المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل العاشر في الحصر - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب - جـ ١

[الحسين الشوشاوي]

الفصل: ‌الفصل العاشر في الحصر

‌الفصل العاشر في الحصر

شرع المؤلف في [هذا الفصل في بيان](1) مفهوم الحصر (2)، وهو أحد أنواع مفهوم المخالفة؛ لأن المؤلف ذكر في الفصل المفروغ منه قبل هذا الفصل: أن أنواع مفهوم المخالفة عشرة، وذكر من جملتها مفهوم الحصر، فذكره في الفصل المفروغ منه على طريق التجميل، وذكره في هذا الفصل على طريق التفصيل؛ لأنه (3) يحتاج إلى فصل ينفرد به.

قوله: (الفصل العاشر في الحصر)(4) تقديره (5): الفصل العاشر مفروض في بيان مفهوم الحصر، يقال: الحصر، والقصر، ومعناهما واحد وهو المنع (6).

ذكر المؤلف في هذا الفصل ثلاثة مطالب:

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(2)

انظر هذا الفصل في: شرح التنقيح للقرافي ص 57 - 61، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 19 - 21، والتوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 50 - 54.

(3)

"لأنه" ساقطة من ط.

(4)

"في الحصر" ساقطة من ط.

(5)

"تقديره" ساقطة من ز.

(6)

حصره يحصره حصرًا فهو محصور وحصير وأحصره كلاهما: حبسه عن السفر، وأحصره المرض: منعه من السفر أو من حاجة يريدها.

انظر: اللسان مادة (حصر).

ص: 539

الأول: في حقيقة الحصر.

الثاني (1): في أدواته.

الثالث (2): في أقسامه.

أما المطلب الأول: وهو حقيقته فهو:

قوله: (وهو: إِثبات نقيض حكم (3) المنطوق به (4) للمسكوت عنه، بصيغة إِنما ونحوها).

وقد (5) تقدم لنا معنى قوله: (إِثبات (6) نقيض (7) حكم المنطوق به، للمسكوت عنه) في الفصل الذي فرغ منه.

وقوله: (إِثبات نقيض) أخرج به مفهوم الموافقة؛ لأنه إثبات حكم المنطوق به للمسكوت عنه بطريق الأولى.

وقوله: (بصيغة إِنما ونحوها) هو (8) فصل أخرج به المؤلف جميع التسعة الأنواع المذكورة في مفهوم المخالفة، وبقي العاشر منها (9) وهو مفهوم

(1) في ط: "والثاني".

(2)

في ط: "والثالث".

(3)

"حكم" ساقطة من أ.

(4)

المثبت من ط وز، ولم ترد "به" في الأصل.

(5)

في ط: "فقد".

(6)

"إثبات" ساقطة من ط.

(7)

"نقيض" ساقطة من ط وز.

(8)

"هو" ساقطة من ز.

(9)

في ز: "منه".

ص: 540

الحصر.

وقوله: "بصيغة إنما ونحوها"[أي: بكلمة إنما ونحوها](1) مما (2) يفيد الحصر كما سيأتي (3).

واعترض قوله: "وهو (4): إثبات نقيض حكم االمنطوق به"(5) بأن قيل: هذا حد لمفهوم الحصر، وليس بحد للحصر، والمؤلف إنما ترجم في الفصل للحصو لا لمفهومه.

أجيب (6) عنه: بأن في الترجمة حذف مضاف تقديره: الفصل العاشر في مفهوم الحصر، وهو: إثبات نقيض (7) حكم المنطوق به، للمسكوت (8) عنه.

واعترض المؤلف قوله: "لصيغة إنما ونحوها": بأن هذا تعريف بالمجهول؛ لأن الجاهل بالحصر كيف يعلم ما يفيده (9).

أجاب عنه المؤلف: بأن ذكره لأدوات الحصر المذكورة بعد هذا يزيل هذا الإجمال؛ لأنه قال: وأدواته أربعة (10).

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(2)

المثبت من ط وفي الأصل وز: "فيما".

(3)

انظر: ص (1/ 544) من هذا الكتاب.

(4)

في ز: "هو".

(5)

في ط: "المنطوق به للمسكوت عنه".

(6)

في ز: "وأجيب".

(7)

"نقيض" ساقطة من ط.

(8)

"للمسكوت عنه" ساقطة من ز.

(9)

شرح التنقيح للقرافي ص 58.

(10)

المصدر السابق ص 58.

ص: 541

واعترض هذا الحد أيضًا بأن قيل: فيه تعريف [بما لا يعرف إلا بعد معرفة المحدود؛ وذلك أن تصور الأدوات ثان عن تصور ما هي له أدوات (1)، فهو تعريف](2) دوري.

وأجيب (3) عنه: بأن الأدوات مفيدة لما هي له أدوات (4)؛ لأن المفيد قبل المفاد.

وقوله: (وأدواته أربعة: إِنما (5)، نحو:"إنما الماء من الماء").

ش: هذا هو المطلب الثاني: وهو أدوات الحصر فذكر أنها (6) أربعة أشياء:

أحدها: لفظة إنما، نحو قوله عليه السلام:"إنما الماء من الماء" مقتضاه حصر وجوب الغسل في وجود الإنزال.

ومثاله أيضًا: قوله عليه السلام: "إنما الأعمال بالنيات"(7) حصر قبول

(1) في ط: "الأدوات".

(2)

ما بين المعقوفتين ورد في ط وز، ولم يرد في الأصل.

(3)

في ط وز: "أجيب".

(4)

في ط: "أدوات".

(5)

"إنما" ساقطة من ط.

(6)

في ط: "أنه".

(7)

هذا جزء من حديث أخرجه الأئمة الستة عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه" هذا لفظ مسلم كتاب الإمارة، باب إنما الأعمال بالنية (6/ 48).

وأخرجه البخاري عن عمر في كتاب بدء الوحي 1/ 6 مع حاشية السندي، وفي =

ص: 542

الأعمال بالنية (1).

ومثاله أيضًا: قوله عليه السلام: "إنما الولاء لمن أعتق"(2) حصر الولاء في المعتق.

ومثاله أيضًا: قوله عليه السلام: "إنما الشفعة في المشاع"(3) حصر الأخذ بالشفعة في المشاع دون المقسوم.

= كتاب العتق (2/ 80).

وأخرجه أبو داود عن عمر بن الخطاب وفيه "النيات" بدل "النية" ح/ رقم 2201، كتاب الطلاق باب فيما عني به الطلاق والنيات (2/ 262).

وأخرجه ابن ماجه عن عمر بن الخطاب ح/ رقم 4227، كتاب الزهد، باب النية (2/ 1413).

وأخرجه الترمذي عن عمر بن الخطاب وقال: هذا حديث حسن صحيح، ح/ رقم 1647 فضل الجهاد (5/ 364).

(1)

في ط: "بالنيات"، وفي ز:"في النية".

(2)

هذا جزء من حديث وتمام الحديث كما أخرجه مسلم عن عائشة أنها أرادت أن تشترى جارية تعتقها، فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"لا يمنعك؛ ذلك فإنما الولاء لمن أعتق".

انظر: صحيح مسلم كتاب العتق باب إنما الولاء لمن أعتق (4/ 213).

وأخرجه البخاري عن عائشة من طريق آخر بلفظ آخر في كتاب العتق باب بيع الولاء (2/ 81) مع حاشية السندي.

(3)

هذا جزء من حديث ذكره المؤلف بالمعنى، ولفظ الحديث كما أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:"قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة".

انظر: صحيح البخاري كتاب الشفعة (2/ 32) مع حاشية السندي.

وأخرجه أبو داود عن جابر في كتاب البيوع باب الشفعة ح/ 3514 (3/ 385).

وأخرجه ابن ماجه عن جابر في كتاب الشفعة باب: إذا وقعت الحدود فلا شفعة ح/ رقم 2499.

وأخرجه أيضًا: البيهقي في سننه (6/ 102).

ص: 543

ومثاله أيضًا: قولك (1): إنما زيد قائم، وغير ذلك.

وقوله (2): (إِنما) اختلف الأصوليون، هل تفيد الحصر، أو لا تفيده؟ على ثلاثة أقوال:

قيل: لا تفيده.

وقيل: تفيده بالمنطوق، وهو قول الجمهور.

وقيل: تفيده بالمفهوم.

حجة القول بعدم إفادتها (3) للحصر (4) وهو قول الحنفية، وغيرهم ممن أنكر دليل الخطاب أن قولك: إنما زيد قائم، مع قولك: إن زيدًا قائم: لا فرق بينهما في المعنى إلا زيادة لفظة "ما" وهي: كالعدم بالنسبة إلى إفادة الحصر، ولا معنى لها إلا التأكيد (5) في إثبات القيام (6).

وأجيب عن هذا: بمنع اتحاد المعنيين؛ لأن علماء العربية فرقوا بين المعنيين فقالوا: إنما زيد قائم، إخبار عن قيام زيد مع اختصاصه بالقيام، بخلاف قولك (7): إن زيدًا قائم؛ لأنه لا يقتضي الاختصاص.

وحجة القول بأنه يفيد الحصر بمنطوقه: أن معنى قولك: إنما إلهكم الله،

(1) في ط: "قوله".

(2)

في ط: "قوله".

(3)

المثبت من ز، وفي الأصل وط:"إفادته".

(4)

في ز: "الحصر".

(5)

في ط: "أي للتأكيد الإثبات"، وفي ز:"أي لتأكيد الإثبات".

(6)

"القيام" ساقطة من ط وز.

(7)

في ط: "قوله".

ص: 544

مع قول: ما إلهكم إلا الله [معنى واحد؛ فإن الكلام الثاني الذي هو قولك: ما إلهكم إلا الله](1) يفيد الحصر بمنطوقه، فكذلك الكلام الأول وهو قولك: إنما إلهكم الله.

وحجة (2) الثاني أيضًا (3): أنه (4) يفيد الحصر بمنطوقه: أن أئمة النحاة نصوا على أن (5)"إنما" للإثبات والنفي؛ وذلك أنّ "إنّ" لإثبات الحكم للمنطوق (6) به و"ما" لنفي الحكم عن المسكوت عنه؛ لأن أصل "إنّ" قبل تركيبها (7) مع "ما" أن تقتضي الإثبات، وأصل "ما" قبل التركيب أن تقتضي النفي، والأصل عند التركيب عدم التغيير، فتبقيان (8) في التركيب على حالهما في الإفراد؛ إذ الأصل بقاء ما كان على ما كان، فمقتضى ذلك: أن "إنما" مفيدة للحصر بمنطوقها لا بمفهومها.

وحجة القول الثالث (9): بأنه (10) يفيد الحصر بمفهومه: أن "إن" و"ما"

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(2)

في ط وز: "وحجة القول الثاني".

(3)

"أيضًا" ساقطة من ط.

(4)

في ز: "بأنه".

(5)

"أن" ساقطة من ز.

(6)

في ط: "المنطوق".

(7)

في ط: "تركيبه".

(8)

في ز: "فيبقيان".

(9)

"الثالث" ساقطة من ط.

(10)

في ز: "أنه".

ص: 545

حرفا تأكيد (1)، وهو: تأكيد على تأكيد فذلك (2) يقتضي: أن يتضمن (3) الكلام معنى الحصر بمفهومه.

وسبب الخلاف في كونها هل (4) تفيد الحصر بالمنطوق (5)، أو بالمفهوم هو (6): اختلافهم (7) في "ما" مع "إنّ"، هل هي نافية؟ قاله أبو علي (8) في المسائل (9) الشيرازية (10)، أو هي زائدة، قاله غيره.

(1) في ط: "حرف التأكيد".

(2)

في ز: "وذلك".

(3)

في ط: "يضمن".

(4)

"هل" ساقطة من ز.

(5)

في ز: "بالمفهوم أو بالنطوق".

(6)

"هو" ساقطة من ز.

(7)

في ز: "خلافهم".

(8)

هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان أبو علي الفارسي، ولد قرب شيراز سنة (288 هـ) أخذ النحو عن أبي إسحاق الزجاج وأبي بكر بن السراج، قدم بغداد فاستوطنها وأخذ عن علماء النحو بها، رحل إلى حلب وبلاد فارس، وبرع في علم النحو، ومن تلاميذه: عثمان بن جني، وعلي بن عيسى الربعي، وعلي بن عيسى الشيرازي، توفي رحمه الله ببغداد سنة (377 هـ)، من مصنفاته:"الإيضاح"، و"التكملة"، و"التذكرة"، و"الحجة" في القراءات، و"المسائل الشيرازيات"، و"الحلبيات"، و"البغداديات"، و"الذهبيات".

انظر: إنباه الرواه 1/ 273، شذرات الذهب 3/ 88، معجم الأدباء 7/ 232 - 261، تاريخ بغداد 7/ 275، بغية الوعاة 1/ 496، وفيات الأعيان 2/ 80، النجوم الزاهرة 4/ 151.

(9)

"في المسائل" ساقطة من ز.

(10)

في ز: "الشيرازيات"، وفي هامش ز:"أي المسائل التي أملاها بشيراز".

ص: 546

قوله: (وتقدُّم النفي قبل "إِلا"، نحو: قوله عليه السلام: "لا يقبل الله صلاة إلا (1) بطهور").

ش: هذا هو ثاني الأدوات، وهو تقدم النفي قبل إلا.

مثاله: قوله عليه السلام: "لا يقبل الله صلاة إلا بطهور"(2).

قال المؤلف في الشرح: وقولي تقدم النفي قبل إلا: يعم جميع أنواع النفي نحو: ما قام إلا زيد، ولم يقم إلا زيد، وليس يقوم إلا زيد، ولما يقم إلا زيد، وكيفما (3) تقلب النفي (4).

وقوله: (لا يقبل الله صلاة إِلا بطهور) هو حصر المفعول في (5) المجرور.

ومثاله أيضًا: ما اخترت رفيقًا إلا منكم.

(1) المثبت من ط وز وأ وخ، وش، وفي الأصل:"بغير طهور".

(2)

تفرد بهذا اللفظ ابن ماجه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة إلا بطهور، ولا صدقة من غلول" ح/ رقم 272، (1/ 100).

وأخرجه مسلم عن ابن عمر بلفظ: "لا تقبل"، و"بغير طهور" بدل "إلا بطهور" كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة (1/ 140).

وأخرجه الدارمي عن أبي مليح عن أبيه في كتاب الطهارة، باب: لا تقبل الصلاة بغير طهور (1/ 175).

وأخرجه: الترمذي عن ابن عمر وفيه: "لا تقبل"، و"بغير" وقال: وفي الباب عن أبي المليح عن أبيه، وأبي هريرة، وأنس، كتاب الطهارة، باب ما جاء: لا تقبل صلاة بغير طهور.

وأخرج ابن ماجه عن أنس بن مالك وأبي بكرة بلفظ: "لا يقبل"، و"بغير طهور".

(3)

المثبت من ط، وفي الأصل:"وكيفا".

(4)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 58.

(5)

في ط: "بالمجرور".

ص: 547

ومثال عكسه: وهو حصر المجرور في المفعول: ما اخترت (1) منكم إلا رفيقًا.

ومثال حصر الفاعل في (2) المفعول: ما ضرب زيدٌ إلا عمرًا.

[ومثال حصر المفعول في الفاعل: ما ضرب عمرًا إلا زيدٌ بتأخير المحصور فيه، وقد يتقدم (3) نحو: ما ضرب إلا زيدٌ عمرًا](4) وهو قليل.

ومثال حصر ذي الحال في الحال: ما جاء زيدٌ إلا راكبًا، ومثال حصر الحال في ذي الحال: ما جاء (5) راكبًا إلا زيدٌ.

قوله: (والمبتدأ مع الخبر نحو: قوله عليه السلام (6): "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (7) "(8) فالتحريم محصور في التكبير، والتحليل محصور في

(1) في ط: "ما اخترزت".

(2)

في ط: "بالمفعول"

(3)

المثبت من ز وفي الأصل: "يقدم".

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(5)

في ط: "نحو ما جاء

إلخ".

(6)

في نسخة ش: "عليه الصلاة والسلام".

(7)

في ط: "التقسيم" وهو خطأ.

(8)

هذا جزء من حديث أخرجه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي، والدارمي عن علي ابن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"، وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب، وذكر أن في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو صدوق وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وقال: إن أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل.

وفي الباب عن جابر، وأبي سعيد وقد أخرج ابن ماجه أيضًا هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري بهذا اللفظ.

ص: 548

التسليم، وكذلك (1):"ذكاة الجنين ذكاة أمه"(2)).

ش: هذا هو ثالث الأدوات، وهو حصر المبتدأ في الخبر، [والمراد بالمبتدأ ها هنا: المبتدأ المجرد من إنما.

وتقدم النفي قبل "إلا" يدل على تمثيله، وأما المبتدأ إذا تقدم عليه "إنما" نحو: إنما زيدٌ قائم، والمبتدأ إذا تقدم فيه النفي قبل "إلا" نحو: ما زيدٌ إلا قائم، فقد تقدم الكلام عليه.

ومثال حصر المبتدأ في الخبر] (3): قوله (4) عليه السلام: "تحريمها

= انظر: سنن أبي داود كتاب الطهارة باب فرض الوضوء ح/ رقم 61 (1/ 16)، سنن ابن ماجه ح/ رقم 275، 276 كتاب الطهارة، باب مفتاح الصلاة الطهور (1/ 101)، سنن الترمذي ح/ 3، كتاب الطهارة (1/ 17) سنن الدارمي كتاب الطهارة، باب مفتاح الصلاة الطهور (1/ 175).

(1)

في نسخة أ: "وكذا".

(2)

أخرجه أبو داود، والدارمي عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ذكاة الجنين ذكاة أمه".

وأخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري بهذا اللفظ وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال: وفي الباب عن جابر وأبي أمامة، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وأخرجه أبو داود وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري من غير هذا الوجه.

انظر: سنن أبي داود ح/ رقم 2827، 2828، كتاب الأضاحي، باب ما جاء في ذكاة الجنين (3/ 103).

سنن الدارمي في كتاب الأضاحي، باب: ذكاة الجنين ذكاة أمه (2/ 84).

سنن الترمذي ح/ رقم 1476، كتاب الأطعمة، باب ذكاة الجنين (5/ 182).

سنن ابن ماجه ح/ رقم 3199، كتاب الذبائح، باب: ذكاة الجنين (2/ 1067).

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(4)

في ز: "نحو قوله".

ص: 549

التكبير" حصر الدخول في حرمة الصلاة في التكبير، ولا (1) يدخل في حرمتها بغير التكبير (2).

وقوله عليه السلام: "تحليلها التسليم" هذا مثال آخر حصر (3) أيضًا الخروج من حرمة الصلاة إلى حلها في التسليم، ولا يخرج من حرمتها إلا بالتسليم.

قال المؤلف في الشرح: المبتدأ يكون محصورًا في الخبر مطلقًا كان الخبر معرفة، أو نكرة، وعلى كل تقدير يفيد الحصر (4).

مثال التنكير (5): زيدٌ قائم.

ومثال التعريف: زيدٌ القائم [وعلى كل تقدير يفيد الحصر](6)، إلا أن حصره (7) يختلف، فإذا كان الخبر نكرة: فإن الحصر يقع في الخبر فيمتنع النقيض (8) والضد، ولا يمتنع الخلاف.

وإذا كان الخبر معرفة: فيقع الحصر في الخبر فيمتنع الجميع: النقيض، والضد، والخلاف.

(1)"ولا" ساقطة من ز.

(2)

في ز: "تكبير".

(3)

"حصر" ساقطة من ط.

(4)

انظر: شرح التنقيح ص 58.

(5)

المثبت من ط ولم ترد "التنكير" في الأصل.

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط وز.

(7)

في ط: "حصر".

(8)

في ز: "الضد والنقيض".

ص: 550

فإذا قلت: ريدٌ قائم امتنع نقيض القيام، وهو عدم القيام، وامتنع ضده أيضًا كالجلوس أو الاضطجاع، أو الركوع، أو السجود، ولا يمتنع الخلاف نحو: كونه فقيهًا أو شجاعًا (1) أو سخيًا؛ لأن هذه الأمور لا تناقض القيام ولا تضاده.

وإذا قلت: زيدٌ القائم، امتنع النقيض، والضد، والخلاف؛ لأن الصيغة التعريفية تقتضي بوضعها ألا يتصف إلا بتلك الصفة خاصة، فإن وقعت له صفة غير هذه الصفة فذلك تخصيص لعموم الحصر.

فإذا علمت (2) هذا تبين لك أن قوله عليه السلام: "تحريمها التكبير" يقتضي أن المصلي لا يدخل في حرمة الصلاة إلا بالتكبير دون غيرها من النقائض، والأضداد، والخلافات من جميع (3) الأمور المتوهمة؛ لأن الخبر ها هنا معرفة.

وهكذا قوله عليه السلام: "تحليلها التسليم" يقتضي أنه لا يخرج من حرمة الصلاة إلا بالتسليم دون جميع الأمور المتوهمة (4).

قال المؤلف في الشرح: وإنما قلنا: إن المبتدأ المحصور (5) في الخبر مطلقًا؛

(1) في ز: "شجيعًا".

(2)

تعليق في هامش ز ص 71/ أنصه: "هذا شروع منه في التعريض بأبي حنيفة القائل: يخرج من الصلاة بكل ما يناقضها حتى الحدث، والرد عليه وعلى من قال: يحصل الدخول في الصلاة بمطلق الذكر سواء التكبير وغيره، فتأمله".

(3)

في ط: "جموع".

(4)

المثبت من ط وز وفي الأصل: "المفهومة".

(5)

في ط وز: "محصور".

ص: 551

لأن المبتدأ يجب (1) أن يكون أخص من الخبر أو مساويًا له (2)، ولا يجوز أن يكون (3) أعم منه (4).

فلا يجوز أن تقول: الحيوان إنسان، ولا الزوج (5) عشرة، بل تقول: الإنسان حيوان، والعشرة زوج؛ فحينئذ يصدق الكلام، والعرب لم تضع الكذب، ولم تضع إلا الصدق فيجب أن يكون المساوي محصورًا في مساويه، والأخص محصورًا في أعمه، وإلا لم يكن أخص ولا مساويًا.

فهذا برهان على ثبوت الحصر مطلقًا كيف كان المبتدأ (6) أو خبره (7) فلا بد (8) إذًا أن يكون المبتدأ أخص من الخبر، أو (9) مساويًا له.

مثال الأخص: الإنسان حيوان.

ومثال المساوي: الإنسان ناطق أو ضاحك.

فإن (10) كان المبتدأ أعم: كقولك: الحيوان إنسان، أو قولك: الإنسان

(1) في شرح التنقيح "يجوز".

(2)

"له" ساقطة من ز.

(3)

في ط وز: "أن يكون المبتدأ أعم".

(4)

في ز: "من الخبر".

(5)

في ط: "وللزوج".

(6)

في ز: "وخبره".

(7)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 58 - 59.

(8)

"بد" ساقطة من ز.

(9)

في ز: "أو يكون مساويًا".

(10)

في ط: "فإذا".

ص: 552

أبيض، فلا يصح؛ لأنه (1) كذب، والعرب لا (2) تضع (3) الكذب.

قوله: (وكذلك: ذكاة الجنين ذكاة أمه).

ش: هذا مثال آخر لحصر المبتدأ في خبره.

ومعنى قوله عليه السلام: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" أي: ذكاة الجنين محصورة في ذكاة أمه، أي: يستغنى بذكاة أمه عن ذكاته، فلا يحتاج إلى ذكاة ينفرد بها.

وروي هذا الحديث بروايتين: رفع الذكاة الثانية، ونصبها.

تمسك (4) المالكية (5) والشافعية (6) برواية الرفع، فمعناه عندهم: ذكاة الجنين هي بنفسها ذكاة أمه.

وتمسك الحنفية برواية النصب فقالوا: لا يؤكل إلا بذكاة نفسه (7)، فمعنى الحديث عندهم: أن يذكى الجنين كما تذكى أمه.

فتقدير النصب عندهم: ذكاة الجنين أن (8) يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه، ثم حذف المصدر وصفته (9) التي هي [مثل](10) وأقيم المضاف

(1) في ط: "لأنك".

(2)

في ط وز: "لم".

(3)

في ط: "يضع".

(4)

في ز: "فتمسك".

(5)

انظر هذه المسألة عند المالكية في: المنتقى للباجي 3/ 117.

(6)

انظر هذه المسألة عند الشافعية في: نهاية المحتاج 8/ 142.

(7)

انظر هذه المسألة عند الحنفية في شرح فتح القدير 8/ 61.

(8)

في ز: "أنه".

(9)

في ز: "وصفتها".

(10)

في ط: "المثل".

ص: 553

إليه مقامها (1)، وأعرب (2) بإعرابها (3).

وأجيب: بأن التقدير في رواية النصب: وذكاة الجنين داخلة في ذكاة أمه، ثم حذف الخبر الذي هو "داخلة" مع حرف الجر الذي هو "في" فانتصب لحذف (4) حرف (5) الجر.

وهذا التقدير في النصب أولى من تقدير الحنفية لوجهين:

أحدهما: كونه أقل حذفًا.

والثاني: كونه فيه جمع بين الحديثين.

والجمع بين (6) الحديثين أولى من اطراح أحدهما (7).

واعلم أن العلماء اختلفوا في ذكاة الأم، هل تعمل في الجنين، أو لا تعمل (8) فيه؟

(1) في ز: "مقامه".

(2)

في ز: "فإعراب".

(3)

نقل المؤلف بالمعنى من شرح التنقيح للقرافي ص 60.

(4)

في ط وز: "بحذف".

(5)

"حرف" ساقطة من ط.

(6)

"بين" ساقطة من ط.

(7)

انظر هذا الجواب في: شرح التنقيح للقرافي ص 60.

(8)

انظر الخلاف في هذه المسألة في: المغني لابن قدامة 8/ 579، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الرملي الشافعي كتاب الأضحية 8/ 142، المنتقى للباجي 3/ 117، شرح فتح القدير لابن همام الحنفي كتاب الذبائح 8/ 61.

ص: 554

قال الشافعي: تعمل فيه مطلقًا (1).

وقال الحنفي: لا تعمل فيه مطلقًا، فلا بد أن يذكى.

وقال مالك: تعمل فيه بشرط تمام الخلقة، ونبات الشعر، ولا تعمل فيه إذا لم يتم خلقه، ولم ينبت شعره.

وسبب الخلاف: هل الجنين (2) جزء من أمه مطلقًا؟ أو ليس بجزء من أمه مطلقًا؟ أو هو (3) جزء من أمه إذا تم خلقه ونبت شعره، وليس بجزء منها (4) إذا لم يحصل له (5) ذلك؟

من (6) جعله كالعضو من أعضائها قال: لا يذكى؛ لأن العضو الواحد لا يذكى مرتين.

ومن جعله بهيمة أخرى قال: يذكى.

ومن جعله كعضو من أعضائها إذا تم خلقه، ونبت شعره قال: لا يذكى، وإذا لم يتم خلقه، ولم ينبت شعره: فليس كعضو من أعضائها فيذكى.

وهذا كله إذا خرج ميتًا بعد ذبح أمه (7)، وأما إذا خرج حيًا [بعد ذبح

(1) وهو مذهب الحنابلة أيضًا، انظر: المغني 8/ 579.

(2)

في ط: "الجنين هل هو جزء من أمه".

(3)

"أو هو" ساقطة من ط.

(4)

في ط: "من أمه".

(5)

"له" ساقطة من ط وز.

(6)

في ز: "فمن".

(7)

هذا تحرير محل النزاع.

ص: 555

أمه] (1): فله حكم نفسه، وكذلك إذا خرج قبل ذبح أمه، فله حكم نفسه.

وقال ابن العربي (2): والصحيح عندي أنه إن خرج حيًا ذكي، وإن خرج ميتًا لا يذكى؛ لأن ذكاته (3) لا تفيد شيئًا (4)(5).

قوله (6): (وتقديم المعمولات نحو: قوله تعالى (7): {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (8)، {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (9) أي: لا نعبد إِلا إِياك (10) ولا يعملون (11) إِلا بأمره).

ش: هذا رابع الأدوات، وهو تقديم المعمولات على عاملها وهو مذهب الزمخشري (12) وجماعة.

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(2)

في ط: "قال ابن العربي في كتاب القبس"، وفي هامش ز:"كتاب القبس في شرح موطأ مالك بن أنس".

(3)

في ط وز: "لأن ذبحه بعد موته

إلخ".

(4)

"شيئًا" ساقطة من ط وز.

(5)

انظر: القبس في شرح موطأ مالك بن أنس لابن العربي في ذكاة ما في بطن الذبيحة ص 153 "خ" بالمكتبة العامة بالرباط رقم ج 25.

(6)

في ط: "وقوله".

(7)

"تعالى" ساقطة من ز.

(8)

الفاتحة: 5.

(9)

الأنبياء: 27.

(10)

قوله: "لا نعبد إلا إياك" لم يرد في ط.

(11)

في ط: "يعملون"، وفي أوخ وش:"وهم لا يعملون".

(12)

هو أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الزمخشري، ولد سنة (467 هـ) بزمخشر من قرى خوارزم، جاء إلى بغداد أكثر من مرة، أخذ عن أبي الحسن بن علي بن المظفر النيسابوري، والشفتاني، وأبي منصور الجواليقي، والخوارزمي النحوي، وغيرهم، وجاور بمكة وتلقب بجار الله، والزمخشري واسع العلم اشتهر بعلم التفسير، والحديث، والإعراب، واللغة، والمعاني، والبيان، وهو =

ص: 556

وذهب آخرون (1) إلى عدم (2) الحصر.

ودليل كونه يفيد الحصر: قول العرب: "إياك أعني، واسمعي يا جارة"(3)؛ فإنه يقتضى أنه لا يعني غيرها.

وما روي عن الأصمعي (4) أنه مر مع رفيقه ببعض أحياء العرب فشتمت

= معتزلي يفتخر بمذهبه، توفي بخوارزم سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة (538 هـ).

من مصنفاته: "الكشاف" في التفسير، "الفائق" في غريب الحديث، "أساس البلاغة"، "المفصل"، "الأنموذج"، "المستقصى"، "رؤوس المسائل"، "المنهاج" في الأصول.

انظر: إنباه الرواة 3/ 265 - 273، وفيات الأعيان 5/ 168 - 174، شذرات الذهب 4/ 118، 121، مفتاح السعادة 1/ 431 - 434.

(1)

في ز: "الآخرون".

(2)

انظر نسبة هذه المذاهب في: شرح التنقيح للقرافي ص 60، شرح التنقيح للمسطاسي ص 21.

(3)

أول من قال هذا المثل: سهل بن مالك الفزاري، وذلك أنه عدل في طريقه إلى النعمان إلى خباء حارثة بن لام الطائي فلم يجده، فرحبت به أخته وكانت جميلة فافتتن بها، فجلس بفناء الخباء يومًا وهي تسمع كلامه، فجعل ينشد ويقول:

يا أخت خير البدو والحضارة

كيف ترين في فتى فزارة

أصبح يهوى حرة معطارة

إياك أعني واسمعي يا جارة

فخاشنته في القول، ثم لما رجع من عند النعمان أرسلت إليه أن يخطبها ففعل.

انظر: مجمع الأمثال 1/ 80، المستقصى 1/ 450.

(4)

هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع، يصل نسبه إلى قيس بن عيلان، ولد سنة 123 هـ وهو من أهل البصرة، وقدم بغداد أيام هارون الرشيد، اشتهر باللغة والنحو والغريب والأخبار والملح وكان بحرًا في اللغة، واشتهر بالحفظ قيل: إنه يحفظ ست عشرة ألف أرجوزة، اختلف في وفاته، قيل: إنه توفي سنة 217 هـ، مصنفاته تزيد على الثلاثين، منها:"غريب الحديث"، "نوادر الإعراب"، "الأمثال"، "الأضداد"، "اللغات"، "المقصور والممدود"، "الخيل"، "مياه العرب"، =

ص: 557

امرأة رفيقه، ولم يعرفا أيهما شتمت، فالتفت إليها رفيقه (1)، فقالت له (2): إياك أعني.

فقال للأصمعي (3): انظر كيف حصرت (4) الشتم فيّ (5).

قوله: (وتقديم المعمولات) يريد: المعمولات التي يجوز تقديمها على عاملها، وأما المعمولات التي يجب تقديمها على عاملها، فلا يفيد تقديمها (6) الحصر، وذلك إذا تضمن المعمول ما له صدر الكلام نحو: أسماء الشرط (7)، وأسماء الاستفهام.

مثال اسم الشرط: قولك: أي رجل يضرب زيدٌ اضربه (8).

ومثال اسم الاستفهام قولك: أي رجل يضرب زيدًا يا هذا؟

وقوله (9): "نحو قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (10)، {وَهُمْ بِأَمْرِهِ

= "الاشتقاق".

انظر: إنباه الرواة 2/ 197 - 205، تاريخ بغداد 10/ 410 - 420، وفيات الأعيان 3/ 170 - 176، شذرات الذهب 2/ 36.

(1)

في ز: "رفيقها".

(2)

"له" ساقطة من ز.

(3)

المثبت من ز وش، وفي الأصل وط:"الأصمعي".

(4)

"حصرت" ساقطة من ز.

(5)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 60، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 21.

(6)

في ط: "تقديمها على عاملها الحصر".

(7)

في ز: "الشروط".

(8)

في ط: "اضرب".

(9)

في ط: "قوله".

(10)

سورة الفاتحة آية رقم 5.

ص: 558

يَعْمَلُونَ} (1) " قدم (2) في المثال الأول: المفعول، وهو: إياك، وقدم في المثال الثاني المجرور، وهو (3):{بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (4).

قوله: "وتقديم المعمولات" يعني: أن الثاني هو المحصور في الأول، بخلاف الحصور الثلاثة المتقدمة؛ فإن الأول فيها هو المحصور في (5) الثاني.

قوله: "وتقديم المعمولات" ورد عليه إشكال عظيم، وهو قوله تعالى:{إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (6)، فيلزم على قاعدة الحصر: أن الله جل (7) وعلا عالم بالأعمال دون غيرها؛ وذلك باطل بإجماع.

أجيب (8) عن هذا: بأن هذا المفهوم قد عارضه صريح، فيقدم الصريح عليه (9)، وهو قوله تعالى:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (10)، وقوله تعالى:{قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (11)، {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} (12)، [وقوله

(1) سورة الأنبياء آية رقم 27.

(2)

في ز: "قد قدم".

(3)

"وهو" ساقطة من ط.

(4)

"يعملون" ساقطة من ط وز.

(5)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"الحصر".

(6)

سورة هود آية رقم 112، وسورة فصلت آية رقم 40.

(7)

في ز: "عز وجل".

(8)

في ز: "وأجيب".

(9)

"عليه" ساقطة من ط.

(10)

سورة الحجرات آية رقم 16.

(11)

سورة الطلاق آية رقم 12.

(12)

سورة الجن آية رقم 28.

ص: 559

تعالى: {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} (1)] (2).

قوله: "وتقديم المعمولات" هذا (3) تمام الأدوات الأربع.

وزاد المؤلف في الشرح (4) خامسًا: وهو: حصر الخبر في المبتدأ؛ لأن المؤلف ذكر في الأصل حصر المبتدأ في الخبر، ولم يذكر فيه حصر الخبر في المبتدأ فذكره في الشرح، وذلك إذا كانت لام التعريف في الخبر.

قال المؤلف في الشرح: زاد الإمام فخر الدين في كتاب (5) الإعجاز له (6)، لام التعريف في الخبر، وقال (7): هي تقتضي حصر الخبر في المبتدأ عكس الحصور كلها، فإن الأول هو الذي يحصر في الثاني، إلا هذا؛ فإن الثاني فيه يكون محصورًا في الأول.

مثاله قولك: أبو بكر الصديق (8) الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: لا يكون غيره خليفة.

ومثاله أيضًا: زيدٌ المحدث في هذه القضية، أي (9) لا يحدث فيها أحد

(1) سورة الملك آية رقم 19.

(2)

ما بين المعقوفتين ورد في ط وز، ولم يرد في الأصل.

(3)

في ط: "هذا".

(4)

في ط: "زاد المؤلف خامسًا في الشرح".

(5)

في ز: "كتابه".

(6)

"له" ساقطة من ز.

(7)

في ز: "فقال".

(8)

في ز: "رضي الله عنه".

(9)

"أي" ساقطة من ط.

ص: 560

غيره، وهو كثير. انتهى نصه (1).

وقال بعض الشراح (2): انظر هذا الذي قال فخر الدين: إن أراد أن هذا مطرد في جميع الصور، فهو مخالف لما تقدم من حصر المبتدأ في الخبر، في قوله عليه السلام:"تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".

وإن أراد أن هذا مختص ببعض الصور فما ضابط ذلك؟ انتهى (3).

وقال بعضهم: هذا الذي قال الإمام فخر الدين ظاهر غير خفي.

وأصله: قول أرباب علم البيان أن معنى (4) خبر المبتدأ إذا كان نكرة مخالف لمعناه إذا كان معرفة.

فإذا قلت: زيد منطلق: كان كلامك مع من لم يعرف انطلاقًا لا من زيد، ولا من غيره، ولم يعرف وقوع انطلاق أصلاً، فأنت تعرّفه ذلك.

وإذا قلت: زيد المنطلق: كان (5) كلامك مع (6) من عرف وقوع الانطلاق، ولكن لم يعرف المنطلق، فأنت تعرفه أنه من زيد دون (7) غيره.

(1) انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 60، وفي ط زيادة الأمثلة التالية:"ومثاله أيضًا كقولك: زيدٌ القائم، وقولك: زيدٌ الناقل لهذا الخبر، وقولك: زيدٌ المسبب في هذه القضية".

(2)

هو المسطاسي في شرحه للتنقيح.

(3)

انظر: شرح التنقيح للمسطاسي ص 21.

(4)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"معنى أن".

(5)

في ط: "فإن".

(6)

"مع" ساقطة من ط.

(7)

في ز: "لا من غيره".

ص: 561

ثم إذا أرادوا توكيد هذا الوقوع أدخلوا الضمير المسمى فصلاً، فقالوا: إن (1) زيدًا هو (2) المنطلق.

قوله: (وهو ينقسم إِلى حصر الموصوفات في الصفات، نحو: إِنما زيد عالم، وإلى: حصر الصفات في الموصوفات نحو: إِنما العالم زيد)(3).

ش: هذا هو المطلب الثالث، وهو أقسام الحصر، فقسمه المؤلف باعتبارين: إما باعتبار الموصوف والصفة، وإما باعتبار العموم والخصوص.

فقوله: (وهو ينقسم إِلى: حصر الموصوفات)[في الصفات نحو: إِنما زيد عالم، وإِلى حصر الصفات في الموصوفات نحو: إِنما العالم زيد](4).

هذا تقسيم الحصر بجملته باعتبار الموصوف والصفة فذكر في هذا التقسيم قسمين:

أحدهما: حصر الموصوف في الصفة (5).

مثاله: إنما زيد عالم، أي: زيد محصور في هذه الصفة، وهي: اتصافه بالعلم إذا أريد أنه لا يتصف بغير تلك (6) الصفة، فلا يكاد يوجد لتعذر الإحاطة بصفات الشيء.

(1)"إن" ساقطة من ط وز.

(2)

في ط: "زيد المنطلق"، وفي ز:"زيد هو المنطلق".

(3)

في نسخة أوخ وش: "وهو منقسم إلى حصر الموصوفات في الصفات وإلى حصر الصفات في الموصوفات نحو: إنما زيد عالم، إنما العالم زيد".

(4)

ما بين المعقوفتين لم يرد في ط وز.

(5)

في ط: "في صفته".

(6)

في ط: "بغير ذلك من الصفات".

ص: 562

ومثاله أيضًا: إنما زيد في الدار.

والقسم الثاني: حصر الصفة في موصوفها.

مثاله: إنما العالم زيد، أي: العلم محصور في زيد.

ومثاله أيضًا قولك: إنما الشجاع علي.

ومثاله أيضًا: إنما الكريم حاتم.

ومثاله أيضًا: إنما الجميل يوسف، وقولك (1): إنما الفقيه مالك، وغير ذلك، وهو كثير.

والفرق بين الحصرين المذكورين:

أن (2) الموصوف في القسم الأول ليس له إلا تلك الصفة، ولا يمتنع أن يشاركه فيها غيره.

وأما الموصوف في القسم الثاني فلا يمتنع أن يوصف بغير تلك الصفة، ويمتنع أن يشاركه فيها غيره (3).

قوله: (وعلى التقديرين (4) فقد (5) يكون عامًا في المتعلق نحو ما تقدم، وقد يكون خاصًا، نحو: قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ} (6) أي: باعتبار من

(1) في ز: "وكذلك".

(2)

في ط: "لأن".

(3)

ذكر القرافي قسمًا ثالثًا وهو حصر الصفة في الصفة. انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 60، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 21.

(4)

في ط: "التقيدين".

(5)

في ط: "قد"، وفي ز:"وقد".

(6)

سورة الرعد آية 7.

ص: 563

لا يؤمن فإِن (1) حظه منه الإِنذار ليس إِلا، فهو محصور في إِنذاره، ولا وصف له غير الإِنذار باعتبار هذه الطائفة، وإِلا فهذه الصيغة تقتضي حصره في النذارة، فلا يوصف بالبشارة، ولا بالعلم، ولا بالشجاعة، ولا بصفة أخرى).

ش: هذا تقسيم الحصر باعتبار عمومه، وخصوصه، ذكر المؤلف في هذا التقسيم قسمين أيضًا:

أحدهما: عام.

والآخر: خاص.

وقوله: (عامًا) أي عامًا لجميع الطوائف.

وقوله: (خاصًا)[أي: خاصًا](2) ببعض الطوائف.

قوله: (وعلى التقديرين) أراد بالتقديرين: القسمين المذكورين وهما: حصر الموصوف في الصفة، وحصر الصفة في الموصوف، تقدير الكلام: إذا (3) فرعنا على التقديرين: فقد يكون الحصر في التقديرين عامًا وقد يكون في التقديرين خاصًا.

قوله: (فقد يكون عامًا في المتعلق) أي: قد يكون الحصر عامًا في

(1) في أ: "فإنما".

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(3)

في ز: "وإذا".

ص: 564

متعلقه (1) نحو: ما تقدم الأمثلة المذكورة في الحصر، نحو:"إنما الماء من الماء"(2)، وقوله عليه السلام:"لا يقبل الله صلاة بغير (3) طهور"، وقوله عليه السلام:"تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".

وقوله عليه السلام: "ذكاة الجنين ذكاة أمه".

وقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (4)، وقوله تعالى:{وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (5).

وإلى هذه الأمثلة المذكورة أشار المؤلف (6) بقوله: نحو ما تقدم؛ لأن هذه الأمثلة كلها تعم متعلقها ولا (7) تخصه.

ويحتمل أن يكون قوله: (نحو ما تقدم) من الأمثلة في (8) حصر الموصوف في الصفة (9) وعكسه، وهو قوله:"إنما زيدٌ عالم، وإنما العالم زيد" تقديره على هذا: قد (10) يكون الحصر عامًا في تعلقه (11) بما (12) دخل عليه من

(1) في ط: "متعلق".

(2)

سبق تخريجه.

(3)

في ط وز: "إلا بطهور".

(4)

سورة الفاتحة آية رقم (5).

(5)

سورة الأنبياء آية رقم 27.

(6)

"المؤلف" ساقطة من ط وز.

(7)

في ط: "فلا".

(8)

"في" ساقطة من ط.

(9)

في ز: "صفته".

(10)

في ز: "وقد".

(11)

في ز: "متعلقه".

(12)

في ز: "فيكون عامًا فيما دخل عليه".

ص: 565

موصوف أو صفة، وقد يكون خاصًا في تعلقه (1) بما دخل عليه من موصوف أو صفة.

قوله: (وقد يكون خاصًا) أي: وقد يكون الحصر خاصًا ببعض ما تعلق (2) به، ولا يعم جميع متعلقه.

مثاله: قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} (3)؛ لأن هذه الآية االكريمة تقتضي حصره عليه السلام في صفة واحدة، وهي (4) الإنذار خاصة مع أنه عليه السلام موصوف بغير هذه الصفة من البشارة، والشجاعة، والعلم، والحلم، والصبر، والجود، والكرم، والزهد، والورع، وغير ذلك من سائر الأوصاف الجميلة.

لكن نقول (5): هذا الحصر المذكور في هذه الآية خاص في تعلقه (6)؛ لأنه مخصوص بطائفة الكفار دون غيرهم، فحصره عليه السلام في الإنذار إنما ذلك باعتبار الكفار دون غيرهم، فإن حظ الكفار منه عليه السلام إنما هو الإنذار ليس إلا، ولا يوصف بغير الإنذار باعتبار الكفار لقوله تعالى:{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} (7).

(1) في ز: "متعلقه".

(2)

في ز: "المتعلق".

(3)

سورة الرعد آية رقم 7.

(4)

في ز: "وهو".

(5)

في ط: "في هذا الحصر".

(6)

في ز: "متعلقه".

(7)

آية رقم 7 من سورة الرعد.

ص: 566

قوله: (وإِلا فهذه الصفة (1) تقتضي حصره في النذارة فلا يوصف بالبشارة ولا بالعلم، ولا بالشجاعة، ولا بصفة أخرى) أي: وإن لم يحمل (2) الحصر (3) في (4) الآية المذكورة على الخصوص بالكفار، فيلزم من ذلك ألا يتصف النبي عليه السلام بالبشارة، ولا بالعلم، ولا بالشجاعة، ولا بالجود، ولا بالزهد، ولا بالعلم (5)، ولا بالصبر، ولا بغير ذلك من الأوصاف الجميلة، وذلك مخالف للإجماع، فوجب حمل الآية على الخصوص، وهو (6) المقصود.

ومثال الحصر الخاص أيضًا: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} (7).

فحصر الله تبارك وتعالى الدنيا في اللعب واللهو، مع أنها مزرعة للآخرة (8)؛ إذ منها تكتسب جميع الخيرات، وكل (9) ما يكتسب في (10) الآخرة من المراتب الشريفة، والدرجات (11) الرفيعة فهو (12) من الحياة الدنيا

(1) في ط وز: "الصيغة".

(2)

في ط: "نحمل"، وفي ز:"تحمل".

(3)

"الحصر" ساقطة من ز.

(4)

"في" ساقطة من ز.

(5)

"ولا بالعلم" ساقطة من ز.

(6)

في ز: "وهذا هو".

(7)

سورة محمد آية رقم 36.

(8)

في ط وز: "الآخرة".

(9)

في ط: "وكلها".

(10)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"من".

(11)

في ط: "والدرجة".

(12)

في ز: "فهي".

ص: 567

فكيف تحصر في اللعب واللهو؟

لكن نقول: هذا الحصر مخصوص بمن آثر الدنيا على الآخرة؛ فإنها في حقه لعب، ولهو صرفًا؛ لأن تلك الفضائل لا ينال منها في الآخرة شيئًا (1).

ومثال الحصر الخاص أيضًا: قوله عليه السلام: "إنما أنا بشر مثلكم وإنكم (2) تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما (3) أقطع له قطعة من نار"(4).

فقوله عليه السلام: "إنما أنا بشر مثلكم" يقتضي حصره عليه السلام في البشرية (5) دون غيرها من سائر الأوصاف الجميلة من النبوة والرسالة وغيرهما، مع أنه عليه السلام متصف بسائر الأوصاف الجميلة، فكيف يحصر عليه السلام في البشرية (6) دون غيرها؟

لكن نقول: هذا الحصر مخصوص بالاطلاع على بواطن (7) الخصوم، فلا صفة له عليه السلام باعتبار هذا المقام إلا البشرية، وأما غير ذلك من سائر الأوصاف الجميلة، فلا مدخل له (8) في الاطلاع على

(1) نقل المؤلف بالمعنى من شرح التنقيح للقرافي ص 61.

(2)

في ز: "وإن كنتم".

(3)

في ز: "وإنما".

(4)

في ط وز: "من النار".

(5)

في ط: "البشرة".

(6)

في ط: "في البشرة".

(7)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"مواطن".

(8)

المثبت من ط وز، ولم ترد كلمة:"له" في الأصل.

ص: 568

بواطن (1) الخصوم (2).

وغير ذلك من أمثلة الحصر الخاص.

قال المؤلف في الشرح: وقد ذكرت منها (3) جملاً كثيرة في كتاب: الاستغناء في أحكام الاستثناء (4).

قوله: (ومن هذا الباب قولهم (5): زيد صديقي، وصديقي زيد، فالأول يقتضي حصر زيد في صداقتك فلا يصادق غيرك (6)، وأنت يجوز أن تصادق غيره، والثاني يقتضي حصر صداقتك (7) فيه (8) وهو غير منحصر (9) في صداقتك، بل يجوز أن يصادق غيرك على عكس الأول).

ش: هذا بيان لحصر (10) الموصوف في صفته، وحصر الصفة في

(1) المثبت من ط وز، وفي الأصل:"مواطن".

(2)

نقل المؤلف بالمعنى من شرح التنقيح للقرافي ص 61.

(3)

في ط: "جميلاً".

(4)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 61.

وفي هامش ز تعليق: "كتاب الاستغناء في أحكام الاستثناء وفيه نيف وخمسون بابًا، مؤلفه القرافي كما ذكره هذا الشارح في أحكام الاستثناء".

وانظر هذا المثال للحصر الخاص وغيره من الأمثلة في كتاب الاستغناء في أحكام الاستثناء للقرافي ص 259 - 261.

(5)

"قولهم" ساقطة من أوخ.

(6)

في ش: "غيره".

(7)

في نسخة أوش: "أصدقائك".

(8)

في نسخة أوز: "في زيد".

(9)

في نسخة ش: "محصور".

(10)

في ط: "هذا بيان الحصر الموصف، حصر الصفة في موصوفها".

ص: 569

موصوفها.

قوله: (ومن هذا الباب) أي: من باب حصر الموصوف في الصفة، وحصر الصفة في الموصوف.

ومعنى الكلام: ومن أمثلة باب حصر الموصوف (1) في الصفة، وحصر الصفة في الموصوف قولهم (2): زيد صديقي، هذا مثال حصر الموصوف في صفته؛ لأنه (3) حصر زيد في صداقتك فلا يصادق غيرك، وأنت يجوز أن تصادق غيره؛ لأنك غير محصور في صداقته.

وقوله: (صديقي (4) زيد) هذا مثال حصر الصفة في موصوفها؛ لأنه حُصِرتْ صداقتك في زيد فلا تصادق غيره، وهو يجوز أن يصادق غيرك؛ لأنه غير منحصر في صداقتك، على عكس الأول الذي هو حصر الموصوف في الصفة (5).

ومن باب حصر الصفة [في الموصوف](6): قوله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (7) يقتضي: حصر خشية الله تعالى (8) في العلماء

(1) في ز: "حصر الصفة في الموصوف وحصر الموصوف في الصفة".

(2)

في ط: "فقولهم".

(3)

في ط: "قد حصر".

(4)

في ط: "وصديقي".

(5)

نظر هذا المثال في: شرح التنقيح ص 61.

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(7)

سورة فاطر آية رقم 28.

(8)

"تعالى" ساقطة من ز.

ص: 570

فلا يخشاه (1) غيرهم، ويجوز أن يخشوا غيره تعالى (2) بمقتضى (3) دلالة هذا اللفظ.

ولو عكس فقيل: إنما يخشى العلماء الله، بتقديم الفاعل لانعكس المعنى، فيقتضي أن العلماء محصورون في خشية الله تعالى (4) فلا يخشون غيره، ويجوز أن يخشاه غيرهم بمقتضى دلالة هذا اللفظ (5).

فيكون على هذا التقدير من باب حصر الموصوف في الصفة على (6) عكس الآية.

قال المؤلف في الشرح (7): ذكرت قسمين: حصر الموصوف في الصفة، وحصر الصفة في الموصوف، وبقي على ثالث، وهو حصر الصفة في الصفة نحو (8) قوله عليه السلام:"النزاهة (9) القناعه"(10) و"الدين

(1) في ط: "فلا يخشى".

(2)

"تعالى" ساقطة من ز.

(3)

في ط: "فبمقتضى".

(4)

"تعالى" ساقطة من ط وز.

(5)

نقل المؤلف هذا المثال بالمعنى من شرح التنقيح للقرافي ص 61.

(6)

في ط: "وعلى".

(7)

في ط وز: "في شرحه".

(8)

في ط: "وهو".

(9)

في اللسان: نزه نزاهة وتنزه تنزهًا إذا بعد، والنزاهة: البعد عن السوء، انظر مادة:(نزه).

ويقول الماوردي في تقسيم النزاهة: وأما النزاهة فنوعان:

أحدهما: النزاهة عن المطامع الدنية.

والثاني: النزاهة عن مواقف الريبة، ثم فصل القول في كل نوع.

انظر: أدب الدنيا والدين للماوردي ص 314.

(10)

لم أجد هذا الحديث في كتب الصحاح والسنن والمسانيد.

ص: 571

الورع" (1) و"التدبير العيش" (2) و"البر حسن الخلق" (3) وهو كثير. انتهى

(1) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 27) بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العلم خير من العبادة، وملاك الدين الورع".

وأخرجه أيضًا ابن عبد البر من طريق آخر بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضل العلم أفضل من العبادة، وملاك الدين الورع".

انظر: المصدر السابق 1/ 27.

وأخرجه القضاعي في مسند الشهاب بسنده عن ابن عباس بهذا اللفظ حديث رقم 27 ج (1/ 59).

وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس بهذا اللفظ رقم الحديث (10969).

وقد أخرجوه من طريق سوّار بن مصعب، وقد ضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 120، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 68): وأما سوّار بن مصعب فقال أحمد، ويحيى، والنسائي: متروك.

وأخرجه القضاعي في مسند الشهاب عن ابن عمر وابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع" حديث رقم 802 ج 2/ 249.

(2)

هذا جزء من حديث أخرجه القضاعي في مسند الشهاب عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "التدبير نصف العيش، والتودد نصف العقل، والهم نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين" حديث رقم 20 ج (1/ 54 - 55).

(3)

هذا جزء من حديث، وتمام الحديث كما أخرجه الإمام مسلم عن النواس بن سمعان الأنصاري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" وفى لفظ آخر: "والإثم ما حاك في نفسك".

انظر: صحيح مسلم حديث رقم (2553) كتاب البر والصلة باب تفسير البر والإثم (4/ 1980).

وأخرجه الترمذي بهذا اللفظ عن النواس بن سمعان حديث رقم (2390) أبواب الزهد، باب ما جاء في البر والإثم (7/ 118 - 119). =

ص: 572

نصه (1).

قسم المؤلف - رحمه (2) الله -، الحصر في هذا الكتاب باعتبار الموصوف والصفة، وباعتبار العموم والخصوص، وذكر في شرحه تقسيمًا ثالثًا: باعتبار حصر الأول في الثاني، وعكسه.

فقال: يكون الثاني محصورًا في الأول في شيئين، وهما: تقديم المعمولات، ودخول لام التعريف في الخبر كما (3) قاله الإمام فخر الدين، ويكون الأول محصورًا في الثاني فيما سوى ذلك (4). وبالله التوفيق (5).

= وأخرجه الدارمي في سننه بهذا اللفظ عن النواس بن سمعان حديث رقم (2792) كتاب الرقائق، باب في البر والإثم ج 2/ 230.

وأخرجه الإمام أحمد في المسند بهذا اللفظ عن النواس بن سمعان ج (4/ 182).

وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف بهذا اللفظ عن النواس بن سمعان حديث رقم (5387) ج (8/ 520).

وأخرجه الحاكم في المستدرك بهذا اللفظ عن النواس بن سمعان وقال: حديث صحيح الإسناد.

انظر: المستدرك 2/ 14.

(1)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 60.

(2)

"رحمه الله" ساقطة من ط.

(3)

"كما" ساقطة من ز.

(4)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 60.

(5)

في ط وز: "التوفيق بمنه".

ص: 573

الفصل الحادي عشر: خمس (1) حقائق لا تتعلق إلا بالمستقبل من الزمان وبالمعدوم

(وهي: الأمر، والنهي، والدعاء، والشرط، وجزاؤه)(2).

ش: تعرض المؤلف رحمه الله[في هذا الفصل](3) لبيان الحقائق التي لا تتعلق إلا بالزمان المستقبل.

قال المؤلف في الشرح: "وينبني عليها (4) فوائد كثيرة نبهت على بعضها في شرح المحصول (5) "(6).

قال المؤلف في الشرح (7): صوابه: بالمعدوم المستقبل فقولنا: بالمعدوم احترازًا من الحال، وقولنا: بالمستقبل احترازًا من الماضي، ولو قلت:

(1) في ز: "وفيه خمس حقائق".

(2)

وقد زاد القرافي في النفائس (5/ 2044) على هذه الخمسة خمسة أخرى وهي: الوعد، والوعيد، والترجي، والتمني، والإباحة.

وانظر: شرح التنقيح للقرافي ص 62، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 21، والتوضيح شرح التنقيح لحلولو ص 54.

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(4)

في ز: "عليه".

(5)

انظر: نفائس الأصول تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض 5/ 2044 - 2045.

(6)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 62.

(7)

في ز: "قال المؤلف في الشرح: قولي: إلا بمستقبل، صوابه: بالعدم المستقبل".

ص: 575

بالمستقبل لأجزأ، لكن (1) التصريح أحسن؛ لأنه (2) أنص (3) على اعتبار المعدوم في ذلك (4).

[قوله (5): (وهي: الأمر، والنهي، والدعاء، والشرط، وجزاؤه)](6) ووجه اختصاصها بالمستقبل:

أما الأمر، والنهي، والدعاء؛ فلأن معناها طلب، وطلب الماضي محال، وكذلك الحاضر؛ لأنه (7) تحصيل الحاصل فتعين المستقبل.

وأما الشرط، وجزاؤه؛ فلأن معناهما توقيف دخول أمر (8) في الوجود على دخول أمر آخر، والتوقيف في الوجود إنما يكون في المستقبل، فإذا قلت: أنت طالق إن دخلت الدار، فلا يمكن أن يكون الشرط دخلة مضت، ولا يمكن أن يكون المشروط طلقة مضت، بل دخلة مستأنفة (9) وطلقة مستقبلة (10).

أما الأمر فمثاله: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (11)، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ

(1) في ز: "ولكن".

(2)

"لأنه" ساقطة من ز.

(3)

في ز: "نص".

(4)

انظر: شرح التنقيح ص 62.

(5)

"قوله" ساقطة من ط.

(6)

ما بين المعقوفتين ورد في ط وز، ولم يرد في الأصل.

(7)

في ط: "لأنها".

(8)

في ط وز: "الأمر".

(9)

في ط وز: "مستقبلة".

(10)

شرح تنقيح الفصول ص 62.

(11)

سورة البقرة آية رقم 43.

ص: 576

مُؤْمِنِينَ} (1)، وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ} (2)، وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} (3)، وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ} (4)، وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} (5) وغير ذلك، وهو كثير.

وسواء كان الأمر بصيغة الأمر كما تقدم، أو كان بصيغة المضارع؛ نحو: قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ} (6)، لأن تقديره: ليرضعن أولادهن.

وسواء كان مطلوبه حصول ما لم يحصل أو دوام ما حصل.

فمثال حصول ما لم يحصل: جميع ما تقدم من الأمثلة.

ومثال دوام ما حصل: قوله تعالى (7): {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} (8).

وسواء كان أمر إيجاب نحو ما تقدم (9) من الأمثلة، أو كان أمر ندب كقوله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (10) وغير ذلك.

(1) سورة البقرة آية رقم 278.

(2)

سورة لقمان آية رقم 33.

(3)

سورة الأحزاب آية رقم 28.

(4)

سورة المزمل آية رقم 1، 2.

(5)

سورة المدثر آية رقم 1، 2.

(6)

سورة البقرة آية رقم 233.

(7)

"قوله تعالى" ساقطة من ط وز.

(8)

سورة الأحزاب آية رقم 1.

(9)

في ط وز: "جميع ما تقدم".

(10)

سورة النور آية رقم 33.

ص: 577

وأما النهي فمثاله: قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} (1) وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ} (2)، وقوله تعالى (3):{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (4)، وقوله تعالى:{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} (5) وغير ذلك وهو كثير.

وسواء كان ذلك (6) نهي تحريم، أو كراهة (7).

مثال التحريم: جميع ما تقدم من الأمثلة (8).

ومثال الكراهة: قوله عليه السلام لعائشة (9): "لا تتوضئي بالماء المشمس"(10).

(1) سورة الإسراء آية رقم 32.

(2)

سورة الأنعام الآية رقم 151.

(3)

"وقوله تعالى" وردت في ز ولم ترد في الأصل.

(4)

سورة الأنعام الآية رقم 152.

(5)

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} سورة آل عمران آية 130.

(6)

"ذلك" ساقطة من ط وز.

(7)

في ط: "ونهي كراهة"، وفي ز:"أو نهي كراهة".

(8)

"من الأمثلة" ساقطة من ط وز.

(9)

هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، ولدت بعد البعثة بأربع سنين، وكانت أعلم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، توفيت سنة (58 هـ).

انظر: الإصابة 4/ 359.

(10)

هذا الحديث موضوع، ذكره ابن القيم في المنار المنيف في الصحيح والضعيف (ص 60، حديث رقم 88)، ولفظه:"يا حميراء لا تغتسلي بالماء المشمس فإنه يورث البرص". =

ص: 578

= وذكره الكناني في كتابه تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة وقال: ليس في الماء المشمس شيء يصح مسندًا، إنما يروى فيه شيء من قول عمر، وقد أخرجه الشافعي في الأم بسند رجاله ثقات إلا إبراهيم بن يحيى فإنه مختلف فيه وشيخه صدقة بن عبد الله ضعيف.

انظر كتاب: تنزيه الشريعة (2/ 69).

وأخرجه الدارقطني وقال: يرويه خالد بن إسماعيل وهو متروك، وعمر الأعسم وهو منكر الحديث.

انظر: سنن الدارقطني 1/ 14.

وذكر الألباني في إرواء الغليل أنه حديث موضوع وأن له ست طرق كلها ضعيفة، وذكر أن أثر عمر لا يصح عنه، وقد روي من طريقين: الأول: ما أخرجه الشافعي في الأم وفي سنده إبراهيم وهو متهم وشيخه ضعيف، الطريق الثاني: ما أخرجه ابن حبان في الثقات عن حسان بن أزهر السكسكي.

انظر: إرواء الغليل (1/ 50 - 54).

(1)

"فمثاله" ساقطة من ط.

(2)

في ط: "فقوله".

(3)

سورة آل عمران آية رقم 193.

(4)

سورة البقرة آية رقم 250.

(5)

سورة الأعراف آية رقم 126.

(6)

"تعالى" ساقطة من ط.

ص: 579

مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (1) وغير ذلك وهو كثير.

وسواء كان بصيغة الأمر نحو ما تقدم، أوكان بصيغة النهي نحو قوله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (2).

أو كان بلفظ (3) الماضي، كقوله تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} (4)، وكقولك (5): عفا الله عنا وغفر (6) لنا ولك (7) وغير ذلك.

وأما الشرط وجزاؤه، وهما (8) جملتان مرتبطتان (9) تسمى الأولى منهما شرطًا، وتسمى الثانية جوابًا وجزاء.

فقد يكون الشرط والجزاء بفعلين (10) مضارعين.

وقد يكونان بماضيين (11).

(1) سورة البقرة آية رقم 286.

(2)

سورة البقرة آية رقم 286.

(3)

في ز: "بصيغة".

(4)

سورة التوبة آية رقم 43.

(5)

في ط وز: "وقولك".

(6)

في ز: "وعفا الله لنا".

(7)

"ولك" ساقطة من ز وط.

(8)

في ز: "فهما".

(9)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"مرتبطان".

(10)

في ز: "فعلين".

(11)

في ز: "ماضيين".

ص: 580

وقد يكون الشرط بماض (1)، ويكون (2) الجزاء بمضارع (3).

وقد يكون الشرط بمضارع (4)، ويكون (5) الجزاء بماض (6) وهذا قليل في الكلام.

مثال كونهما بمضارعين (7): قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (8)، وقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} (9)، وقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (10) وغير ذلك وهو كثير.

ومثال كونهما بماضيين (11) قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} (12)، وقوله تعالى:{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} (13)، [وقوله تعالى] (14): {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ

(1) في ز: "ماضيًا".

(2)

"يكون" ساقطة من ز

(3)

في ز: "مضارعًا".

(4)

في ز: "مضارعًا".

(5)

"يكون" ساقطة من ز.

(6)

في ز: "ماضيًا".

(7)

في ز: "مضارعين".

(8)

سورة الطلاق آية 2، 3.

(9)

سورة الطلاق آية رقم 5.

(10)

سورة الطلاق آية رقم 4.

(11)

في ط وز: "ماضيين".

(12)

سورة الإسراء آية رقم 7.

(13)

سورة الإسراء آية رقم 8.

(14)

ما بين المعقوفتين لم يرد في النسخ الثلاث وهو زيادة يقتضيها السياق.

ص: 581

قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (1)، وغير ذلك.

ومثال كون الشرط بالماضي والجزاء بالمضارع (2): قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} (3)، وقوله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} (4).

ومنه قول زهير (5) في مدح هرم (6) بن سنان:

(1) سورة يوسف آية رقم 26، 27.

(2)

في ز: "ومثال الشرط الماضي والجزاء المضارع".

(3)

سورة الشورى آية رقم 20.

(4)

سورة هود آية رقم 15.

(5)

هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح من مزينة، ولد في بلاد مزينة نواحي المدينة، وأقام في الحاجر من ديار نجد، وزهير أحد الشعراء الفحول المتقدمين على سائر الشعراء، وكان زهير جاهليًا لم يدرك الإسلام، وأدركه ابناه كعب وبجير، وهو من بيت شعراء فأبوه شاعر، وخاله شاعر، وأخته سلمى شاعرة، وأخته الخنساء شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعران، وابن ابنه المضرب شاعر، روي أن زهيرًا كان ينظم القصيدة في شهر، وينقحها ويهذبها في سنة، وكانت تسمى قصائده بالحوليات، توفي قبل البعثة بسنة.

انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 137 - 153، خزانة الأدب للبغدادي 1/ 375، طبقات الشعراء للجمحي شرح محمود شاكر 1/ 51.

(6)

هو هرم بن سنان بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيط بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان من أجود العرب في الجاهلية، يضرب به المثل، وقد أكثرت الشعراء في جوده وضربوا به الأمثال في الجود، حتى قيل: أجود من هرم، وفدت ابنته على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لها: ما الذي أعطى أبوك زهيرًا حتى قابله من المديح؟ =

ص: 582

وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول: لا غائب مالي ولا حرم (1)

قوله: خليل معناه: ذو خلة، والخلة هي: الحاجة والفاقة (2)، يقال: اختل الرجل إذا افتقر، واحتاج.

[وقوله: لا غائب: مبتدأ](3).

= فقالت: قد أعطاه خيلاً تنضى، وإبلاً تتوى، وثيابًا تبلى، ومالاً يفنى، فقال عمر رضي الله عنه: لكن ما أعطاكم زهير لا يبليه الدهر ولا يفنيه العصر.

انظر: مجمع الأمثال للميداني 1/ 336، المحبر لابن حبيب ص 143، الأغاني 9/ 141 - 143.

(1)

هذا البيت من قصيدة له مدح فيها هرم بن سنان ومطلعها:

قف بالديار التي لم يعفها القدم

بلى وغيرها الأرواح والديم

وقبل البيت المستشهد به:

إن البخيل ملوم حيث كان ولـ

ـكن الجواد على علاته هرم

هو الجواد الذي يعطيك نائلة

عفوًا ويظلم أحيانًا فيظّلم

والشاهد فيه قوله: "يقول" وللعلماء في ذلك مذهبان:

الأول: مذهب سيبويه والجمهور: أن الفعل المضارع المرفوع ليس جوابًا للشرط السابق، بل هو على نية التقديم على أداة الشرط تقديره: يقول: لا غائب مالي إن أتاه خليل.

الثاني: مذهب المبرد والكوفيين: أن هذا الفعل هو نفس الجواب على تقديره الفاء، أي: إن أتاه خليل فهو يقول.

انظر: شرح المفصل لابن يعيش 8/ 158، مجمع الأمثال للميداني 1/ 336، ديوان زهير ص 153، المحتسب 2/ 65، شرح شذور الذهب لابن هشام رقم الشاهد 175 ص 420، شرح ابن عقيل رقم الشاهد 341، أوضح المسالك رقم الشاهد 510، الكامل للمبرد 1/ 78، شرح ديوان زهير ص 153.

(2)

يقال: ما أخلك إلى هذا، أي: ما أحوجك إليه من الخلة، وهي: الحاجة، وأخل الرجل: افتقر، وخل البعير واختل إذا كان به عطش شديد. كتاب الأفعال.

انظر: الأفعال للمعافري 1/ 443.

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

ص: 583

وقوله: مالي: فاعل سد مسد الخبر.

وقوله: ولا حرم: أي لا ممنوع من العطاء.

ومثال كون الشرط بالمضارع (1) والجزاء بالماضي (2) وهو القسم القليل في الكلام، وفي الشعر أيضًا قول الشاعر:

من يكدني (3) بسيئ كنت منه

كالشجا بين حلقه والوريد (4)

والشجا: عظم (5) أو عود يعترض (6) في الحلق يقال: شجي يشجَى شجىً (7) إذا غص (8)؛ لأن الشجا معناه: الغصص وهو من ذوات الياء.

(1) في ز: "الماضي".

(2)

في ز: "المضارع".

(3)

في ط: "كدني".

(4)

قائل هذا البيت هو الشاعر النصراني أبو زبيد المنذر بن حرملة الطائي، وكان من زوار الملوك وخاصة ملوك العجم، واستعمله عمر بن الخطاب على صدقات قومه، وكان يقيم في الجاهلية عند أخواله بني تغلب بالجزيرة، عاش مائة وخمسين سنة، وهذا البيت من قصيدة له يرثي ابن اخته اللجلاج وعدتها تسعة وخمسون بيتًا ومطلعها:

إن طول الحياة غير سعود

وضلال تأميل نيل الخلود

قوله: "يكدني" يقال: كاده كيدًا إذا خدعه ومكر به.

قوله: "بسيئ" على وزن فيعل وصف من السوء.

قوله: "الشجا" هو ما يعترض في الحلق كالعظم.

قوله: "الوريد": قيل الودج، وقيل: إنه بين الحلقوم والعلباء وهو ينبض دائمًا.

انظر: خزانة الأدب للبغدادي 2/ 155، 3/ 654، 655.

(5)

في ز: "عود أو عظم".

(6)

في ز: "يعرض".

(7)

"شجى" ساقطة من ز.

(8)

انظر: كتاب الأفعال للمعافري 2/ 362.

ص: 584

وأما الشجو بالواو فمعناه (1): الحزن (2).

فهذا (3) بيان الحقائق الخمس المذكورة.

قال المؤلف في شرحه: وبعد وضع هذا الكتاب ألحقت بهذه الخمسة خمسة أخرى فصارت عشرة، وهي: الوعد، والوعيد، والتمني، والترجي، والإباحة (4).

ووجه اختصاصها بالمستقبل: أما الوعد والوعيد فإنه (5) حث على مستقبل أو زجر عن (6) مستقبل، مما توقعت النفس من خير في الوعد، وشرفي الوعيد، والتوقع - وهو (7) انتظار الوقوع - لا يكون إلا (8) في المستقبل (9)، وكذلك التمني، والترجي؛ لأنه توقع المتمنى (10) والمترجى (11).

وأما الإباحة؛ فلأنه تخيير بين الفعل والترك، والتخيير إنما يكون في المستقبل (12).

(1) في ط: "فهو".

(2)

انظر: المصدر السابق 2/ 362.

(3)

في ط: "هذا"، وفي ز:"وهذا".

(4)

شرح التنقيح ص 62.

(5)

في ز: "فإنهما".

(6)

في ز: "على".

(7)

في ط: "هو" بإسقاط الواو.

(8)

"إلا" ساقطة من ط.

(9)

في ز: "مستقبل".

(10)

في ط: "التمني".

(11)

في ط: "الترجي".

(12)

في ط وز: "في المستقبل. انتهى نصه".

ص: 585

أما الوعد، والوعيد فمثالهما: قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (1)، فالآية الأولى مثال للوعد، والآية الثانية مثال للوعيد.

وكذلك قوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} (2) فالأولى مثال للوعيد (3)، والثانية مثال للوعد (4) على عكس الآيتين الأوليين.

وكذلك قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} (5) فالأولى مثال للوعد، والثانية مثال للوعيد، وغير ذلك من الأمثلة الواردة في الوعد، والوعيد.

والفرق بين الوعد، والوعيد: أن الوعد في الخير، والوعيد في الشر، فالوعد يستعمل في المحمودات، والوعيد يستعمل في المذمومات، يقال في اللغة: وعدته خيرًا، وواعدته شرًا.

وقد ورد المعنيان في القرآن

فمن الأول قوله تعالى: {أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا} (6).

ومن الثاني: قوله (7) تعالى: {النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ

(1) سورة الزلزلة آية رقم 7، 8.

(2)

سورة العنكبوت آية رقم 21.

(3)

المثبت من ز، وفي الأصل:"لوعيد"، وفي ط:"للموعيد".

(4)

في ط وز: "الوعد".

(5)

سورة الجاثية آية رقم 15.

(6)

سورة طه آية رقم 86.

(7)

"قوله تعالى" ساقطة من ط.

ص: 586

الْمَصِيرُ} (1).

أما (2) أوعدته بالهمزة (3) فلا يقال (4) إلا في الشر خاصة فتقول: أوعدته بالشر ولا تقول: أوعدته بالخير، ومنه قول الشاعر:

أوعدني (5) بالسجن والأداهم

رجلي ورجلي شثنة المناسم (6)

(1) سورة الحج آية رقم 72.

(2)

في ط: "وأما".

(3)

في ط: "بالهمز".

(4)

في ط: "فلا يكون".

(5)

في ط: "أوعدتني".

(6)

قائل هذا البيت هو العديل بن الفرخ، وهو شاعر إسلامي عاش في الدولة الأموية، يلقب بالعباب، وكان قد هجا الحجاج بن يوسف الثقفي، وهرب منه إلى قيصر ملك الروم فبعث إليه لترسلن به أو لأجهزن إليك خيلاً يكون أولها عندك وآخرها عندي، فبعث به إليه، فلما مثل بين يديه ذكره بأبياته التي قالها في هجائه، فذكر له أبياتًا فيها مدح فعفا عنه.

قوله: "أوعدني" يقال: وعدته خيرًا ووعدته شرًا بإسقاط الألف، فإذا حذف الخير والشر قيل: في الخير وعدته، في الشر أوعدته، فالوعد والعدة في الخير، والإيعاد والوعيد في الشر.

والشاهد فيه قوله: "أوعدني"؛ حيث أثبت الألف وذلك عندما أراد الشر، ومعنى أوعدني: تهددني.

قوله: "بالسجن" بالكسر اسم للمحبس.

قوله: "الأداهم" جمع أدهم وهو: القيد.

قوله: "شثنة" أي: غليظة خشنة.

قوله: "المناسم" جمع منسم كمجلس وهو طرف خف البعير واستعاره للإنسان؛ لأنه يريد أن يصف نفسه بالجلادة والقوة والصبر على احتمال المكاره.

انظر: خزانة الأدب للبغدادي رقم الشاهد 368 ج (2/ 366)، شرح ابن عقيل رقم الشاهد 303 ج (2/ 251).

ص: 587

وأنشد أبو عمرو بن العلاء:

وإني (1) إن أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادي ومنجز موعدي (2)

وأما التمني فمثاله: قوله تعالى: {يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} (3)، وقوله تعالى:{يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} (4)، وقوله تعالى:{يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} (5)، وغير ذلك.

وأما (6) الترجي فمثاله: قوله تعالى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (7)، وقوله تعالى:{لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} (8)، وقوله تعالى:{لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} (9) وغير ذلك.

والفرق بين التمني والترجي:

(1) في ز: "وإن".

(2)

قائل هذا البيت هو عامر بن الطفيل وروي هذا البيت:

وإني وإن أوعدته أو وعدته

لأخلف إيعادي وأنجز موعدي

وروي عجز هذا البيت: ليكذب إيعادي ويصدق موعدي.

انظر: لسان العرب مادة (وعد) وجمهرة اللغة 2/ 285، الأفعال للمعافري 4/ 288.

(3)

سورة النساء آية رقم 73، وهذه الآية لم ترد في ز.

(4)

سورة النبأ آية رقم 40.

(5)

سورة الأنعام آية رقم 27.

(6)

في ط: "أما".

(7)

سورة الطلاق آية رقم 1.

(8)

سورة يوسف آية رقم 46.

(9)

سورة الشعراء آية رقم 40.

ص: 588

أن التمني: يكون في الممكن وغير (1) الممكن.

وأما الترجي: فلا يكون إلا في الممكن ولا يكون في غير الممكن.

فإنك تقول في التمني: ليت هذا الجبل ذهب (2) [ولا تقول: أرجو أن يكون هذا الجبل ذهبًا؛ لأن ذلك محال عادة.

وتقول في التمني: ليت زيدًا الميت حي] (3)، ولا تقول: أرجو أن يكون زيد الميت حيًا.

وتقول في التمني: ليت الشباب يعود لي، ولا تقول: لعل الشباب يعود لي، وأرجو الشباب يعود لي.

فإذا ثبت هذا علمت أن التمني يكون في الممكن، وفي غير الممكن، وأما الترجي فلا يكون إلا فيما يمكن وقوعه.

وأما الإباحة فمثالها: قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (4)، وقوله تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} (5).

ومثالها (6) أيضًا: قولك (7): جالس الحسن أو ابن (8) سيرين.

(1) في ز: "وفي غير الممكن".

(2)

"ذهب" ساقطة من ط.

(3)

ما بين المعقوفتين ورد في ط وز، ولم يرد في الأصل.

(4)

سورة المائدة آية رقم 2.

(5)

سورة الجمعة آية رقم 10.

(6)

في ط وز: "ومثاله".

(7)

"قولك" ساقطة من ط.

(8)

المثبت من ط، وفي الأصل:"وابن سيرين"، وانظر: الجنى الداني ص 228.

ص: 589

وهذا تمام الخمسة التي زادها المؤلف في شرحه.

وقال (1) بعض الشراح: وها هنا خمسة أخرى تزاد على العشرة المذكورة فتكون خمسة عشر، وهي (2):

الندب، والكراهة، والعرض، والتحضيض، والاستفهام؛ لأن هذه الخمسة أيضًا مختصة (3) بالمستقبل، وكان حق المؤلف أن يذكرها كما ذكر العشرة المتقدمة (4).

أجيب (5) عن هذا: بأن هذه الخمسة مندرجة في العشرة المتقدمة.

وذلك أن الندب مندرج في الأمر؛ لأنهما (6) طلب فعل، وأن الكراهة مندرجة في النهي؛ لأنهما طلب ترك، وأن العرض والتحضيض مندرجان في التمني؛ لأنك إذا قلت: ألا فعلت، أو هلا فعلت فمعناه: ليتك فعلت، والاستفهام يغني عنه الأمر، والنهي، والدعاء؛ لأن الاستفهام مشارك لهذه الثلاثة في مطلق الطلب.

قال المؤلف في القواعد: [يتخرج على](7) هذا الفصل سؤال في قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على

(1) في ز وط: "قال".

(2)

في ز: "وهو".

(3)

في ط: "بالزمان المستقبل".

(4)

انظر: شرح التنقيح للمسطاسي ص 22.

(5)

في ز: "وأجيب".

(6)

في ط: "لأنه".

(7)

ما بين المعقوفتين ورد في ط وز، ولم يرد في الأصل.

ص: 590

محمد، وعلى آل محمد كما باركت [على إبراهيم](1) وعلى آل إبراهيم (2) في العالمين إنك حميد مجيد".

فيقال: كيف وقع التشبيه يبن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة على إبراهيم عليه الصلاة (3) والسلام، مع أن الصلاة (4) من الله تعالى عطيته وإحسانه، وعطية الله تعالى (5) لرسوله (6) محمد صلى الله عليه وسلم كانت أعظم من عطية الله لإبراهيم عليه السلام، والتشبيه يقتضي أن يكون المشبه أدنى رتبة من المشبه به أو مساويًا، فكيف وقع هذا التشبيه؟

فاختلفت الأجوبة في ذلك، وكلها ضعيفة.

وأصحها: أن التشبيه وقع بين عطية تحصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن حصلت قبل الدعاء؛ لأن الدعاء إنما يتعلق بالمعدوم المستقبل (7): وحينئذ يكون الذي حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد (8) الدعاء يدخل (9) في التشبيه،

(1)"وعلى آل إبراهيم" ساقطة من ط.

(2)

أخرجه الإمام مسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد.

انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 4/ 125.

وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة 1/ 598، 599.

(3)

"الصلاة" ساقطة من ط وز.

(4)

"الصلاة" وردت في ط وز، ولم ترد في الأصل.

(5)

"تعالى" ساقطة من ط وز.

(6)

في ط وز: "لرسول الله صلى الله عليه وسلم".

(7)

في ط: "والمستقبل".

(8)

في ط وز: "قبل".

(9)

في ط وز: "لم يدخل".

ص: 591

وهو (1) الذي فضل به (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) إبراهيم عليه الصلاة (4) والسلام، فهما صلوات الله عليهما كرجلين أعطي لأحدهما ألف، والآخر ألفان، ثم طلب صاحب الألفين مثل ما أعطي لصاحب (5) الألف فيحصل له ثلاثة آلاف، وللآخر ألف فقط فاندفع الإشكال، وبالله التوفيق بمنه (6).

وهذا الجواب الذي قرره في القواعد هو الحق؛ لأن الدعاء من الحقائق التي لا تتعلق إلا بالزمان المستقبل (7).

و (8) أما قول بعضهم: سأل النبي عليه السلام هذا [قبل](9) أن يعرف بشرف (10) منزلته.

وقول بعضهم: إنما سأل لأهل بيته.

وقول بعضهم: إنما سأل لأمته.

وقول بعضهم: إنما قال هذا تأدبًا (11) منه عليه السلام.

(1) في ز: "وهذا".

(2)

"به" ساقطة من ط.

(3)

"صلى الله عليه وسلم" لم ترد في ط.

(4)

"الصلاة" ساقطة من ط.

(5)

في ط وز: "صاحب".

(6)

انظر الفروق للقرافي الفرق الرابع والستين بين قاعدة التشبيه في الدعاء وبين قاعدة التشبيه في الخبر (2/ 48، 49).

(7)

في ط: "بمستقبل من الزمان".

(8)

"الواو" ساقطة من ط.

(9)

المثبت من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(10)

في ز: "بشفوف".

(11)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"تأديبًا".

ص: 592

وقول بعضهم: هذا (1) تشبيه الأصل بالأصل، لا تشبيه القدر بالقدر.

وقول بعضهم: إنما وقع التشبيه على آله (2) لا عليه، وغير ذلك.

كل ذلك أجوبة ضعيفة، والله الموفق للصواب (3).

(1) المثبت من ط وز، ولم ترد في الأصل.

(2)

في ط: "على الله".

(3)

في ط: "للصواب بمنه".

ص: 593

الفصل الثاني عشر: [حكم العقل بأمر على (1) أمر](2)

لما أراد المؤلف - رحمه الله تعالى - (3) الشروع في بيان الحكم الشرعي نظر إلى أنه يحتاج إلى الدليل، والدليل (4) قد يفيد العلم، وقد يفيد الظن، وقد يعرض فيه شك، وقد يعرض فيه وهم، وقد يجهل الحكم الشرعي، وقد يتلقى (5) بالتقليد، فأراد أن يبين هذه الحقائق المذكورة وهي: العلم، والظن، والشك، والوهم، والجهل، والتقليد.

وقسّم المؤلف العلم بالنسبة إلى مستنده [سبعة](6) أقسام وهي:

الضروري، [والنظري](7)، والحسي، والتواتري، [والتجريبي](8)، والحدسي، والوجداني.

(1) انظر هذا الفصل في: شرح التنقيح للقرافي ص 63 - 67، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 22 - 25، والتوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 54 - 58.

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(3)

"تعالى" لم ترد في ز.

(4)

"الدليل" ساقطة من ط.

(5)

في ط: "يتعلق".

(6)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"ستة".

(7)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(8)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

ص: 595

فجملة الحقائق المذكورة في هذا الفصل اثنا عشر نوعًا:

سبعة في العلم، وخمسة في غيره (1).

وأصل هذه الأنواع الاثني عشر ستة وهي:

العلم، والظن، والشك، والوهم، والجهل، والتقليد، وهذه الستة الأصول على قسمين:

جازم، ومتردد.

فالجازم ثلاثة وهي:

العلم، والجهل، والتقليد.

والمتردد ثلاثة وهي (2):

الظن، والشك، والوهم.

وسيأتي بيان جميع هذه الأنواع الاثني عشر مع حروف الكتاب.

قوله: (حكم العقل بأمر على أمر).

ش: قوله: (حكم العقل) احترازًا من حكم الشرع، فإنه سيأتي في الفصل الذي يلي (3) هذا الفصل.

وقوله: (العقل) اختلف أرباب العلم في العقل، هل يحد أو لا يحد؟

(1) في ط: "في غيرها".

(2)

"وهي" ساقطة من ز.

(3)

في الأصل: "كان يلي".

ص: 596

قيل (1): لا يحد، وقيل: يحد (2).

فإذا قلنا: لا يحد:

فقيل: لعسره؛ لأن العبارة المنقولة (3) لا تفي بالحقائق المعلومة.

وقيل: إنما لا يحد؛ لأنه ضروري.

وإذا قلنا: يحد؛ فاختلف في حده (4):

فقيل: قوة طبيعية، يفصل بها بين حقائق المعلومات (5).

وقيل: غريزة يتأتى بها درك العلوم (6)(7).

وقيل: غريزة (8) يتوصل بها إلى إدراك العلوم (9).

(1) في ط: "وقيل".

(2)

"وقيل: يحد" ساقطة من ط.

(3)

في ز: "المعقولة".

(4)

انظر تعريف العقل في: العدة للقاضي أبي يعلى 1/ 87، البرهان للجويني 1/ 112، المستصفى للغزالي 1/ 23، التعريفات للجرجاني ص 132، شرح التنقيح للمسطاسي ص 24، شرح الكوكب المنير 1/ 79، أدب الدنيا والدين للماوردي ص 20.

(5)

ذكر هذا القول المسطاسي في شرح التنقيح ص 24.

(6)

في ط: "إدراك المعلوم".

(7)

نسب الجويني هذا القول للحارث بن أسد المحاسبي.

انظر: البرهان 1/ 112.

(8)

معنى قوله: "غريزة": أي أنه خلقه الله ابتداء وليس باكتساب للعبد، وهذا يخالف ما حكي عن الفلاسفة.

(9)

في ط: "المعلوم".

ص: 597

وقيل: جوهر بسيط يفصل به بين حقائق المعلومات (1) وهذا يفيد أن (2) العقل عرض وليس بجوهر؛ إذ لو كان جوهرًا لقام بنفسه (3).

وقيل: [علم ضروري](4) بوجوب الواجبات وجواز الجائزات، واستحالة المستحيلات، قاله (5) القاضي أبو بكر (6).

وهو الأقرب؛ لأن الحكم العقلي لا يعدو ثلاثة أنواع: الوجوب، والجواز، والاستحالة.

وقيل: العلوم الضرورية (7).

وقيل: بعض العلوم الضرورية (8) وهذا البعض هو وجوب الواجبات، وجواز الجائزات، واستحالة المستحيلات (9).

ولا يصح تحديده بجميع العلوم الضرورية؛ لأن الوجدانيات (10) كالجوع

(1) ذكر هذا القول المسطاسي في شرح التنقيح ص 24.

(2)

في ط وز: "لأن".

(3)

انظر: الرد على تعريف العقل بأنه جوهر بسيط في كتاب العدة للقاضي أبي يعلى 1/ 87.

(4)

ما بين المعقوفتين ورد في ط وز، ولم يرد في الأصل.

(5)

في ط: "قال".

(6)

انظر تعريف القاضي أبي بكر في: "البرهان 1/ 111 - 113.

(7)

يعترض على هذا التعريف ويقال: إنه لا يصلح؛ لأنه يؤدي إلى كون الأخرس والأطرش، والأكمه ليسوا بعقلاء؛ لأنهم لا يعلمون المشاهدات والمسموعات والمدركات التي تعلم باضطرار.

انظر: العدة للقاضي أبي يعلى 1/ 87.

(8)

هذا القول اختاره القاضي أبو يعلى 1/ 88.

(9)

في ط: "المستحالات".

(10)

في ط: "الواجدانية".

ص: 598

والعطش واللذة والألم (1) يتصف بها من لا عقل له: كالأطفال، والمجانين، والبهائم (2).

قوله: (حكم العقل) اختلف العلماء في محل العقل (3) على ثلاثة أقوال:

قيل: محله القلب؛ لقوله (4) تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (5) [قاله مالك (6) وجمهور الفقهاء.

(1) في ط: "واللام".

(2)

هذا رد على تعريف العقل بالعلوم الضرورية، ولعل أجمع ما قيل في العقل قول الغزالي بعدم إمكان حده بحد واحد؛ لأن العقل مشترك فيطلق على عدة معان:

الأول: يطلق على بعض العلوم الضرورية.

الثاني: يطلق على الغريزة التي يتهيأ بها الإنسان لدرك العلوم النظرية.

الثالث: يطلق على العلوم المستفادة من التجربة، فإن من حنكته التجربة يسمى عاقلاً ومن لم تحنكه لا يسمى عاقلاً.

الرابع: يطلق على من له وقار وهيبة وسكينة في جلوسه وكلامه وهو: عبارة عن الهدوء فيقال: فلان عاقل أي: فيه هدوء.

الخامس: يطلق على من جمع العمل إلى العلم حتى أن المفسد لا يسمى عاقلاً ولا يقال للكافر: عاقل، وإن كان محيطًا بجملة العلوم الطبية والهندسية.

انظر: المستصفى للغزالي 1/ 23.

فعلى هذا تكون هذه التعاريف وغيرها من التعاريف التي ذكرها المؤلف هي باعتبار أحد مسميات العقل.

(3)

انظر الخلاف في محل العقل في: العدة للقاضي أبي يعلى 1/ 89 - 94 شرح الكوكب المنير 1/ 83، المسودة ص 559، 560، شرح التنقيح للمسطاسي ص 24، أدب الدنيا والدين للماوردي ص 20.

(4)

في ط: "كقوله".

(5)

سورة الحج 46.

(6)

في ز: "وقول من قال: محله القلب هو لمالك

إلخ".

ص: 599

ولقوله (1) تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} (2).

ولقوله (3) عليه السلام: "إن (4) في الجسد مضغة (5) إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، ألا وهي القلب، ألا وهي القلب، ألا وهي القلب"(6) وذلك (7) يدل على أن محله القلب؛ لأن العقل هو أصل (8) الصلاح] (9).

وقيل: محله الدماغ؛ لأنه يضرب الإنسان على دماغه، فيذهب عقله،

(1) في ط: "وقوله".

(2)

سورة ق آية رقم 37.

(3)

في ط: "وقوله".

(4)

في ط: "ألا وإن".

(5)

في ط: "بضعة".

(6)

هذا جزء من حديث أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه والدارمي عن النعمان بن بشير، وتمام الحديث: عن عامر قال: "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".

انظر: صحيح البخاري مع حاشية السندي كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه (1/ 19)، صحيح مسلم (3/ 1219) كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، سنن ابن ماجه ح/ 3984 كتاب الفتن، باب الوقوف عند الشبهات (2/ 1318)، سنن الدارمي (2/ 245) كتاب البيوع.

(7)

في ز: "كل ذلك".

(8)

ذكر هذا القول وأدلته النقلية والعقلية المسطاسي في شرح التنقيح ص 34.

(9)

ما بين المعقوفتين تأخر موضعه في ز؛ حيث ورد بعد قوله: "ومن شأن الرئيس أن يختل باختلال خادمه".

ص: 600

قاله أبو حنيفة وجمهور الأطباء (1).

وقيل: محله ما (2) بين القلب والدماغ.

وأجيب عن ذهاب العقل بسبب ضرب الدماغ: أن الدماغ خادم للعقل، ومن شأن الرئيس أن يختل باختلال خادمه (3).

قوله: (بأمر على أمر).

ش: الأمر لفظ يقال على الأمر الذي ضد النهي؛ كقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (4).

ويقال على الفعل؛ كقولنا (5): كنا في أمر عظيم، إذا كنا في الصلاة.

ويقال على الشيء؛ نحو قولنا (6): إئتني (7) بأمر ما، أي: بشيء ما.

ويقال على (8) الشأن؛ نحو قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} (9) معناه: وما شأننا في إيجادنا إلا ترتيب مقدورنا على

(1) انظر هذا القول في: شرح التنقيح للمسطاسي ص 24، وشرح الكوكب المنير 1/ 84.

(2)

"ما" ساقطة من ط.

(3)

انظر هذا الجواب في شرح التنقيح للمسطاسي ص 24.

وهذا الجواب فيه نظر؛ لأنه لا يسلم أن الرئيس يختل باختلال خادمه فالغالب أنه لا يختل فليس الكلام على إطلاقه.

(4)

سورة البينة آية رقم 5.

(5)

في ط وز: "نحو قولنا".

(6)

"قولنا" ساقطة من ز.

(7)

في ز: "أتيتني".

(8)

المثبت من ط، وفي الأصل:"عن".

(9)

سورة القمر آية رقم 50.

ص: 601

قدرتنا وإرادتنا (1) من غير تأخير كلمح بالبصر.

ويقال: الأمر (2) على الصفة؛ ومنه قول الشاعر:

عزمت على إقامة ذي صباح

لأمر ما يسوّد من يسوّد (3)

أي: لصفة ما يسود من يسود.

والمراد (4) في كلام المؤلف بالأمر: هو (5) الشيء، تقدير (6) كلامه (7): حكم

(1)"وإرادتنا" ساقطة من ط.

(2)

"الأمر" ساقطة من ط.

(3)

قائل هذا البيت هو أنس بن مدرك الخثعمي، شاعر جاهلي، وقصة هذا البيت أنه غزا ورئيس آخر من قومه بعض قبائل العرب متساندين، فلما قرب من القوم أمسيا فباتا حيث جن عليهم الليل، فقام صاحبه فانصرف ولم يغنم، وأقام أنس حتى أصبح فشن عليهم الخيل فأصاب وغنم، وكان أنس مجاورًا لبني الحارث بن كعب، فوجد أصحابه منهم جفاء وغلظة فأرادوا أن يفارقوهم، فقال لهم: أقيموا إلى الصباح، وأول الأبيات:

دعوت بني قحافة فاستجابوا

فقلت: ردوا فقد طاب الورود

وقوله: على إقامة ذي صباح تقديره: على إقامة ليل ذي صباح.

وقوله: لأمر ما يسود من يسود: يريد أن الذي يسوده قومه لا يسودونه إلا لشيء من الخصال الجميلة، والأمور المحمودة، رآها قومه فيه فسودوه لأجلها، وهذا موضع الشاهد من البيت، وكان أهل الجاهلية لا يسودون إلا من تكاملت فيه ست خصال: السخاء، والنجدة، والصبر، والحلم، والتواضع، والبيان.

انظر: خزانة الأدب للبغدادي رقم الشاهد 170 ج 1/ 476، 477، الحيوان للجاحظ 3/ 81، الكتاب لسيبويه 1/ 116.

(4)

"والمراد" ساقطة من ز.

(5)

"هو" ساقطة من ز.

(6)

في ز: "تقديره".

(7)

"كلامه" ساقطة من ز.

ص: 602

العقل بشيء على شيء.

فالأمر (1) الأول هو: الشيء المحكوم به إما إثبات، وإما نفي، مثالهما: زيد قائم، وزيد ليس بقائم، والمراد بالأمر الثاني هو: المحكوم عليه بإثبات أو نفي.

قوله: (إِما غير جازم أو جازم)(2) أي: إما أن يكون ذلك الحكم مترددًا، وإما أن يكون (3) قاطعًا، فالجزم (4) لغة معناه: القطع.

والمراد بغير الجازم: هو الحكم المتردد بين النفي والإثبات، أي المحتمل لهما.

وإنما قدم المؤلف غير الجازم (5)، وأخر الجازم مع أن الجازم أشرف من المتردد؛ لأن الثبوت أشرف من النفي، فإنما فعل ذلك؛ لأن المتردد أقل أقسامًا من الجازم، وقد جرت العادة عند المصنفين بالبداية بقليل الأقسام ليتفرغ (6) العقل إلى كثير الأقسام.

وقوله (7): (والاحتمالات إِما مستوية فهو الشك أو (8) بعضها راجح،

(1) في ط وز: "والأمر".

(2)

كلمة "جازم" ساقطة من أوش، وفي نسخة خ:"إما جازم أو غير جازم".

(3)

في ز: "إما أن يكون الحكم قاطعًا وإما أن يكون مترددًا".

(4)

في ط: "والجزم".

(5)

"غير الجازم" ساقطة من ز.

(6)

في ط: "لتفريغ".

(7)

في ز: "قوله".

(8)

في ط: "وبعضها".

ص: 603

فالراجح (1) هو: الظن، والمرجوح: وهم).

ش: الألف واللام في الاحتمالات للعهد المتضمن (2) في قوله: غير جازم؛ لأن (3) معنى غير الجازم (4): هو المحتمل، وإنما جمع المؤلف الاحتمالات؛ لأن التردد (5) قد يكون بين أكثر من أمرين (6).

وجعل المؤلف غير الجازم (7) وهو المتردد ثلاثة أقسام وهي:

الشك، والظن، والوهم.

فالشك معناه: المتردد بين احتمالين فأكثر على السواء أي: من غير ترجيح أحد (8) الطرفين على الآخر (9).

ومعنى الظن: هو الطرف الراجح من المتردد بين احتمالين فأكثر (10).

ومعنى الوهم: هو الطرف المرجوح من المتردد بين احتمالين (11) فأكثر.

(1)"فالراجح" ساقطة من أوخ، وفي ش:"والراجح".

(2)

في ز: "المضمن".

(3)

في ط: "لا معنى".

(4)

في ط: "جازم".

(5)

في ط: "المتردد".

(6)

في ز: "اثنين".

(7)

في ط: "المجاز".

(8)

في ط: "إحدى".

(9)

انظر: العدة لأبي يعلى 1/ 83، وشرح التنقيح للقرافي ص 63.

(10)

عرفه أبو يعلى في العدة (1/ 83) فقال: الظن هو تجويز أمرين أحدهما أقوى من الآخر.

وانظر: التعريفات للجرجاني ص 125، وشرح التنقيح للقرافي ص 63.

(11)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 63.

ص: 604

فتبين بهذا (1) أن مسمى الشك مركب، ومسمى الظن والوهم بسيط.

وإنما قدم المؤلف الشك على الظن مع أن الظن أقوى من الشك؛ لوجود الرجحان فيه، وعدم الرجحان في الشك فإنما فعل ذلك؛ لأن الشك قسم منفرد بنفسه (2)، وأما الظن، والوهم فهما مشتركان في عدم التسوية (3)؛ وإنما قدم الظن على الوهم؛ لأن الظن أقوى من الوهم لرجحانه.

قوله: (إِما مستوية فهو (4) الشك).

ش: مثاله: إذا رأى الإنسان الغيم في زمان الصيف وشك هل يكون منه مطر، أو لا؟ فهذا: شك، إذ ليس عنده ما يقوى به أحد الاحتمالين على الآخر.

وكذلك إذا أخبرك مخبر غير ثقة بخبر، ولم تدر أهو (5) صادق أو كاذب؟ فهذا شك؛ إذ ليس عندك ما يقوى (6) به أحد الاحتمالين على الآخر.

وإلى هذا أشار بقوله: إما مستوية فهو الشك.

قوله: (أو بعضها راجح، فالراجح هو: الظن، والمرجوح: وهم).

ش: جمع ها هنا حقيقتين:

(1) في ط: "من هذا".

(2)

"بنفسه" ساقط من ط.

(3)

في هامش ز تعليق: "أي لأنهما إما راجح أو مرجوح".

(4)

في ط: "وهو".

(5)

في ط وز: "هل هو".

(6)

في ط وز: "تقوى".

ص: 605

حقيقة الظن، وحقيقة الوهم.

مثال ذلك: إذا رأى الإنسان الغيم التخيم (1) المتراكم (2) في زمان الشتاء، ولم يعلم هل يكون منه المطر أو لا؟ (3) ولكن احتمال كون المطر منه (4) أقوى وأرجح؛ إذ الزمان زمان المطر، مع تراكم الغيم، فنزول المطر منه هو: الظن، وعدم نزول المطر منه هو: الوهم.

وكذلك إذا أخبرك رجل ثقة بخبر، ولم تعلم أهو صادق، أو كاذب؟ ولكن احتمال الصدق أقوى لثقته فصدقه هو: الظن، وكذبه هو: الوهم.

وإلى هذين القسمين أشار المؤلف بقوله: "أو بعضها راجح"(5)؛ فالراجح هو: الظن، والمرجوح: وهم.

واعترض كلام المؤلف ها هنا: بكونه جعل الشك والوهم من أقسام حكم العقل، مع أن الشك والوهم لا حكم فيهما أصلاً، فكيف يصدق عليهما حكم العقل، وشرط القسمة صدق المقسوم على الأقسام؟ ولا يصح ها هنا أن نقول (6): الشك، أو الوهم حكم؛ إذ لا حكم فيها (7).

أجيب (8) عنه: بأن قيل: هذا جار على أحد القولين: في كون الشك

(1) في ز: "المخيم".

(2)

"المتراكم" ساقطة من ز.

(3)

في ز: "أم لا".

(4)

"منه" ساقطة من ز.

(5)

"راجح" ساقطة من ط.

(6)

في ز: "يقال".

(7)

في ز وط: "فيهما".

(8)

في ز: "وأجيب".

ص: 606

والوهم حكمًا فلا يعارض مذهب بمذهب.

قوله: (والجازم إِما (1) غير مطابق، وهو: الجهل المركب، أو مطابق).

ش: فلما بين أقسام المتردد شرع هنا في أقسام الجازم، فذكر أن الحكم الجازم: إما أن يكون مطابقًا للواقع (2)، [وإما ألا يكون مطابقًا للواقع](3).

ومعنى الجازم: هو: الذي لا يحتمل النقيض عند الحاكم سواء احتمله في نفس الأمر، أو لا (4).

قوله: (والجازم: إِما غير مطابق وهو: الجهل المركب) أي: إذا جزم العقل بالحكم على شيء، وقطع بذلك الحكم من غير تردد فيه، وكان ذلك الحكم المجزوم به مخالفًا لما في نفس الأمر، فذلك الحكم هو المسمى عندهم بالجهل المركب، ويقال له أيضًا: الاعتقاد الفاسد.

مثال ذلك: اعتقاد أرباب البدع والأهواء، فإنهم جهلوا الحق في نفس الأمر، وجهلوا (5) أنهم جهلوه؛ لأنهم إذا قيل لهم: هل أنتم جاهلون أو عالمون؟ قالوا: نحن عالمون لا جاهلون، فاجتمع لهم جهلان (6)؛ ولأجل هذا سمي بالجهل المركب؛ لأن جهلهم تركب من جهلين.

(1)"إما" ساقطة من ط.

(2)

في ز: "للواقع أو لا".

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(4)

في ز: "أم لا".

(5)

في ط: "وجعلوا".

(6)

نقل المؤلف هذا المثال بالمعنى من شرح التنقيح للمسطاسي ص 22.

ص: 607

ومثاله أيضًا: من اعتقد في رجل أنه صالح وهو في نفس (1) الأمر طالح (2)، أو اعتقد في رجل أنه طالح (3) وهو في نفس الأمر صالح، وكذلك كل من اعتقد شيئًا على خلاف ما هو عليه (4) فإن ذلك كله جهل مركب؛ لأنه جهل الحق في نفس الأمر، وجهل أنه جهله، ففيه جهلان.

وقد يقع الجهل مركبًا من ثلاث جهالات، ومنه قول المتنبي رحمه الله:

ومن جاهل بي وهو يجهل جهله

ويجهل علمي أنه بي جاهل (5)

وأورد على هذا الكلام: بأن ظاهره يقتضي: بأن الجهل المركب لا يكون إلا في التصديقات دون التصورات (6)، مع أنه قد يقع أيضًا في التصورات،

(1) في ز: "وهو طالح في نفس الأمر".

(2)

في ط: "ظالم".

(3)

في ط: "ظالم".

(4)

نقل المؤلف هذا المثال من شرح التنقيح للقرافي ص 63.

(5)

هذا البيت قاله المتنبي في صباه وهو من قصيدة له مطلعها:

قفَا تَرَيَا ودقي فهاتا المخايل

ولا تخشيا خلفًا لما أنا قائل

رَماني خساس الناس من صائب استه

وآخر قطن من يديه الجنادل

ومن جاهل بي وهو يجهل جهله

ويجهل علمي أنه بي جاهل

في البيت الأول يطلب من صاحبيه الصبر وأنهما سيريا منه شأنًا عظيمًا، ويعدهما أن سيقتل الأعداء ويبلغ الآمال، وأنه لن يخلف الوعد.

وفي البيت الثاني بيّن أن الناس رموه بالمعايب؛ فمنهم من رماه بعيب فيه فأصابه نفس العيب، وآخر لم يؤثر كلامه على المتنبي بل هو كقطعة من القطن.

وبيّن في البيت الثالث حالة رجل آخر جاهل مركب لا يعرف المتنبي ولا يعرف جهله ويجهل أن المتنبي عالم بجهله.

انظر هذا البيت في: شرح ديوان المتنبي للعكبري 3/ 197.

(6)

في ز: "التصويرات".

ص: 608

نحو: تصور الحقائق على خلاف ما هي عليه، كتصور الإنسان بأنه الحيوان (1) فقط، وكتصور (2) الحيوان أنه (3) الإنسان فقط.

أجيب (4) عنه: بأنه لم يتعرض إلا للتصديق؛ لأنه قال: حكم العقل بأمر على أمر، وذلك: تصديق لا تصور.

قوله: (وهو الجهل المركب) [احترازًا من الجهل غير المركب وهو: الجهل البسيط.

ومعنى البسيط: هو المفرد؛ أي: ليس فيه إلا جهل واحد] (5)؛ لأن الجهل المركب يقابله الجهل (6) البسيط.

فالجهل على قسمين:

مركب.

وبسيط.

فالمركب هو المذموم.

وأما الجهل البسيط فليس بمذموم؛ إذ لا يعرى منه بشر.

مثاله: جهل الإنسان بعدد شعرات رأسه، وكذلك جهله بعدد نجوم

(1) في ط: "الحيوان الناطق"، وفي ز:"الحيوان الصاهل".

(2)

في ط: "أو كتصور".

(3)

في ز: "بأنه".

(4)

في ز: "وأجيب".

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(6)

الجهل" ساقطة من ز.

ص: 609

السماء، وكذلك جهله بعدد بني آدم وغير ذلك، فإن مثل هذا الجهل لا يخلو منه بشر، فإذا قيل لإنسان: هل تعلم عدد شعرات رأسك؟ فيقول: لا أعلم ذلك بل أجهله، وإذا قيل له: هل تعلم أنك جاهل بذلك أم لا؟ فيقول: أعلم أني جاهل بذلك، فجهله إذًا بسيط لا مركب (1).

وإنما لم يذكر المؤلف الجهل البسيط؛ لأنه ليس من أحكام العقل، وهو أصل في الإنسان؛ لأنه متقدم في الوجود على العقل، لقوله تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} (2)؛ ولأجل هذا لم يندرج في التقسيم المذكور، ولم (3) يحتج إلى تحديد.

قوله: (إِما غير مطابق وهو: الجهل المركب، أو مطابق) إنما قدم المؤلف غير المطابق وهو الاعتقاد الفاسد على المطابق وهو الاعتقاد الصحيح، مع أن المطابق أولى بالتقدم (4) لصحته، فإنما (5) فعل ذلك؛ لأن البداية بالقليل أولى من البداية بالكثير ليتفرغ العقل إلى تبيين الكثير.

قوله: (أو مطابق وهو (6): إِما لغير موجب وهو: التقليد، أو لموجب).

ش: قسم المؤلف ها هنا الحكم المطابق أي: الموافق للواقع على قسمين:

أحدهما: المستند لموجب.

(1) ذكر هذا المثال القرافي في شرح التنقيح ص 63.

(2)

سورة النحل آية رقم 78.

(3)

"ولم" ساقطة من ط.

(4)

في ط: "بالتقديم".

(5)

في ط وز: "وإنما".

(6)

"وهو" ساقطة من ز.

ص: 610

والآخر: غير المستند لموجب.

والمراد بالموجب هو: الدليل، فذكر أن الحكم المطابق لغير موجب يسمى بالتقليد (1).

ومعنى التقليد عندهم: أخذ القول عن قائله بغير (2) دليل (3)، والتقليد مأخوذ من قولك: قلدته بالقلادة إذا جعلتها (4) في (5) عنقه.

قال ابن العربي: و (6) معنى التقليد: قبول قول العالم من غير معرفة بدليله؛ ولذلك منع العلماء أن يقال: إنا (7) نقلد النبي صلى الله عليه وسلم (8)؛ لأنّا إنما قبلنا قوله بدليل (9) ظاهر مقطوع به، وهو: المعجزة (10) الدالة على صدقه. انتهى نصه.

مثال التقليد: اعتقاد عوام المسلمين قواعد عقائدهم عن أئمتهم، فإنهم

(1) في ز: "تقليد".

(2)

في ز: "من غير".

(3)

انظر معنى التقليد في: البرهان للجويني رقم المسألة 1545 ج 2/ 1357، وشرح التنقيح للقرافي ص 64، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 22.

(4)

في ط: "جعلته".

(5)

يقول الجرجاني في تعريف التقليد: التقليد عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل معتقدًا للحقيقة فيه من غير نظر وتأمل في الدليل، كأن هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادة في عنقه.

انظر: التعريفات ص 57.

(6)

"الواو" ساقطة من ز.

(7)

في ز: "إنما".

(8)

في ط: "عليه السلام".

(9)

في ط: "بدليل منفصل".

(10)

في ز: "المعجزات".

ص: 611

يعتقدون صحة ذلك بالجزم من غير تردد ولا يعلمون أدلة ذلك (1).

قوله: (وهو إِما لغير موجب وهو: التقليد، أو لموجب) إنما قدم ما لا موجب له على ماله موجب، مع أن ماله موجب أولى بالتقديم لقوته، فإنما فعل ذلك؛ لأن ما لا موجب له قليل بالنسبة إلى ماله موجب؛ لكثرته بأقسامه، فقدم القليل ليتفرغ العقل إلى (2) الكثير.

واعترض كلامه: بأن ظاهره يقتضي أن التقليد لا يكون إلا (3) مطابقًا؛ لأنه جعله من أقسام المطابقة، وليس الأمر كذلك؛ لأن التقليد على قسمين:

مطابق، وغير مطابق.

فمثال المطابق: كما (4) تقدم في اعتقاد عوام المسلمين.

ومثال التقليد غير المطابق: اعتقاد عوام الكفار وأهل الضلال ما يتلقونه من أحبارهم (5) ورؤسائهم (6).

أجيب (7) عن هذا: بأن التقليد غير (8) المطابق قد اندرج في الجهل المركب، وقد (9) تقدم.

(1) في ط: "لذلك"، وانظر: شرح التنقيح للقرافي ص 64.

(2)

في ز وط: "للكثير".

(3)

"إلا" ساقطة من ط.

(4)

في ز: "ما تقدم".

(5)

في ط: "أحباركم".

(6)

ذكر هذا المثال القرافي في شرح التنقيح ص 64.

(7)

في ز: "وأجيب".

(8)

في ز: "الغير".

(9)

"وقد" ساقطة من ط.

ص: 612

قوله: (أو لموجب وهو: إِما عقل (1) وحده، فإِن استغنى عن الكسب (2) فهو: البديهي، وإِلا فهو: النظري، أو (3) حسي وحده، وهو: المحسوسات الخمس، أو مركب منهما وهو: المتواترات، والتجريبيات، والحدسيات).

ش: قسم المؤلف ها هنا موجب الحكم على ثلاثة [أقسام](4) وهي:

عقلي خاصة.

وحسي خاصة.

وعقلي وحسي معًا.

أشار المؤلف إلى الدليل العقلي خاصة بقوله: (إِما عقل (5) وحده).

وأشار إلى الدليل الحسي خاصة بقوله: (أو حسي (6) وحده).

وأشار إلى الدليل المركب من العقل والحس بقوله: (أو مركب منهما) أي: مركب من دليل العقل ومن دليل الحس.

ثم حصر المؤلف الدليل العقلي خاصة في قسمين وهما:

الضروري، والنظري.

(1) في ز: "عقلي".

(2)

في ز: "التكسب".

(3)

في ط: "وحس".

(4)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(5)

في ز: "عقلي".

(6)

في ط: "أو حس".

ص: 613

وهو معنى قوله: (فإِن استغنى عن الكسب (1) فهو البديهي، وإِلا فهو النظري).

قوله: (وهو: إِما عقل (2) وحده

إِلى آخره).

إنما قدم المؤلف العقلي والحسي على المركب منهما تقديمًا للأصل على الفرع؛ [لأن التركيب ثان للإفراد (3)، وإنما قدم الضروري على النظري تقديمًا للأصل على الفرع (4)](5)؛ لأن ما لا يفتقر إلى نظر (6): أصل، وما يفتقر إلى نظر (7): فرع، وإنما قدم العقلي على الحسي؛ لأن العقل (8) يفيد العلم اتفاقًا.

وأما الحواس:

فقيل: تفيد العلم، قاله الأشعري.

وقيل: لا تفيده، قاله: غيره (9).

واختلف في الحواس أيضًا: هل هي كلها في درجة واحدة في

(1) في ز: "التكسب".

(2)

في ز: "عقلي".

(3)

في ط: "عن الأفراد".

(4)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"النوع".

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(6)

"إلى نظر" ساقطة من ط وز.

(7)

"إلى نظر" ساقطة من ز.

(8)

في ز: "العقلي".

(9)

يقول الإيجي في المواقف: إدراكات الحواس الخمس عند الشيخ علم بمتعلقاتها، فالسمع علم بالمسموعات، والإبصار علم بالمبصرات، وخالفه فيه الجمهور.

انظر: المواقف في علم الكلام ص 143.

ص: 614

الإدراك؟ وهو: المشهور.

وقيل: السمع والبصر أقوى من غيرهما.

واختلف أيضًا في السمع والبصر أيهما أقوى من الآخر؟

قوله: (فإِن استغنى عن الكسب (1)) معناه فإن استبد العقل في إفادة الحكم بنفسه عن الكسب، أي: عن النظر والفكر فهو البديهي، أي: فهو العلم البديهي، وهو: العلم الذي يحصل ببدهية العقل [أي بمجرد العقل](2)؛ إذ لا يحتاج إلى نظر ولا فكر.

مثاله: علم الإنسان بوجود نفسه، وعلمه بأن الاثنين أكثر من الواحد، وعلمه بأن المائة أكثر من العشرة، وعلمه بأن الألف أكثر من المائة، وكعلمه بأن النقيضين لا يجتمعان، كوجود شخص وعدمه في وقت واحد، وكعلمه بأن الشيء لا يكون متحركًا وساكنًا في وقت واحد، وكعلمه بأن الشيء لا يكون ثابتًا منفيًا في حالة واحدة (3)، وكعلمه بأن الشيء الواحد لا يكون قديمًا وحادثًا في حالة واحدة، وغير ذلك من الأوليات التي يفيدها العقل بمجرده من غير استعانة بحس، فإن هذه القضايا تصادف مترسمة في العقل منذ وجوده، حتى يظن العاقل أنه لم يزل عالمًا بها ولا يدرى متى حصلت له.

فهذا النوع (4) الأولي يقال له: البديهي، والأولي، والفطري،

(1) في ز: "التكسب".

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(3)

"واحد" ساقطة من ط.

(4)

"النوع" ساقطة من ط.

ص: 615

والضروري، والغريزي، والجبلّي، والطبيعي، والخليقي، وغير الكسبي، وغير المطلوب.

قوله: (وإِلا (1) فهو النظري) معناه: فإن لم يستبد العقل بمجرده في إفادة الحكم بل يحتاج إلى نظر وفكر، فهو العلم الذي يقال له: العلم النظري وهو العلم الذي يحصل بالنظر والاستدلال.

مثاله: كالعلم [بحدوث](2) العالم، وكالعلم بقدم الصانع، وكالعلم بأن الواحد سدس عشر الستين، وكالعلم بأن الواحد نصف عشر العشرين، وكالعلم بصدق الرسل عليهم السلام، وكالعلم بوجوب الصلاة وأعدادها، وكالعلم بوجوب الزكاة ونصبها، وغير ذلك من الأمور التي يحتاج العقل فيها إلى النظر والاستدلال، فهذا النوع النظري يقال له: الكسبي والمطلوب، وغير البديهي وغير الفطري، وغير الأولي، وغير الضروري وغير ذلك من أسمائه في الاصطلاح.

قوله: (أو حسي (3) وحده وهو المحسوسات الخمس).

هذا هو القسم الثاني من الأقسام الثلاثة وهو الدليل الحسي خاصة، فسره المؤلف بقوله: وهو: المحسوسات أي: هو ما يحصل بالمحسوسات، أي: ما يحصل بالحواس (4) الخمس وهي: حاسة الذوق، وحاسة الشم، وحاسة

(1)"وإلا" ساقطة من ط وز.

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، وفي الأصل:"يحدث".

(3)

في ط: "أو حس".

(4)

في ط: "معناه: أي هو ما يحصل بالحواس الخمس" وفي ز: "أي وهو ما يحصل بالحواس الخمس".

ص: 616

السمع، وحاسة البصر، وحاسة اللمس.

وهذه الحواس الخمس: أربع (1) منها خاصة بالرأس وهي: الذوق، والشم، والسمع، والبصر، وواحدة عامة للرأس وغيره من الجسد وهي: اللمس، ولكن باطن الكف أقوى إدراكًا من غيره في اللمس (2).

قوله: (وهو المحسوسات الخمس) معناه: وهو: العلم المستفاد من الحواس الخمس، كالعلم (3) بالحلاوة والمرارة بحاسة: الذوق، وكالعلم بالطيب والخبيث بحاسة الشم، وكالعلم بالأصوات الجهيرة، والخفية، بحاسة: السمع، وكالعلم بالألوان البياضية، والسوادية [وغيرها من الألوان] (4) بحاسة: البصر، وكالعلم بالليونة والحروشة بحاسة: اللمس، وغير ذلك من سائر العلوم المستفادة من الحواس.

وهذا النوع هو المعبر عنه بالعلم المحسوسي (5)، ويقال له أيضًا: العلم الحسي.

[قوله: (المحسوسات الخمس).

قال بعضهم: هذا معنى قول العرب: ضربت أخماسي في أسداسي، أي: فكرت بحواسي الخمس في جهاتي (6) الست؛ لأن الجهات ست وهي:

(1) في ز: "أربعة".

(2)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 64، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 23.

(3)

في ط: "من العلم".

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز وط.

(5)

في ط: "العلم بالمحسوس".

(6)

في ط: "جهات".

ص: 617

فوق، وتحت، وقدام، ووراء، ويمنة، ويسرة.

وقد جمعها الحريري (1) في بيت واحد فقال:

ثم الجهات الست فوق وورا (2)

ويمنة وعكسها بلا مرا (3)

فذكر ثلاث جهات وسكت عن أضدادها (4)؛ لأن الضد ينبه على ضده] (5).

وقوله (6): (أو مركب منهما وهو: المتواترات (7)، والتجريبيات، والحدسيات).

ش: شرع المؤلف ها هنا في القسم الثالث، وهو الدليل المركب من دليل العقل، ودليل الحس.

وفسره المؤلف بثلاثة أشياء وهي:

(1) هو أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري، ولد سنة (446 هـ)، وهو صاحب المقامات، وحامل لواء البلاغة والأدب، وفارس النظم والنثر، توفي سنة (516 هـ).

انظر: وفيات الأعيان 4/ 63 - 68، شذرات الذهب 3/ 50 - 52.

(2)

في ط: "ووراء".

(3)

انظر: ملحة الإعراب للحريري ص 13.

(4)

في هامش ز التعليق التالي: "ويحتمل أن الضمير عائد عليها جميعًا، أي: عكس ما ذكر فيكون مصرحًا بجميعها فتأمل".

(5)

ما بين المعقوفتين ورد في ط وز، ولم يرد في الأصل.

(6)

في ط وز: "قوله".

(7)

في ز: "التواتر".

ص: 618

العلوم المتواترة (1).

والعلوم التجريبية.

والعلوم الحدسية.

فمعنى المتواترات (2) هي: العلوم التي تحصل (3) بالأخبار المتواترة (4)، كالعلم بأحوال الأمم الماضية، والعلم بوجود البلاد النائية كبغداد ومكة، وكالعلم بشجاعة علي، وكالعلم بسخاء حاتم (5)، وكالعلم بجمال يوسف عليه السلام (6)، وكالعلم بصبر أيوب عليه السلام (7)، وغير ذلك من العلوم الحاصلة (8) بتواتر الأخبار.

وقوله (9): (والتجريبيات) وهي: العلوم التي تحصل بالعادة وتكرر المشاهدات (10)، كعلمك بأن النار تحرق، وكعلمك بأن الطعام يشبع، وكعلمك بأن الماء يروي، وكعلمك بأن الخمر يسكر، [وكعلمك بأن

(1) في ط: "المتواترات".

(2)

في ز: "العلوم المتواترة".

(3)

"تحصل" ساقطة من ط.

(4)

في ز وط: "المتواترات".

(5)

هو أبو عدي حاتم بن عبيد الله بن سعد الطائي، فارس، شاعر، جواد، ومن شدة كرمه وجوده صار مضرب المثل في الكرم عند العرب، وابنه عدي صحابي مشهور.

انظر: الشعر والشعراء ص 160، المحبر ص 145.

(6)

"عليه السلام" لم ترد في ز.

(7)

"عليه السلام" لم ترد في ز.

(8)

في ط: "الخاصة".

(9)

"الواو" ساقطة من ز.

(10)

في ز: "المشاهدة".

ص: 619

السقريضاء (1) تسهل الصفراء] (2)(3)، وكعلمك بحلاوة العسل، وكعلمك بحموضة الليمون، ومرارة الحنظل، وغير ذلك من العلوم التي تحصل بالتجريب.

وقوله (4): (والحدسيات).

ش: وهي: العلوم التي تحصل بالحدس: أي: بالتخمين (5) والتحزير (6) وهو: الأخذ بالظن، كالعلم لجودة الفضة ورداءتها، وكالعلم بجودة الذهب ورداءته، وكالعلم بنضج الفاكهة وعدم نضجها (7) وكالعلم بشجاعة فلان وجبنه، وغير ذلك من العلوم التى تحصل بحدس وتخمين.

وهذه الأنواع الثلاثة التي هي: المتواترات (8) والتجريبيات، والحدسيات، مشتركة في الحس والعقل.

(1) في ز: "السقريطاء".

(2)

وفي هامش ز التعليق التالي: "فإن كان المراد به السكنجبين والسقمونيا اللذين يعبر بهما غيره، فالمراد به: خل وعسل، وإن كان المراد به غيرهما فانظر ما معناه فتأمله"

والسقريضاء لم تذكرها بعض كتب الطب القديمة وإنما تذكر السقمونيا.

انظر التعريف بالسقمونيا في: تذكرة داود 1/ 198.

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(4)

في ز: "قوله".

(5)

في ز: "التخمين".

(6)

في ط: "والتحرير".

وفي اللسان: حزر الشيء يحزره قدره بالحدس، مادة (حزر).

(7)

انظر هذا المثال في: شرح التنقيح للقرافي ص 65، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 23.

(8)

المثبت من ط وفي الأصل "المتواترة" وفي ز "التواترات".

ص: 620

أما المتواترات (1) فبيان ذلك فيها: [أنه لا بد (2) فيها](3) من سماع أخبار متواترة هذا حظ (4) الحس فيها، ثم بعد ذلك [إذا] (5) قال العقل: هؤلاء الجماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب حصل العلم، فهذا (6) حظ (7) العقل فيها.

وأما المجربات فبيان ذلك فيها: أن الليمون أو (8) الثمر مثلاً لا بد أن يباشر الحس ذلك أول مرة، فيجده (9) حلوًا أو حامضًا فيشك العقل في ذلك، فيقول: لعل هذا الفرد من هذا الجنس أصابه عارض أوجب له ذلك كما توجد المرارة في بعض أفراد الفقوس والخيار، مع كون الجنس في نفسه ليس كذلك، وهذا حظ الحس فيها، ثم بعد ذلك إذا كثر ذلك في أفراد عديدة وتكرر ذلك في أشخاص كثيرة من ذلك الجنس يقول العقل (10): كل ليمونة حامضة وكل ثمرة حلوة، فيحصل العلم بذلك وهذا حظ (11) العقل فيها.

وأما الحدسيات فبيان ذلك فيها: أن الدرهم مثلاً يراه البصر أول مرة فلا

(1) بدأ المؤلف يشرح اشتراك المتواترات والتجريبيات والحدسيات في الحس والعقل.

(2)

"فيها" ساقطة من ز.

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(4)

في ط: "أحض".

(5)

"إذا" وردت في ز وط، ولم ترد في الأصل.

(6)

في ط: "وهذا".

(7)

في ط: "حض".

(8)

في ط: "والثمر".

(9)

في ز: "فيجدها".

(10)

"العقل" ساقطة من ط.

(11)

في ط: "أحض".

ص: 621

يعرفه أهو رديء أم جيد (1) فهذا حظ (2) الحس فيها، ثم يقال (3) له: هو رديء فيتأمله، ويتكرر ذلك كثيرًا حتى يحصل عند العقل قرائن لا يمكن التعبير عنها، فيقول العقل لأجلها: كل ما كان من الدراهم هكذا فهو درهم رديء، فهذا حظ (4) العقل فيها.

فالحاصل مما قررناه: أن الأصناف - أعني: المتواترات، والمجربات، والحدسيات - اشتركت في الحس والعقل، واشتركت أيضًا في أن (5) أول مرة يحصل الشك، وعند التكرار يحصل الظن، وعند طول التكرير (6) يحصل العلم.

فإذا ظهر الاشتراك (7) بينها فالفرق (8) بينها (9)(10): أن المتواترات تختص بالأخبار، والحدسيات تحتاج إلى النظر حالة الحكم على الجزئيات (11)،

(1) في ز: "أو جيد".

(2)

في ط: "أحض".

(3)

في ز: "ثم يقول العقل".

(4)

في ط: "أحض".

(5)

في ط: "في أول مرة"، وفي ز:"في أو أن أول مرة".

(6)

في ز وط: "التكرار الكثير".

(7)

في ط: "هو الاشتراك".

(8)

في ط: "في الفرق".

(9)

في ط: "وبينها".

(10)

انظر الفرق بينها في: شرح التنقيح للقرافي ص 66، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 23.

(11)

في ط: "الجزية".

ص: 622

والمجربات (1) لا تحتاج إلى النظر حالة الحكم على الجزئيات (2).

فإذا قال لك قائل (3) مثلاً: معي درهم، هل هو جيد أو رديء؟ فلا بد أن تقول: حتى أنظر إليه؛ لأن هذا من الحدسيات.

وإذا قال لك القائل: معي (4) ليمونة هل هي حامضة أم لا؟ فإنك تقول: هي حامضة، ولا تحتاج إلى النظر في الجزئيات (5)؛ لأن هذا من المجربات.

قوله: (وهو: المتواترات والتجريبيات والحدسيات).

هذه الأصناف الثلاثة رتبها المؤلف على حسب تفاوتها في الفائدة.

فالمتواترات (6) أشرفها، ولذلك يترجح (7) للخبر (8) المتواتر (9) ولا يترجح (10) للمجربات (11) والحدسيات، وقدم المجربات على الحدسيات؛ لأنها أشرف من الحدسيات؛ لأن مدركاتها كليات (12) ومدركات الحدسيات جزئيات.

(1) في ز: "والتجريبيات".

(2)

في ز: "الجزية".

(3)

في ز وط: "القائل".

(4)

في ط: "مع".

(5)

في ط: "الجريات".

(6)

في ط: "فالمتواترة".

(7)

في ط: "يترجم".

(8)

في ز: "الخبر".

(9)

في ط: "المتواترات".

(10)

في ط: "ولا يترجم".

(11)

في ز: "التجريبيات".

(12)

في ط: "الكليات".

ص: 623

قوله: (والوجدانيات أشبه بالمحسوسات فتندرج معها في الحكم (1)).

ش: هذا هو النوع [السابع](2) من الأنواع السبعة التي هي أقسام العلم وهو علم الوجدانيات (3).

ومعنى الوجدانيات (4): هي: المشاهدات الباطنة التي يجدها الإنسان في نفسه وباطنه (5) ولا تحتاج إلى: عقل ولا حس، كالجوع، والعطش، واللذة، والألم، والفرح، والغضب، والنشاط (6)، والكسل، والصحة، والمرض، وكذلك (7) إذا علم الإنسان ذلك من غيره.

وهذه المشاهدات الباطنة (8)[ليست](9) من قبيل المحسوسات ولا من قبيل العقليات.

وإنما قلنا: ليست من المحسوسات؛ لأنها يدركها من لا حواس له كالأصم الأعمى الذي سلب (10) ذوقه وشمه، فإنه يجد الجوع والعطش مثلاً

(1)"في الحكم" ساقطة من أوخ.

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(3)

في ط: "الوجدانية".

(4)

في ط: "الوجدانية".

وانظر معنى الوجدانيات في: شرح التنقيح للقرافي ص 66.

(5)

في ز: "ولا يحتاج".

(6)

في ط: "والنشط".

(7)

في ط: "كذلك".

(8)

في ط: "الباطنات".

(9)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(10)

"سلب" ساقطة من ط.

ص: 624

في نفسه، وإنما قلنا أيضًا (1): ليست من العقليات؛ لأنها يدركها من لا عقل له كالبهيمة [والمجنون ومن لا عقل له من الصبيان.

وها هنا تنبيه وهو: أن ظاهر كلام الأصوليين هنا أن البهائم لا عقل لها، لأثهم يقولون: علم الوجدانيات (2) تدركها (3) البهائم مع أنها لا عقل لها، وكذلك هو ظاهر كلام النحاة أيضًا؛ لأنهم يقولون: يشترط العقل في جمع (4) المذكر السالم احترازًا من غير العاقل كالبهائم، فظاهر كلام الأصوليين والنحويين أن البهائم لا عقل لها.

وقال ابن العربي: لا خلاف عندي (5) أن الحيوانات كلها لها أفهام وعقول، وقد قال الشافعي: الحمام أعقل الطير، ذكره في أحكام القرآن (6) في سورة النمل (7) فانظره] (8).

قوله: (والوجدانيات أشبه بالمحسوسات).

يعني: أن الوجدنيات (9) شبيهة بالمحسوسات، ووجه الشبه بينهما: أن كل واحد منهما لا يدرك إلا الجزئيات؛ لأن الحس لا يدرك إلا الجزئيات،

(1)"أيضًا" ساقطة من ط.

(2)

في ط: "الوجدانية".

(3)

في ط: "يدركها".

(4)

في ط: "جميع".

(5)

في أحكام القرآن: "عند العلماء".

(6)

في تفسيره لقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} آية 16 سورة النمل، في كتابه أحكام القرآن 3/ 1449.

(7)

في ز: "النحل".

(8)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(9)

في ط: "الوجدانية".

ص: 625

وكذلك الوجداني لا يدرك إلا الجزئيات، [بخلاف العقل فإنه المدرك للكليات.

وإنما قلنا: إن الحس لا يدرك إلا الجزئيات] (1)؛ لأن الإنسان لا يذوق كل طعام ولا يشم كل طيب، ولا يسمع كل صوت، ولا يبصر كل شيء، ولا يلمس (2) كل شيء، فمدركات الحس أبدًا جزئية، وكذلك الوجدانيات فإنها أمور جزئيات فإنه لا يقوم بالإنسان كل جوع، ولا كل عطش، ولا كل وجع مثلاً، بل يقوم به فرد واحد (3) من أفراد ذلك الجنس فمدركه جزئية (4)[كالحس](5)، بخلاف العقل فإن مدركاته الكليات؛ لأن العقل هو الذي يقول مثلاً: كل ليمونة حامضة، وكل تمرة حلوة، وكل حنظلة مرة وغير ذلك، فلذلك ألحق العلماء الوجدانيات بالمحسوسات في الحكم دون العقليات، والوجدانيات (6) قبيل قائم بنفسه (7).

قوله: (والوجدانيات أشبه بالمحسوسات).

انظر لأي شيء أخر الوجدانيات؟ مع أن المصنفين يقدمونها على غيرها، فإن ترتيبها عندهم: الوجدانيات ثم الأوليات، ثم الحسيات، ثم المتواترات،

(1) المثبت بين المعقوفتين من ط، ولم يرد في الأصل وز.

(2)

في ط: "يلحس".

(3)

"واحد" ساقطة من ز.

(4)

في ط: "جزئياته"، وفي ز:"جزئي".

(5)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(6)

في ط: "والوجدانية".

(7)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 66.

ص: 626

ثم التجريبيات، ثم الحدسيات.

وإنما (1) أخر المؤلف الوجدانيات؛ لأنها أجنبية عن مورد التقسيم؛ إذ لا حكم فيها للعقل ولا للحس [وإنما ذكرها تتميمًا للضروريات](2).

وقوله (3): (المحسوسات).

اعترض (4) بعضهم (5) هذه العبارة بأن قال: هذا لحن؛ لأن الفعل المأخوذ من الحواس رباعي لقوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} (6) فاسم المفعول منه محس، فالجاري في جمعه على هذا محسات لا محسوسات.

وأما حس الثلاثي فله ثلاثة (7) معان أخر (8): يقال: حسه: إذا قتله، ومنه قوله تعالى:{إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} (9)، وحسه: إذا مسحه ومنه حس الفرس، وحسه: إذا ألقى عليه الحجارة المحماة لينضج، فاسم المفعول (10) من

(1) المثبت من ز وط، وفي الأصل:"وما".

(2)

ما بين المعقوفتين ورد في ط وز، ولم يرد في الأصل.

(3)

في ط: "قوله".

(4)

انظر هذا الاعتراض في: شرح التنقيح للقرافي ص 64، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 23.

(5)

المثبت من ط، وفي الأصل:"بعض".

(6)

آية رقم 52 من سورة آل عمران.

(7)

المثبت من ز وط، وفي الأصل:"ثلاث".

(8)

انظر هذه المعاني في: شرح التنقيح للقرافي ص 64، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 23.

(9)

آية رقم 152 من سورة آل عمران.

(10)

"المفعول" ساقطة من ط.

ص: 627

هذه الثلاثة محسوس، وفي الجمع محسوسات.

أجيب عنه (1) بأن قيل: هذا لا يصح؛ لأنه يقال: أحسّ وحسّ رباعيًا وثلاثيًا بمعنى واحد.

قال الزبيدي في المختصر: حسست من فلان خبرًا أو (2) أحسست (3).

وقال في الأفعال: أحسست الشيء رأيته (4)، أو سمعت حركته وحسست به حسًا (5).

وها هنا فرع [ذكره](6) المؤلف في الشرح قال: اختلف العلماء في الحواس مع العقل:

فقيل: الحواس بمنزلة [الحجاب](7) للملك (8).

وقيل: الحواس هي (9) بمنزلة الطاقات ينظر منها الملك.

فعلى القول بأنها كالحجاب: فإن الحواس هي التي تدرك تلك (10) الأمور

(1)"عنه" ساقطة من ط.

(2)

في ز: "وأحسست".

(3)

يقول الزبيدى: "وأحسست من فلان خبرًا وحسست وأحسست" انظر في مختصر العين (ص 88). وهو مخطوط بمكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية رقم 8498 فلم.

(4)

في ط: "أي رأيته".

(5)

انظر: كتاب الأفعال لابن القوطية ص 39.

(6)

المثبت بين المعقوفتين من ز ولم يرد في ط، وفي الأصل:"ذكر".

(7)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، وفي الأصل:"الحاجب".

(8)

في ط: "لملك".

(9)

"هي" ساقطة من ز وط.

(10)

"تلك" ساقطة ط.

ص: 628

الجزئيات ثم تؤديها للملك فيحكم عليها ويقول: كل ما كان كذا فهو كذا.

وعلى القول الآخر بأن الحواس كالطاقات (1): فإن العقل هو الذي يدرك تلك الأمور، فإن العقل على هذا كالأمير في بيت له خمس طاقات قبالة كل طاقة مشاهدة ليست قبالة الأخرى.

ودليل القول بأن الحواس هي التي تدرك الأمور وتؤديها للعقل: [أن البهائم لا عقل لها، ومع ذلك تدرك الأمور بحواسها، فدل ذلك على أن الحواس مستقلة بالإدراك](2) دون العقل.

ودليل القول بأن العقل هو الذي يدرك وأن (3) الحواس بمنزلة الطاقات: أن الإنسان إذا نام وفتحت (4) عيناه فلا يدرك شيئًا حتى يستيقظ فيأتي شيء للبصر ولجميع الحواس، فحينئذ يحصل الإدراك (5) وبالله التوفيق (6).

(1) في ط: "كالطاقة".

(2)

ما بين المعقوفتين ورد في ز بلفظ: "أن البهائم وهي تدرك بحواسها تبصر وتسمع وتشم وتذوق ويحصل لها اللمس ولا عقل لها".

(3)

"وأن" ساقطة من ط، وفي الأصل:"دون" والمثبت من ز.

(4)

في ز: "وفتح عينيه"، وفي ط:"فتح عيناه".

(5)

نقل المؤلف بالمعنى انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 67، وشرح التنقيح للمسطاسي ص 25.

(6)

في ز: "وبالله التوفيق بمنه".

ص: 629