المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2- تعدد مصاحف القرآن - شبهات المشككين

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌1- جمع القرآن

- ‌2- تعدد مصاحف القرآن

- ‌3- تعدد قراءات القرآن

- ‌4- الكلام الأعجمى

- ‌5- الكلام العاطل

- ‌6- الكلام المتناقض

- ‌7- الكلام المفكك

- ‌8- الكلام المكرر

- ‌9- الكلام المنسوخ

- ‌10- الكلام الغريب

- ‌12- رفع المعطوف على المنصوب

- ‌13- نصب المعطوف على المرفوع

- ‌14- نصب الفاعل

- ‌15- تذكير خبر الاسم المؤنث

- ‌16- تأنيث العدد، وجمع المعدود

- ‌17- جمع الضمير العائد على المثنى

- ‌18- الإتيان باسم الموصول العائد على الجمع مفرداً

- ‌19- جزم الفعل المعطوف على المنصوب

- ‌20- جَعْلُ الضمير العائد على المفرد جمعاً

- ‌21- الإتيان بجمع كثرة فى موضع جمع القلة

- ‌22- الإتيان بجمع قلة فى موضع جمع الكثرة

- ‌23- جَمْعُ اسمِ عَلَمٍ يجب إفراده

- ‌24- الإتيان بالموصول بدل المصدر

- ‌25- وضع الفعل المضارع موضع الماضى

- ‌26- عدم الإتيان بجواب " لمَّا

- ‌27- الإتيان بتركيب أدى إلى اضطراب المعنى

- ‌28- صَرْفُ الممنوع من الصرف

- ‌29- الإتيان بتوضيح الواضح

- ‌30- الالتفات من المخاطب إلى الغائب قبل تمام المعنى

- ‌31- الإتيان بفاعلين لفعل واحد

- ‌32- الإتيان بالضمير العائد على المثنى مفردًا

- ‌33- الإتيان بالجمع مكان المثنى

- ‌34- نصبُ المضاف إليه

- ‌35- هل تناقض القرآن فى مادة خلق الإنسان

- ‌36- حول موقف القرآن من الشرك بالله

- ‌37- حول عصيان إبليس وهو من الملائكة الذين لا يعصون الله

- ‌38- حول عصيان البشر: مع أنهم من المخلوقات الطائعة القانتة لله

- ‌39- حول مدة خلق السموات والأرض

- ‌40- حول خلاف القرآن للكتاب المقدس فى أسماء بعض الشخصيات التاريخية

- ‌41- حول تسمية القرآن الكريم مريم " أخت هارون

- ‌42- حول خلاف القرآن للكتاب المقدس فى عصر نمرود

- ‌43- حول الإسكندر ذى القرنين

- ‌44- حول غروب الشمس فى عين حمئة ومخالفة ذلك للحقائق العلمية

- ‌45- حول حفظ الله للذكر وهل الذكر هو كل القرآن؟ أم بعض القرآن

- ‌46- حول تاريخية أو خلود أحكام القرآن الكريم

- ‌47- حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف القرآن من العصمة

- ‌48- دعوى: خلو الكتب السابقة من البشارة برسول الإسلام

- ‌49- قوم النبى محمد صلى الله عليه وسلم زناة من أصحاب الجحيم

- ‌50- مات النبى صلى الله عليه وسلم بالسم

- ‌51- تعدد زوجات النبى محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌52- محاولة النبى محمد صلى الله عليه وسلم الانتحار

- ‌53- ولادة النبى محمد صلى الله عليه وسلم عادية

- ‌54- يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة عليه

- ‌55- محمد صلى الله عليه وسلم أُمّى فكيف علّم القرآن

- ‌56- محمد صلى الله عليه وسلم يحرّم ما أحل الله

- ‌57- تعلّم محمد صلى الله عليه وسلم من غيره

- ‌58- محمد صلى الله عليه وسلم يعظم الحجر الأسود

- ‌59- كاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتن

- ‌60- قاتل محمد صلى الله عليه وسلم فى الشهر الحرام

- ‌61- محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما فى القرآن

- ‌62- الشيطان يوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌63- حول الاستغناء بالقرآن عن السنة وعلاقة السنة بالقرآن

- ‌64- حول تناقض النقل - القرآن - مع العقل

- ‌65- الإسلام انتشر بالسيف، ويحبذ العنف

- ‌66- هل الجبال تحفظ توازن الأرض؟ والأرض تدور حول نفسها

- ‌67- هل النجوم رجوم الشياطين

- ‌68- القرآن يتناقض مع العلم

- ‌69- كيف يكون العلم كفرًا

- ‌70- رىّ مصر بالغيث

- ‌71- الرعد ملك من الملائكة

- ‌72- الوادى طوى

- ‌73- هل الزيتون يخرج من طور سيناء

- ‌74- جبل قاف المحيط بالأرض كلها

- ‌75- هامان وزير فرعون

- ‌76- قارون وهامان مصريان

- ‌77- العجل الذهبى من صنع السامرى

- ‌78- أبو إبراهيم آزر

- ‌79- مريم العذراء بنت عمران

- ‌80- يوسف همّ بالفساد

- ‌81- نوح يدعو للضلال

- ‌82- فرعون ينجو من الغرق

- ‌83- انتباذ مريم

- ‌84- مريم تلد فى البرية ووليدها يكلمها من تحتها

- ‌85- لكل أمة رسول منها إليها

- ‌86- خَلْط الأسماء

- ‌87- أخنوخ وليس إدريس

- ‌88- نوح لم يتبعه الأراذل

- ‌89- تهاويل خيالية حول برج بابل

- ‌90- اختراع طفل ينطق بالشهادة

- ‌91- الكعبة بيت زحل

- ‌92- إسماعيل بين الأنبياء

- ‌93- أبناء يعقوب يطلبون أن يلعب يوسف معهم

- ‌94- وليمة نسائية وهمية

- ‌95- عدم سجن بنيامين

- ‌96- قميص سحرى

- ‌97- ابنة فرعون أو زوجته

- ‌98- طرح الأولاد فى النهر صدر قبل ولادة موسى لا بعد إرساليته

- ‌99- صَدَاق امرأة موسى

- ‌100- لم ترث إسرائيل مصر

- ‌101- ضربات مصر عشر لا تسع

- ‌102- الطوفان على المصريين

- ‌103- صخرة حوريب وليست آبار إيلّيم

- ‌104- لوحا الشريعة

- ‌105- هل طلبوا رؤية الله

- ‌106- سليمان أو أبشالوم

- ‌107- هاجر أو السيدة العذراء

- ‌108- لم تنزل مائدة من السماء

- ‌109- قصة ذى الكفل

- ‌110- أصحاب الرس

- ‌111- حتى لقمان نبى

- ‌112- الكعبة مقام إبراهيم

- ‌113- فرعون بنى برج بابل بمصر

- ‌114- شاول الملك أو جدعون القاضى

- ‌115- يتكلم فى المهد

- ‌116- يصنع من الطين طيراً

- ‌117- إنكار الصَّلب

- ‌118- تحليل إنكار الله

- ‌119- تحليل الحنث فى القَسَم

- ‌120- تحليل الإغراء بالمال

- ‌121- تحليل القتل

- ‌122- تحليل النهب

- ‌123- تحليل الحلف

- ‌124- تحليل الانتقام

- ‌125- تحليل الشهوات

- ‌126- الحدود فى الإسلام

- ‌127- حد السرقة

- ‌128- حد الزنا

- ‌129- حد الردة

- ‌130- أن ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر

- ‌131- أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل

- ‌132- أن النساء ناقصات عقل ودين

- ‌133- ما أفلح قوم ولُّوا أمرهم امرأة

- ‌134- الرجال قوَّامون على النساء

- ‌135- قضية الحِجاب

- ‌136- الرِّق

- ‌137- التَّسَرِّى

- ‌138- هل تحريم زواج المسلمة بغير المسلم يُعد نزعة عنصرية

- ‌139- هل صحيح أن الإسلام ضد حرية الاعتقاد

- ‌140- ما موقف الإسلام من الديمقراطية وحقوق الإنسان

- ‌141- ما موقف الإسلام من الفنون

- ‌142- ما أسباب تفرق المسلمين رغم دعوة الإسلام للوحدة

- ‌143- هل الإسلام مسئول عن تخلف المسلمين

- ‌144- هل صحيح أن الصوم يقلل حركة الإنتاج

- ‌145- هل صحيح أن الزكاة تتيح للغنى فرصة عند الله أفضل من فرصة الفقير

- ‌146- لماذا حرّم الإسلام أكل لحم الخنزير

- ‌147- لماذا حرّم الإسلام الحرير والذهب على الرجال

الفصل: ‌2- تعدد مصاحف القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم للأستاذ الدكتور/ محمود حمدى زقزوق

وزير الأوقاف

قصة الصراع بين الحق والباطل والخير والشر قصة قديمة بدأت فصولها مع بداية وجود الأنسان على الأرض، وسوف تتواصل فصولها طالما كان هناك إنسان فى هذا الوجود.

وعندما ظهر الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان لم يتوقف سيل الشبهات التى يثيرها المشككون من خصوم هذا الدين تشكيكا فى مصادره أو فى نبيه أو فى مبادئه وتعاليمه. ولا تزال الشبهات القديمة تظهر حتى اليوم فى أثواب جديدة يحاول مروجوها أن يضيفوا عليها طابعا علميا زائفا.

ومن المفارقات الغريبة فى هذا الصدد أن يكون الأسلام - وهو الدين الذى ختم الله به الرسالات، وكان آخر حلقة فى سلسلة اتصال السماء بالأرض - قد اختص من بين كل الديانات التى عرفها الأنسان سماوية كانت أم أرضية بأكبر قدر من الهجوم وإثارة الشبهات حوله.

ووجه الغرابة فى ذلك يتمثل فى أن الإسلام فى الوقت الذى جاء فيه يعلن للناس الكلمة الأخيرة لدين الله على لم ينكر أيا من أنبياء الله السابقين ولا ما أنزل عليهم من كتب سماوية، ولم يجبر أحد من أتباع الديانات السماوية السابقة على اعتناق الإسلام. ولم يقتصر الأمر على عدم الإنكار، وإنما جعب الإسلام الإيمان بأنبياء الله جميعا وما أنزل عليهم من كتب عنصرا أساسيا من عقيدة كل مسلم بحيث لاتصح هذه العقيدة بدونه.

ومن شأن هذا الموقف المتسامح للإسلام إزاء الديانات السابقة أن يقابل بتسامح مماثل وأن يقلل من عدد المناهضين للإسلام.

ولكن الذى حدث كان على العكس من ذلك تماما. فقد وجدنا الإسلام - على مدى تاريخه - يتعرض لحملات ضارية من كل اتجاه. وليس هناك فى عالم اليوم دين من الأديان يتعرض لمثل ما يتعرض له الإسلام فى الإعلام الدولى من ظلم فادح وإفتراءات كاذبة.

وهذا يبين لنا أن هناك جهلا فاضحا بالإسلام وسوء فهم لتعاليمه سواء كان ذلك بوعى أو بغير وعى، وأن هناك خلطا واضحا بين الإسلام كدين وبعض التصرفات الحمقاء التى تصدر من بعض أبناء المسلمين باسم الدين وهو منها براء.

ومواجهة ذلك تكون ببذل جهود علمية مضاعفة من اجل توضيح الصورة الحقيقة للإسلام، ونشر ذلك على أوسع نطاق.

ولم يقتصر علماء المسلمين على مدى تاريخ الإسلام فى القيام بواجبهم فى الرد على هذه الشبهات كل بطريقته الخاصة وبأسلوبه الذى يعتقد أنه السبيل الأقوم للرد، وهناك محاولات جادة بذلت فى الفترة الأخيرة للدفاع عن الأسلام فى مواجهة حملات التشكيك.

وقد نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية العديد من الرسائل فى سلسلتى "قضايا إسلامية" و "دراسات إسلامية"، قام فيها العديد من العلماء بالرد على هذه الشبهات (1) .

ولم يتوان المجلس عن تتبع ما يثار بين الحين والآخر من شبهات جديدة أو قديمة حول الإسلام والرد عليها بالعربية وغيرها من لغات أخرى. وقد رأينا أن الحاجة قد أصبحت ماسة لتجميع كل الشبهات المعروفة التى قام بها المشككون والرد عليها تفصيلا فى كتاب واحد ييسر للباحثين والمهتمين بهذه القضايا فرصة الإحاطة بما تفتق عنه ذهن المشككين والاطلاع على الرد الإسلامى على ما أثاروه من مزاعم.

والكتاب الذى نقدمه اليوم إلى القارئ الكريم يتضمن الرد على مائة وسبع وأربعين شبهة، وقد اشترك فى هذا العمل العلمى الكبير عدد من العلماء المعروفين ممن لهم باع طويل فى مجال الدراسات الإسلامية.

وفى خطة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القيام بترجمة هذا الكتاب إلى عدد من اللغات الأجنبية حتى تعم الفائدة ويطلع المسلمون وغير المسلمين على هذه الشبهات والرد عليها.

ونأمل أن يسهم هذا الكتاب فى توضيح الصورة الحقيقية للإسلام وإزالة ما علق بالأذهان من سوء فهم لتعاليمه وعقائده.

والله من وراء القصد....

تحريرا فى 18 من صفر 1423 هجرية / 1 مايو 2002م.

(1) انظر فى ذلك - على سبيل المثال - حقائق إسلامية فى مواجهة حملات التشكيك، مقولات ظالمة، شبهات وإجابات حول القرآن الكريم، شبهات وإجابات حول مكانة المرأة فى الإسلام ج 1، 2، حقائق القرآن وأباطيل خصومه..شبهات وردود ج 1، 2.

ص: 4

‌2- تعدد مصاحف القرآن

يقولون: لم تعددت المصاحف؛ أليس فى ذلك دليل على الإختلاف المؤذن بالتحريف؟

الرد على الشبهة: وهى وثيقة الصلة بالشبهة السابقة ونقول لهم:

التعدد الذى عندنا:

بدأ جمع القرآن فى " المصحف " فى عهد أبى بكر رضى الله عنه وكان هذا جمعًا لما كتب فى حضرة رسول الله كما تقدم.

ثم كان نسخ ما جُمع فى عهد أبى بكر فى مصاحف أربعةأو سبعة فى عهد عثمان رضى الله عنه، فالجمع الأول كان بمعنى ضم الوثائق الخطية فى حياة النبى وترتيب سورها سورة بعد أخرى، دون إعادة كتابتها من جديد.

وكان الجمع الثانى هو إعادة كتابة الوثائق النبوية فى مصحف نقلاً أمينًا لها دون أن يمسها أدنى تغيير أو تبديل.

ومن " المصحف الإمام " الذى تم نسخه من الوثائق النبوية مطابقًا لها، ثم نسخ مصاحف أربعة، أو سبعة وزعت على الأمصار الإسلامية فى ذلك الوقت.

الحجاز البصرة الكوفة الشام. وهذه المصاحف كانت أشبه ما تكون بالصورة الضوئية للوثائق الحديثة عندما يتم تصويرها فيتوغرافيًا، شديدة الوضوح. ووجه الشبه هو التطابق التام بين المصحف " الأم " والمصاحف التى نسخت منه، وأصل هذه المصاحف كلها هو " الوثائق الخطية النبوية ".

هذا لون من ألوان تعدد المصحف عندنا، وهو أول تعدد ظهر فى تاريخ القرآن. لكنه تعدد أوراق لا تعدد كلام؛ فالكلام الذى كُتِبَ فى جميع المصاحف كلام واحد، مثل الكتاب الذى تُطبع منه مئات النسخ أو آلافها، فإن كل نسخة منه تكرار حرفى للنسخ الأخرى.

أما اللون الثانى من تعدد المصاحف عندنا فهو مصاحف الأفراد التى كتبت بعد جمع القرآن لأول مرة فى عهد أبى بكر، أو كتبت قبله، قيل: إن عثمان جمع هذه المصاحف وحرقها. وقيل إنه لم يحرقها بل استبعد غير الصحيح منها. ومنها مصحف ابن مسعود لخلاف غير كبير بينه وبين المصحف الإمام.

ثم تعددت نسخ المصحف بعد ذلك، باتساع الأقطار الإسلامية، ومع هذا التعدد فإن النصوص الموحى بها من الله عز وجل واحدة فى جميع المصاحف فى العالم الإسلامى كله.

أما ما استحدث من إضافات فهى إجراءات خارجية لا صلة لها بالنصوص المنزلة. وكل المصاحف كانت تكراراً لمصحف عثمان، الذى جمع عليه الأمة، وأعدم أو استبعد ما عداه من مصاحف الأفراد، لأن العمل الفردى عرضة للخطأ والسهو أو النسيان.

" وإذا كان إعدام هذه المخطوطات الفردية يبدو فيه شىء من القسوة فى الوقت الذى لم يوجد فيه بالفعل أى تحريف على الإطلاق، فإنه يدل مع ذلك على أن عثمان كان بعيد النظر، وعميقًا فى إدراك حقيقة الأمور، ويرجع فضل تمتع المسلمين اليوم بوحدة كتابهم واستقراره إلى هذا العمل المجيد من جانب عثمان.

ومهما أضيف إلى المصحف العثمانى من علامات خارجية ابتكرها أبو الأسود الدؤلى وأتباعه، ونصر بن عاصم ويحيى بن يعمر، والحسن البصرى، والخليل بن أحمد فإن النص (الإلهى) باق كما هو على الدوام، يتحدى فعل الزمن، ووجود بعض الحروف الزائدة (لحكمة) أو الكلمات المدغمة التى اقتصرت على كتابة المصحف فى جميع نسخ القرآن إلى اليوم، المطبوع منها والمخطوط، يُعد شهادة بليغة على الأمانة التى انتقل بها البناء القرآنى من جيل إلى جيل، حتى وصل إلينا بهذا الكمال المنقطع النظير (1) .

فإن قالوا: إن بعض المصاحف تختلف فى عدد سور القرآن من أربع عشرة ومائة سورة، إلى اثنتى عشرة ومائة سورة، إلى ست عشرة ومائة سورة (2) .

وكذلك تختلف المصاحف فى عدِّ آيات القرآن كله، وفى كلماته وعدد حروفه. فكيف تقولون إن تعدد المصاحف عندكم كائن على صورة واحدة. وإن كل مصحف تكرار لما عداه من مصاحف؟

إن قالوا هذا قلنا لهم، إن الاختلاف فى هذه الأعداد كلها لا يخرج " المصاحف " عن الوحدة والتطابق التام بينها؛ لأن النصوص الموحى بها من الله عز وجل إلى خاتم رسله واحدة فى جميع المصاحف، فمثلاً من قال إن عدد سور القرآن ثلاث عشرة ومائة سورة اعتبر سورة الأنفال وسورة التوبة سورة واحدة؛ لإنهما لم يفصل بينهما ب " بسم الله الرحمن الرحيم "، وكذلك الاختلاف فى عدد آيات القرآن الكريم مرجعه جَعْل آيتين آية واحدة، وهكذا. وسواء عدت الآيتان آية واحدة، أو عدتا آيتين فنصهما موجود فى المصحف الشريف. والاختلاف فى العدد لا مساس فيه بالمعدود، وهو النصوص التى نزل بها الوحى الأمين. فالنصوص مسطورة فى المصحف، أما تعدادها فأمر اعتبارى خارج عنها، ووصف عارض طارئ عليها. فالإصابة والخطأ فيه لا ينعكس بأى حال على حقيقة النصوص المذكورة

فى المصحف وإن قالوا: إن الشيعة يقولون إن عثمان رضى الله عنه حذف من القرآن شيئًا يتعلق بعلى بن أبى طالب رضى الله عنه، وبعضهم يذكر سورة باسم " سورة النورين " كانت مما نزل فى القرآن واستبعدها عثمان عند جمع المصحف. وهذا يُعد تعديلاً فى النصوص الموحى بها فكيف تقولون إن القرآن لم يمس، وإن المصاحف متطابقة تمامًا؟.

إن قالوا ذلك وهم قد قالوه فعلاً فإننا نقول لهم: إن كان هذا القول قد حدث من بعض الشيعة فالشيعة كان منهم غلاة دخلاء على التشيع، وقد انقرضوا من الوجود الآن.

ومما يدفع هذه الفرية عن عثمان رضى الله عنه، أن التشيع فى خلافته كان خافتًا، بل وفى دور النشأة، وعلى يد عبد الله بن سبأ، الذى كان المسلمون يطلقون عليه: ابن السوداء وهو يهودى حاقد على الإسلام. ومولد التشيع كان بعد حادثة التحكيم بين علىّ رضى الله عنه ومعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه.

ومعنى هذا أن الحاجة إلى غمط حق علىّ رضى الله عنه لم يكن لها وجود فى خلافة عثمان. فما الذى يحمل عثمان إذن على غمط حقه وهب أن ذلك حدث منه فهل كان حُفاظ القرآن من الصحابة سيتركونه يعبث بكتاب الله، والأهم من هذا أن عليًا نفسه رضى الله عنه أثنى على ما قام به عثمان من جمع القرآن، وكذلك كل أصحاب رسول الله الذين كانوا أحياء فى خلافة عثمان (3) .

ومهما يكن من أمر، فإن هذا المصحف (العثمانى) هو الوحيد المتداول فى العالم الإسلامى بما فيه من فرق الشيعة، منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان، ونذكر هنا رأى الشيعة الإمامية (أهم فرق الشيعة) كما ورد بكتاب أبى جعفر " الأم ":

إن اعتقادنا فى جملة القرآن، الذى أوحى الله تعالى به إلى نبيه محمد هو كل ما تحويه دفتا المصحف المتداول بين الناس لا أكثر، وعدد السور المتعارف عليه بين المسلمين هو 114 سورة. أما عندنا " أى الشيعة " فسورة الضحى والشرح تكونان سورة واحدة، وكذلك سورتا الفيل وقريش، وأيضًا سورتا الأنفال والتوبة.

أما من ينسب إلينا أن القرآن أكثر من ذلك فهو كاذب (4) .

فماذا يقول خصوم القرآن بعد هذا البيان؟

إن الاختلاف بين مصاحف السنة والشيعة هو فى تعداد السور فحسب، يدمج بعض السور فى بعض عند الشيعة، مع اعتماد كل النصوص الموحى بها فى مصاحف الفريقين. وهذا لا يضير فى قضية الإيمان، ولا فى وحدة المصحف فى العالم الإسلامى.

(1) مدخل إلى القرآن الكريم (50-51) د. محمد عبد الله دراز.

(2)

انظر: البرهان فى علوم القرآن (1/249) مرجع سبق ذكره.

(3)

انظر: مدخل إلى القرآن الكريم (36) مرجع سبق ذكره.

(4)

مدخل إلى القرآن الكريم (39) مرجع سبق ذكره.

ص: 1

‌4- الكلام الأعجمى

جاء فى سورة الشعراء: (نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربى مبين)(1) . وجاء فى سورة الزمر: (قرآنا عربياً غير ذى عوج)(2) . وجاء فى سورة الدخان: (فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون)(3) . وجاء فى سورة النحل: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين)(4) .

ونحن نسأل: " كيف يكون القرآن عربيًّا مبينًا، وبه كلمات أعجمية كثيرة، من فارسية، وآشورية، وسريانية، وعبرية، ويونانية، ومصرية، وحبشية، وغيرها؟ ".

هذا نص الشبهة الواردة فى هذا الصدد، وتأكيدا لهذه الشبهة ذكروا الكلمات الأعجمية حسب زعمهم التى وردت فى القرآن الكريم وهى:

آدم أباريق إبراهيم أرائك استبرق إنجيل تابوت توراة جهنم حبر حور زكاة زنجبيل سبت سجيل سرادق سكينة سورة صراط طاغوت عدن فرعون فردوس ماعون مشكاة مقاليد ماروت هاروت الله.

الرد على هذه الشبهة:

هذه هى شبهتهم الواهية، التى بنوا عليها دعوى ضخمة، ولكنها جوفاء، وهى نفى أن يكون القرآن عربيًّا مثلهم كمثل الذى يهم أن يعبر أحد المحيطات على قارب من بوص، لا يلبث أن تتقاذفه الأمواج، فإذا هو غارق لا محالة.

ولن نطيل الوقوف أمام هذه الشبهة، لأنها منهارة من أساسها بآفة الوهن الذى بنيت عليه. ونكتفى فى الرد عليها بالآتى:

- إن وجود مفردات غير عربية الأصل فى القرآن أمر أقر به علماء المسلمين قديماً وحديثاً. ومن أنكره منهم مثل الإمام الشافعى كان لإنكاره وجه مقبول سنذكره فيما يأتى إن شاء الله.

- ونحن من اليسير علينا أن نذكر كلمات أخرى وردت فى القرآن غير عربية الأصل، مثل: مِنْسَأَة بمعنى عصى فى سورة " سبأ " ومثل " اليم " بمعنى النهر فى سورة " القصص " وغيرها.

- إن كل ما فى القرآن من كلمات غير عربية الأصل إنما هى كلمات مفردات، أسماء أعلام مثل:" إبراهيم، يعقوب، إسحاق، فرعون "، وهذه أعلام أشخاص، أو صفات، مثل:" طاغوت، حبر"، إذا سلمنا أن كلمة " طاغوت " أعجمية.

- إن القرآن يخلو تمامًا من تراكيب غير عربية، فليس فيه جملة واحدة إسمية، أو فعلية من غير اللغة العربية.

- إن وجود مفردات أجنبية فى أى لغة سواء كانت اللغة العربية أو غير العربية لا يخرج تلك اللغة عن أصالتها، ومن المعروف أن الأسماء لا تترجم إلى اللغة التى تستعملها حتى الآن. فالمتحدث بالإنجليزية إذا احتاج إلى ذكر اسم من لغة غير لغته، يذكره برسمه ونطقه فى لغته الأصلية ومن هذا ما نسمعه الآن فى نشرات الأخبار باللغات الأجنبية فى مصر، فإنها تنطق الأسماء العربية نُطقاً عربيَّا. ولا يقال: إن نشرة الأخبار ليست باللغة الفرنسية أو الإنجليزية مثلاً، لمجرد أن بعض المفردات فيها نطقت بلغة أخرى.

والمؤلفات العلمية والأدبية الحديثة، التى تكتب باللغة العربية ويكثر فيها مؤلفوها من ذكر الأسماء الأجنبية والمصادر التى نقلوا عنها، ويرسمونها بالأحرف الأجنبية والنطق الأجنبى لا يقال: إنها مكتوبة بغير اللغة العربية، لمجرد أن بعض الكلمات الأجنبية وردت فيها، والعكس صحيح.

ومثيرو هذه الشبهة يعرفون ذلك كما يعرفون أنفسهم فكان حرياًّ بهم ألا يتمادوا فى هذه اللغو الساقط إما احتراماً لأنفسهم، وإما خجلاً من ذكر ما يثير الضحك منهم.

- إنهم مسرفون فى نسبة بعض هذه المفردات التى ذكروها وعزوها إلى غير العربية:

فالزكاة والسكينة، وآدم والحور، والسبت والسورة، ومقاليد، وعدن والله، كل هذه مفردات عربية أصيلة لها جذور لغُوية عريقة فى اللغة العربية. وقد ورد فى المعاجم العربية، وكتب فقه اللغة وغيرها تأصيل هذه الكلمات عربيَّا فمثلاً:

الزكاة من زكا يزكو فهو زاكٍ. وأصل هذه المادة هى الطهر والنماء.

وكذلك السكينة، بمعنى الثبات والقرار، ضد الاضطراب لها جذر لغوى عميق فى اللغة العربية. يقال: سكن بمعنى أقام، ويتفرع عنه: يسكن، ساكن، مسكن، أسكن.

- إن هذه المفردات غير العربية التى وردت فى القرآن الكريم، وإن لم تكن عربية فى أصل الوضع اللغوى فهى عربية باستعمال العرب لها قبل عصر نزول القرآن وفيه.. وكانت سائغة ومستعملة بكثرة فى اللسان العربى قبيل نزول القرآن وبهذا الاستعمال فارقت أصلها غير العربى، وعُدَّتْ عربية نطقاً واستعمالاً وخطاًّ.

إذن فورودها فى القرآن مع قلتها وندرتها إذا ما قيست بعدد كلمات القرآن لا يخرج القرآن عن كونه " بلسان عربى مبين "

ومن أكذب الادعاءات أن يقال: إن لفظ الجلالة " الله " عبرى أو سريانى وإن القرآن أخذه عن هاتين اللغتين. إذ ليس لهذا اللفظ الجليل " الله " وجود فى غير العربية:

فالعبرية مثلاً تطلق على " الله " عدة إطلاقات، مثل ايل، الوهيم، وأدوناى، ويهوا أو يهوفا. فأين هذه الألفاظ من كلمة " الله " فى اللغة العربية وفى اللغةاليونانية التى ترجمت منها الأناجيل إلى اللغة العربية حيث نجد الله فيها " الوى " وقد وردت فى بعض الأناجيل يذكرها عيسى عليه السلام مستغيثاً بربه هكذا " الوى الوى " وترجمتها إلهى إلهى.

إن نفى عروبة القرآن بناء على هذه الشبهة الواهية أشبه ما يكون بمشهد خرافى فى أدب اللامعقول.

(1) الشعراء: 193-195.

(2)

الزمر: 28.

(3)

الدخان: 58.

(4)

النحل: 103.

ص: 3

‌5- الكلام العاطل

يدعى المشكِّكُون أنه جاء فى فواتح 29 سورة بالقرآن الكريم حروف عاطلة، لا يُفهم معناها نذكرها فيما يلى مع ذكر المواضع التى وردت فيها:

الحروف: السورة

الر: يونس، هود، يوسف، إبراهيم، الحجر

الم: البقرة، آل عمران، العنكبوت، الروم، لقمان، السجدة

المر: الرعد

المص: الأعراف

حم: غافر، فصلت، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف

حم عسق: الشورى

ص: ص

طس: النمل

طسم: الشعراء، القصص

طه: طه

ق: ق

كهيعص: مريم

ن: القلم

يس: يس

ونحن نسأل: " إن كانت هذه الحروف لا يعلمها إلا الله (كما يقولون) فما فائدتها لنا، إن الله لا يوحى إلا بالكلام الواضح فكلام الله بلاغ وبيان وهدى للناس ".

الرد على هذه الشبهة:

أطلقوا على هذه الحروف وصف " الكلام العاطل " والكلام العاطل هو " اللغو " الذى لا معنى له قط.

أما هذه الحروف، التى أُفتتحت بها بعض سور القرآن، فقد فهمت منها الأمة، التى أُنزل عليها القرآن بلغتها العريقة، أكثر من عشرين معنى (1) ، وما تزال الدراسات القرآنية الحديثة تضيف جديداً إلى تلك المعانى التى رصدها الأقدمون فلو كانت " عاطلة " كما يدعى خصوم الإسلام، ما فهم منها أحد معنى واحداً.

ولو جارينا جدلاً هؤلاء المتحاملين على كتاب الله العزيز من أن هذه " الحروف " عاطلة من المعانى، لوجدنا شططاً فى اتهامهم القرآن كله بأنه " كلام عاطل " لأنها لا تتجاوز ثمانى وعشرين آية، باستبعاد " طه" و" يس " لأنهما اسمان للنبى صلى الله عليه وسلم، حذف منهما أداة النداء والتقدير: يا " طه " يا " يس " بدليل ذكر الضمير العائد عليه هكذا:

(ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)(2) و (إنك لمن المرسلين)(3) .

وباستبعاد هاتين السورتين من السور التسع والعشرين تُصبح هذه السور سبعاً وعشرين سورة، منها سورة الشورى، التى ذكرت فيها هذه الحروف المقطعة مرتين هكذا:

"حم، عسق " فيكون عدد الآيات موضوع هذه الملاحظة ثمانى وعشرين آية فى القرآن كله، وعدد آيات القرآن الكريم 6236 آية. فكيف ينطبق وصف ثمانٍ وعشرين آية على 6208 آية؟.

والمعانى التى فُهمتْ من هذه " الحروف " نختار منها ما يأتى فى الرد على هؤلاء الخصوم.

الرأىالأول:

يرى بعض العلماء القدامى أن هذه الفواتح، مثل: الم، والر، والمص ". تشير إلى إعجاز القرآن، بأنه مؤلف من الحروف التى عرفها العرب، وصاغوا منها مفرداتهم، وصاغوا من مفرداتهم تراكيبهم. وأن القرآن لم يغير من أصول اللغة ومادتها شيئاً، ومع ذلك كان القرآن معجزاً؛ لا لأنه نزل بلغة تغاير لغتهم، ولكن لأنه نزل بعلم الله عز وجل، كما يتفوق صانع على صانع آخر فى حذقه ومهارته فى صنعته مع أن المادة التى استخدمها الصانعان فى " النموذج المصنوع " واحدة وفى هذا قطع للحُجة عنهم.

ويؤيد هذا قوله سبحانه وتعالى:

(أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون)(4) .

يعنى أن اللغة واحدة، وإنما كان القرآن معجزاً لأمر واحد هو أنه كلام الله، نازل وفق علم الله وصنعه، الذى لا يرقى إليه مخلوق.

الرأى الثانى:

إن هذه الحروف " المُقطعة " التى بدئت بها بعض سور القرآن إنما هى أدوات صوتية مثيرة لانتباه السامعين، يقصد بها تفريغ القلوب من الشواغل الصارفة لها عن السماع من أول وهلة. فمثلاً " الم " فى مطلع سورة البقرة، وهى تنطق هكذا.

" ألف لام ميم " تستغرق مسافة من الزمن بقدر ما يتسع لتسعة أصوات، يتخللها المد مد الصوت عندما تقرع السمع تهيؤه، وتجذبه لعقبى الكلام قبل أن يسمع السامع قوله تعالى بعد هذه الأصوات التسعة:

(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)(5) .

وإثارة الانتباه بمثل هذه المداخل سمة من سمات البيان العالى، ولذلك يطلق بعض الدارسين على هذه " الحروف " فى فواتح السور عبارة " قرع عصى "(6) وهى وسيلة كانت تستعمل فى إيقاظ النائم، وتنبيه الغافل. وهى كناية لطيفة، وتطبيقها على هذه " الحروف " غير مستنكر. لأن الله عز وجل دعا الناس لسماع كلامه، وتدبر معانيه، وفى ذلك يقول سبحانه وتعالى:

(وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)(7) .

الرأى الثالث:

ويرى الإمام الزمخشرى أن فى هذه " الحروف " سرًّا دقيقاً من أسرار الإعجاز القرآنى المفحم، وخلاصة رأيه نعرضها فى الآتى:

" واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه فى الفواتح من هذه الأسماء يقصد الحروف وجدتها نصف حروف المعجم، أربعة عشر سواء، وهى: الألف واللام والميم والصاد، والراء والكاف والهاء، والياء والعين والطاء والسين والحاء، والقاف والنون، فى تسع وعشرين سورة، على حذو حروف المعجم ".

ثم إذا نظرت فى هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف، بيان ذلك أن فيها:

من المهموسة نصفها:

" الصاد، والكاف، والهاء والسين والخاء ".

ومن المجهورة نصفها:

الألف واللام والميم، والراء والعين والطاء، والقاف والياء والنون.

ومن الشديدة نصفها:

" الألف والكاف، والطاء والقاف ".

ومن الرخوة نصفها:

" اللام والميم، والراء والصاد، والهاء والعين، والسين والحاء والياء والنون ".

ومن المطبقة نصفها:

" الصاد والطاء ".

ومن المنفتحة نصفها:

" الألف واللام، والميم والراء، والكاف، والهاء والعين والسين والحاء، والقاف والياء والنون ".

ومن المستعلية نصفها:

" القاف والصاد، والطاء ".

ومن المنخفضة نصفها:

" الألف واللام والميم، والراء والكاف والهاء، والياء، والعين والسين، والحاء والنون ".

ومن حروف القلقلة نصفها: " القاف والطاء "(8) .

يريد أن يقول: إن هذه الحروف المذكورة يلحظ فيها ملحظان إعجازيان:

الأول: من حيث عدد الأبجدية العربية، وهى ثمانية وعشرون حرفاً. فإن هذه الحروف المذكورة فى فواتح السور تعادل نصف حروف الأبجدية، يعنى أن المذكور منها أربعة عشر حرفاً والذى لم يذكر مثلها أربعة عشر حرفا:

14+14 = 28 حرفاً هى مجموع الأبجدية العربية.

الثانى: من حيث صفات الحروف وهى:

الهمس فى مقابلة الجهارة.

الشدة فى مقابلة الرخاوة.

الانطباق فى مقابلة الانفتاح.

والاستعلاء فى مقابلة الانخفاض.

والقلقلة فى مقابلة غيرها.

نجد هذه الحروف المذكورة فى الفواتح القرآنية لبعض سور القرآن تعادل نصف أحرف كل صفة من الصفات السبع المذكورة. وهذا الانتصاف مع ما يلاحظ فيه من التناسب الدقيق بين المذكور والمتروك، لا يوجد إلا فى كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وهو ذو مغزى إعجازى مذهل لذوى الألباب، لذلك نرى الإمام جار الله الزمخشرى يقول مُعقباً على هذا الصنع الحكيم:

" فسبحان الذى دقت فى كل شىء حكمته. وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته. فكأن الله عز اسمه عدد على العرب الألفاظ التى منها تراكيب كلامهم، إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم، وإلزام الحُجة إياهم (9) .

ثم أخذ الإمام الزمخشرى، يذكر فى إسهاب الدقائق والأسرار واللطائف، التى تستشف من هذه " الحروف " التى بدئت بها بعض سور القرآن، وتابعه فى ذلك السيد الشريف فى حاشيته التى وضعها على الكشاف، والمطبوعة بأسفل تفسير الزمخشرى. وذكر ما قاله الرجلان هنا يخرج بنا عن سبيل القصد الذى نتوخاه فى هذه الرسالة. ونوصى القراء الكرام بالاطلاع عليه فى المواضع المشار إليها فى الهوامش المذكورة وبقى أمرٌ مهمٌّ فى الرد على هذه الشبهة التى أثارها خصوم الإسلام، وهى شبهة وصف القرآن بالكلام العاطل. نذكره فى إيجاز فى الأتى:

لو كانت هذه " الحروف " من الكلام العاطل لما تركها العرب المعارضون للدعوة فى عصر نزول القرآن، وهم المشهود لهم بالفصاحة والبلاغة، والمهارة فى البيان إنشاءً ونقداً؛ فعلى قدرما طعنوا فى القرآن لم يثبت عنهم أنهم عابوا هذه " الفواتح " وهم أهل الذكر " الاختصاص " فى هذا المجال. وأين يكون " الخواجات " الذين يتصدون الآن لنقد القرآن من أولئك الذين كانوا أعلم الناس بمزايا الكلام وعيوبه؟!

وقد ذكر القرآن نفسه مطاعنهم فى القرآن، ولم يذكر بينها أنهم أخذوا على القرآن أىَّ مأخذ، لا فى مفرداته ولا فى جمله، ولا فى تراكيبه. بل على العكس سلَّموا له بالتفوق فى هذا الجانب، وبعض العرب غير المسلمين امتدحوا هذا النظم القرآنى ورفعوه فوق كلام الإنس والجن.

ولشدة تأثيره على النفوس اكتفوا بالتواصى بينهم على عدم سماعه، والشوشرة عليه.

والطاعنون الجدد فى القرآن لا قدرة لهم على فهم تراكيب اللغة العربية، ولا على صوغ تراكيبها صوغاً سليماً، والشرط فيمن يتصدى لنقد شىء أن تكون خبرته وتجربته أقوى من الشىء الذى ينقده. وهذا الشرط منعدم أصلاً عندهم.

(1) انظر للوقوف على هذه المعانى: التفسير الكبير " للفخر الرازى. تفسير سورة البقرة.

(2)

طه: 2.

(3)

يس: 3.

(4)

هود: 13-14.

(5)

البقرة: 2.

(6)

يعنى الضرب بالعصى على الأرض لتنبيه المراد تنبيهه.

(7)

الأعراف: 204.

(8)

الكشاف (ج1 ص 100- 103) .

(9)

الكشاف: (ج1 ص 103) .

ص: 5

‌7- الكلام المفكك

جاء فى سورة الإسراء: (وقرآنًا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا)(1) . (وقرآنا فرقناه) : نزلناه مفرقاً منجماً " فإنه نزل فى تضاعيف عشرين سنة "(لتقرأه على الناس على مكث) : على مهل وتؤدة. فإنه أيسر للحفظ وأعون على الفهم (ونزلناه تنزيلا) حسب الحوادث، بعد هذه المقدمة قالوا:

" كيف يكون القرآن وحياً، وهو متقطع مفرق يأتى بعضه فى وقت، ويتأخر بعضه إلى وقت آخر، لقد كان محمد يرتبك عندما كان العرب أو اليهود أو النصارى يسألونه. وأحياناً كان يحتج بأن جبريل تأخر.

الرد على هذه الشبهة:

إنهم يستبعدون أن يكون القرآن وحياً لأنه لم ينزل مرة واحدة. فنزوله مفرقاً على مدى ثلاث وعشرين سنة ينفى عنه كونه وحياً من عند الله، هذه واحدة ويثبت أنه كلام مفكك، وهذه ثانية ونقول لهم على وفق طريقتهم:

ونحن نسأل:

من أين لكم هذا الدليل؟ أَنَزل عليكم وحى من الله قال لكم فيه: إن كل وحى من عندى يكون نزوله دفعة واحدة. وكل ما خالف هذا لا يكون وحياً؟ ! هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. هذا عن الأولى.

أما عن الثانية، فمن يجاريكم من العقلاء على هذا المعيار الذى وضعتموه لمعرفة الكلام المفكك الذى تتهمون كلام رب العالمين به؟

إن الكلام المفكك عند العقلاء هو الكلام الذى لا يناسب بعضه بعضاً، لامن حيث المفردات والتراكيب ولا من حيث المعانى والدلالات. وهذا معيار عام لا يخص كلاماً دون كلام، فمن الناس من يكتب كتاباً فى سنة، أو خمس، أو عشر، ويأتى ما كتبه آية فى الجودة والإتقان. ولو قدر لإنسان أن يكتب كتاباً من مائة صفحة فى ساعة أو ساعتين أو ثلاث لجاء كتابه " تخاليط " يصد عنه الناس.

والقرآن، الذى نزل مفرقاً فى ثلاث وعشرين سنة، ليس له مثيل ولاحتى مقارب فى إحكام نسجه، وتآلف نظمه وصحة معناه وصفاء عباراته، وسلامة لغته من كل عيب أو قصور.

كتاب قطع عمراً من الدهر يقترب من الألف ونصف الألف من السنين، ومع هذا فهو كتاب كل عصر سام فوق كل كلام قيل بعده أو قبله أو فى عصر نزوله ومعانيه تكشف للناس فى كل عصر سبقاً فى ميادين المعرفة يذهل ويدهش. وكفاه فضلاً سبقه للحضارات الحديثة فى مختلف ميادين المعرفة العلوية والأرضية وما بين السماء والأرض، وما فى أعماق الأنهار والبحار والمحيطات، وما فى أعماق الأرض.

وكل هذا وفاء بالوعد الإلهى، الذى ورد فى القرآن:(سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)(2) .

إن القرآن الذى تفترون عليه هو كتاب الوجود كله، كم حاول الحاقدون قبلكم ومعكم أن يحدثوا فيه شرخاً فأعياهم، وبقى هو كلمة الله العليا السابحة فى الآفاق يتحدى تعاقب الدهور والعصور، وهو المنارة الشامخة يتلألأ ضوؤها ماحياً حيالك الظلام. (الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيماً لينذر بأسا شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً * ماكثين فيها أبداً * وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا * مالهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا)(3) .

(1) الإسراء: 106.

(2)

فصلت: 53.

(3)

الكهف: 1- 5.

ص: 2