المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادس في التصويب - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب - جـ ٦

[الحسين الشوشاوي]

الفصل: ‌الفصل السادس في التصويب

‌الفصل السادس في التصويب

(قال الجاحظ (1) وعبيد الله (2) العنبري (3) بتصويب (4) المجتهدين في أصول الدين، بمعنى عدم (5) الإِثم، لا بمعنى مطابقة الاعتقاد.

واتفق سائر العلماء على فساده).

ش: هذا نص الإمام فخر الدين في المحصول (6). وذلك [أن](7)

(1)"الحافظ" في ز.

(2)

في النسخ الثلاث ونسخ المتن: "عبد الله"، والصواب المثبت، وفي خ زيادة:"ابن الحسين".

(3)

عبيد الله بن الحسن بن الحصين العنبري التميمي، روى عن خالد الحذاء وطبقته، وعنه عبد الرحمن بن مهدي وأبو همام ابن الزبرقان وغيرهما، وثقه النسائي وجماعة،، وأنكر عليه قوله: كل مجتهد مصيب، وذكر ابن حجر أن محمد بن إسماعيل الأزدي نقل رجوعه عنه، والله أعلم، توفي سنة 168 هـ.

انظر ترجمته في: كتاب مشاهير علماء الأمصار لابن حبان ص 159، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 91، وتهذيب التهذيب 7/ 7.

(4)

في الأصل: "تصويب"، وفي ز:"لتصويب".

(5)

"نفي" في أ، وخ، وز، وط.

(6)

انظر: المحصول 2/ 3/ 41، 42.

(7)

ساقط من الأصل.

ص: 119

الجاحظ (1)(2) والعنبري (3) يقولان: كل مجتهد في أصول الدين مصيب، وإن معنى كونه مصيبًا، [أي](4) لا إثم عليه، وليس المراد بكونه مصيبًا، أنه مطابق لمعتقده (5)؛ لأن (6) ذلك محال بالضرورة؛ لأنه يؤدي إلى الجمع بين [النقيضين](7)؛ لأن أحد المجتهدين يؤديه اجتهاده إلى أن العالم قديم، والآخر يؤديه اجتهاده إلى أن العالم حادث (8).

واتفق سائر العلماء على فساد قول الجاحظ (9) والعنبري في قولهما: لا إثم عليه، بل إذا اجتهد مجتهد في أصول الدين فأخطأ فإنه آثم باتفاق؛ لأن (10)

(1)"الحافظ" في ز.

(2)

انظر الرأي منسوبًا للجاحظ في: المستصفى 2/ 359، والمحصول 2/ 3/ 41، والإحكام للآمدي 4/ 178، ونهاية السول 4/ 558، والإبهاج 3/ 275، وجمع الجوامع 2/ 388، ومختصر ابن الحاجب 2/ 293، وروضة الناظر ص 362، والمسودة 395، وأصول ابن مفلح 3/ 934، وفواتح الرحموت 2/ 377، وشرح المسطاسي ص 200.

(3)

انظر الرأي منسوبًا للعنبري في المراجع السابقة، وأيضًا في: اللمع ص 357، والتبصرة/ 496، والبرهان فقرة / 1456، والمعتمد 2/ 988، والمنخول / 451 والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 307، والوصول لابن برهان 2/ 337، وحلولو ص 393، 394.

وقد حمل كثير من الأصوليين رأي العنبري على اختلاف المسلمين في نحو الرؤية والقدر والصفات.

(4)

ساقط من ز، وط.

(5)

انظر: الإبهاج 3/ 375، ومختصر ابن الحاجب 2/ 293.

(6)

"أن" في ط.

(7)

ساقط من ط.

(8)

"حداث" في الأصل.

(9)

"الحافظ" في ز.

(10)

"فإن" في الأصل.

ص: 120

المصيب في [أصول](1) الدين واحد باتفاق جماهير المسلمين (2)، قاله سيف الدين الآمدي (3) قال المؤلف في الشرح: حجة الجاحظ (4): أن المجتهد في أصول [الدين](5) إذا بذل جهده فقد فنيت قدرته، فتكليفه بعد ذلك بما (6) زاد على ذلك تكليف بما لا يطاق (7)، وهو منفي في الشريعة، وإن قلنا بجوازه، لقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} (8)(9).

حجة الجمهور: أن الأصول (10) الدينية مهمة (11) عظيمة؛ فلذلك شرع [الله](12) تعالى فيها الإكراه دون غيرها، فيكره على الإسلام بالسيف والقتل وأخذ الأموال والذراري (13)، وذلك أعظم الإكراه، ولذلك لم يعذر الله تعالى بالجهل (14) في أصول الدين إجماعًا بخلاف الفروع، فإن من شرب خمرًا يظنه

(1) ساقط من ط.

(2)

انظر: المراجع السابقة في تعليق (2) و (3) في الصفحة السابقة، وأيضًا: المستصفى 2/ 357، والمحصول 2/ 3/ 42، ونهاية السول 4/ 557، وفواتح الرحموت 2/ 376، والتقرير والتحبير 3/ 303، وشرح حلولو/ 393، 394.

(3)

انظر: الإحكام للآمدي 4/ 178.

(4)

"الحافظ" في ز.

(5)

ساقط من ط.

(6)

"بمنا" في ز.

(7)

"فالانطاق" في ز.

(8)

البقرة: 286.

(9)

انظر: شرح القرافي ص 439، والمسطاسي ص 200.

(10)

"الأصل" في الأصل.

(11)

في ز: "مهملة"، وفي ط:"مهته".

(12)

ساقط من ز، وط.

(13)

"علق" فوقها في الأصل كلمة: الأولاد. اهـ، ولعله أراد تفسيرها.

(14)

"بالجهاد" في ط.

ص: 121

خلاً، أو وطئ امرأة يظنها امرأته، فإنه يعذر بالجهل.

فقياس الخصم الأصول [على الفروع](1) غلط، لعظم (2) التفاوت بينهما (3).

قوله: (وأما في الأحكام الشرعية فاختلفوا، هل لله تعالى في نفس الأمر حكم معين في الوقائع (4) أم لا؟

والثاني: قول من قال: كل مجتهد مصيب، وهو قول جمهور المتكلمين (5)، منهم:(6) الأشعري (7)، والقاضي أَبو بكر (8) منا، وأبو علي (9)(10)، وأبو هاشم (11)(12) من المعتزلة.

(1) ساقط من ز، وط.

(2)

"لعظيم" في ز، وط.

(3)

انظر: شرح القرافي ص 439.

(4)

"الواقع" في أ.

(5)

انظر: التبصرة ص 498، والبرهان فقرة 1463، والمستصفى 2/ 363، والوصول 2/ 341، والمحصول 2/ 3/ 47، والفقيه والمتفقه 2/ 58، وإحكام الفصول 2/ 851، وروضة الناظر ص 360، والمنخول ص 453، والإحكام للآمدي 4/ 183، والإبهاج 3/ 276، ونهاية السول 4/ 561، والتوضيح لصدر الشريعة 2/ 236، 241، وفواتح الرحموت 2/ 380، وتيسير التحرير 4/ 201، والمسطاسي ص 201، وحلولو ص 394.

(6)

"ومنهم" في نسخ المتن.

(7)

انظر: اللمع ص 358، والمنخول ص 453، والمحصول 2/ 3/ 48.

(8)

انظر: إحكام الفصول 2/ 852، ومختصر ابن الحاجب 2/ 294.

(9)

"ابو اعلى" في ط.

(10)

انظر: المعتمد 2/ 949، والمحصول 2/ 3/ 48.

(11)

"ابوا هاشم" في ط.

(12)

انظر: المعتمد 2/ 949، والمحصول 2/ 3/ 48.

ص: 122

وإِذا لم يكن لله تعالى حكم معين، فهل في الواقعة حكم لو كان لله تعالى حكم معين لحكم (1) به أو لا (2)؟

والأول هو القول بالأشبه، وهو قول جماعة من المصوبين (3)، والثاني قول بعضهم).

[ش:](4) قوله: (وأما في الأحكام الشرعية)، أي: وأما تصويب المجتهدين في الأحكام الشرعية فاختلفوا.

قيل: لله تعالى في الوقائع حكم معين عنده قبل الاجتهاد.

[وقيل: ليس لله حكم معين في الوقائع قبل الاجتهاد](5).

فهذان قولان، فإذا قلنا: له حكم معين، فسيأتي.

وإذا قلنا: ليس له حكم معين قبل الاجتهاد، فنقول: كل مجتهد مصيب، وهو قول جمهور المتكلمين كما قال المؤلف، وذلك أنه إذا (6) لم يكن هناك حكم معين فليس هناك إلا ما ظهر (7) للمجتهدين، فلا يكون حكم الله

(1)"حكم" في أ.

(2)

"أم لا" في أ، وخ.

(3)

انظر: اللمع ص 359، والتبصرة ص 499، والمعتمد 2/ 949، 989، والوصول 2/ 343، والمحصول 2/ 3/ 48، 81، والمعالم للرازي ص 303، ونهاية السول 4/ 561، والإبهاج 3/ 286، والتمهيد لأبي الخطاب 4/ 314، والمسودة ص 501، والتوضيح 2/ 237، وحلولو ص 394.

(4)

ساقط من ز، وط.

(5)

ساقط من ز، وط.

(6)

"اذ" في ط.

(7)

"هناك" زيادة في ز.

ص: 123

تعالى واحدًا بل حكم الله تعالى تابع لظنون المجتهدين، فحكم (1) الله تعالى في حق كل مجتهد هو ما أداه إليه اجتهاده، فكل مجتهد مصيب (2).

قال في شرح المحصول: انعقد الإجماع أن ما ظهر على ألسنة المجتهدين هو حكم الله تعالى يجب عليهم اتباعه (3).

وإذا قلنا: ليس لله تعالى في نفس الأمر حكم معين، فاختلف، هل في نفس/ 350/ الأمر حكم راجح في المصلحة، أو ليس هناك [حكم](4) راجح بل الأحوال متساوية فليس هناك أرجح؟

وهذان قولان أيضًا، من قال: هناك أرجح، هو قول القائل بالأشبه، وإنما سماه بالأشبه: لأنه عند [هـ](5) أشبه بمقاصد الشريعة، فالقول بالأشبه هو حكم بالفرض والتقدير لا بالتحقيق.

قال الإمام المازري: القول بالأشبه، بعيد من مذهب المصوبة، قريب من مذهب المخطئة.

قوله: (والثاني: قول بعضهم)، أي: قول بعض المصوبة.

قال المؤلف في الشرح: ومعنى المذهب الثالث، وهو القول بالأشبه: أنه ليس في نفس الأمر حكم معين، وإنما في نفس الأمر ما لو عين (6) الله شيئًا

(1)"فحق" في ز، وط.

(2)

انظر: شرح المسطاسي ص 201.

(3)

انظر: نفائس الأصول لوحة 164/ ب من مخطوط مصور فلميًا بجامعة الإمام برقم 8225/ ف.

(4)

ساقط من الأصل.

(5)

ساقط من ز.

(6)

"غير" في ز.

ص: 124

لعينه، فهو أشبه الأمور بمقاصد الشريعة.

كما تقول: لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الزمان رجل صديق خير، لو أن الله تعالى [يبعث](1) نبيًا لبعثه (2).

والظاهر هو القول بالأشبه، فإن الأفعال المتجلية لا تخلو عن الرجحان في بعضها.

والقول الثالث (3) يقول: إذا لم يعين الله تعالى شيئًا استوت الأفعال، كما أن المباحات مباحة كلها لم تختلف، وإن كانت مصالحها مختلفة (4).

قوله: (وإِذا قلنا بالمعين (5) فإِما أن يكون عليه [دليل](6) ظني أو قطعي، أو ليس عليه واحد منهما، والثاني قول جماعة من الفقهاء والمتكلمين (7) ونقل عن الشافعي (8)، وهو عندهم كدفين يعثر عليه بالاتفاق،

(1) ساقط من ط.

(2)

انظر: شرح المسطاسي ص 201.

(3)

في شرح القرافي، والقائل الثاني يقول .. إلخ، هو أنسب للسياق من المثبت.

والمراد بالقائل الثاني: هو من قال: بأنه ليس ثمت حكم راجح، بل الأحوال متساوية.

(4)

هنا انتهى كلام القرافي، وفيه اختلاف يسير، فانظر شرحه ص 440.

(5)

"بالحكم المعين" في ش.

(6)

ساقط من أ.

(7)

انظر: المستصفى 2/ 363، والمحصول 2/ 3/ 48، والإحكام للآمدي 4/ 183، ونهاية السول 4/ 562، وجمع الجوامع 2/ 390، ومختصر ابن الحاجب 2/ 294، وأصول ابن مفلح 3/ 940.

(8)

انظر: المحصول 2/ 3/ 48.

ص: 125

والقول (1) بأن عليه دليلاً ظنيًا: فهل كلف بطلب ذلك الدليل فإِن أخطأه تعين التكليف (2) إِلى ما غلب على ظنه؟، وهو قول [بعضهم](3)(4) أو لم يكلف بطلبه لخفائه؟، وهو قول كافة الفقهاء (5) منهم الشافعي (6) وأبو حنيفة (7).

والقائلون بأنّ عليه دليلاً قطعيًا، اتفقوا على أن المكلف مأمور بطلبه (8).

وقال بشر المريسي (9): ...............................................

(1)"وعلى القول" في خ.

(2)

"تغير تكليف" في أ.

(3)

ساقط من نسخ المتن.

(4)

انظر: المستصفى 2/ 364، والمحصول 2/ 3/ 49، والإبهاج 3/ 277، والتمهيد لأبي الخطاب 4/ 310، وفواتح الرحموت 2/ 380.

(5)

انظر: التبصرة ص 498، والمستصفى 2/ 364، والإبهاج 3/ 277.

(6)

انظر: المعتمد 2/ 949، والمحصول 2/ 3/ 49، ونهاية السول 4/ 563، والإبهاج 3/ 277، وقد نقل عن الشافعي القول بأن كل مجتهد مصيب. انظر: الفقيه والمتفقه 2/ 58.

(7)

انظر: المحصول 2/ 3/ 49، ونهاية السول 4/ 563، ونقل عن أبي حنيفة القول بالتصويب، انظر: الفقيه والمتفقه 2/ 58، والمشهور عن المتأخرين من الحنفية هو أن المجتهد مصيب ابتداء، مخطئ انتهاء، وعليه يحملون كلام أبي حنيفة رحمه الله.

انظر: التوضيح 2/ 241، وفواتح الرحموت 2/ 381، وتيسير التحرير 4/ 202، والتقرير والتحبير 3/ 307، 308، وحلولو ص 394، 395.

(8)

انظر: التبصرة ص 498، والبرهان فقرة 1465، والمستصفى 2/ 363، والمحصول 2/ 3/ 50، والإحكام للآمدي 4/ 183، ونهاية السول 4/ 564، والإبهاج 3/ 277، والمسائل الأصولية من كتاب الروايتين والوجهين ص 75، وأصول ابن مفلح 3/ 938.

(9)

أَبو عبد الرحمن: بشر بن غياث بن أبي كريمة العدوي مولاهم، البغدادي المريسي =

ص: 126

إن أخطأه استحق العقاب (1).

وقال غيره (2): لا يستحق العقاب (3).

واختلفوا أيضًا: هل ينقض قضاء القاضي إِذا خالفه؟ (4).

قاله الأصم (5)(6) ، خلافًا للباقين (7).

= بفتح الميم وكسر الراء والسين بينهما ياء ساكنة، قيل نسبة إلى مريس قرية بمصر، وقيل غير ذلك، أخذ عن أبي يوسف، وروى عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة، ثم نظر في الكلام فغلب عليه وصار رأس الداعين إلى القول بخلق القرآن، بل رأس الجهمية، فمقته العلماء، بل كفره جمع منهم، توفي سنة 218 هـ، وصنف كتبًا لنصر مذهبه في الكلام، منها: كتاب الإرجاء، وكتاب كفر المشبهة، وكتاب الوعيد، وغيرها، وقد رد عليه جمع من العلماء بردود من أنفسها رد عثمان بن سعيد الدارمي عليه. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 56، واللباب 3/ 200، وأخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص 156، ووفيات الأعيان 1/ 277، وسير النبلاء 10/ 199.

(1)

انظر: اللمع ص 359، والمستصفى 2/ 359، 361، 363، والوصول 2/ 342 والمحصول 2/ 3/ 50، والإحكام للآمدي 4/ 182، 183، والإبهاج 3/ 277، ومختصر ابن الحاجب 2/ 294، وأصول ابن مفلح 3/ 936، وانظر: المعتمد 2/ 949، والمسطاسي ص 202.

(2)

"غمير" في ش.

(3)

انظر: المحصول 2/ 3/ 50، والإحكام للآمدي 4/ 183، ونهاية السول 4/ 565.

(4)

"قضى بخلافه" في ش.

(5)

أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان المعروف بالأصم فقيه معتزلي مفسر، كان ذا دين ووقار وصبر على الفقر ومجانبة للسلاطين، إلا أنه كان يخطئ عليًا رضي الله عنه في كثير من أفعاله، توفي بعد المائتين، له تفسير، وكتاب خلق القرآن.

انظر ترجمته في: سير النبلاء 9/ 402، ولسان الميزان 3/ 427، وانظر: الفهرست ص 51.

(6)

انظر: المعتمد 2/ 949، واللمع ص 359، والمحصول 2/ 3/ 50، ونهاية السول 4/ 565، والإبهاج 3/ 277، والتمهيد لأبي الخطاب 4/ 312، والمسودة ص 498 والمسطاسي ص 202.

(7)

انظر: المحصول 2/ 3/ 51، ونهاية السول 4/ 565.

ص: 127

ش: ومعنى كلامه: [أنَّا](1) إذا قلنا: إن (2) لله تعالى في نفس الأمر حكمًا معينًا وهو الحكم المتضمن للمصلحة فاختلف.

هل عليه دليل، أو لا دليل عليه؟ قولان:

فإذا قلنا بأن عليه دليلاً، فاختلف فيه أيضًا:

هل ذلك الدليل قطعي أو ظني؟ قولان.

فهي إذًا ثلاثة أقوال: قيل: (3) لا دليل عليه أصلاً، وإليه أشار المؤلف بقوله: أو ليس عليه واحد منهما.

قوله: (والثاني قول جماعة [من] (4) الفقهاء والمتكلمين ونقل عن الشافعي (5))، أراد بالثاني: القول القائل بعدم الدليل؛ لأنه ثان بالنسبة إلى اشتراط الدليل، [والدليل](6) أعم (7) من القطعي والظني، وهذا القول الذي [هو عدم الدليل](8) هو عند القائلين به كشيء مدفون لا علامة عليه، فيجده (9) المجتهد في حالة الاجتهاد بالمصادفة لا بالقصد ولا يكلف بوجدانه،

(1) ساقط من ط.

(2)

في ز: "بأن"، وفي ط:"بإذن".

(3)

"قبلي" في ز.

(4)

ساقط من ز.

(5)

"ان" زيادة في ز.

(6)

ساقط من ط.

(7)

"عم" في ز.

(8)

ساقط من ط.

(9)

"يجده" في ز، وط.

ص: 128

فواجده له أجران؛ أجر الطلب، وأجر الوجدان، وفاقده (1) له أجر واحد، وهو أجر الطلب خاصة، لقوله عليه السلام:"إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإذا اجتهد [فأصاب] (2) فله أجران".

مثال ذلك: إذا حكم بشهادة الزور على غير القاتل ولم (3) يعلم، فقتل، فله أجر الاجتهاد، وإذا حكم بذلك على القاتل، فقتل، فله أجران: أجر الاجتهاد، وأجر إصابة الحق.

وقال ابن رشد في أقضية المقدمات: قوله عليه السلام: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر [واحد] "(4).

قال: هذا [إذا كان](5) الحاكم من أهل الاجتهاد، وأما إن (6) لم يكن من أهل الاجتهاد فهو آثم وإن أصاب (7) باجتهاده، لتقحمه (8)(9) وجرأته على الله تعالى في الحكم بغير علم.

قوله: (والقول بأن عليه دليلاً ظنيًا)، فهل (10) كلف بطلب ذلك

(1)"وافقده" في ط.

(2)

ساقط من الأصل.

(3)

"فلم" في ز.

(4)

ساقط من ط.

(5)

ساقط من ط.

(6)

"إذا" في ط.

(7)

"اصابه" في ط.

(8)

"لتغممه" في ط.

(9)

التقحم هو الدخول في الشيء بلا روية. انظر: القاموس المحيط، والصحاح، مادة:"قحم".

(10)

"فهو" في ط.

ص: 129

الدليل، أو لم يكلف بطلبه؟ يعني: إذا قلنا: مأمور بطلبه، فإن طلبه وأخطأ [هـ](1) فإنه يجب عليه الرجوع إلى ما غلب [على ظنه](2)، ويسقط عنه الإثم.

قوله: (أو لم يكلف بطلبه)، لخفائه، ومخطئه معذور مأجور (3).

قوله: (والقائلون بأن عليه دليلاً قطعيًا اتفقوا على أن المكلف مأمور بطلبه)، [أي] (4): اتفقوا في هذا القول على أن المجتهد مأمور بطلبه، واختلف ها هنا في موضعين:

أحدهما: هل يستحق مخطئه العقاب؟، قاله بشر المريسي من المعتزلة، أو لا يستحق العقاب؟، قاله الباقون.

والموضع الثاني: هل ينقض القضاء إذا خالفه؟، قاله أَبو بكر الأصم، أو لا ينقض؟، قاله الباقون.

قوله: (قضاء القاضي)، يعني: في نفس الأمور وإلا أدى (5) إلى مخالفة (6) الظاهر، لأن الحكم مجهول لا يعرفه إلا الله تعالى ومخالفه معذور.

قال المؤلف في الشرح: حجة الدليل القطعي على (7) الحكم في نفس

(1) ساقط من ز، وط.

(2)

ساقط من ط.

(3)

نسبه المسطاسي لكافة الفقهاء، منهم: الشافعي، وأبو حنيفة، وبعض أصحاب أبي حنيفة، والمزني وغيره من أصحاب الشافعي، انظر شرحه ص 202.

(4)

ساقط من ط.

(5)

"ادعى" في ز.

(6)

"مخالفته" في ط.

(7)

"في" في ز.

ص: 130

الأمر: أن تكليف الكل بشيء معين يعتمد دليلاً يظهر للكل، وما ذلك إلا القطعي، وأما الظني فتختلف [فيه](1) القرائح (2)(3).

حجة الدليل الظني: أن الله تعالى امتحن الخلق بذلك [الحكم](4) في نفس الأمر، وأمرهم ببذل الجهد في طلبه، [فلولا](5) أنه ودليله في غاية الخفاء لعرفه الكل فزال الامتحان، وليس كذلك (6).

حجة القول بأنه ليس عليه دليل لا ظني ولا قطعي: أنه لو كانت عليه أمارة لعلمها الكل، لكن الحكم ليس كذلك، فلا أمارة عليه (7).

وقول (8) بشر باستحقاق العقاب (9) إذا أخطأه، لأنه يجعل التقصير من (10) جهته، ومن قصر استحق العقاب.

حجة الجمهور: قوله عليه السلام: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران"، فجعل الثواب مع الخطأ، فلا عقاب حينئذ.

وأما قول الأصم بنقض قضاء القاضي إذا خالفه: فهو في غاية العسر من

(1) ساقط من ز، وط.

(2)

في هامش ط كتب الناسخ: اظنه القرائن اهـ.

(3)

انظر: شرح المسطاسي ص 205.

(4)

ساقط من ز، وط.

(5)

ساقط من ط.

(6)

انظر: شرح المسطاسي ص 205، 206.

(7)

انظر المصدر السابق.

(8)

"وقل" في الأصل.

(9)

"عليه" زيادة في ز، وط.

(10)

"لمن" في ز.

ص: 131

جهة تصوره؛ بسبب أن هذا الحكم غير معلوم، وكذلك دليله، ونحن [و] (1) إن قلنا: / 351/ إن المصيب واحد، فهو (2) غير معلوم، ونقض قضاء القاضي إنما يكون لما يتحقق، [وأما ما لا يتحقق](3) كيف ينقض به القضاء؟ فهذا المذهب مشكل (4).

قوله: (والمنقول عن مالك (5): أن المصيب واحد (6) واختاره الإِمام (7)، وقال الإِمام (8): عليه دليل (9) ظني، ومخالفه معذور، والقضاء لا ينقض (10)).

ش: وقد اختلف عن مالك، هل مذهبه أن المصيب واحد؟، كما قاله المؤلف، لأنه سئل عن اختلاف الصحابة فقال: ليس إلا خطأ أو صواب (11)، وقال: قولان مختلفان لا يكونان قط صوابًا (12)، قاله [القاضي](13)

(1) ساقط من ز.

(2)

"وهو" في الأصل.

(3)

ساقط من ط، وفي ز:"وما لا يتحقق".

(4)

هنا انتهى النقل عن القرافي من شرحه، فانظر الشرح ص 440، وانظر: شرح المسطاسي ص 202.

(5)

"هل مذهبه" زيادة في ط.

(6)

انظر: مقدمة ابن القصار ص 101، وإحكام الفصول للباجي 2/ 850، والفقيه والمتفقه 2/ 59، وشرح المسطاسي ص 202، ونقل عنه التصويب كما سيأتي، فانظر: إحكام الفصول 2/ 851، والفقيه والمتفقه 2/ 58، واللمع ص 358.

(7)

انظر: المحصول 2/ 3/ 51.

(8)

"على" زيادة في ش.

(9)

"دليلاً" في أ.

(10)

انظر: المحصول 2/ 3/ 51.

(11)

انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/ 81.

(12)

انظر: المصدر السابق 2/ 82.

(13)

ساقط من ز، وط.

ص: 132

عبد الوهاب في الملخص.

وقال ابن رشد في الأقضية و [في](1) الجنايات (2) من المقدمات: والذي يقوله المحققون (3): أن كل مجتهد مصيب، وهو الصواب الذي لا يصح خلافه؛ لأن الله تعالى تعبد المجتهد باجتهاده، فهو مأمور بأن يقضي به ويحل (4) به ويحرم [به](5)، كما تعبده (6) بأن (7) يقضي بشهادة الشاهدين (8)، ويحل (9) بها، ويحرم بها، فلا يجوز أن يقال لمن حلل أو حرم (10) بشهادة الشاهدين: إنه مخطئ عند الله تعالى؛ إذ لم يتعد ما أمر [هـ](11) به، فكذلك (12) لا يجوز [أن يقال] (13) لمن حرم أو حلل باجتهاده: إنه مخطئ عند الله، وليس عن مالك في ذلك نص.

(1) ساقط من ز، وط.

(2)

"الجناية" في ز، وط.

(3)

في هامش الأصل كتب الناسح: كل مجتهد مصيب.

(4)

"يحد" في ط.

(5)

ساقط من ز.

(6)

"عبده" في ز، وط.

(7)

"ان" في ز، وط.

(8)

"شاهدين" في ز، وط.

(9)

"ويحد" في ط.

(10)

حرم أو حلل. في ز، وط بالتقديم والتأخير.

(11)

ساقط من ز، وط.

(12)

"فلذلك" في ز.

(13)

ساقط من الأصل.

ص: 133

ويدل على أن مذهبه [أن](1) كل مجتهد مصيب: أن المهدي (2) سأله أن يجمع مذهبه في كتاب ويحمل عليه الناس، فامتنع مالك من ذلك فقال:[إن](3) أصحاب رسول الله عليه السلام تفرقوا في البلاد وأخذ الناس بآرائهم، فدع الناس وما اختاروه (4)(5)، فلولا أن كل مجتهد مصيب لما جاز لمالك أن يقر الناس على ما هو خطأ عنده.

وأجيب عن قول مالك في اختلاف الصحابة: ليس إلا خطأ أو صواب: أن هذا فيما طريقه العلم، ويحتمل أن يجاب عنه: بأن قوله: خطأ، أي: خطأ عنده، أي: عند مالك لا عند الله.

والدليل إذا تطرق (6) إليه الاحتمال سقط [به](7) الاستدلال (8).

(1) ساقط من ز، وط.

(2)

أبو عبد الله: محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أمير المؤمنين، وثالث خلفاء بني العباس، ولد سنة 127 هـ، وولي الخلافة سنة 158 هـ، وتوفي سنة 169 هـ، وكان رحمه الله جوادًا حليمًا مع شدة على المبتدعة والزنادقة. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 391، والبداية والنهاية 10/ 151، والكامل لابن الأثير 5/ 72، ومروج الذهب للمسعودي 3/ 377، وفوات الوفيات 3/ 400.

(3)

ساقط من الأصل.

(4)

في الأصل: "فدع الناس وما اختار وما اختاروه". وهو تكرار.

(5)

المشهور أن هذه القصة وقعت لمالك مع المنصور. ذكر القاضي عياض ذلك، وذكر أن ذلك حصل أيضًا من المهدي، فانظر ترتيب المدارك 1/ 192، 193، وذكر ابن الأثير في ترجمة مالك من مقدمة جامع الأصول أن هذه الحادثة وقعت مع الرشيد، فانظر: جامع الأصول 1/ 182.

(6)

"نظروا" في ط.

(7)

ساقط من ز وط.

(8)

"به" زيادة في ز، وط.

ص: 134

قوله: (لنا أن الله تعالى شرع الشرائع لتحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة، أو درء المفاسد الخالصة أو الراجحة، ويستحيل وجودها في النقيضين، فيتحد الحكم).

ش: هذا دليل المالكية على أن المصيب واحد، كأنه قال:(1)[و](2) الدليل على أن المصيب واحد: أن القول بتصويب كل مجتهد يؤدي إلى الجمع (3) بين النقيضين، وذلك أن أحد المجتهدين يقول بتحريم مثلاً، ويقول الآخر بتحليل في قضية واحدة، وذلك جمع بين النقيضين، فإن التصويب يفضي [إلى](4) المحال، وما أفضى إلى المحال فهو محال.

قوله: (المصالح الراجحة)، أي:[الراجحة](5) على المفسدة.

قوله: (أو درء المفاسد الراجحة)، أي:[الراجحة](6) على المصلحة.

قوله: (وجودها في النقيضين)، أي: ويستحيل وجود المصالح والمفاسد (7) في النقيضين، أي وجود المصلحة والمفسدة (8) في شيء واحد محال (9).

(1)"يقول" في ز، وط.

(2)

ساقط من ز، وط.

(3)

"يجمع" في ز.

(4)

ساقط من ط.

(5)

ساقط من ط.

(6)

ساقط من ز، وط.

(7)

"معًا" زيادة في ز، وط.

(8)

"مع المفسدة" في ز، وط.

(9)

المعنى الظاهر لقوله: فيستحيل وجودها في النقيضين. أي: فيستحيل أن يكون النقيضان كلاهما مصلحة أو كلاهما مفسدة، أما اجتماع المصلحة والمفسدة في =

ص: 135

قوله: (في النقيضين)، أي: في التحليل والتحريم (1) مثلاً.

قوله: (فيتحد الحكم)، أي: فيلزم أن يكون حكم الله واحدًا، وهو التحريم خاصة، أو التحليل خاصة.

أجاب المصوبة عن هذا: بأن الحكم إنما يتبع (2) المصالح الخالصة (3) أو الراجحة في مواضع الإجماع، وأما في مواضع الخلاف فلا يكون الحكم تابعًا للراجح في نفس الأمر [من المصالح، بل يتبع ما في الظنون فقط (4)، كان راجحًا في نفس الأمر](5) أو مرجوحًا (6).

قوله: (احتجوا بانعقاد الإِجماع على أن المجتهد يجب [عليه] (7) أن يتبع ما غلب على ظنه ولو خالف الإجماع، وكذلك من قلده، ولا نعني بحكم الله تعالى إِلا ذلك، فكل مجتهد مصيب، فتكون (8) ظنون المجتهدين تتبعها الأحكام، كأحوال المضطرين والمختارين بالنسبة إِلى الميتة، فيكون الفعل الواحد حلالاً حرامًا بالنسبة إِلى شخصين كالميتة).

= شيء واحد فليس بمحال، كالخمر والميسر فيهما إثم كبير ومنافع للناس.

(1)

"التحريم والتحليل" في ز، وط بالتقديم والتأخير.

(2)

"يمتنع" في ز.

(3)

"الخاصة" في ط.

(4)

"قط" في الأصل.

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(6)

انظر: شرح القرافي ص 441.

(7)

ساقط من الأصل.

(8)

"وتكون" في نسخ المتن.

ص: 136

ش: هذا جواب عن دليل المخطئة المتقدم، ومعناه: أن التناقض إنما يلزم فيما إذا اجتمع التحريم والتحليل مثلاً في حق شخص واحد، وأما بالنسبة إلى شخصين فلا، فإن المجتهد يجب [عليه](1) أن يتبع ما غلب على ظنه، إلى آخر ما ذكر، فإن الميتة تحل للمضطر وتحرم على غيره (2)، وإفطار رمضان مباح للمعذور كالمريض والمسافر ويحرم لغيرهما (3). وما نحن فيه كذلك؛ فإن من وجب عليه الحكم بالتحليل الذي أداه إليه نظره، كمن (4) وجب [عليه](5) الحكم بالتحريم الذي أداه إليه نظره؛ لأن المجتهد يجب عليه أن يتبع ما غلب على ظنه.

قوله: (فيكون الفعل (6) الواحد حلالاً حرامًا)، أي: حلالاً في حق المجتهد الذي أداه اجتهاده إلى تحليله (7)، وحرامًا في حق المجتهد الذي أداه اجتهاده إلى تحريمه.

قوله: (بالنسبة إلى شخصين)، أي: بالنسبة إلى مجتهدين مختلفين.

قوله: (كالميتة)، أي: كما يكون [أكل](8) الميتة حلالاً حرامًا (9) بالنسبة إلى شخصين، وهما المضطر والمختار.

(1) ساقط من الأصل.

(2)

"لغيره" في الأصل.

(3)

كذا في النسخ الثلاث، والأولى:"على غيرهما".

(4)

"لمن" في ز.

(5)

ساقط من ز، وط.

(6)

"الحكم" في الأصل.

(7)

"تحلية" في ط.

(8)

ساقط من ز.

(9)

"حرامًا حلالاً" في ط، بالتقديم والتأخير.

ص: 137

قال المؤلف في شرحه: وأما قول المصوبة: إنه يجب عليه اتباع ظنه وإن خالف الإجماع فمسلم، ولكن الأحكام التي على ألسنة المجتهدين وظنونهم متفق عليها، وأنها أحكام الله تعالى؛ لأنهم قالوا: كل مجتهد مصيب باعتبار الرجحان في ظنه، لا باعتبار نفس الأمر، وإنما النزاع في ثبوت أمر آخر غيرها، و [هو](1) أنه ليس لله تعالى في نفس الأمر حكم غيرها، فهذا (2) محل النزاع، وهذا هو الذي ينبغي أن يقيموا عليه الدليل (3).

(1) ساقط من ز.

(2)

"هو" زيادة في ط.

(3)

انظر: شرح القرافي ص 440، 441 وفيه اختلاف يسير، وانظر: شرح المسطاسي ص 205.

ص: 138