الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
128- حد الزنا
الرد على الشبهة:
إن جريمة الزنا لهى من أقذر الجرائم حتى أنكرها كل دين، بل وأنكرها العقلاء والراشدون من الناس، كما أنكرها أصحاب المدنية الغربية جهرًا وإن قبلوها سرًا وذلك لما فيها من عدوان على حقوق الأزواج ومن اختلاط للأنساب وحل لروابط الأسرة وقتل لما فى قلوب الآباء من عطف وحنان على الأبناء، ورعاية وبذلٍ سخى لهم بما يبلغ حد التضحية بالراحة والنفس، الأمر الذى لا يكون إلا إذا ملأت عاطفة الأبوة قلوب الآباء وذلك لا يكون إلا إذا وقع فى قلوب الآباء وقوعًا محققًا أن هؤلاء الأبناء من أصلابهم.
ثم لعلك لا تعجب لما تقرأ من الأخبار الواردة إلينا من أمريكا وأوروبا عن آباء قتلوا أولادهم بأيديهم وأتوا على الأسرة كلها فى لحظة واحدة دون أن ينبض فيهم شعور بالتردد قبل الجريمة أو الندم بعدها، وذلك شفاء لما فى نفوسهم من شكوك فى صحة نسب هؤلاء الأبناء إليهم حتى لقد تحولت هذه الشكوك إلى عواطف من الجنون الذى أفقد هؤلاء الآباء كل شعور إنسانى نحو الأبناء المشكوك فى نسبهم، وهيهات أن يخلو شعور أوروبى من الشك فى نسبة أبنائه إليه مع هذه الإباحية المطلقة للجمع بين النساء والرجال فى أى مكان وأى زمان.
فإن أراد الإسلام أن يحارب هذه الجريمة برصد هذه العقوبة الرادعة ـ الرجم للمحصن، والجلد لغير المحصن ـ كان ذلك عند أعداء الإسلام تهمة شنيعة يرمونه بها ويحاكمونه عليها ليخرجوه من حدود الإنسانية المتحضرة إلى عالم سكان الأدغال ورعاة الإبل والشياه فى الصحارى.
ويقولون: كيف يحكم الإسلام بإهدار آدمية الإنسان حتى يأمر بجلده على مرائى ومسمع من الناس؟ ثم كيف تصل الوحشية فى قسوتها إلى أن يُلقى بالإنسان فى حفرة ثم تتناوله الأيدى رجماً بالحجارة إلى أن يموت.
هكذا يقولون (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً)(1) .
ولا ننكر أن فى شريعة الإسلام حكم الجلد والرجم يقول الله تعالى: (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)(2) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزانى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة](3) .
والنظام الإسلامى كل متكامل لا تفهم جزئياته إلا فى نسق واحد.
فإن الإسلام قد حرّم النظر إلى " الأجنبيات " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة فمن تركها من خوف الله أثابه إيماناً يجد حلاوته فى قلبه](4) . وكذلك أمر النساء ألا يظهرن الزينة إلا للأزواج أو الأقارب من الصلب الذين لا يُخشى منهم فتنة. قال الله تعالى: (يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن)(5)، وقال:
(وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)(6) . وأمر أيضاً ألا يختلى رجل بامرأة لا تحل له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما] .
وحرم أيضاً أن يمس الرجل امرأة لا تحل له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لئن تضرب بمخيط فى رأسك فتدمى به رأس خير لك من أن تمس امرأة لا تحل لك] . وقبل هذا كله فقد استطاع الإسلام أن يربى الضمير فى الرجل والمرأة على حد سواء على ضوء ما جاء فى قصة ماعزو الغامدية.
والإسلام كذلك حض الشباب على إخراج هذه الشهوة فى منفذها الشرعى بالزواج. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء](7) أى قاطع للشهوة.
وكذلك رخص للرجل أن يتزوج بامرأة واحدة أو اثنين أو ثلاثة أو أربع مادام يملك النفقة ويستطيع العدل.
وأمر أولياء الأمور أن لا يغالوا فى مهور بناتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير](8) . وأمر الأغنياء أن يساعدوا الشباب فى نفقات الزواج. وقد قام الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز بتزويج الشباب والفتيات من بيت مال المسلمين.
هذا كله هو بعض ملامح الإسلام فى تيسير أمر إخراج هذه الشهوة بطريق مشروع، والحقيقة أن مثل هذه الشنيعة لا تحصل فى المجتمع المسلم ـ الذى تسوده الفضيلة ـ إلا بعد تدبير عظيم من كلا الطرفين يدل على إجرام كلا الطرفين ولكن مع كل هذا فإن شريعة الإسلام قد وضعت شروط من الصعب جدًا توافرها قبل إيقاع العقوبة.
فإن لم تتوفر مجتمعة لا يقام الحد على صاحب هذه الفعلة جلداً كان أو رجماً وهذه هى الشروط:
1 ـ لابد حتى تثبت الجريمة من شهادة أربعة شهود عدول يشهدون بأنهم رأوا من الرجل والمرأة ما يكون بين الرجل وزوجته من اتصال مباشر، الأمر الذى لا يكاد يراه أحدٌ من البشر.
وكأن الشريعة لا ترصد هذه العقوبة على هذه الفعلة بوصفها ولكنها ترصدها على شيوع هذه الفعلة على الملأ من الناس بحيث لا يبغى بين الناس من يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً.
2 ـ إن الشريعة الإسلامية تقرر درء الحدود بالشبهات بمعنى أن أى شك فى شهادة الشهود يفسر لصالح المتهم فيسقط بذلك الحد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ادرءوا الحدود بالشبهات](9) .
3 ـ فرضت الشريعة عقوبة الجلد ثمانين جلدة على من قذف محصنة ثم لم يأت بأربعة يشهدون بأنهم رأوا منها ومن المقذوف بها ما يكون بين الزوج وزوجته قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون)(10) .
4 ـ رغبت الشريعة الإسلامية فى التستر على عورات المسلمين وإمساك الألسنة عن الجهر بالفواحش وإن كانت وقعت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
[لرجل جاء يشهد: هلا سترتهما بثوبك] يقول الله تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون)(11) .
أبعد هذا كله يتخرص متخرص ويقول: إن الإسلام يظلم الإنسان ويهدر أدميته حين يأخذ أولئك الذين يأتون الفاحشة على أعين بما يأخذهم به من جلد بالسياط. وفضح بين الملأ من الناس.
أفلا يسأل هؤلاء المتخرصون أنفسهم ماذا يبقى للإنسان من آدميته وكرامته إذا تركت هذه الفاحشة يعالى بها بعض الآدميين من غير استحياء ثم لا يضرب على أيديهم أحد. إن إنساناً توفرت له كل هذه الميسرات وتجرأ على الترتيب لهذه الفعلة الشنيعة. ثم افتضح حاله حين يراه هذا العدد فى هذا الوضع. إن إنساناً فى مثل هذا الحال لهو إنسان مفسد ضال مضل ولو لم يتم بتره أو تربيته فإن هذا يشكل خطراً على المجتمع كله.
والمتحدثون عن حقوق الإنسان يقولون لا بأس من أن يحبس قترة من الزمن ثم يخرج لكى يمارس عمله ولا يعلمون أن مثل هذا الحبس سوف يمكنه من أن يخالط من هو أجرم منه ليتعلم منه ويعلمه ويخرجان إلى المجتمع بعد أن أصبحا إمامين فى الضلال ليضلا الناس عن طريق رب الناس وهذا هو المشاهد.
فضلاً عن الذى يترتب على الحد من تكفير لهذا الذنب.
وإن المتتبع لا يجد هذه العقوبة قد نفذت " حال تنفيذ العقوبات " إلا فى أعداد محدودة ولا ضرر فى هذا مادام قد وفر الأمن والاستقرار للمجتمع.
(1) الكهف: 5.
(2)
النور: 2.
(3)
رواه مسلم.
(4)
رواه الحاكم فى المستدرك.
(5)
الأحزاب: 59.
(6)
النور: 31.
(7)
رواه البخارى.
(8)
رواه ابن ماجه.
(9)
رواه الترمذى.
(10)
النور: 4.
(11)
النور: 19.
130- أن ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر
الرد على الشبهة:
صحيح وحق أن آيات الميراث فى القرآن الكريم قد جاء فيها قول الله سبحانه وتعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين)(1) ؛ لكن كثيرين من الذين يثيرون الشبهات حول أهلية المرأة فى الإسلام، متخذين من التمايز فى الميراث سبيلاً إلى ذلك لا يفقهون أن توريث المرأة على النصف من الرجل ليس موقفًا عامًا ولا قاعدة مطّردة فى توريث الإسلام لكل الذكور وكل الإناث. فالقرآن الكريم لم يقل: يوصيكم الله فى المواريث والوارثين للذكر مثل حظ الأنثيين.. إنما قال: (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) .. أى أن هذا التمييز ليس قاعدة مطّردة فى كل حالات الميراث، وإنما هو فى حالات خاصة، بل ومحدودة من بين حالات الميراث.
بل إن الفقه الحقيقى لفلسفة الإسلام فى الميراث تكشف عن أن التمايز فى أنصبة الوارثين والوارثات لا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة.. وإنما لهذه الفلسفة الإسلامية فى التوريث حِكَم إلهية ومقاصد ربانية قد خفيت عن الذين جعلوا التفاوت بين الذكور والإناث فى بعض مسائل الميراث وحالاته شبهة على كمال أهلية المرأة فى الإسلام. وذلك أن التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات فى فلسفة الميراث الإسلامى ـ إنما تحكمه ثلاثة معايير:
أولها: درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى وبين المُوَرَّث المتوفَّى فكلما اقتربت الصلة.. زاد النصيب فى الميراث.. وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين..
وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال.. فالأجيال التى تستقبل الحياة، وتستعد لتحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها فى الميراث أكبر من نصيب الأجيال التى تستدبر الحياة. وتتخفف من أعبائها، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات.. فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ.. وترث البنت أكثر من الأب! - حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها.. وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التى للابن، والتى تنفرد البنت بنصفها! ـ.. وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور..
وفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث فى الإسلام حِكَم إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين!..
وهى معايير لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة على الإطلاق..
وثالثها: العبء المالى الذى يوجب الشرع الإسلامى على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين.. وهذا هو المعيار الوحيد الذى يثمر تفاوتاً بين الذكر والأنثى.. لكنه تفاوت لا يفضى إلى أى ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها.. بل ربما كان العكس هو الصحيح!..
ففى حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة.. واتفقوا وتساووا فى موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال - مثل أولاد المتوفَّى، ذكوراً وإناثاً - يكون تفاوت العبء المالى هو السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث.. ولذلك، لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى فى عموم الوارثين، وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات، فقالت الآية القرآنية:(يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) .. ولم تقل: يوصيكم الله فى عموم الوارثين.. والحكمة فى هذا التفاوت، فى هذه الحالة بالذات، هى أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هى زوجه ـ مع أولادهما.. بينما الأنثى الوارثة أخت الذكرـ إعالتها، مع أولادها، فريضة على الذكر المقترن بها.. فهى ـ مع هذا النقص فى ميراثها بالنسبة لأخيها، الذى ورث ضعف ميراثها، أكثر حظًّا وامتيازاً منه فى الميراث.. فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة، لجبر الاستضعاف الأنثوى، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين..
وإذا كانت هذه الفلسفة الإسلامية فى تفاوت أنصبة الوارثين والوارثات وهى التى يغفل عنها طرفا الغلو، الدينى واللادينى، الذين يحسبون هذا التفاوت الجزئى شبهة تلحق بأهلية المرأة فى الإسلام فإن استقراء حالات ومسائل الميراث ـ كما جاءت فى علم الفرائض (المواريث) ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة فى هذا الموضوع.. فهذا الاستقراء لحالات ومسائل الميراث، يقول لنا:
1 ـ إن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.
2 ـ وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماماً.
3 ـ وهناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
4 ـ وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.
أى أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال، فى مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل.. (2) "!!.
تلك هى ثمرات استقراء حالات ومسائل الميراث فى علم الفرائض (المواريث) ، التى حكمتها المعايير الإسلامية التى حددتها فلسفة الإسلام فى التوريث.. والتى لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة، كما يحسب الكثيرون من الذين لا يعلمون!..
وبذلك نرى سقوط الشبهة الأولى من الشبهات الخمس المثارة حول أهلية المرأة، كما قررها الإسلام.
(1) النساء: 11.
(2)
د. صلاح الدين سلطان "ميراث المرأة وقضية المساواة " ص10، 46، طبعة القاهرة، دار نهضة مصر سنة 1999م ـ " سلسلة فى التنوير الإسلامى ".