المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الأوراق للصولي - شذرات من كتب مفقودة في التاريخ - جـ ٢

[إحسان عباس]

فهرس الكتاب

- ‌أبو القاسم أونوجور بن الإخشيد

- ‌سيرة سيف الدولة

- ‌لأبي الحسن على بن الحسين الزراد الديلمي

- ‌شذرات من كتب مفقودة

- ‌في الأدب

- ‌كتاب المفاوضة

- ‌لأبي الحسن علي بن محمد بن نصر الكاتب

- ‌كتاب الربيع

- ‌لغرس النعمة أبي الحسن محمد بن هلال

- ‌نزهة الناظر

- ‌لكمال الدين أبي محمد عبد القاهر بن علوي ابن المهنا

- ‌جزء فيه مراثي بني المهذب المعريين

- ‌جزء جمع فيه ما رثي به أبو العلاء المعري

- ‌كتاب الدّيرة

- ‌لأبي الحسن عليّ بن محمد بن المطهر الشمشاطي

- ‌ذيل الخريدة وسيل الجريدة

- ‌للعماد الأصفهاني

- ‌كتاب الأوراق للصولي

- ‌ملحقات

- ‌مقدمة

- ‌تاريخ ابن الأزهر

- ‌ سير الثغور

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌[فضائل الثغور وطرسوس بخاصة]

- ‌[الكتابات والنقوش في طرسوس]

- ‌[أسوار طرسوس وأبراجها]

- ‌[سكك طرسوس ودورها]

- ‌[عمارة طرسوس]

- ‌[نظام النفير في طرسوس]

- ‌[الاستصراخ لإنقاذ طرسوس]

- ‌[حصن المصيصة]

- ‌[اقليقية]

- ‌حصن ثابت بن نصر

- ‌[حصن عجيف]

- ‌[حصن الجوزات]

- ‌ تاريخ همام بن الفضل

- ‌البداية والنهاية

- ‌لأبي الحسن عليّ بن مرشد بن منقذ

- ‌ كتاب الربيع

- ‌لغرس النعمة أبي الحسن محمد بن هلال

الفصل: ‌كتاب الأوراق للصولي

- 30 -

‌كتاب الأوراق للصولي

(1)

(1) قد نشر منه ثلاث قطع، والنقول في المصادر عنه كثيرة، ولكني اقتصرت هنا على ما جاء في بغية الطلب وهو إلى التاريخ أقرب وكان حقه أن يدرج في القسم الأول، ولكن الصيغة الأدبية فيه لا تخفى.

ص: 403

فراغ

ص: 404

- 1 - (1)

سنة 139: وفيها ولي إسحاق بن سليمان بن عليّ الهاشمي الثغور الشامية (وهو أول من جمعت له) .

- 2 - (2)

في ذكر كتاب المأمون: جعل ديوان المشرق إلى عبد الرحمن بن عليّ الكلبي ثم مات فجعله إلى أحمد بن يوسف ولم يزل له خاصية منه.

حدثني أحمد بن العباس النوفلي قال: حدثني أبو الحارث النوفلي قلت

- وقد رأيت أبا الحارث هذا وكان رجل صدق؟ قال: كنت أبغض القاسم بن عبيد الله لمكروه نالني منه، فلما مات أخوه الحسن قلت على لسان ابن بسام:

قل لأبي القاسم المرجى

قابلك الدهر بالعجائب

مات لك ابن وكان زينا

وعاش ذو الشين والمعايب

حياة هذا بموت هذا

فليس تخلو من المصايب قلت [أي الصولي] وإنما أخذه من قول أحمد بن يوسف الكاتب لبعض

(1) بغية الطلب 2: 273.

(2)

بغية الطلب 2: 148، 150، 152، وانظر ابن خلكان 4: 40، 3: 362، والوافي 8:279.

ص: 405

إخوته من الكتاب، وقد ماتت له ببغا، وكان له أخ يضعف، فكتب إليه:

أنت تبقى ونحن طرا فداكا

أحسن الله ذو الجلال عزاكا

فلقد جل خطب دهر أتانا

بمقادير أتلفت ببغاكا

عجبا للمنون كيف أتتها

وتخطت عبد الحميد أخاكا

كان عبد الحميد أصلح للمو

ت من الببغا وأولى بذاكا

شملتنا المصيبتان جميعا

فقدنا هذه ورؤية ذاكا وإنما أخذه أحمد بن يوسف الكاتب من قول أبي نواس في التسوية، وزاد في المعنى إرادة وكراهة، قال أبو نواس لما مات الرشيد وقام الأمين، يعزي الفضل ابن الربيع:

تعز أبا العباس عن خير هالك

بأكرم حي كان أو هو كائن

حوادث أيام تدوم صروفها

لهن مساو مرة ومحاسن

وفى الحي بالميت الذي غيب الثرى

فلا الموت مغبون ولا أنت غابن وقال أحمد بن يوسف الكاتب في وصف الليل:

كم ليلة فيك لا صباح لها

أفنيتها قابضا على كبدي

قد غضت العين بالدموع وقد

وضعت خدي على بنان يدي حدثنا وكيع قال، حدثنا أبو جعفر أحمد بن القاسم بن يوسف قال، حدثني نصر الخادم مولى أحمد بن يوسف قال: كان أحمد بن يوسف يتبنى مؤنسة جارية المأمون، فجرى بينها وبين المأمون بعض ما جرى، فخرج إلى الشماسية وخلفها، فجاء رسولها إلى أحمد بن يوسف مستغيثة به، فوجهني أحمد إليها فعرفت الخبر ثم رجعت فأخبرته، فدعا بدايته ثم مضى فلحق المأمون بالشماسية فقال للحاجب: اعلم أمير المؤمنين أن أحمد بن يوسف بالباب وهو رسول، فأذن له، فدخل فسأله عن الرسالة، فاندفع ينشد:

قد كان عتبك مرة مكتوما

فاليوم أصبح ظاهرا معلوما

نال الأعادي سؤلهم لا هنئوا

لما رأونا ظاعنا ومقيما

ص: 406

هبني أسأت فعادة لك أن ترى

متفضلا متجاوزا مظلوما فقال: قد فهمت الرسالة، كن الرسول بالرضى. يا ياسر امض معه، قال: فحملها ياسر إليه.

- 3 - (1)

سنة 226: وفيها مات إسحاق بن عيسى الطباع بأذنة.

- 4 - (2)

سنة 259: فيها عقد لأحمد المولد على ديار ربيعة من قبل موسى بن بغا في المحرم.

- 5 - (3)

وانصرف أبو الساج عن عسكر عمرو بن الليث يريد بغداد فمات بجنديسابور في شهر ربيع الأخر [سنة 266] .

- 6 - (4)

سنة 266: وفيها هزم إسحاق بن كنداج إسحاق بن أيوب واستنجد عليه عيسى بن شيخ وأبا المغرا، ووجه السلطان إلى إسحاق بن كنداج بخلع ولواء وولاه الموصل وديار ربيعة وأرمينية، فطلب القوم صلحه على أن يقرهم على أعمالهم ويعطوه مائتي ألف دينار.

(1) بغية الطلب 2: 290.

(2)

بغية 2: 163.

(3)

بغية الطلب 6: 304.

(4)

بغية الطلب 2: 293 وما بعدها.

ص: 407

- 7 -

سنة 269: وفيها خلع على إسحاق بن كنداج وقلد سيفين بحمائل، أحدهما على يمينه والآخر عن شماله، وسمي ذا السيفين، وتوج وألبس وشاحين ورصع ذلك بالجوهر، وشيعه إلى منزله هارون بن الواثق وصاعد وتغذيا عنده مع سائر القواد بسر من رأى، فقال البحتري:

أخلق بذي السيفين أو صدق به

أن يعمل السيفين حتى يحسرا

ما قلد السيفان إلا نجدة

في الحرب توجب أن يقلد آخرا

قد ألبس التاج المعود لبسه

في حالتيه مملكا ومؤمرا

شرف تزيد بالعراق إلى الذي

عهدوه بالبيضاء أو ببلنجرا - 8 -

سنة 270 وفيها أمر [جعفر المفوض بن المعتمد] إسحاق بن كنداج موافاة بغداد، ووافاه إسحاق بن كنداج لليلتين خلتا من جمادي الآخرة فخلع عليه خلعا فيها سيفان محليان، وعقد له على المغرب، فشخص إلى سر من رأى من يومه لأنه اتصل به مسير ابن أبي الساج إلى عانة، وأنه دعا بالرحبة لابن طولون، وأن أحمد ابن مالك بن طوق دعا لابن طولون بقرقيسيا وكذلك ابن صفوان العقيلي، وانصرف ابن طولون عن دمشق وهو شديد العلة إلى مصر، وانصرف أصحابه عن الرحبة وقرقيسيا ورجع ابن أبي الساج إلى قرقيسيا.

وورد الخبر من يوم السبت لست خلون من ذي الحجة بموت أحمد بن طولون بمدينة مصر، وبمصير إسحاق بن كنداج وابن أبي الساج إلى الرقة، وصار إسحاق بن كنداج إلى الرقة وهزم أصحاب ابن طولون وهزم ابن أبي الساج عن قنسرين والعواصم.

- 9 -

سنة 271: وفيها دخل أبو العباس [أحمد بن الموفق] إلى قنسرين وسار منها

ص: 408

فلقيه بحماة جيش لأبي الجيش ابن طولون وصار إلى دمشق، فجاءه أبو عبد الله الواسطي في الأمان، وتنحى إسحاق ومحمد بن أبي الساج وحضر البغامردي عن أبي العباس فصاروا إلى حلب يجبون الأموال.

- 10 -

سنة 272: [بعد عود أبي الجيش من وقعة الطواحين] : وصار أبو العباس إلى الجزيرة إلى رأس عين ثم إلى قرقيسيا، وتنحى إسحاق بن كنداج وابن أبي الساج إلى باجدى ثم إلى دارا.

- 11 -

سنة 273: وفيها دعا ابن أبي الساج لخمارويه على جميع عمله، وانفرج الأمر بينه وبين إسحاق بن كنداج فصار إلى الرقة، وصار خمارويه إليها، واجتمعا، فحاربا إسحاق فهزماه فوافى ديار ربيعة في جمادي الأولى وتحصن في قلعة ماردين ثم صار إلى تكريت.

- 12 - (1)

حدثنا الحسين بن عليّ أبو عليّ الرازي قال حدثني ابن أبي فنن قال: لما بنى المتوكل للمعتز داره ببركوارا وطهره فيها، دخل الشعراء فأطالوا وذهبوا كل مذهب، وعرفت طبع المتوكل فدخلت وأنشدت:

قل لأمين الله في خلقه

عشت سليما عالي الجد

بنيت للمعتز أعجوبة

ينزلها بالطائر السعد

دارا ترى العز محيطا بها

مختارة باليمن والرشد

إذا رأيناها ذكرنا بها

لما رأينا جنة الخلد

(1) بغية الطلب 7: 154 وما بعدها حتى 162.

ص: 409

أبقاك رب الناس حتى ترى المعتز جدا وأبا جد

حولك من أبناء أبنائه

تسعون من شيب ومن مرد

كلهم قد نال ما ناله

آباؤه الزهر من المجد قال: فما بلغ أحد ممن أطال ما بلغت.

ودعوة المتوكل هذه ببركوارا لما أعذر المعتز دعوة مشهورة يقال إنها دعوة الإسلام، لم يكن قبلها ولا بعدها مثلها إلا ما يحكى في وقت بناء المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل. حدثني جماعة بها قد شاهدوها وجماعة من أولاد الخلفاء والجلساء عن آبائهم أن المتوكل جلس وقد مدت بين يديه مرافع ذهب مرصعة بالجوهر، وعليها من العنبر والند والمسك المعجون أمثلة على جميع الصور، ومنها ما قد رصع بالجوهر مفردا، ومنها ما عليها ذهب وجوهر وجعل بساطا ممدودا فأحضر الجلساء وسائر الناس فوضعت بين أيديهم صواني الذهب مرصعة بأنواع الجوهر وبين صوانيهم من الجانبين وبين طرفي هذا المعبى فرجة، وجاء الفراشون بزبل قد غشيت بالأدم مملوءة دنانير ودراهم نصفين، فصبت في الفرجتين حتى ارتفعت على الصواني، وأمر الناس أن يشربوا ويتنقل من يشرب من تلك الدنانير بثلاث جفنات بكفة كأنها ما كانت، وكلما جف موضع جيء بالزبل فرد إلى حاله، ووقف غلمان في آخر المجلس فصاحوا إن أمير المؤمنين يقول لكم: ليأخذ من شاء ما شاء، فمد الناس أيديهم إلى المال فأخذوه، وكان الرجل منهم يثقله ما معه فيخرج فيسلمه إلى من معه ويرجع، وخلع على سائر الناس بعد أن صليت الظهر خلعا حسانا على مراتبهم، وكذلك بعد العصر والمغرب، وأعتق ستة آلاف نسمة، ولم يتخلف عن هذا الأمر أحد، وكان فيه جلساء المتوكل كلهم.

وكانت دعوة المأمون حين بنى على بوران ابنة الحسن بن سهل، تسمى دعوة الإسلام حتى جاءت دعوة بركوارا فقيل هي مثلها وقيل أقل وأكثر.

وحدثني ابن المعتز قال حدثني العنبري قال: حدثني حماد بن محمد عن ابن السمط قال: لما نثر على المعتز يوم بركوارا لم ألتقط، فقال لي المتوكل لم لا

ص: 410

تلتقط؟ وأنكر ذلك، فقلت: خفت أن أوليك ظهري، قال: أما ترى الفتح يلتقط؟ فالتقط وقلت:

هذي سماء تمطر الدراهما

عند إمام يعمر المكارما

خليفة قد ولد الضراغما

جاء بهم خلائفا أكارما لازال ملك الأرض فيهم دائما

فشتمني ابن الجهم فقال لي المتوكل: إنما شتمك غيضا لأنه لا يحسن أن يقول بديها كما تقول

وعزل أحمد بن وزير البصري عن قضاء سر من رأى إلا أنه لم يكن إليه قضاء القضاة، فحدثني يحيى بن أحمد بن وزير عن أبيه قال: ما رأيت أحسن وجها من المعتز ولا أبلغ خطابا قال لي لما ولاني القضاء: يا أحمد قد وليتك القضاء وإنما هي الدماء والفروج والأموال ينفذ فيها حكمك ولايرد أمرك، فاتق الله وانظر ما أنت صانع، قال: فما قرع قلبي كلام قط مثله. قال: وحضرت عنده وقد عرض عليه أسارى من عامة أهل بغداد أخذوا في الحرب فأمر بقتلهم، فقلت: يا أمير المؤمنين قصاب وهراس استفزهم الجهل وأرداهم الطمع، فإن قتلتهم فليسوا بثار، وفي إطلاقهم نجاة لك من النار، فأمر بإطلاقهم وأن يدفع إلى كل واحد منهم ثوب ودينار

حدثني أحمد بن محمد بن إسحاق قال سمعت الفضل بن العباس يقول: كان المعتز حسن الأخلاق جميل المذهب لولا أنه حمل على قتل أخيه المؤيد وخوف ما جسر على ما فعله به، وما زال نادما على ذلك، وكانت له فعلة أخرى: أطعم المضحكين حيات على أنها سمك مرماهي فماتوا كلهم، وأعطى ورثتهم الديات، وتاب إلى الله عز وجل من ذلك وتصدق بمائة ألف درهم.

حدثني أبو العيناء قال: دخل ابن السكيت على المعتز وكان يؤدبه وله عشر سنين فقال: بأي شيء يجب أن أبتدىء الأمير من العلوم؟ قال: بالانصراف، قال: أنا أخف نهوضا منك، فوثب فعثر بسراويله فالتفت فقال:

ص: 411

يموت الفتى من عثرة بلسانه

وليس يموت المرء من عثرة الرجل فخبر بها المتوكل، فأمر لابن السكيت بخمسين ألف درهم، قال أبو العيناء: وإنما فعل ذلك المتوكل ليستر عوار ابنه في سوء أدبه على معلمه.

حدثني أحمد بن يزيد المهلبي قال، حدثني أبي قال: كان المعتز يشرب على بستان مملوء بالنمام، وبين النمام شقائق النعمان، فدخل يونس بن بغا وعليه قباء أخضر وقد شرب فاشتدت حمرة وجناته، فقال المعتز:

شبهت حمرة خده في ثوبه

بشقائق النعمان في النمام ثم قال: أجيزوا. فبدر بنان المغني فقال - وكان ربما عبث بالبيت والبيتين:

والقد منه إذا بدا في قرطق

كالغصن في لين وحسن قوام فقال له المعتز: غن الآن فيه، فعمل لحنا وتغنى فيه.

وحدثني محمد بن عبد السميع قال حدثني أبي قال: لما قتل بغا دخلنا فهنأنا المعتز بالظفر، فاصبح ومعه يونس بن بغا، وما رأينا وجهين قط اجتمعنا أحسن من وجهيهما، فما مضت ثلاث ساعات حتى سكرا، ثم خرج علينا المعتز فقال:

ما إن ترى منظرا إن شئته حسنا

إلا صريعا تهادى بين سكرين

سكر الشباب وسكر من هوى رشأ

تخاله والذي تهواه غصنين ومن شعر المعتز قوله في يونس بن بغا، وفيه ألحان عملها المعتز في طريقة الرمل الثاني:

علموني كيف أجفو

ك على رغم من انفي وجفائي لك يا يونس مقرون بحتفي

غير أن الله قد يعلم ما أبدي وأخفي

فوقاني فيك ريب الد

هر أن يأتي بصرف حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عباد قال: حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك قال: قعد المعتز، ويونس بن بغا بين يديه، والجلساء والمغنون

ص: 412

حضور وقد أعد الخلع والجوائز، إذ دخل بغا فقال: يا سيدي والدة عبدك يونس في الموت، وهي تحب أن تراه، فأذن له فخرج، ففتر المعتز بعده ونعس، وقام الجلساء إلى أن صليت المغرب، وعاد المعتز إلى مجلسه، ودخل يونس وبين يديه الشموع، فلما رآه المعتز دعا برطل فشربه، وسقى يونس رطلا، وغنى المغنون، وعاد المجلس أحسن ما كان، فقال المعتز:

تغيب فلا أفرح

فليتك لا تبرح

وإن جئت عذبتني

بأنك لا تسمح فأصبح ما بين ذين لي كبد تجرح

على ذاك يا سيدي

دنوك لي أصلح ثم قال: غنوا فيه، فجعلوا يفكرون، فقال المعتز لابن الفضل الطنبوري: ويلك ألحان الطنبور أملح وأخف فغن لنا، فغنى فيه لحنا، فقال: دنانير الخريطة، وهي مائة دينار، فيها مائتان، مكتوب على كل دينار: ضرب هذا الدينار بالحسني لخريطة أمير المؤمنين، ثم دعي بالخلع والجوائز لسائر الناس فكان ذلك المجلس من أحسن المجالس.

حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: حدثنا الفضل بن العباس بن المأمون قال: كنت مع المعتز في الصيد، فانقطعنا عن الموكب هو وأنا ويونس بن بغا، ونظرنا إلى دير فيه ديراني يعرفني وأعرفه، ظريف مليح، فشكا المعتز العطش، فقلت: ها هنا ديراني ظريف مليح، فقال: مر بنا، فجئنا فخرج إلينا وأخرج لنا ماء باردا وسألني عن المعتز ويونس فقلت: فتيان من أبناء الجنة، فقال لي: تأكلون شيئا؟ قلنا: نعم، فأخرج لنا أطيب شيء في الدنيا، فأكلت أطيب أكل، وجاءنا بأطيب أشنان، وأحسن آلة، فاستظرفه المعتز وقال لي: قل له بينك وبينه من تحب أن يكون معك من هذين لا يفارقك؟ فقلت له، فقال: كلاهما وتمرا، فضحك المعتز حتى مال على الحائط، فقلت للديراني: لابد من أن تختار، فقال: الاختيار والله في هذا دمار، ما خلق الله عقلا يميز بين هذين، ولحقنا بالموكب، فارتاع الديراني، فقال له المعتز: بحياتي لا تنقطع عما كنا فيه. ففرحنا ساعة ثم أمر له

ص: 413

بخمسمائة ألف درهم، فقال: والله لا قبلتها إلا على شريطة، قال: وما هي؟ قال: يجيب أمير المؤمنين دعوتي مع من أراد، فوعدناه ليوم فجئناه فأنفق علينا المال كله، فوصله المعتز بمثله وانصرفنا.

حدثني عثمان بن محمد قال: حدثني حمدون بن إسماعيل قال: اصطبح المعتز في يوم ثلاثاء ونحن بين يديه، ثم وثب فدخل فاعترضته جارية كان يحبها، وما كان ذلك اليوم من أيامها، فقبلها وخرج، فحدثني بما كان وأنشدني:

إني قمرتك يا همي ويا أملي

أمرا مطاعا بلا مطل ولا علل

حتى متى يا حبيب النفس تمطلني

وقد قمرتك مرات فلم تف لي

يوم الثلاثاء يوم سوف أشكره

إذ زارني فيه من أهوى على عجل

فلم أنل منه شيئا غير قبلته

وكان ذلك عندي أعظم النقل فأمر أن يعمل فيه لحن خفيف، فشربنا عليه سائر يومنا.

وأنشدني عبد الله بن المعتز لأبيه:

بيضاء رؤد الشباب قد غمست

في خجل ذائب يعصفرها

مجدولة هزها الصبا وغدت

يشغل لحظ العيون منظرها

الله جار لهما فما امتلأت

عيني إلا من حيث أبصرها وعملت عريب فيه لحنا.

وحدثني عبد الله بن المعتز قال: أنشدنا أحمد بن حمدون للمعتز في يونس ابن بغا وقد خرج من عنده ثم عاد:

الله يعلم يا حبيبي أنني

مذ غبت عني هائم مكروب

يدنو السرور إذا دنا بك منزل

ويغيب صفو العيش حين تغيب حدثني عبد الله بن المعتز قال: بويع المعتز بالخلافة وله سبع عشرة سنة كاملة وشهر، فلما انقضت البيعة قال:

تفرد لي الرحمن بالعز والعلا

فأصبحت فوق العالمين أميرا

ص: 414

حدثني عبد الله بن المعتز قال: حدثني امرأة من موالياتنا قالت: خرجت قبيحة أم المعتز على [مقدم] الأتراك، وأخرجت إليه قميص المتوكل مخضبا بدمائه وقالت: اقتلهم في كل مكان، فقال لها: ارفعيه وإلا صار القميص قميصين.

سنة 255: وفيها خلع المعتز وقتل بعد خلعه بأيام، حدثني الحسين بن عبد الله بن عمر قال، حدثني عليّ بن الحسين بن عبد الأعلى قال: لما قبض صالح بن وصيف على الكتاب شغب الأتراك على المعتز يوم الاثنين لثلاث بقين من رجب، فركب صالح وباكباك ومحمد بن بغا المعروف بأبي نصر حتى وافوا باب المعتز فقالوا: اخرج إلينا، فوجه إليهم إني أخذت دواء، فعاودوه مرات، فوجه إليهم إن كان ما لابد منه فادخلوا، وهو يرى أن أمره واقف بعد، فدخلوا فجروا برجله وضربوه وأقاموه في الشمس ثم قالوا: اخلع نفسك، قال: نعم، فأدخل حجرة ووجه إلى ابن أبي الشوارب والفقهاء، فكتب كتاب الخلع وشهدوا عليه على أن له الأمان ولأخته وابنه ولأمه، وكان لقبيحة سرب في الدار فنجت منه، وفرت أخت المعتز، وكان المعتز طلب منها مالا وقت شغبهم عليه، فقالت: ليس عندي، فقال: إني مقتول، قالت: لا يجسرون عليه، ووجهوا بخليفة ساتكين إلى بغداد فهجم على محمد بن الواثق، وكان ينزل في الجانب الشرقي فأخذه وحمله فوافى به سر من رأى ليلة الأربعاء لليلة بقيت من رجب، فبويع من ساعته وسمي المهتدي بالله، وأدخل المعتز إلى المهتدي يوم السبت لثلاث خلون من شعبان، فقال له المهتدي: أخلعت أم خلعت؟ قال: خلعت، فوجىء في عنقه حتى سقط ثم أقيم فقال: خلعت وسلمت ورضيت، وسلم على المهتدي بالخلافة، وأخرج فسلمه صالح إلى نوشري بن طاجنك، فمشى في الحر، فطلب بغلا فلم يعط، فأرخى سراويله فمشى عليه، وأخذ من مال أخته ثلاثمائة ألف دينار، ونادى المهتدي من دل على مال من مالهم فله نصف العشر، فدل الناس على أموال كثيرة نحو ألف ألف دينار، فوفى لهم المهتدي بنصف العشر، وعذب المعتز بألوان العذاب فلم يكن عنده مال، فأدخل حماما ومنعوه الماء حتى اشتد في الحمام عطشه وقارب التلف، ثم أخرج فأعطي ماء فيه ثلج كثير فحين جرع منه جرعا مات، وذلك يوم السبت لعشر خلون من شعبان، فكانت خلافته مذ بايعوه قبل خلع المستعين نفسه

ص: 415

- وذلك يوم الجمعة لأربع خلون من المحرم سنة اثنين وخمسين ومائتين؟ ثلاث سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما، وقتل بعد الخلع بأيام، وكان مولده في شهر رمضان سنة اثنين وثلاثين ومائتين قبل خلافة أبيه، وكان المهتدي يقول قبل قتل المعتز: لا يجمع سيفان في غمد ولا فحلان في شول.

- 13 - (1)

حدثنا الحسين بن إسحاق قال، حدثنا أبو جعفر أحمد بن الحارث قال: بويع المعتمد على الله، وهو أبو العباس أحمد بن جعفر المتوكل على الله، وأمه أم ولد يقال لها فتيان في يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، وهو اليوم الذي مات فيه المهتدي، ودعي له بالخلافة على المنبر يوم الجمعة لعشر بقين من رجب، وقد قيل إن المهتدي بالله مات يوم الخميس بعد ما بويع المعتمد بيومين، وركب المعتمد يوم الاثنين لسبع بقين من رجب إلى دار العامة، وقعد لبني هاشم والناس فبايعوه، فلما كان يوم الخميس لأربع ليال بقين من رجب ركب في الميدان إلى وادي إسحاق، وخرج من الماء فركب وظهر للعامة من الوادي إلى جوسق في شارع الحسنية، ثم أمر أن تحدر عيال الواثق وولده إلى مدينة السلام. ولما مات المهتدي بالله نودي على أخيه عبد الله بن الواثق وبذل لمن جاء به مال، ثم ظهر أمره أنه هرب إلى يعقوب الصفار، وأن يعقوب قبله أحسن قبول وأظهر إكرامه، وكتب المعتمد إلى يعقوب في حمله فلم يجب إلى ذلك.

حدثنا عون بن محمد قال: قتل المهتدي يوم حارب الأتراك جماعة بيده، ورأوا من شجاعته وبأسه ما لم يروه من أحد قط، فلما صار في أيديهم أرادوه على الخلع، فأبى وسمع الضجة فقال: ما هذا؟ قيل جاءوا بأحمد بن المتوكل للخلافة، فقال أحمد هذا هو ابن فتيان؟ قالوا: نعم، قال: ويل لهم فهلا أتوا بأبي عيسى

(1) بغية الطلب 1: 5.

ص: 416

أخيه، فإنه كان أقرب لهم إلى الله عز اسمه وأنفع للمسلمين. قال: وأوقع الأتراك البيعة لأحمد بن المتوكل على الله وسموه المعتمد، وذلك في يوم الثلاثاء، لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، ولم يخلع المهتدي نفسه فقتلوه، وقيل مات من سهم وضربة كانا به، وصلى عليه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي.

وكان المعتمد جهيرا فصيحا صيتا إذا خطب أسمع أقصى الناس، وكان يمثل بينه وبين المستعين بالسخاء فيقال: ما لي لبني العباس أسخى منهما، وكان جيد التدبير فهما بالأمور جليلا في قلوب الناس، فلما جرى عليه ما جرى من تفويضه أمره وغلب على رأيه نقصت حاله عند الناس. وكان يحب الشعر ويشتهيه ولم يكن له طبع يزنه به، فكان ربما وقع له الموزون ويعملون ألحانا عليه، فيرى أنه جيد لما غنى فيه، وليس كل مغن يفهم التقطيع والقسمة ولا يغني إلا بشعر صحيح.

أنشدني عبد الله بن المعتز للمعتمد مما وزنه صحيح:

الحمد لله ربي

ملكت مالك قلبي

فصرت مولى لملكي

وصار مولى لحبي قال: وهو القائل لما أكثر الناصر لدين الله نقله من مكان إلى مكان:

ألفت التباعد والغربة

ففي كل يوم أطا تربه

وفي كل يوم أرى حادثا

يؤدي إلى كبدي كربه

أمر الزمان لنا طعمه

فما لي ترى ساعة عذبة وقال: ومما قاله وأنشدنيه جماعة، وبعض الناس ينحله إلى غيره، لما كان في نفوسهم مما كان يقع له في الوزن:

بليت بشادن كالبدر حسنا

يعذبني بأنواع الجفاء

ولي عينان دمعهما غزير

ونومهما أعز من الوفاء

ص: 417

وحكى عبد الله بن خرداذبة أنه رأى هذين البيتين عند الحضرمي وراق المعتمد، وقد كتب الحضرمي: أنشدنيهما المعتمد لنفسه.

وكان المكتفي أخرج إلينا مدارج مكتوبة بالذهب، فكان فيها من شعر المعتمد على الله الموزون:

طال والله عذابي

واهتمامي واكتئابي

لغزال من بني الأص؟

فر لا يعنيه ما بي

أنا مغرى بهواه

وهو مغرى باجتنابي

فإذا ما قلت صلني

كان " لا " منه جوابي ووجدت أيضا من الموزون:

عمل الحب بفرقة

فبقلبي منه حرقة

إنما يستروح الص؟

ب إذا أظهر عشقه وبعد هذا أبيات لا نظام لها.

وحدثنا محمد بن يحيى بن أبي عباد قال: طلب المعتمد ثلاثمائة دينار يصل بها عريب وقد حضرت مجلسه، فلم يجدها، فطلب مائتين فلم يجدها، وكان قد أمر أن يطرح لها تكاء فأبت، فكان يجعل تحت ركبتها أترجتان من الأترج الكبار وربما قورتا، وجعل فيهما دنانير، قال: فبلغني أنه لما لم يجد الدنانير قال شعراً:

أليس من العجائب أن مثلي

يرى ما قل ممتنعا عليه

وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا

وما من ذاك شيء في يديه

إليه تحمل الأموال طرا

ويمنع بعض ما يجبى إليه وكان المعتمد من أسمح الناس، قال له القاسم بن زرزر المغني: يا سيدي إلى جانب ضيعتي ضيعة لا تصلح إلا بها تباع بسبعة آلاف دينار، وما عندي من ثمنها إلا ألفي دينار، أحضروني خمسة آلاف دينار، فجيء بها، فدفعها إليه فاشترى الضيعة، فسأله بعد أيام عنها فعرفه شراءها فقال: ما أحب أن يكون لك

ص: 418

فيها وزن، ادفعوا إليه ألفي دينار مكان ألفيه، فأخذها وانصرف.

حدثنا الحسن بن إسماعيل قال: جلس المعتمد يشرب يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب بالحسني على المسناة الشرقية على دجلة مع المغنين والمخنثين، وأكل في ذلك اليوم من رؤوس الجداء واصطبح ثم تشكى في عشيته تلك، فتعالج وبات وقيذا، فمات من ليلته، وأحضر المعتضد القضاة ووجوه الناس فنظروا إليه ثم حمل إلى سر من رأى ودفن بها، وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وستة أيام، وقيل غير يوم، وقيل يوما، وكان صوته الذي شرب عليه يوم اصطبح في شعر أبي نواس:

يا كثير النوح في الدمن

لا عليها بل على السكن وكان عمره يوم مات خمسين سنة كاملة، وكان أسن من الموفق بستة أشهر.

- 14 - (1)

مات الموفق ليلة الخميس لثمان بقين من صفر؟ يعني من سنة ثمان وسبعين؟ وجلس أبو العباس يوم الخميس فعزاه الناس، وخطب يوم الجمعة للمعتمد ثم للمفوض يعني جعفر بن المعتمد بالعهد ثم لأبي العباس أحمد المعتضد بالله ولي عهد المسلمين. وبعد ذلك أمر المعتمد أن يجعل أبو العباس أحمد بن الموفق في ولاية العهد مكان جعفر المفوض، وكتبت الكتب بذلك وقرئت عليه وأدخل القضاة إليه حتى شهدوا بذلك في يوم الإثنين لثلاث بقين من المحرم يعني من سنة تسع وسبعين.

فحدثني نصر الحاجب المعروف بالقشوري قال: أنا سفرت في ذلك لمال أطلقه لي المعتضد، فأتيت المعتمد فأخبرته به بعد أن أشرت على المعتضد أن يحمل إليه مائتي ألف دينار وثيابا وطيبا، ففعل ذلك وطابت نفسه، وحمل إلى المفوض مثل ذلك، وفارقنا المعتمد على أن يرضى جعفر بذلك، فلما سألت

(1) بغية الطلب 1: 120 - 125، 169.

ص: 419

المعتمد ذلك قال لي: أفيرضى جعفر؟ قلت: نعم، قال: فليجئني أحمد حتى أفعل ما يريد، فجاء فأجلسه على كرسيه بين يديه وهو على سريره بعد أن ضمه إليه، وقبل المعتضد يده، فتحدثا ساعة بغير ما قصداه، ثم ابتدأه، المعتمد فقال: أحضر من شئت فإني أفعل ما تريد، فأحضر الناس وشهدوا على خلع جعفر من ولاية العهد وتولية المعتضد، وكتب بذلك كتب إلى النواحي وأن المعتمد قد جعل إليه ما كان إلى الموفق من الأمر والنهي ووقع المعتمد في الكتاب: أقر عبد الله الإمام المعتمد على الله أمير المؤمنين بجميع ما في هذا الكتاب وكتب بخطه، وأقر جعفر بن أمير المؤمنين المعتمد على الله بجميع ما في هذا الكتاب وكتب بخطه.

كانت البيعة بالخلافة لأبي العباس أحمد بن الموفق بالله، واسم الموفق محمد وقيل طلحة؟ وكان المتوكل على الله قال: كل من غلبت عليه كنيته من ولدي فاسمه محمد؟ يوم الإثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، وسنه يوم ولي الخلافة سبع وثلاثون سنة، مولده في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين ومائتين، سمعت المكتفي بالله يذكر ذلك.

وحدثني عبد الله بن المعتز قال: كان المتوكل على الله يجلسني والمعتضد آخر أيامه معه على السرير، ونحن صغيران، فيرمي إلينا بالشيء فنتحارب عليه، فيضحك من فعلنا، قال: وكان هو أسن مني. قال: وأم المعتضد يقال لها خزر؟ ويقال إن اسمها غير؟ كان اسمها ضرار ثم سميت بخفير، وكانت وصيفة لخديجة بنت محمد بن إبراهيم بن مصعب، فاشتراها منها أخوها أحمد بن محمد ثم اشتراها بعض القواد فأهداها إلى المتوكل، فوهبها لإسحاق أم الموفق جاريته، فوهبتها للموفق، وكان الذي سماه المعتضد عبيد الله بن عبد الله قبل ولايته العهد ببيتين قالهما وكتب بهما إليه:

إرث الخلافة معضود بمعتضد

لا زال عنه وموصول لمن ولدا

خليفة ملكه أمن وعافية

ورخص سعر وخصب فليعش أبدا وكان المعتضد من أكمل الناس عقلا وأعلاهم همة وأكثرهم تجربة، قد حلب الدهر أشطره وعاقب بين شدته ورخائه. وكان أبوه الموفق يسمى المنصور

ص: 420

الثاني لانشعاب الأمور عليه وقيامه بها حتى تجلت. وكان المعتضد يسمى السفاح الثاني لأنه جدد ملك بني العباس بعد إخلاقه وقتل أعداءه، فكأنه أول لهم كما كان السفاح أولا، وقد احتذى على هذا المعنى عليّ بن العباس الرومي فقال يمدحه لما قام بالخلافة:

هنيئا بني العباس إن إمامكم

إمام الهدى والبأس والجود أحمد

كما بأبى العباس أنشئ ملككم

كذا بأبي العباس أيضا يجدد

إمام يظل الأمس يعمل نحوه

تلهف ملهوف ويشتاقه الغد وفي تأخير [هـ] الخراج والنوروز يقول يحيى بن عليّ:

إن يوم النوروز عاد إلى العه؟

د الذي كان سنه أردشير

أنت حولته إلى الحالة الأو

لى وقد كان حائرا يستدير

وافتتحت الخراج فيه فللأ

مة في ذاك مرفق مذكور

منهم الحمد والثناء ومنك الر

فد فيهم والنائل المشكور وكان الحسين بن عبد الله الجوهري جاء بهدايا من عند خمارويه بن أحمد وسعى في تزويج ابنة خمارويه من عليّ بن المعتضد، فقال المعتضد: قد علمت إنما أراد خمارويه أن يتشرف بنا، فأنا أتزوجها، فتزوجها بحضرة القضاة وزوجه إياها ابن الجصاص.

ولما ولي المعتضد الخلافة أمر بالزيادة في المسجد الجامع بالمدينة، وأمر بتسهيل عقبة حلوان وقال: هذا طريق الملك، فسهلت إلى الموضع المعروف بدهليزان، وكان الناس يلقون منه تعبا شديدا، فبلغت النفقة عشرين ألف دينار عليهما. وأمر برد المواريث على ذوي الأرحام في آخر سنة ست وثمانين بكتاب ابن أبي خازم القاضي إلى أبي النجم بعد أن سأله بدر عما عنده فيه، وأنشئت الكتب بذلك، وما فعله في أمر النوروز وتأخيره لتأخير الخراج، إنما احتذى ما كان المتوكل فعله وكتب فيه إبراهيم بن العباس الصولي كتابا بتأخيره إلى سبعة عشر يوما من حزيران، فاحتذى المعتضد ذلك إلا أنه جعله لأحد عشر يوما من حزيران.

ص: 421

ومن شعر المعتضد:

يا لاحظي بالفتور والدعج

وقاتلي بالدلال والغنج

أشكو إليك الذي لقيت من ال

وجد فهل لي لديك من فرج

حللت بالظرف والجمال من النا

س محل العيون والمهج حدثني يحيى بن عليّ بن المنجم قال: كنا مع المعتضد في بعض أسفاره فدعاني فقال لي: قلبي ببغداد وإن كان جسمي ها هنا، فقل عني شعرا في هذا المعنى أكتب به إلى من أريد ببغداد فإني قد رمت ذلك فلم يتسق لي، فقلت على لسانه:

ها هنا جسمي مقيم

وببغداد فؤادي

وكذا كل محب

باع قربا ببعاد

أملك الأرض ولكن

تملك الخود قيادي

غلب الشوق اصطباري

مثل غلبي للأعادي

فأنا أحتال أن يخ

فى بجهدي وهو بادي

ليس واد لا أرى في

هـ حبيبي لي بواد فاستحسن الأبيات وكتب بها، والناس يرونها للمعتضد، وقد حدثني بهذا يحيى بن عليّ، وكان ما علمت صدوقا فيما يحكيه، فأما الذي للمعتضد في هذا المعنى مما أنشدنيه له محمد بن يحيى بن أبي عباد:

إن جسمي بسميس

اط وقلبي بالعراق

غلب الشوق اصطباري

من تباريح الفراق

أملك الأرض ولا أمل

ك دفعا لاشتياقي ومن شعر المعتضد:

لم يلق من حر الفراق

أحد كما أنا منه لاق

يا سائلي عن طعمه

ألفيته مر المذاق

جسمي يذوب ومقلتي

عبري وقلبي ذو احتراق

ص: 422

ما لي أليف بعدكم

إلا اكتئابي واشتياقي

فالله يحفظكم جمي

عا في مقامي وانطلاقي وكانت دريرة جارية المعتضد مكينة عنده، لها موضع في قلبه، فتوفيت فجزع عليها جزعا شديدا، ومن شعر المعتضد فيها لما ماتت، أنشدنيه محمد ابن يحيى بن أبي عباد، وكان إبراهيم بن القاسم بن زرزر المغني يغني منه بيتين ويقول: الشعر واللحن للمعتضد طرحه علي:

يا حبيبا لم يكن يع

دله عندي حبيب

أنت عن عيني بعيد

ومن القلب قريب

ليس لي بعدك في ش

ىء من اللهو نصيب

لك من قلبي على قلب

ي وإن بنت رقيب

وحيالي منك مذ غب

ت خيال ما يغيب

لو تراني كيف لي بع

دك عول ونحيب

وفؤادي حشوه من ح

رق الحزن لهيب

لتيقنت بأني

فيك محزون كئيب

ما أرى نفسي وإن سليت

ها عنك تطيب

لي دمع ليس يعصي

ني وصبر ما يجيب ومن شعر المعتضد:

ضاع الفراق فلا وجدته

وأتى الحبيب فلا فقدته

واهتاجني لما أتى

شوق إليه فاعتنقته أنشدنيه يحيى بن عليّ قال: أنشدنيه المعتضد لنفسه وقال: اصدقني عنه، فحلفت له أنه من حسن الشعر ومليحه.

واعتل المعتضد في سنة تسع وثمانين، ولم يزل عليلا منذ وقت خروجه إلى الخادم وتزايدت علته.

حدثني جابر وسعد بن غالب المتطببان أن علته كانت فساد مزاج وجفافاً من

ص: 423

كثرة الجماع، وكان دواؤه أن يقل الغذاء ويرطب بدنه قليلا قليلا ولا يتعب، فكان يستعمل ضد هذا ويريهم أنه يحتمي، فإذا خرجوا دعا بالجبن والزيتون والسموك والصحاني، فلم يزل كذلك إلى أن سقطت قوته، واشتدت علته في يوم الجمعة لإحدى عشر ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين، فوافى دار العامة مؤنس الخادم ومؤنس الخازن ووصيف موشجير، وديوداذ بن محمد بن أبي الساج وأخوه والفضل بن راشد في السلاح في جميع أصحابهم، وأحضر خفيف السمرقندي وأصحابه، وكذلك رشيق القاري وجعفر بن بغلاقر، وحضر القاسم بن عبيد الله والنوشجاني ويانس وثابت الرصاصي وبشر وغلمان الحجر، فسألوا القاسم أخذ البيعة لأبي محمد عليّ بن المعتضد فقال القاسم: لست أجسر أطلب مالا لهذا، وأخاف أن أنفق بلا إذن فيفيق أمير المؤمنين ويبل فأطالب بالمال، فقالوا له بأجمعهم: نحن نضمن المال لك وهو علينا، فقال: رأيكم فإن أمير المؤمنين المعتضد أمرني أن أسلم المملكة إلى ابنه أبي محمد والخلافة، فبايع الجميع يوم الجمعة بعد العصر وسمي المكتفي، وأفاق المعتضد يوم السبت فلم يخبر بشيء، ثم توفي ليلة الإثنين لخمس ساعات مضت من الليل، فبعث غداة الاثنين لثمان ليال بقين من شهر ربيع الآخر إلى محمد بن يزيد المهندس، فأعلمه صاف أن المعتضد أوصى أن يدفن في دار محمد بن عبد الله بن طاهر وينقل إليها أمهات أولاده وولده ليكونوا بالقرب من قبره، فمضى محمد بن يزيد وحفر قبرا عشر أذرع في خمس، وكفن في ثلاثة أثواب أدرج فيها وحضر القضاة والفقهاء، وغسله أحمد ابن شيبة عند زوال الشمس، وصلى عليه يوسف القاضي، وأدخل حفرته بعد ثلاث ساعات من ليلة الثلاثاء، وكتب القائم إلى المكتفي بالخبر، وقد كان كاتبه قبل ذلك بحقيقة حال المعتضد، وهو أخذ البيعة، فكانت مدة خلافته تسع سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام، ومات وهو ابن خمس وأربعين سنة.

- 15 - (1)

في سنة ثلاث وثمانين غضب المعتمد على أحمد بن الطيب ووجه بشفيع

(1) بغية الطلب 1: 180 - 181.

ص: 424

اللؤلؤي ونحرير الصغير خادم بدر فقبضوا على جميع ما في داره وقرروا جواريه على ماله حتى أخذوه، فاجتمع من ذلك ومن ثمن آلاته مما حمل إلى بيت المال مائة وخمسون ألف درهم قال فحدثني محمد بن يحيى بن أبي عباد قال: كان سبب غضب المعتمد على أحمد بن الطيب أن أحمد كان قديما يمدح عنده الفلاسفة ويستعقلهم ويحكي مذاهبهم، فيقول المعتضد: أنت على دينهم وكيف لا يكون ذلك وأستاذك الكندي، وكان قد تخمر في نفس المعتضد أنه فاسد الدين، وكان ابن الطيب معجبا يدعى ما لا يحسن، وكان مع قصر عقله في لسانه طول، فكان كثيرا ما يقول للمعتضد: الأمور تخفى عليك وتستر دونك، فقال له يوما: ما الدواء؟ قال: توليني الخبر على أبي النجم وعبيد الله، قال: قد وليتك، قال: فاكتب بذلك رقعة، فكتب رقعة بخطه بتوليته، فجاء بها إلى عبيد الله يعلمه ذلك ويتقرب إليه أنه لم يستر ذلك عنه، فأخذها عبيد الله ووثب وطلبها ابن الطيب فوجه إليه: أنا أخرج بها إليك ووكل به في داره، وركب إلى بدر فأقرأه إياه، فركبا إلى المعتضد بالله حتى عرفاه الخبر ورمى عبيد الله بنفسه بين يديه وقال له: أنت يا سيدي نعشتني وابتدأتني بما لم أؤمله وكل نعمة لي فمنك وبك، فسكن منه وقال: إنه يسعى عليكما عندي فاقتلاه وخذا ما يملكه، فأدخل المطامير وكان آخر العهد به.

قال محمد بن يحيى الصولي: وقد قيل إن سبب ذلك أن عبيد الله لما أراد الخروج إلى الجبل مع بدر قال المعتضد لبدر: الصواب أن يحضر أحمد بن محمد جرادة ليعاون القاسم على خدمتنا، فسمع ابن الطيب ذلك فأداه إلى عبيد الله فرده عبيد الله على المعتضد وقال له نحو ما حكي في الخبر الأول، فعزم عليه ليخبرنه، من قال له ذلك فقال: ابن الطيب، فكان هذا سببه.

وقال أبو بكر الصولي: حدثني محمد بن أحمد أبو الحسن الأنصاري قال: كان ابن الطيب يختلف معنا إلى الكندي، وكان الكندي يقول: هذا أحمق وسيتلف نفسه بحمقه فكان كما قال.

ص: 425

قال الصولي حدثنا الحسن بن إسماعيل قال: كان القاسم يغتاظ من ابن الطيب فيقول له أبوه: نحن نخنقه بوصفه. وكان المعتضد بالله ربما نفث بشكواه والتأذي منه بالكلمة فيقرظه عبيد الله ويحتج عنه، فذكر عبيد الله يوما بشيء قدام المعتضد فقال له المعتضد: كفاك أن عبيد الله ما ذكرت لي قط إلا احتج عنك ووصفك وأنت ما ذكرته عندي قط إلا غمزت منه على جانب، قبحك الله وقبح طبعك السوء، ثم انكشف أمره فأوقع به في سنة ثلاث وثمانين.

- 16 - (1)

كان العباس بن الحسن يحب أن يرى المكتفي أنه فوق القاسم بن عبيد الله تدبيرا فقال للمكتفي: إن ابن الأغلب في دنيا عظيمة ونعم خطيرة، وأريد أن أكاتبه وأرغبه في الطاعة وأخوفه المعصية، ففعل، فأنجح الكتاب، ووجه ابن الأغلب برسول له شيخ ومعه هدايا ومائتا خادم وخيل وبز كثير وطيب، ومن اللبود المغربية مائتان، وعشرة آلاف درهم، في كل درهم عشرة دراهم، وألف دينار في كل دينار عشرة دنانير، وكتب على الدراهم من وجهين، على كل وجه منها:

يا سائرا نحو الخليفة قل له

أن قد كفاك الله أمرك كله

بزيادة الله بن عبد الله سي

ف الله من دون الخليفة سله وفي الجانب الآخر:

ما ينبري لك بالشقاق منافق

إلا استباح حريمه وأذله

من لا يرى لك طاعة فالله قد

أعماه عن سبل الهدى وأضله ووجه إلى العباس بهدايا جليلة كثيرة وعرفه أنه لم يزل وآباؤه قبله في طاعة الخلفاء..

وقد رأيت الشيخ القادم بالهدايا من قبله، وكان عظيم اللحية، وكان معه مال

(1) بغية الطلب 8: 27.

ص: 426

عظيم، فاشترى مغنيات بنحو ثلاثين ألف دينار لابن الأغلب تساوي عشرة آلاف دينار ولعب الناس عليه فيهن وغبنوه، وكان قليل العلم بالغناء، ثم اعتل فمات، فأخذ العباس بن الحسن جميع ما كان معه، وورد الخبر بعقب ذلك بمجيء ابن الأغلب منهزما إلى مصر، فكتب العباس يتعرف مقدار ابن الأغلب وجيشه وما ورد به مصر معه، فوردت كتب أصحابه بأنه في غاية الترفه والتشاغل بلذته، وأنه لا رأي له ولا حزم عنده، فكتب إلى النوشري في إخراجه من مصر إلى الحضرة، فلما صار بديار مصر أشار على المكتفي أن لا يقدمه الحضرة إذ كان مؤونة لا معونة، وكتب إلى بسطام وهو يلي ديار مصر أن يقيمه عنده وأن يقيم له أنزالا بألف دينار في كل شهر، فأقام أشهرا ثم توفي.

وابن الأغلب هذا من ولد الأغلب بن عمرو المازني، وكان عمرو من أهل البصرة، وولاه الرشيد المغرب بعد أن مات إدريس بن عبد الله بن حسن بن حسن، فما زال بالمغرب إلى أن توفي، وخلفه ابنه الأغلب بن عمرو ثم أولاده إلى أن صار الأمر إلى زيادة الله هذا.

ص: 427

فراغ

ص: 428