المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌إبطال الشبهات نذكر إخواننا المسلمين فيما يلي بإجابات لكثير من الشبه - الإرشاد إلى توحيد رب العباد

[عبد الرحمن بن حماد آل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌معرفة الله تعالى

- ‌توحيد الله تعالى

- ‌توحيد الربوبية

- ‌توحيد الألوهية:

- ‌دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى توحيد العبادة:

- ‌توحيد الذات والأسماء والصفات:

- ‌معنى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌شروط لا إله إلا الله:

- ‌معنى شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أركان الإسلام ونواقضه

- ‌وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام

- ‌إبطال الشبهات

- ‌بيان أنواع من الشرك الأصغر

- ‌من الشرك الحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشئت ولولا كذا - يعني غير الله - لكان كذا ولولا الله وكذا

- ‌التحذير من الرياء وبيان أنه من الشرك

- ‌تحريم لبس الحلقة والخيط ونحوهما والوشم

- ‌تحريم الرقى المشتملة على الشرك وتحريم التمائم

- ‌أنواع من السحر

- ‌النهي عن الاستسقاء بالنجوم والنياحة والمفاخرة بالأحساب والطعن في الأنساب

- ‌النهي عن سب الدهر

- ‌وجوب الإيمان بالقدر وتعريف الإيمان

- ‌فضل الرضا بالقدر وخطر السخط به

- ‌اللو المنهي عنها

- ‌الخوف من المخلوق المنهي عنه

- ‌من الشرك إرادة الإنسان بعلمه الدنيا

- ‌من الشرك تعبيد الاسم لغير الله

- ‌تحريم تصوير ذوات الأرواح ولعن المصورين

- ‌حماية النبي صلى الله عليه وسلم، حمى التوحيد وسده طرق الشرك

- ‌زيارة القبور

- ‌ الحياة البرزخية

- ‌مستقر الأرواح في البرزخ:

- ‌ما جاء في سماع الميت:

- ‌ما يصل إلى الميت من الأعمال:

- ‌زيارة القبور:

- ‌زيارة القبور الشرعية:

- ‌الزيارة المحرمة:

- ‌أمور محرمة تتعلق بالقبور:

- ‌الزيارة الشركية المحضة:

- ‌حكم زيارة قبور الكفار:

- ‌حكم زيارة النساء للقبور واتباعهن للجنازة:

- ‌السفر لزيارة القبور:

- ‌ السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره والسلام على صاحبيه

- ‌بلاغ الناس

الفصل: ‌ ‌إبطال الشبهات نذكر إخواننا المسلمين فيما يلي بإجابات لكثير من الشبه

‌إبطال الشبهات

نذكر إخواننا المسلمين فيما يلي بإجابات لكثير من الشبه التي يعترض بها بعض المبتدعين على ما سبق الكلام عليه من أنواع الشرك، ونبدؤها بهذا الجواب العام المجمل لشيخ الإسلام:

يقول الله - تعالى -: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} [آل عمران: الآية7] وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» .

مثال ذلك إذ قال بعض المشركين: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس، الآية: 61] وإن الشفاعة حق، وإن الأنبياء لهم جاه عند الله أو ذكر كلامًا للنبي صلى الله عليه وسلم، يستدل به على باطله.

فجوابه: أن كفر المشركين بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء، كما قال تعالى عنهم:{هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} وهذا أمر محكم بين لا يقدر أحد أن يغير معناه، وكلام الله لا يتناقض، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله

ص: 36

أما الإجابات المفصلة فتشملها المسائل الآتية.

الأولى: أن الذين قاتلهم الرسول، صلى الله عليه وسلم يقولون: نحن نشهد بتفرد الله بالخلق والرزق والنفع والضر، ونقر بأن أوثاننا لا تدبر شيئًا وإنما أردنا بعبادة الصالحين مع الله الجاه والشفاعة. كما في قوله تعالى عنهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر، الآية:3] وقوله: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس، الآية: 18].

الثانية: أن من الكفار من يدعو الصالحين والأصنام، ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء، الآية 57].

ويدعون عيسى بن مريم وأمه، وقد قال - تعالى -:{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة، الآية:75] وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} [سبأ، الآيتان: 40ـ 41] والله سبحانه قد كفر من قصد الأصنام، وكفر من قصد الصالحين بالعبادة كذلك، وقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم.

ص: 37

الثالثة: أن العبادات كلها حق لله على عباده فرض عليهم إخلاصها له - سبحانه -: فمن دعا مخلوقًا أو ذبح له أو لجأ إليه فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد أشرك بالله وعبد غيره، ولا ينفعه الاعتذار بالجاه والشفاعة

لأن عبادة المشركين للصالحين وللأصنام لم تكن إلا بالدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك طلبًا للجاه والشفاعة.

الرابعة: أن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم حق .. فهو الشافع المشفع أعطاه الله الشفاعة، ولكن الله بين لنا أن الشفاعة كلها له - سبحانه - قال تعالى:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر، الآية:44] وبين شرطها وهو إذنه في قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ، الآيتان: 22، 23]. قال العلماء في تفسير هذه الآية: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط أو يكون عونًا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له - سبحانه - كما قال:«ولا يشفعون إلا لمن ارتضى» فالشفاعة التي يظنها المشركون. منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن الكريم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، «أنه يأتي

ص: 38

فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة ثم يقال له: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع».اهـ.

الحديث في الصحيحين بطوله. وخرجه أحمد. وقال أبو هريرة رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» . رواه البخاري وأحمد والنسائي وصححه ابن حبان، وفيه «وشفاعتي لمن قال لا إله إلا الله مخلصًا ويصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه» وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئًا» .

فتأمل هذا الحديث كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته، صلى الله عليه وسلم تجريد التوحيد - عكس ما عند المشركين أن الشفاعة تنال باتخاذهم شفعاء فقلب النبي صلى الله عليه وسلم ما في زعمهم الكاذب وأخبر أن سبب الشفاعة تجريد التوحيد فحيئنذ يأذن الله للشافع أن يشفع.

الخامسة: أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم فوق محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين واجبة على كل مسلم ففي الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،

ص: 39

قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» رواه البخاري ومسلم وفي الحديث: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه -قال: «يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا نفسي. فقال: والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال عمر: فإنك الآن أحب إلي من نفسي فقال الآن يا عمر» . رواه البخاري.

وينافي هذه المحبة الإعراض عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وينافيها تقديم قول غيره على قوله، كما قال - تعالى -:{وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور، الآية: 47].

ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، تابعة لمحبة الله لازمة لها، لأنها محبة لله، ولأجله، والمحبة نوعان: شرعية وشركية.

فالشرعية هي: المحبة في الله كمحبة المؤمنين للرسول صلى الله عليه وسلم، ولبعضهم البعض محبة جمعهم عليها الإيمان بالله.

والمحبة الشركية هي: محبة غير الله كحب الله، كمحبة المشركين لأصنامهم، ولبعض الأنبياء والملائكة والصالحين حتى أدى بهم ذلك الحب إلى دعائهم وجعلهم وسائط بينهم وبين الله، كما قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}

ص: 40

[البقرة، الآية: 165] وهؤلاء توعدهم الله بالعذاب، كما قال سبحانه:{وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة، الآية: 167].

والمؤمن الحقيقي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، فوق محبته لكل مخلوق، وعلامة ذلك تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم مخالفتهما.

أما من يأتي عند أي قبر كان فيدعو صاحبه ويطلب منه الشفاعة ويذكر له حوائجه أو نحو ذلك مما هو خلاف الشريعة، وكذا من يعمل مثل ذلك مع الغائبين أو مع الأحياء الحاضرين فيما لا يقدر عليه إلا الله. فهذا غير محب للرسول صلى الله عليه وسلم، وغير محب لله المحبة الشرعية الصحيحة لأنه انتهك حرمة الوحي وعمله دليل على أن محبته لمن يرتكب تلك الأمور عند قبره محبة شركية محرمة.

والمحبة التي يستحق المحبوب بها أن يعبد إنما هي محبة الله وحده لا شريك له لأنه هو الخالق الرازق الهادي للإيمان هداية التوفيق التي لا يقدر عليها إلا هو فلذلك يوحد المؤمن ربه عز وجل ويعتقد فيه وحده النفع والضر فيرجع إليه في جميع أموره ويعبده حق عبادته.

السادسة: أن الاستشفاع والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبغيره

ص: 41

في الدنيا إلى الله - تعالى - في الدعاء على أنواع:

الأول: قول الداعي: بحق فلان يريد الإقسام على الله وهذا محذور من وجهين: الأول: أنه قسم بغير الله لا يجوز. كما قال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم. والثاني: أنه اعتقاد في أن لأحد على الله حقًا وليس لأحد على الله حق إلا ما أحقه على نفسه ،كقوله تعالى:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم، الآية: 47] وكذلك ما ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم، لمعاذ وهو رديفه. فهذا حق وجب بكلمات الله التامة ووعده الصادق، لا أن العبد نفسه يستحق على الله شيئًا كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، وحقهم الواجب بوعده هو أن لا يعذبهم، وترك تعذيبهم معنى لا يصلح أن يقسم به. ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه: يكره أن يقول الداعي: أسألك بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام، والمشعر الحرام ونحو ذلك.

الثاني: أن يقول الداعي: بحق فلان يريد التوسل بماله من حق عند الله بسبب صلاحه. وهذا فيه المحذور الثاني المتقدم في الإقسام على الله، وهو اعتقاد أن لأحد على الله

ص: 42

حقًا، ومع ذلك لا مناسبة بين ماله من حق عند الله وبين إجابة الداعي فدعاؤه هذا اعتداء في الدعاء. وقد قال تعالى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ، [الأعراف، الآية: 55].

الثالث: أن يقول الداعي، أسألك بفلان يريد التوسل بذاته

فهذا بدعة لا يجوز. وهذه الثلاثة الأنواع ونحوها من الأدعية المبتدعة لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن أحد من الأئمة، وإنما يوجد مثل هذا في الحروز والهياكل التي يكتب بها الجهال والطرقية. والدعاء من أفضل العبادات. والعبادات مبناها على السنة والاتباع لا على الهوى والابتداع.

الرابع: أن يقول الداعي: أسألك بحق السائلين عليك يريد بحق السائلين الإجابة. وهذا ليس من نوع التوسل بالمخلوق وإنما هو من التوسل بصفات الله الفعلية، كما في الحديث الذي في المسند من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قول الماشي إلى الصلاة:«أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا» فهذا حق السائلين هو أوجبه سبحانه على نفسه. فهو الذي أحق للسائلين أن يجيبهم، وللعابدين أن يثيبهم، وبهذا المعنى فسر العلماء حديث

ص: 43

المسند - إن صح - ولقد أحسن القائل:

ما للعباد عليه حق واجب

كلا ولا سعي لديه ضائع

إن عذبوا فبعدله أو نعموا

فبفضله وهو الكريم الواسع

فإن قيل: فأي فرق بين قول الداعي: «بحق السائلين عليك» وبين قوله: «بحق فلان؟» أو نحو ذلك؟ فالجواب: أن معنى قوله بحق السائلين عليك: أنك وعدت السائلين بالإجابة، وأنا من جملة السائلين، فأجب دعائي بخلاف قوله: بحق فلان. وإن كان له حق على الله بوعده الصادق فلا مناسبة بين ذلك وبين إجابة دعاء هذا السائل. فكأنه يقول: لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعائي! وأي مناسبة في هذا وأي ملازمة؟ وإنما هذا من الاعتداء في الدعاء كما تقدم ذكره.

الخامس: أن يقول الداعي أسألك باتباعي لرسولك ومحبتي له وإيماني به وسائر أنبيائك ورسلك وتصديقي لهم ونحو ذلك فهذا لا محذور فيه لأنه من التوسل بأعماله الصالحة، كما جاء في حديث الثلاثة الذين آووا إلى الغار فتوسل كل واحد منهم بعمله الصالح. وهو حديث مشهور في الصحيحين وغيرهما.

والتوسل الذي كان الصحابة رضي الله عنهم -

ص: 44

يتوسلون به في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، كان بدعائه. يطلبون منه أن يدعو لهم وهم يؤمنون على دعائه كما في الاستسقاء وغيره. فلما مات صلى الله عليه وسلم قال عمر رضي الله عنه لما خرجوا يستسقون:«اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا» ومعناه: بدعائه هو ربه وسؤاله، ليس المراد أنا نقسم عليك به أو نسألك بجاهه عندك. إذ لو كان مرادًا لكان جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم وأعظم من جاه العباس فليعلم ذلك. فإن لفظ التوسل بالشخص والتوجيه به فيه إجمال غلط فيه من لم يفهم معناه.

السابعة: أن الشرك ليس مخصوصًا بعبادة الأصنام من الجمادات بل كل عبادة تصرف لغير الله نبي كان أو صالح أو جماد فهو شرك كما دلت عليه الآيات والأحاديث.

الثامنة: أن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء: كافر لم يدخل في الإسلام. وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه كمن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة، أو أقر بالتوحيد والصلاة وجحد بالزكاة، ولما لم ينقد أناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للحج أنزل الله في حقهم:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران، الآية: 97] ومن أقر بهذا كله

ص: 45

وجحد البعث كفر بالإجماع، حل دمه وماله. فإن الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: الآيتان: 150، 151] فلا حجة لمن قال ممن ابتلى بالوقوع فيما وقع فيه المشركون الأولون: إن المشركين الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذبون الرسول وينكرون البعث ويكذبون القرآن ويجعلونه سحرًا!! ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ونصدق القرآن ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟ وذلك لأن الجواب على هذا القول: أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج فإذا كان من جحد شيئًا من هذه الأمور كلها فكيف بمن يجحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم؟ ومعلوم أن صرف العبادة أو شيء منها لغير الله جحد للتوحيد.

التاسعة أن من رفع رجلاً غير نبي إلى رتبة النبوة يكفر ويقاتل كما قاتل الصحابة رضي الله عنهم بني حنيفة مع أنهم قد أسلموا، ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا

ص: 46

رسول الله، ويصلون، ويؤذنون، ولكن لأنهم رفعوا مسيلمة إلى رتبة النبوة. فإذا كان هذا حال من رفع رجلاً إلى رتبة النبي فكيف بمن رفع مخلوقًا نبيًّا كان أو غيره إلى مرتبة جبار السموات والأرض فصرف له شيئًا من العبادة!!

العاشرة: أن ما يفعله كثير من الجهلة من أخذ تراب قبر الذي يعتقدون فيه ليتداوى به مريضهم: لا يجوز لمن فيه من اعتقاد بغير الله - وهذا عمل لم يسبق إليه إلا النصارى - وربما وافق ذلك تحسن حالة المريض فيظن ويظن غيره ممن لم يعرفوا التوحيد أن هذا الشفاء من هذا التراب وصاحب القبر - وأن هذا الصنيع جائز لا إثم فيه، ولو أخبر أحدهم بأنه شرك لاعتذر بحسن النية.

والجواب عن ذلك: أن دعوى حسن النية لا يكفي، بل لا بد معه من امتثال ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم مخالفة هذا العمل لما جاء به صلى الله عليه وسلم

فالمشركون الذين يعبدون الأصنام إنما عبدوها في الغالب بهذه النية التي يزعمها أولئك فقد قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: الآية3] وقالوا: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس الآية: 18]. وقد قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ

ص: 47

بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: الآيتان 103، 104].

والشفاء كله من عند الله قال تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء، الآية 80] فلا يطلب الشفاء إلا من الله، ولا يتداوى إلا بالأدوية التي هدانا لها سبحانه وتعالى.

الحادية عشرة: أن المسلم العامي بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها، كما حدث لبني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم، لما قالوا لموسى:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ} وكما قال ناس من الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: «اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط» فحلف صلى الله عليه وسلم، أن هذا نظير قول بني إسرائيل:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا} .

فالمسلم إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه عن ذلك فتاب من ساعته لا يكفر، ولكن يغلظ عليه الكلام، كما غلظ على بني إسرائيل، والذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم.

فينبغي التحرز والتعلم. فهؤلاء الذين سألوا موسى لم يفعلوا ولو فعلوا لكفروا، وكذلك الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط لكفروا.

الثانية عشر: أن إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة قتل من قال

ص: 48

لا إله إلا الله - وحديث: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» وغيره من الأحاديث الدالة على الكف عمن قالها

المراد من ذلك: أن من أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك. فإذا تبين منه ما يخالف الإسلام فإنه لا ينتفع بلا إله إلا الله، ويقاتل كما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وسباهم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وكما قاتل الصحابة بني حنيفة كما تقدم، وكذلك الذين حرقهم علي رضي الله عنه بالنار.

فإذا كانت لا إله إلا الله لا تنفع من جحد فرعًا من الفروع، فكيف تنفع من جحد التوحيد الذي هو أساس دين الرسل؟!!

الثالثة عشرة: أن استغاثة الناس يوم القيامة بالنبي صلى الله عليه وسلم: دليل على جواز الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه، قال تعالى:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: الآية: 15] وليس ذلك دليلاً على جواز استغاثة العبادة التي يفعلها الكثيرون عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو عند قبور الأولياء أو في غيبتهم

لما تقدم من الأدلة الصحيحة الصريحة في النهي عن ذلك.

أما الحاضر فيستغاث به فيما يقدر عليه فقط. واستغاثة

ص: 49

الناس يوم القيامة بالنبي صلى الله عليه وسلم، استغاثة بالحي فيما يقدر عليه، وهذا جائز في الدنيا والآخرة. فلا بأس أن يقول المسلم لأخيه المسلم الحي إذا اعتقد صلاحه: ادع الله لي ومثل ذلك اعتراض جبريل عليه السلام، لإبراهيم في الهواء لما ألقي في النار، فإن جبريل قادر بإذن الله على إنقاذ إبراهيم من النار.

الرابعة عشرة: أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلمًا.

فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند ككفر إبليس وفرعون، ولو كان تركه للعمل به لعذر من الأعذار كما قال تعالى:{اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [التوبة: الآية: 9] وكما قال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة الآية: 146].

وإن عمل بالتوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من ذا لم يكن الرجل مسلمًا.

وإذا كان بعض من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قد كفر بعد إسلامه بسبب كلمة قالها على وجه المزح واللعب كما قال تعالى عنهم:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: الآية66] فإن

ص: 50

الذين يتكلمون بالكفر ويعملون به خوفًا من نقص مال أو جاه أو مداراة لأحد أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها.

ولا يعذر من هؤلاء إلا المكره المطمئن قلبه بالإيمان، كما قال - تعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ} [النحل، الآيتان: 106، 107].

والإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل. أما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها. وهذا دل عليه قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل، الآية: 106].

وقد دل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ} . [النحل، الآية: 107] على أن الكفر والعذاب سببه في هذه الحالة إيثار الدنيا على الدين. والله أعلم.

ص: 51