الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يكن في أهل ملته من يضاهيه في وقته، وكانت وفاته بالقاهرة يوم الاثنين عاشر المحرم وهو في عشر السبعين، ورتب ولد الأسعد جرجس مكانه، وتضاعفت منزلته، وفعله للخير، ومنافسته في المعروف، وفعل الجميل مع المسلمين بحيث أطلقت الألسن بشكره، والثناء عليه، ثم أسلم فيما بعد.
يعقوب بن غنائم الموفق الساوى. كان حكيماً فاضلاً حاذقاً في الصناعة الطبية، جامعاً للعلوم الحكمية، أتقن صناعة الطب علماً وعملاً، واحتوى على جملتها، لم يكن في زمانه أعرف منه بقوانين الطب ومعرفته، له اليد الطولى فيه، وله تأييد في اجتلاب الصحة، وتحرر في استقراء الأعراض، ومعرفة تامة بالبحث في علم الطب، والتفرد فيه، وله حلقة اشتغال فيه لكل من قصده، وله تصانيف جليلة، منها: شرح الكليات من كتاب القانون لابن سينا، وحل شكوك نجم الدين أحمد بن المفتاح على الكليات، وكتاب المدخل إلى علم المنطق والطبيعي والالهي وغير ذلك، وكانت وفاته يوم السبت في شهر رمضان سنة إحدى وثمانين، وهو دمشقي المولد والوفاة.
السنة الثانية والثمانون وستمائة
استهلت هذه السنة يوم الخميس، والخليفة الامام الحاكم بأمر الله أحمد العباس أمير المؤمنين، وسلطان الديار المصرية، والبلاد الشامية الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي، مقيماً بقلعة الجبل من الديار المصرية.
وفي يوم الأحد سابع وعشرين شهر صفر وصل إلى دمشق
الملك المنصور صاحب حماة، وخرج نائب السلطنة، والموكب للقائه، ونزل بداره داخل باب الفراديس، وعزمه التوجه إلى الديار المصرية.
وفي يوم الاثنين عاشر ربيع الأول فوض إلى الصاحب برهان الدين السنجاري التدريس، والنظر بمدرسة الامام الشافعي رحمه الله بالقرافة الصغرى، ووقف السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب قدس الله روحه بالجامكية، والجراية، والرسوم، الشاهد بها كتاب الوقف على التمام والكمال وهي في كل شهرمن الجامكية أربعون ديناراً معاملة على التدريس، وعشرة دنانير على النظر، والرسوم في كل يوم من الخبز ستون رطلاً بالمصري، ومن الماء الحلو راويتان وهذا المدرسة خلت من مدرس بالكلية من مدة تزيد على ثلاثين سنة، والفقهاء يلازمزن الاشتغال بها، وحضور حلق معيديها فان بها عشرة معيدين، واستمر الحال على ذلك إلى سنة ثمان وسبعين، فرتب التدريس بها في نصف المعلوم المذكور القاضي تقي الدين محمد بن رزين الحموي عند صرفه من القضاء بالديار المصرية، وانتقلت بعد وفاته إلى غيره بالربع من أصل المعلوم، وبقي الامر كذلك إلى يوم تاريخه ففوضت إلى الصاحب برهان الدين المذكور بالمعلوم بكماله.
وفي يوم الجمعة حادي عشرين رجب ولى الخطابة بدمشق جمال الدين عبد الكافي واعتقل قاضي القضاة عز الدين ابن الصائغ رحمه الله تعالى في القلعة، ومنع من صلاة الجمعة بعد أن حضر الجامع لصلاة الجمعة، فأمسك ورسم لقضية برأه الله تعالى منها إدعى عليه أنه أودع حياصة مجوهرة،
وأمور اتفقت عليه، وأثبتت بالزور والبهتان، وتعصب عليه وصرف عن الحكم بسببها، وولى قضاء القضاة بهاء الدين بن الزكي عوضه. وفي يوم الأحد ثالث عشرين رجب شافهه السلطان بالولاية وقعد للحكم، وتطاول أمر القاضي عز الدين، وعقد له مجالس كثيرة إلى العشرين من شهر رمضان أحضر ابن الحموي، والشهاب عازكي الأميني، والعز التبان، فأمر نائب السلطنة أن يركبوا حميراً ويحرضوا، ففعل بهم ذلك بدمشق، وحبس ابن الحموي بعد ذلك في حبس باب الصغير، بقي فيه يومين، وشفع فيه، فأطلق وظهر عند بهاء الدين البرزالي إشهاد مثبوت على الحكام ببراءة القاضي عز الدين مما ادعى عليه به، ولم يجسر على إخراجه.
وفي بكرة الأحد حادي عشر شوال ذكر الشيخ شمس الدين الايكي الدرس بالغزالية، وذكر قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي بالمدرسة العادلية الكبيرة بكرة الاثنين ثاني عشره، وحضر عنده أعيان البلد من القضاة والعلماء والفضلاء على اختلاف المذاهب، وذكر الدروس الفائقة، وتصدي لإيراد الأجوبة عليها وبحث بحثه الفائق إلى أن أطرب المسامع بعلومه التي فاق بها الأواخر والأوائل، وأتى بما عجز به الحاضرون.
وفي يوم الخميس منتصف شوال خرج محمل الحاج من دمشق، وأميرهم صارم الدين المطروحي، ودخل الملك المنصور صاحب حماة دمشق من القاهرة يوم الأحد رابع عشر صفر، وتوجه إلى حماة يوم الجمعة
ثاني عشرين منه، ودخل الحاج دمشق في خامس صفر، وأميرهم الطواشي بدر الدين الصوابي.
وفيها توفى: إبراهيم بن جامع بن أبي البركات أبو إسحاق القفصي الضرير الامام المقرئ العلامة. كان إماماً فاضلاً، عارفاً بالقراآت، واللغة، والعربية، وله تصانيف كثيرة، أخذها عنه المقرئ أبي الحسن علي بن أحمد بن موسى الجزيري، وسمع منه أبو العلاء الفرضي، وروى عن عمر بن الناقد، وأخته تاج النساء عجيبة، ورحل إلى الشام، ومصر، والاسكندرية، وسمع من شيوخها، ومولده سنة ست وست مائة، وتوفى ببغداد في صفر رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن عثمان أبو إسحاق العدوي. كان من أولاد المشايخ، وله صورة، وصيت وأتباع، وكان حسن الأخلاق، كثير المكارم، لطيف المحاضرة، حسن المذاكرة، جميل الصحبة، لم يجتمع به أحد إلا وانتفع به، وكان من حسنات الدهر من ذوي البيوت الكبيرة، عزيز النفس، كثير المروءة، عنده خير وصلاح وانقطاع بقرية دير ناعش عند ضريح والده الشيخ عثمان بن سادات المشايخ، اجتمع بمشايخ الشام في زمانه، وأخذ عنهم علم الطريق، وتخرج بهم، وكانت له الكرامات الظاهرة،
والأحوال الباهرة، والمناقب المشهورة، وكان خصيصاً بالشيخ تقي الدين الفقيه اليونيني رضي الله عنه يكثر من زيارته ويحبه، وحكى عنه أن شخصاً قرأ عند قبره بعد موته القرآن فغلط فرد عليه من قبره، وهذا مشهور عند أهل قريته، وله غير ذلك، وكانت ولادته سنة إحدى وخمسين وست مائة، ودفن بدير ناعش عند جانب والده رحمهما الله.
أحمد بن حجي بن يزيد البرمكي الأمير شهاب الدين أمير آل مراء. وهو من الفرسان المشهورين، والشجعان المذكورين، كانت سراياه تغار إلى أقصى نجد، وبلاد الحجاز، ويودون له الخفر، وكذلك صاحب المدينة الشريفة النبوية يؤدي له القطيعة، وله المنزلة العالية عند الملك الظاهر والملك المنصور وغيرهما من الملوك يدارونه، ويتقون شره، ويزعم أنه من نسل جعفر بن يحيى البرمكي المشهور، وكان كتب إلى عيسى ابن مهنا كتاباً، وأغلظ له فيه، وكان عنده المولى شهاب الدين أحمد بن غانم، فسأله المجاوبة عنه، فكتب عنه إليه يقول:
زعموا أنا هجونا جمعهم كذبوا
…
فيما ادعوه وافتروا بالأدعياء
إنما قلنا مقالاً لا كقول السفهاء
…
آل فضل آل فضل أنتم آل مراء
فوقع ذلك عنده بموقع شديد وغضب.
إسماعيل بن أبي عبد الله بن حماد أبو الفداء الصالحي العسقلاني. أحد الشيوخ المتدينين والرواة المكثرين، كان شيخاً صالحاً زاهداً ورعاً، ولد
في حدود سنة خمس وتسعين وخمس مائة، وسمع من حنبل المسند المكثر بمكاله، ومن ابن طبرزد، والكندي، وابن الحرستاني، وحدث، وأجاز له أبو جعفر الصيدلاني وغيره من أصبهان، توفى في ذى القعدة سنة اثنتين وثمانين وست مائة بقاسيون، ودفن به رحمه الله تعالى؟ شرف بن عمر بن أحمد الأصفهاني المعروف بالبلاسي. كان شيخاً صالحاً كريماً، خادماً للفقراء، متصدياً لخدمتهم، عمر قريباً من ثمانين سنة، ومات بالديار المصرية في يوم الاثنين ثاني عشر المحرم، كان قصدها مسترفداً، ودفن قرب قبة الامام الشافعي رحمه الله تعالى.
شرف بن مرى بن حسن بن حسين بن محمد الجذامي النواوي الحاج الصالح والد السيخ محي الدين النواوى، كان من الصالحين، مقتنعاً بالحلال، يزرع له أرضاً يقتات منها هو وأهله. وكان يمون الشيخ محي الدين رحمه الله تعالى منها يرسل له مؤنته وقتاً بوقت، ولا يأكل من عند غير أبيه، لما يعلمه من صلاحه، واستعماله الحلال الخالص، وكان خيراً لا يأكل شيئاً فيه شبهة، ولا يطعم أولاده إلا مما يعرف حله. قال الشيخ الصالح محي الدين يحيى الذهبي، وكان صاحبه: كنت أتردد أنا وأخوالي إلى نوى، وننزل عنده، ويخدمنا خدمة بالغة، فاتفق أن توجهنا إليها في شغل، وأخذنا معنا هدية لبعض الأصحاب، وفضل معنا سلة انجاص، فلما دخلنا بها بيت الحاج شرف، قلت لأخوالي، وقد حضر ولد صغير لولد شرف المذكور: أعطه إياها يداخلها للصغار، فقال له ذلك، فغضب وقال: متى رأيتنا نأكل
هذا أو غيره أو أكلنا من مال أحد شيئاً، وتغير عليه، ولم يقبلها. ولما مات الشيخ محي الدين رحمه الله تعالى خلف كتبه التي صنفها، وغيرها من العلوم الاسلامية مما كتبه بخطه، واشتراه فلم يتعرض والده إليها، وهي تساوي جملة كبيرة، وجعلها عند الشيخ برهان الدين الاسكندري تلميذ الشيخ محي الدين ينفع بها المسلمين، ولم تزل عنده يعيرها لكل من قصد الانتفاع بها، وحصل للناس بها نفع كثير إلى أن مات شرف المذكور، وأولاده الكبار، ولا يتعرض أحد إليها فلما انقرضوا، ولم يبق منهم من له صورة، وافترقوا في سنة تسع وتسعين وست مائة عندما دخل العدو الشام، واحتاجوا إلى بيعها، فحضر من بقي من أولاد شرف، وذلك في سنة سبع مائة إلى التربة الأشرفية، وكانت الكتب في بيت الشيخ برهان الدين، فأخرجت وبيعت بجملة كثيرة، وبلغ ثمنها مبلغاً طائلاً، وتغالى الناس في شرائها، وهم من أثر الخوف، وأخذوا المال، فذهب منهم كله في تلك السنة، ولم يبارك لهم، وأبقوا عندهم من كتب الشيخ بخطه: رياض الصالحين، والأربعين في الأحكام بنوى، لأجل التبرك. وكانت وفاة الحاج شرف يوم الأحد سابع عشر صفر سنة اثنتين وثمانين وست مائة، ودفن بنوى رحمه الله تعالى. وكان قد حج مع والده القدس مراراً، وعادت بركة كل منهما على الآخر رحمهما الله تعالى.
عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية أبو محمد شهاب الدين الحراني الحنبلي.
كان فقيهاً فاضلاً، قدم دمشق بعد استيلاء التتار على حران، واستوطنها إلى أن توفى بها ليلة الأحد سلخ ذى الحجة، ودفن يوم الأحد بمقابر الصوفية، وقد نيف على الستين رحمه الله وهو من بيت العلم، والحديث، والديانة، وله شهرة ببلده، وكان والده مجد الدين عبد السلام من الأعيان، وكذلك غير واحد من أهل بيته رحمهم الله تعالى.
عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة أبو محمد شمس الدين المقدسي الحنبلي، شيخ الاسلام علماً، وزهداً، وورعاً، وديانة، وأمانة، كبير القدر، جم الفضائل، إليه انتهت الرياسة في الفقه، على مذهب الامام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، وشرح كتاب المقنع في الفقه تأليف عمه شيخ الاسلام موفق الدين رحمه الله تعالى. وكانت له اليد الطولى في معرفة الحديث، والأصول، والنحو، وغير ذلك من العلوم الشرعية مع العبادة الكثيرة، واللطف وكرم الأخلاق، ولين الجانب، والاحسان إلى القريب والبعيد، والاحتمال، وولى قضاء القضاة بالشام يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى سنة أربع وستين وست مائة مكرها، وباشر ذلك مدة سنين، ثم عزل نفسه، وامتنع من الحكم، وبقي متوفراً على العبادة، والتدريس، والاشتغال، والتصنيف، وكان أوحد زمانه في تعدد الفضائل، والتفرد بالمحامد، وحج غير مرة، ولو يكن له نظير في خلقه، ورياضته، وما هو عليه، وتمرض أياماً، ثم توفى إلى رحمة الله تعالى ليلة الثلاثاء سلخ ربيع الآخر بمنزله بجبل قاسيون ظاهر دمشق. ودفن يوم الثلاثاء عند قبر والده الشيخ أبي عمر رضي الله عنهما. سمع الكثير وأسمعه، وانتفع به خلق كثير، وكان على
قدم السلف رضي الله عنهم في معظم أحواله، ورثاه غير واحد، فمن رثاه شهاب الدين محمود كاتب الدرج بدمشق، وهو ممن اشتغل عليه، وانتفع به، بقوله:
ما للوجود وقد علاه ظلام
…
أعراه خطب أم عداه مرام
أم قد أصيب بشمسه فغدا فقد
…
لبست عليه حدادها الأيام
لم أدر هل نبذ الظلام نجومه
…
أم حل للفلك الأثير نظام
فلقد تنكرت المعالم واستوى
…
في ناظري الأشراق والأظلام
وذهلت حتى خلت أني ليس لي
…
بعد الفراق سوى الدموع كلام
أترى درى صرف الردى لما رمى
…
أن المصاب بسهمه الاسلام
أو أنه ما خص بالسهم الذي
…
أصمى به دون العراق الشام
سهم يقصد واحداً فغدا وفي
…
كل القلوب لوقعه آلام
ما خلت أن يد المنون لها على
…
شمس المعارف والهدى إقدام
من كان يستسقى بغرة وجهه
…
إن عاد وجه الغيث وهو جهام
وتنير المسرى لسرة فضله
…
فكأنما هي للهدى إعلام
ما خلت أن الدين لولا فقده
…
ممن يروع شربه ويضام
كانت تطيب لنا الحياة بأنه
…
وبقربه فعلى الحياة سلام
كانت ليالينا بنور بقاءه
…
فينا تضيء كأنها أيام
كانت به ترى العيون وتنثني
…
ولها إليه تعطش وأوام
من للعلوم وقد علت وعلت به
…
أضحت تسامى بعده وتسام
من للحديث وكان حافظ سربه
…
من أن يضم إلى الصحاح سقام
وله إذا ذكر العلوم نراتب
…
تسمو فتقصر دونها الأوهام
تروى فيروى كل ذى ظمأ له
…
بحمى الحديث تعلق وهيام
ببديهة في الفضل يقسم من رأى
…
في ذاك شرعاً أنه إلهام
من للقضايا المشكلات إذا ثنت
…
عنها العقول وحارت الأفهام
هل للفتاوى من إذا وافى بها
…
قاضي القضاة وجفت الأقلام
من للمنابر وهو فارسها الذي
…
يحي القلوب به وهن زمام
وله إذا أتم الدروس مواقف
…
مشهودة ما نالهن إمام
يجلى بها صدى القلوب وترتوي
…
منها العقول وتعقل الأحكام
ولديه في علم الكلام جواهر
…
غرر يحير بحسنها النطام
من للزمان وكان طول حياته
…
الليل يحي والهجير يصام
من للعفاة والغباة وهل لهم
…
من بعد في ذاك المقام مقام
كانت لهم منه عواطف مشفق
…
فمضى فيهم من بعده أيتام
لم يخل منهم بابه ولطالما
…
عاينته ولهم عليه زحام
وذوو الحوائج ما أتوه لحادث
…
إلا ونالوا عنده ما راموا
يلقاهم بشر يبشرهم بما
…
قصدوا من الحاجات وهي جسام
من للطريد وهل له من بعده
…
يوماً من الدهر الذميم ذمام
فجعت به الدنيا فإن لم تصف من
…
أكدارها يوماً فليس تلام
فعلام يبقى الطرف فيه بقية
…
أيروم أن يرد الجفون منام
أو أن يصون الدمع كي يطفى الجوى
…
ولناره بين الضلوع ضرام
أو أن يكون ذخيرة هيهات ما
…
لملمة من بعدها إيلام
هذا الذي عفا المضاجع خشية
…
من أن تخيله لنا الأحلام
فعلام تجزع للحوادث ما اشتهت
…
من بعده فلتصنع الأيام
بتنا نودعه وقد جاءته
…
دار السلام تحية وسلام
ويقوم إجلالاً لديه ولم يحل
…
إن الملائكة الكرام قيام
وافته من خلع القبول ملابس
…
شرفت فليس ترى وليس ترام
وسرت إليه من الجنان نسيمة
…
في طيها كلف به وغرام
فليهنه الدار التي لنعيمه
…
فيها إذا زال النعيم دوام
دار له فيها السرور محقق
…
لا كالحياة فان تلك منام
حيا الحياة ذاك الزمان فإنه
…
لملابس بك للمكرمات حتام
وسقى العهاد عهوده فإذا رثت
…
فالدمع إن ظن الغمام غمام
إن كان عاندنا الزمان بفقده
…
فله بمن أبقى لما أنعام
أو غالنا في الشمس وهي منيرة
…
فلقد سخا بالبدر وهو تمام
نجم به ألف الهدى وبنوره
…
عادت وجوه الدهر وهي وسام
أبقى لنا منه الزمان بقية
…
أثنى عليه بتركها الاسلام
شرف القضاء بعلمه وتشرفت
…
بوجوده الأحكام والحكام
وبه علينا الدهر لما أن مضى
…
منا إمام قام منه إمام
درت به ضرع العلوم وأنها
…
لولاه بعد أبيه طال فطام
حسن الزمان به فألقت جيده
…
له ما.... الأعوام
ولكم غدت من زلة وفريضة
…
هدى يقال به وتلك تقام
من دوحة شرفت وكم ضرع بها
…
زاك تأخر عنه وهو إمام
من كان في حجر العلوم وطالما
…
سبق الكهول تقاه وهو غلام
مولاي نجم الدين دعوة من غدا
…
الصبر الجميل عليه وهو حرام
طب عن أبيك فدتك نفسي أنه
…
ولى ولم تعلق به الآثام
فلمثل هذا كان يتعب نفسه
…
الليل ذكر والنهار صيام
لكم الكرامات الجليلات التي
…
لا يستطيع جحودها الأقوام
في وقت دفن أبيك هب نسيمة
…
في طيها كلف به وغرام
إن لم تكن روح الجنان فقبلها
…
ما طابه من لفح الهجير مقام
فاسلم ودم تحي المائر والعلى
…
ما ناح في فرع الاراك حمام
ذكر الشيخ محي الدين النواري رحمه الله تعالى فقال عنه شيخنا الامام العلامة ذو الفنون من أنواع العلوم والمعارف، وصاحب الأخلاق الرضية، والمحاسن واللطائف، أبو الفرج، وأبو محمد عبد الرحمن بن الشيخ الامام أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة، سمع الكثير وأسمعه قديماً في حياة شيوخه، وهو الامام المتفق على إمامته، وبراعته، وورعه، وزهادته، وسيادته، والعلوم الباهرة، والمحاسن المتظاهرة. وذكره الشيخ زكي الدين
أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز الكوري المالكي، فقال: شيخنا شمس الدين ممن يفتخر به دمشق على سائر البلدان، يزهو به عصره على متقدم العصور والأزمان، لما جمع الله تعالى فيه من المناقب، والفضائل، والمكارم. منها التواضع مع عظمته في الصدور وترك التنازع فيما يفضى إلى التشاجر والنفور كانت به صدور المجالس والمحافل. مع ما أمده الله تعالى به من سعة العلم، وفطره عليه من الرأفة، والحلم، ألحق الأصاغر بالأكابر في رواية الحديث. وحكى الشيخ أبو الفضل بدر بن برغارم الشاغوري قطب وقته في زمانه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقول صلى الله عليه وسلم: يا أبا الفضل! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: أبشر بالخير من الله تعالى، فإنك من أهل الجنة؛ فقلت: يا رسول الله! فقلت يا رسول اللهوأصحابي: فقال: وأصحابك أيضاً من أهل الجنة طيب قلبك: فقلت: يا رسول الله فالشيخ شمس الدين خطيب الجبل والشيخ عز الدين؟ ثم قال: يا أبا الفضل! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: قل لهما وبشرهما أنهما من أهل الجنة.
عبد الرحيم بن محمد بن عبد الملك بن عيسى أبو علي المادراني المصري الشافعي شمس الدين بن القاضي كمال الدين أبي حامد بن قاضي القضاة صدر الدين أبي القاسم. مولده بالقاهرة المعزية من الديار المصرية في ثالث عشر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وخمس مائة، وتوفى بالقاهرة بالقرافة الصغرى في خامس شوال من هذه السنة أعني سنة اثنتين وثمانين وست مائة. سمع
جده قاضي القضاة صدر الدين، وأبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن المحلى، وأبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن الثبت، وهو آخر من روى عنهم بالسماع، وسمع أبا بكر بن باقا وغير واحد، وكانت له إجازات عالية من نيسابور، وأصفهان، وبغداد، وغير ذلك، وحدث. ومن نظمه رحمه الله تعالى يقول:
ألقاك بالفقر وبالذل
…
إن لم يكن لي راحماً من لي
إذا أتى الناس بأعمالهم
…
فحاصلي إفلاسي الكلي
فافعل معي ما أنت أهل له
…
فأنت رب الجود والفضل
وارحم لمن في لحده مفرداً
…
خال من الأموال والأهل
جفته أهلوه وأحبابه
…
وقد غدا منصرم الحبل
فالويل لي إن لم تكن راحمي
…
لا عملي ينجي ولا فعلي
علي بن يعقوب بن شجاع بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي زهران أبو الحسن عماد الدين الموصلي الفقيه الشافعي المقرئ المجود. وكان فقيهاً فاضلاً، كرر على الوجيز في بداية اشتغاله، وحفظ الحاوي الصغير في آخر عمره، وله مشاركة في المنطق. والأصول. والخلاف، وكان إماماً مبرزاً في علم القراآت، والتجويد، وانتهت إليه الرياسة في ذلك بدمشق في آخر عمره، وصنف للشاطبية شرحاً يبلغ أربع مجلدات، ولم يكمله، ولا بيضه، وباشر التصدر للاقراء بتربة أم الصالح عماد الدين إسماعيل بن العادل بدمشق
بعد وفاة الشيخ زين الدين الزواوي المقدم ذكره رحمه الله وشرط هذا المكان أن يتولاه أفضل من يوجد في علم القراآت. وتوفى العماد المذكور يوم الأحد سابع عشر صفر بدمشق، ودفن من يومه بمقابر باب الصغير، وهو في عشر الستين ومولده بالموصل رحمه الله، ووالده وجده فاضلان، لهما يد في النظم. قال المبارك بن أبي بكر بن حمدان في كتابه قلائد الجمان: يعقوب بن شجاع الموصلي أخبرني أنه ولد ليلة الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة، وهو شاب من حفاظ القرآن، والمتفقهة، وقرأ من النحو صدراً حسناً، ومن أهل الدين والخير والصلاح رحمه الله تعالى وأنشدني لنفسه:
قلت لما رق حالي
…
وجفاني من أوالي
ورماني الدهر قصداً
…
بسهام ونبال
ودعتني رقة الحال
…
إلى ذل السؤال
لست إلا مستجيراً
…
بك يا رب المعالي
قال وأنشدني لنفسه:
أمولاي محي الدين بادر إلى
…
الوعد الكريم بلا فتور
فلست أفي بشكر يديك عفواً
…
ولو عمرت أعمار النسور
وأنت ذخيرتي ما دمت حياً
…
وأنك عدتي يوم النشور
قال وأنشدني أيضاً لنفسه:
صروف هذا الدهر قد صوبت
…
سهامها نحوي فلم أجزع
لأنني معتمداً إن سطت
…
على إمام بطل افزع
الفارس الكرار يوم الوغى
…
وصاحب الغوث إذا ما دعى
جدك يا محي دين الهدى
…
وحامل الراية في المجمع
يا من إذا ما جئته راغباً
…
رجعت والدنيا جميعاً معي
عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن المطهر بن أبي عصرون أبو الخطاب محي الدين بن قاضي القضاة أبي سعد شرف الدين التميمي الشافعي، كان المذكور يلبس زي الجند في صدر عمره، ثم لبس زي الفقهاء في آخر عمره بعد وفاة أخيه شرف الدين عثمان، وادعى المشاركة في النظر على الأوقاف النورية، ثم أوصى قبل وفاته على ولده شمس الدين محمد بن سلمان ابن جمائل الشافعي سبط الشيخ غانم رحمه الله وتحدث في الأوقاف النورية، وتناول النصيب فيها أسوة من يدعى ذلك، وكانت وفاة المحي عمر المذكور في يوم الاثنين ثالث ذى القعدة بدمشق، ودفن من الغد بسفح قاسيون رحمه الله وقد نيف على سبعين سنة من العمر.
عيسى بن الخضر بن الحسن بن علي شمس الدين الزرزاري المعروف والده بالسنجاري. كان مليح الصورة، حسن الشكل، ناب عن والده برهان الدين في الوزارة، تقلده إياها في سنة ثمان وسبعين، ثم صرف عن ذلك في شهر رمضان سنة تسع وسبعين، وتولى نظر الاحباس بالديار المصرية، وخانقاة سعيد السعداء بالقاهرة، وعندما باشر والده الوزارة في المرة الثانية لم يمكن من استنابته، وباشر تدريس المدرسة المعروفة
بزين التجار بعد وفاة الشريف السلماني مدة، ثم قبض عليه قبل وفاته بمدة، وامتحن محنة شديدة، ثم أفرج عنه، وأقام بطالاً في منزله بالمدرسة المعزية المطلة على النيل إلى أن توفى في سابع وعشرين المحرم، ودفن بالقرافة الصغرى بالتربة المعروفة بهم، ومولده بعد الأربعين وست مائة رحمه الله تعالى.
عيسى بن المظفر بن محمد بن إلياس بن عبد الرحمن الأنصاري المنعوت بعز الدين المعروف بابن الشيرجى. كان من أعيان أهل دمشق، ورؤسائهم، وعدولهم، ولى المناصب الجليلة. وآخرها حسبية دمشق، وكان عنده مكارم، وحسن ملتقى. وعلو همة، ومولده في أواخر سنة ثمان وعشرين وست مائة، وتوفى إلى رحمة الله تعالى بدمشق في رابع عشر رجب، ودفن بمقابر باب الصغير ظاهر مدينة دمشق رحمه الله تعالى.
كشتغدى بن عبد الله علاء الدين المشرفي الظاهري المعروف بأمير مجلس. كان من أعيان الأمراء وأكابرهم بالديار المصرية، وظهر قبل وفاته بمدة يسيرة أنه باق على الرق فاشتراه الملك المنصور سيف الدين قلاوون بجملة من المال ثم أعتقه، وكان شجاعاً بطلاً مقداماً، وله مواقف مشهورة، وتوفى بقلعة الجبل من الديار المصرية، وقد نيف على خمسين سنة من العمر، وحضر جنازته السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون رحمه الله.
محمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد أبو عبد الله شمس الدين المقدسي الشافعي. اشتغل على الشيخ تقي الدين محمد بن رزين وغيره وناب عنه في تدريس
المدرسة الشامية البرانية، ثم تشارك هو والقاضي عز الدين محمد بن عبد القادر في تدريسها ثم اشتغل بها إلى حين وفاته بها، وناب في الحكم بدمشق مدة سنين إلى أن توفى، وكان فقيهاً ديناً مشكور السيرة، سمع، وحدث، وأفتى. توفى يوم الاثنين ثاني عشر ذى القعدة بدمشق، ودفن من يومه ظاهر دمشق بباب كيسان بين باب الصغير، وباب شرقي، وقد نيف على الستين سنة من العمر رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل بن مقلد أبو المعالي علاء الدين الأنصاري الشافعي المعروف بابن الصائغ. كان من العدول وهو أخو قاضي القضاة عز الدين شقيقه، وتولى نظر الأسرى وغيره، وكان فيه أهله، وأمانة، وديانة، وحصل له مرض طال به، وتوفى يوم الأربعاء ثالث عشر ذى القعدة بدمشق، ودفن من يومه بسفح قاسيون، وقد نيف على الستين رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل أبو حامد الأنصاري الشافعي المنعوت بمحي الدين المعروف بابن الحرستاني. كان في حياة والده القاضي عماد الدين أبي الفضل مقيماً بصهيون مدة، ثم قدم دمشق، وولى الخطابة بجامعها بعد والده في سنة اثنتين وستين وست مائة، ودرس بالزاوية الغزالية بجامع دمشق، وكان وافر الديانة، كثير الخير، وفي سمعه ثقل، ودرس بالمدرسة المجاهدية التي بالقرب من النورية بدمشق، وتوفى إلى رحمة الله تعالى بدمشق يوم الأحد ثامن عشر جمادى الآخرة،
ودفن من يومه بسفح قاسيون، ومولده في أحد الربيعين سنة أربع عشرة وست مائة بدمشق رحمه الله تعالى.... حصلت صعقة بساتين دمشق في سنة ست وستين وست مائة، وكان الملك الظاهر قد أوقع الحوطة عليها، نظم محي الدين في ذلك:
لما وقفت على الرياض مسائلاً
…
ما حل بالأغصان والأوراق
قالت أتى زمن الربيع ولم أرى
…
من كان بالمغنى من العشاق
تناشدت أطيارها في دوحها
…
لما أضاء الجو بالاشراق
فتذكرت أيامهم في دوحها
…
لما أضاء الجو بالاشراق
فتذكرت أيامهم فتنفست
…
فأصابها لهب من الاحراق
أبلغهم عني السلام وقل لهم
…
ها قد وفت بالعهد والميثاق
فغدوت أندب ما جرى متأسفاً
…
والدمع يسبقني من الآماق
كان رحمه الله ديناً خيراً ملازم للخير، ولم يعرف له صبوة.
محمد بن محمد بن عباس بن أبي بكر بن جعوان شمس الدين الأنصاري الشافعي النحوي، كان فاضلاً ديناً، اشتغل بالنحو على الشيخ جمال الدين محمد بن مالك رحمه الله وأتقنه. وكان أمثل تلامذته. وسمع الحديث الكثير، وحصل من الفقه طرفاً، وكان له معرفة بالأدب، وله طبع مطاوع في النظم، وتوفى بدمشق ليلة الخميس سادس عشر جمادى الأولى، ودفن يوم الخميس بمقابر باب الصغير رحمه الله تعالى، ومن نظمه يمدح
قاضي القضاة عز الدين ابن الصائغ:
لله در زمان عاد فيه إلى
…
أحكامه العز عز الدين ذو النعم
أبو المفاخر فخر الشام حاكمه
…
قاضي القضاة حليف الجود والكرم
ومن له مثل محي الدين حق له
…
هذا التكني ففيه أفخر الشيم
أكرم بأصل وفرع دام فخرهما
…
ففي علائهما أعلى أولى الهمم
يا ناصر الشرع قد أشبهت قومك في
…
نصر الشريعة والأنصار كالعلم
كفاهم مشرفاً قول الرسول لهم
…
وقوله الحكم في الأنصار في كلم
ملائك الله في تسديد حكمك إذ
…
خطبت للحكم وعداً غير متهم
فالله يبقي لأهل الشام دولتكم
…
ممتعين بها إبقاء ذى سلم
وقال أيضاً وكتب بها إلى أهله من تبوك سنة ست وسبعين وست مائة يقول:
كتبت من تبوك لتسعة
…
مضت بعد عشر في المحرم ولت
وأنى بحمد الله أرجو لقاءكم
…
إذا صفر عشرون منه تبقت
محمد بن محمد بن هبة الله أبو عبد الله عماد الدين الدمشقي الشافعي المعروف بابن الشيرازي. كان رئيساً، عنده فضيلة، ويكتب خطاً منسوباً تفرد به في آخر عمره، وهو من أعيان الدمشقيين، وأماثلهم وأولى الثروة منهم، والوجاهة فيهم، وكان والده القاضي شمس الدين أبو نصر قد ولى نيابة الحكم بدمشق مدة زمانية، وكان من العلماء العارفين بالمذهب، وكان عماد الدين المذكور طلب إلى الديار المصرية، ورتب ناظراً على الأملاك
الظاهرية، والتعلقات السعدية، وذلك في أواخر الدولة الظاهرية بعد وفاة الرئيس مؤيد الدين أسعد ابن القلانسي رحمه الله وبقي على ذلك، فلما كان في شهر صفر ركب من المدينة. وقصد الخروج إلى بستانه بالمزة، فعرض له فالج في الطريق، وهو راكب فركب غلامه من ورائه، وأمسكه حتى أوصله إلى البستان، واستمر به الحال إلى بكرة يوم الاثنين ثامن عشر صفر، فتوفى إلى رحمة الله تعالى ببستانه بالمزة، ودفن من يومه بسفح قاسيون، ومولده في سادس عشر ذى القعدة سنة ست وست مائة في بستان كان لهم بسطرا ظاهر دمشق رحمه الله وإيانا.
محمد بن الحردتكي الشيخ الصالح، الحلبي المولد والمنشأ. كان له قدم راسخ في الفقر، والمجاهدة، وشهرة بين الفقراء في الأقطار، خدمهم في جميع عمره، وأنفق عليهم جميع ما ملكت يده من ميراث والده وغيره، وكان جملة عظيمة، وكان دمث الأخلاق، كثير الصمت والرياضة، محباً للعزلة، وهو من بيت كبير معروف بحلب بالامرة، وكبر القدر، وظهور الثروة. وخرج عن ذلك كله عن قدرة وتمكن، وفرغ منه طالباً لما عند الله تعالى، وخرقته ترجع إلى عند سيدنا محي الدين بن عبد القادر رضي الله عنه، وأقام في آخر عمره بدمشق، وحصل له طرف من فالج، ولازمه إلى حين وفاته، وتوفى إلى رحمة الله تعالى ليلة الأحد ثاني ربيع الأول بالقاعة التي داخل مقصورة الحنفية بالزاوية الشرقية من الحائط الشمالي بجامع دمشق، ودفن يوم الخميس بمقابر الصوفية رحمه الله تعالى، وقد نيف
على ثمانين سنة من العمر، ولم يتخلف عن شهود جنازته أحد من الأعيان، ولا من الفقراء، ولم يخلف شيئاً من الدنيا ألبتة رحمه الله تعالى ورضي عنه.
محمود بن إسماعيل بن معبد أبو الثناء شرف الدين البعلبكي. كان من صدور بعلبك، وأولى الثروة بها، وله قبول عند الحكام، ومكانة عند كثير من الأمراء وغيرهم، وكان يعاني الزراعة في أملاكه، وعنده كرم نفس، وسعة صدر، وتحمل، ومكارمة، وتوفى وهو في عشر الستين، وخلف أولاد نجباء، وكان أوقف في حال صحته وقفاً جيداً على وجوه البر أثابه الله وتقبل منه وكانت وفاته ببعلبك ليلة الأربعاء العشرين من ذى القعدة، ودفن من الغد عند قبر أبيه برثيا ظاهر باب القطاعة رحمه الله وإيانا.
يحيى بن علي بن محمد بن سعيد أبو الفضل محي الدين التميمي المعروف بابن القلانسي الدمشقي المعروف. كان من أعيان الدمشقيين وأماثلهم، سمع الكثير، وأسمع، وتولى المناصب الجليلة، وكان عنده أدب وفضيلة، وله يد في النظم، وبيته مشهور بالرياسة والتقدم، وتوفى إلى رحمة الله تعالى يوم الأربعاء ثامن وعشرين شوال بدمشق، ودفن من يومه بجبل قاسيون. ومولده بدمشق في تاسع جمادى الأولى سنة أربع عشرة وست مائة. ومن شعره لما وقعت الحوطة على بساتين دمشق، وصعقت تلك الصعقة العظيمة التي لم يعهد مثلها، وكان ذلك في شهر أيار من شهور الروم:
يا جلق الخضراء وقيت الردى
…
لم ذا كسوت الدوح ثوب سواد
قالت لقد فارقت أهل مودتي
…
فلبست للهجران ثوب حداد