الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ مَنْصُوْرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَ يَزِيْدُ بنُ شَجَرَةَ مِمَّا يُذَكِّرُنَا نَبْكِي، وَكَانَ يُصَدِّقُ بُكَاءَهُ بِفِعْلِهِ رضي الله عنه.
38 - ابْنُ عُلَيَّةَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِقْسَمٍ الأَسَدِيُّ *
(ع)
الإِمَامُ، العَلَاّمَةُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو بِشْرٍ الأَسَدِيُّ مَوْلَاهُمْ، البَصْرِيُّ، الكُوْفِيُّ الأَصْلِ، المَشْهُوْرُ: بِابْنِ عُلَيَّةَ؛ وَهِيَ أُمُّهُ.
وُلِدَ: سَنَةَ مَاتَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: أَبُو بِشْرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَهْمِ بنِ مِقْسَمٍ البَصْرِيُّ مَوْلَى بَنِي أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ، وَأُمُّهُ عُلَيَّةُ مَوْلَاةٌ لِبَنِي أَسَدٍ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ التَّيْمِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ أَيُّوْبَ بنَ أَبِي تَمِيْمَةَ، وَيُوْنُسَ بنَ عُبَيْدٍ.
قُلْتُ: وَإِسْحَاقَ بنَ سُوَيْدٍ، وَعَلِيَّ بنَ زَيْدٍ، وَحُمَيْداً الطَّوِيْلَ، وَعَطَاءَ بنَ السَّائِبِ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي نَجِيْحٍ، وَسُهَيْلَ بنَ أَبِي صَالِحٍ، وَلَيْثَ بنَ أَبِي سُلَيْمٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ صُهَيْبٍ، وَأَبَا التَّيَّاحِ الضُّبَعِيَّ، وَسَعِيْداً الجُرَيْرِيَّ، وَحَبِيْبَ بنَ الشَّهِيْدِ، وَابْنَ جُرَيْجٍ، وَحَجَّاجَ بنَ أَبِي عُثْمَانَ
(*) العلل لأحمد بن حنبل: 122، 123، طبقات ابن سعد 7 / 325، طبقات خليفة: ت 1902 و3211، تاريخ خليفة: 466، التاريح الكبير 1 / 342، التاريخ الصغير 2 / 275، المعارف: 384، 507، الجرح والتعديل 2 / 153، مشاهير علماء الأمصار: ت 1277، تاريخ بغداد 6 / 229 - 240، طبقات ابن أبي يعلى 1 / 99، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 120، تهذيب الكمال: لوحة 97، تذهيب التهذيب 1 / 60 / 2، العبر 1 / 310، ميزان الاعتدال 1 / 216، تذكرة الحفاظ 1 / 322، الكاشف 2 / 118، دول الإسلام 1 / 122، تهذيب التهذيب 1 / 275، النجوم الزاهرة 2 / 144، طبقات الحفاظ: 133، خلاصة تذهيب الكمال: 32، شذرات الذهب 1 / 333.
الصَّوَّافَ، وَحَنْظَلَةَ السَّدُوْسِيَّ، وَخَالِداً الحَذَّاءَ، وَرَوْحَ بنَ القَاسِمِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، وَعَاصِمَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَعَوْفَ بنَ أَبِي جَمِيْلَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ الزُّبَيْرِ الحَنْظَلِيَّ، وَبُرْدَ بنَ سِنَانٍ الدِّمَشْقِيَّ نَزِيْلَ البَصْرَةِ، وَدَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، وَعَلِيَّ بنَ الحَكَمِ البُنَانِيَّ، وَمَنْصُوْرَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشَلَّ، وَالوَلِيْدَ بنَ أَبِي هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنَ عَتِيْقٍ، وَيَحْيَى بنَ مَيْمُوْنٍ العَطَّارَ، وَيَحْيَى بنَ يَزِيْدَ الهُنَائِيَّ، وَأَبَا رَيْحَانَةَ السَّعْدِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَشُعْبَةُ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو حَفْصٍ الفَلَاّسُ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَمُؤَمَّلُ بنُ هِشَامٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُعَاذٍ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: مُوْسَى بنُ سَهْلِ بنِ كَثِيْرٍ الوَشَّاءُ، البَاقِي إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَكَانَ فَقِيْهاً، إِمَاماً، مُفْتِياً، مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: مَنْ
قَالَ: ابْنُ عُلَيَّةَ، فَقَدِ اغْتَابَنِي.
قُلْتُ: هَذَا سُوءُ خُلُقٍ رحمه الله شَيْءٌ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ، فَمَا الحِيْلَةُ؟! قَدْ دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَسْمَائِهِم مُضَافاً إِلَى الأُمِّ، كَالزُّبَيْرِ ابْنِ صَفِيَّةَ، وَعَمَّارِ ابْنِ سُمَيَّةَ.
قَالَ مُؤَمَّلُ بنُ هِشَامٍ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ:
لَقِيْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ.
قُلْتُ: هُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ: ذَا شَيْخٌ، فَلَمَّا قَدِمْتُ البَصْرَةَ، إِذَا أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ.
قَالَ غُنْدَرٌ: نَشَأْتُ فِي الحَدِيْثِ يَوْم نَشَأْتُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُقَدَّمُ فِي الحَدِيْثِ عَلَى ابْنِ عُلَيَّةَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: مَا أَحَدٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ إِلَاّ وَقَدْ أَخْطَأَ، إِلَاّ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: كَانَ ابْنُ عُلَيَّةَ ثِقَةً، تَقِيّاً، وَرِعاً.
وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ سَيِّدُ المُحَدِّثِيْنَ.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ: صَحِبْتُ ابْنَ عُلَيَّةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَمَا رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ فِيْهَا.
قُلْتُ: مَا فِي هَذَا مَدْحٌ (1) ، وَلَكِنَّهُ مُؤْذِنٌ بِخَشْيَةٍ وَحُزْنٍ.
قَالَ عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ الحَارِثِ، قَالَ:
كُنَّا نُشَبِّهُ ابْن عُلَيَّةَ بِيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ:
دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَمَا بِهَا خَلْقٌ يُفَضَّلُ عَلَى ابْنِ عُلَيَّةَ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: مَا رَأَيْتُ لإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ كِتَاباً قَطُّ.
وَكَانَ
(1) لأنه مخالف لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي كان يبتسم ويضحك في وجوه أصحابه ثبت ذلك في غير ما حديث.
انظر " الشمائل " للترمذي 114، 122، و" فتح الباري " 10 / 419، 421.
يُقَالُ: ابْنُ عُلَيَّةَ يَعُدُّ الحُرُوْفَ.
قَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: مَا كُنَّا نُشَبِّهُ شَمَائِلَ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ إِلَاّ بِشَمَائِلِ يُوْنُسَ، حَتَّى دَخَلَ فِيْمَا دَخَلَ فِيْهِ.
قُلْتُ: يُرِيْدُ وِلَايَتَه الصَّدَقَةَ، وَكَانَ مَوْصُوْفاً بِالدِّيْنِ، وَالوَرَعِ، وَالتَأَلُّهِ، مَنْظُوْراً إِلَيْهِ فِي الفَضْلِ وَالعِلْمِ، وَبَدَتْ مِنْهُ هَفَوَاتٌ خَفِيْفَةٌ، لَمْ تُغَيِّرْ رُتْبَتَهُ - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ ابْنُ المُبَارَكِ بِأَبْيَاتٍ حَسَنَةٍ يُعَنِّفُهُ فِيْهَا، وَهِيَ:
يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً
…
يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ
احْتَلْتَ لِلدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا
…
بِحِيْلَةٍ تَذْهَبُ بِالدِّيْنِ
فَصِرْتَ مَجْنُوْناً بِهَا بَعْدَ مَا
…
كُنْتَ دَوَاءً لِلْمَجَانِيْنِ
أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِيْمَا مَضَى
…
عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَابْنِ سِيْرِيْنِ؟
وَدَرْسُكَ العِلْمَ بِآثَارِهِ
…
فِي تَرْكِ (1) أَبْوَابِ السَّلَاطِيْنِ؟
تَقُوْلُ: أُكْرِهْتُ، فَمَاذَا؟ كَذَا
…
زَلَّ حِمَارُ العِلْمِ فِي الطِّيْنِ (2)
لَا تَبِعِ الدِّيْنَ بِالدُّنْيَا كَمَا
…
يَفْعَلُ ضُلَاّلُ الرَّهَابِيْنِ
وَرَوَى: الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَنَّ الحَدِيْثَ الَّذِي أُخِذَ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِالكَلَامِ فِي القُرْآنِ.
(1) في الأصل: وترك.
(2)
رواية الشطر الأول من البيت في " تاريخ بغداد " 6 / 236.
إن كنت أكرهت فماذا كذا وفي وراية أخرى له: إن قلت أكرهت فذا باطل وهي رواية المؤلف في " الميزان ".
دَخَلَ عَلَى الأَمِيْنِ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ، فَشَتَمَهُ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ: أَخْطَأْتَ، وَكَانَ حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيْثِ:(تَجِيْءُ البَقرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا (1)) .
فَقِيْلَ لابْنِ عُلَيَّةَ: أَلَهُمَا لِسَانٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالُوا: إِنَّهُ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، وَإِنَّمَا غَلِطَ (2) .
قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ وُهَيْبٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ إِذَا اخْتَلَفَا؟
فَقَالَ: وُهَيْبٌ، وَمَا زَالَ إِسْمَاعِيْلُ وَضِيعاً مِنَ الكَلَامِ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيْهِ، إِلَى أَنْ مَاتَ.
قُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ وَتَابَ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ؟
قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ مَا زَالَ لأَهْلِ الحَدِيْثِ - بَعْدَ كَلَامِهِ ذَلِكَ - مُبْغِضاً، وَكَانَ لَا يُنْصِفُ فِي الحَدِيْثِ، كَانَ يُحَدِّثُ بِالشَفَاعَاتِ، وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يَخْتَلِفُ إِلَى الشُّيُوْخِ، فَأَدخَلَنِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي، غَضِبَ، وَقَالَ: مَنْ أَدْخَلَ هَذَا عَلَيَّ (3) ؟
قُلْتُ: مَعْذُوْرٌ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِيْهِ.
(1) أخرجه مسلم (804) في صلاة المسافرين: باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، من طريق الحسن بن علي الحلواني، عن الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني أبو أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة ".
وهو في " المسند " 5 / 249.
(2)
" تاريخ بغداد " 6 / 237 من طريق سليمان بن إسحاق الجلاب، قال إبراهيم الحربي.
وقد علق المؤلف في " ميزانه " 1 / 219 على هذا الخبر فقال: انظر كيف كان الصدر الأول في انكفافهم عن الكلام، فإنه لو قال أيضا يتكلم بلا لسان لخطؤوه، والله تعالى يقول:(ولا تقف ما ليس لك به علم)، ومن الناس من يقول: يجئ ثواب البقرة وآل عمران.
وابن علية فقد تاب ولزم السكوت.
(3)
" تاريخ بغداد " 6 / 238، 239.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ أُدْخِلَ عَلَى الأَمِيْنِ، فَلَمَّا رَآهُ، زَحَفَ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: يَا ابْنَ الفَاعِلَةِ! تَتَكَلَّمُ فِي القُرْآنِ.
وَجَعَلَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، زَلَّةٌ مِنْ عَالِمٍ.
ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: إِنْ يَغْفِرِ اللهُ لَهُ -يَعْنِي: الأَمِيْنَ- فَبِهَا.
ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: وَإِسْمَاعِيْلُ ثَبْتٌ (1) .
قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ عَبْدَ الوَهَّابِ
قَالَ: لَا يُحِبُّ قَلْبِي إِسْمَاعِيْلَ أَبَداً، لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ وَجْهَهُ أَسْوَدُ.
فَقَالَ أَحْمَدُ: عَافَى اللهُ عَبْدَ الوَهَّابِ، ثُمَّ قَالَ: لَزِمتُ إِسْمَاعِيْلَ عَشْرَ سِنِيْنَ إِلَى أَنْ أُعِيْبَ.
ثُمَّ جَعَلَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ كَأَنَّهُ يَتَلَهَّفُ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ لَا يُنْصِفُ فِي التَّحَدُّثِ (2) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ إِسْمَاعِيْلُ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، عَنْ ثَلَاثٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَحَدِيْثُهُ فِي كُتُبِ الإِسْلَامِ كُلِّهَا.
وَلَهُ أَوْلَادٌ مَشْهُوْرُوْنَ، مِنْهُم:
قَاضِي دِمَشْقَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ (3) ، شَيْخٌ لِلنَّسَائِيِّ، ثِقَةٌ، حَافِظٌ، مَاتَ أَبُوْهُ وَهُوَ صَبِيٌّ، فَمَا لَحِقَ الأَخْذَ عَنْ أَبِيْهِ، وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، يَرْوِي عَنْهُ: مَكْحُوْلٌ البَيْرُوْتِيُّ، وَابْنُ جَوْصَا، وَطَائِفَةٌ،
مَاتَ
(1)" تاريخ بغداد " 6 / 238.
(2)
" تاريخ بغداد " 6 / 238، 239، وذكره المؤلف في " الميزان " وتعقبه بقوله: إمامة إسماعيل وثيقة لا نزاع فيها، وقد بدت منه هفوة وتاب، فكان ماذا؟ إني أخاف الله لا يكون ذكرنا له من الغيبة، وأما القرآن، فقد قال عبد الصمد بن يزيد مردويه: سمعت ابن عليه يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق.
(3)
انظر ترجمته في " تهذيب الكمال " لوحة: 1172، و" تذهيب التهذيب " 3 / 188 / 2، و" تهذيب التهذيب " 9 / 55، و" خلاصة تذهيب الكمال ":327.
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَلابْنِ عُلَيَّةَ ابْنٌ آخَرُ، جَهْمِيٌّ شَيْطَانٌ، اسْمُهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَقُوْلُ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَيُنَاظِرُ (1) .
وَابْنٌ آخَرُ، اسْمُهُ: حَمَّادُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، لَحِقَ أَبَاهُ، وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِ مُسْلِمٍ (2) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ الكَاتِبُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِقْسَمٍ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ قُطْبَةَ الأَسَدِيِّ؛ أَسَدِ خُزَيْمَةَ، كُوْفِيٌّ، كَانَ جَدُّهُ مِقْسَمٌ مِنْ سَبْيِ القِيْقَانِيَّةِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ خُرَاسَانَ وَزَابُلِسَانَ (3) ، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مِقْسَمٍ تَاجِراً مِنَ الكُوْفَةِ، كَانَ يَقْدَمُ البَصْرَةَ لِلتِّجَارَةِ، فَتَخَلَّفَ، وَتَزَوَّجَ عُلَيَّةَ بِنْتَ حَسَّانٍ؛ مَوْلَاةً لِبَنِي شَيْبَانَ، وَكَانَتْ نَبِيْلَةً عَاقِلَةً، لَهَا دَارٌ بِالعَوقَةِ بِالبَصْرَةِ، تُعْرَفُ بِهَا، وَكَانَ صَالِحٌ المُرِّيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ وُجُوْهِ البَصْرَةِ وَفُقَهَائِهَا يَدْخُلُوْنَ عَلَيْهَا، فَتَبْرُزُ لَهُم، وَتُحَادِثُهُم، وَتُسَائِلُهُم، وَأَقَامَ ابْنُهَا إِسْمَاعِيْلُ بِالبَصْرَةِ (4) .
وَقَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ (5) : مَاتَ أَبُو بِشْرٍ بِبَغْدَادَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: ابْنُ عُلَيَّةَ رَيْحَانَةُ الفُقَهَاءِ.
(1) مترجم في " تاريخ بغداد " 6 / 20، 23.
(2)
مترجم في " تهذيب الكمال ": 326، و" تذهيب التهذيب " 1 / 172 / 1، و" تهذيب التهذيب " 3 / 4، و" خلاصة تذهيب الكمال ":91.
(3)
وفي معجم ياقوت " زابلستان " بزيادة التاء: كورة واسعة قائمة برأسها جنوبي بلخ وطخارستان، وهي زابل، والعجم يزيدون السين وما بعدها في أسماء البلدان شبيها بالنسبة.
(4)
" طبقات ابن سعد " 7 / 325، 326، والزيادة منه.
(5)
في " تاريخه ": 466.
وَرَوَى: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ: ابْنُ عُلَيَّةَ أَثْبَتُ مِنْ وُهَيْبٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ هُشَيْمٍ.
وَرَوَى: عَفَّانُ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، فَأَخْطَأَ فِي حَدِيْثٍ، وَكَانَ لَا يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ، فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ خُوْلِفْتَ فِيْهِ.
فَقَالَ: مَنْ؟
قَالُوا: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ.
فَقِيْلَ: إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ يُخَالِفُكَ.
فَقَامَ، وَدَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: القَوْلُ مَا قَالَ إِسْمَاعِيْلُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيْهِ: إِلَيْهِ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْلَ- المُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ بِالبَصْرَةِ.
وَعَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: فَاتَنِي مَالِكٌ، فَأَخْلَفَ اللهُ عَلَيَّ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ، وَفَاتَنِي حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَأَخْلَفَ اللهُ عَلَيَّ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ، كَانَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ لَا يَفْرَقُ مِنْ مُخَالفَةِ وُهَيْبٍ وَالثَّقَفِيِّ، وَيَفْرَقُ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ إِذَا خَالَفَه.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ: مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَرَوَى: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ:
نَشَأْتُ فِي الحَدِيْثِ يَوْمَ نَشَأْتُ، وَمَا أَحَدٌ يُقَدَّمُ فِي الحَدِيْثِ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ:
كَانَ إِسْمَاعِيْلُ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، صَدُوْقاً، مُسْلِماً، وَرِعاً، تَقِيّاً.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: كَانُوا يَقُوْلُوْنَ:
الحُفَّاظُ أَرْبَعَةٌ: إِسْمَاعِيْلُ، وَوُهَيْبٌ، وَعَبْدُ الوَارِثِ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ.
وَرَوَى: يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ، عَنِ الهَيْثَمِ بنِ خَالِدٍ، قَالَ:
اجْتَمَعَ حُفَّاظُ
البَصْرَةِ، فَقَالَ أَهْلُ الكُوْفَة لَهُم: نَحُّوا عَنَّا إِسْمَاعِيْلَ، وَهَاتُوا مَنْ شِئْتُمْ.
وَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: مَا رَأَيْتُ لابْنِ عُلَيَّةَ كِتَاباً قَطُّ.
وَكَانَ يُقَالُ: ابْنُ عُلَيَّةَ يَعُدُّ الحُرُوْفَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَا أَحَدٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ إِلَاّ وَقَدْ أَخْطَأَ، إِلَاّ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ابْنُ عُلَيَّةَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثَبْتاً، حُجَّةً، وَلِيَ صَدَقَاتِ البَصْرَةِ، وَوَلِيَ بِبَغْدَادَ المَظَالِمَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ هَارُوْنَ، فَنَزَلَ هُوَ وَوَلَدُهُ بَغْدَادَ، وَاشْتَرَى بِهَا دَاراً، وَتُوُفِّيَ بِهَا، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه إِبْرَاهِيْمُ (1) ؛ أَحَدُ كِبَارِ الجَهْمِيَّةِ، وَمِمَّنْ نَاظَرَ الشَّافِعِيَّ (2) ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ، وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكٍ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَزَعَمَ عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ أَنَّ عُلَيَّةَ إِنَّمَا هِيَ جَدَّتُهُ لأُمِّهِ.
قَالَ العَيْشِيُّ (3) : قَالَ لِي عَبْدُ الوَارِثِ بنُ سَعِيْدٍ:
أَتَتْنِي عُلَيَّةُ بِابْنِهَا، فَقَالَتْ: هَذَا ابْنِي، يَكُوْنُ مَعَكَ، وَيَأْخُذُ بِأَخْلَاقِكَ.
قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ غُلَامٍ بِالبَصْرَةِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا أَقُوْلُ إِنَّ أَحَداً أَثْبَتُ فِي الحَدِيْثِ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ.
(1)" طبقات ابن سعد " 7 / 325، 326.
(2)
انظر " تاريخ بغداد " 6 / 20، وما بعدها.
(3)
العيشي، بالعين المهملة والياء والشين وهو عبيد الله بن محمد بن حفص العيشي القرشي نسب إلى جدته عائشة بنت طلحة، لأنه من ذريتها، ثقة جواد من رجال " التهذيب " وانظر " المشتبه " 2 / 436.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَرْوَاهُم عَنِ الجُرَيْرِيِّ: إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: لَا يُعْرَفُ لابْنِ عُلَيَّةَ غَلَطٌ، إِلَاّ فِي حَدِيْثِ جَابِرٍ فِي المُدَبَّرِ، جَعَلَ اسْمَ الغُلَامِ اسْمَ المَوْلَى، وَاسْمَ المَوْلَى اسْمَ الغُلَامِ (1) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ: أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ لَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ ابْنِ عُلَيَّةَ، فَقَرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ، وَمَا رَأَيْتُهُ ضَحِكَ قَطُّ.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ العَيْشِيُّ: حَدَّثَنَا الحَمَّادَانِ:
أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ كَانَ يَتَّجِرُ، وَيَقُوْلُ: لَوْلَا خَمْسَةٌ مَا تَجِرْتُ: السُّفْيَانَانِ، وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَابْنُ السَّمَّاكِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، فَيَصِلُهُم.
فَقَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةً، فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ وَلِيَ ابْنُ عُلَيَّةَ القَضَاءَ، فَلَمْ يَأْتِهِ، وَلَمْ يَصِلْهُ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُلَيَّةَ، فَلَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأْساً، فَانْصَرَفَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، كَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللهِ رُقعَةً يَقُوْلُ: قَدْ كُنْتُ مُنْتَظِراً لِبِرِّكَ، وَجِئْتُكَ فَلَمْ تُكَلِّمْنِي، فَمَا رَأَيْتَ
(1) أخرجه مسلم (997) في الزكاة: باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله، ثم القرابة من طريق يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر أن رجلا من الانصار (يقال له أبو مذكور) أعتق غلاما له عن دبر يقال له يعقوب، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألك مال غيره؟ فقال: لا، فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي ثمان مئة درهم، فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفعها إليه، ثم قال: ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فضل شيء، فلاهلك، فإن فضل عن أهلك شيء، فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا " يقول: فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك.
وأخرجه أبو داود (3957) ، والنسائي 7 / 304 من طريق إسماعيل ابن علية. عن أيوب به.
وانظر البخاري 4 / 296 و349 و5 / 49 و119، 120، و11 / 520، وسنن أبي داود (3955) و (3956) ، والترمذي (1219) .
مِنِّي؟
فَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: يَأْبَى هَذَا الرَّجُلُ إِلَاّ أَنْ نُقَشِّرَ لَهُ العَصَا.
ثُمَّ كتب إِلَيْهِ:
يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً
…
يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ
…
الأَبْيَاتُ المَذْكُوْرَةُ (1) .
فَلَمَّا قَرَأَهَا، قَامَ مِنْ مَجْلِسِ القَضَاءِ، فَوَطِئَ بِسَاطَ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ، وَقَالَ: الله الله، ارْحَمْ شَيْبَتِي، فَإِنِّي لَا أَصْبِرُ عَلَى الخَطَأِ.
فَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا المَجْنُوْنَ أَغرَى عَلَيْكَ.
ثُمَّ أَعفَاهُ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ ابْنُ المُبَارَكِ بِالصُّرَّةِ (2) .
هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ العَيْشِيَّ يَروِيهَا عَنِ الحَمَّادَيْنِ، وَقَدْ مَاتَا قَبْلَ هَذِهِ القِصَّةِ بِمُدَّةٍ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَدْرَجَه العَيْشِيُّ.
قَالَ سَهْلُ بنُ شَاذَوَيْهِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ خَشْرَمٍ يَقُوْلُ:
قُلْتُ لِوَكِيْعٍ: رَأَيْتُ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الحِمَارِ، يَحْتَاجُ مَنْ يَرُدُّه إِلَى مَنْزِلِهِ.
فَقَالَ وَكِيْعٌ: إِذَا رَأَيْتَ البَصْرِيَّ يَشْرَبُ، فَاتَّهِمْه.
قُلْتُ: وَكَيْفَ؟
قَالَ: إِنَّ الكُوْفِيَّ يَشْرَبُهُ تَدَيُّناً، وَالبَصرِيُّ يَترُكُهُ تَدَيُّناً (3) .
وَهَذِهِ حِكَايَةٌ غَرِيْبَةٌ، مَا عَلِمْنَا أَحَداً غَمَزَ إِسْمَاعِيْلَ بِشُرْبِ المُسْكِرِ قَطُّ، وَقَدِ انحَرَفَ بَعْضُ الحُفَّاظِ عَنْهُ بِلَا حُجَّةٍ، حَتَّى إِنَّ مَنْصُوْرَ بنَ سَلَمَةَ الخُزَاعِيَّ تَحَدَّثَ مَرَّةً، فَسَبَقَهُ لِسَانُهُ، فَقَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ
…
، ثُمَّ قَالَ: لَا، وَلَا كَرَامَةَ، بَلْ أَرَدْتُ زُهَيْراً.
وَقَالَ: لَيْسَ مَنْ قَارَفَ الذَّنْبَ كَمَنْ لَمْ يُقَارِفْهُ، أَنَا -وَاللهِ- اسْتَتَبْتُهُ.
(1) تقدمت في الصفحة 110.
(2)
" تاريخ بغداد " 6 / 235، 236، و" طبقات الحنابلة " 1 / 100، 101.
(3)
" تاريخ بغداد " 6 / 237.
قُلْتُ: يُشِيْرُ إِلَى تِلْكَ الهَفْوَةِ الصَّغَيْرَةِ، وَهَذَا مِنَ الجَرحِ المَرْدُوْدِ، وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِإِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ العَدْلِ المَأْمُوْنِ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ مَرْدَوَيْه: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ عُلَيَّةَ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلَامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَقَدْ كَانَ بَيْنَ ابْنِ طَبَرْزَدَ وَبَيْنَ ابْنِ عُلَيَّةَ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ فِي حَدِيْثَيْنِ مَشْهُوْرَيْنِ مِنَ (الغَيْلَانِيَّاتِ) ، وَهَذَا غَايَةٌ فِي العُلُوِّ، رَوَاهُمَا عَنِ ابْنِ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ العَدُوِّ (1) .
أَخْبَرْنَاهُ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَجَمَاعَةٌ كِتَابَةً، بِسَمَاعِهِم مِنْ عُمَرَ بنِ طَبَرْزَدَ.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الغَرَّافِيِّ، أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا المُؤَمَّلُ بنُ هِشَامٍ اليَشْكُرِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَا: حَدَّثَنَا
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (1869)(94) من طريق زهير بن حرب، عن إسماعيل ابن علية بهذا الإسناد، وأخرجه مالك 2 / 446 في الجهاد: باب النهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، ومن طريقه البخاري 6 / 93 في الجهاد: باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو، ومسلم (1869) في الامارة: باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم، وأبو داود (2610) في الجهاد: باب في المصحف يسافر به إلى أرض العدو، عن نافع عن ابن عمر.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوْبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
مَكَثتُ عِشْرِيْنَ سَنَةً يُحَدِّثُنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَه ثَلَاثاً وَهِيَ حَائِضٌ، فَأُمِرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَجَعَلْتُ لَا أَتَّهِمُهُم، وَلَا أَعْرِفُ الحَدِيْثَ، حَتَّى لَقِيْتُ أَبَا غَلَاّبٍ يُوْنُسَ بنَ جُبَيْرٍ البَاهِلِيَّ - وَكَانَ ذَا ثَبْتٍ (1) - فَحَدَّثَنِي: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَهِيَ حَائِضٌ، فَأُمِرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَفَحُسِبَتْ عَلَيْهِ؟
قَالَ: فَمَهْ، أَوَ إِنْ عَجَزَ (2) .
قَالَ أَحْمَدُ، وَالفَلَاّسُ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَمَحْمُوْدُ بنُ خِدَاشٍ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ ابْنُ عُلَيَّةَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: ابْنُ عُلَيَّةَ: ثَبْتٌ جِدّاً، تُوُفِّيَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ،
(1) أي: متثبتا.
(2)
إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (1471) (7) في الطلاق: باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها وأنه لو خالف وقع الطلاق، من طريق علي بن حجر السعدي، عن إسماعيل بن إبراهيم بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري 9 / 426 في النكاح: باب مراجعة الحائض من طريق حجاج، حدثنا يزيد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن سيرين، حدثني يونس ابن جبير: سألت ابن عمر، فقال: طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" مره فليراجعها، ثم يطلق من قبل عدتها " قلت: أفتعتد بتلك التطليقة؟ قال: " أرأيت إن عجز واستحمق ".
والحديث أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 576، ومن طريقه
البخاري 9 / 301 و306 في الطلاق: باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق، ومسلم (1471) ، وأبو داود (2179) ، والنسائي 6 / 138، وأخرجه الترمذي (1175) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن يونس بن جبير.
وقوله (فمه) : قال الحافظ في " الفتح ": أصله فما، وهو استفهام فيه اكفتاء، أي فمن تكون إن لم تحتسب، ويحتمل أن تكون الهاء أصلية، وهي كلمة تقال للزجر، أي: كف عن هذا الكلام، فإنه لا بد من وقوع الطلاق بذلك.
قال ابن عبد البر: قول ابن عمر: فمه، معناه: فأي شيء يكون إذا لم يعتد بها، إنكارا لقول السائل: أيعتد بها؟ فكأنه قال: وهل من ذلك بد؟ وقوله: أرأيت إن عجز واستحمق، أي: إن عجز عن فرض فلم يقمه، أو استحمق فلم يأت به، أيكون ذلك عذرا له؟ !.
وانظر في فقه هذا الحديث لزاما " زاد المعاد " 5 / 218 - 240، نشر مؤسسة الرسالة و" فتح الباري " 9 / 307 - 310.