الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذه النقاط المهمة المستخلصة تحليلياً من مضامين سورة القصص نجد أن لا شيء يعادل الكفرة في كفرهم بالله عز وجل على علم منهم، لذلك كانت آيات سورة القصص تفسر لنا بعض دلالات قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمن يَشَاءُ} ((1)) ، لأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً، وهذا من استدلالاتنا الحديثة في تحليلنا الاستقرائي المعاصر لدلالات سورة القصص الشريفة.
فلا يغترن أحد بما عليه الكفار اليوم من رغد العيش وتسلط على البشر، وتقدم علمي يريد الله أن يبتليهم به. قال تعالى:{وَالذين كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} ((2)) . هذا من جانب، وأن من سنن الله في خلقه أن من عمل وسعى وبذل جهده وطاقته في تحصيل مقصد وصل إليه، فالمسلمون حين يستجمعون أسباب التوفيق والتمكين المادية والمعنوية فإنهم يصلون في القيادة والريادة إلى ما وصل إليه الغرب وأكثر، فالمسلمون يملكون العون من الله والتوقيف لأنهم حملة دينه، وحماة شرعه.
المطلب الثالث: مبشرات انتصار الإسلام
في مفهوم {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}
مع آيات نصر المؤمنين في سورة القصص
في العقيدة الإسلامية الحقة الحقيقية، وهي عقيدة أهل السنة والجماعة من أهل الحق، نجد تقريرات مهمة لآخر الزمان من عمر الدنيا تشمله كلمتان جامعتان (انتصار الإسلام) .
(1) سُوْرَة النِّسَاءِ: الآية 48. و 116.
(2)
سُوْرَة الأَعْرَافِ: الآيتان 182 -183.
وذلك هو الوعد الإلهي الذي تكفل به عز وجل للمؤمنين، وجعله ضمن أشراط الساعة قبل أن تقوم الساعة على شرار الناس، وليس على الأرض من يقول (الله
…
الله) ، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((1)) .
ونحن نجد أن ضمن الدلالات الاستنباطية من مفهوم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ((2)) ، يمكن لنا أن نفهم منه، وكما فهم بعض القدماء من قبل أن معاد (مكة المكرمة) مع أنه (يوم القيامة) ـ كما قال المفسرون القدماء ـ ((3)) فهماً جديداً ذا دلالات جديدة في موضوع (انتصار الإسلام) .
فالمنة الإلهية بفرض القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم اقترنت بلام التوكيد برد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى معاد، يمكن لنا أن نفهمه على أنه انتصار الإسلام مع دلالته الحقيقة على يوم القيامة.
وهذا النص القرآني تعززه شواهد كثيرة في سورة القصص ضمن مبشرات الإسلام بانتصاره، فالدلالة العامة لقوله تعالى:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمن عَلَى الذين اسْتُضْعِفُوا في الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ} ((4)) هي عين الدلالة التي تدل على انتصار الإسلام بعد استضعاف أهله، وإعادة الإمامة العظمى للإسلام ووراثة الإسلام للأرض فينتشر فيها، بعد أن يتمكن المسلمون من الأرض عند زوال قوم الكفر والشرك
(أميركا وإسرائيل ومن تابعهم على حد سواء) .
(1) نص الحديث: ((لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله)) . صحيح مسلم: كتاب الإيمان. كتاب باب ذهاب الإيمان آخر الزمان 1 /131 رقم (148)
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 85.
(3)
ينظر ص: من هذه الرسالة
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 5.
ودلالة قوله تعالى: {وَلَا تَخَافي وَلَا تَحْزَنِي} ((1)) ، يمكن أن تشمل فيما تشمله من دلالات حقيقية أمراً للمسلمين بأن لا يخافوا علو أميركا وإسرائيل، ولا يحزنوا من الهزيمة في معركة إذا ضمنوا من خلال مبشرات سورة القصص ربح الإسلام للحرب كلها.
ودلالات قوله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ((2)) ، يستنبط منها أن قرة عين المسلمين بالانتصار الإسلامي القادم الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة متواترة (في الصحيحين والسنن الأربعة والمسند والموطأ)((3)) ـ سنذكرها لاحقاً ـ سيكون تحقيق للوعد الإلهي الحق، ولكن بعض الناس لا يعلمون ذلك، إما كفراً أو استعجالاً لقدر الله جل جلاله، وهو من الأشياء المنهي عنها.
ونجد في سورة القصص ضمن مبشرات انتصار الإسلام العامة والخاصة المتعلقة بقوله تعالى: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ، قوله تعالى:{عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} ((4)) ، وقد هدي المسلمون بالقرآن الكريم والسنة النبوية إلى سواء السبيل لو انهم تمسكوا بها، فإن تمسكوا بها هدوا إلى ذلك السواء وانتصروا على كل أعداء الإسلام، حتَّى وإن كانوا أشد منهم قوة وجمعاً أو لم يعلموا {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ} ((5)) .
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 7.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 13.
(3)
تقدم تخريجه ص:
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 22.
(5)
سُوْرَة البَقَرَةِ: الآية 165.
ونجد في سورة القصص أن قوله عز وجل: {وَنَجْعَلُ لَكما سُلْطَانًا} ((1)) ، يمكن أن تجعل كل مؤمن ومسلم يتوكل على الله عز وجل ويدعون بدعاء صادق وبدعوتهم لكل أمة مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) بالنصر بدليل دعاء موسى لأخيه هارون عليهما السلام بالغيب.
أما قوله تعالى: {أَنْتُمَا وَمن اتَّبَعَكما الْغَالِبُونَ} ((2)) ، فإنه شامل لكل من آمن بموسى وهارون ـ عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ والمسلمون جميعاً يؤمنون بهما ويتبعونهما وفق قوله تعالى:{لا نُفَرِّقُ بين أَحَدٍ من رُسُلِهِ} ((3)) ، فحقت حقيقة الوعد الإلهية بالغلبة للمتبعين، وهذا من المعاني الدلالية الكامنة.
ونجد في سورة القصص أن قوله تعالى: {وَمن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} ((4)) ، يشمل أمة الإسلام التي جعلت لها في جاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عاقبة الدار، ولا شك أنها اليوم بحاجة ماسة إلى أن تعيد صلتها بعاقبة الدار، لتكون الأمة في انتصارها مع المصطفين الأخيار.
ونجد ضمن مبشرات انتصار الإسلام القادم ـ إن شاء الله العلي العظيم ـ في سورة القصص قوله عز من قائل: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ في الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} ((5)) ، فدلت هذه الآية في بناءها ومعناها أن عاقبة الظالمين تشمل كل ظالم، كافر في كل جيل من الأجيال القديمة والحديثة والقادمة على حد سواء، وهذا وعد من الوعود الإلهية الغنية بانتصار الإسلام.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 35.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 35.
(3)
سُوْرَة البَقَرَةِ: الآية 285.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 37.
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 40.
ولعل ذلك هو المقصود بقوله تعالى ـ وهو عندي أبلغ الأدلة من سورة القصص على انتصار الإسلام ـ إذ يقول جل جلاله: {أَفَمن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ} ((1)) .
ومن بشارات انتصار الإسلام في سورة القصص قوله جل جلاله {فَأَمَّا من تَابَ وَآمن وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ من الْمُفْلِحِينَ} ((2)) ، والفلاح في بعض معانيه النصر والظفر والفوز والغنيمة في الدنيا والآخرة.
ومن مبشرات انتصار الإسلام في سورة القصص قوله عز وجل فيها: {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} ((3)) ، ونحن نعلم أن الحق الذي وعد الله عز وجل به هذه الأمة هو النصر على أعدائها، وإعلاء كلمة الله جل جلاله العليا.
ثم نجد في سورة القصص حقيقة قرآنية هي قوله عز وجل في وصف ديمومة الانتصار الإسلامي في الدنيا والآخرة، ضمن مبشرات سورة القصص، وذلك قوله عز وجل في وصف الآخرة والدنيا باب الآخرة:{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * من جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ منها} ((4)) .
والمسلمون من صفاتهم الجماعية:
إنهم لا يريدون علو في الأرض.
إنهم لا يريدون الفساد.
إن التقوى لهم.
انهم يجيئون بالحسنة.
انهم يعرفون مزية الإحسان بالتقوى والحسنات.
فدلت هذه الصفات بمجموعها على وجود مبشرات كثيرة على الانتصار الإسلام ـ إن شاء الله العلي العظيم بحوله وقوته ـ.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 61.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 67.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 75.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 83 –84.
ونجد بعد ذلك في سورة القصص قوله تعالى: {إِلَا رَحْمَةً من رَبِّكَ} ((1)) ، وديمومة الرحمة في كلّ شيء تدلّ على انتصار الإسلام، وفق هذه المبشرات التي وردت في سورة القصص، والتي يمكن لنا من استخلاص نتائجها أن نقرر استناداً لها أن انتصار الإسلام والمسلمين قريب قادم على ما تقدم بيانه في هذا المطلب والمطالب التي سبقته من مباحث هذا الفصل، فإننا باستبشارنا بنصر الله لهذه الأمة استندنا إلى عدة أسباب جاء قسم منها في سُوْرَة الْقَصَصِ وفي غيرها، وهي:
تحريم اليأس: فلا يجوز للمسلم أن ييأس أبداً، فاليأس قرين الكفر والضلال.
بشارة المؤمنين بنصر الله.
الصراع الدائم بين المسلمين وأعدائهم، دال على قوة المسلمين وخوف الأعداء منهم، لذا كانوا وما زالوا يكيدون للإسلام والمسلمين لما يرونه في الإسلام من مظاهر القوة.
الصحوة التي يشهدها الإسلام اليوم والرجوع الصادق إلى الله تعالى.
التاريخ المجيد للأمة العربية الإسلامية الذي يمد المسلمين بالعبر وما فيه من دروس تجاوزت فيها الأمة المحن.
واقع الحضارة الغربية الآيلة للانهيار، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وأما الرأسمالية التي تمثلها اليوم أمريكا، فإن واقع المجتمع الأمريكي يحمل أسباب دماره وهلاكه، جراء تفشي الأمراض الخطرة في ميادين الحياة كافة. وسنعرض بعض الحقائق المهمة التي ربما كانت غائبة عن عيون المنبهرين بالغرب وبحضارته الزائفة، ففي ذلك يقول كولن ولسن يصف عمران نيويورك وازدهارها المادي بأنه " غطاء جميل لحالة من التعاسة والشقاء "((2)) . فالعاصمة الأمريكية عاصمة الخوف والجريمة، يستيقضون كلّ صباح على جريمة قتل، أو سرقة، أو غير ذلك من الجرائم التي ترتكب ببشاعة. وأن عدد الجرائم قد زادت
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 86.
(2)
الإيمان والحياة. د. يوسف القرضاوي. مؤسسة الرسالة. بيروت. 1394 هـ ـ 1979 م.: ص 86.