الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلع النعلين لابن قسى، ويتكلم على شرحه كلاماً مفيداً، وكان شيخنا تاج الدين عبد الرحمن الفزاري رحمه الله تعالى يعظمه، ويجتمع به، ويصفه بالتقدم الراسخ في معرفة طريق القوم. ومولده سنة اثنتي عشرة وست مائة، وكانت وفاته بالمغارة العزيزية بسفح قاسيون ليلة السبت ثالث عشر جمادى الأولى سنة ثمانين وست مائة، وحمل إلى مقابر الصوفية فدفن بها رحمه الله.
السنة الحادية والثمانون وستمائة
استهلت هذه السنة يوم السبت والخليفة والملوك على القاعدة المستقرة في السنة الخالية، والملك المنصور سيف الدين قلاوون مقيم بالديار المصرية.
وفي أوائل هذه السنة ترتب في مملكة التتار مكان ابغا أخوه لأبيه أحمد بن هولاكو وهو مسلم، حسن إسلامه على ما يقال عنه، وعمره يومئذ مقدار ثلاثين سنة، ووردت الأخبار إلى الشام بأن كتبه وأوامره وصلت إلى بغداد تتضمن إظهار شعائر الاسلام، وإقامة مناره وإعلاءكلمة الدين، وبنيان الجوامع، والمساجد، والأوقاف، وتنفيذ بالأحكام الشرعية، والوقوف معها، وتشيد قواعدها، وإلزام أهل الذمة لبس الغيار، وضرب الجزية عليهم، ويقال: إن إسلامه كان في حياة والده هولاكو.
وفي عشية يوم الأحد مستهل صفر قبض الملك المنصور سيف الدين قلاوون على الأمير بدر الدين بيسرى الشمسي، وعلاء الدين كشتغدى الشمسي، واعتقلهما بقلعة الجبل.
وفي يوم الأربعاء عاشره فوض إلى قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله التدريس بالمدرسة الأمينية بدمشق، وذكر الدرس بها يوم الأربعاء ثامن عشره، وكان قد درس بها مدة، ثم انتزعت منه، وأعيدت إليه، وكتب له بها تقليد من إنشاء المولى القاضي شرف الدين بن فضل الله ديوان الانشاء، ومضمونه:
" الحمد لله الذي أقر الحق في نصابه وأعاد الأمر إلى من هو أولى به. ورد الفضل إلى وطنه بعد معاناة اغترابه. ورفع منار العلم للمسترشدين من طلابه. نحمده حمداً نستزيد به النعم، ونستفيد ونسترد به فائت الشكر ونستعيد. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من تيقن شهادته فأداها وأجزى الله المشيئة بتزكية نفسه فأتاها هداها، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم رسله. ونبيه الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام. أئمة الدين وخلفاء الاسلام. الذين سبقوا ونصروا وعلنوا بالاسلام، وصابروا في الله وصبروا. وطلقوا الدنيا وهجروا. ما توج مفرق الصبح من الشمس بتاج. وأمسى لذهب الأصيل الأفق امتزاج. وبعد! فأما الأمور الدينية أولى ما كانت عيون العناية بها متأملة، وركائب الأفكار نحوها متحملة. ليوضع الأشياء في مواضعها. ويقع الأمور في أحسن مواقعها. فلا يقع الاشتباه مع غير الانظار والاشباه. ولا يوضع غير التيجان بمكانها من المفارق والجباه. وإذا رقدت لحظة الخط أو سهت. وتخطت خطوة الخطأ
فما وقفت حيث انتهت أيقظت، تلك العناية الخط من هجوعه. وصدت الخطأ عن قصده، وحكمت عليه برجوعه، فتمسى النجم له استقامة بعد الرجوع. ويصبح وللشمس من بعد الغروب طلوع. ولذلك رسم بالأمير العالي المولولى السلطاني الملكي المنصوري السيفي زاد الله شرفاً، وملأ بمحامده من الأيام صحفا. أن يفوض تدريس المدرسة الأمينية بدمشق المحروسة إلى الجناب العالي المولوي القضائي الأمامي الأوحدي الأفضلي الأرشدي الزاهدي العابدي الورعي الناسكي العلوي العلامي الشمسي ضياء الاسلام صدر الأنام بقية الكرام، علامة العلماء بمصر والعراق والشام، كهف الملة ركن الشريعة شيخ المذاهب مفتي الفرق قدوة العالمين ظهير الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين أحمد بن الشيخ الامام العالم العلامة بهاء الدين بن خلكان ضاعف الله جلاله إذا كان المعنى بهذا المعنى. والأوحد الذي لا نظير له فما يجمع، ولا يتثنى وهو الأولى بأن ينعت بواحد الزمان. والمراد به من مفهوم هذه الخطاب وغيره هو الذي أردناه بقولنا مضى هذا من هذا الباب. لتزين سماء العلوم منها بشمسه المنيرة، ويحتوي صدرها من تصدره بها على حاوي العلوم الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة. وليفوض نظرها إليه فقد حكم له بها الاستحقاق، وأصبحت نظامية الشام لما درس بها، وقد أربت على نظامية العراق، وقد درس بها الشيخ أبو اسحاق. وشهادة فضله الآن مغنية عن فضل امسه. والأخبار عن الماضي من الأمر لا يفتقر إليه والعيان شاهد لنفسه. ومتى احتاج النهار إلى دليل مع طلوع فجره.
وشروق شمسه. والواصف لمناقبه ما عساه أن يورد بين يدي فضائله وسماعه لدرسه. ويوجز ويطنب فلا يخلى ولا يملى، وكيف يمل وتوفيق مفيد العقول عليه تملى. فليقصر في هذا المقام على إفادته. وتحصيل الاكتفاء بابانته. عن تكرر المقال وإعادته. وليباشر ذلك على قاعدته فيه وعادته. والاعتماد على الخط الكريم اعلاه إن شاء الله تعالى ".
كتب في ثالث عشر صفر سنة إحدى وثمانين وست مائة وهذا التقليد من نائب السلطنة بالشام الأمير حسام الدين لاجين رحمه الله.
وفي يوم الأحد سابع صفر دخل الحجاج دمشق في تامه.
وفي يوم الأحد حادي عشر ربيع الآخر ترتب بالديار المصرية نجم الدين المعروف بابن الاصفواني وزيراً عوض برهان الدين السنجاري وباشر الوزارة في التاريخ المذكور وهو من أهل صعيد مصر من بليدة يقال لها اصفون من أعمال قوص، ولم يزل متنقلاً في الخدم والأقطار الكبار، ثم ترقى إلى الوزارة في هذا التاريخ ورفعت يد الأمير علم الدين الشجاعي أحد المماليك الكبار المنصورية عن شد الدواوين بالديار المصرية واستمر على إمرته.
وفي أواخر جمادى الآخرة ترتب بالقاهرة والوجه البحري القاضي شهاب الدين محمد بن القاضي شمس الدين الخوى عوضاً عن القاضي وجيه الدين البهنسي، وانفرد وجيه الدين بقضاء مدينة مصر والوجه القبلي على عادة من تقدمه، وكان شهاب الدين قاضياً بالغربية نيابة عن الحاكم بالقاهرة مدة، ثم أعفى عنها وتوجه إلى حلب حاكماً بها مستقلاً، وأقام بها مدة، ثم
أعفى عنها وتوجه إلى الديار المصرية فأعيد إلى الغربية وأقام بها إلى حين استقلاله بالقاهرة على ما ذكرنا.
وفي ليلة الاثنين حادي وعشرين شهر رجب وصل إلى دمشق رسل من جهة الملك أحمد بن هولاكو ملك التتر قاصدين السلطان، فأنزلوا بدار رضوان بقلعة دمشق. واهتم بأمرهم غاية الاهتمام، وتلقاهم سيف الدين كبك أمير حاجب بجماعة من العسكر إلى حلب فتوجهوا إلى الديار المصرية ليلة الخميس رابع عشرين منه، ومعهم سيف الدين كبك المذكور، وكانت طريقهم على القدس والخليل لقصده الزيارة، ومسيرهم في الليل دون النهار في جميع بلاد المسلمين في المجيء والعود، وهم بهاء الدين أتابك الروم، وشمس الدين بن شرف الدين التبتي وزير صاحب ماردين، وقطب الدين قاضي شيراز، لديه فضيلة تامة في الهيئة وعلوم الأوائل من المعقولات.
وفي ليلة الجمعة حادي عشره دخل الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة بالشام على زوجته ابنة الأمير ركن الدين بيبرس الناصري المعروف بطقصو حملت إليه من الديار المصرية، وكان دخولها عليه بدار السعادة، وعمل عرس عظيم حضره نائب السلطنة المذكور، وسائر الأمراء، والجند، وكثير من العوام، وأحضر فيه المطربون، وعند الفراغ منه أحضر الأمراء ومقدمو الحلقة تقادم جليلة من الخيول والثياب، الأطلس والنسيج، والعتابى وغير ذلك في البقج، والمماليك لابسين عدد الحرب على الخيول المثمنة وغير ذلك، واستمر عرض التقادم من بعد السماط إلى الظهر، ولم يقبل من
ذلك إلا اليسير، وبعد الفراغ من عرضها، ركب إلى دار السعادة.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشرين شعبان طافوا بالكسوة الشريفة التي عملت برسم الكعبة عظمها الله تعالى بمصر والقاهرة على العادة.
وفي ليلة الأحد عاشر رمضان المعظم احترقت اللبادين بدمشق الشمالية بكمالها، وجسر الكتبيين بأسره، وأكثر اللبادين القبلية العلو والسفل من ذلك جميعه، والفوارة والسوق الذي يليها للقماش المعروف بسوق عسا الله، وسقاية جيرون، ووصلت النار إلى الربع الملاصق لحمام الصحن من قبلية، فاحترق بعضه إلى باب درج العجم بوسط جيرون، وإلى جدر المسجد العمري الذي على درج باب الجامع الملاصق لسجن زين العابدين رحمة الله عليه إلى داخل مشهد علي رضوان الله عليه وإلى جدار دار الخشب وخزائن السلاح وإلى الرابع المستجد بجيرون قبالة درب العجم، واحترق أكثره، واحترق من الكتب ما يزيد على ستة آلاف مجلد، ومن عجيب الاتفاق أنه وجد وريقة عتيقة من كتاب وقد احترق أكثرها وبقي فيها مكتوب:
فوض الأمر راضياً
…
جف بالكائن القلم
ليس في الرزق حيلة
…
إنما الرزق بالقسم
ذل رزق الضعيف
…
وهو لحم على وضم
وافتقار الغنى إذ
…
يرهب الأسد في الأجم
إن للخلق خالقاً
…
لا مرد لما حكم
وبالجملة فكان حريقاً عظيماً لم يشهد مثله، وخيف على الجامع منه وكان بداية الحريق بين المغرب والعشاء، والناس على الفطر، واستمرت النار تعمل إلى الثلث الأخير من الليل، وهي في قوة وتزيد، ثم تناقصت وخمد لهبها قبل طلوع الشمس، وكان السبب في إخمادها الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة رحمه الله فإنه لما بلغه خبرها، بطل الفطر وحضر بنفسه وخواصه ومماليكه مسرعاً، وحضر إليه جميع الأمراء ومماليكهم وكثير من الجند، وظهر من اهتمامه في إخمادها ما تضاعفت الأدعية له بسببها، وأقام الدخان يصعد من خلال الأبنية والردوم نحو أسبوع، وتقدم من غد يومه إلى الصاحب محي الدين محمد بن النحاس بعمارة ما احترق، وإعادته إلى ما كان عليه، وندب من جهته مشدا بين يدي الصاحب محي الدين لذلك، وقطعت رواتب الناس كافة على المصالح، وحصل الاهتمام التام من الصاحب محي الدين، فبنى أحسن مما كان، وأتم بالانقاش في مدة قريبة.
وفي ليلة الخميس حادي وعشرين منه وصل إلى دمشق رسل الملك أحمد بن هولاكو من مصر عائدين إلى مخدومهم، ونزلوا بدار رضوان بالقلعة، وسافروا ليلة الأحد رابع عشرين منه إلى بلادهم، ولم يتوجه معهم رسول من جهة الملك المنصور.
وفي يوم عيد النحر وهو يوم الخميس قدم الملك المنصور ناصر الدين محمد صاحب حماة إلى دمشق متوجهاً إلى الديار المصرية إلى خدمة السلطان
الملك المنصور سيف الدين قلاوون، ونزل بداره داخل باب الفراديس، وسافر بعد يومين من مقدمه.
وفي يوم عرفة قبض بدمشق على زين الدين من ذرية الشيخ عيسى ابن أبي البركات، وأبو البركات هو أخو سيدنا عدى بن مسافر رحمة الله عليه، وسير إلى الديار المصرية، وصحبته أميران من أمراء دمشق مقبوض عليهما أيضاً حسبما ورد به مرسوم الملك المنصور سيف الدين قلاوون من الديار المصرية.
وفيها توفى: إبراهيم بن اسماعيل بن يحيى بن علوى أبو اسحاق الدمشقي الملقب بالبرهان المعروف بابن الدرجى المحدث. سمع الكثير وأسمع، وكان بالحجاز الشريف فمرض في عوده بالطريق، وتوفى يوم دخول الحجاج دمشق، وهو يوم الأحد سابع صفر، ودفن من يومه بمقبرة باب الفراديس، ومولده بدمشق يوم الثلاثاء رابع عشر شعبان سنة تسع وتسعين وخمس مائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر بن حسين أبو العباس الأنصاري المقدسي. كان شيخاً كبيراً جليلاً، منقطعاً عن الناس، مشتغلاً بأوراده وأذكاره وتلاوته على قدم السلف، لا يشتغل بما لا يعنيه، ولا يضيع أوقاته في شيء من أمور الدنيا، أجهد نفسه في العبادة والتقلل من الدنيا، وملازمته الورع والزهد، وعدم التطلع إلى مشيخة أو رياسة أو منصب، ربى صغيراً على قدم الانفراد، والتجريد، والعبادة؛ واستمر