الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال العلماء: ينبغي له أن يفرغ قلبه من جميع الخواطر حتى لا يكون حائلا إلى أمر من الأمور. فعند ذلك ما يسبق إلى قلبه يعمل عليه فإن الخير فيه أن شاء الله ((1)) .
المطلب الرابع: دلائل قدرة الله عز وجل في سورة القصص وتأكيد توبيخ المشركين على مزاعمهم
المناسبة
لما بين من قبل استحقاقه للحمد على وجه الإجمال بقوله: {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الآولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، فصل عقيب ذلك ببعض ما يجب أن يحمد عليه ما لا يقدر عليه سواه ((3)) ، فقال لرسوله:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} .
(1) الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6 /5023. الجواهر الحسان: 4 /280.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيات 71 - 75.
(3)
ينظر مفاتيح الغيب: 13 /12.
وقال البقاعي: " ولما قامت على القدرة الشاملة والعلم التام، وأنه الإله وحدوا أو ألحدوا هذه الأعلام على هذا النظام أقام دليلاً على ذلك كله بما اجتمع فيه
من العلم والحكمة وتمام القدرة منبهاً على وجوب حمده مفصلاً لبعض ما يحمد عليه " ((1)) .
وقال ابن عاشور: " بعد أن تم الاستدلال بما سبق من الآيات على انفراده بالإلهية بصفات ذاته إلى الاستدلال على ذلك ببديع مصنوعاته، وفي ضمن هذا الاستدلال إدماج الامتنان على الناس وللتعريض بكفر المشركين جلائل نعمه "((2)) .
فنلاحظ الترابط والتلازم بين الآيات القرآنية، وهو وجه من وجوه الإعجاز القرآني.
تحليل الألفاظ
1.
{سَرْمَدًا} :
قال ابن منظور: السَّرْمَد دوام الزمان من ليل أو نهار. قال الزجاج: السرمد الدائم ((3)) . وقال الزمخشري: " والسرمد الدائم المتصل من السرد وهو المتابعة، ومنه قولهم في الأشهر الحرم:((ثلاثة سرد وواحد فرد)) ((4)) . والميم زائدة ووزنه فعمل ((5)) .
وقال قسم من العلماء أن الميم أصلية ووزنه فعلل، لأن الميم لا تنقاس زيادتها في الوسط والآخر ((6)) .
2.
{تَسْكُنُونَ} :
(1) نظم الدرر: 20 /168.
(2)
التحرير والتنوير: 20 /168.
(3)
لِسَان العَرَب: مَادة (سرمد) 3/200.
(4)
لم اقف عليه في كتب الحديث. وقد رواه المفسرون ينظر الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 3 /45. تفسير القرآن العظيم: 2 /356. وينظر أيضاً شرح النووي على صحيح مسلم: 11 /168. فَتْح البَاري: 2/ 315.
(5)
الكشاف: 3/ 189.
(6)
ينظر إعراب القرآن وبيانه وصرفه: 5 / 367.
السُّكُون ضد الحركة سَكَنَ الشيء يَسْكُن سُكُوناً، إذا ذهبت حركته وأَسْكَنه هو وسَكَّنَه غيره تَسْكِيناً، وكل ما هَدَأ فقد سَكَنَ كالريح والحر والبرد ونحو ذلك. وسَكَن الرجل سَكَت. وقال أبو العباس في قوله تعالى:{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} ((1)) ، قال: إنما الساكن من الناس والبهائم، والبهائم خاصة وقال ابن الأعرابي: معناه وله ما حل في الليل والنهار ((2)) .
وقال الراغب الأصفهاني: " السكون ثبوت الشيء بعد تحرك ويستعمل في الاستيطان نحو سكن فلان مكان كذا، أي: استوطن، واسم المكان مسكن، والجمع مساكن "((3)) .
3.
{وَنَزَعْنَا} :
" نَزَع الشيء يَنْزَعُه نَزْعَاً فهو مَنْزُوع ونَزِيْع وانْتَزَعَه فانْتَزَعَك اقتلعه فاقتلع. وفرّق سيبويه بين نَزَع وانْتَزَع فقال: انْتَزَع اسْتَلَب ونَزَعَ: حوَّل الشيء عن موضعه، وإن على نحو الاستلاب نَزَع الأمير العامل من عمله أزاله "((4)) .
وقال ابن عاشور: " النَّزْع جذب شيء من بين ما هو مختلط به، واستعير هنا لإخراج بعض من جماعة، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} ((5)) "((6)) .
4.
{شَهِيدًا} :
(1) سُوْرَة الأَنْعَامِ: الآية 13.
(2)
ينظر لِسَان العَرَب: مَادة (سكن) 13/ 211.
(3)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 242.
(4)
لِسَان العَرَب: مَادة (نزع) 8/ 349-351.
(5)
سُوْرَة مَرْيَمْ: الآية 69.
(6)
التحرير التنوير: 20/ 172.
الشَّهيد من أسماء الله عز وجل الأمين في شهادته. وقيل: الشهيد الذي لا يغيب عن علمه شيء. وقال ابن ميسره: الشاهد العالم الذي يبين ما علمه، والجمع أشهاد وشهود وشهيد والجمع شهداء والشهادة، خبر قاطع تقول منه: شهد الرجل على كذا، وقال أبو العباس: شهد الشاهد عند الحاكم بيَّن ما يعلمه وأظهره ((1)) .
وقال الراغب: " الشهود والشهادة الحضور مع المشاهدة أما بالبصر وأما بالبصيرة "((2)) .
5.
{بُرْهَانَكُمْ} :
" البرهان بيان للحجة، وهو فعلان مثل الرُّجْحان والثُّنْيان، وقال بعضهم: وهو مصدر بَرَه يَبَرَه إذا أبْيَّض. ورجل أَبَرَه وامرأة بَرْهَاء، وقوم بُرْه. وبَرهَرْهَة شابة بيضاء، والبُّرْهَان أوكد الأدلة، وهو الذي يقتضي الصدق أبداً لا محالة "((3)) .
وقال ابن منظور: " البرهان بيان الحجة واتضاحها "((4)) .
القراءات القرآنية
1.
{أَرَأَيْتُمْ} :
قرئت بثلاث قراءات:
أ. بتسهيل الهمزة بين بين (نافع، وأبو جعفر، والازرق، وورش) .
ب. بإبدالها ألفاً ممدودة (الازرق، وورش) .
ج. بحذفها وليس بحذف قياسي (الكسائي)((5)) .
2.
{بِضِيَاءٍ} :
قرا ابن كثير: (بِضَأء) بهمزتين، وقرأها كذلك قنبل. وروى ابن فليح، والبزي عن ابن كثير بغير همز، وهو الصواب ((6)) .
3.
{جَعَلَ لَكُمْ} :
قرأ بالإدغام الكبير ((7)) .
القضايا البلاغية
(1) لِسَان العَرَب: مَادة (شهد) 3/ 238-239.
(2)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 276.
(3)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 42- 43.
(4)
لِسَان العَرَب: مَادة (بره) 13/ 476.
(5)
الحجة في علل القراءات: 5 /425. الكشاف: 3/ 189. روح المعاني: 20/ 106. معجم القراءات القرآنية: 5/ 33.
(6)
الحجة في علل القراءات: 5/ 425.
(7)
غيث النفع: ص 317. معجم القراءات القرآنية 5/ 33
1.
(المناسبة)((1)) في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الَّيْلَ سَرْمَدًا} إلى قوله تعالى: {أَفَلَا تُبْصِرُونَ} ، فإنه سبحانه وتعالى لما أسند جعل الليل سرمداً إلى يوم القيامة لنفسه، وهو القادر الذي جعل الشيء لا يقدر غيره على مضادته قال:{أَفَلَا تَسْمَعُونَ} ، لمناسبة السماع للطرف المظلم من جهة صلاحية الليل للسماع دون الإبصار لعدم نفوذ البصر في الظلمة. ولما أسند جعل النهار سرمداً إلى يوم القيامة لنفسه كأن لم يخلق فيه ليل ألبتة، قال في فاصلة هذه الآية:{أَفَلَا تُبْصِرُونَ} لمناسبة ما بين النهار والإبصار ((2)) .
(1) المناسبة: مرجعها في الآيات ونحوها إلى معنى رابط بينهما عام أو خاص، عقلي أو حسي أو خيالي أو غير ذلك من أنواع علاقات التلازم الذهني من السبب والمسبب، والعلة والمعلول، وفائدته جعل أجزاء كلام بعضها آخذاً ببعض. معترك الأقران: 1 /57.
(2)
ينظر الكشاف: 3/ 369. إعراب القرآن وبيانه وصرفه: 5/ 369.
2.
(اللف والنشر)((1)) في قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ، قال الزمخشري:" زاوج بين الليل والنهار لأغراض ثلاثة: لتسكنوا في أحدها وهو الليل، ولتبتغوا من فضل الله في الآخر وهو النهار، ولإرادة شكركم، وقد سلكت بهذه الآية طريقة اللف في تكرير التوبيخ باتخاذ الشركاء إيذانا بأن لا شيء أجلب الغضب الله من الإشراك به، كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده "((2)) .
(1) اللف والنشر: هو لف الخبرين المختلفين ثُمَّ رمي تفسيرهما جملة ثقة بأن السامع يرد إلى كلّ خيره، الكامل في اللغة والأدب، المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد النحوي، ت 285 هـ، تحقيق: مُحَمَّد أبو الفضل إبراهيم. الطبعة الرابعة. مَكْتَبَة الخانجي بالقاهرة. 1987 م.: 1 /112.
(2)
ينظر الكشاف: 3/189. التحرير التنوير: 20/ 171.
3.
صحة المقابلات ((1) " فقد جاء الليل والنهار في صدر الكلام وهما ضدان، وجاء السكون والحركة في عجزه وهما ضدان، ومقابلة كل طرف منه بالطرف الآخر على الترتيب، وعبر سبحانه عن الحركة بلفظ الإرداف، فاستلزم الكلام ضرباً من المحاسن زائداً على المقابلة، والذي أوجب العدول عن لفظ الحركة إلى لفظ ابتغاء الفضل كون الحركة تكون لمصلحة ولمفسدة، وابتغاء الفضل حركة للمصلحة دون المفسدة، وهي اشتراك الإعانة بالقوة وحسن الاختيار الدال على رجاحة العقل، وسلامة الحس، ويستلزم إضاءة الطرف الذي تلك الحركة المخصوصة واقفة فيه ليهتدي المتحرك إلى بلوغ المآرب ويتقي أسباب المعاطب. والآية سيقت للاعتداد بالنعم، فوجب العدول عن لفظ الحركة إلى لفظ هو ردفه وتابعه ليتم حسن البيان، فتضمنت هذه الكلمات التي هي بعض آية عدة من المنافع والمصالح التي لو عدد بألفاظها الموضوعة لها لاحتاجت في العبارة عنها إلى ألفاظ كثيرة، فحصل بهذا الكلام بهذا السبب عدة ضروب من المحاسن، ألا تراه سبحانه جعل العلة في وجود الليل والنهار حصول منافع الإنسان حيث قال:(لتسكنوا)
و (لتبتغوا) بلام التعليل، فجمعت هذه الكلمات المقابلة والتعليل الإشارة والإرداف والائتلاف وحسن النسق وحسن البيان لمجيء الكلام فيها متلاحماً آخذة أعناق بعضه ببعض ثم اخبر بالخبر الصادق أن جميع ما عدد من النعم التي هي من لفظي الإشارة والإرداف بعض رحمته حيث قال بحرف التبعيض (ومن رحمته) وكل هذا في بعض آية
(1) صحة المقابلات: هو عبارة عن توخي المتكلم ترتيب الكلام على ما ينبغي، فإذا أتى في صدره بأشياء قابلها في عجزه بأضدادها أو بأغيارها من المخالف أو المواقف على الترتيب بحيث يقابل الأول بالأول والثاني بالثاني ولا يحرم من ذلك شيئاً في المخالف والمواقف ومتى أخل بالترتيب كان الكلام فاسد المقابلة، ينظر نقد الشعر: ص 154. إعراب القرآن وبيانه وصرفه: 5/ 370.
عدتها إحدى عشرة لفظة " ((1)) .
4.
التفسير ((2)) : في قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} " من هنا للسبب، أي: وبسبب رحمته إياكم جعل لكم الليل والنهار، ثُمَّ علل جعل كل واحد منها، فبدأ بعلة الأول وهو (الليل) ، وهو (لتسكنوا فيه) ، ثم بعلة الثاني وهو (ولتبتغوا من فضله) ثم بما يشبه العلة لجعل هذين الشيئين وهو (لعلكم تشكرون) ، أي: هذه الرحمة والنعمة "((3)) .
المعنى العام للآيات
أي (قل) يا محمد لأهل مكة (أرأيتم) اخبروني إن جعل الله عليكم الليل سرمداً بأن يسكن الشمس تحت الأرض إلى يوم القيامة، لا نهار معه، فمن إله غير الله يأتيكم بنور تطلبون فيه المعيشة، ونهار تبصرون فيه، (أفلا تسمعون)، أي: سماع فهم وقبول، فتستدلوا بذلك على وحدانية الله تعالى ((4)) .
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}
قال أبو السعود: " بإسكانها في وسط السماء، أو بتحريكها على مدار فوق الأفق، من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه "((5)) .
(1) ينظر إعراب القرآن وبيانه وصرفه: 5 /370 –371.
(2)
التفسير: هو البيان والكشف والتصريح ضد الإبهام. أنوار الربيع: 6/123.
(3)
البحر المحيط: 7/ 30.
(4)
ينظر الوسيط: 3 /406. لُبَاب التَأَوْيِل: 3 /439. حاشية الصاوي: 3 /225.
(5)
إرْشَاد العَقل السَّلِيم: 7/ 23. وينظر أيضاً زاد المسير: 6/ 238.
قال الزمخشري: " فإن قلت: هلا قيل: بنهار تتصرفون فيه كما قيل: بليل تسكنون فيه؟ قلت: ذكر الضياء ـ وهو ضوء الشمس ـ لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة ليس التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس بتلك المنزلة، ومن ثم قرن بالضياء (أفلا تسمعون) ، لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل (أفلا تبصرون) لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون "((1)) .
قال ابن كثير في معنى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ} بكم {جَعَلَ لَكُمْ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ} ، أي: خلق هذا وهذا ((2)) .
وقال الخازن: " يتعاقبان بالظلمة والضياء و {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} ، أي الليل {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} ، أي: بالنهار "((3)) .
{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} قال البيضاوي: " لكي تعرفوا نعمة الله في ذلك فتشكروه عليها "((4)) .
وقال الخازن: " وقيل: إن من نعمة الله تعالى على الخلق أن جعل الليل والنهار يتعاقبان، لأن المرء في حال الدنيا وفي حال التكليف مدفوع إلى التعب ليحصل ما يحتاج إليه، ولا يتم له ذلك لولا ضوء النهار، ولأجله يحصل الاجتماع، فتمكن المعاملات. ومعلوم أن ذلك لا يتم إلا بالراحة والسكون بالليل، فلا بد منهما "((5)) .
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}
(1) الكشاف: 3/ 189. البحر المحيط: 7/ 130.
(2)
تفسير القرآن العظيم: 3/ 398.
(3)
لُبَاب التَأَوْيِل: 3/ 439.
(4)
أَنْوَارُ التَّنْزِيْل: 2/ 233.
(5)
لُبَاب التَأَوْيِل: 3/ 439. الفُتُوحَات الإِلَهِية: 3/ 759.
" نداء ثان على سبيل التوبيخ والتقريع لمن عبد مع الله إلهاً آخر يناديهم الرب على رؤوس الأشهاد {أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} ، أي: في دار الدنيا "((1)) .
{وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا}
أي: أخرجنا من كلّ أمة رسولها الذي يشهد عليها بالتبليغ ((2)) .
{فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ}
" قال مجاهد: حجتكم بما كنتم تعبدون. وقال مقاتل: حجتكم بأن معي شريكاً "((3)) .
{فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ}
نقل الماوردي في معناها ثلاثة أوجه:
أولاً ـ العدل لله.
ثانياً ـ التوحيد لله، قاله السدي.
ثالثاً ـ الحجة لله، قاله ابن جبير ((4)) .
{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}
" أي: وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع من ألوهية غير الله والشفاعة لهم"(5) .
ما يستفاد من النصّ
دلت الآيات فيما دلت عليه على الإعجاز العلمي في تكوين الليل والنهار:
1.
دلت الآيات على أن الله جعل ليل ونهار {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
فأشارت الآية إلى أن قسم من الناس عليهم ليل يسكنون فيه، والقسم الآخر من الكرة الأرضية المواجه للشمس عليهم نهار يبتغون فيه من فضل الله، وتدور الأرض ويصبح أهل النهار عليهم ليل يسكنون فيه بعد نهار من التعب والعمل، وأهل الليل يكون عليهم نهار للعمل والابتغاء من فضل الله بعد أن أخذوا قسطاً من الراحة استعداداً لليوم التالي، ودل على أن الأرض كروية.
(1) تفسير القرآن العظيم: 3 /398.
(2)
زَاد المَسِيْر: 6 /238.
(3)
النُّكَت والعُيون: 3 /236.
(4)
المصدر نفسه: 3 /236.
(5)
مَدَارِك التَّنْزِيل: 3/ 344.
2.
يفهم من تقديم الليل على النهار في قوله تعالى: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} . وقوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} على أن النهار انما ينسلخ من الليل كما دل على ذلك قوله تعالى {وَآيَةٌ لَّهُمْ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} ((1)) ، ولقد كشف العلم الحديث أن الليل يحيط بالأرض من كل مكان، وأن الجزء الذي تتكون فيه حالة النهار هو الهواء الذي يحيط بالأرض، ويمثل قشرة رقيقة تشبه الجلد وإذا دارت الأرض سلخت حالة النهار الرقيقة التي كانت متكونة بسبب انعكاسات الأشعة القادمة من الشمس على الجزيئات الموجودة في الهواء مما يسبب النهار فيحدث بهذا الدوران سلخ النهار من الله ((2)) .
(1) سُوْرَة (يس) : الآية 37.
(2)
ينظر شبكة الانترنيت موقع (gogele) الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، عبد المجيد الزناداني.
3.
أطلق القرآن الكريم على ما تصدره الشمس من أشعة ضياء قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ} ، وأطلق على ما يصدره القمر نوراً {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا} ((1)) ، فأكثر القواميس لا تفرق بين الضوء والنور، بل يعدهما البعض مرادفين لمعنى واحد، وفي الحقيقة أن هناك فرق كبير بين اللفظيين، فكما معروف أن مصادر الضوء تقسم على نوعين: مصادر مباشرة كالشمس والنجوم، ومصادر غير مباشرة كالقمر والكواكب، فهذه الأخيرة تستمد نورها من الشمس ثم تعكسه علينا، فعلى هذا فأن الأشعة التي تأتي من مصدر ضوئي مباشر تسمى (الضوء) ، والتي تأخذ من مصدر غير مباشر بـ (النور)((2)) .
4.
أشارت الآيات كذلك إلى الفوائد الكثيرة التي لا تحصى لأشعة الشمس، ومنها:
أ. يقول الدكتور (بنتلي) عميد كلية الطب بكلكتا أن الشمس تسبب زيادة سكان الممالك أو نقصها كما تسبب نمو المحصولات أو ضعفها ((3))
ب. وأجمع الأطباء على أن ضوء الشمس يجب أن يتخلل جميع حجرات المنزل حتى تقتل الحيوانات الذرية بل أن الأمر فوق ذلك، فكثير من المدارس في ألمانيا تعرض التلاميذ لأشعة الشمس بين فترة وأخرى لفوائدها الكبيرة لجسم الإنسان ((4)) .
ج. وإن الشمس بها يكون البخار فيصير سحاباً فمطراً فيكون النبات والحيوان.
د. أن أشعة الشمس مصدر مهم للطاقة في العصر الحديث يستخدم للإنارة، وتسيير السيارات من خلال خزن الضوء في ألواح زجاجية بلورية وتوليد الطاقة منها.
(1) سُوْرَة يُوْنِسَ: الآية 5.
(2)
انظر شبكة الانترنيت موقع (gooele) الإعجاز العلمي في القرآن.
(3)
تفسير الجواهر: 13/ 58 - 64.
(4)
المصدر نفسه: 13/ 64.