الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً ـ قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} ((1)) .
ثانياً ـ ويثبت الَقُرْآن الكَرِيم أنه لا ولاية للكافر على المسلم {وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} ((2)) .
ثالثاً ـ كما يثبت الَقُرْآن الكَرِيم أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض
رابعاً ـ وقال (صلى الله عليه وسلم) : ((المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم، أدناهم يد على من سواهم)) ((4)) .
المطلب الثالث: الدعوة إلى وحدانية الله وعدم الإشراك به شيئاً
المناسبة
(1) سُوْرَة الأنْبِيَاءِ: الآية 92.
(2)
سُوْرَة النِّسَاءِ: الآية 141.
(3)
سُوْرَة التَّوْبَةِ: الآية 71.
(4)
سنن ابن ماجه: 2 /895. المستدرك على الصحيحين: 2 /153 ولم يعلق الحاكم عليه. مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه. أحمد بن أَبِي بكر بن إسماعيل الكناني. (762 ـ 840) . تحقيق: مُحَمَّد المنتقى الكشناوي. دار العربية. بيروت. ط2. 1403 هـ.: 3 /134 وقال: إسناده ضعيف لضعف حنش واسمه حسين بن قيس. وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) .
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 87 - 88.
بعد أن ذكَّر الله جَلَّ وَعَلا رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) بنعمه عليه بقوله: {وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} أمره الله بخمسة أشياء:
أولاً ـ {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} .
ثانياً ـ {وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ} .
ثالثاً ـ {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} .
رابعاً ـ {وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} .
قال البقاعي: " ولما كان التواني في النهي عن المنكر إعراضاً عن الأوامر، وإن كان المتواني مجتهداً في العمل قال مؤكداً تنبيهاً على شدة الأمر لكثرة الأعداء وتتابع الإيذاء والاعتداء (ولا يصدنك) ، أي: الكفار بمبالغتهم في الإعراض "((1)) .
أسباب النزول
نقل السيوطي في الدَّرُّ المَنْثُوْرُ عن ابن المنذر عن ابن جريج (رضي الله عنه) قال: لما نزلت {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} ((2)) قالت الملائكة: هلك أهل الأرض، فلما نزلت:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ((3)) قالت الملائكة: هلك كل نفس، فلما نزلت:
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ} ((4)) قالت الملائكة: هلك أهل السماء وأهل الأرض.
(1) نظم الدرر: 5/ 531.
(2)
سُوْرَة الرَّحْمَنِ: الآية 26.
(3)
سُوْرَة آلِ عِمْرَانَ: الآية 18.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 88.
وذكر السيوطي والآلوسي عن ابن عباس رضي الله عنهما {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} قال: لما نزلت قيل: يا رسول الله فما بال الملائكة؟ فنزلت:
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ} فبين في هذه الآية فناء الملائكة والثقلين من الجن والإنس وسائر عالم الله وبريته من الطير والوحش والسباع والأنعام، وكل ذي روح أنه هالك ميت ((1)) .
تحليل الألفاظ
1.
{يَصُدُّنَّكَ} :
الصَّدُّ: الإِعْراضُ والصُّدُوف. صَدَّ عنه يَصِدُّ ويَصُدُّ صَدّاً وصُدُوداً: أَعرض. ورجل صادٌّ من قوم صُدُّادٍ، وامرأَة صادَّةٌ من نِسوة صَوادَّ وصُدادٍ أَيضاً. ويقال: صدّه عن الأَمر يَصُدُّه صَدّاً منعه وصرفه عنه ((2)) .
وقال الراغب الأصفهاني: " الصدود والصد قد يكون انصرافاً عن الشيء وامتناعاً، نحو:{يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} ((3)) ، وقد يكون صرفاً ومنعاً نحو:
{وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ} ((4)) " ((5))
2.
{هَالِكٌ} :
الهَلْكُ: الهلاك. قال أَبو عبيد: يقال الهَلْك والهُلْكُ؛ هَلَكَ يَهْلِكُ هُلْكاً وهَلْكاً وهَلاكاً: مات. وقال أبو بكر: قد يجوز أن يكون ماضي يهلك هلك، كعطب فاستغنى عنه، يهلك وبقيت يهلك دليلاً عليها ((6)) .
وقال الراغب الأصفهاني: " الهلاك على أربعة أوجه:
افتقاد الشيء عنك، وهو عند غيرك موجود كقوله تعالى:{هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} ((7)) .
(1) الدَّرُّ المَنْثُوْرُ: 6 /447. روح المعاني: 20 /131.
(2)
لِسَان العَرَب: مَادة (صدد) 3 /245.
(3)
سُوْرَة النِّسَاءِ: الآية 61.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 87.
(5)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 283.
(6)
لِسَان العَرَب: مَادة (هلك) 10 /503 –504.
(7)
سُوْرَة الحَاقَّة: الآية 29.
وهلاك الشيء باستحالة وفساد كقوله: {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} ((1)) . ويقال: هلك الطعام.
والثالث: الموت كقوله: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} ((2)) .
والرابع: بطلان الشيء من العالم وعدمه رأساً، وذلك المسمى فناء المشار إليه بقوله:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ} ((3)) " ((4)) .
القراءات
1.
{يَصُدُّنَّكَ} :
قرأ يعقوب (يَصُدَّنْكَ) مجزوم النون. وقرئت (يُصِدَّنَّك) من أصده بمعنى صده وهي لغة في كلب ((5)) .
2.
{تُرْجَعُونَ} :
قرأ يعقوب، وعيسى:(تَرْجِعون) بفتح التاء وإسكان الراء وكسر الجيم ((6)) .
القضايا البلاغية
الاستعارة في قال تعالى: {يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ} إلقاء الكتاب وحيه إليه، أطلق عليه اسم الإلقاء على وجه الاستعارة ((7)) .
الاستعارة: {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} الرجوع مستعمل في معنى أخر الكون على وجه الاستعارة، لأن حقيقة الانصراف إلى مكان قد فارقه فاستعمل في مصير الخلق، وهو البعث بعد الموت، شبه برجوع صاحب المنزل إلى منزله ووجه الشبه الاستقرار والخلود ((8)) .
المجاز المرسل في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ} أي: إلا إياه من ذكر بعض الكلام وإرادة الكل، وقد جرت عادة العرب في التعبير بالأشرف عن الجملة ((9)) .
المعنى العام
(1) سُوْرَة البَقَرَةِ: الآية 205.
(2)
سُوْرَة النِّسَاءِ: الآية 176.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 88.
(4)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 542.
(5)
الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6 /5038. البَحْر المُحِيْط: 7/ 137.
(6)
البَحْر المُحِيْط: 7 /137.
(7)
المحرر الوجيز: 12 /197.
(8)
إعراب القرآن وبيانه وصرفه: 5 /369.
(9)
المصدر نفسه: 5 /396.
{وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ}
قال القرطبي: " يعني أقوالهم وكذبهم وأذاهم، ولا تلتفت نحوهم وامض لأمرك وشأنك.
وقال الضحاك: وذلك حين دعوه إلى دين آبائه، أي: لا تلتفت إلى هؤلاء ولا تركن إلى قولهم فيصدونك عن اتباع آيات الله " ((1)) .
{وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ}
قال ابن عاشور: " هذا النهي موجه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) في الظاهر والمقصود به إبطال الشرك وإظهار ضلال أهله إذ يزعمون أنهم معترفون بألوهية الله تعَاَلىَ، وأنهم إنما اتخذوا له شركاء وشفعاء، فبين أن الله لا إله غيره، وأن انفراده بالألوهية في نفس الأمر يقضي بطلان الإشراك في الاعتقاد ولو أضعف إشراك"(2) .
{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}
قال أبو السعود رحمه الله: " هذا وما قبله للتهييج والإلهاب وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم وإظهار أن المنهي عنه في القبح والشريّة بحيث ينهى عنه من لا يمكن صدروه عنه أصلاً "((3)) .
قال الطبري: " لا معبود تصلح له العبادة إلا الله الذي كلّ شيء هالك إلا وجهه "((4)) .
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ}
قال البيضاوي: " فإن ما عداه ممكن هالك في ذاته معدوم "((5)) .
(1) الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6 /5038.
(2)
التحرير والتنوير: 20 /197.
(3)
إرْشَاد العَقل السَّلِيم: 7 /28.
(4)
جامع البيان: 10 /119.
(5)
أَنْوَارُ التَّنْزِيْل: 2 /225.
وقال الشيخ زاده في تفسير قول البيضاوي: " فإن الممكن لما استفاد الوجود من الخارج كان الوجود له كالثوب المستعار بالنسبة إلى الفقر، فكما لا يخرج الفقير باستعارة ذلك الثوب من الغني عن كونه فقيراً في حد ذاته، فكذا الممكنات لا تخرجن عن كونها هالكة عارية عن الوجود في حد نفسها، فظهر بهذا أن كلّ ما سواه من الممكنات هالك في الحال "((1)) .
وهذه الآية من متشابه الَقُرْآن الكَرِيم وهي من الآيات التي وقف عندها المفسرون.
{لَهُ الْحُكْمُ}
أي " القضاء النافذ في خلقه، وقيل: الفصل بين الخلائق في الآخرة دون غيره "((2)) .
{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
" أي تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم "((3)) .
ما يستفاد من النصّ
وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} صحيح أن هذه الآيات في ظاهرها موجه للرسول (صلى الله عليه وسلم) لكنها تشمل كل من يتصدى للدعوة، لأن وظيفة الرسل والأنبياء هي وظيفة الدعاة تبليغ الدعوة وإرشاد الناس إلى طريق الهداية، وعلى هذا فأن المطلوب من الدعاة القيام بواجب تبليغ الدعوة إلى الناس على أحسن ما يكون التبليغ وليس عليهم مسؤولية رفض الناس لدعوتهم كما ليس عليهم إجبارهم. قال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} ((4)) .
(1) حاشية الشيخ زاده: 3 /524.
(2)
مجمع البيان: 7 /270.
(3)
لُبَاب التَأَوْيِل: 3 /444.
(4)
سُوْرَة يُوْنِسَ: الآية 108.
ضرورة الصبر للدعاة، فالصبر من أهم عوامل نجاح الدعاة في مهماتهم لأنهم يواجهون الناس بدعوتهم التي تخالف أهواءهم وانحرافهم وغالباً ما يقابلونها بالرفض والإنكار وإيذاء الدعاة، ولهذا أمر الله رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) بالصبر على عناد وأذى المشركين وتكذيبهم له وإصرارهم على الشرك وطعنهم بالقرآن وبث الشبهات الباطلة في طريق الدعوة، وأمره الله جل وعلا في سورة القصص إلى عدم الالتفات إلى هذه الشبه بقوله تعالى:{وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ} . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في صبره مستجيباً لأمر الله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} ((1)) .
أكد في قوله تعالى: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} على مبدأ الولاء والبراء عند الدعاة والذي سبق أن بينه في قوله تعالى: {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ} . " فالولاء هو الإسلام وأهله، والبراء من الشرك وأهله، وهكذا يكون الولاء والبراء عند الدعاة إلى الله، فولاءهم للإسلام ومعانيه ولمن يؤمن به ويدعو إليه، والبراء من كل شيء يخالف الإسلام قولاً وعملاً واعتقاداً وأشخاصاً يحملون هذه المخالفات "((2)) .
على الدعاة واجب أساسي وهو الدعوة إلى التوحيد الخالص لله جلا وعلا وحده لا شريك له والدعوة إلى تحكيم شرع الله في الأرض. وأن لا تشغله الدنيا بما فيها من زخارف وشهوات وملذات عن هذا الهدف السامي لأن المال والجاه والمنصب يفنى ولا يبقى إلا ما كان خالصاً لله جل وعلا. {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .
(1) سُوْرَة الأَحْقَافِ: الآية 37.
(2)
المستفاد من قصص القرآن: 2 /78.