الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في تفسير أصول الفقه
شرع المؤلف رحمه الله تعالى في بيان أصول الفقه (1)، وإنما قدم هذا الفصل على ما بعده من الفصول؛ لأنه لما أراد الشروع في علم (2) الأصول نظر إلى أن تصور معنى (3) هذا العلم أسبق بالتعريف من الشروع في أحكامه؛ لأن الكلام على الشيء ثان عن تصوره.
و (4) اعلم أن قولهم: أصول الفقه له تفسيران:
تفسير (5) باعتبار الإفراد.
وتفسير باعتبار التركيب.
(1) انظر تعريف أصول الفقه في: المعتمد لأبي الحسين البصري 1/ 4، 5، البرهان 1/ 84، 85، اللمع في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي مع تخريج أحاديث اللمع للحسيني ص 51 - 53، العدة لأبي يعلى 1/ 67 - 70، المنخول ص 4، 5، المحصول ج 1 ق 1 (ص 91 - 95)، الإحكام للآمدي (1/ 5 - 7)، شرح العضد على مختصر المنتهى (1/ 18)، شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 15، الإبهاج شرح المنهاج (1/ 19)، شرح المحلي على متن جمع الجوامع (1/ 30)، تيسير التحرير (1/ 8 - 18)، التلويح على التوضيح 1/ 34، إرشاد الفحول ص 3، 4.
(2)
"علم" ساقطة من ز.
(3)
"معنى" ساقطة من ط.
(4)
"الواو" ساقطة من ز.
(5)
"تفسير" ساقطة من ط.
ففسره المؤلف ها هنا باعتبار الإفراد؛ لأنه فسر الأصول على حدتها [وفسر الفقه على حدته](1)، وفسره غيره باعتبار التركيب، أي باعتبار كونه اسمًا علمًا على فن معلوم.
وفسره ابن الحاجب بالاعتبارين معًا؛ لأنه فسره أولاً (2) باعتبار التركيب، وفسره ثانيًا باعتبار الإفراد (3)، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قوله (4): (فأصل الشيء ما منه الشيء لغة، ورجحانه ودليله (5) اصطلاحًا (6)).
ذكر المؤلف ها هنا للأصل ثلاثة معان: واحد لغوي، واثنان اصطلاحيان (7).
فقوله (8): (فأصل (9) الشيء: ما منه الشيء) (10) الألف واللام في الشيء
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.
(2)
"أولاً" ساقطة من ز.
(3)
قال ابن الحاجب: أما حده لقبًا: فالعلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية.
وأما حده مضافًا فالأصول: الأدلة، والفقه: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال.
انظر: مختصر المنتهى لابن الحاجب المطبوع مع شرح العضد (1/ 18).
(4)
في ط: "نص".
(5)
في أوخ وش: "أو دليله".
(6)
في ط: "إصلاحًا" وهو تصحيف.
(7)
في ز: "اصطلاحان".
(8)
"فقوله" ساقطة من ط.
(9)
في ط: "وأصل".
(10)
في ز: "الشيء لغة".
الثاني (1) للحوالة على الشيء الأول، وهو من باب إيقاع الظاهر موقع المضمر كقوله تعالى:{وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (2).
وقوله (3): (ما منه)(4)"ما" موصولة بمعنى: الذي، ومن لابتداء الغاية معناه: أصل الشيء هو: الشيء (5) الذي ينشأ (6) منه (7).
مثاله (8): أصل السنبلة البرة؛ لأن السنبلة أصل نشأتها البرة.
ومثاله أيضًا: أصل النخلة النواة؛ لأن النخلة إنما تنشأت (9) من النواة.
ومثاله أيضًا: أصل الإنسان النطفة؛ لأن الإنسان أصل نشأته النطفة.
و (10) قوله (11)(ما منه) هذا المجرور متعلق بمحذوف تقديره: ما تنشأ (12) منه، أو ما تكون منه، أو ما تولد منه.
وقوله (13): (لغة) مصدر مؤكد لغيره رافع للإبهام (14) الذي في الأصل؛
(1)"الثاني" ساقطة من ز.
(2)
سورة إبراهيم، آية رقم 27.
(3)
"وقوله" ساقطة من ط.
(4)
المثبت بين القوسين من ز، وفي الأصل:"وقوله: "ما" موصولة" وفي ط: "ما منه موصولة".
(5)
"الشيء" ساقطة من ط.
(6)
المثبت من ز، وفي الأصل:"تنشأ".
(7)
في ط: "عنه".
(8)
في ز: "مثاله قولك".
(9)
في ز: "تنشأ"، وفي ط:"نشأت".
(10)
"الواو" ساقطة من ز.
(11)
"قوله" ساقطة من ط.
(12)
في ز (ينشأ).
(13)
"قوله" ساقطة من ط.
(14)
في ط: "واقع للإيهام".
لأن الأصل دائر بين اللغوي، والاصطلاحي.
وقد اعترض المؤلف في الشرح هذا الحد بوجهين:
أحدهما: أن لفظتي (1): "ما" و"من" مشتركة بين معان، والمشترك مما يجتنب [و](2) يمنع (3) في الحدود.
والثاني: أن (4) معاني "من" ها هنا متعذرة (5)؛ إذ لا يصلح (6) أن تكون هنا (7) للتبعيض، ولا لابتداء (8) الغاية، ولا (9) لبيان الجنس، وإنما قلنا: لا تكون للتبعيض؛ لأن النخلة مثلاً ليست بعض النواة (10)، بل هي أضعافها، وإنما قلنا: لا تكون لابتداء الغاية؛ إذ شأن المُغيَّا أن يتكرر قبل الغاية، والنخلة لم تتكرر، وإنما قلنا: لا تكون لبيان الجنس؛ لأن النخلة ليست أعم من النواة حتى تتبين بالنواة (11).
وأجاب (12) عن الأول: وهو الاشتراك: أن المشترك دل السياق على المراد
(1) في ز: "لفظتين".
(2)
"الواو" لم ترد في الأصل وز وط، وإثباتها هو الأولى.
(3)
"يمنع" ساقطة من ز وط.
(4)
"أن" ساقطة من ط.
(5)
في ط: "معتذرة" وهو تصحيف.
(6)
في ز وط: "يصح".
(7)
في ط: "ها هنا".
(8)
في ز: "وللابتداء".
(9)
"لا" ساقطة من ز.
(10)
في ط: "نواة".
(11)
نقل المؤلف بالمعنى، انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 15.
(12)
في ز وط: "فأجاب".
به ها هنا، فإن المراد بـ "ما"(1) ها هنا الموصولة (2)، والمراد بـ "من" ها هنا:"مجاز ابتداء الغاية"؛ لأن النخلة مثلاً في قولك: أصل النخلة النواة أي: ابتداء نشأتها من النواة، كقولك: سرت من النيل إلى مكة أي: ابتدأت (3) السير من النيل، فلما كان ابتداء النخلة في الأصل من النواة شبيهًا بابتداء الغاية في السير سمي بمجاز (4) ابتداء الغاية؛ لأجل هذا الشبه، أو تقول: المراد بـ "من""مجاز التبعيض" لا حقيقته، فإن النخلة بعضها من النواة لا كلها (5).
قال المؤلف: فجعلنا النخلة جزءًا من النواة توسعًا (6) من باب إطلاق لفظ الجزء على الكل (7).
قال المؤلف في الشرح: ولأجل هذه الاعتراضات اختار سيف الدين حدًا آخر فقال: أصل الشيء ما يستند (8) وجوده إليه من غير تأثير (9): احترازًا من استناد الممكن للصانع المؤثر (10).
أي: احترازًا من إسناد (11) الممكنات إلى واجب الوجود سبحانه؛ إذ لا
(1) في ط: "به".
(2)
في ط: "الموصولات".
(3)
في ط: "ابتداء".
(4)
في ط: "مجازًا".
(5)
النقل هنا بالمعنى، انظر: شرح التنقيح ص 16.
(6)
في ط: "ترسما".
(7)
انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 16.
(8)
المثبت من ز، وفي الأصل وط:"ما يبتدأ".
(9)
يقول الآمدي في الإحكام (1/ 7): "فاعلم أن أصل كل شيء هو ما يستند تحقق ذلك الشيء إليه".
(10)
شرح التنقيح للقرافي ص 16.
(11)
في ط: "من إسناد الممكن للصانع المؤثر أي احترازًا من استناد الممكنات
…
إلخ".
يقال: هو أصل لها، وإنما يقال: هو خالقها، وذلك (1) أن إسناد الشيء إلى (2) أصله ليس على وجه التأثير؛ إذ لا تأثير إلا للقدرة القديمة.
وقوله (3): (ورجحانه ودليله اصطلاحًا)(4).
يعني: أن الأصل في الاصطلاح له معنيان:
أحدهما: الراجح.
والآخر: الدليل.
فمثال الأصل الذي يراد به الراجح قولهم: الأصل براءة الذمة، أي: الراجح عند العقل (5) براءة الذمة (6)، والمرجوح عمارتها؛ لأن الإنسان ولد بريئًا من الحقوق كلها.
ومثال الأصل (7): الذي معناه الراجح أيضًا قولهم: الأصل عدم المجاز أي: الراجح عند السامع للفظ عدم حمله على المجاز (8)، أي: الراجح حمله على الحقيقة والمرجوح حمله على المجاز (9).
وكذلك مثاله أيضًا: قولهم: الأصل عدم الاشتراك في الألفاظ،
(1) المثبت من ز وط، وفي الأصل:"وذكر".
(2)
في ط: "على".
(3)
"وقوله" ساقطة من ط.
(4)
"ودليله اصطلاحًا" ساقط من ط.
(5)
في ز: "العقلاء".
(6)
"الذمة" ساقطة من ط.
(7)
"الأصل" ساقطة من ز.
(8)
في ط: "عند السامع عدم المجاز أي عدم حمل اللفظ على المجاز
…
إلخ".
(9)
في ز وط: "والمرجوح المجاز".
والمرجوح الاشتراك، أي: الراجح حمل اللفظ على الإفراد دون الاشتراك.
وكذلك مثاله أيضًا قولهم (1): الأصل التباين دون الترادف، أي الراجح (2) في الألفاظ الحمل على التباين دون الترادف.
ومثاله أيضًا: قولهم: الأصل بقاء ما كان على ما كان.
قوله (3): (فمن الأول: أصل السنبلة البرة) أي: فمن أمثلة المعنى الأول [الذي هو الأصل في اللغة قولهم](4): أصل السنبلة البرة.
وقوله (5): (ومن الثاني) أي: ومن أمثلة المعنى الثاني الذي هو الرجحان قولهم: الأصل براءة الذمة.
وقولهم أيضًا: الأصل عدم المجاز.
وقولهم أيضًا: الأصل بقاء ما كان على ما كان، أي الراجح بقاء ما كان في الزمان الثاني على ما كان عليه في الزمان الأول لم يتغير عن حاله.
وهذه الأشياء الثلاثة (6) يجمعها الاستصحاب؛ لأن الأول: استصحاب البراءة، والثاني: استصحاب الوضع الأول، والثالث: استصحاب الحال.
(1) في ز: "قولهم أيضًا".
(2)
"أي الراجح" ساقط من ز.
(3)
في ط: "نص".
(4)
ما بين المعقوفتين ساقط من ز.
(5)
"وقوله" ساقطة من ط.
(6)
في ط: "الأربعة".
و (1) قوله: (ومن الثالث أصول الفقه أي: أدلته) أي: ومن أمثلة المعنى الثالث وهو الأصل الذي يراد به (2) الدليل قولهم: أصول الفقه أي: أدلة الفقه.
ومثاله أيضًا: الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة.
ومثاله أيضًا: الأصل في هذه المسألة قول مالك: كذا، أي: و (3) الدليل فيها الكتاب أو السنة (4) أو قول (5) مالك.
فذكر المؤلف للأصل ثلاثة معان: واحد لغوي واثنان اصطلاحيان.
وذكر في شرح المحصول معنىً رابعًا وهو ما يقاس عليه (6)؛ لأن الشيء الذي يقاس عليه يسمى أيضًا في الاصطلاح أصلاً كقياس الأرز على الحنطة (7) في تحريم الربا (8).
هذا بيان الأصول (9) لغة واصطلاحًا وهو اللفظ المضاف.
وأما بيان الفقه لغة واصطلاحًا وهو اللفظ المضاف إليه فقد بينه بقوله:
(1)"الواو" ساقطة من ط.
(2)
"به" ساقطة من ط.
(3)
"الواو" ساقطة من ز وط.
(4)
في ز وط: "والسنة".
(5)
في ط: "لقول".
(6)
يقول القرافي في نفائس الأصول: "والأصل الرابع الصورة المقيس عليها في القياس فإنهم يسمونها أصلاً وليست من هذه الأقسام، فالأصول حينئذ أربعة متباينة بالحدود والحقيقة واللفظ بينهما مشترك".
انظر: نفائس الأصول تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض 1/ 157.
(7)
في ط: "القنطية" وهو تصحيف.
(8)
شرح تنقيح القرافي ص 16.
(9)
في ط: "الأصل".
(والفقه هو: الفهم، والعلم، والشعر، والطب: لغة
…
إِلي آخره).
قوله: (والفقه هو: الفهم، والعلم (1)، والشعر، والطب: لغة) تقديره: ومعنى الفقه في اللغة هو: الفهم، والعلم، والشعر، والطب، فذكر المؤلف أن هذه الألفاظ الخمسة مترادفة (2) [في اللغة.
وذكر المازري (3) في شرح البرهان أيضًا أن هذه الألفاظ الخمسة مترادفه (4)] (5) كما قال المؤلف.
والدليل على ترادفها (6) الكتاب، والسنة، وكلام العرب.
(1) في ط: "والفقه الفهم هو العلم".
(2)
في ط: "في اللغة مترادفة".
(3)
هو أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي، المازري، نسبة إلى مازر بلدة بجزيرة صقلية، ولد سنة (453 هـ) أخذ عن اللخمي، وأبي محمد عبد الحميد السوسي، وهو فقيه مالكي، محدِّث.
شرح صحيح مسلم شرحًا جيدًا سماه: "المُعْلم بفوائد كتاب مسلم" وعليه بني القاضي عياض كتاب الإكمال، وشرح كتاب "البرهان" للجويني وسماه "إيضاح المحصول في برهان الأصول"، وشرح "التلقين" للقاضي عبد الوهاب في الفقه، توفي سنة (536 هـ).
انظر ترجمته في: الديباج المذهب 279 - 281، وفيات الأعيان 4/ 285، الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 51، شذرات الذهب 4/ 114.
(4)
كتاب شرح البرهان للمازري لم أجده.
وقد نسب القرافي هذا القول له حيث قال: قال المازري في "شرح البرهان": الفقه، والفهم، والطب، والشعر، والعلم، خمس عبارات لمعنى واحد، غير أنه اشتهر بعضها في بعض أنواع الفهم، فاشتهر الطب في معرفة أحوال مزاج الإنسان، والشعر في معرفة الأوزان، والفقه في معرفة الأحكام.
انظر: نفائس الأصول تحقيق د. عادل عبد الموجود (1/ 118).
(5)
ما بين المعقوفتين ساقط من ز وط.
(6)
في ط: "تراد فيها".
فمن الكتاب قوله تعالى: {مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} (1) أي: لا نفهم وقولى (2): {لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (3) أي: لا تفهمون.
ومن السنة: قوله عليه السلام: "رب حامل (4) فقه إلى من هو (5) أفقه منه"(6)[أي: أفهم منه](7).
ومن كلام العرب، قولهم: رجل (8) طب أي: عالم.
ومنه قول الشاعر وهو علقمة (9):
(1) آية رقم 91 من سورة هود.
(2)
في ط: "وقوله تعالى".
(3)
سورة الإسراء، آية رقم 44.
(4)
في ط: "حل" وهو تصحيف.
(5)
"من هو" ساقطة من ط.
(6)
تمام الحديث: عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نَضَّر الله امرأ سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه".
أخرجه أبو داود في كتاب العلم، الحديث رقم 3660 (3/ 322) مراجعة محمد محيي الدين عبد الحميد.
وأخرجه الترمذي في السنن عن زيد بن ثابت، سنن الترمذي (7/ 306) باب رقم 7، حديث رقم 2658.
وأخرجه ابن ماجه عن جبير بن مطعم عن أبيه (2/ 1015) ك/ المناسك، حديث رقم 3055.
(7)
ما بين القوسين ساقط من ز.
(8)
"رجل" ساقطة من ط.
(9)
هو علقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس بن عبيد بن ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، أحد شعراء العصر الجاهلي، وكان علقمة ينازع امرئ القيس الشعر؛ كل يقول لصاحبه: أنا أشعر منك، وكان له أخ يسمى شأس بن عبدة أسره الحارث بن أبي =
فإن سألتموني (1) بالنساء فإنني
…
خبير بأدواء النساء طبيب (2)
أي: عارف عالم، ويقال: شعر بكذا إذا (3) فهمه.
قال الزبيدي في مختصر العين: يقال: شعرت بكذا شعرًا أو شعورًا قال الله تعالى: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (4)(5).
قوله: (وإِنما اختصت (6) بعض هذه الألفاظ ببعض العلوم بسبب
= شمر الغساني مع سبعين رجلاً من بني تميم، فأتاه علقمة ومدحه بقصيدة منها هذا البيت:
وفي كل حي قد خبطت بنعمة
…
فحق لشأس من نداك ذنوب.
انظر ترجمته في: الشعر والشعراء لابن قتيبة تحقيق أحمد شاكر 1/ 218 - 222، المؤتلف والمختلف للآمدي 227، خزانة الأدب 1/ 565، سمط الآلي للأوبني تحقيق الميمني 1/ 433، الموشح للمرزباني ص 28.
(1)
في ط: "تسألوني".
(2)
هذا البيت من قصيدة يمدح بها الحارث الغساني ومطلعها:
طحابك قلب في الحسان طروب
…
بعيد الشباب عصر حان مشيب
إلى أن قال:
فإن تسألوني بالنساء فإنني
…
بصير بأدواء النساء طبيب
انظر: ديوان علقمة بشرح الأعلم الشنتمري تحقيق لطفي الصقال ص 33، 35، المفضليات بشرح أبي القاسم الأنباري ص 773، شرح شواهد الألفية للعيني المطبوع مع خزانة الأدب 3/ 16، الدرر اللوامع 2/ 14.
(3)
في ز: "أي".
(4)
انظر: مختصر العين (ورقة 32 أ) وهو مخطوط موجود في مكتبة جامعة الإمام رقم 8498 فلم.
(5)
في ز: "أي" يفهمون"، وفي ط: "أي لا يعلمون" [الأعراف: 95].
(6)
في خ وز: "اختص".
العرف).
يعني أن (1) ثلاثة ألفاظ من هذه الألفاظ خصها (2) العرف ببعض العلوم، والمراد بهذه الثلاثة المخصوصة: الفقه، والطب، والشعر؛ لأن الفقه في العرف مخصوص بعلم الأديان، والطب في العرف مخصوص بعلم الأبدان، والشعر في العرف مخصوص بعلم الأوزان، وهذا من باب تخصيص العرف لما (3) عمته اللغة.
قال المؤلف في الشرح: قال أبو إسحاق الشيرازي (4): الفقه في اللغة إدراك الأشياء الخفية، فلذلك تقول (5): فقهت كلامك، ولا تقول (6): فقهت السماء والأرض (7).
(1) "أن ساقطة من ط.
(2)
في ز وط: "خصصها".
(3)
في ط: "بما".
(4)
هو إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزآبادي، ولد في فيروز بفارس سنة (393 هـ)، رحل لشيراز من أجل طلب العلم سنة (410 هـ)، وتفقه على أبي عبد الله البيضاوي، وقدم بغداد، ولزم القاضي أبا الطيب الطبري، وناب عنه في مجلسه، ودرّس بالنظامية في بغداد، وكان يحفظ كثيرًا من الحكايات، والأشعار، وله شعر حسن، واشتهر بقوة الحجة في الجدل والمناظرة، توفي رحمه الله سنة ست وسبعين وأربعمائة (476 هـ) ببغداد.
من مصنفاته: "التنبيه"، و"المهذب" في الفقه، "التبصرة"، و"اللمع" في الأصول.
انظر ترجمته في: شذرات الذهب 3/ 249، وفيات الأعيان 1/ 29 - 31، طبقات الشافعية لابن السبكي 4/ 215.
(5)
في ط: "نقول".
(6)
في ط: "نقول".
(7)
يقول الشيرازي في شرح اللمع (1/ 101): "والفقه في اللغة ما دق وغمض؛ ومنه يقال: فقهت معنى كلامك؛ لأنه قد يدق ويغمض. ولا يقال: فقهت أن السماء =
وعلى هذا لا يكون لفظ الفقه مرادفًا لهذه الألفاظ، وعلى نقل المازري يكون مرادفًا (1)، والثاني هو الذي يظهر لي (2)، ولذلك خصص الفقهاء اسم الفقه بالعلوم النظرية وأخرجت شعائر الإسلام من لفظ الفقه وحده. انتهى نصه (3).
انظر قوله: "الثاني هو الذي يظهر لي"، هو عين (4) ما تقدم من التخصيص العرفي، ومراده بالثاني هو: تفسير الشيرازي.
قوله (5): (والفقه في الاصطلاح هو: العلم بالأحكام الشرعية العملية بالاستدلال).
لما بين المؤلف رحمه الله تعالى (6) معنى الفقه في اللغة أراد أن يبين معناه في الاصطلاح.
فقال: الفقه (7) في الاصطلاح، أي ومعنى الفقه (8) في العرف هو:"العلم بالأحكام الشرعية العملية بالاستدلال" فذكر في هذا الحد جنسًا وأربعة قيود.
قوله: (العلم) احترازًا من الظن، والشك، والوهم؛ لأن العلم ها هنا
= فوقي والأرض تحتي".
(1)
في ط: "مرادفًا لهذه".
(2)
"لي" ساقطة من ط.
(3)
انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 16 - 17.
(4)
في ز: "غير".
(5)
في ز: "وقوله".
(6)
"تعالى" لم ترد في ز وط.
(7)
في ز: "والفقه".
(8)
في ط: "والفقه".
معناه: الاعتقاد الجازم الذي لا يحتمل النقيض بوجه.
وقوله: (بالأحكام) هو جمع حكم، ومعنى الحكم: كل معقول لا تعرف نسبته إلا بإضافته (1) إلى المحكوم عليه.
وقوله: (بالأحكام) احترازًا من العلم بالذوات، والصفات، والمعاني؛ لأن العلم بذلك لا يكون (2) فقهًا في الاصطلاح.
وقولنا (3): "بالذوات" كالعلم بسائر الأجسام؛ كالأحجار، والأشجار، وسائر الجمادات، والنباتات (4)، وأشخاص الحيوانات.
وقولنا: "الصفات" كسائر الألوان من السواد، والبياض، والاحمرار، والاصفرار، وغير ذلك.
[وقولنا: والمعاني؛ كسائر الطعوم، والروائح، كحلاوة العسل، ومرارة الحنظل، والروائح الطيبة، والخبيثة وغير ذلك](5).
وقوله: (الشرعية) احترازًا من العقلية (6) كعلم الحساب، والهندسة، والموسيقا (7)، وهو: علم الألحان، وغير ذلك من الفنون التي هي: ليست شرعية (8).
(1) في ز: "بالإضافة".
(2)
في ز وط: "لا يسمى".
(3)
في ز وط: "فقولنا".
(4)
في ز وط: "والنبات".
(5)
ما بين المعقوفتين ساقط من ط.
(6)
في ط: "العقليات".
(7)
في ز: "والموسقا".
(8)
في ز وط: "بشرعية".
وقوله: (العملية) احترازًا من أصول الفقه التي هي: الأدلة التي يبنى عليها الفقه، واحترازًا أيضًا من الاعتقادية بأصول الدين وهي: ما يجب في حق الله وما يجوز وما يستحيل؛ لأنها أحكام شرعية اعتقادية، لا عملية (1)؛ لأن العلم بذلك لا يسمى فقهًا في الاصطلاح.
وقوله: (بالاستدلال) أي: يحصل (2) علم ذلك بالاستدلال احترازًا من التقليد، والضرورة؛ لأن ما حصل للمقلد لا يسمى فقهًا في الاصطلاح، وكذلك ما حصل من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة، والزكاة والصيام (3) مما هو معلوم من الدين بالضرورة، لا (4) يسمى العلم بذلك فقهًا في الاصطلاح، لحصوله للعوام، والنساء، و (5) البله؛ لأن ذلك لم يحصل بالدليل.
وقد اعترض المؤلف على نفسه هذا الحد بأربعة أوجه؛ لأن كل واحد من ألفاظ الحد معترض إلا لفظًا واحدًا منها فهو سالم من الاعتراض وهو قوله: (الشرعية) وأما الألفاظ الأربعة الباقية فهي معترضة (6).
(1) في ز وط: "وقوله: العملية احترازًا من العلمية، وهي أصول الدين وأصول الفقه الاعتقادية، فأصول الدين هو ما يجب في حق الله، وما يجوز له، وما يستحيل، وأصول الفقه هي الأدلة التي يبنى عليها الفقه؛ لأنها أحكام شرعية اعتقادية لا عملية؛ لأن العلم بذلك لا يسمى فقهًا في الاصطلاح".
(2)
في ز وط: "أي أن يحصل".
(3)
في ز وط: "والصيام وغير ذلك مما هو معلوم".
(4)
في ط: "ولا".
(5)
"الواو" ساقطة من ز.
(6)
المثبت من ز وط، وفي الأصل:"معترض".
أما قوله: (العلم) فاعترض (1) بأن قيل: هو غير جامع للأحكام الشرعية؛ لأن أكثر فروع الفقه إنما تثبت (2) بالظن لا بالعلم؛ لأنه (3) مستنبط من القياسات والعمومات، وأخبار الآحاد وذلك كله ظن لا علم.
أجيب عن هذا: بأن الأحكام الشرعية كلها معلومة وليست بمظنونة، والدليل على أنها معلومة شيئان: الإجماع، والقطع.
أما دليل الإجماع: فبيانه أن كل حكم شرعي ثابت بالإجماع، وكل ما ثبت بالإجماع فهو معلوم ينتج لك: كل علم (4) شرعي معلوم.
وإنما قلنا: كل حكم شرعي ثابت بالإجماع؛ لأن الأحكام الشرعية على قسمين: متفق عليه، ومختلف فيه، فالمتفق عليه (5) ثابت بالإجماع ولا كلام فيه (6)، والمختلف فيه هو أيضًا ثابت بالإجماع، وإنما قلنا: الحكم المختلف فيه ثابت أيضًا بالإجماع؛ لأنه انعقد الإجماع على (7) أن كل مجتهد إذا غلب على ظنه حكم شرعي فهو حكم الله في حقه وفي حق (8) من قلده إذا حصل له سببه، فصارت الأحكام في مواضع الخلاف ثابتة (9) بالإجماع عند الظنون،
(1) في ط: "فقد اعترض" ..
(2)
في ز وط: "ثبت".
(3)
"لأنه" ساقط من ط.
(4)
في ط: "حكم".
(5)
"عليه" ساقطة من ط.
(6)
"فيه" ساقطة من ز.
(7)
"على" ساقطة من ز.
(8)
في ط: "حكم".
(9)
في ط: "ثابت"
فصار كل حكم (1) شرعي معلومًا لثبوته بالإجماع؛ لأن كل ما ثبت بالإجماع فهو معلوم بناء على أن الإجماع معصوم، كما سيأتي في باب الإجماع إن شاء الله، هذا بيان دليل الإجماع على أن كل حكم شرعي معلوم لا مظنون.
وأما دليل القطع: فلأن كل حكم شرعي ثابت بمقدمتين قطعيتين.
وبيان ذلك: أن نفرض الكلام في حكم من الأحكام ونقرر (2) فيه تقريرًا (3) نجزم باطراده في جميع الأحكام، فنقول مثلاً: وجوب الدلك مظنون لمالك قطعًا عملاً بالوجدان، وكل ما ظنه مالك فهو حكم الله قطعًا عملاً بالإجماع، فينتج لك، التدلك (4) حكم الله قطعًا عملاً بالإجماع، وهذا التقرير (5) يطّرد في جميع صور الخلاف، فتكون الأحكام الشرعية كلها (6) معلومة؛ لأنها ثابتة بمقدمتين قطعيتين، فالنتيجة تابعة للمقدمات، فتابع القطعي قطعي، وتابع العلمي علمي.
فثبت بدليل الإجماع وبدليل العقل أن كل حكم شرعي معلوم لا مظنون (7)
(1) في ط: "كل واحد حكم".
(2)
في ط: "ونقول".
(3)
في ط: "تقديرًا".
(4)
في ط: "أن التدلك".
(5)
في ط: "التقدير".
(6)
"كلها" ساقطة من ط.
(7)
في ز: "وبالله التوفيق عنه"، وفي ط:"وبالله التوفيق".
وهذا الاعتراض على قوله: العلم، والجواب عنه، ذكره القرافي في شرح التنقيح ص 18، 19.
و (1) قال المؤلف في شرح المحصول: وهذا المسلك هو الذي سلكه (2) القاضي أبو بكر، وإمام الحرمين، وسيف الدين (3)، والغزالي، والمازري، وابن برهان (4) وجمهور العلماء.
قال ابن برهان: مثال ذلك: إذا (5) شهدت بينة عند الحاكم، وغلب على ظنه صدقها فإنه يقطع بوجوب (6) الحكم عند ذلك (7) الظن بالإجماع، فلو
(1)"الواو" ساقطة من ز وط.
(2)
في ط: "سلك".
(3)
هو علي بن محمد بن سالم الثعلبي أبو الحسن سيف الدين الآمدي، ولد سنة خمسين وخمسمائة (550 هـ) بمدينة آمد، قدم بغداد، وتفقه على أبي الفتح بن المني الحنبلي، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، رحل إلى مصر وقدم إلى حماة، ثم دمشق ودرس بالمدرسة العزيزية، توفي بدمشق سنة إحدى وثلاثين وستمائة (631 هـ)، من مصنفاته:"الإحكام"، و"المنتهى" في الأصول، و"أبكار الأفكار" في أصول الدين.
انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 3/ 293، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 306، 307، مفتاح السعادة 2/ 179، 180، شذرات الذهب 5/ 144، 145.
(4)
هو أحمد بن علي بن محمد الوكيل المعروف بابن برهان الحنبلي ثم الشافعي، ولد في بغداد سنة (479 هـ)، تفقه على الغزالي، وأبي بكر الشاشي، والكيا الهراسي، وكان متبحرًا فى الأصول والفروع، وبرع في المذهب والأصول وكان هو الغالب عليه، ودرس بالمدرسة النظامية شهرًا واحدًا، من أهم مصنفاته:"الوجيز في أصول الفقه"، توفي ببغداد سنة عشرين وخمسمائة (520 هـ).
انظر ترجمته في: شذرات الذهب 4/ 61، مرآة الجنان 3/ 225، وفيات الأعيان 1/ 99، البداية والنهاية 12/ 196.
(5)
في ط: "ما إذا".
(6)
في ز: "بوجه".
(7)
في ط: "ذكره".
استحل عدم الحكم بها كفر، لكون (1) ذلك الحكم مقطوعًا به (2).
[فإن قيل: قولكم كل حكم شرعي ثابت بالإجماع، هذا لا يصح إلا على القول بأن: كل مجتهد مصيب؛ ولا يصح على القول الصحيح الذي قال: هو أن المصيب (3) واحد؛ لأن ما عداه (4) خطأ، والخطأ لا يكون حكم الله إجماعًا، بل هو معفو عنه فقط.
قلنا: بل هو صحيح سواء قلنا: كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد؛ لأن المقصود إنما هو ما يظهر على ألسنة المجتهدين في ظنونهم، لا في (5) نفس الأمر كالقبلة فإنها معينة للصلاة في نفس الأمر بإجماع (6)، فإذا اختلف فيها
(1) في ز: "لأن".
(2)
نقل المؤلف بالمعنى، أما نصه فيقول القرافي في النفائس: "وافق الإمام في دعوى أن الأحكام الشرعية معلومة - شيخ الأصوليين القاضي أبو بكر، حكاه المازري عنه في شرح البرهان، ووافقه إمام الحرمين، والغزالي، وابن برهان، وسيف الدين الآمدي، والمازري والإبياري.
وحكى الإجماع في أن الراجح يجب الحكم به، وصاحب المعتمد وصاحب الوافي وجمهور من تحدث في هذا العلم كلهم يقولون: الأحكام الشرعية معلومة.
وقال ابن برهان في كتاب الأوسط: والحكم عند ظن المجتهد الناشئ عن الأمارة معلوم مقطوع به بالإجماع، كما أن الحاكم إذا شهدت عنده البينة، غلب على ظنه صدقهم، وقطع بوجوب الحكم عليه بالإجماع عند ذلك الظن حتى لو استحل عدم الحكم حينئذ كفر لتركه مقطوعًا به".
انظر: نفائس الأصول تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض 1/ 152 - 153.
(3)
المثبت من ط، وفي الأصل وز:"هو المصيب".
(4)
في ط: "معناه".
(5)
في ط: "لا ما في نفس".
(6)
في ط: "بالإجماع".
جماعة من المجتهدين فصلى كل واحد إلى غير الجهة التي صلى إليها صاحبه: فإن حكم الله تعالى في حق كل واحد منهم ما غلب على ظنه، وكذلك نقول (1) في الثياب والأواني] (2).
فأما (3) قوله: (بالأحكام) فاعترضن بأن قيل: هل المراد بالأحكام جميع الأحكام؟ أو المراد بعض الأحكام؟ والأمران باطلان.
وذلك أنه إن قدرنا أن المراد جميع الأحكام: فيكون الحد غير جامع؛ لأنه يخرج منه (4) كثير من الفقهاء لعدم (5) إحاطتهم (6) بجميع الأحكام الشرعية، وقد اتفقوا على أن مالكًا رضي الله عنه فقيه، بل هو أفقه الفقهاء، مع أنه لا يعلم جميع الأحكام؛ لأنه سئل في (7) أربعين مسألة فأجاب أربع (8) مسائل، وقال في ست وثلاثين: لا أدري، فلو كان المراد بالأحكام (9) جميع الأحكام لاقتضى ذلك ألا يسمى فقيهًا حتى يعلم جميع الأحكام.
(1) المثبت من ط وفي الأصل وز (تقول).
(2)
المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.
(3)
في ز وط: "وأما".
(4)
في ز وط: "عنه".
(5)
في ط: "ولعدم".
(6)
في ط: "احتياطهم".
(7)
في ز وط: "عن".
(8)
في ز وط: "في أربع".
(9)
"بالأحكام" ساقطة من ط.
وإن قدرنا أن المراد ها هنا بالأحكام (1): بعض (2) الأحكام: فيكون الحد غير مانع؛ لأن الإنسان قد يكون عالمًا ببعض (3) الأحكام فيقتضي ذلك (4) أن يسمى المقلد فقيهًا [مع أنه لا يسمى فقيهًا](5) في العرف.
أجيب بأن قيل: نلتزم كل واحد من الأمرين فيصح الحد، فإن قدرنا أن المراد جميع الأحكام، فالمراد بعلم جميع الأحكام: تهيؤ العالم واستعداده للعلم بجميع الأحكام: فيكون الحد جامعًا، وإن قدرنا أن المراد بعض الأحكام فلا يدخل فيه المقلد؛ لأنه يخرج بقوله بالاستدلال؛ إذ ليس عنده دليل معتبر في تسمية الفقيه بالفقيه، وهو الدليل (6) التفصيلي كما سيأتي فيكون الحد مانعًا.
وقولنا: بعض الأحكام على هذا التقدير المراد به ثلاثة أحكام فما فوقها، وأما من لم يعلم غير حكم (7) واحد أو حكمين بالاستدلال فلا يسمى فقيهًا في العرف.
وأما قوله: (العملية)(8) فاعترض بأن قيل: هل المراد بالعملية أعمال الجوارح الظاهرة (9) دون الباطنة؟ أو المراد (10) أعمال الجوارح مطلقًا الظاهرة والباطنة؟ وكلا الأمرين باطلان.
(1)"بالأحكام" ساقطة من ز.
(2)
"بعض" ساقطة من ط.
(3)
في ز وط: "قد يعلم بعض".
(4)
"ذلك" ساقطة من ط.
(5)
المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.
(6)
في ط: "الديل".
(7)
في ز وط: "وأما من علم حكمًا واحدًا".
(8)
في ط: "العلمية".
(9)
في ز: "الظاهر خاصة".
(10)
في ز: "أو المراد به".
وذلك إن قدرنا أن المراد أعمال الجوارح الظاهرة خاصة: فيكون الحد غير جامع؛ لأنه يخرج عنه أحكام القلب كالنية، والإخلاص، وتحريم الرياء، والحسد، والكبر، والعجب (1) وغير ذلك (2) من المحرمات (3)؛ لأن ذلك أحكام شرعية.
وإن [قدرنا أن](4) المراد الأعمال مطلقًا: فيكون الحد غير مانع؛ لأنه يدخل فيه أصول الديانات (5) وهي: الاعتقادات.
قال المؤلف في الشرح: هذا الاعتراض لازم، والحق: ما قاله (6) سيف الدين الآمدي؛ لأنه قال: العلم بالأحكام الشرعية الفروعية (7)، فيجعل الفروعية عوض العملية؛ لأن الفروعية تشمل ما يتعلق به الفقه كان في الجوارح أو في القلب (8).
وأما قوله: ([بالاستدلال] (9)) فاعترض بأن قيل: غير مانع؛ لدخول
(1) في ز وط: "والعجب، والكبر".
(2)
في ز وط: "وغيرها".
(3)
في ط: "المحرومات".
(4)
ما بين المعقوفتين ساقط من ط.
(5)
في ط: "الأديانات".
(6)
في ز: "ما قال".
(7)
في ز: "الفرعية".
(8)
انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 19.
وقال سيف الدين الآمدي في الإحكام: وفي عرف المتشرعين؛ الفقه مخصوص بالعلم الحاصل بجملة من الأحكام الشرعية الفروعية بالنظر والاستدلال. ثم ذكر محترزات التعريف.
انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/ 6).
(9)
المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.
المقلد فيه؛ لأن العلم الحاصل للمقلد هو أيضًا حاصل له بالدليل، كما حصل العلم للفقيه بالدليل، ودليل المقلد هو: القياس، وهو قوله: هذا ما أفتاني به المفتي عملاً (1) بالسماع، وكل ما أفتاني (2) به المفتي فهو: حكم الله في حقي عملاً بالإجماع، فينتج هذا: حكم الله عملاً (3) بالإجماع، وهذا الدليل يطرد للمقلد في جميع صور التقليد. فدليل المقلد هو (4) دليل واحد في جميع موارد التقليد، وأما دليل الفقيه فهو: متعدد بتعديد (5) المسائل، ودليل الصلاة غير دليل الصيام، ودليل الزكاة غير دليل الجهاد، ودليل البيع غير دليل النكاح، إلى غير ذلك، فتارة يكون دليل الفقيه من الكتاب (6)، وتارة من السنة، وتارة بالقياس، وتارة بالإجماع، فكل فرع بدليله، فدليل التقليد تجميلي، ودليل الفقه تفصيلي.
الاعتراض قد التزمه (7) المؤلف في الشرح فقال: ينبغي أن يزاد في الحد بأدلة خاصة بالأنواع (8). انتهى.
فسبك الحد إذًا أن نقول: والفقه في الاصطلاح [هو العلم با لأحكام الشرعية الفروعية بالاستدلال بأدلة خاصة بالأنواع، هكذا قال المؤلف في
(1) في ز: "عمدًا".
(2)
في ط: "أفتى".
(3)
"عملاً" ساقطة من ز.
(4)
في ط: "وهو".
(5)
في ز وط: "بتعدد".
(6)
في ط: "غير دليل من الكتاب".
(7)
في ز: "ألزمه".
(8)
شرح التنقيح للقرافي ص 19.
الشرح (1).
ولك أن تقول في اختصار الحد] (2): هو: "العلم بالأحكام الشرعية الفروعية بالاستدلال (3) التفصيلي".
فقولنا: بالاستدلال: يخرج به (4) ما يحصل بالضرورة كوجوب الصلاة والزكاة.
وقولنا: التفصيلي: يخرج به (5) المقلد؛ لأن دليله إجمالي، لا تفصيلي.
وقوله: (ويقال: فقِه بكسر القاف: إِذا فهم، وبفتحها: إِذا سبق غيره إِلى الفهم (6)، وبضمها: إِذا صار الفقه له (7) سجية).
قال المؤلف في الشرح: هكذا نقله ابن عطية (8) في تفسيره (9)، فاسم
(1) سبك هذا الحد لم يذكره القرافي على هذا النحو، بل أيد زيادة: الفروعية، وزيادة أدلة خاصة بالأنواع.
انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 18، 19.
(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من ز.
(3)
في ط: "هو العلم بالاستدلال".
(4)
"به" ساقطة من ط.
(5)
"به" ساقطة من ط.
(6)
في أوخ وش: "للفهم".
(7)
في أ: "صار له الفقه سجية".
(8)
هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله ابن تمام بن عطية الغرناطي، ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة (481 هـ)، كان فقيهًا، جليلاً، عارفًا بالأحكام والحديث والتفسير، نحويًا، لغويًا، أديبًا، بارعًا، شاعرًا، ولي قضاء المرية بالأندلس، توفي سنة (542 هـ)، من مصنفاته:"المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز".
انظر: بغية الوعاة تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم 2/ 73، 74، بغية الملتمس ص 376، قلائد العقيان لابن خاقان ص 215 - 217.
(9)
في ط: "تفسير".
الفاعل من الأولين فاقه، واسم الفاعل من الآخر فقيه؛ لأن القاعدة العربية أن اسم (1) الفاعل من فعُل بضم العين هو على فعيل؛ نحو شرُف فهو شريف، وظرُف فهو ظريف (2).
وقوله: (سجية) أي: طبيعة (3)؛ لأن الطبيعة (4)، والسجية، والغريزة، والجبلة، والخليقة، والسليقة: ألفاظ مترادفة بمعنى (5) واحد.
[فالفعل الثاني أبلغ من الأول؛ لأن له على الأول مزية السبقية إلى الفهم، والفعل الثالث أبلغ من الثاني لتطبعه بالفهم (6)](7).
وقد تقدم لنا (8) أن أصول الفقه له تفسيران: أحدهما باعتبار الإفراد، والآخر باعتبار التركيب.
وبيّن المؤلف رحمه الله تفسيره باعتبار الإفراد، وسكت عن تفسيره باعتبار التركيب.
فإن قلت: بينه المؤلف بقوله: أصول الفقه أي: أدلته (9).
(1)"اسم" ساقطة من ز.
(2)
نقل المؤلف بالمعنى.
انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 20.
(3)
في ط: "طبعية".
(4)
في ط: "الطبعية".
(5)
في ط: "على معنى".
(6)
في ز: "بالفعل بالفهم ويقصد بهذه الأفعال فقه بكسر القاف، وفقَه بفتحها وفقُه بالضم".
(7)
المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.
(8)
في ز وط: "لنا أو الفصل".
(9)
في ز: "الفرعية".
قلنا (1): أصول الفقه الذي هو اسم علم على هذا الفن، ليس هو (2) عبارة عن أدلة الفقه، وإنما هو عبارة عن العلم بأدلة الفقه على وجه خاص.
وحده (3) ابن الحاجب فقال: أما حده لقبًا (4): فالعلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفروعية (5) من (6) أدلتها التفصيلية (7).
قوله: (القواعد) يعني بها: الأدلة الشرعية التي هي الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس (8)، والاجتهاد، والترجيح.
وإنما جمع القواعد ولم يقل: العلم بالقاعدة التي يتوصل بها
…
إلى آخره (9)؛ لأن العلم بقاعدة واحدة (10) منها لا يكون أصل فقه (11).
وقوله: (إِلى استنباط) أي: استخراج (12).
(1)"قلنا" ساقطة من ط.
(2)
"هو" ساقطة من ط.
(3)
في ط: "وقد حده".
(4)
"لقبًا" ساقطة من ط.
(5)
في ز وط: "الفرعية".
(6)
المثبت من ز، وفي الأصل وط:"عن".
(7)
مختصر المنتهى لابن الحاجب المطبوع مع شرح العضد 1/ 18.
(8)
"والقياس" ساقطة من ز.
(9)
المثبت من ز، وفي الأصل وط:"آخر".
(10)
"واحدة" ساقطة من ط.
(11)
في ط: "الفقه".
(12)
في ز وط: "أي إلى استخراج".
وقوله: (الأحكام) احترازًا من العلم بالقواعد (1) التي يتوصل بها إلى استنباط غير تلك (2) الأحكام؛ كقواعد الهندسة، وقواعد الطب، فإن قواعد الهندسة يتوصل بها إلى استنباط الصنائع كالنجارة (3)، والحياكة، وغيرهما، وقواعد الطب يتوصل بها إلى استخراج (4) تركيب (5) المعاجن (6).
وقوله: (الشرعية) [احترازًا من القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام العقلية كقواعد المنطق.
وقوله: (الفرعية)] (7) احترازًا (8) من [القواعد التي يتوصل بها إلى](9) استنباط الأحكام الشرعية الأصلية، وهي: الاعتقادية، وهي: قواعد علم (10) الكلام.
وقوله: (من (11) أدلتها التفصيلية) احترازًا (12) من العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من (13) أدلتها الإجمالية،
(1) في ط: "بقاعدة".
(2)
"تلك" ساقطة من ز وط.
(3)
في ز: "كالتجارة".
(4)
في ز وط: "استنباط".
(5)
"تركيب" ساقطة من ط.
(6)
في ط: "المعاجز".
(7)
المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.
(8)
في ز: "احترازًا به".
(9)
ما بين المعقوفتين ساقط من ز.
(10)
"علم" ساقطة من ط.
(11)
المثبت من ز، وفي الأصل وط:"عن".
(12)
في ط: "واحترازًا".
(13)
المثبت من ز، وفي الأصل وط:"عن".
كقولهم: يجب بالمقتضى ولا يجب بالنافي، فإن هذا الدليل يعم جميع الأحكام الشرعية بطريق الإجمال لا بطريق التفصيل.
***