المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثامن في التخصيص - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب - جـ ١

[الحسين الشوشاوي]

الفصل: ‌الفصل الثامن في التخصيص

‌الفصل الثامن في التخصيص

شرع المؤلف [رحمه الله تعالى](1) في بيان حقيقة التخصيص.

وهو مشتق من الاختصاص بالشيء وهو الانفراد به، وذلك أن الدليل المخصص يختص بالأفراد المخرجة من لفظ العموم (2) دون غيرها؛ فلأجل ذلك سمي (3) تخصيصًا.

قوله: (الفصل الثامن في (4) التخصيص) تقديره: الفصل الثامن في بيان حقيقة التخصيص (5).

قوله: (وهو إِخراج بعض يتناوله اللفظ العام أو ما يقوم مقامه بدليل منفصل في (6) الزمان إِن كان المخصص لفظيًا، أو بالجنس إِن كان عقليًا قبل

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ط وز.

(2)

في ز: "العام".

(3)

في ز: "يسمى".

(4)

"في" ساقطة من أوخ.

(5)

انظر حقيقة التخصيص في: المعتمد 1/ 234، العدة لأبي يعلى 1/ 155، اللمع لأبي إسحاق الشيرازي المطبوع مع التخريج ص 100، الإحكام للآمدي 2/ 281، مختصر المنتهى لابن الحاجب 2/ 129، شرح تنقيح القرافي ص 51، نهاية السول في شرح منهاج الأصول 2/ 374، الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 121، شرح المحلي على متن جمع الجوامع 2/ 2، التوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 45، شرح التنقيح للمسطاسي ص 17 "خ".

(6)

في ط: "عنه في الزمان".

ص: 461

تقرر حكمه) (1).

ش: قوله: (إِخراج)(2)[هذا (3) جنس يتناول (4)](5) عند المؤلف ثلاثة أشياء وهي: التخصيص، والاستثناء، والنسخ، فلا بد من قيود تخرج الاستثناء والنسخ، وقد ذكرها المؤلف.

وقوله: (بعض يتناوله اللفظ العام) احترازًا من إخراج الكل فإنه بعض وجوه النسخ، ولما كان التخصيص إخراج البعض من الكل قال الأصوليون: لا يستقيم التخصيص إلا فيما يستقيم توكيده بكل، وهو ما له أجزاء يصح افتراقها حسًا أو حكمًا، وهذا موجود في اللفظ العام؛ لأن له شمولًا.

وقوله: (أو ما يقوم مقامه) يعني أن التخصيص أيضًا إخراج بعض ما يتناوله ما يقوم مقام اللفظ العام في إفادة العموم.

وقوله: (أو ما يقوم مقامه) ما موصولة بمعنى الذي، وهي واقعة على المعنى، وهي معطوفة على اللفظ العام الذي هو فاعل، فقوله:"يتناوله" تقديره: التخصيص هو إخراج بعض ما يتناوله اللفظ العام، أو يتناوله المعنى

(1) عرف التخصيص أبو الحسن البصري فقال: هو إخراج بعض ما تناوله الخطاب، وعرفه ابن الحاجب فقال: التخصيص هو قصر العام على بعض مسمياته.

انظر: المعتمد 1/ 234، مختصر المنتهى لابن الحاجب 2/ 129.

(2)

في ز: "إخراج بعض ما يتناوله اللفظ العام".

(3)

في ط: "هو جنس شيء يتناول" وهذه العبارة ساقطة من ز.

(4)

في ط: "شيء يتناول".

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

ص: 462

الذي يقوم مقام اللفظ العام في إفادة العموم، وأراد بهذا المعنى الذي يقوم مقام اللفظ العام مفهوم المخالفة؛ لأن مفهوم المخالفة يقتضي سلب الحكم عن جميع المسكوت عنه، كما أن المنطوق يقتضي ثبوت الحكم لجميع المنطوق به.

مثال ذلك قوله عليه السلام: "إنما الماء من الماء"(1) هذا هو المنطوق به، معناه: إنما يجب الغسل بالماء من (2) وجود الماء الذي هو المني.

(1) أخرجه مسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان، فصرخ به فخرج يجر إزاره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أعجلنا الرجل" فقال عتبان: يا رسول الله أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الماء من الماء".

أخرجه مسلم في كتاب الحيض باب إنما الماء من الماء 1/ 185.

وأخرجه أبو داود عن أبي سعيد الخدري من طريق آخر بلفظ: "الماء من الماء" سنن أبي داود كتاب الطهارة باب في الإكسال 1/ 56 تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.

وأخرجه النسائي وابن ماجه عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماء من الماء".

انظر: سنن النسائي (1/ 115) كتاب الطهارة باب الذي يحتلم ولا يرى الماء، سنن ابن ماجه (1/ 199) كتاب الطهارة، باب: الماء من الماء رقم الباب 110، رقم الحديث 607.

وأخرج الترمذي عن أبي بن كعب قال: "إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها"، وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبيّ ابن كعب ورافع بن خديج، قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب، والزبير، وطلحة، وأبي أيوب، وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الماء من الماء".

انظر: سننن الترمذي (1/ 73 - 74) كتاب الطهارة، باب: ما جاء أن الماء من الماء رقم الباب 81.

(2)

في ز: "أي من".

ص: 463

مفهومه: أنه لا يلزم (1) الغسل من القبلة، ولا من المباشرة، ولا من الملامسة، ولا من الجسة (2)، ولا من النظر، ولا من التفكير (3)، ولا من التكلم، ولا من إيلاج الحشفة، فهذا المفهوم يعم جميع المسكوت عنه.

ثم خصص عموم هذا المفهوم بقوله عليه السلام: "إذا التقى الختانان وجب الغسل"(4).

قال المؤلف في الشرح: فإن السلب في المفهوم كعموم الثبوت في المنطوق، إلا أنه لا يسمى عمومًا (5) في الاصطلاح فلذلك قلت: أو ما يقوم

(1) في ز: "أنه لا يجب".

(2)

"الجسة" ساقطة من ز.

(3)

في ز: "التفكر".

(4)

هذا الحديث روي من وجوه وطرق متعددة، منها: ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل".

وأخرجاه أيضًا النسائي وابن ماجه عن أبي هريرة بلفظ قريب من لفظ البخاري.

وأخرجه ابن ماجه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا".

وأخرجه الترمذي عن عائشة بلفظ: "إذا جاوز الختان الختان

" إلخ، وقال: وفي الباب عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، ورافع بن خديج، قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعائشة، والفقهاء من التابعين ومن بعدهم مثل: سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، قالوا: إذا التقى الختانان وجب الغسل.

انظر: صحيح البخاري كتاب الغسل (1/ 62)، سنن النسائي كتاب الطهارة باب وجوب الغسل إذا التقى الختانان (1/ 111)، سنن ابن ماجه كتاب الطهارة حديث رقم (608) ج 1/ 199، سنن الترمذي كتاب الطهارة باب رقم 80 حديث رقم 108 ج 1/ 72.

(5)

في ز: "عامًا".

ص: 464

مقامه (1).

قوله (2): (بدليل منفصل (3) في الزمان) هذا المجرور في قوله: "بدليل"(4) متعلق بالإخراج، أي: يكون الإخراج بدليل منفصل، يعني: أن يكون الدليل المخصص واردًا بعد ورود (5) العام بحيث تكون الفترة بينهما كقوله عليه السلام: "نهيت عن قتل النساء والصبيان"(6)؛ لأنه (7) ورد بعد

(1) انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 51.

(2)

في ز: "وقوله".

(3)

في ط وز: "منفصل عنه".

(4)

في ط: "بدليل منفصل".

(5)

في ط: "ورود الزمان العام"، وفي ز:"ورود زمان العام".

(6)

أخرج البخاري عن ابن عمر قال: وجدث امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان. كتاب الجهاد والسير، باب قتل النساء في الحرب 2/ 172.

أخرجه أيضًا مسلم عن ابن عمر بهذا اللفظ في كتاب الجهاد باب رقم 8 حديث رقم 24 ج 2/ 1364.

وأخرجه أبو داود عن نافع عن عبد الله أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان.

سنن أبي داود كتاب الجهاد، باب قتل النساء والصبيان 3/ 53.

وأخرجه أيضًا الدارمي في سننه عن ابن عمر قال: وجد في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان.

الدارمي كتاب السير، باب النهي عن قتل النساء والصبيان ج 1/ 222.

وأخرجه ابن ماجه عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة في بعض الطريق فنهى عن قتل النساء والصبيان.

ابن ماجه كتاب الجهاد رقم الباب 30 رقم الحديث العام 2841 ج 2/ 947.

وأخرجه أيضًا مالك في الموطأ عن ابن عمر في كتاب الجهاد باب رقم 3 حديث رقم "9" ج 2/ 447.

(7)

في ز: "فإنه".

ص: 465

نزول قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (1) بزمان طويل.

وقوله: (بدليل منفصل) احترازًا من الإخراج بدليل متصل وهو الاستثناء؛ لأن الاستثناء (2) يجب اتصاله بالمستثنى منه على القول الصحيح، كما قاله (3) المؤلف في باب الاستثناء في قوله: ويجب اتصال الاستثناء بالمستثنى منه عادة، خلافًا لابن عباس رضي الله عنه (4).

قال الإمام: إن صح عنه (5) النقل يحمل على (6) ما إذا نوى عند التلفظ ثم أظهره بعد ذلك. انتهى نصه (7).

وقوله: (إِن كان المخصص لفظيًا)[معناه: أن اشتراط (8) انفصال المخَصِص عن المُخصَص في الزمان مشروط بأن يكون (9) المخصص لفظيًا](10).

وأما (11) إن كان المخصص غير لفظي وهو العقلي فلا يشترط فيه أن يكون

(1) سورة التوبة آية رقم 5.

(2)

في ز: "فإنه يجب".

(3)

في ز: "كما قال".

(4)

في ز: "عنهما".

(5)

في ط: "إن صح النقل عنه".

(6)

"على" ساقطة من ط.

(7)

هذا نص كلام القرافي في التنقيح، انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 242.

(8)

في ط: "اشترط".

(9)

المثبت من ط، ولم ترد "يكون" في الأصل.

(10)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(11)

في ز: "أي وأما إن كان

" إلخ.

ص: 466

منفصلًا في الزمان؛ [لأن المخصص العقلي متصل في المعنى ولكنه منفصل في الجنس؛ لأن جنس العقلي (1) مخالف لجنس اللفظي (2) فالمخصص العقلي وإن كان متصلًا في الزمان](3) فهو منفصل في الجنس، فالمخصص اللفظي من جنس الألفاظ، والمخصص العقلي من جنس المعاني.

فذكر (4) المؤلف أن الدليل المخصص يشترط فيه الانفصال، إلا أن الانفصال يكون بشيئين:

تارة يكون بالزمان، وتارة يكون بالجنس.

فإن كان المخصص لفظيًا (5) فالانفصال فيه بالزمان، وإن كان المخصص عقليًا (6) فالانفصال فيه بالجنس.

وإلى هذين الشيئين اللذين يكون بهما الانفصال أشار المؤلف بقوله: (بدليل منفصل (7) في الزمان إِن كان المخصص لفظيًا، أو بالجنس إِن كان عقليًا).

فمثال المخصص اللفظي تقدم، وهو: قوله عليه السلام: "نهيت عن قتل

(1) في ط: "العقل".

(2)

في ط: "اللفظ".

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

(4)

في ز: "وذكر".

(5)

المثبت من ز، وفي الأصل وط:"لفظًا".

(6)

المثبت من ز، وفي الأصل وط:"عقلًا".

(7)

في ط: "منفصل عنه".

ص: 467

النساء والصبيان" تخصيصًا لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (1).

ومثال التخصيص بالعقل (2): قوله تعالى: {خَالِقُ كلِّ شَيْءٍ} (3)؛ لأن قوله (4): "خالق كل شيء" عام (5) يندرج فيه كل شيء؛ لأن لفظ الشَيء يتناول ذات الله تعالى (6) وصفاته، لقوله تعالى:{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَر شَهَادَةً قُلِ الله} (7)، ولكن خصص العقل ذات الله تعالى (8) وصفاته العلى (9).

ومثاله أيضًا: قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (10) خصص العقل ذات الله تعالى (11) وصفاته العلى (12)، فإنه لا يقدر (13) على ذاته وصفاته القديمة؛ لأن القدرة لا تتعلق إلا بالجائز، ولا تتعلق بالواجب ولا

(1) سورة التوبة آية رقم 5.

(2)

في ط: "العقلي".

(3)

قال تعالى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكيلٌ} سورة الزمر آية رقم 62.

(4)

في ز: "لأن قوله تعالى: "كل" عام

" إلخ، وفي ط: "لأن قوله: كل شيء".

(5)

"عام" ساقطة من ط.

(6)

في ز: "تبارك وتعالى".

(7)

سورة الأنعام آية رقم 19.

(8)

"تعالى" لم ترد في ط، وفي ز:"تبارك وتعالى".

(9)

في ز: "العليا".

(10)

قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة المائدة آية رقم 120.

(11)

"تعالى" لم ترد في ط، وفي ز:"تبارك وتعالى".

(12)

في ز: "العليا".

(13)

في ط: "لا يتقدر".

ص: 468

بالمستحيل، فالله تعالى (1) هو (2) واجب الوجود، فقد خصص العقل ذات الله تعالى (3) وصفاته العلى (4) من هذا العموم.

قوله: (قبل تقرر حكمه) هذا متعلق بقوله: "إخراج (5) بعض"؛ تقديره: بشرط (6) أن يكون ذلك الإخراج قبل تقرر حكم العام بالعمل به، أي: قبل ثبوت العمل بحكم العام؛ لأن التخصيص لا يكون إلا قبل العمل بالعام؛ لأن المراد به البيان ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه.

ويحتمل أن يعود الضمير في قوله: حكمه على البعض، في قوله:"إخراج بعض"، تقديره (7): قبل تقرر حكم ذلك البعض المخرج.

وقوله: (قبل تقرر حكمه) أي: قبل العمل بالعام، احترازًا من النسخ؛ فإن الإخراج فيه يكون بعد العمل بالعام، وهذا أحد الفروق التي يفوق بها بين التخصيص والنسخ، كما بينه المؤلف في الفصل السابع من باب العموم والخصوص في قوله: الفصل السابع في الفرق بينه وبين النسخ والاستثناء (8)، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى (9).

(1) في ط وز: "تبارك وتعالى".

(2)

"هو" ساقطة من ز.

(3)

"تعالى" لم ترد في ط، وفي ز:"تبارك وتعالى".

(4)

في ز: "العليا".

(5)

في ط: "أخرج".

(6)

في ط: "شرط".

(7)

في ز: "تقريره".

(8)

انظر: شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 230.

(9)

"تعالى" لم ترد في ط.

ص: 469

قوله: (فقولنا: أو ما يقوم مقامه احترازًا من المفهوم (1) فإِنه يدخله التخصيص).

ش: هذا بيان قوله في الحد: "أو ما يقوم مقامه" وقد تقدم بيانه.

واعترض قوله: (احترازًا من المفهوم) بأن قيل: إنما يحترز (2) مما يراد خروجه ولا يحترز مما يراد دخوله، فإن المفهوم إنما يراد دخوله في الحد فكيف يحترز منه؟ (3).

أجيب (4) عنه بأن في الكلام حذف المضاف (5) تقديره: احترازًا من خروج المفهوم [أي: احترازًا من خروج المفهوم](6) من الحد.

واعترض قوله أيضًا: (احترازًا من الاستثناء)(7): فإنه يقتضي أن الاستثناء ليس من المخصصات مع أنه عده في باب العموم من المخصصات، قال في باب العموم (8): وعندنا (9) يخص الشرط والاستثناء العموم مطلقًا (10).

أجيب (11) عنه: بأن قيل: ذكر المؤلف ها هنا قولًا وذكر في باب العموم

(1) في خ: "وهو المفهوم".

(2)

في ز: "يتحرز".

(3)

ذكر هذا الاعتراض المسطاسي في شرح التنقيح ص 17.

(4)

في ز: "وأجيب".

(5)

في ز: "مضاف".

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

(7)

في هامش ز تعليق ونصه: "يقال": الكلام في المخصص المنفصل دون المتصل، والاستثناء من الثاني كما في الورقات فلا اعتراض أصلًا؛ إذ المراد خروجه، وكذا يقال فيما يأتي".

(8)

انظر هذا الاعتراض في: شرح التنقيح للمسطاسي ص 17.

(9)

"وعندنا" ساقطة من ز.

(10)

شرح التنقيح للقرافي ص 213.

(11)

في ز: "وأجيب".

ص: 470

قولًا آخر، وذلك انهم اختلفوا في الاستثناء هل هو (1) هو المخصصات أو ليس من المخصصات؟ فيه قولان: معنى [ذلك](2): هل يسمى في الاصطلاح مخصصًا (3)، أو لا يسمى ذلك؟ فيه (4) قولان.

وسبب الخلاف بينهم في ذلك: هل حرف الاستثناء قرينة (5) تبين أن المراد بالكلام هو الباقي بعد الاستثناء؟ أو أن مجموع (6) المستثنى (7) والمستثنى منه في مقابلة الباقي بعد الاستثناء كاسمين جعلا اسمًا واحدًا، أحدهما: مفرد والآخر: مركب؟

[مثال ذلك قولك مثلًا: عشرة إلا ثلاثة.

فعلى القول الأول وهو قول الجمهور: أن المراد بالكلام سبعة، وأن "إلا" هي قرينة تبين ذلك فيكون الاستثناء مخصصًا كسائر المخصصات.

وعلى القول الآخر: وهو قول القاضي الباقلاني: أن الاستثناء ليس مخصصًا، فإن مجموع عشرة إلا ثلاثة بإزاء سبعة، بمنزلة اسمين جعلا اسمًا واحدًا: أحدهما: مفرد، والآخر: مركب] (8).

(1)"هو" ساقطة من ط.

(2)

المثبت بين المعقوفتين من ز، ولم يرد في الأصل وط.

(3)

في ط: "خصاصًا".

(4)

"فيه" ساقطة من ز.

(5)

في ز: "الخلاف في حرف الاستثناء هل هي قرينة".

(6)

"مجموع" ساقطة من ز.

(7)

في ط: "الاستثناء".

(8)

ما بين المعقوفتين ساقط من ط.

ص: 471

واعترض (1) قوله أيضًا: [بدليل منفصل](2): بأنه يقتضي أن الصفة والغاية والشرط لا تكون مخصصات (3)، وليس الأمر كذلك؛ لأنه ذكر في باب العموم أنها من المخصصات؛ لأنه قال هناك (4): وعندنا يخصص الشرط والاستثناء العموم مطلقًا، ونص الإمام على الصفة والغاية (5)، انتهى نصه (6).

مثال التخصيص بالصفة قولك: أكرم قريشًا الطوال (7).

ومثال التخصيص بالغاية قولك: أكرم قريشًا حتى يدخلوا (8) الدار (9).

ومثال التخصيص بالشرط قولك: أكرم قريشًا إن دخلوا الدار (10).

وهذا الاعتراض لازم (11)؛ لأن المؤلف قد أورده في الشرح والتزمه (12).

(1) في ط: "اعتراض".

(2)

في ط: "منفصل عنه".

(3)

ذكر هذا الاعتراض المسطاسي في شرح التنقيح ص 17.

ويقول أحمد حلولو في شرحه للتنقيح ص 46: وقوله: بدليل منفصل عنه في الزمان، يخرج التخصيص بأقسامه الخمسة: الاستثناء والشرط والصفة والغاية وبدل البعض من الكل وأراد بالقياس المذكور إخراج الاستثناء فقط، فخرج الجميع.

(4)

في ز: "هنالك".

(5)

شرح التنقيح للقرافي ص 213.

(6)

"نصه" ساقطة من ط.

(7)

في ز زيادة بعد الطوال "فإن القصّار يخرجون".

(8)

في ط: "يدخل".

(9)

وبعد هذا المثال زيادة في ز: "فإن الداخل للدار يخرج من هذا العموم".

(10)

هذا المثال ورد في ز بلفظ آخر ونصه: "ومثال الشرط قولنا: أكرمهم إن كانوا طوالًا".

(11)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"يلزم".

(12)

في ط: "فالتزمه".

ص: 472

قال في شرحه (1): فينبغي أن يؤتى بعبارة تجمع هذه النقوض (2) وتخرج الاستثناء وفيها عسر (3).

وأجيب عن هذا (4) الاعتراض بأن قيل: هذا الاعتراض لا يلزم؛ لأن هذه الأشياء أعني: الصفة، والغاية، والشرط، كلها منفصلة بالزمان (5) من حيث إنها لا توجد إلا بعد وجود اللفظ العام، أعني: أنه لا يحصل التلفظ بهذه الأشياء إلا بعد التلفظ بلفظ (6) العام، وهو المُخَصَّص بالفتح، وكذلك تقول في الاستثناء؛ إذ لا يحصل النطق بلفظ المستثنى إلا بعد حصول النطق بلفظ المستثنى منه، فقد حصل الانفصال في جميع هذه الأشياء بالزمان (7) بين المخصِّص و (8) المخصَّص، فلا يلزم الاعتراض بها على المؤلف وإن التزمه.

وقد رد هذا الجواب بأن قيل: هذا وهم؛ وذلك أن المراد بالانفصال هو (9) أن تكون بين المخصِّص والمخصَّص فترة من الزمان وانقطاع بينهما، وأما تقدم أحد اللفظين على الآخر في زمان واحد فليس ذلك

(1) في ط: "في الشرح".

(2)

في هامش ز تعليق ونصه: "قوله: تجمع هذه النقوض أظنه تجمع هذه المخصصات".

(3)

شرح التنقيح للقرافي ص 52.

(4)

"هذا" ساقطة من ز.

(5)

في ط: "في الزمان".

(6)

في ط: "في اللفظ"، وي ز:"باللفظ".

(7)

في ط: "في الزمان".

(8)

في ط: "أو المخصص فترة من الزمان".

(9)

"هو" ساقطة من ز.

ص: 473

بانفصال، بل ذلك أمر ضروري وهو الترتيب بالحقيقة الزمانية؛ لأن اجتماع حروف (1) أو (2) حرفين في زمان واحد محال، فقولك مثلًا: زيد، فالزاء متقدم ثم الياء ثم الدال، وهذا الترتيب بالحقيقة الزمانية أمر ضروري (3)؛ لأن الكلام من المصادر السيالة فلا يوجد من الكلام حالة النطق إلا حرف واحد، ولا يقال: بين هذه الحروف انفصال بالزمان.

واعترض قوله أيضًا: (إِن كان المخصص لفظيًا) بأن قيل: هذا التعريف يلزم فيه الدور؛ لأن المخصص مشتق من التخصيص فتعريف التخصيص بما أخذ منه: تعريفًا بما لا يعرف إلا بعد معرفة المحدود.

أجيب (4) عن هذا: بأن المعرف بالحد هو نسبة الحد إلى المحدود لمن هو عارف [بالمحدود](5) فلا دور، هذا على مذهب المؤلف.

وأما على مذهب الجمهور فجوابه أن تقول، المخصص المأخوذ في الحد مأخوذ من التخصيص اللغوي، و (6) المحدود هو (7) التخصيص الاصطلاحي فلا دور.

واعترض قوله أيضًا: "إن كان المخصص لفظيًا أو بالجنس إن كان عقليًا"؛ فإنه يقتضي أن التخصيص محصور في شيئين وهما: اللفظي، والعقلي،

(1)"حروف" ساقطة من ز.

(2)

"أو" ساقطة من ز.

(3)

في ز: "زماني ضروري".

(4)

في ز: "وأجيب".

(5)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، وفي الأصل:"بالحدود".

(6)

في ط: "أو".

(7)

في ز: "والمحدود من التخصيص".

ص: 474

وليس الأمر كذلك؛ لأن التخصيص (1) يكون (2) أيضًا بشيئين (3) آخرين وهما: الفعل، والتقرير، نص عليه (4) المؤلف في باب العموم؛ لأنه قال فيه: وعندنا يخصص فعله عليه السلام وإقراره الكتاب والسنة (5). انتهى (6) نصه.

مثال التخصيص بالفعل: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (7) خصصه فعله عليه السلام برجم ماعز (8)

(1) في ز: "للتخصيص".

(2)

"يكون" ساقطة من ز، وفي ط:"أيضًا يكون".

(3)

في ز: "شيئين".

(4)

في ط: "عليهما".

(5)

في ط: "السنة والكتاب".

(6)

انظر: شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 210.

(7)

سورة النور آية رقم 2.

(8)

هو ماعز بن مالك الأسلمي، وهو الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا تائبًا منيبًا وكان محصنًا فرجم، ثبت ذكره في الصحيحين.

روى حديث رجمه ابن عباس، وبريدة، وأبو هريرة وغيرهم، وهو معدود في المدنيين، كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا بإسلام قومه، روى عنه ابنه عبد الله بن ماعز حديثًا واحدًا.

انظر: الإصابة 5/ 705 رقم الترجمة (7593)، الاستيعاب 3/ 1345، أسد الغابة 4/ 270.

وحديث رجم ماعز ثابت في الصحيحين، فقد أخرجه البخاري عن جابر أن رجلًا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى شهد على نفسه أربع مرات، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أبك جنون؟ " قال: لا، قال:"أحصنت؟ " قال: نعم، فأمر به فرجم بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة فرّ، فأُدرِك، فرجم حتى مات فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرًا وصلى عليه.

انظر: صحيح البخاري كتاب المحاربين باب الرجم بالمصلى 1/ 177.

وأخرجه الإمام مسلم (5/ 117) عن جابر وأبي سعيد في كتاب الحدود، باب: من =

ص: 475

والعامرية (1).

ومثال التخصيص بالفعل أيضًا: نهيه عليه السلام عن الوصال ثم واصل، فقالوا له: نهيت عن الوصال ونراك تواصل، فقال:"إني لست كهيئتكم أظل يطعمني ربي ويسقيني"(2).

= اعترف على نفسه بالزنا ج 5/ 117.

وأخرجه الترمذي في سننه (4/ 36) في كتاب الحدود، باب: ما جاء في درء الحد، الحديث رقم 1429.

وأخرجه النسائي في المجتبى (4/ 63) في كتاب الجنائز، باب: ترك الصلاة على المرجوم.

وأخرجه أبو داود في سننه (4/ 146 - 147) عن جابر وابن عباس، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خيرًا ولم يصل عليه، في كتاب الحدود باب رجم ماعز بن مالك.

(1)

المشهور في كتب الحديث أنها الغامدية، وفي بعض الأحاديث أنها امرأة من غامد من الأزد، وفي بعضها: امرأة من جهينة.

ولم أجد لقب العامرية الذي ذكره المؤلف.

وحديث رجم الغامدية ثابت في صحيح مسلم فقد أخرجه عن عمران أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا نبي الله أصبت حدًا فأقمه عليّ، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها، فقال:"أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها" ففعل فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكّت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت، ثم صلّى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟! ".

وذكر مسلم قصة رجم الغامدية مقرونة مع قصة رجم ماعز، انظر: كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا ج 5/ 119 - 121.

وأخرجه أبو داود في كتاب الحدود، باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة حديث رقم 4440 - 4442، ج 4/ 151، 152.

(2)

رواه أبو هريرة وعائشة. =

ص: 476

ومثال التخصيص بالفعل أيضًا قوله عليه السلام: "لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها لبول (1) ولا لغائط (2) ولكن شرقوا أو غربوا"(3).

= أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال:"إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقيني".

البخاري كتاب الصوم باب الوصال 1/ 336 مع حاشية السندي، وصحيح مسلم كتاب الصوم باب النهي عن الوصال 2/ 134.

وأخرجه أيضًا مالك في الموطأ عن أبي هريرة في كتاب الصيام باب رقم 13 ج 1/ 300.

وهذا الحديث لا يصح الاستشهاد به على التخصيص بالفعل كما صنع المؤلف بل هو دليل على اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم بالوصال، ومنطوق الحديث يدل دلالة واضحة على ذلك؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم:"إني لمست كهيئتكم" وما ورد من أحاديث فيها مواصلته صلى الله عليه وسلم بهم، فمواصلته ليست تقريرًا بل تنكيلًا، للزجر وبيان الحكمة في نهيهم عنه ليكون أدعى لهم على تركه.

(1)

في ط: "للبول".

(2)

في ط: "للغائط".

(3)

أخرجه البخاري (1/ 40) عن ابن عمر، كتاب الوضوء، باب: لا تستقبل القبلة بغائط أو بول.

وأخرجه مسلم عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا" قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قِبل القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله.

انظر: صحيح مسلم (1/ 154) كتاب الطهارة، باب الاستطابة.

وأخرجه الترمذي عن أبي أيوب بهذا اللفظ، وقال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، ومعقل بن أبي الهيثم، ويقال: معقل بن أبي معقل، وأبي أمامة، وأبي هريرة، وسهل بن حنيف.

قال أبو عيسى: حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح.

سنن الترمذي، كتاب الطهارة باب رقم 6 حديث رقم 8 ج 1/ 8. =

ص: 477

ثم رآه ابن عمر (1) مستقبلًا بيت المقدس (2)، مستدبرًا للكعبة [فخصص ما بين البنيان](3).

= وأخرجه النسائي عن أبي أيوب الأنصاري في كتاب الطهارة في النهي عن استدبار القبلة ج 1/ 22.

وأخرجه الدارمي عن أبي أيوب كتاب الطهارة باب النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول ج 1/ 170.

(1)

هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب، أسلم مع أبيه وهو صغير وهاجر وهو ابن عشر سنين، وكان كثير الاتباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم والرواية عنه، توفي سنة (73 هـ).

انظر: الإصابة 4/ 181 - 188.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن ابن عمر، كتاب الوضوء باب من تبرز على لبنتين ج 1/ 40.

وأخرجه مسلم (1/ 151) عن ابن عمر قال: رقيت على بيت أختي حفصة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا لحاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة.

أخرجه النسائي في سننه (1/ 23) عن ابن عمر، وابن ماجه في كتاب الطهارة الباب رقم 18 حديث رقم 322 ج 1/ 116.

وأخرجه الترمذي عن ابن عمر، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

انظر: سنن النسائى كتاب الطهارة، باب رقم 7، حديث رقم 11.

وأخرجه أبو داود (1/ 21) عن ابن عمر في كتاب الطهارة باب الرخصة في ذلك حديث رقم 12.

وأخرجه مالك في الموطأ عن ابن عمر في كتاب القبلة باب الرخصة في استقبال القبلة 1/ 193، 194.

(2)

في ط: "لبيت المقدس"، وفي ز:"البيت المُقدَّس".

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ط وز، ولم يرد في الأصل.

ص: 478

ومثال التخصيص بالفعل أيضًا: نهيه عليه السلام عن كشف العورة ثم كشف فخذه بحضرة أبي بكر وعمر، فلما رأى عثمان ستر فخذه، فعجبوا منه، فقال:"ألا أستحي ممن تستحي منه ملائكة السماء؟! "(1).

(1) ذكر المؤلف الحديث بالمعنى ونص الحديث:

أخرج مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك! فقال. "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟! ".

انظر: صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه حديث رقم 2401 ج 4/ ص/ 866.

وأخرجه البيهقي في سننه (2/ 231) عن عائشة بهذا اللفظ.

وأخرجه الطحاوي الحنفي في شرح معاني الآثار عن حفصة بنت عمر رضي الله عنها، وذكر الطحاوي لهذا الحديث طرقًا أخرى، وقال: فهذا أصل هذا الحديث ليس فيه ذكر كشف الفخذين أصلًا، وذكر أحاديث كثيرة صحيحة فيها أن الفخذ من العورة، منها: ما أخرجه عن جرهد قال: مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليّ بردة قد كشفت عن فخذي فقال: "غط فخذك، الفخذ عورة".

وأخرجه البخاري عن جرهد، وأخرج عن أنس أنه قال: حسر النبي صلى الله عليه وسلم عن فخذه، وقال البخاري: حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط، حتى يخرج من اختلافهم.

انظر: شرح معاني الآثار 1/ 373 - 375، والبخاري 1/ 77 مع حاشية السندي.

وقد جمع الشوكاني بين هذا الحديث والأحاديث التي فيها أن الفخذ عورة بأنها حكاية حال لا عموم لها.

انظر: نيل الأوطار 1/ 262.

وجمع بين هذه الأحاديث ابن القيم فقال: وطريق الجمع بين هذه الأحاديث ما ذكره غير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم أن العورة عورتان: مخففة ومغلظة، فالمغلظة السوأتان، والمخففة: الفخذان، ولا تنافي بين الأمر بغض البصر عن الفخذين =

ص: 479

ومثال التخصيص بالتقرير (1): قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (2) خصصه (3) كونه عليه السلام وجد عبد الرحمن (4) بن عوف في الصلاة فأحرم (5) عليه السلام وراءه فأقره عليه السلام على

= لكونهما عورة وبين كشفهما لكونهما عورة مخففة.

انظر: تهذيب السنن 6/ 17.

وقول الطحاوي: "أصل هذا الحديث ليس فيه ذكر كشف الفخذين"، أجاب عنه الألباني في إرواء الغليل، فقال: وهذا التعليل أو الإعلال ليس بشيء عندي؛ لأن من أثبت الفخذ ثقة وهي زيادة منه غير مخالفة لما رواه غيره فوجب قبولها كما هو مقرر في المصطلح، وهذا على فرض أنها لم تأت إلا من طريقه وحده، فكيف وقد وردت من الطريق الأخرى، فكيف ولها شاهد من حديث حفصة وحديث أنس.

انظر: إرواء الغليل 1/ 300.

(1)

في ط: "بالتقدير".

(2)

سورة الحجرات آية رقم 1.

(3)

في ط: "خصه".

(4)

هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي، الزهري، ولد بعد عام الفيل، وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، هاجر إلى الحبشة، وهاجر إلى المدينة، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وصلى الرسول خلفه في إحدى السفرات، وكان تاجرًا كسب كثيرًا وأنفق كثيرًا، روى عنه: أولاده، وابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، توفي سنة إحدى وثلاثين (31 هـ) ودفن بالبقيع.

انظر: الاستيعاب 2/ 844 - 850، الإصابة 4/ 346 - 350، أسد الغابة 3/ 313 - 317.

(5)

في ط: "فأحرم النبي عليه السلام".

ص: 480

الإمامة (1)، مع أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يكون إمامًا للنبي عليه السلام.

ومثال التخصيص بالإقرار أيضًا (2): كونه عليه السلام رأى (3) رجلًا يصلي ركعتي الفجر بعد الصبح فأقره (4) عليه

(1) أخرج مسلم عن المغيرة بن شعبة أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، قال المغيرة: فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغائط، فحملت معه إداوة قبل صلاة الفجر، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أخذت أهريق على يديه من الإداوة وغسل يديه ثلاث مرات، ثم غسل وجهه، ثم ذهب يخرج جبته عن ذراعيه فضاق كمَّا جبته، فأدخل يديه في الجبة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة، وغسل ذراعيه إلى المرفقين، ثم توضأ على خفيه، ثم أقبل، قال المغيرة: فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدَّموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين، فصلى مع الناس الركعة الآخرة، فلما سلّم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم، ثم قال:"أحسنتم" أو قال: "قد أصبتم" يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها.

انظر: صحيح مسلم كتاب الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام 2/ 26، 27.

(2)

"أيضًا" ساقطة من ط وز.

(3)

في ز: "رآه".

(4)

ذكر المؤلف الحديث بالمعنى ونص الحديث: أخرج أبو داود عن قيس بن عمرو، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يصلي صلاة الصبح ركعتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الصبح ركعتان" فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

انظر: سنن أبي داود كتاب الصلاة، باب من فاتته متى يقضيها 2/ 22.

وفي سند هذا الحديث عثمان بن أبي شيبة، قال عنه ابن حجر: إنه ثقة حافظ شهير وله أوهام.

وفيه سعد بن سعيد المقبري المدني، قال عنه ابن حجر: إنه لين الحديث من الثامنة. =

ص: 481

السلام (1)، فيخص (2) به نهيه عليه السلام عن الصلاة بعد الصبح؛ لأنه قال:"لا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتي (3) الفجر"(4)؛ إذ لا يجوز أن يرى عليه

= انظر: تقريب التهذيب لابن حجر 1/ 287، 2/ 14.

وأخرجه الترمذي وجاء فيه: "مهلًا يا قيس أصلاتان معًا"، وذكر أنه مرسل؛ لأن محمّد بن إبراهيم لم يسمع من قيس.

وروي عن ابن عمر أنه فعله، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.

انظر: سنن الترمذي 2/ 149، 150.

(1)

المثبت من ز وط ولم ترد "السلام" في الأصل.

(2)

في ط "فينحصر"، وفي ز:"فيخصص".

(3)

المثبت من ط وز، وفي الأصل:"ركعة".

(4)

هذا الحديث ورد بطرق متعددة وألفاظ مختلفة، ورواه عدد من الصحابة.

فقد رواه ابن عمرو رضي الله عنه.

وأخرجه عنه البيهقي في السنن الكبرى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر".

وذكر البيهقي أن في إسناده عبد الرحمن بن زياد الأفريقي وانه غير محتج به.

انظر: سنن البيهقي 2/ 465، 466.

وأخرجه عنه الدارقطني في سننه (2/ 419) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم واختلف في الاحتجاج به.

انظر: مجمع الزوائد 2/ 218.

ورواه أبو هريرة، وقد أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر" وفيه إسماعيل بن قيس وهو ضعيف.

انظر: مجمع الزوائد للهيثمي 2/ 218.

ورواه ابن عمر: وأخرجه عنه أبو داود (2/ 58) عن يسار مولى ابن عمر قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر، فقال: يا يسار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال: "ليبلغ شاهدكم غائبكم ولا تصلوا بعد الفجر إلا =

ص: 482

السلام (1) منكرًا فيقر عليه، فلما أقره دل على جوازه.

ومثال التخصيص بالإقرار أيضًا: كونه عليه السلام أقر أهل المدينة على أكل الخضر وبيعها من غير زكاة (2)، وذلك تخصيص لقوله عليه السلام:"فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح أو بدالية (3) نصف العشر".

واعترض (4) قوله أيضًا: (أو بالجنس (5) إِن كان عقليًا)؛ فإنه (6) يقتضي

= سجدتين" رقم الحديث 1278.

وأخرجه عنه الترمذي، وقال: حديث ابن عمر حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث قدامة بن موسى، وروى عنه غير واحد.

انظر: سنن الترمذي 2/ 143 - 144 رقم الحديث 419.

وأخرجه عنه: البيهقي في السنن الكبرى 2/ 465.

وأخرجه عنه الإمام أحمد في المسند 2/ 104.

وأخرجه عنه الدارقطني في سننه 2/ 419.

(1)

في ز: "إذ لا يجوز له عليه السلام أن يرى منكرًا"، وفي ط:"إذ لا يجوز للنبي عليه السلام أن يرى منكرًا".

(2)

أخرج الترمذي عن معاذ أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضروات، وهي البقول، فقال:"ليس فيها شيء"، وهذا الحديث مما انفرد به الترمذي من أصحاب الكتب الستة، وقال عنه: إنه ليس بصحيح، وذكر أن في سنده الحسن وهو ابن عمارة وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه شعبة وغيره، وتركه ابن المبارك.

وقال: ليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

انظر: سنن الترمذي كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الخضروات (2/ 401).

(3)

في ط وز: "أو دالية".

(4)

ذكر هذا الاعتراض المسطاسي في شرح التنقيح ص 17.

(5)

في ط: "وبالجنس".

(6)

في ط وز: "بأنه".

ص: 483

أن الانفصال بالجنس محصور في المخصص العقلي، وليس الأمر كذلك؛ لأن المخصص الذي هو خلاف اللفظي يكون بخمسة أشياء وهي:

العقل، والحس، والواقع، والعادة، وقرائن الأحوال.

مثال التخصيص بالعقل: تقدم.

ومثال التخصيص بالحس: قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (1) فإن الحس شاهد السموات (2) والأرض والجبال (3) لم تدمرها.

قال بعضهم: [قوله تعالى](4): تدمر كل شيء، هذا من باب حذف النعت تقديره تدمر كل شيء أمرت بتدميره.

ومثال التخصيص بالواقع: قوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} (5) فإن الواقع (6) أنها لم تؤت النبوة ولا ملك سليمان، ومثله (7) قوله تعالى:{وَآتَيْنَاهُ مِن كُكِّ شَيْءٍ سَبَبًا} (8) فإنه لم يؤت أسباب السموات، وقوله تعالى (9):

(1) سورة الأحقاف آية رقم 25.

(2)

في ط: "شاهد أن السموات"، وفي ز:"للسموات".

(3)

"والجبال" ساقطة من ط.

(4)

المثبت بين المعقوفتين من ز، ولم يرد في الأصل وط.

(5)

آية رقم 23 من سورة النمل.

(6)

في ز: "فإن الواقع شاهد أنها

" إلخ.

(7)

في ط وز: "ومثاله أيضًا".

(8)

سورة الكهف آية رقم 84.

(9)

"تعالى" لم ترد في ط.

ص: 484

{يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} (1). فإن الحرم لم يجب (2) إليه [جميع](3) ثمرات الدنيا.

ومثال التخصيص بالعادة قولك: رأيت الناس فما رأيت أحسن من زيد، فإن العادة تقتضي (4) أنه لم ير جميع الناس.

ومثال التخصيص بقرائن الأحوال: قول السيد لعبده: ائتني بمن يحدثني، فإن ذلك يختص بمن يحدثه في مثل حاله خاصة.

أجيب عن هذا بأن قيل: هذه الأشياء كلها مندرجة في العقل؛ لأن العقل تارة يستقل بدلالته، وتارة يستند (5) إلى الحس، أو الواقع (6) أو العادة، أو القرينة.

[و](7) جملة ما يقع به التخصيص ثمانية أشياء: القول، والفعل، والإقرار، والعقل، والحس، والواقع، والعادة، وقرائن الأحوال (8).

[و](9) قال بعضهم: ولو قال: التخصيص إخراج بعص ما يتناوله اللفظ

(1) سورة القصص آية رقم 57.

(2)

في ز: "تجبى".

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ز ولم يرد في الأصل وط.

(4)

في ز: "شاهدة".

(5)

في ط: "سند".

(6)

في ط: "والوقوع"، وفي ز:"وتارة إلى الواقع".

(7)

المثبت بين المعقوفتين من ز، ولم ترد "الواو" في الأصل، وط.

(8)

في ط وز زيادة بعد الأحوال وهي: "وقولنا: القول، يندرج فيه المتصل والمنفصل فهي إذًا عشرة أشياء في التفصيل".

(9)

"الواو" ساقطة من ط وز.

ص: 485

العام أو ما يقوم مقامه قبل تقرر حكمه، ويترك غير ذلك لكان أصوب والله أعلم (1).

قال (2) بعضهم: التخصيص لفظ مشترك بين هذه المعاني الثمانية، فحد المؤلف بعض معاني اللفظ المشترك ولم يحد الباقي، ولا يضره ذلك؛ وذلك أنه [حد](3) معنيين من الثمانية وهما التخصيص بالقول المنفصل والتخصيص بالعقل.

(1) يقول المسطاسي في شرح التنقيح: "ولو قال: بيان ما لم يرد باللفظ العام أو ما يقوم مقامه لكان أحسن؛ لأن لفظ البيان يندرج تحته جميع المخصصات كانت لفظية أو غير لفظية، كانت منفصلة أو متصلة، ويسلم مع ذلك من المجاز".

انظر: باب الاصطلاحات الفصل الثامن التخصيص (ص 17).

(2)

في ز: "وقال".

(3)

المثبت بين المعقوفتين من ط، ولم يرد في الأصل، وفي ز:"أحد".

ص: 486