الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودليل النذر قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: الآية 7].
فإذا عرف أن هذه المذكورات عبادات. فالعبادات كلها لله وحده لا شريك له. كما أمر الله بذلك، وأرسل به رسله، عليهم الصلاة والسلام.
وتوحيد العبادة هو معنى - لا إله إلا الله - وهو التوحيد الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم - وهو الذي من أجله قامت المعارك بينهم وبين أممهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
وهذا النوع من التوحيد هو الذي جحده المشركون وحاربوا أنبياءهم من أجله، لما دعوهم إلى تحقيقه استنكارًا منهم لتلك الدعوة التي دعتهم لترك ما عليه الآباء من شرك وضلال.
دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى توحيد العبادة:
ولما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم دعا إلى كلمة التوحيد لا إله إلا الله وإلى تحقيق معناها والعمل بها لأن ذلك هو المراد من هذه الكلمة فناصبه مشركو قريش العداوة لما علموا مراده بدعوتهم إلى كلمة التوحيد وأنه إنما أراد معناها لا مجرد لفظها فقط لتكون العبادة كلها لله وحده لا شريك له، ولئلا يصرف منها شيء لغيره سبحانه وتعالى.
والعجب كل العجب من أناس يدعون الإسلام وهم لا يعرفون من تفسير لا إله إلا الله ما عرفه جهال الكفرة، بل يفسرونها بغير تفسيرها الذي قصد منها. بدليل ما يقدمون عليه من شركيات بعث الرسول صلى الله عليه وسلم لمحوها والقضاء عليها.
من هذه الشركيات التي يفعلها أولئك المدعُون للإسلام الذبح والنذر، وتقريب القرابين لغير الله، كفعلهم ذلك عند القباب والقبور.
ومنها: دعاؤهم الأموات، وطلبهم منهم الحوائج، واعتقاد النفع والضر فيهم وفي بعض الأحياء.
ومنها: الحلف بغير الله ونحو ذلك من الظلم العظيم الذي ما سبق إليه إلا أهل الجاهلية الذين وجد الرسول صلى الله عليه وسلم أن منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم إلى الله ليشفعوا له ومنهم من يدعو رجلاً صالحًا مثلا اللات، أو نبيًا مثل عيسى عليه السلام، ووجد منهم من ينذر لغير الله، ويذبح لغير الله، ويستغيث بغير الله، إلى غير ذلك مما هم عليه من شرك.
فدعاهم صلى الله عليه وسلم إلى إخلاص هذه العبادات وغيرها من
أنواع العبادة لله وحده، ثم قاتلهم لعدم امتثالهم لما دعاهم إلى إخلاصه لله من دعاء وذبح ونذر، وتقرب، واستعانة، واستعاذة وخوف ورجاء إلى غير ذلك من أنواع العبادة.
وبيَّن لهم صلى الله عليه وسلم الشفاعة المشروعة، ومن يستحقها وأنها لا تكون إلا بإذن الله لمن يشاء ويرضى. كما قال تعالى {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء الآية: 28] وكما قال سبحانه: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ الآية:23].
فالله - سبحانه - قد علّق الشفاعة في كتابه بأمرين: أحدهما رضاه عن المشفوع له، والثاني: إذنه للشافع فهي لا تحصل لمن طلب من الأموات شفاعتهم عند الله لأن طلبه هذا مخالف لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ومن خالف أمر الله فقد سلك سبيل سخطه.
وشفاعة الأنبياء والصالحين ترجى لمن حقق التوحيد، وعرف أن الشفاعة كلها لله، فسأله - سبحانه - مباشرة وبدون واسطة أن يشفعهم فيه، كأن يقول: اللهم شفع في رسولك قال - تعالى -: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: الآية 44].
وقال سبحانه {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} [السجدة: الآية 4].
فالشفاعة في الحقيقة لله وحده، فلا تطلب
إلا منه، لأنه ليس للعباد شفيع من دونه، بخلاف شفاعة أهل الدنيا بعضهم عند بعض فيما يقدرون عليه بسبب قوة السلطان أو الرغبة في الإحسان أو نحو ذلك من الأسباب التي تؤثر على المخلوق، فيقبل شفاعة مخلوق مثله، أما الخالق - جل وعلا - فلا يؤثر عليه شيء من ذلك البتة. لأن الكل فقراء إليه وهو الغني الحميد. ولا يطلب من الميت أي مطلب البتة، ولا يقسم به على الله فمن فعل ذلك فقد أشرك بالله ودعا غيره.
وغاية ما في المسألة أن الحي يسلم على الميت سلامًا فقط ويدعو له.
فإن كان الميت المسلم عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه الزائر وشهد له بالبلاغ وتأديته الأمانة والنصيحة للأمة وسأل الله أن يجزيه عن المسلمين خير الجزاء، ولا يرفع صوته بذلك بل يدعو سرًا بينه وبين الله، ويتوجه إلى القبلة لا إلى القبر وإن سلم وانصرف فحسب.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يحصل بها الثواب على بعد المكان وقربه. كما قال صلى الله عليه وسلم «وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» رواه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وإن كان الميت غير النبي صلى الله عليه وسلم ممن مات
على الإسلام سلم عليه ودعا له ولنفسه، بما ورد لا يزيد على ذلك كما ثبت عن بريدة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم:«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية» رواه مسلم.
والسلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم جردوا العبادة لله تعالى - فلم يفعلوا عند القبور شيئًا إلا ما أذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم من السلام على أصحابها والاستغفار لهم، والترحم عليهم.
والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الصالحين لا يشفع في أحد عند الله إلا بعد إذن الله له، والله لا يأذن للشافع في الشفاعة إلا لمن وحّده عز وجل.
والنبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع في أحد قد أشرك بالله غيره قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: الآية49] وقال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان الآية:13]، وقال تعالى {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: الآية72] وقال تعالى: {قُلْ يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران الآية:64].
وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة الآية:5].
ومن قال ممن يتوسلون بالأموات ويستشفعون بهم: إننا لسنا نعبدهم من دون الله، وإنما نتقرب بهم عند الله لما لهم عنده من الجاه والولاية، ولأننا نستحي من الله بسبب ذنوبنا فنتوسط بهم ليشفعوا لنا.
فجوابه عل ذلك: أن هذا القول هو عين مقالة المشركين التي ذكرها في كتابه حيث يقول سبحانه وتعالى عنهم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] وحيث يقول - جل وعلا - {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس الآية: 18].
ويقال أيضا من الذي يحول بينك وبين الله حتى تجعل بينك وبينه واسطة؟! أتقيسه على المخلوق الذي يتوسط إليه بمخلوق مثله!! إما لبخله، وإما لجهله بحال المتوسط له؛
وإما لظلمه وعدم رحمته! فالله - سبحانه - منزه عن ذلك كله. فهو أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وهو بكل شيء عليم، يجيب السائلين، ويغفر ذنوب المذنبين. قال - تعالى -:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة الآية:186] وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: الآية 60].
وروى الترمذي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فسأل الله. وإذا استعنت فاستعن بالله» ولما سأل جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» رواه مسلم.
فعلى من أراد النجاة أن يتوب إلى الله، ويلجأ إليه وحده في السراء والضراء. ولا يتوسط إليه بأحد من خلقه؛ ويسأله الهداية إلى صراطه المستقيم: صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.