الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5.
أ. على أهمية النوم لجسم الإنسان بعد ساعات العمل التي استقر فيها جميع أعضاء الجسد والتي تحتاج إلى الراحة لتبدأ نهاراً جديداً.
ب. ونستدل من جعل الليل للسكون على أهمية العتمة والظلام للنائم.
المبحث الثالث: التوجيهات الإلهية للرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) من خلال سُوْرَة الْقَصَصِ
المطلب الأول: وعد الله الرسول بالنصر ورحمة الله على مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) بإرساله بالقرآن
المناسبة
قال تعالى في الآيات التي سبقت هذه الآية: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ((2)) .
فقال البقاعي: " ولما قرر ذكر الآخرة التي هي المرجع وكرره وأثبت الجزاء فيها، وأن العاقبة للمتقين أتبعه ما هو في بيان ذلك كالعلة فقال مستأنفاً مقرراً مؤكداً لما تقرر في أذهانهم في إنكار الآخرة وما يقتضيه حال خروجه (صلى الله عليه وسلم) من مكة المشرفة من استبعاد رده إليها ((3)) .
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 85.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 83 -84.
(3)
نظم الدرر: 5/ 529.
فنلاحظ أن الَقُرْآن جعل البشارة بالآخرة في الآيات التي سبقت هذه الآيات للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، وفي هذه الآية جعلت البشارة لهم في الدنيا بالتمكين في الأرض بعد أن نوهت إلى هذا التمكين في الآيات السابقات، بقوله:{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} فيتبين بذلك الترابط بين الآيات، ودلالة بعضها على بعضها الآخر.
أسباب النزول
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}
ذكر القرطبي عن مقاتل: خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) من الغار ليلاً مهاجراً إلى المدينة في غير الطريق مخافة الطلب، فلما رجع الطريق ونزل الجحفة عرف الطريق إلى مكة فاشتاق إليها، فقال له جرير: إن الله يقول: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ
…
} ، أي: إلى مكة ظاهراً عليها ((1)) .
وفي الخازن: " قال ابن عباس إلى مكة أخرجه البخاري ((2)) عنه "((3)) .
وقال ابن كثير بعد أن أورد رواية ابن أبي حاتم عن الضحاك: " وهذا من كلام الضحاك يقتضي أن هذه الآية مدنية وإن كان جميع السورة مكية "((4)) .
ونقل القرطبي رواية عن ابن عباس بقوله: نزلت هذه الآية بالحجة ((5)) ليست مكية ولا مدنية ((6)) .
والذي أراه أن هذه الآية ما دامت نزلت بالجحفة وهو (صلى الله عليه وسلم) متوجه إلى المدينة، وهو إليها أقرب أن تكون مدنية استناداً إلى القاعدة في المكي والمدني.
(1) الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 5037
(2)
صَحِيْح البُخَارِي: باب إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد: 4/ 1790 رقم (4495) .
(3)
لُبَاب التَأَوْيِل: 3/ 433
(4)
تفسير القرآن العظيم: 3/ 403
(5)
الجحفة ك موضع بين مكة والمدينة وهي ميقات أهل الشام ينظر حاشية الشيخ زاده: 3/ 524.
(6)
الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 5037.
تحليل الألفاظ
1.
{فَرَضَ} :
" فَرَضْت الشيء أفْرِضُه فَرْضَاً وفَرَّضُته للتكثير أوجبته "((1)) .
وقال الراغب الأصفهاني: " الفرض قطع الشيء الصلب والتأثير فيه، كفرض الحديد، وفرض الزند والقوس، والفرض كالإيجاب لكن الإيجاب يقال اعتباراً بوقوعه وثباته، والفرض بقطع الحكم فيه. قال تعالى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} ((2)) ، أي: أوجبنا العمل بها عليك. وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} ((3)) ، أي: أوجب عليك العمل به، ومنه يقال لما ألزم الحاكم من النفقة: فرض "((4))
2.
{لَرَادُّكَ} :
" الرد صرف الشيء ورجعه، والرَّدُّ مصدر رددت الشيء. ورده عن وجهه يرده رداً ومرداً وترداداً: صرفه وهو بناء للتكثير "((5)) .
وقال الراغب الأصفهاني: " الرد صرف الشيء بذاته أو بحالة من أحواله يقال: ردتته فارتد "((6)) .
وقال ابن عاشور: " الرد إرجاع الشيء إلى حاله أو مكانه "((7)) .
3.
{مَعَادٍ} :
المعاد المصير والمرجع. والآخرة معاد الخلق. وقوله تعالى: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ، يعني إلى مكة عدة للنبي (صلى الله عليه وسلم) أن يفتحها له. وقال الفراء:" {إِلَى مَعَادٍ} حين ولدت، والمعاد هنا إلى عادتك حيث ولدت وليس من العود "((8)) .
(1) لِسَان العَرَب: مَادة (فرض) 7/202.
(2)
سُوْرَة النُّوْرِ: الآية 1.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 85.
(4)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 390.
(5)
لِسَان العَرَب: مَادة (كثر) 3/ 172.
(6)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 197.
(7)
التحرير والتنوير: 20 /192.
(8)
لِسَان العَرَب: مَادة (عود) 3/ 317.
وقال الراغب: " العود الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه إما انصرافاً بالذات، أو بالقول والعزيمة. والمعاد يقال للعود وللزمان الذي يعود فيه، وقد يكون للمكان الذي يعود إليه "((1)) .
القراءات القرآنية
{يُلْقَى} :
قرأ حمزة، والكسائي، وورش بالإمالة ((2)) ، وليس للإمالة ها هنا أي دلالة في توجيه المعنى.
القضايا البلاغية
قال الزمخشري: " سر التنكر ((3)) في قوله تعالى {إِلَى مَعَادٍ} قيل: المراد به مكة، ووجهه أن يراد رده إليها يوم الفتح، ووجه تنكيره أنها كانت في ذلك اليوم معاداً له شان، ومرجعاً له اعتداد، لغلبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عليها وقهره لأهلها، ولظهور عز الإسلام وأهله، وذل الشرك وحزبه ((4)) .
وقال ابن عاشور: " والتنكير في (معاد) للتعظيم كما يقتضيه مقام الوعد والبشارة وموقعها بعد قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} ، أي: إلى معاد أي معاد. فتنكير (معاد) أفاد أنه عظيم الشان، وترتبه على الصلة أفاد أنه لا يعطى لغيره مثله، كما أن القرآن لم يفرض على أحد مثله ((5)) .
المعنى العام
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ}
أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل به ((6)) . وقد نقل ابن الجوزي ثلاثة أقوال في معنى قوله تعالى: {فَرَضَ عَلَيْكَ} :
(1) معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 219.
(2)
معجم القراءات القرآنية: 5/ 35.
(3)
التنكر: هو نقيض المعرفة وخلافها، وما دلّ على شيء لا يعينه. الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعُلُوْم حقائق الإعجاز. تَأَلِيْف يحيى بن حمزة بن عَلِيّ العلوي اليمني (669 – 749) هـ. انتشارات طهران. 1385 ش. ق.: 2 /11.
(4)
الكشاف: 3/ 193-194. التحرير والتنوير: 20/ 192.
(5)
التحرير والتنوير: 20/ 192.
(6)
إرْشَاد العَقل السَّلِيم: 7 /28.
أحدهما ـ فرض عليك العمل بالقرآن، قاله عطاء بن أبي رياح، وابن قتيبة.
الثاني ـ أعطاك القرآن، قاله مجاهد.
الثالث ـ أنزل عليك القرآن، قاله مقاتل، والفراء ((1)) .
نقل الماوردي فيها خمسة أوجه:
أحدهما ـ إلى مكة، قاله مجاهد، والضحاك، وابن جبير، والسدي.
الثاني ـ إلى بيت المقدس، قاله نعيم القارئ.
الثالث ـ إلى الموت، قاله ابن عباس، وعكرمة.
الرابع ـ إلى يوم القيامة، قاله الحسن.
الخامس ـ إلى الجنة، قاله أبو سعيد الخدري ((2)) .
وقال الشيخ زاده: إن (معاد) هاهنا بمعنى المصير والمنقلب، لا بمعنى المتبادر منه وهو المكان الذي يكون المرء مدة فيه، ثُمَّ يرجع إليه بعد أن فرق عنه، لأنه (صلى الله عليه وسلم) لم يكن في ذلك المقام مدة حتَّى يعود إليه ((3)) .
والذي أراه هاهنا أن المقصود بالمعاد (مكة المكرمة) لأن سياق الآية، وما ورد في ذلك من الآراء يعضد الرأي القائل بذلك.
{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
قال الرازي: " ووجه تعلقه بما قبله أن الله تعالى لما وعد رسوله (صلى الله عليه وسلم) الرد إلى معاد قال: {قُلْ} للمشركين {رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى} يعني: نفسه وما يستحقه من الثواب في المعاد والاعتزاز بالإعادة إلى مكة {وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} يعنيهم وما يستحقون من العقاب في معادهم ((4)) .
ما يستفاد من النصّ
أولاً. دلت الآية على معجزة من معجزات الَقُرْآن، وهي إخباره عن الغيب باعتبار ما سيكون. وهي البشرى بدخول مكة، وذلك في وقت كان يتم فيه استضعاف المسلمين.
(1) زَاد المَسِيْر: 6 /250.
(2)
النُّكَت والعُيون: 3 /241.
(3)
حاشية الشيخ زاده: 3 /524.
(4)
مفاتيح الغيب: 13 /23.