الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورأيت في هذا الفصل قوله في (المراسيل):
«إنها ترجيحات لا تقوم الحجة بها، سوى (مرسل سعيد بن المسيب» ).
والشيخ -أدام الله عزه- تبع في إطلاق هذه اللفظة صاحب «التلخيص» .
ولو نظر في رسالتي: «القديمة» ، و «الجديدة» للشافعي رحمه الله، وأبصر شرطه في قبول المراسيل، وتذكر المسائل التي بناها على مراسيل غيره حين اقترن بها الشرط، ولم يجد فيها ما هو أقوى منها -وهو أدام الله توفيقه أعلم بتلك المسائل مني-؛ لقال بسوى مرسل سعيد بن المسيب، ومن كان في مثل حاله من كبار التابعين؛ ليكون قوله موافقاً لجملة قول الشافعي في «الرسالتين» .
ونص قوله في كتاب «الرهن الصغير» حين قيل له: كيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعاً، ولم تقبلوه عن غيره؟
وإنما ترك الشافعي مراسيل من بعد كبار التابعين: كالزهري، ومكحول، والنخعي، ومن في طبقتهم، ورجع به قول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلفوا.
وترك من مراسيل كبار التابعين:
- ما لم يقترن به ما يشده من الأسباب التي ذكرها في كتاب «الرسالة» .
- أو وجد من الحجج ما هو أقوى منها.
- وليس الحسن بن أبي الحسن البصري، ومحمد بن سيرين بدون كثير منهم، وإن كان بعضهم أقوى مرسلاً منهما، أو من أحدهما.
وقد قال الشافعي رحمه الله (بمرسل الحسن) حين اقترن به ما أكده:
قال الشافعي في كتاب «أحكام القرآن» ، في باب «النكاح بالشهود»:
- روي عن الحسن بن أبي الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدلٍ» .».
- ثم قال:
«وهذا، وإن كان منقطعاً دون النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أكثر أهل العلم يقول به.
ويقول:
«وهو ثابت عن ابن عباس وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم» .
فأكد مرسله:
- بقول من انضم إليه من الصحابة رضي الله عنهم.
- وبأن أكثر أهل العلم يقول به.
كما أكد (مرسل ابن المسيب) في (النهي عن بيع اللحم بالحيوان):
وقال (بمرسل الحسن) في كتاب «الصرف» ، في النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان، فيكون له زيادته، وعليه نقصانه:
- فقال:
«ومن باع طعاماً بكيل، فصدقه المشتري بكيله، فلا يجوز» .
- قال:
«وإنما لم أجز هذا؛ لما وصفت من حديث الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم» .
ثم أكده بما ذكره من المعنى.
وقال (بمرسل طاوس اليماني) في كتاب: «الزكاة» ، و «الحج» ، و «الهبة» ، وغير ذلك.
وبمرسل: عروة بن الزبير، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، وسليمان بن يسار، وابن سيرين، وغيرهم من كبار التابعين، في مواضع من كتبه، حين اقترن به ما أكده، ولم يجد ما هو أقوى منه.
وترك عليهم من مراسيلهم ما لم يجد معه ما يؤكده، أو وجد ما هو أقوى منه؛ كما لم يقل:
- بمرسل سعيد بن المسيب حيث روى عنه -بإسناد صحيح-:
«أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر مدين من حنطةٍ» .
- ولا بمرسله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لا بأس بالتولية في الطعام قبل أن يستوفي، ولا بأس بالشرك في الطعام قبل أن يستوفي» .
- ولا بمرسله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«دية كل ذي عهد [في عهده] ألف دينار» .
- ولا بمرسله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
- ولا بسائر ما روي عنه من مراسيله التي لم يقترن بها من الأسباب -التي ذكرها الشافعي في «الرسالتين» جميعاً- ما يشدها، أو وجد في معارضتها ما هو أقوى منها.
وإذا كان الأمر على هذا؛ فتخصيص مرسل ابن المسيب بالقبول دون من كان في مثل حاله من كبار التابعين، على أصل الشافعي، لا معنى له، والله أعلم.
ورأيته نقل فيما أملاه عن كتاب «اختلاف مالك والشافعي» في ترجيح قول الأئمة على قول غيرهم من الصحابة:
وفي النسخة المسموعة عندنا: «أنه عدهم في «الكتاب» ثلاثة».
ثم في «الرسالة القديمة» ذكرهم في موضعين؛ فعدهم:
- في أحد الموضعين ثلاثة.
- وفي الموضع الآخر أربعة.
وصاحب «التلخيص» غفل عن الموضع الذي عدهم فيه من كتاب «القديم» أربعة.
هذا، وقد طالت الرسالة، وعساه تأخذه الملالة من قراءتها، فقطعتها، واقتصرت على ما أودعتها.
ولولا:
- رغبة أكثر البشر في إظهار شيء مما عندهم من العلم للناس على العموم، ثم لإمامٍ مثله على الخصوص.
- وورود الأثر بها عن عمر وابن عمر رضي الله عنهما في قصة النخلة.
- ثم ما عرفته من رغبة الشيخ -أدام الله توفيقه- في علم الحديث وميله إلى أهله.
- ثم حرصي على أن يكون رواية ما يرويه، وحكاية ما يحكيه في كتبه، لائقةً بسائر علومه.
لما صدعته بها مع كثرة أوراده في ليله ونهاره.
والاعتماد على كثير فضله، وكمال عقله، في حمله الأمر فيها على أجمله، فهو أهل ذلك فيها ومستحقه.
والله يؤيده ويوفقه، وعن جميع [المكاره] في الدنيا والآخرة يقيه ويحفظه!
والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.