المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: الله وحده الخالق المتصرف العالم بمكنونات الأنفس - سورة القصص دراسة تحليلية - جـ ٢

[محمد مطني]

فهرس الكتاب

- ‌المطلب الثاني: مشاهد من يوم القيامة وتوبيخ المشركين على مزاعمهم

- ‌المطلب الثالث: الله وحده الخالق المتصرف العالم بمكنونات الأنفس

- ‌المطلب الرابع: دلائل قدرة الله عز وجل في سورة القصص وتأكيد توبيخ المشركين على مزاعمهم

- ‌المبحث الثالث: التوجيهات الإلهية للرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) من خلال سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: وعد الله الرسول بالنصر ورحمة الله على مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) بإرساله بالقرآن

- ‌المطلب الثاني: عدم جواز مظاهرة الكافرين

- ‌المطلب الثالث: الدعوة إلى وحدانية الله وعدم الإشراك به شيئاً

- ‌المطلب الرابع: شخصية الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) من خلال سورة القصص

- ‌المطلب الخامس: المناسبة بين رسالة الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) ورسالة سيدنا موسى (عليه السلام) كما جاءت في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌الفصل الثامن: دراسة مقارنة بين هيمنة فرعون وأمريكا وسقوط دولتها وانتصار الإسلام من خلال سُوْرَة الْقَصَصِ في دلالاتها السياسية الحديثة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: دراسة مقارنة بين دولة فرعون ودولة أمريكا

- ‌المطلب الأول: هيمنة فرعون وأمريكا في الملك والقوة والمال والأعلام وفقاً لما جاء في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثاني: أسباب زوال الطغاة قديماً وحديثاً في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: أموال قارون واقتصاد العولمة وتفككه في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الرابع: الاستعداد لمواجهة الطغيان الأميركي من خلال سورة القصص

- ‌المبحث الثاني: السنن الإلهية في زوال الأمم وسقوط الحضارات في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: الزوال ـ نهاية أميركا مقارنة بفرعون وهامان وقارون في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثاني: مصير الكفرة في العصر الحديث مقارنة بسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: مبشرات انتصار الإسلام

- ‌المطلب الرابع: القواعد الكلية للمجتمعات الإنسانية في سُوْرَة الْقَصَصِ

الفصل: ‌المطلب الثالث: الله وحده الخالق المتصرف العالم بمكنونات الأنفس

أن تكون التوبة خوفاً وحياءً من الله.

أن يكثر الاستغفار.

إعادة حقوق الناس إذا كان الأمر يتعلق بهم، لأن الله تعالى لا يتخلى عن حقوق الآخرين ((1)) .

قال تعالى: {إِلَاّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} ((2)) . وقال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ((3)) .

‌المطلب الثالث: الله وحده الخالق المتصرف العالم بمكنونات الأنفس

{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الآولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ((4)) .

المناسبة

بعد أن بين جل وعلا فيما مضى من الآيات كيف تسقط في يوم القيامة من بين أيدي المشركين الكفرة أعذارهم، ويتخلى عنهم من اعتقدوا في الدنيا أنهم ينصرونهم من دون الله، فأظلمت في وجوههم الأمور وعميت عليهم الأنباء، ثم ينتزع الله تعالى من الكفرة من تاب من كفره وآمن بالله ورسله وعمل بالتقوى، فيرتجي رحمه الله وتوبته له ونعيمه المقيم في جناته، ثم يأتي قوله تعالى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ليخبر بها أنه يختار من بين عباده رسلاً وأنبياء، وليس لأحد من خلقه مثل ذلك ((5)) .

(1) ينظر التوابين. ابن قدامة المقدسي. الطبعة الأولى. بيروت، لبنان. 1988 م: ص 320.

(2)

سُوْرَة البَقَرَةِ: الآية 160.

(3)

سُوْرَة البَقَرَةِ: الآية 222.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيات 68 -70.

(5)

ينظر المحرر الوجيز: 12 / 181.

ص: 19

وقال ابن عاشور: " وظاهر عطفه على ما قبله أن معناه آيل إلى التفويض إلى حكمة الله تعالى في خلق قلوب متفتحة للاهتداء ولو بمراحل وقلوب غير متفتحة له، فهي قاسية صماء وأنه الذي اختار فريقاً على فريق "((1)) .

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} :

اختلف المفسرون في سبب نزولها على قولين:

أولاً. أنه عني بذلك قوماً من المشركين جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا: هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا، فنزل ذلك فيهم قاله ابن شجرة ((2)) .

ثانياً. وقال جماعة من المفسرين: إنها نزلت جواباً للمشركين حين قالوا: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} ((3)) يعني الوليد بن المغيرة من أهل مكة، وعروة بن مسعود الثقفي من أهل الطائف ((4)) .

تحليل الألفاظ

1.

{يَخْلُقُ} :

الخالق هو الله تعالى، والخلق في كلام العرب: ابتداع الشيء على مثال لم تسبق إليه، وكل شيء خلقه الله فهو مبتدئه على غير مثال سبق إليه. وقال أبو بكر الأنباري: الخلق في كلام العرب على وجهين أحدهما: الإنشاء على مثال أبدعه والآخر التقدير.

وقال ابن سيده: خلق الله الشيء يخلقه خلقاً أحدثه بعد أن لم يكن ((5)) .

وقال الراغب: " الخلق أصله التقدير المستقيم ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا اقتداء "((6)) .

2.

{الْخِيَرَةُ} :

(1) التحرير والتنوير: 20 /164.

(2)

النُّكَت والعُيون: 3 /236.

(3)

سُوْرَة الزُّخْرُفِ: الآية 31.

(4)

ينظر المحرر الوجيز: 12 /181. لُبَاب التَأَوْيِل: 3 /439.

(5)

ينظر لِسَان العَرَب: مَادة (خلق) 10 /75.

(6)

معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 158.

ص: 20

قال الراغب: " الخبر الفاصل المختص بالخير يقال: ناقة خِيَار وجمل خِيَار واسْتَخَار الله العبد فَخَارَ له، أي: طلب منه الخير فأولاه، وخَابَرت فلاناً كذا فَخِرتَه. والخِيَرَة الحالة التي تحصل للمتَخَيّر والمُخْتَار نحو القِعْدة والجِلْسَة لحال القاعد والجالس "((1)) .

3.

{تُكِنُّ} :

" كنت الكِنّ والكِنَّة والكِنَان: وقاء كل شيء وستره. والكِنّ البيت أيضاً والجمع أَكْنَان، وأَكِنَّه وكَنَّ الشيء يَكُنَّه كَنَّا وكُنُوناً وأَكَنَّه وكَنَّنَه ستره "((2)) .

قال الراغب: " الكِنُّ ما يحفظ فيه الشيء يقال: كَنْنَت الشيء كِنًّا جعلته في كِنٍّ، وخصّ كَنْنت بما يُستر ببيت أو ثوب وغير ذلك من الأجسام. وأَكْنَنْت بما يستر في النفس قال تعالى: {أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ} ((3)) "((4)) .

القراءات القرآنية

1.

{وَيَخْتَارُ} :

قال القرطبي: " الوقف التام على (ويختار) ((5)) . وقال علي بن سليمان: هذا الوقف التام "((6)) .

2.

{تُكِنُّ} :

وقرأ ابن محيصن بفتح التاء وضم الكاف (تكن)((7)) .

3.

{تُرْجَعُونَ} :

قرأ يعقوب بفتح التاء وإسكان الراء وكسر الجيم (تَرْجِعون)((8))

القضايا البلاغية

(1) معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 165.

(2)

لِسَان العَرَب: مَادة (كنن) 13/ 360.

(3)

سُوْرَة البَقَرَةِ: الآية 235.

(4)

معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 459.

(5)

الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 5021.

(6)

صفوة التفاسير: 2/ 443.

(7)

البَحْر المُحِيْط: 7/130.

(8)

إتحاف فضلاء البشر: ص 343.

ص: 21

أولاً. الإدماج ((1)) في قوله تعالى: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الآولَى وَالآخِرَةِ} فإن هذه الآية أدمجت فيها المبالغة في المطابقة لأن انفراده سبحانه بالحمد في الآخر، وهي الوقت الذي لا يحمد فيه سواه مبالغة في وصف ذاته بالانفراد والحمد، وهذه وإن خرج الكلام مخرج المبالغة في الظاهر فالأمر فيها حقيقة في الباطن لأن أولى بالحمد في الدارين ورب الحمد والشكر والثناء الحسن في المحلين حقيقة وغيره من جميع خلقه إنما يحمد في الدنيا مجازاً وحقيقة حمده راجعه إلى ولي الحمد سبحانه (2) .

ثانياً. الطباق بين (تكن ـ ويعلنون) ، وبين (الأولى ـ والآخرة) وهو من المحسنات البديعة ((3)) .

المعنى العام للآيات

{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}

قال ابن عاشور المعنى: إن الله يخلق من يشاء من خلقه من البشر وغيرهم، ويختار من بين مخلوقاته لما يشاء مما يصلح له جنس ما منه الاختيار، ومن ذلك اختياره للرسالة من يشاء إرساله، وليس يرسل من اختاروه هم " ((4)) .

وقيل: هو جواب لليهود إذ قالوا: لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل لآمنا به. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يخلق ما يشاء من خلقه ويختار من يشاء لنبوته.

وقال النقاش: يخلق ما يشاء من خلقه يعني محمد (صلى الله عليه وسلم) ويختار الأنصار لدينه ((5)) .

(1) الإدماج: هو أن يتضمن الكلام معنيين: معنى مصرح به، ومعنى مشار إليه، ينظر الصناعتين: ص 423.

(2)

ينظر التحرير والتنوير: 20 /168. إعراب القرآن وبيانه وصرفه: 5 /366.

(3)

ينظر المصدران أنفسهما.

(4)

التحرير والتنوير: 20/ 164.

(5)

الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 5021.

ص: 22

وقال ابن عطية: " ويحتمل أن يريد؛ ويختار الله تعالى الأديان والشرائع وليس لهم الخيرة في أن يميلوا إلى الأصنام في العبادة. ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} "((1)) .

قال الزمخشري: " والمعنى الخيرة لله تعالى في أفعاله، وهو أعلم بوجود الحكمة فيها ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه. وقيل: يختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح وهو أعلم بصالحهم من أنفسهم "((2)) .

{سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}

قال الزمخشري: " أي: الله برئ من إشراكهم وما يحملهم عليه من الجرأة على الله واختيارهم عليه ما لا يختار "((3)) .

{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}

أي " ما يكنون ويخفون في صدورهم من الاعتقادات الباطلة، ومن عداوتهم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونحو ذلك {وَمَا يُعْلِنُونَ} ، وما يظهرونه من الأفعال الشنيعة والطعن فيه (صلى الله عليه وسلم) وغير ذلك، ولعله للمبالغة في خباء باطنهم لأن ما فيه مبدأ لما يكون في الظاهر من القبائح لم يقل ما يكنون كما قيل ما يعلنون "((4)) .

وذكر الرازي أن الثواب غير واجب عليه، بل هو سبحانه يعطيه فضلاً وإحساناً، فله الحمد في الآولى والآخرة، ويؤكد ذلك قول أهل الجنة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} ((5)) .

أما المعتزلة فعندهم الثواب مستحق، فلا يستحق الحمد بفعله من أهل الجنة، وأما أهل النار فما أنعم عليهم حتى يستحق الحمد منهم.

(1) المحرر الوجيز: 12 /181.

(2)

الكَشَّاف: 3 /188 –189.

(3)

المصدر نفسه: 3 /189.

(4)

روح المعاني: 20 /106.

(5)

سُوْرَة فَاطِرِ: الآية 34.

ص: 23

وقيل: إنه يستحق الحمد والشكر من أهل النار. وأيضاً بما فعله بهم في الدنيا من التمكين والتيسير والألطاف وسائر النعم لأنهم بإساءتهم لا يخرج ما أنعم الله عليهم من أن يوجب الشكر.

وقال الرازي: وهذا فيه نظر لأن أهل الآخرة مضطرون إلى معرفة الحق فإذا علموا بالضرورة أن التوبة عن القبائح يجب على الله قبولها، وعلموا بالضرورة أن الاشتغال بالشكر الواجب عليهم يوجب على الله الثواب وهم قادرون على ذلك وعالمون بأن ذلك مما يخلصهم عن العذاب ويدخلهم في استحقاق الثواب، أفترى أن الإنسان مع العلم بذلك والقدرة عليه يترك هذه التوبة؟ كلا بل لا بد أن يتوبوا، وأن يشتغلوا بالشكر ومتى فعلوا ذلك بطل العقاب ((1)) .

{وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}

قال ابن عاشور: " له القضاء، وهو تعيين نفع أو ضر للغير وحذف المتعلق بالحكم لدلالة قوله تعالى: {فِي الآولَى وَالآخِرَةِ} عليه أي: له الحكم في الدارين. والاختصاص مستعمل في حقيقته ومجازه، لأن الحكم في الدنيا يثبت لغير الله على المجاز، وأما الحكم في الآخرة فمقصور على الله، وفي هذا إبطال لتصرف آلهة المشركين فيما يزعمونه من تصرفاتها، وإبطال لشفاعتها التي يزعمونها "((2)) .

{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قال الرازي: " إلى محل حكمه وقضائه ترجعون "((3)) .

ما يستفاد من النصّ

(1) ينظر مفاتيح الغيب: 13 /12.

(2)

التحرير والتنوير: 20 /168.

(3)

مفاتيح الغيب: 13/12.

ص: 24

أولاً. دلت الآيات على الاختيار الدال على ربوبيته تعالى ووحدانيته وكمال حكمته وعلمه وقدرته، فلا أحد يشاركه في اختياره، ولا فيما يفضله جل وعلا، فخلق الخلق، وجعل الأفضلية من بين خلقه للإنسان على كثير ممن خلق تفضيلاً قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} ((1)) . ويهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء ذكوراً، قال تعالى:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير ٌ} ((2)) .

(1) سُوْرَة الإِسْرَاءِ: الآية 70.

(2)

سُوْرَة الشُّورَى: الآيتان 49 – 50.

ص: 25

واختار من بين عبادة رسلاً وأنبياء، واختار منهم سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) لختم الرسل والأنبياء وجعل رسالته خاتمة الرسالات وفضله على جميع الأنبياء والرسل قال تعالى:{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} ((1)) . واختار من بين الأيام يوم النحر كأفضل يوم عند الله، واختار من بين الشهور شهر رمضان، واختار من أفضل الليالي ليلة القدر، واختار يوم الجمعة كأفضل يوم من أيام الأسبوع، واختار البلد الحرام من بين الأمكنة ليكون مكاناً لبيته الحرام، واختار السموات السبع، واختار العليا منها فجعلها مستقراً للمقربين من ملائكته وأسكنها من يشاء من خلقه، فلا أحد له حق الاعتراض على ما فضل، وليس من واجبه معرفة السر في التفضيل والاختيار ((2)) .

(1) سُوْرَة الإِسْرَاءِ: الآية 55.

(2)

ينظر محاسن التأويل: 13/ 4722.

ص: 26

ثانياً. أشارت الآية إلى سنة (الاستخارة) التي علمها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه الكرام، قال بعض العلماء: لا ينبغي لأحد أن يقدم على أمر من أمور الدنيا حتى يسأل الله الخيرة في ذلك، بأن يصلي ركعتين صلاة الاستخارة يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ((1)) ، وفي الركعة الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ((2)) ، واختار بعض المشايخ أن يقرا في الركعة الأولى {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} ((3)) ، وفي الركعة الثانية {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ((4)) ، وكلٌ حسن، ثم يدعو بهذا الدعاء بعد السلام.

وهو ما أخرجه البخاري، والترمذي، والبيهقي من حديث جابر (رضي الله عنه)((5)) .

(1) سُوْرَة الكافرون: الآية 1.

(2)

سُوْرَة الإخلاص: الآية 1.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 68.

(4)

سُوْرَة الأَحْزَابِ: الآية 36.

(5)

صَحِيْح البُخَارِي: باب ما جاء في التطوع 1 /391 رقم (1109) . سنن الترمذي: 2 /345. السنن الكبرى (البيهقي) : 3/ 52.

ص: 27

قال: ((كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، يقول: إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أعْلَمُ، وأنْتَ عَلَاّمُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لي فِي دِيني وَمَعاشِي وَعاقِبَةِ أمْرِي، أو قال: عاجلِ أمْرِي وآجِلِهِ، فاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لي، ثُم بارِكْ لي فِيهِ، وَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي وَمعاشِي وَعاقِبَةِ أمْرِي، أو قال: عاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ، فاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، قال: ويُسمِّي حاجَتَهُ)) .

وعن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((مِنْ سَعَادَةِ ابنِ آدَمَ اسْتِخَارَته الله، وَمِنْ شَقَاوَته تَرْكُهُ)) ((1)) .

(1) نوادر الأصول في أحاديث الرَسُوْل. مُحَمَّد بن عَلِيّ بن الحَسَن أبو عَبْد الله الحكيم الترمذي. من علماء القرن الثالث الهجري. تحقيق: د. عَبْد الرَّحْمَن عميرة. دار الجيل. بيروت. ط1. 1992 م.: 2 /107. المسند للشاشي. الهيثم بن كليب الشاشي أبو سعيد. ت 335 هـ. تحقيق: د. محفوظ الرَّحْمَن زين الله. مَكْتَبَة العُلُوْم والحكم. المدينة المنورة. ط1. 1410 هـ.: 1 /224. مجمع الزوائد: 2 /279. وقال الحافظ الهيتمي: وفيه محمد بن أبي حميد وقال ابن عدي ضعفه بين على ما يرويه وحديثه مقارب

ص: 28