الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مررت بقبر مشرك فبشره بالنار». قال: فأسلم الأعرابي بعد، وقال: كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا؛ ما مررت بقبر كافر إلا بشرتُه بالنار. رواه ابن ماجه وإسناده صحيح.
حكم زيارة النساء للقبور واتباعهن للجنازة:
وردت أدلة من الحديث في تحريم زيارة النساء للقبور، وفي تحريم اتباعهن للجنائز، وهذه الأدلة منها ما هو صريح في التحريم ومنها ما هو مفهم له؛ فمن الصريح: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسَّنه.
وفي نسخ: وصححه ورواه ابن ماجه أيضا، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «لعن زوَّارات القبور» . رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه، وأخرجه ابن ماجه عن حسان بن ثابت، وثبت في الصحيحين نهيه صلى الله عليه وسلم النساء عن اتباع الجنائز، وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها:«أما إنك لو بلغت معهم الكدى لم تدخلي الجنة حتى يكون كذا وكذا» . وقال صلى الله عليه وسلم: «ارجعن مأزورات غير مأجورات فإنكن تفتنَّ الحي وتؤذين الميت» .
وقد حقق شيخ الإسلام - يرحمه الله - الأقوال في هذا الباب فقال: من العلماء من اعتقد أن النساء مأذون لهن في الزيارة كالرجال معتقدًا عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «فزوروها فإنها تذكركم الآخرة» . والصحيح: أنهن لم يدخلن في هذا الإذن لعدة أوجه؛ منها:
الأول: أن قوله صلى الله عليه وسلم «فزوروها» . صيغة تذكير تتناول الرجال بالوضع، ودخول النساء في عمومه ضعيف، والعام لا يعارض الأدلة الخاصة المستفيضة في نهي النساء؛ بل ولا ينسخها عند جمهور العلماء، وإن علم تقدم الخاص على العام، ومعلوم أن لفظ (من) في قوله صلى الله عليه وسلم:«من صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان» أدلُّ على العموم من صيغة التذكير .. فهو يتناول الذكور والإناث، ومع هذا فقد علم بالأحاديث الصحيحة أن هذا العموم لم يتناول النساء؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهنَّ عن اتباع الجنائز.
الثاني: لو كان النساء داخلات في الخطاب لاستحبَّ لهنَّ زيارة القبور كالرجال، ولم يعلم أن أحدًا من الأئمة استحَبَّ لهن زيارة القبور، ولا كان النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين يخرجن لزيارة القبور، والذين رخَّصوا في زيارتهن اعتمدوا على ما يروى عن عائشة - رضي
الله عنها - أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن وكان قد مات في غيبتها، وقالت: لو شهدتك ما زرتك. وهذا يدل على أن الزيارة ليست مستحبة للنساء، وأيضًا فإن الصلاة على الجنازة أوكد من زيارة القبور، ومع هذا فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن اتباع الجنائز. وفي ذلك تفويت صلاتهن على الميت؛ فإذا لم يستحب لهن اتباعها مع ما فيه من الصلاة والثواب فكيف بالزيارة؟
الثالث: أنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم عن زوَّارات القبور من طريقين: وذكر حديثي أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما في أول الباب، وذكر أنه ليس في إسنادهما متهم بالكذب، وكلاهما حجة بلا ريب، ورجال الأول منهما ليسوا برجال الآخر. ثم قال: فإن قيل: هذا منسوخ بحديث الإذن السابق. فالجواب ما تقدم من أن النساء لا يدخلن في الإذن؛ وأيضا فقوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله زوارات القبور - أو زائرات القبور» خاصٌّ بهن. وقوله: «فزوروها» بطريق التبع؛ فيدخلن بعموم ضعيف .. إما أن يكون مختصًّا بالرجال، وإما أن يكون متناولًا للنساء، والعامُّ إذا عُرِفَ أنه بعد الخاص لم يكن ناسخًا له عند جمهور العلماء؛ فكيف إذا لم يعلم أن هذا العامَّ بعد الخاص؛ إذ قد يكون قوله: «لعن الله زوارات
القبور». بعد إذنه للرجال في الزيارة، ويدل على ذلك: أنه قرنه بالمتخذين عليها المساجد والسرج، وذكر هذا بصيغة التذكير التي تتناول الرجال، ولعن الزائرات جعله مختصًّا بالنساء، ومعلوم أن اتخاذ المساجد والسرج باق محكم كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، فكذلك الآخر.
ومن العلماء من قال بالكراهة؛ وهو أنهم قالوا: حديث اللعن يدل على التحريم، وحديث الإذن يرفع التحريم، وبقي أصل الكراهة؛ محتجًّا بقول أم عطية: نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا، وأن الزيارة من جنس الاتباع؛ فيكون كلاهما مكروهًا غير محرم. ومنهم من قال: اللعن قد جاء بلفظ الزوَّارات؛ وهن المكثرات للزيارة؛ فالمرة الواحدة في الدهر لا تتناول ذلك، ولا تكون المرأة زوارة.
ورد القائلون بالتحريم: أن لفظ الزوارات قد يكون لتعددهن؛ كما يقال: فتحت الأبواب. ومعلوم أن لكل باب فتحًا واحدًا، قالوا: ولأنه لا ضابط في ذلك بين ما يحرم وما لا يحرم واللعن صريح في التحريم، ومن هؤلاء من يقول: التشييع كذلك، ويحتج بما روي في التشييع من التغليظ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:«ارجعن مأزورات غير مأجورات فإنكن تفتن الحي وتؤذين الميت» . وقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها:
«أما إنك لو بلغت معهم الكدى لم تدخلي الجنة حتى يكون كذا وكذا» . وهذان يؤيدهما ما ثبت في الصحيحين من أنه صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن اتباع الجنائز.
وأما قول أم عطية: ولم يعزم علينا. فقد يكون مرادها: لم يؤكد النهي، وهذا لا ينفي التحريم، وقد تكون هي ظنت أنه ليس بنهي تحريم، والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا في ظن غيره، وأيضا فقد علَّل النبي صلى الله عليه وسلم الإذن للرجال بأنه يذكر الموت، ومعلوم أن المرأة إذا فتح لها هذا الباب أخرجها إلى الجزع والندب والنباحة؛ لما فيها من الضعف وكثرة الجزع وقلة الصبر، كما هو المعروف عن أكثر النساء، وأيضًا فإن ذلك سبب لتأذي الميت ببكائها، وسبب لافتتان الرجال بصوتها وصورتها، كما جاء في الحديث الآخر:«فإنَّكنَّ تفتنَّ الحيَّ وتؤذينَ الميت» .
وإذا كانت زيارة النساء مظنَّةً وسببًا للأمور المحرمة في حقهن وحق الرجال، والحكمة هنا غير مضبوطة - فإنه لا يمكن أن يُحَدَّ المقدار الذي لا يفضي إلى ذلك، ولا التمييز بين نوع ونوع.
ومن أصول الشريعة: أن الحكمة إذا كانت خفية أو غير منتشرة علق الحكم بمظنتها؛ فيحرم هذا الباب سدًّا للذريعة كما حرم النظر إلى الزينة الباطنة؛ لما في ذلك من الفتنة، وكما