الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب التاسع عشر
في الاجتهاد
وفيه تسعة فصول
الفصل الأول: في النظر
الفصل الثاني: في حكمه
الفصل الثالث: فيمن يتعين عليه الاجتهاد
الفصل الرابع: في زمانه
الفصل الخامس: في شرائطه
الفصل السادس: في التصويب
الفصل السابع: في نقض الاجتهاد
الفصل الثامن: في الاستفتاء
الفصل التاسع: فيمن يتعين عليه الاستفتاء
الباب التاسع عشر في الاجتهاد
ش: الاجتهاد مصدر قولك: اجتهد يجتهد اجتهادًا، إذا استوفى قدرته (1) وطاقته (2) والتاء فيه للمبالغة؛ لأنها تقتضي المعاناة والإقبال على الشيء، وهذا مثل قولك: كسب واكتسب وقلع واقتلع (3)، فإن اكتسب أبلغ من كسب (4)، واقتلع أبلغ من قلع (5)، واجتهد أبلغ من جهد.
يقال: الجهد والجهد، بضم الجيم وفتحها، واختلف فيهما.
فقيل: معناهما واحد، وهو القدرة والطاقة.
وقيل: الجهد بالضم معناه الطاقة، والجهد بالفتح معناه المشقة.
قاله صاحب المحكم (6)(7) ..........
(1)"قدره" في ط.
(2)
انظر: القاموس المحيط، مختار الصحاح، مادة "جهد".
(3)
في ز: وط: "قلع واقتلع، وكسب واكتسب" اهـ. بالتقديم والتأخير.
(4)
انظر: اللسان مادة "كسب".
(5)
في ز وط: "فإن اقتلع أبلغ من قلع، واكتسب أبلغ من كسب" اهـ.
(6)
"الحكم" في الأصل.
(7)
صاحب المحكم، هو أبو الحسن علي بن إسماعيل، المعروف بابن سيده بكسر السين وتسكين الياء وفتح الدال ثم هاء ساكنة، من أهل مرسية بالأندلس، وأحد أئمة اللغة والعربية الحفاظ لها، توفي سنة/ 458 بدانية، من آثاره: المحكم، والمخصص، =
في اللغة (1).
ولا يستعمل الاجتهاد إلا فيما فيه مشقة، ولذلك يقال: اجتهدت في حمل الصخرة، ولا يقال: اجتهدت في حمل الخردلة.
قوله: (وهو استفراغ الوسع في المطلوب، [لغة] (2)).
[ش:](3) ذكر المؤلف ها هنا حقيقة الاجتهاد في اللغة، (4) وهو: استيفاء القدرة في تحصيل المطلوب (5).
الوسع، والقدرة، والطاقة، والطوق، والجهد، بمعنى (6) واحد (7).
وكان من حق المؤلف رحمه الله أن يصرح ها هنا بذكر الفصل، كما هو عادته في أول كل باب، كباب الأوامر (8)، وباب العمومات (9)، وباب الاستثناء (10)،
= وغيرهما. انظر ترجمته في: بغية الملتمس/ 405، ووفيات الأعيان 3/ 330، والديباج المذهب 2/ 106.
(1)
انظر المحكم 4/ 110، وانظر: اللسان مادة: "جهد".
وانظر هذا التفصيل اللغوي في: شرح المسطاسي/ 182.
(2)
ساقط من الأصل، وفي أ:"لعله".
(3)
ساقط من الأصل.
(4)
"معناه" زيادة في ز، وط.
(5)
انظر: القاموس المحيط، ومختار الصحاح، مادة:"جهد".
(6)
"بمنى" في الأصل.
(7)
انظر: القاموس المحيط، المواد: جهد، وقدر، ووسع، وطوق.
(8)
انظر: مخطوط الأصل صفحة 109، وشرح القرافي صفحة 126.
(9)
لم يعقد المؤلف فصلاً لتعريف العموم، بل جعل الفصل الأول لأدوات العموم، فانظر: مخطوط الأصل صفحة 146، وشرح القولفي صفحة 178، وقد قال في الشرح: قد تقدم في الباب الأول الكلام على صيغة العموم تحريرًا وإشكالاً وجوابًا. اهـ.
(10)
انظر: مخطوط الأصل صفحة 195، صفحة 47 من المجلد الرابع من هذا الكتاب، وشرح القرافي صفحة 237.
وباب النسخ (1)، وباب الخبر (2)، وباب الإجماع (3)، وباب القياس (4)، وغيرها.
فالصواب أن يقول: الباب التاسع عشر في الاجتهاد، وفيه عشرة فصول، [الفصل](5) الأول في حقيقته، وهو استفراغ (6) الوسع في المطلوب لغة، واستفراغ الوسع في النظر فيما يلحقه فيه لوم شرعي اصطلاحًا.
وهذا الفصل الذي هو [في](7) حقيقة الاجتهاد، وإن لم يذكره المؤلف لفظًا فهو عنده مذكور معنى، بدليل تصريح المؤلف أول الكتاب [بعد فصول الكتاب؛ لأنه قال أول الكتاب] (8): ولخصت (9) جميع ذلك في مائة فصل
(1) انظر: مخطوط الأصل صفحة 242، وصفحة 442 من المجلد الرابع من هذا الكتاب، وشرح القرافي صفحة 301.
(2)
انظر: مخطوط الأصل صفحة 270، وصفحة 9 من المجلد الخامس من هذا الكتاب، وشرح القرافي صفحة 346.
(3)
انظر مخطوط الأصل صفحة 258، وصفحة 575 من المجلد الرابع من هذا الكتاب، وشرح القرافي صفحة 322.
(4)
انظر: مخطوط الأصل صفحة 298، وصفحة 257 من المجلد الخامس من هذا الكتاب، وشرح القرافي صفحة 383.
(5)
ساقط من الأصل.
(6)
"استفرغ" في ز.
(7)
ساقط من ز، وط.
(8)
ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9)
"ولخصته" في ط.
وفصلين [في عشرين بابًا](1)(2)، وهذا الفصل المشار إليه في حقيقة الاجتهاد، هو المكمل (3) به ذلك العدد، وإلا فليس في الكتاب إلا مائة فصل وفصل واحد (4).
قوله: (واستفراغ الوسع في النظر فيما يلحقه فيه لوم شرعي اصطلاحًا).
ش: [هذا](5) حقيقة الاجتهاد في اصطلاح الأصوليين (6).
معناه: استيفاء الجهد والقدرة والطاقة في النظر فيما يلحقه فيه لوم شرعي، فالاستفراغ (7) مصدر أضيف إلى المفعول (8) الذي هو الوسع، والفاعل محذوف، وهو الفقيه، وعليه يعود الضمير المنصوب في "يلحقه"،
(1) ساقط من الأصل.
(2)
انظر: صفحة 9 من مخطوط الأصل، ومقدمة الذخيرة ص 51.
(3)
"المكل" في ط.
(4)
أشار الشوشاوي إلى هذا التنبيه في صفحة 9 من مخطوط الأصل.
وانظره أيضًا في: شرح المسطاسي ص 182.
(5)
ساقط من ط.
(6)
أي: حقيقة الاجتهاد اصطلاحًا عند القرافي. والأصوليون لهم في حده تعريفات عدة راجعها في: اللمع ص 357، والمستصفى 2/ 350، والمحصول 2/ 3/ 7، والإحكام للآمدي 4/ 162، وجمع الجوامع 2/ 379، ونهاية السول 4/ 525، والإبهاج 3/ 262، ومختصر ابن الحاجب 2/ 289، وإحكام الفصول ص 14، وفواتح الرحموت 2/ 362، وتيسير التحرير 4/ 179، والتقرير والتحبير 3/ 291 والحدود للباجي/ 64، والتعريفات ص 5، وروضة الناظر ص 352، وأصول ابن مفلح 3/ 923، وشرح حلولو ص 382.
(7)
"فاستفراغ" في ط.
(8)
"المفصول" في ز.
"وما" واقعة على المجتهد فيه، وهو الحكم الشرعي الذي لا قاطع فيه؛ لأن المطلوب بالاجتهاد حصول الظن بحكم شرعي، فتقدير كلام المؤلف: وهو استفراغ الفقيه الوسع في تحصيل الظن بما يلحقه فيه لوم شرعي.
وبسط كلامه أن نقول: استفراغ الفقيه الوسع في النظر في تحصيل الظن بحكم شرعي.
وقوله: فيما يلحقه فيه لوم شرعي، يعني:[أنه](1) يلحقه (2) لوم شرعي على تقدير تركه لتحصيل ذلك الظن إذا تعين عليه.
واعترض هذا الحد بأن قيل: قوله: فيما يلحقه فيه لوم شرعي.
إما أن يريد فيما يلحقه فيه لوم شرعي بترك الاجتهاد فيه.
وإما أن يريد فيما يلحقه فيه لوم شرعي بترك العمل به بعد حصول الاجتهاد فيه.
فإن أراد: فيما يلحقه فيه لوم شرعي بترك الاجتهاد فيه، فيكون الحد غير مانع؛ لأنه يندرج فيه كل ما يجتهد فيه من أصول الديانات/ 338/، وقيم المتلفات، وأروش (3) الجنايات، والأواني (4) والثياب في الطهارات، وتعيين القبلة (5) في إحد [ى](6) الجهات (7)، وتعيين الكفء من بين الأكفاء في حق
(1) ساقط من ز، وط.
(2)
"فيه" زيادة في ز، وط.
(3)
"وارش" في ط.
(4)
"الاونى" في ز.
(5)
"الكعبة" في ز، وط.
(6)
ساقط من الأصل.
(7)
"الجهاد" في الأصل.
الزوجات، وتعيين القضاة والخليفة وغيرهما من أرباب (1) الولايات، فإن النظر في جميع ذلك لا يسمى اجتهادًا في الاصطلاح الفقهي، بل بالاصطلاح (2) اللغوي.
وإن أراد بقوله: فيما يلحقه فيه لوم شرعي: بترك العمل به بعد حصول الاجتهاد فيه، فيكون الحد غير جامع؛ لأن الحد لم يتناول على هذا إلا الواجبات؛ لأن الحكم الذي يلحق [فيه](3) اللوم الشرعي بترك العمل به هو الواجب دون غيره، فلا يلحق اللوم الشرعي بترك المحرمات والمكروهات والمندوبات والمباحات (4)(5).
قال أبو زكريا المسطاسي: الأولى أن نقول في حد الاجتهاد: بذل المجتهد الجهد في الأحكام الفروعية (6) الكلية (7).
قوله: المجتهد، احترازًا من العامي؛ لأن معنى المجتهد: من حصلت له شرائط الاجتهاد.
وقوله: (في الأحكام الفروعية)، احترازًا من الأحكام الأصولية.
وقوله: (الكلية)، وهي الفتاوى؛ لأنها عامة على الخلق إلى يوم القيامة،
(1)"ابواب" في ط.
(2)
"الاصطلاح" في الأصل.
(3)
ساقط من ز، وط.
(4)
"والإباحات" في ز.
(5)
انظر هذا الاعتراض في: شرح المسطاسي/ 182 - 183.
(6)
"والفروعية" في ط.
(7)
انظر: شرح المسطاسي/ 184.
احترازًا من الفروعية الجزئيات، كقيم المتلفات، وأروش (1) الجنايات، وغيرها مما ذكرنا معها، فإنها أمور جزئيات لا تتعدى (2) تلك الصور المعينة، بخلاف الفتاوى، فإنها عامة على الخلق (3) إلى يوم القيامة.
…
(1)"وأرش" في ط.
(2)
"تتعدد" في ز.
(3)
"الحق" في الأصل.
الفصل (1) الأول في النظر (2)
وهو الفكر، وقيل: تردد الذهن بين أنحاء الضروريات.
وقيل: تحديق العقل إِلى جهة الضروريات.
وقيل: ترتيب تصديقات يتوصل [بها](3) إِلى علم أو ظن.
وقيل: ترتيب تصديقين، وقيل: ترتيب معلومات، وقيل: ترتيب معلومين. فهذه سبعة مذاهب، أصحها (4) الثلاثة (5) الأولى (6).
ش: لما ذكر (7) ..............
(1) قبلها في نسخ المتن: "وفيه تسعة فصول".
(2)
انظر: بحث النظر وتعريفه في: اللمع ص 49، والبرهان فقرة ص 55، والمحصول 1/ 1/ 105، والإحكام للآمدي 1/ 10، وجمع الجوامع 1/ 141، ومقدمة ابن القصار ص 61، ومختصر ابن الحاجب 1/ 45، وإرشاد الفحول ص 5، وأصول ابن مفلح ص 18 من رسالة الماجستير للدكتور فهد السدحان، وشرح الكوكب المنير 1/ 57، والمواقف للإيجي ص 21، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 4/ 36 وما بعدها.
(3)
ساقط من ط.
(4)
في نسخ المتن: "وأصحها"، وفي ز، وط:"فأصحها".
(5)
"الثلاث" في الأصل.
(6)
"الأول" في الأصل.
(7)
"اخذ" في ز، وط.
المؤلف (1) النظر في حقيقة الاجتهاد، أراد أن يبين معنى النظر.
وقد اختلف المؤلفون في محل وضع النظر، فأكثرهم وضعوه في أوائل تصانيفهم قبل الخوض في المعنى المقصود به، كالقاضي أبي بكر، والقاضي عبد الوهاب، وإمام الحرمين (2)، وغيرهم (3).
ومنهم من وضعه في هذا الباب، وهو باب الاجتهاد كما فعل المؤلف؛ لأن باب الاجتهاد هو موضع الحاجة إلى النظر؛ لأن المجتهد هو الذي يحتاج إلى النظر (4).
واعلم أن النظر له معانٍ مختلفة، منها:
نظر البصر، ومنه قوله تعالى:{رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} (5).
ومنها: الانتظار (6)، كقوله (7) تعالى:{مَا يَنظُرُونَ إِلَاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} (8)(9).
(1)"في" زيادة في ط.
(2)
انظر: البرهان فقرة 55 وما بعدها.
(3)
كالشيرازي، والرازي، والآمدي، وابن السبكي، وابن القصار، وابن الحاجب وابن مفلح، والمرداوي في التحرير، وتبعه الفتوحي في شرح المختصر، فانظر: مراجع المسألة.
(4)
انظر: شرح المسطاسي ص 184.
(5)
الأعراف: 143.
(6)
"الانظار" في ط.
(7)
"لقوله" في ز.
(8)
سورة يس: 49.
(9)
قال ابن كثير: أي: ما ينتظرون، انظر تفسيره (3/ 574).
ومنها: التأخير، كقوله تعالى:{فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (1)(2).
ومنها: التعطف (3) والرحمة، كقوله تعالى:{وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (4)(5).
ومنها: الجدال، كقولهم: كنا في مجلس المناظرة.
ومنها: التفكر والاعتبار، كقوله تعالى:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (6)، وهذا كثير في القرآن العظيم.
والمراد من معانيه المذكورة، هو النظر الذي معناه، التفكر والاعتبار (7).
[و](8) اختلف في معناه، فذكر المؤلف فيه سبعة مذاهب.
قوله: (وهو (9) الفكر): هذا قول القاضي أبي بكر (10) .................
(1) البقرة: 280.
(2)
قال أبو حيان: النظرة التأخير. انظر تفسيره (2/ 340).
(3)
"التعطيف" في ز، وط.
(4)
آل عمران: 77.
(5)
انظر: تفسير الطبري 6/ 528، وتفسير أبي حيان 2/ 502، ويمكن أن يراد به النظر الحقيقي، أي نظر البصر، قال تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ، فلا ينظر إليهم، ولا ينظرون إليه.
وقال ابن كثير: لا يكلمهم كلام لطف بهم، ولا ينظر إليهم بعين الرحمة، انظر: تفسيره (1/ 375).
(6)
الأعراف: 185.
(7)
انظر: معاني النظر في: شرح المسطاسي ص 184، وحلولو ص 183.
(8)
ساقط من ط.
(9)
"فهو" في ز.
(10)
"أبو بكر" في الأصل.
(1)
، ومعنى الفكر: هو التصرف بالعقل في الأمور المنا [سبة](2) للمطلوب.
[قوله]: (3)(وقيل تردد الذهن بين أنحاء الضروريات)(4)(5).
الأنحاء: (6) جمع (7) نحو، والنحو معناه الجهة (8)، ومنه تسمية علم العربية بالنحو؛ لأنه جهة الصواب (9)، وقيل: الأنحاء جمع ناحية (10).
التردد هو التفكر، والذهن هو العقل، والأنحاء هي الجهات والطرق والمسالك، والضروريات هي القضايا القطعية التي لا تحتاج إلى الاستدلال عليها، وهي المعبر عنها بالبديهيات، فإن العقل يقصدها ابتداء ليستخرج منها القضايا النظريات.
(1) انظر: الإحكام للآمدي 1/ 10، والمواقف للإيجي ص 21، وتمام تعريف القاضي: هو الفكر الذي يطلب به علم أو غلبة ظن. اهـ. كذا في المواقف. وفي الإحكام: الذي يطلب به من قام به علمًا أو ظنًا".
(2)
غير واضحة في الأصل.
(3)
ساقط من ط.
(4)
"الضرورات" في الأصل.
(5)
انظر: البرهان فقرة 55.
(6)
"والانحاء": في ز.
(7)
"جميع" في ط.
(8)
انظر: معجم المقاييس لابن فارس، والقاموس المحيط، ومختار الصحاح، مادة:"نحو".
(9)
انظر: القاموس المحيط، مادة:"نحو"، وشرح الأشموني مع حاشية الصبان 1/ 16. ومعجم المصطلحات النحوية والصرفية مادة "نحو".
(10)
المعروف في جمع ناحية هو النواحي. انظر: اللسان مادة "نحا".
ومعنى قوله: تردد الذهن بين أنحاء الضروريات، أي: تردد العقل بين جهات القطعيات.
قوله: (وقيل: تحديق العقل إِلى جهة الضروريات)، أي: تصويب العقل وتسخيره إلى جهة القطعيات.
قال المؤلف في شرحه (1): [و](2) هذه الأقوال الثلاثة الأولى متقاربة في المعنى، وإن اختلفت (3) العبارة (4).
قوله: (وقيل: ترتيب تصديقات يتوصل بها إِلى علم أو ظن (5).
وقيل: ترتيب تصديقين. وقيل: ترتيب معلومات.
وقيل: ترتيب معلومين).
وهذه التعريفات الأربعة (6) لا بد في جميعها من قوله: يتوصل بها إلى علم أو ظن، وإنما لم يصرح به المؤلف إلا في الأول اكتفاء بدلالة السابق على (7) اللاحق.
قوله في القول الأول من هذه الأربعة: (ترتيب تصديقات).
(1)"شرح" في ط.
(2)
ساقط من ز، وط.
(3)
"اختلف" في ز.
(4)
انظر: شرح القرافي ص 429.
(5)
انظر: المحصول 1/ 1/ 105.
(6)
"الاربع" في ز، وط.
(7)
"عن" في ز.
مثاله: الإنسان حيوان، وكل حيوان جسم، وكل جسم مؤلف، فهذه ثلاثة (1) تصديقات
وقوله في القول الثاني: (ترتيب تصديقين).
مثاله: الإنسان حيوان، وكل حيوان جسم، فهذه تصديقان (2).
وقوله في القول الثالث: (ترتيب معلومات).
مثاله: كما تقدم في ترتيب تصديقات: الإنسان حيوان، وكل حيوان جسم، وكل جسم مؤلف.
وقوله في القول الرابع: ترتيب معلومَيْن.
مثاله: كما تقدم في ترتيب تصديقين: الإنسان حيوان، وكل حيوان جسم.
واعترض [على](3) القول الأول من هذه الأقوال الأربعة، وهو قوله: ترتيب تصديقات بوجهين (4):
أحدهما خروج تصديقين من الحد، مع أن النظر في الدليل قد يكتفى فيه بتصديقين، وهما المقدمتان، كقولك، الإنسان حيوان، وكل حيوان جسم. [ولذلك قال الثاني: ترتيب تصديقين] (5)(6).
(1)"ثلاث" في ز، وط.
(2)
"تصديقين" في ز.
(3)
ساقط من ز.
(4)
انظرهما في: شرح المسطاسي ص 184، 185.
(5)
ساقط من ز.
(6)
انظر: شرح القرافي ص 429.
الوجه الثاني: خروج التصورات من الحد، مع أن النظر كما يكون في التصديقات يكون في التصورات، كقولك في التصورات: الإنسان حيوان ناطق، ولذلك قال الآخر: ترتيب معلومات/ 339/؛ لأن المعلومات أعم من التصديقات والتصورات.
واعترض على القول الثاني، وهو قوله: ترتيب تصديقين، بخروج التصورات من الحد، فإن النظر يكون في التصورات كما يكون في التصديقات (1)، ولذلك قال الثالث: ترتيب معلومات؛ ليشمل التصديقات والتصورات.
واعترض على القول الثالث، وهو قوله: ترتيب معلومات، بخروج معلومين من الحد؛ لأنه قد يكتفى في الدليل بمعلومين (2)، ولذلك قال الرابع: ترتيب معلومين (3).
واعترض على القول الرابع، وهو قوله: ترتيب معلومين، بخروج الحد الناقص (4) والرسم الناقص (5) من الحد، فإن التعريف يقع بكل واحد منهما، كقولنا في حد الإنسان: إنه الناطق، أو الضاحك، فإن الترتيب لا يصح مع
(1) انظر: شرح المسطاسي ص 185، وشرح القرافي ص 429.
(2)
انظر: المصدرين السابقين.
(3)
انظر: شرح القرافي ص 430، والمسطاسي ص 185.
(4)
الحد الناقص: هو ما أتي فيه بالفصل فقط، كقولنا في تعريف الإنسان: هو الناطق، وهو المقصود هنا. أو ما أتي فيه بالفصل مع الجنس البعيد، كقولنا في تعريف الإنسان: هو الجسم الناطق.
(5)
الرسم الناقص: هو ما كان التعريف فيه بالخاصة فقط، كقولنا في تعريف الإنسان: هو الضاحك، وهو المقصود هنا. أو كان التعريف فيه بالخاصة مع الجنس البعيد، كقولنا في تعريف الإنسان: الجسم الضاحك.
الإفراد، وإنما يصح مع التركيب (1)، ولا تركيب مع الوحدة (2).
ولأجل هذه الاعتراضات المذكورات (3)، قال المؤلف: أصحها الثلاثة الأولى؛ لعدم اشتراط الترتيب والتعدد فيها.
قوله: (وهو (4) يكون في التصورات (5) لتحصيل الحدود الكاشفة عن الحقائق المفردة، على ترتيب خاص (6) تقدم أول الكتاب، وفي التصديقا [ت](7) لتحصيل المطالب التصديقية، على ترتيب خاص وشروط (8) خاصة حررت في علم المنطق).
ش: [لما](9) ذكر (10) المؤلف رحمه الله حقيقة النظر، شرع ها هنا في بيان محله، فذكر أنه يكون في التصورات، ويكون في التصديقات، وذلك أن العلم على قسمين: علم التصور، وعلم التصديق.
فالتصوري: هو أن تصور في النفس صورة من غير أن تحكم عليها بنفي ولا إثبات.
(1) أي التعدد.
(2)
انظر: شرح القرافي/ 430، والمسطاسي ص 185.
(3)
"المذكورة" في ز، وط.
(4)
"وقد" في الأصل.
(5)
"التصورت" في ز.
(6)
"كما" زيادة في خ، وش.
(7)
ساقط من ط.
(8)
"وشروطه" في أ.
(9)
ساقط من ز.
(10)
"بين" في ز، وط.
والتصديقي: هو أن تصور في النفس صورة، ثم تحكم عليها بنفي [أ] (1) وإثبات. مثال التصوري (2): قولك في تعريف الإنسان: هو الحيوان الناطق.
لأنك صورت حقيقة الإنسان ولم تحكم عليه بشيء (3) لا بنفي ولا بإثبات (4)، ومثال التصديقي: قولك: الإنسان حادث، أي مخلوق. لأنك حكمت على الإنسان بأنه مخلوق، وغير ذلك من الأمثلة.
فعلم التصور يكتسب بالحد، وعلم التصديق يكتسب بالدليل.
قوله: (لتحصيل الحدود الكاشفة عن الحقائق المفردة)، هذا فائدة النظر في التصورات، وهي تحصيل الحدود، أراد بالحدود: المعرفات الخمسة (5) التي هي: الحد التام (6)، والحد الناقص، والرسم التام (7)، والرسم الناقص، وتبديل لفظ بلفظ مرادف له أشهر منه عند السامع (8).
إذ بهذه الحدود الخمسة يحصل علم التصور [في النفس.
قوله: (الكاشفة عن الحقائق المفردة)، أي: الموضحة للحقائق المفردة،
(1) ساقط من ز.
(2)
"التصويرى" في ط.
(3)
"شيء" في ز.
(4)
"إثبات" في الأصل.
(5)
"الخمس" في ز، وط.
(6)
الحد التام: هو ما كان التعريف فيه بالجنس القريب مع الفصل، كقولنا في حد الإنسان: هو الحيوان الناطق.
(7)
الرسم التام: هو ما كان التعريف فيه بالجنس القريب مع الخاصة، كقولنا في حد الإنسان: هو الحيوان الضاحك.
(8)
ويسمى الحد اللفظي، كأن نقول ما الهزبر؟ فيقال: الأسد.
أي: الحدود الكاشفة للحجاب عن الحقائق المفردة] (1).
[الحقائق المفردة]: (2) هي (3) المعاني المتصورة (4) في النفس.
وإنما قال: المفردة، احترازًا من الحقائق المركبة، وهي المعاني التصديقية؛ لأن علم التصور هو معرفة المفردات، وعلم التصديق هو معرفة المركبات.
قوله: (على ترتيب خاص تقدم أول الكتاب)، أراد [بهذا](5) الترتيب (6) الخاص، تقديم الجنس على الفصل إذا وقع التعريف بالحد التام، كقولك: الإنسان هو الحيوان الناطق، أو تقديم الجنس على الخاصة إذا وقع التعريف بالرسم التام، كقولك: الإنسان هو الحيوان الضاحك، فإنه إذا وقع التعريف بحد تام أو برسم تام فلا بد فيه من تقديم الجنس، فإن قدم الفصل أو الخاصة على الجنس بطل الحد (7).
قوله: (تقدم أول الكتاب)، أراد قوله أولاً: فالأول التعريف بجملة الأجزاء، نحو قولنا: الإنسان هو الحيوان الناطق (8)، وقوله بعده: والثالث التعريف بالجنس والخاصة، كقولنا: هو الحيوان الضاحك (9).
(1) ما بين المعقوفتين معلق في الأصل.
(2)
ساقط من ز، وط.
(3)
"وهي" في ز، وط.
(4)
"المصورة" في الأصل.
(5)
ساقط من ز، وط.
(6)
"بالترتيب" في ز، وط.
(7)
انظر: الحدود لابن سينا ص 7.
(8)
انظر: مخطوط الأصل صفحة 15، وشرح القرافي ص 11.
(9)
انظر: مخطوط الأصل صفحة 15، وشرح القرافي ص 11.
ولم يرد (1) المؤلف أن التصريح بهذا الترتيب تقدم أول الكتاب، وإنما معنى الكلام: على ترتيب خاص تقدم فهمه مما ذكرنا أول الكتاب، لأن تمثيل المؤلف ذلك يفهم منه تقديم الجنس على الفصل، [أ](2) وعلى الخاصة.
قوله: (وفي التصديقات (3) لتحصيل المطالب التصديقية)، أي: ويكون النظر في التصديقات (3)، وفائدته فيها: تحصيل المطالب التصديقية.
قوله: (على ترتيب خاص)، وهو تقديم المقدمة الصغرى على المقدمة الكبرى، ومعنى المقدمة الصغرى: هي التي فيها الحد الأصغر.
ومعنى المقدمة الكبرى: هي التي فيها الحد الأكبر.
كقولك: كل إنسان [حيوان](4)، هذه مقدمة صغرى.
وقولك: كل (5) حيوان متحرك، هذه (6) مقدمة كبرى.
وإنما كانت الأولى صغرى؛ لاشتمالها على الإنسان الذي هو أخص. وسمَّيَتْ الثانية كبرى؛ لاشتمالها الحيوان الذي هو أعم من الإنسان (7).
قوله: (وشروط خاصة حررت في علم المنطق)، كقولهم في الشكل
(1) في الأصل: يريد، وفي ط: يذكر.
(2)
ساقط من ز، وط.
(3)
"التصديقيات" في ز، وط.
(4)
ساقط من ز، وط.
(5)
"وكل" في ز، وط.
(6)
في الأصل: وهذه، وفي ط: هي.
(7)
انظر: شرح الشمسية لقطب الدين الرازي ص 101، وشرح البناني على السلم ص 170.
الأول: يشترط في إنتاجه إيجاب الصغرى وكلية الكبرى (1)، معناه: أن تكون المقدمة الأولى موجبة لا سالبة، وأن تكون المقدمة الثانية كلية لا جزئية.
مثاله: قولك: كل إنسان حيوان، وكل حيوان متحرك.
قوله: (ومتى كان في الدليل مقدمة سالبة، أو جزئية، أو مظنونة، كانت النتيجة كذلك، [لأنها] (2) تتبع أخس المقدمات، ولا يلتفت إِلى ما صحبها (3) أشرفها (4)(5)).
ش: فالسالبة تقابلها الموجبة، والجزئية تقابلها الكلية، والمظنونة تقابلها القطعية.
مثال السالبة مع الموجبة: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الحيوان بحجر، فالنتيجة: لا شيء من الإنسان بحجر، فالنتيجة هنا تابعة للسلب؛ لأن السلب أخس من الإيجاب.
ومثال الجزئية مع الكلية: بعض الحيوان إنسان، وكل إنسان ناطق، فالنتيجة: بعض الحيوان ناطق، فالنتيجة ههنا تابعة للجزئية؛ لأن الجزئية أخس من الكلية.
(1) انظر: شرح الشمسية لقطب الدين الرازي ص 101، وشرح البناني على السلم ص 176. ورسالة أبي عبد الله الأصبهاني في المنطق ورقة / 8/ ب.
(2)
ساقط من أ.
(3)
"صاحبها" في ز، وط.
(4)
"اشرافها" في خ، وز، وط.
(5)
انظر: شرح قطب الدين الرازي على الرسالة الشمسية/ 101، والمحصول 2/ 2/ 29 وشرح المسطاسي/ 186.
ومثال المظنونة مع القطعية: / 340/ في البيت عصفورٌ، عملًا بإخبار زيد، وكل عصفور حيوان، فالنتيجة: في البيت حيوان ظنًا.
وضابط الإنتاج أبدًا: أنك تسقط الحد المتكرر، وتحكم بالثاني على الأول، كما ذكرنا في هذه الأمثلة (1).
قوله: (لأن النتيجة تتبع أخس المقدمات)، وإنما تتبع أخس المقدمات، لأن تلك المقدمة القوية متوقفة على تلك الخسيسة ولا تستقل بنفسها، فلذلك صارت كالضعيفة (2).
قوله: (ولا يلتفت إِلى ما صحبها (3) من [أشرفها (4))، أي: من](5) أشرف (6) المقدمات، وأشرف (7) المقدمات: هي الكلية (8)، والموجبة، والقطعية.
وقال بعض الأدباء: قولهم: النتيجة، لحن، والصواب: المنتوجة؛ لأن العرب تقول: نتجت الناقة ولدها، فالناقة منتجة، وولدها منتوج، وفعله أبدًا مبني لما لم يسم فاعله، وهو ثلاثي، حكاه ثعلب في الفصيح (9)
(1) انظر: شرح القرافي/ 430.
(2)
"كالصغيرة" في الأصل، وانظر: شرح القرافي ص 430، وشرح المسطاسي ص 186 - 187.
(3)
"صاحبها" في ز، وط.
(4)
"أشرافها" في ز.
(5)
ساقط من ط.
(6)
"أشراف" في ز، وط.
(7)
"واشراف" في ز.
(8)
"الكلمة" في ز.
(9)
انظر: الفصيح ص 15.
وابن القوطية في كتاب الأفعال (1).
ونقل (2) ابن القوطية لغة أخرى، وهي: أنتجت الناقة مبني للفاعل (3)، فعلى [هذا](4) يكون الولد منتجًا، نحو أكرم فهو مكرم.
وقولهم: نتيجة، معناه: منتوجة، نحو قتيلة وجريحة، أي: مقتولة ومجروحة (5).
ونظير هذا الفعل في كونه لم ينطق به إلا مركبًا (6) قولهم: عنيت بحاجتك (7)، وأولعت بالشيء (8)، وبهت الرجل (9)، وشغل (10)، وشهر (11)، ووقص (12)، وهزل (13)، ونكب (14)، ووضع في البيع (15)، وغبن (16)،
(1) لم أجد النص المذكور في المطبوع، وانظر: الأفعال ص 109، وانظر: الأفعال لتلميذه أبي عثمان المعافري 3/ 134.
(2)
"وقال" في ز، وط.
(3)
انظر الأفعال لابن القوطية ص 109، وانظر: الأفعال للمعافري 3/ 134.
(4)
ساقط من ز.
(5)
انظر: شرح المسطاسي ص 187.
(6)
أي: مبني للمفعول.
(7)
أي: جعلت لي بها عناية في قضائها، أي اهتمامًا.
(8)
أي: اشتد حرصي عليه، وملازمتي له.
(9)
أي: تحير ودهش، وانقطعت حجته لشيء رآه أو سمعه.
(10)
أي: قطع بأمر مانع.
(11)
أي: عرف.
(12)
إذا سقط عن دابته، فاندقت عنقه.
(13)
إذا ذهب لحمه وشحمه من ضر أو مرض أو غير ذلك.
(14)
إذا أصابته نكبة أي: جائحة فأذهبت ماله وغيرت حاله.
(15)
إذا أصابه خسران ونقص من رأس ماله.
(16)
أي: خدع ونقص في البيع.
وعقمت المرأة (1)، ووهصت الدابة (2)، وغم الهلال (3)، وغير ذلك (4)، انظر: الفصيح لثعلب (5).
…
(1) إذا لم تحمل.
(2)
إذا وطئت حجرًا فدوي باطن حافرها.
(3)
أي: غطي بالسحاب فلم يروه.
(4)
مثل أهدر دمه، وفلج الرجل، ونفست المرأة غلامًا، وغير ذلك
(5)
انظرها مع تفسيرها في: الفصيح لثعلب مع شرحه لأبي سهل الهروي. صفحة 14، 15، 17.