المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: شخصية الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) من خلال سورة القصص - سورة القصص دراسة تحليلية - جـ ٢

[محمد مطني]

فهرس الكتاب

- ‌المطلب الثاني: مشاهد من يوم القيامة وتوبيخ المشركين على مزاعمهم

- ‌المطلب الثالث: الله وحده الخالق المتصرف العالم بمكنونات الأنفس

- ‌المطلب الرابع: دلائل قدرة الله عز وجل في سورة القصص وتأكيد توبيخ المشركين على مزاعمهم

- ‌المبحث الثالث: التوجيهات الإلهية للرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) من خلال سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: وعد الله الرسول بالنصر ورحمة الله على مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) بإرساله بالقرآن

- ‌المطلب الثاني: عدم جواز مظاهرة الكافرين

- ‌المطلب الثالث: الدعوة إلى وحدانية الله وعدم الإشراك به شيئاً

- ‌المطلب الرابع: شخصية الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) من خلال سورة القصص

- ‌المطلب الخامس: المناسبة بين رسالة الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) ورسالة سيدنا موسى (عليه السلام) كما جاءت في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌الفصل الثامن: دراسة مقارنة بين هيمنة فرعون وأمريكا وسقوط دولتها وانتصار الإسلام من خلال سُوْرَة الْقَصَصِ في دلالاتها السياسية الحديثة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: دراسة مقارنة بين دولة فرعون ودولة أمريكا

- ‌المطلب الأول: هيمنة فرعون وأمريكا في الملك والقوة والمال والأعلام وفقاً لما جاء في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثاني: أسباب زوال الطغاة قديماً وحديثاً في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: أموال قارون واقتصاد العولمة وتفككه في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الرابع: الاستعداد لمواجهة الطغيان الأميركي من خلال سورة القصص

- ‌المبحث الثاني: السنن الإلهية في زوال الأمم وسقوط الحضارات في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: الزوال ـ نهاية أميركا مقارنة بفرعون وهامان وقارون في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثاني: مصير الكفرة في العصر الحديث مقارنة بسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: مبشرات انتصار الإسلام

- ‌المطلب الرابع: القواعد الكلية للمجتمعات الإنسانية في سُوْرَة الْقَصَصِ

الفصل: ‌المطلب الرابع: شخصية الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) من خلال سورة القصص

‌المطلب الرابع: شخصية الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) من خلال سورة القصص

لا بد لنا أن نفهم أن لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) صورة مصورة في سورة القصص كانت ذات دلالات متعددة في مبناها ومعناها من خلال تصويرها الإلهي له (صلى الله عليه وسلم) وللمؤمنين الذين سيقرأون القرآن الكريم وقد كان تحليلنا في هذا المطلب لهذه الصورة منصباً على إدراك التفصيلات القرآنية (الكلية والجزئية) لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) من خلال مواطن ذكره في سورة القصص، ونحن واجدون في سورة القصص إلحاحاً على تأسية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بما جرى لرسل الله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ من قبله وخصوصاً نبي الله موسى (عليه السلام) الذي كانت السورة كلها تقريباً مخصصة له (عليه السلام) . وهذا ما نلاحظه في مثل قوله تعالى:{نَتْلُوا عَلَيْكَ} ، فإن دلالتها الخاصة والعامة كانت على أن إخبار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بما جرى في آيات الكتاب المبين إنما هو لحكمة إلهية وسر رباني.

ص: 59

ثم إن تسلية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جاءت بمعنى متجدد شمولي {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} فتوالي الأفعال (نمن، نجعلهم، نجعلهم) وإسنادها إلى الله سبحانه وتعالى مشعر بأن الخطاب موجه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي كان يوم أنزلت عليه هذه السورة مستضعفاً في الأرض مع أصحابه ـ عليهم الرضا والرضوان ـ فهو جانب يصور لنا جانباً من شخصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سورة القصص، وجانباً آخر هو ما نلاحظه في قوله تعالى:{إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} فهذه الآية هي حديث إخبار عن رد موسى (عليه السلام) إلى أمه ونجد جوانباً من تشبيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بموسى في خروج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة المنورة مهاجراً {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} ((1)) ، وهذا من بديع البلاغة القرآنية في تصوير الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ بأجمل وأكمل الأوصاف.

ونجد وحدة الرسالة في قوله تعالى مخاطباً موسى (والخطاب لمحمد) ـ عليهما الصلاة والسلام ـ وهو قوله عز وجل فيها {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ((2)) ، وهذا يرد على اليهود الذين فرقوا بين الرسل وجعلوا إلههم مختلفاً عن إله العالمين إذ جعلوا أنفسهم شعبه المختار.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 18.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 30.

ص: 60

ونرى تشابهاً في شخصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سورة القصص بينه وبين موسى عليه السلام في كونها رميا جميعاً بالسحر {قَالُوا مَا هَذَا إِلَاّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى} ((1)) ،

{سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} ((2)) وهو عين ما رمت به قريش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .

ونلاحظ أن ما فعله الله عز وجل بفرعون في قوله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} ((3)) هو عين ما جازى الله به كفار قريش يوم بدر إذ ألقاهم في يم الصحراء مع جنودهم، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} ((4)) ، وهذا من عجيب الاتفاق الإلهي والله تعالى يخاطب رسوله (صلى الله عليه وسلم) بلفظ الأمر {فَانظُرْ} للدلالة العامة في لفظ الأمر.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 36.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 48.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 40.

(4)

سُوْرَة آلِ عِمْرَانَ: الآية 123.

ص: 61

وتبدو لنا شخصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سورة القصص واضحة كل الوضوح في قوله تعالى: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} ((1)) ، {وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَن} ((2)) ، لأن ذلك الإخبار الإلهي يدل على صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في كل ما أخبر به عن موسى (عليه السلام) في سورة القصص مما لم يكن موجوداً عنده وقومه ولا يعلمه في زمنه (صلى الله عليه وسلم) إلا اليهود من أهل الكتاب الأول. ويصدق ذلك قوله تعالى:{وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} ((3)) ، أما قوله تعالى:{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ((4)) ، فهو دال على أن رسالة مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) إنما كانت عامة عالمية بعد أن ينذر قومه الذين لم يأتيهم نذير ولا رسول لعلهم يتذكرون، فقال الله عز وجل في إرساله رسوله مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) كما أرسل موسى يوم الطور الذي لم يكن رسول الله

(صلى الله عليه وسلم) بالطبع موجوداً يومه.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 44.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 45.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 44.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 46.

ص: 62

ثم ذكر الله عز وجل جانباً من منته على قريش قوم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقوله عز من قائل: {وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولَا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ((1)) ، وهذه الآية موضحة لعموم السنة الإلهية وفضل الوجود النبوي في قومه، وأما قوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} ((2)) وهذا من بليغ كفر قريش، ثم بين الله أن مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) جاء بالحق من عنده جل جلاله، وواسى الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله:{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ} ((3)) ، وفي هذا الخطاب الرقيق الحكيم كل الدلالة على صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في دعوته وفي رغبته بإيمان عامة قومه وعامة العالم لقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ} ((4)) ، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} ((5)) .

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 47.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 48.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 50.

(4)

سُوْرَة سَبَأ: الآية 28.

(5)

سُوْرَة الأنْبِيَاءِ: الآية 107.

ص: 63

وتتضح بعض جوانب شخصيته رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} ((1)) ، وفي ذلك بيان كافٍ شافٍ في أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يتمنى هداية بعض من يحبهم فبين الله عز وجل له أن الهداية بيده وحدة تعالى. ونجد كذلك شخصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في إخباره تعالى له بكلام قومه من كفار قريش له في قولهم:{إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} ((2)) وهذا من استهزائهم برسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي لا ريب أنه كان يؤذيه لإصرارهم من خلاله على كفرهم وينسب الله عز وجل نفسه لرسول الله

(صلى الله عليه وسلم) تكريماً فيقول: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ} ((3)) . وهذه إضافة تعظيم وتفخيم تشعر بقدر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومقداره وقد تكررت هذه الإضافة في مواطن أخرى في سورة القصص.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 56.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 57.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 59.

ص: 64

ونرى كذلك أن قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} (1) يتضمن خطاب إلهي مبين لحال الكفار في سرهم ونجواهم وفي ظاهرهم وباطنهم وفي أذاهم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمامه ومن ورائه أما الأوامر الإلهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ} ((2)) فهي تنبيه على لسان الرسول (صلى الله عليه وسلم) للكافرين بأنهم إنما ينعمون بفضل الله عز وجل وإخبار الله عز وجل لنبيه مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) بقصة قارون فيه أسرار وحكم إلهية منها:

إن حال أغنياء الكافرين من قريش كحال قارون.

إن المال سلطة زائلة وليس قوة دائمة.

إن قلة الصحابة الفقراء رضوان الله عليهم فيهم البركة.

إن الاغترار لا يجر إلا إلى الندم.

سرعة انقلاب الناس عن تولي زمانه.

الصبر على الفقر في الدنيا نجاح وظفر في الآخرة.

وأسرار أخرى تتضح بقراءة الآيات الخاصة بقارون مما كان فيه مفهوم النص الموجه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) .

ونلاحظ كذلك أن الله عز وجل بشر رسوله (صلى الله عليه وسلم) في وقت ضعفه بقوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ((3)) ، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أمن وأمان في الدنيا وفي الآخرة، أما قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ((4)) ، فهو قول فيه جماع شخصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستنبط منه:

عظمة شخصية المصطفى (صلى الله عليه وسلم) .

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 69.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 71.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 83.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 85.

ص: 65