثبت من لم يجد وراءه مجالاً، وهو يقول: مكره أخوك لا تبطل. فلجأوا إلى الأمان، وتمسك ذل كفرهم بعد الإيمان، تشبثوا بساحل العفو حين ظنوا أنهم أحيط بهم، وجاءهم الموج من كل مكان، فسألوا أن يكون العفو مولانا السلطان من بعض الصنائع، وتضرعوا في أن يجعل أرواحهم لسيوفه من جملة الودائع، فتصدق عليهم بنفوسهم كرماً، وظلوا على معنى الخير المأثور يرون الموت يقظة، والحياة حلماً، وأطلقتهم اليد التي لا يخيب لديها الأمل، وأعتقتهم اليمنى التي فجاج الأرض قبضتها، فمتى يشاء تجمع عليهم الأنامل، وخرجوا بنفوس قد تجردت حتى من الأجسام، ومقل طلقت الكرى خوفاً من سيوفه التي تسلها عليهم الأحلام، وسطرت والنضر قد يتسنم أعلاها، وشعر الإيمان قد جردها من وحشة لباس الكفر وأعرارها، والأعلام المتصورة قد سلكت إلى ذلك الترقب أعلى ترقي، والسعادة قد بدلت بيعه مساجد، ومحاريبه قبلة، وكانت شرفاً فأصبح يرفل في حلل الإيمان، وأذعن بالطاعة، فأجرس جرس الحرس به صوت الأذان، وعاد سهماً مسدداً في كنانة الإسلام، ودراً منضداً في عقد المملكة فحسن به فتم النظام، لا يسلك البحر طاغ إلا ويقذفه الموج إليه، لا يختلس أكبر باغ إلا " و " توقعه ضيق مسالكه في يديه، فهو أحسن من إرم، وأوضح من علم، وأنكى في الإصابة على البعد من السهم الذي أصاب وراميه بذي سلم، فيأخذ مولانا حظه من هذا النصر الذي هو إليه وأن بعد منسوب، والفتح الذي عددت الفتوح على كثرتها فهو بجميعها محسوب ". بالعنق، ونهضت إليهم مسندة من عزمات سلطانها، مستعدة لانتزاح أرواح العدى على يدها من أوطانها، فانقطعت بهم الظنون. ودارت عليهم رحى المنون. وأمطرت عليهم المجانيق أحجارها، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعلمون، لمن بها من اللهب تلك الأحجار، فهدمت العمائر والأعمار، وأجرت في نواحيها أنهار الدماء، فهلكوا بالسيف والسيل والنار. ولما ركب مولانا السلطان خلد الله
ملكه وسلطانه لأول الزحف في جيوشه الذي كاثرت البحر بأمواجه، وسقت العدى على ربها بالخوف كؤوساً أو من أجاجه. تزلزلت الحصن لشدة ركضه، وتضعضع من خوف غضبه، فلحقت سماؤه بأرضه، وتحللت قواعد ما شيد من أركانه، فانحلت وانشقت سماؤه من الجزع، فألقت الأرض ما فيها وتخلت، مشت النار من تحتهم وهم لا يشعرون، ونفخ في الصور بل في السور فإذا هم قيام ينظرون، وما كان إلا أن قابل مولانا السلطان خلد الله سلطانه ما شمخ من أبراجه حتى أهوى يلثم بين يديه التراب، وتأدب بآداب الطاعة حين نظرت إليه، فخر راكعاً وأناب. فهاجمهم الجيوش المنصورة مهاجمة الحتوف، وأسرعت المصاف الابتضاء، فلم يدر العدو أهم أم الذي في أيديهم السيوف، فحل بهم الذل ونزل، وخافوا فتكات تلك السيوف التي تسبق العذل، وثبت من لم يجد وراءه مجالاً، وهو يقول: مكره أخوك لا تبطل. فلجأوا إلى الأمان، وتمسك ذل كفرهم بعد الإيمان، تشبثوا بساحل العفو حين ظنوا أنهم أحيط بهم، وجاءهم الموج من كل مكان، فسألوا أن يكون العفو مولانا السلطان من بعض الصنائع، وتضرعوا في أن يجعل أرواحهم لسيوفه من جملة الودائع، فتصدق عليهم بنفوسهم كرماً، وظلوا على معنى الخير المأثور يرون الموت يقظة، والحياة حلماً، وأطلقتهم اليد التي لا يخيب
لديها الأمل، وأعتقتهم اليمنى التي فجاج الأرض قبضتها، فمتى يشاء تجمع عليهم الأنامل، وخرجوا بنفوس قد تجردت حتى من الأجسام، ومقل طلقت الكرى خوفاً من سيوفه التي تسلها عليهم الأحلام، وسطرت والنضر قد يتسنم أعلاها، وشعر الإيمان قد جردها من وحشة لباس الكفر وأعرارها، والأعلام المتصورة قد سلكت إلى ذلك الترقب أعلى ترقي، والسعادة قد بدلت بيعه مساجد، ومحاريبه قبلة، وكانت شرفاً فأصبح يرفل في حلل الإيمان، وأذعن بالطاعة، فأجرس جرس الحرس به صوت الأذان، وعاد سهماً مسدداً في كنانة الإسلام، ودراً منضداً في عقد المملكة فحسن به فتم النظام، لا يسلك البحر طاغ إلا ويقذفه الموج إليه، لا يختلس أكبر باغ إلا " و " توقعه ضيق مسالكه في يديه، فهو أحسن من إرم، وأوضح من علم، وأنكى في الإصابة على البعد من السهم الذي أصاب وراميه بذي سلم، فيأخذ مولانا حظه من هذا النصر الذي هو إليه وأن بعد منسوب، والفتح الذي عددت الفتوح على كثرتها فهو بجميعها محسوب ".
وكتب المولى كمال الدين أحمد بن العطار عن الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة إذ ذاك بالشام إلى الأمير علم الدين الشجاعي يهنئه بالفتح المذكور، يقول:
" نصر من الله وفتح قريب. يسره الله بعزائم الجناب العالي. لا زالت عزائمه تسهل من النصر مراداً. وهممه تفسح من الفتح مراداً. وسطوته تستأصل من الأعداء مراداً. ومسامعه الكريمة تستعذب معاداً من حديث
البشائر إذا كان معاداً معاذاً، قد أحاط العلم الكريم بالحركة المباركة، والنزول على المرقب الذي كم تحته من مربأ زاد علوه على علو الرصد، و " ما " حل أحد بواديه، ورام رؤية الهلال في مغربه، والشمس في مشرقه إلا وصده عما قصد، فما ترى الهلال منه إلا بدار، ولا تشاهد الشمس المنيرة إلا ظهراً، ونازلنا منه القلعة التي مسامت السماء، فزاحمت البروج منها البروج، وحلت الجوزاء لسوارها المحكمة، متى اتصلت بدناءتها بمنازل الكوكب، وما لها من خروج، وإذا رام القطر سقا أهلها، عرج عن قصد النزول، وأخذ في تعاريج العروج، ولربما حاول منازلتها من تقدم من الملوك، فصده عنها قسى الرعود، ونبل الوبل، وأسوار الثلوج، وأرخت السماء عز اليها على جيشه وحال بينهما الموج فكان من المغرقين، والتفت عليها أشجارها فبات من المدبقين، وأصبح من الموبقين وعادت كل من قصد الصعود إليها يمشي على أربع بعد أن كان يمشي على رجلين، وردته عقابه ناكصاً على عقبيه، وكان يحجل في حجلين، فاستدارت عليها جنوباتنا، فشاهدنا منها منطقة البروج، واستجنت بها الجيوش من سهام الجروح، فأبقت كل سريع الخروج عن بدناتها إلى الأبدان سريع الولوج، وقامت المجانيق بسفراء من الحجارة عن السهام، وأشارت إليها بأصابع كفوفها بالانتقال عن ذل الكفر إلى عز الإسلام، وفي أول الحال عجل منجنيق الواحد كسر منجنيقهم الثلاثة، ونقلن من صورة الحال بسرعة، نصر الواحد على من يدين بالثلاثة، ولم تزل مناجيقنا ترقى القلعة بحجارة
تطيل محلقة نحوها كالطيور، وتعلو نسور أحجارها طالبة قبة قلتها، والجبال الشاهقة، وكون النسور، فما رميت حجراً إلا أثرتها أثراً، ولا راجعتها ضرباً إلا أسمع وأرى بظاهرها وباطنها ندباً، لكنها على مراجعة الحرب، ومعاودة الضرب، كأنه تضرب من حجارة أسوارها في حديد بارد، وهي وإن لم تكن حديداً، فإنها حجارة حديدة لا تعمل فيها المعاول، ولا تؤثر فيها المبارد إلا أن نوازلها مصيبة فيها نازلة، وأما أشبه سهامها بسهام العيون يقضي بالمنون، ولا تفارق الجفون، أو بالنجوم في الرجوم تصيب وهي بمكانها المعلوم، ودامت ذمة حسناتها مطالبة المحاصرة بما في يدها للملة الإسلامية من الاعتصاب والفرض، والنقابة تعمل من خوارجها في داخل بنيانها عمل الخلد في الأرض حتى أخلد الله الأرض، وتقضت النقوب نظام أساساتها فانحلت، وألقيت النار في أحشائها، فألقت ما فيها وتخلت، هذا، والمجانيق منا ومنهم تارة وتارة، وأكفها ترمي من النفط أصابعها بشرر كالقصر، وقودها الناس والحجارة، إلى أن تمكن الهد من أحد أبراجها، فهدم بناءه المنظم، ولما أراد جداره ينقض، سارع إلى تقبيل الأرض، وبادر إلى الخدمة فسلم، وزحفت عليها الجيوش المنصورة من جوانبها، وأحاطت بها إحاطة الأغماد بقواضبها، وضمتها ضم الأطواق للأعناق، وأطبقت بها إطباق الجفون على الأحداق، إلا أن الله سبحانه وتعالى سهل أمرها، وأول الإسلام كفرها، وسلط المجانيق المسلمة على المجانيق الكافرة، فكفى المؤمنين شرها، فلم يزل كل منها يرميهم بأحجاره. حتى استنزلهم على
اختياره. وسألوا الإجارة من الحجارة. وطلبوا الأمان من الإيمان. وأذعنوا بالاستسلام إلى الإسلام. وكتابنا هذا، وقد علت على قلعتها أعلام الإيمان، وصرح بها إعلان الأذان، ورمى بالحرس رجس الحرس، وأذهب ظهر الإيمان منها جرس النجس، واقترب عن فتحها ثغور الأيام، وغدت مغلقة بمسك المداد أصداغ الأقلام، فيأخذ حظه من هذه البشرى التي شرحت للإسلام صدراً، وجددت لكل صباح من تباشيره بشراً، وخلدت لأيام هذه الدولة فخراً، يبدو في صبيحة كل نهار فجراً، وهذا الفتح المبين وإن لم يكن الجناب من حضار حصارها ولا تضمخ درعه بردعه، ولا تمسك ذيله بعثاره، فإنه مجهز جيش كتائبه التي فتح الله على يدها، وأجراها من النضرة على جميل عوائدها، فله أجر الغازي وهو المقيم، والسهم إذ أصاب الغرض فراميه المصيب وهو بمكانه لا يريم ".
وقال المولى شهاب الدين محمود كاتب الدرج بدمشق يذكر فتح المرقب ويذكر قصيدة يمدح السلطان الملك المنصور قلاوون رحمه الله تعالى:
الله أكبر هذا النصر والظفر
…
هذا هو الفتح لا ما يزعم السير
هذا الذي كادت الآمال إن طمحت
…
إلى الكواكب ترجوه وتنتظر
فانهض وسر واملك الدنيا فقد نحلت
…
شوقاً منابرها وارتاحت السرر
كم رام قبلك هذا الحصن من ملك
…
فطال عنه وما في باعه قصر
وكيف يمنحه الأيام مملكة
…
كانت لدولتك الغراء تدخر
وكيف يسمو إليها من تأخر عن
…
إسعاده متحد إلى القدر والقدر
غر العدى منك حلم تحته همم
…
لأشقر البرق من تحجيلها عرر
لها وإن اشتهت لطف النسيم سرى
…
معنى العواصف لا يبقى ولا يذر
أوردتها المرقب العالي وليس سوى
…
ماء المجرة في أرجائها نهر
كأنه وكأن الجو يكنفه
…
وهم ويمثله في طيها الفكر
يحتال كالغادة العذراء قد نظمت
…
منه مكان الآلي الأنجم الزهر
لها الهلال سوار والسما سنف
…
والقلب قلب وسود الدجى طرر
تعلو الرياح إليه كي تحيط به
…
خبراً وتدنو وما في ضمنها خبر
ويومض البرق يهفو نحوه لدى
…
أدنى رباه ويأتي وهو معتذر
وليس يروي بماء السحب مصعدة
…
إليه من فيه إلا وهو منحدر
.... جنود الله تقدمها
…
ما شك البدر إلا الخوف والحذر
فاستوطأت حزنه واستقربته
…
وكان مكبواً حسيراً دونه البصر
وأضرمت حوله ناراً لها لهب
…
من السيوف ومن نبل الوغا شرر
وألجأته سهام الجمته
…
... فاغتاله القائلان الخضر والخضر
وأمطرته المجانيق التي نشأت
…
ولم يكن قبلها يهمي به المطر
فكان للكسر منها كلما صنعوا
…
من جنسها ولا يدري الهم ما عمر
كأنها ومجانيق الفرنج لها
…
فرائس أسد أظفارها الظفر
وكم شكا الحصن ما يلقى فما كثرت
…
يا قلبها أحديد أنت أم حجر
وللنقوب دبيب في مفاصله
…
تثير سقماً ولا يبدو له أثر
أضحى به مثل صب لا يبين به
…
نار الهوى وهي في الأحشاء تستعر
فحين أدرك فيه ما غرست به
…
منها ولم يبق إلا أن يرى الثمر
ركبت في جندك الأولى إليه ضحى
…
والنصر يتلوك منه جندك الأخر
قد زال
…
تجلى عن قواعده
…
وخر أعلاه نحو الأرض يبتذر
وساخ وانكشفت أفتاره وبدا
…
لديك من مضمرات النصر ما ستروا
فمال يهوى إليهم كل ليث وغى
…
له من البيض ناب والقنا ظفر
كأنهم وهم آساد معركة
…
حمر براثنها عنت لها حمر
فاستصرخوا عمري الفتح واعتصموا
…
بعفوه ورجاه من له عمر
؟ ولاذ بالصفح واستعطى الأمان لهم إحسان يقظان يعفو وهو مقتدر
فجدت حلماً وعلماً أنهم خول
…
في جوزة القتل إن غابوا وإن حضروا
ومن غدا وفجاج الأرض قبضته
…
فهم وإن أطلقوا منه فقد أسروا
فأبرزوا مثل ربات الحجال إذا
…
ما غض أبصارهن الخوف والخفر
وقد علاهم شعار الذعر منك فلو
…
حكمت بأسك في الأروح ما شعروا
وأصبح الحصن غلاً في نحورهم
…
وعلة ما لهم في وردها صدر