المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: أموال قارون واقتصاد العولمة وتفككه في سورة القصص - سورة القصص دراسة تحليلية - جـ ٢

[محمد مطني]

فهرس الكتاب

- ‌المطلب الثاني: مشاهد من يوم القيامة وتوبيخ المشركين على مزاعمهم

- ‌المطلب الثالث: الله وحده الخالق المتصرف العالم بمكنونات الأنفس

- ‌المطلب الرابع: دلائل قدرة الله عز وجل في سورة القصص وتأكيد توبيخ المشركين على مزاعمهم

- ‌المبحث الثالث: التوجيهات الإلهية للرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) من خلال سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: وعد الله الرسول بالنصر ورحمة الله على مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) بإرساله بالقرآن

- ‌المطلب الثاني: عدم جواز مظاهرة الكافرين

- ‌المطلب الثالث: الدعوة إلى وحدانية الله وعدم الإشراك به شيئاً

- ‌المطلب الرابع: شخصية الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) من خلال سورة القصص

- ‌المطلب الخامس: المناسبة بين رسالة الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) ورسالة سيدنا موسى (عليه السلام) كما جاءت في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌الفصل الثامن: دراسة مقارنة بين هيمنة فرعون وأمريكا وسقوط دولتها وانتصار الإسلام من خلال سُوْرَة الْقَصَصِ في دلالاتها السياسية الحديثة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: دراسة مقارنة بين دولة فرعون ودولة أمريكا

- ‌المطلب الأول: هيمنة فرعون وأمريكا في الملك والقوة والمال والأعلام وفقاً لما جاء في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثاني: أسباب زوال الطغاة قديماً وحديثاً في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: أموال قارون واقتصاد العولمة وتفككه في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الرابع: الاستعداد لمواجهة الطغيان الأميركي من خلال سورة القصص

- ‌المبحث الثاني: السنن الإلهية في زوال الأمم وسقوط الحضارات في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: الزوال ـ نهاية أميركا مقارنة بفرعون وهامان وقارون في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثاني: مصير الكفرة في العصر الحديث مقارنة بسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: مبشرات انتصار الإسلام

- ‌المطلب الرابع: القواعد الكلية للمجتمعات الإنسانية في سُوْرَة الْقَصَصِ

الفصل: ‌المطلب الثالث: أموال قارون واقتصاد العولمة وتفككه في سورة القصص

‌المطلب الثالث: أموال قارون واقتصاد العولمة وتفككه في سُوْرَة الْقَصَصِ

من الواضح مما تقدم أن الولايات المتحدة الأميركية في اعتمادها على الرأسمالية التي طورتها في عقد التسعينات باسم العولمة التي تعني: " تحرير التجارة العالمية، وفتح الحدود، وإلغاء الضرائب والقيود على المعاملات المالية، ونقل قيم الاقتصاد الرأسمالي إلى كل الدول والأنظمة والحكومات على اختلاف مشاربها "((1)) .

حاولت أميركا ولا زالت تحاول من خلال آلياتها العسكرية أن تفرض نظم استهلاكها الاقتصادي، ونظم معاملاتها التجارية، ونظم مصارفها الربوية على العالم كله، اغترارً بما هي عليه من قوة وعلم وجمع مال، ووجود مؤسسات المال الدولية في الأرض الأميركية، حتَّى صار كثير من جهلة الناس يعتقدون أن أميركا هي (أرض الأحلام) ، ويتمنون السكنى فيها والتجنس بجنسيتها، وهو عين ما تتمناه أميركا، وإن تمنعت قليلاً على استحياء.

إن مقومات اقتصاد العولمة:

رأس المال المشترك.

التقانة العلمية.

الاتصالات المفتوحة.

ثورة المعلومات.

يمكن رؤيته على أنه (الوحش الكاسر) الذي يهدد عالمنا كما وصفه بعض مناهضي العولمة.

والعولمة: " وهو في الأصل مبدأ اقتصادي يهدد لإشاعة فاحشة الربا في الناس كافة "((2)) ، وجه من أوجه الطغيان الأميركي، ونحن علينا أن نجد في القراءة المعاصرة لسورة القصص ما يدلّ على ذم العولمة فيها، ومن ذلك:

تقسيم العالم إلى أول وثان وثالث: {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} ((3))

السيطرة على سياسات الدول وقراراتها من خلال قروض صندوق النقد الدولي: {يَسْتَضْعِفُ طائفة مِنْهُمْ} ((4)) .

(1) نذر العولمة: 27 -28. وينظر القصص الَقُرْآنيّ: 3 /44.

(2)

نذر العولمة: 27 -28.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 4.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 4.

ص: 92

أخذ أموال الناس بالباطل طمعاً: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ من قَوْمِ موسى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} ((1)) .

وذلك أولى بالتالي لأن تتضح صورة هذه العولمة الأميركية في مثل دلالة قوله عز وجل وهو أصدق القائلين: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ في الأَرْضِ بِغير الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} ((2)) .

فأميركا من خلال قوتها العسكرية وهيمنتها الإعلامية، واقتصادها المعولم المحرر التي تريد فرضه مع قيمتها (الأخلاقية) على العالم، واستكبرت هي وجنودها (بقواعدهم) في الأرض، وهي تظن أنها لن ترجع إلى الله عز وجل، بدليل أنها لا ترقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، فعل من لا يخاف الله عز وجل.

وقد حاول بعض الناس في العصر الحديث تبرير دخولهم إلى منظمة التجارة العالمية (بوابة العولمة الأميركية) بدعوى أنهم لا يملكون مالاً ولا تجارة ولا ثروات طبيعية، وأنهم محتاجون للعولمة. ومن قبل يبين الله عز وجل حجة أمثال هؤلاء في قوله تعالى في سورة القصص:{وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ من أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا من لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ((3)) .

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 76.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 39.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 57.

ص: 93

واقتصاد العولمة المحرر ادعى إلى بطر في المعيشة بفعل الرخاء الغربي، حيث يتنعم الغرب وأميركا والشمال، ويتضور المسلمون والأفارقة والجنوب من الجوع، ولقد بطرت أميركا باقتصادها حتَّى صارت تفرض ما غيرته من خلق الله عز وجل بإدراجها مبرراً فرض قبول الأغذية المعدلة وراثياً في مساعداتها للدول النامية. ونحن نجد مثل ذلك في قوله تعالى:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا من قرية بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ من بَعْدِهِمْ إِلَا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} ((1)) ، مع قوله تعالى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} ((2)) ، بمعنى أن ما تقوم به أمريكا في هذا العصر إنما مآله الانتهاء بالاندحار.

وهذه الآية تدل فيما تدل عليه أن الاقتصاد البطر (في عصر اقتصاد العولمة) مصيره الهلاك، وهو عين الدستور القرآني في كون الأمم التي تظلم نفسها بجحود النعم، وكفران الله عز وجل، تنقلب بها الأحوال من حال إلى حال، وقد حدث ذلك في عصرنا للاتحاد السوفيتي السابق سنة 1991 م، وسيكون ـ إن شاء الله العلي العظيم ـ كما تدل عليه قواعد نذر سورة القصص للولايات المتحدة الأميركية.

ونجد في قصة قارون في سورة القصص كيف يتطور الاقتصاد (الكفري) ، (اقتصاد العولمة مثلاً) ، ثُمَّ كيف يذهب هذا الاقتصاد بنظرياته وأهله، (كذلك في عصرنا حدث مثل ذلك للنظرية الماركسية الشيوعية في الاقتصاد التي بدأت في أيام ماركس وأنجلز، وطبقت بعد ثورة 1917 م في روسيا، وأنشأت القوة العظمى الثانية للاتحاد السوفيتي ثُمَّ كان لها أن تتفكك وان تغرق في مهاوي النسيان) .

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 58.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 68.

ص: 94

ففي سورة القصص نجد أن قوله تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ من قَوْمِ موسى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} ((1)) يدلّ على أن اليهود الذين هم (من قوم موسى) كانوا ولا زالوا أهل بغي، ثُمَّ نجد قوله تعالى:{وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} ((2)) ، فنلاحظ أن في عصرنا هذا قد كثرت البنوك الرأسمالية حتَّى صار من الصعب إحصاؤها أو عدها أو ذكر أسمائها، وأن ما فيها من أموال يغطي الأرض مرات ومرات، ونجد أن قوله تعالى:{إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ من الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ في الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ((3)) ، يحمل في طياته كل سمات العولمة الحديثة في وعظ قوم موسى من المؤمنين لقارون، فنجد من سمات العولمة في قصة قارون:

الفرح الاحتفالي المبالغ فيه.

نسيان الآخرة.

جعل الدنيا النصيب كله.

عدم الإحسان.

الفساد في الأرض.

ونجد كذلك في سورة القصص مقومات العولمة العلمية التي هي في عصرنا ثورة المعلومات والاتصالات والتقنيات في جواب قارون لقومه: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} ((4)) .

ونجد رياء العولمة وتبخترها وتكبرها في مثل ما نجده في صفة قارون في سورة القصص في قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ في زِينَتِهِ} ((5)) .

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 76.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 76.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 76- 77.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 78.

(5)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 79.

ص: 95

ونجد إعجاب بعض الجهلة بالعولمة التي لا يدرون مآلها ومآلهم معها من قوله تعالى في السورة نفسها: {قَالَ الذين يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} ((1)) ، وفي عصرنا تكفلت وسائل الإعلام كلها بتحبيب نموذج العولمة للأذهان، فصار الناس يتشدقون: إن العولمة في هذا العصر هي (الحظ العظيم) ، وهذا ما وسوسه الشيطان الرجيم ـ لعنه الله بلعنته ـ في قلوب الناس.

ثم نجد مصير قارون في الخسف هو عين ما يتوقع المنظرون الاقتصاديون للعولمة من مصير (التفكك) في قوله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ من فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ من دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ من المُنْتَصِرِينَ} ((2)) ، ويبين الله عز وجل الحقيقة على لسان الذين اغتروا بقارون بعد أن رأوا أمثاله (وفي عصرنا بعد أن يروا تفكك العولمة)، في قوله عز وجل حاكياً عنهم قولهم:{يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمن يَشَاءُ من عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} ((3)) ، ويقرر القرآن الكريم دلالة حقيقة الاقتصاد العالمي في كل نظرياته بقوله تعالى:{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ من جَاءَ بِالْهُدَى وَمن هُوَ في ضَلَالٍ مُبِينٍ} ((4)) ، بمعنى أن النظريات الاقتصادية في هدايتها وفي ضلالها إنما جاءت بمعناها العام لتدل على الخصوصية الاقتصادية العالمية، لأن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد هداية خاصة، والاقتصاد العالمي المعولم اقتصاد ضلال يهودي ربوي، فبان الفرق بينهما في دلالات الآية.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 79.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 81.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 82.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 85.

ص: 96