المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أبنية المصادر مراده أن يبَّين أبنيةَ المصادر القياسية من غير القياسية. واعلم - شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية - جـ ٤

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌ ‌أبنية المصادر مراده أن يبَّين أبنيةَ المصادر القياسية من غير القياسية. واعلم

‌أبنية المصادر

مراده أن يبَّين أبنيةَ المصادر القياسية من غير القياسية.

واعلم أن القياس في العربية يُطلق/ على وجهين: أحدهما أن يُلْحَق بكلام العرب

466 ما ليس منه لجامع بينهما (1)، من غير أن يُبْحث: هل قالته العرب أو لم تَقُله، لأن الاستقراء قد أفادنا أنها لو تكلمت به لكان على هذا النحو يقيناً أو غلبةَ ظَنً، وذلك كرفع الفاعل والمبتدأ، ونصب الحال، والمفعول به إذا ذكر الفاعل، واتصال الضمير بالفعل وانفصاله عنه، وما أشبه ذلك؛ فتقول: قَام زَيْدٌ، وضَربَ زيدٌ عَمْراً، وجاء مَسْرِعاً، وأَعْطَيْتُه إياَّه، من غير أن تقفَ، أو تنتظرَ ما تقوله العرب.

والثاني أن تقيس أيضاً مالم تَقُله على ما قالته، لكن بعد البحث والتَّنقير: هل تكلمت به العرب أم لا؛ فإن كانت قد تكلمت به لزمنا العملُ عليه وإن خالف القياسَ الذي اسْتَقْرَيْناه في المسألة، ونترك القياس فلا نلتفته (2). وإن لم تكن قد تكلمت به أجرينا فيه ما حصل لنا من القياس، وحملناه على الأكثر. وهذا كالمصادر، والإفعال المضارعة.

(1) في الأصل: ((يجامع بينهما)) وما أثبته من (ت، س).

(2)

ت ((فنلتفته)) وهو تحريف. والشارع يريد: فلا تلتفت إليه.

ص: 323

الجارية على الماضية وبالعكس، وكالصفات، وجموع التكسير، وما أشبه ذلك كقولنا: إذا كان الفعل الثلاثي على (فَعَل) متعديا فإن قياس مصدره (فَعْل) لأن الاستقراء أبرز لنا أنه الأكثر، فما لم تنطق له العرب من الأفعال بمصدر جئنا به له على (فَعْل) قياساً على ما نطقت به من ذلك، كضَرَبْتُه ضَرْباً، وشَتَمْتَه شَتْماً.

فإن نطقت له بمصدر على (فَعْل) فهو القياس فنلتزمه، وإن على غير ذلك اتَّبعْناه وتركنا القياس، كقولهم: سَرَقَةُ سَرَقاً وطَلَبَه طَلباً، فلا تقول هنا: سَرْقاً، ولا طَلْباً، قياساً على (ضَرَب ضَرْباً) وبابه، وهذا معنى القياس (1).

في قول الناظم:

فَعْلٌ قِياسُ مَصْدَرِ المعَدَّي

مِنْ ذِي ثَلاثَةٍ كَرَدَّ رَدَا

والقياس بالمعنى الأول هو المراد في جميع ما تقدم قبل هذا (2).

ويعني أن (فَعْلا) المفتوح الفاء، الساكن العين من أبنية المصادر- قياسٌ في مصدر الفعل الثلاثي المعدَّي إلى مفعول به، على أب بناءٍ كان ذلك الفعل، مِنْ (فَعَل) بفتح العين، أو (فَعِل) بكسرها.

وأما (فَعُل) بضمها فلا يكون متعدَّيا أبدا إلا بالتَّحويل من بِنْية أخرى، إلا حرفاً شاذاً حكاه الخليل عن نَصْر بن سَيَّار: أَرَحُبَكُمُ الدخولُ في طاعة

(1) انظر في معنى القياس في العربية: الخصائص 1/ 109 - 133، 357 - 374.

(2)

يعني أبواب النحو التي سبقت هذا الباب.

ص: 324

الكَرْمَاني (1)؟ اي أَوَسِعَكُم؟

وأطلق القول في القياس، سواء كان الفعل صحيحا، أو معتل الفاء أو العين أو اللام، أو مضاعفَا.

وكذلك يستَوِي في ذلك ما تعدَّى إلى واحد أو الى أكثر من ذلك.

فالصحيح في (فَعَل) بفتح العين: قَتَلهُ قَتْلاً، وخَلَقَهُ خَلْقاً، وضَرَبَهُ ضَرْباً، وشَتَمهُ شَتْماً، وجَبْذَهُ جَبْذاً (2)، وصَرَفَهُ صَرْفاً، وطَرَقَ الحديدَ طَرْقاً، وصَرَعهُ صَرْعاً، ونحو ذلك.

والمضَاعَف نحو: رَدَّهُ رَدَّا، وهو مثاله (3)، وشدَّهُ شَداً، وعَدَّهُ عَداً، ومَجَّهُ مَجَّاً (4)، ودَعَّهُ دَعَّاً، أي دَفعه.

والمعتلٌ الفاء نحو: وَعَدَهُ وَعْداً، ووَزَنَه وُزْناً، ووَأَدَهُ وأْداً، ووَهَنَهُ وَهناً أضعفه، ووَتَرْتُ العددَ وَتْراً/، أفرتهُ.

467

والمعتلّ الين نحو: باعَهُ بَيْعاً، وكالَهُ كَيْلاٌ، وساقَهُ سَوْقاً، وجَابَ الأرضَ جَوْباً، قَطعها وخَرقها.

(1) نصر بن سيار الكناني، أمير من الدهاة الشجعان، ولى بلخ وخراسان للدولة الأموية، غزا ما وراء النهر، ففتح حصونا وغنم مغتنم كثيرة، وهو صاحب البيات التي يحذر فيها بني أمية، من قوة الدعوة العباسية والتي أولها:

أرى خلل الرماد وميض نار ويوشك أن يكون له ضرام

(ت 131 هـ) وأما الكرماني فهو جديع بن علي الأزدي، شيخ خراسان وفارسها في عصره، وأحد الدهاة الرؤساء، أقام في خراسان إلى أن وليها نصر بن سيار، فخاف شر الكرملني فسجنه، ولكنه فر من السجن، ولما ظهر أبو مسلم الخراساني اتفق معه على قتال نصر بن سيار والي خراسان، ولكن نصراً قتله عام 129 هـ.

(2)

حبذ الشيء: جذبه، وفي الحديث ((فجبذني رجل من خلقي)).

(3)

اي المثال الذي ذكره الناظم.

(4)

مَجْ الماءَ أو الشرابَ من فيه مَجَّا: لفظه، ومن المجاز قولهم: كلام تمجه الأسماعَ.

ص: 325

والمعتلّ اللام: رَمَاهُ رَمْياً، وطَلَاهُ طَلْياً، ومَرَاهُ مَرْياً (1)، وغَزَاهُ غَزْواً، وَطَواهُ طَيَّاً، وشَوَاهُ شَيَّاً، وكَوَاهُ كَيَّاً.

وأما (فَعِل) بكسر العين فكذلك.

ففي الصحيح منه: لَحِسَهُ لَحْساً، ولَقِمَهُ لَفْمِاً، وشَرِبَهُ شَرْباً، وسَرِطَهُ سَرْطاً، وزَرِدَهُ زَرْداً (2)، وِلَثَمهُ لَثْماً، ولَبِسَهُ لَبْساً، وقَضَمِت الدابَّةُ شعيرَها قَضْماً (3)، وَبِلعَ الشيءَ بَلْعاً، ونحو ذلك.

والمضاعف نحو: مَسِسْتُ لشِيءَ مَساً، وشَمِمْتهُ شَماً، ومَصِصتْهُ مصاً، وعَضضْتهُ عَضاً، وسَفِفْتُ الدواء سَفاً.

والمعتلّ الفاء: وَطِئْتُ الشِيءَ وَطْئاً، وهو في نفسه قليل.

والمعتلّ العينِ: خِفْتُهُ خَوْفاً، ونلتُهٌ نَيْلاً.

وبالهمز: رَئمَت الدابَّةُ ولدَها رَأْماً، أحَّبته فشمَّته.

والمعتلّ اللام: قَنِيَ حياءهُ قَنْياً، لزمه، ونَشِيتُ الخبر نَشْياً، تَعرَّفْتُه (4). والمتعدَّي في (فَعِل) قليل، ولكن الغالب والأكثر في ذلك القليل في المصدر (فَعْل) كما قال الناظم. وأكثرُ ما يستعمل المتعدَّي منه في العمل بالفم.

و((ذُو الثَّلاثةِ)) في كلامه هو الفعل الذي على ثلاثة أحرف، لم يُخرجه عن ذلك لا أصليُّ من الحروف ولا زائد، كالمُثُل المتقدَّمة.

(1) مَرَى الشيءَ: استخرجه، ومَرَت الربحُ السحاب: أنزلت منه المطر، ومَرَى فلانا حقه: جحده.

(2)

سَرِط الطعام واسترطه: ابتلعه. وزَرِد اللقمة وازدردها: ابتلعها كذلك.

(3)

القضم: الأكل بأطراف الأسنان، أو أكل الشِيء اليابس. ويقابله الخضم، وهو الأكل بجميع الفم، أو أكل الشيء الرطب.

(4)

اللسان (نشا).

ص: 326

أمَّا إن خرج عن ذلك بأصلي نحو: دَحْرجَ، أو بزائد نحو: أَكْرَمَ، فله في المصادر أبنية أخرى سيأتي منها ما قَصد ذكرهَ.

وقوله: ((مِنْ ذِي ثَلَاثةٍ)) على حذف الموصوف، أي من فعْل ذي ثلاثة، وكذلك قوله:((الْمُعَدَّي)) و ((مِنْ)) لبيان الجنس أو للتبعيض، وهي في موضع الحال، أي قياسُ مصدر الفعل المتعدي كائنا من الأفعال الثلاثية (فَعْلُ).

ثم انتقل إلى مصدر اللازم فقال:

وفَعِلَ اللَاّزِمُ بَابُه فَعَلْ

كَعَرَجٍ وكَجوَىً وكَشَلَلْ

لما كان قد شَمِل له البيتان المتقدمان بناءين (فَعَل وفَعِل) بفتح العين وكسرها، وتكلم على مصدرهما في التعدَّي أتمَّ النظرَ فيهما بمصدر اللازم منهما.

وابتدأ بذكر (فَعِلَ) المكسور العين، فيَعنيِ أن قياس مصدر (فَعِلَ) المكسور العين أن يُبنى على (فَعَلٍ) بفتح الفاء والعين، كان صحيحاً، وإليه أشار بقوله:((كعَرَجٍ (1))) أو معتلا، وإليه أشار بقوله:((وكجَوىً)) أو مضاعَفاً، وإليه أشار بقوله:((وكشَلَل)).

واللازم خلاف المتعدَّي، وهو الذي لزم فاعلَه، فلم يَطلب غيره، وقد تقدم تفسيره في ((باب التعدَّي)).

فمثال الصحيح: عَرِجَ عَرَجاً، ومَرِضَ مَرضاً، وغَضِبَ غَضَباً، وأَنِفَ أَنَفاً (2)، وأَكِلَتِ النَّاقَةُ أكَلاً؛ تأذَّت بوبَر جَنِينها في بطنها، وأَكِلَتِ الأسنانُ،

(1) الرواية المشهورة ((كَفَرحٍ)).

(2)

أَنِفَ منه أَنَفَاً: وأَنَفَةً: استنكف واستكبر، ويقال: فيهم انَفَةُ وأنَفهُ.

ص: 327

تكسَّرت، وأَسِفَ أَسَفاً، حَزِنَ، وعَسِمَتِ اليدُ عَسَماً؛ يَبِسَتْ، وعَبِدَ عَبَداً، أَنِفَ، وعَتِبَ الأمرُ عَتَباً؛ صار فيه عَيْب (1).

ومثال المعتلّ الفاء: وَجِلَ وَجَلاً، ووَجِعَ وَجَعَاً، ووَبِئَتِ الأرضُ وَبَاً، ووَهِمَ وَهَماً، ووَهِلَ وَهَلاً (2)، ووَكِعْتِ الّرجْلُ/ وَكَعاً؛ مال إبهامُها عليها، ووِرِمَ وَرماً، ووَصِبَ وَصَباً (3)، ووَقِصَ وَقَصاً؛

468 قَصر عنقُه.

ومثال المعتلّ العين: حَوِلَ حَوَلاً، وعَوِرَ عَوَراً، وخَوِصَتْ عينُه خَوَصاً؛ صَغُرت، وحَوِرَتْ حَوَراً (4)، وخِلْتُ إِخَالُ خَالاً وَخيَلاً، وغَار يَغَارُ غاَراً وغَيْرَةً.

ومثال المعتلّ اللام: رَدِىَ رَدىً (5)، ولَوِىَ لَوىً (6)، وخَفِىَ خَفىً، ووَجِىَ وَجىً (7)، وصَوِيَتِ النَّخْلَةُ صَوىً؛ يَبِسَتْ، وصَغِىَ صَغىً؛ مال في جانبٍ خِلْقةً.

ومثال المضاعَف: شَلَّ يَشَلُّ شَلَلاً، وبَحِحْتُ بَحَحاً (8)، وشَمَّ الأنفُ

(1) اللسان (عتب).

(2)

يقال: وَهِلَ الرجلُ، يَوْهَلُ، وَهَلاً، إذا ضعف أو جبن أو فزع.

(3)

وَصِيَ يَوْصَبُ وَصَباً: مرض ووجَد وجعا، فهو وَصَب. وقد يطلق الوصبَ على التعب والفتور في البدن. والأوصاب: الأسقام، واحدها وَصَب.

(4)

حَوِرَتْ العينُ: اشتد بياضها وسوادها، واستدارت حدقتها، ورقت جفونها، وابيض ما حواليها وحَوِرَتْ، أيضا اسودَّت كلها، مثل أعين الظباء والبقر. والوصف منه: أَحْوَرُ وحَوراءَ، والجمع: حُورُ.

(5)

رَدِىَ الرجلُ، يَرْدىَ، رَدّى: هلك. ورَدِىَ في الهُوَّة: سقط، فهو ردٍ.

(6)

كوِىَ الرملُ وغيره، يَلوَى، لَوى: اعوجَّ، فهو لَوٍ، ولَوِى القرنُ، فهو ألوى، ولَوِىَ الرجل: اشتدت خصومته، وصار جدلا سليطا، فهو أَلْوىَ.

(7)

وَجِىَ يَوْجىَ، وَجىً: رقت قدمه أو حافره أو خفه من كثرة المشي، فهو وَجٍ، ووَجِىُّ.

(8)

يقال بَحَّ الرجلُ، يَبَحُّ، بَحَحاً، إذا غَلظ صوته وخَشنُ، فهو أَبَحُّ، وهي بحَّاء.

ص: 328

يَشَمُّ شَمَماً؛ ارتفع أعلاه، وصَمَّمتْ أُذُنُه تَصَمُّ صَمَما، ولَحِحَتْ هينُه لَحَحاً، الْتصَقَتْ.

واعلم أنه مَثَّل هنا بثلاثة أمثلة ترجع إلى معنى واحد، وهو ما كان عَرَضاً طارئاً على استقامة الخِلْقة في الأصل، فالعَرَج شِيء يصيب الرَّجلَ خِلْقَةً، لا يستقيم به المشيُ. والجَوَى: من جَوِىَ الرجلُ، إذا لم يَشْتَهِ الطعامَ، أو من جَوِىَ، إذا عَرَضت له حُرْقةُ باطنة، من حُزْن أو عِشْق، وكلاهما عَرَض طارئ. ويقال: جَوِىَ الشيءُ جَوىً، إذا أنْتَن، وهو من ذلك ايضا. والَشَّلَل: فساد في اليد، يقال: شَلَّتْ يدُه؛ إذا بَطَلت منفعتُها.

فهذا كلُّه من الأعراض الطارئة، إلا أن المثال الأول مما كان عَرَضا في أصل الِخلْقة، والباقيان مما كان عَرَضاً طارئاً عليها. وكلا المعنيين عَرَض يجري في هذا مَجْرىً واحدا. ثم قال:

وفَعَلَ الَّلازِمُ مِثْلُ قَعَدَا

لَهُ فُعُولٌ باطَّراَدٍ كغدا

هذا هو البناء الثاني، وهو المفتوح العين، كـ (قَعَدَ) الممثَّل به. يعني أن مصدر هذا الفعل اللازم قياسهُ (فُعُولُ) بضم الفاء باطراد، كان صحيحاً أو معتلاٍ أو مضاعَفاً، ما لم يدخله من المعاني ما يصرفه عن ذلك إلى أبينة أُخَر.

فمثال الصحيح: قَعَدَ قُعُوداً، وجَلَسَ جُلُوساً، وسَكَتَ سُكُوتاً، وثَبَتَ ثُبُوتاً، وذَهَبَ ذُهُوباً، ورَكَنَ رُكُوناً، ومَكَثَ مُكُوثاً، وطَلَعَتِ الشمسُ طُلُوهاً، وغَرَبَتَ غُرُوباً، وما أشبه ذلك.

ومثال المعتلّ الفاء: وَقَفَ وَقَوفاً، ووَكَفَ الدَّمْعُ والمَطَرُ وُكُوفاً (1)، ووَضَحَ

(1) وَكَفَ الماءُ وغيره، يَكِفُ، وَكْفاً ووُكُوفاً: سال وقطر قليلا قليلا.

ص: 329

الأمرُ وَضُوحاً، ووَجَبَ وُجُوباً، سَقَط أو ثَبَت، ووَصَبت وُصُوباً، دام.

ومثال المعتلّ اللام: دَنَا دُنُواً، وقَوَى ثُوُياً (1)، ومَضَى مُضِيَّاً، ويَدَا بُدُوَّا، وغَدَا غُدُوَّا، وَعَتَا عُتُوَّاَ، ونَمَا نُمُوَّاَ، وصَبَتِ الرَّيحُ صُبُوَّاَ؛ هَبَّت صَباً (2)، ومثال المضاعَف: مَرَّ مُروراً، وكَلَّ البصر كُلُولاً، وكَمَّت النَّخْلَةُ كُمُوماً، أَطْلَعَتْ، وسَدَّ الشِيءُ سُددُاً، وسَدَاداً؛ إذا كان صوابا.

وأما المعتلّ العين فَقَلَّ فيه (الفُعُولُ) لأجل الياء والواو، قالوا: غَابَتِ الشمسُ غُيُوباً، وغُرْتُ في الشِيء غُؤُوراً (3)، وبَادَ يِبِيدُ بُيوُداً، وسَارَ إليه يَسْورُ سُؤُوراً؛ وَثَب (4)، وآبَتِ الشمسُ أُوُوباً (5).

وهذا كلُّه قليل، كراهية (الفُعُول) في بنات الواو والياء، ففَرُّوا إلى (الفِعَالَة، والفِعَال، والفَعَال (6)) ونحوها، فقالوا: صَامَ صِيَاماً، وراحَ رَوَاحاً، ونَاحَ نَياحَةً/، وسَارَ سَيْراً،

469 وما أشبه ذلك.

فبَانَ أن (الفُعُول) في المعتلَّ العينِ ليس بقياس، وإطلاق الناظم يقتضى أنه قياس؛ إذا لم يَخُص صحيحاً من معتل، لا سيما وقد نَبَّه على النوعين بالمثال، فَمَّثل الصحيحَ بـ (قَعَدَ) والمعتلَّ على الجملة بـ (غَدَا)، فكان من حقه أن يُخرج المعتلَّ العين من ذلك.

(1) ثَوَى بالمكان فيه، يَثْوىِ ثَوَاءً وثوِباً: أقام واستقر. والوصف منه ثاوٍ.

(2)

الصَّبَا، بفتح الصاد، ريح مَهبُّها من مشرق الشمس إذا استوى الليل والنهار.

(3)

غَارَ في الشِيء غَوْراً وغُؤوُراً وغِيَاراً: دخل. وغار الماء غَوْرا وغُؤوُراً، وغَوَّر: ذهب في الأرض، وسفل فيها.

(4)

اللسان: (سور).

(5)

في اللسان (أوب): آبَت الشمسُ تَؤوبُ، إياباً ولأُيُوباً: غابت في مآبها، أي في مغيبها، كأنها رجعت إلى مبدئها)).

(6)

قوله: ((والفَعَال)) بفتح الفاء ساقط من الأصل و (ت) وأثبته من حاشية الأصل، و (س).

ص: 330

والجواب أن نقول: (لعله (1)) نَبَّه بالمثالين على النوعين اللذين يدَخلهما القياس، وهما الصحيح والمعتلُّ اللام، فيخرج المعتلُّ العين، ويصح الإطلاق.

فإن قيل: فيَبْقى المضاعَفُ والمعتلُّ الفاءِ يوُهِم فيهما القولُ بحكمٍ لا يصح، وهو ألَاّ يُقاس فيهما.

قيل: المضاعَف والمعتلُّ الفاء جاريان في أنفسهما مَجْرى الصحيح في غالب أحكام المصادرُ والصفات والجموع، ونحوِهما من الأحكام التَّصرِيفيَّة، وإنَّما تختلف الأحكام في المعتلَّ العين واللامِ مع الصحيح، فإذا نَبَّه على الصحيح والمعتلّ اللام جرى المضاعَف والمعتل الفاء مَجرى الصحيح، وبقي المعتلُّ العينِ منفياً عنه ما ذكر من الحكم. والأَوْلى أَنْ لو نَصَّ على ذلك.

ثم استثْنى من اطّراد هذا البناء ما استَحق بناءً آخر باطّرادٍ أيضاً حتى صار (الفُعُول) فيه نادراً غيرَ مَقِيس، فقال:

مَالَمْ يكُنْ مُسْتَوجْباً فِعَالَا

أَوْ فَعَلَاناً فَادْرِ أوْ فُعَالَا

فَأَوَّلٌ لِذِي امْتنَاعٍ كَأَبىَ

والثَّانِ للذِي اقْتَضَى تَقَلُّبَا

لِلدَّا فُعَالٌ أَو لصَوْتٍ وشَمِلْ

سَيْراً وصَوْتاً الفَعِيلُ كصَهَلْ

يعني أن (فُعُولا) في (فَعَل) اللازم قياسٌ، إلا إذا غلب عليه أحد هذه الأبنية الأربعة، لمعانٍ اقتضَتها تدل عليها؛ فإن (فُعُولا) يخرج عن أن يكون

(1) ما بين القوسين ساقط من (ت).

ص: 331

قياساً فيه، وهي:(فِعَالٌ) بكسر الفاء، كَنَفَر نِفَاراً، و (فَعَلانٌ) بفتح العين، كغَلَتِ القِدْرُ غَلَيَاناً، و (فُعَالٌ) بضم الفاء، نحو: بَكَىُ بُكَاءً، و (فَعِيلٌ) نحو: صَهَلَ صَهِيلاً.

فالثلاثة الأُوَل في قوله:

مَالَمْ يَكُنْ مُسْتَوْجِباً فِعَالَا

أَوْ فَعَلَاناً فَادْرِ أو فُعَالَا

وقوله: ((فَادْرِ)) تأكيد لمعنى الكلام، كأنه يقول: ليس (الفَعُول) في (فَعَلَ) اللازم بمطَّرد على الإطلاق، وإنما يكون مطَّرِداً في غير ما اطَّرَدت فيه هذه الأبنية، فأعلم ذلك، ولا تُهمله.

والرابع في قوله: ((وشَمِلَ سَيْراً وصَوْتاً الفَعِيلُ)).

ثم شرع في تفسير المعاني التي استَحق (فَعَلَ) اللازمُ هذه الأبنية عِوضَاً فقال: ((فَأَوَّلٌ لِذِي امْتِناعٍ)) فالأول هو (فِعَالُ) بكسر الفاء، وهو لكل فِعْل على (فَعَلَ) فيه معنى الإبَايَة والامتناع، وذلك نحو: فَرَّ فِرَاراً، ونَفَر نِفَاراً، وشَرَدَ شِرَاداً، وجَمَحَ جِمَاحاً، وشَمَس شِمَاساً (1)، وطَمَحَ طِمَاحاً؛ ارتفع، وشَبَّ شِبَاباً، وخَلأَتِ الناقةُ خِلَاءً، وهو كالحِرَان في الدواب (2).

وهذا هو الكثير. وقد رجعوا به إلى (الفُعُولَ) كنَفَر نُفُوراً، وشَمَس شُمُوساً، وطَمَح طُمُوحاً.

وأما تمثيله بـ (أَبىَ) فمشكل؛ فإنه، وإن جاء مصدرو على (فِعَال) نحو: أَبِى إِبَاءً وإبَايَةً، فإنه من المتعدِي، فتقول: أَبَيْتُ الشيءَ، إذا كرهتَه وامتنعتَ منه،

(1) شَمَست الدابة شُموساً وشِمَاساً: جحمت ونفرت.

(2)

(ت)((وهو الحران في الدواب)).

ص: 332

فليس من الأفعال اللازمة، فكيف يمثِّل به/ وهو لم يَقصد الإخبار عن حكم اللازم؟

470

والجواب أنه يمكن أن يكون عنده مستعملاً على وجهين، متعدياً وغيرَ متعدٍّ، فَمَثَّل بما هو لازم دون ما هو متعدٍّ، والله أعلم.

ثم قال * والثَّانِ لِلَّذِي اقْتَضَى تَقَلَّبَا *

الثاني هو (فَعَلَانٌ) بفتح العين، وهو بناءُ مصدرٍ لكل ما فيه معنى التقلُّب والحركة والاهتزاز، نحو: غَلَتِ القدرُ غَلَياناً، ونَزَا نَزَواناً؛ وثب، وقَفَزَ الظَّبْيُ قفَزانا؛ كلاهما وَثَب، ودَارَ دَوَرَاناً، وجَالَ الشيءُ جَوَلَاناً (1)، وذأَلَ ذَأَلَاناً؛ أسرع، وطَارَ طَيَراناً، وهَذَي يهَذي هَذَيَاناً (2)، ومَالَ مَيَلاناً، عَسَلَ الذئبُ عسَلاناً (3).

و((الذي)) في كلام الناظم واقع على الفعل، كأنَّه قال: بناءُ (فَعَلَان) للفعل الذي اقتضى معنى التقلُّب.

ثم قال: ((لِلدَّا فُعَالٌ)) هذا البناءُ الثالث، وهو (فُعَالٌ) بضم الفاء.

وأراد أن هذا البناء يختص قياسا بكل فِعْلٍ فيه معنى الدَّاء، ومعنى التصَّويت. فأما معنى الدَّاء فنحو: سَبَتَ سُبَاتاً (4)، وسَكَتَ سُكَاتاً (5)، ونَعَسَ نُعَاساً، وعَطَس عُطَاساً، وسَعَلَ سُعَالاً، ودِير بالرجل دُوَاراً (6)،

(1) في الأصل و (ت، س)((وجال بالشق)) وما أثبته من حاشية الأصل.

(2)

الهَذَيان: التكلم بغير معقول لمرض أو غيره.

(3)

يقال: عَسَلَ الذئبُ والفرسُ، إذا عَدا واهتزَّ في عدوه.

(4)

السُّبات: النوم الخفيف كنوم المريض والشيخ المسن، وأصله من السبت، وهو الراحة، أو القطع وترك الأعمال. ويقال: سُبِتَ المرض، بالبناء للمفعول، فهو مسبوت.

(5)

السَّكَات: مداومة السكوت، وداء يمنع من الكلام، وموت السكتة.

(6)

يقال: دِير الرجل وعليه، إذا أصابه الدُّوَار، وهو الدوران الذي يأخذ في الرأس.

ص: 333

وصُدِعَ صُداعاً، وزُكِم زُكاماً.

وفي جَعْل هذا النوع من باب (فَعَلَ) اللازم نظرٌ؛ فإن أكثر ما جاء (فُعَالٌ) في مصدر (فُعِلَ) المبني للمفعول، لا (فَعَلَ) المبني للفاعل، وأكثر ما يُبنى للمفعول ما كان من المتعدي لا من اللازم، كما تقدم في: سَكَتَ وسَبَتَ وصُدِعَ، و (هُلِسَ هُلَاساً) منه، وهو بمعنى: سُلَّ سُلَالاً، وهُزِلَ هُزالاً، وجُحِفَ جُحَافاً؛ أصابه الانطلاق من كثرة الأكل، وقُصِعَت الدابةُ قُعَاصاً (1)، وقُعِسَتْ قُعَاساً (2)؛ سَعَلَتْ، وسُهِمَ سُهَاماً؛ مرض (3)، وسُعِرَ الكلبُ سُعاراً، وكُبِدَ كُبَاداً (4)، وُسِلسَ سُلَاساً (5)، وصُفِر صُفَارً (6)، وضُنِك ضُنَاكاً (7)، وهو كثير جدا- كأن المعنى على: فَعَله اللهُ، وإذا كان كذلك فقوله: إن باب اللازم أن يكون مصدره على (فُعَال) في الأدواء، مع أن اللازم فيه نادر، والغالب فيه هو المتعدِّي- لا يَتَحَصَّل.

والعذرُ عن هذا أن اللازم منه هذا شأنه، كما في: نَعَسَ، وعَطَسَ، وسَعَل، ونحوهما، وإن كان قليلاً في نفسه فالغالبُ على مصدر ذلك القليلِ (فُعَالٌ) وهذا صحيح، وإنما يبقى أنه لم يّذكر حكم (فُعِلَ) في الأدواء، وهذا قريب.

وأما معنى التَّصْويت فمثاله: نَبَح نَبِيحاً ونُبَاحاً، وصَاحَ صُيَاحاً، لغةٌ في الصِّياحَ، ودَعَا دُعَاءً، وعَوَى عُوَاءً، ورَغَا رُغَاءً، وثَغَتْ ثُغَاءً (8)، وزَقَا زُقَاءً (9)، وهَتَفَ

(1) قُعِصَت الدابةُ: أصابها القُعَاصُ، وهو داء في الصدر.

(2)

قُعِسَتَ الدابةُ: أصابها القُعَاسُ، وهو التواء في العنق يأخذ به إلى خلف.

(3)

السُّهَام: الضمور والتغير.

(4)

يقال: كُبِد الرجل، إذا شكا كبده، فهو مكبود. والكُبَاد: مرض يصيب الكبد.

(5)

السُّلَاس: ذهاب العقل، يقال منه: سُلِسَ الرجل، فهو مَسْلوس.

(6)

الصُّفَار: الجوع.

(7)

الضُّنَاك: الزكام، أو لزومه.

(8)

ثَغَت الشاةُ ونحوها، تَثْغُو ثُغَاء: صاحت.

(9)

يقال: زَقَا الطائرُ والديك، يزْقو، إذا صاح.

ص: 334

هُتَافاً، وحَدَا حُدَاءً، وبَكى بُكَاءً، وضَغَا ضُغَاءً (1)، ومَكَا مُكَاءً (2)، وهو كثير.

ثم ذَكر البناء الرابع فقال: ((وشَمِلْ سَيْراً وصَوْتاً الفَعِيلُ))

فذكر أن بناء (فَعِيل) يختص قياساً بكل فعلٍ لازمٍ كان فيه معنى السَّيْر أو معنى التصويت.

فأمّا نعنى السَّيْر فنحو: ذَمَلَ ذَمِيلاً، ورَسَمَ رَسِيماً، ووَجَفَ وَجِيفاً، وخَبَّ يَخِبُّ خَبِيباً (3)، وطَمَّ في الأرض طَمِيماً (4).

وأمّا معنى التَّصْويت فنحو: زَفَر زَفِيراً، ونَبَحَ نَبِيحاً، ونَهَقَ نَهِيقاً، ونَعَقَ نَعِيقاً، ونَغِق نَغِيقاً، بالغين المعجمة، ونَعَبَ نَعِيباً (5).

ومنه: صَهَل الفرسُ يَصْهِل- بالكسر- صَهِيلاً/؛ إذا صَوَّتَ، وهو مثاله (6)، وصَفَر

471 الطائرُ صَفيراً، وأَنَّ أَنِيناً، وزَجَرَ زَجِيراً، وحَنَّ حَنِيناً، وصَرَفَ صَرِيفاً، وصَرَّ صَرِيراً (7)، ونحو ذلك.

فُعُولَةٌ فَعَالةٌ لَفَعُلَا

كَسَهُلَ الأَمْرُ وزَيد جَزُلَا

(1) ضَغَا، يضغو، ضغاء: صَوَّت وصاح.

(2)

مَكَا، يَمْكُو، مُكَاء: صفر بفيه، أو شبك بأصابع يديه، ثم أدخلها في فيه ونفخ فيها.

(3)

الذَّميل: ضرب من سير الإبل، سريع لين. والرسيم: عَدْو فوق الذميل. ويقال: وَجَفَ البعير أو الفرس، إذا أسرع، ووَجَف القلبُ: خفق، ووَجَف الشيء: اضطرب. والخبيب: العدو، ويقال: خَبَّ الفرس، إذا نقل أيامنه وأياسره جميعا في العدو.

(4)

طَمَّ في الأرض: خف وأسرع.

(5)

نَعق الراعيِ بغنمه: صاح بها وزجرها. والنغيق: صياح الغراب خاصة. ويقال أيضا: نَعَبَ الغراب، ينعَب، إذا صاح وصوت،

(6)

أي مثال الناظم.

(7)

صَرَف البابُ أو القلم: صَوَّت. وكذلك صَرَفَ نابُه، وينابه. ويقال: صَرَّ العصفورُ والجندُب، وصَرَّ الباب والقلم، إذا صَوَّت.

ص: 335

هذا آخر الأبنية الثلاثية من الأفعال الثلاثية، وهو (فَعُلَ) بضم العين.

وقد تقدم أنه لا يَتعدَّى، وإنَّما وُضع للمعاني الثابتة وما لَحَق بها.

وبناءُ المصدرِ المقيسِ فيه، على ما أخبر به هنا، بناءان:(فُعُولَةٌ) بضم الفاء، و (فَعَالَةٌ) بفتحها.

أمّا (فُعُولَةٌ) فَمَّثله بـ (سَهُلَ) لأن مصدره السُّهُولة، يقال: سَهُلَ الأمرُ سُهُوَلةً، وهو خلاف: صَعُبَ صُعُوبَةً.

ومثله: حَزُنَ المكانُ حُزُونَةً، وجَهُمَ جُهُومَةً (1)، ومَلُحَ مُلُوحةً، وجَثُلَ جُثُولَةً، وجَعُدَ جُعُودَةً، وكَدُرَ كُدُورَةً (2)، وسَخُنَ الماءُ سُخُونَةً، ورَعُنَ رُعُونَةً، وفَسُلَ فُسُولَةً (3).

وأمّا (فَعَالَةٌ) فَمثَّله الناظمُ. بـ (جَزُلَ) لأن مصدره الجَزَالةُ، يقال: جَزلُ الشِيء جَزَالَةً؛ إذا اعَظُمَ، ومنه العَطاءُ الجَزْل، وجَزُل الرجلُ جَزَالةً؛ جاد رأيُه.

ومنه: وَسُمَ وَسَامةً، وقَبُحَ قَبَاحَةً، وسَمُج سَماجَةً، وشَنُعَ شَنَاعةً (4)، ونَظُفَ نَظَافَةً، وصَبُحَ صَبَاحَةً (5)، وطَهُرَ طَهارةً، وعَظُمَ عَظَامةً، ونَبُل نَبَالةً، ووَضُعَ وَضَاعَةً، وما أشبه ذلك.

و(الفَعَالَةُ) في باب (فَعُلَ) أكثرُ وأعمُّ من (الفُعُولَة) وإن كان (الفُعُولَة)

(1) حَزُن المكان: خَشُن وغَلُظ. وجَهُم الرجل جُهومة، إذا صار عابس الوجه كريهه.

(2)

يقال: جَثُل الشجُر والنبات والشَّعْر، جَثالة وجُثولة، إذا طال وغلظ والتف. ويقال: جَعُد الشعرُ جعُودة وجَعادة، إذا اجتمع وتقبضَّ والتوى. والكُدورة في الماء: نقيض الصفاء.

(3)

رعُن الرجل، فهو أرعن، وهو الأهوج في منطقته. والفُسولة والفَسالة: الجبن والضعف وسوء الرأي.

(4)

سَمُج سَماجة وسُموجة: قَبُح. والسَّمْج: الخبيث الطعم أو الرائحة. والشَّناعة: شدة القبح.

(5)

صّبُح الوجه: صَباحة: أشرق وجَمُل، فهو صبيح.

ص: 336

وكثيًرا فيه. وما تقدَّم، مما جاء فيه (الفَعُولَةُ) فأكثرُه جاء فيه (الفَعَالَةُ).

وَمَا أَتَى مُخَالِفاً لِمَا مَضَى

فَبَابُه النَّقْلُ كَسُخْطٍ ورِضَى

يعني أن ما جاء من الأبنية في مصادر هذه الأفعال على غير ما تقدم، ومخالفاً له، فليس بقياس، وإنما يُحكى حكايةً تُستعمل فيما نُقلت فيه، ولا يقاس عليه.

و((الذي مَضَى)) هو ما ذُكر من أول الباب إلى هنا. وذكر لذلك مثالين من (فَعِلَ) المكسور العين الذي له (الفَعَلُ) وهما (سُخْطٌ) وهو مصدر: سَخِط الشيءَ يَسْخَطُه، ضد: رَضِيَهُ يَرْضَاه، رِضى، وهو المثال الثاني.

أو مِن الذي له (الفُعُول) إذا جعلناهما غير متعدِّيين، من: سَخِطَ عليه، ورَضِىَ عنه.

وعلى كل تقدير فـ (سَخِطَ) مصدره المسموع، سُخْطٌ وسَخَطٌ، و (رَضِىَ) مصدره: رِضىً. والرِّضوانْ كالرِّضَى أيضا.

وحين أشار إلى أن ثَمَّ ما يخالف ما ذَكر تعيَّن ذكرُ بعض ما جاء من ذلك موقوفاً على النقل.

فممَّا جاء في (فَعَلَ) المتعدِّي على غير (فَعْلٍ) قولُهم: وَرَدَ الماءَ ورُوداً، وجَحَد الحقَّ جُحوداً، وحَلَب الشَّاةَ حَلَباً، وسَرَق المتاعَ سَرَقاً، وخَنَقه خَنَقاً، وطَلَبْتُه طَلَباً، وقَاَلُهِ قيلاً.

وفي (فَعِل) المكسور العين: عَلِمَه عِلْماً، ولَقِيتُه لقْيَاناً وِلقَاءً، وشَرِبَهُ شُرْباً، ووَدِدْتُه وُداً، وحَفِظْتُه حِفْظاً، وحَسِبَه حُسْبَاناً.

(1)(ت)((وسكت سُكاتاً)) وهما سواء، ويقال أيضا: سكت سكوتاً.

ص: 337

ومما جاء في (فَعَل) المفتوح العين غير المتعدَّي قولهم: ذَهَبَ ذَهَاباً، وقامَ قِيَاماً، وسَكَتَ سَكْتاً (1)، وعَجَز عَجْزاً، وهَدَأَ اللَّيْلُ هَدْأً، وفَسَق فِسْقاً، وحَلَفَ حَلِفاً، ومَزَحَ مُزَاحاً.

وفي (فَعِلَ) المكسور العين: لَبِثَ لُبْثاً / ولَبْثاً، وحَرِدَ حَرَداً (1)، وحَمِيت الشمسُ حَمْياً،

472 ولَعِبَ لَعشباً، وضَحِكَ ضَحِكاً، وأَدِمَ أُدْمةً، وشَهِبَ شُهْبَةً، وقَهِبَ قُهْبَةً (2).

وفي الأمثلة المُسَتَثْاة قالوا: شَبَّ الفرسُ شَبَّا، وخَلأَت الناقةُ خَلأً، بالفتح (3).

وقالوا: غَلَتِ القِدْرُ غَلَياناً، وطافَ طَوْفاً وطَوَفَاناً، وجَالَ جَوُلاً، وقَفَزَ قَفْزاً.

وقالوا: صاحَ صِياحاً وصَيْحاً، وهَتَفتَ الحمامةُ هَتْفاً؛ مَدَّتْ صوتَها، وخَبَّ خَبَباً (4)، وسار سَيْراً.

وقالوا: نَعَقَ بالغنَمَ نَعَقَاناً، ونَعَبَ الغرابُ نَعْباً ونَعَبَاناً، وَحَبَ نَحْباً؛ أعلن بالبكاء.

ومما جاء في (فَعُل) المضموم العين مخالفاً لما مضى قولهم: جَمُلَ جَمَالاً (5)، وقَبُحَ قُبْحاً، وحَسُنَ حُسْناً، وبَهُوَ بَهاءً، وطَهُرَ طُهْراً، ومَكُثَ مُكْثاً، وصَغُر صغَراً، وكَبُرَ كِبَراً، وبَطُنَ بِطْنَةً، وضَعُفَ ضَعْفاً، وما أشبه ذلك.

وأكثرُ ذلك ذكره سيبويه (6). وجميعُه موقوف على السماع كما قال

(1) حَرِد، يَحْرَد، حَرَدا: غضب، واغتاظ فتحرش بالذي غاظه وهَمَّ به.

(2)

أَدم، يأدَم، وأَدَماً: اشتدت سمرته. وشَهِبَ، يَشْهَب، شَهَبا وشهبة: خالط بياض شعره سواد، وقَهِبَ، يَقْهَب: كان لونه القُهْبَة، وهي غُبْرة تعلو أي لون كان.

(3)

خَلأَت الناقةُ تخْلأ، خَلأ، وخِلَاء، وخُلوءا: حَرَنت.

(4)

خَبَّ الفرسُ، يُخبُّ. خَباً وخَبَباُ وخَبِيباً: عدا. وخبَّ الرجل في الأمر: أسرع فيه.

(5)

(ت)((جمل جملا)) وهو تصحيف.

(6)

انظر: الكتاب 4/ 5 - 55.

ص: 338

الناظم.

إلا انه يبقى في هذا الحصر نظر؛ فإنَّ مما لم يذكره قبلُ ما يكون قياسا. من ذلك (الفِعَالَة) في (فَعَلَ) إذا كان مراداً به الوِكَالُة والقيام على الشِيء (1)، كتَجَر تِجَارَةً، وحَرَثَ حِرَاثَةً، وصَنَعَ صِنَاعَةً، وسَاسَ سِيَاسَةً، وعَرَفَ عِرَافَةً، وآلَ إِيَالَةً، وعافَ عِيافَةً، وقافَ قِيَافَةً (2)، وأَمَرَ إِمَارَةً، وخَلَفَ خِلافَةً، وهو كثير.

ومن ذلك (الفِعَال) بكسر الفاء للتَّصويت، نحو: صَاحَ صِيَاحاً، وزَمَرَ النَّعامُ زِمَاراً، وعَرَّ الظليمُ عِرَاراً (3)، وهَتَفَ هِتَافاً، وما أشبه ذلك، وهو من الفعل الذي لا يتعدَّى على (فَعَلَ).

ومن ذلك (الفِعَال) أيضا للهِيَاج من الذكر والأنثى، فالذكر نحو: الهِبَاب والقِرَاع والضِّرَاب والنِّكَاح. والأنثى نحو: الصِّراف والحِرَام والوِدَاق، يقال: هَبَّ التَّيْسُ وهِبَاباً (4)، وقَرَعَ الفحلُ النَّاقة قِرَاعاً، وضَرَبها ضِراباً، ونكَحَهَا نكَاحاً، وصَرَفَتِ الأُنْثى صِرَافاً؛ اشتهت الضِّراب، ووَدَقَتْ وِداقاً (5)، وكذلك سائرها.

ومن ذلك (الفُعْلَة) لـ (فَعِلَ) في الألوان؛ نحو: شُهْبِة في: شَهِبَ، وقُهْبة

(1) في الأصل ((الوكاة والقياد على الشيء)) وهو خطأ واضح. وما أثبته من (ت، س).

(2)

يقال: عَرَفَ فلان على القوم، يَعْرُف، عِرافة، إذا دَبَّر أمرهَم، وقام بسياستهم. ويقال: آل فلان الرعية، يؤول، إيَالة: ساسهم، وآل المالَ: أصلحه وساسه. والعِيافة: زجر الطير للتفاؤل أو التشاؤم. وأما القِيافة فهي تتبع الأثر.

(3)

الزَّمار: صورت النعامة. والظليم: ذكر النعام، وعِرَاره: صياحه.

(4)

يقال: هَبَّ التيس، إذا صاح وهاج للضراب. والمِهْباب من الفحول: الكثير الصياح والهياج للضراب.

(5)

الوِدَاق في كل ذات حافر: إرادة الفحل، والحرص عليه.

ص: 339

في: قَهِبَ، وكُدْرَة في: كَدِرَ (1)، ومثله: قَتَمَ قُتْمَةً، وكَمُتَ الفرسُ كُمْتَةً، وكَهِبَ كُهْبَةً (2)، وشَهِلَت العينُ شُهْلَةً، وشَقِرَ شُقْرَةً (3)، ورَبِذَ رُبْذَةً (4)، وهو كثير جدا بحيث لا يُتَحاشَى من قياسه.

فالحاصل أن هذا مما دَخل له في السَّماع، مع أنه كثر كثرةً يُقاس على مثلها، ويمكن أن يفوته غير ذلك، فكان من حقه أن يحرِّر ضابطَ القياس هنا من غيره.

فهذا وجه من الاعتراض، ووجه ثان أن تنبيهه على هذا غير محتاج إليه، لأنه إذا كان قد ذكر القياس في مصادر هذه الأفعال، فسكوتُه عما بقي يُشعر بأنه سماع، فإتيانه ببيَتْين فارغين في هذا المختصر نقض الغرض.

الجواب عن الأول أن ما تقدَّم ذكره لا يدَخل عليه هنا وإن كان قياسا، فإن (الفِعَالَة) غير مختصة بـ (فَعَلَ) دون (فَعِلَ) ولا باللازم دون المتعدِّي، ألا ترى أن الوِلَايَةِ من: وَلِىَ، والخِلافةَ من: خَلَفَ، وكذلك: الخِيَاطةُ من: خَاطَ الثَّوْبَ، فهو مما يتعدَّى، و (خَلَفَ) مما لا يتعدَّى.

وأيضا فقد يكون بناء. (الفِعَالة) جارياً على غير مَنْطُوقٍ به من الثلاثي،

(1) سبق تفسير هذه الألفاظ.

(2)

في الأصل ((قثن قثمة)) بالثاء المثلثة، وهو تصحيف واضح. والُتْمة: لون فيه غُبْرة وحمرة، أو سوا ليس بالشديد. ويقال: أسود قاتم، أي شديد السواد، وأحمر قاتم، أي شديد الحمرة. وكَمُت الفرسُ، يكمُت، كماتة وكُمْته، أي كان لونه بين الأسود والأحمر. ويقال: كِهَبَ لونه، إذا علته غُبْرة مشربة سوادا. والكُهبة: الدُّهمة، أو غُبْرة مشربة بالسواد.

(3)

شَقِر، يَشْقَر شُقْرة: أشرب بياضه حمرة.

(4)

في الأصل ((زَيِدَ رُيْدَةً)) وفي (ت)((زَبَدَ زُبْدةً)) وكلاهما تصحيف وما أثبته من (س) هو الوجه، لأنه يتكلم على الألوان. والرُّبَذة: السواد.

ص: 340

وإنما يُستعمل في موضعه المزيدُ، كالوِكَالَة / من: تَوَكَّل، والحِرَابَة من: حَارَبَ، ونحو ذلك

473 مما لم يستعمل له ثلاثي. فلما كان كذلك لم يَأْتِ به الناظم؛ لأنه إنما يَذكر ما يَطِّرد في بناء الثلاثي، وهذا ليس كذلك.

وأيضا فإنه إنما تكلَّم في الأبنية لكل فِعْلٍ على حِدَته، إلا ما كان من المتعدِّي الذي اطَّرد فيه (فَعْل) على الإطلاق، و (الفِعَالَة) ليس مما يَختص ببناءٍ دون بناء. ومع ذلك لو تأملَّتَ كلَّ بناءٍ للفعل لشكَّكتَ هل يَطَّرد فيه (الفِعَالَة) أم لا.

وأيضاً فَلماَّ لم يَختص بالثلاثي دون غيره أَشْبه الأسماءَ التي ليست بمصادر، من حيث لم يَطَّرد جريانُه على بناء الثلاثي فصار مثل: السَّلَام من: سَلَّم، والكَلَام من: كَلَّم، فَترك ذكرَه كما تَرك ذكر (الفُعَالَة) فيما كان من بقايا الشِيء، وذلك نحو: القُرَاضَة، والكُسَاحَة (1)، وكما تَرك ذكرَ (الفِعَال) في انقضاء الزمان، كالصِّرَام والحِصَاد (2).

وأما (الفِعَال) في التَّصويت وفي الهَيجَان فليس بكثير، فقد يكون تَرَك ذلك لأنه عنده لم يبلغ مبلغَ القياس، ولذلك لم يَذكره في ((التَّسْهيل)).

وأما (الفُعْلَة) فالاعتراض به قوي، والله أعلم.

وعن الثاني أن المسموع في هذا الباب كثير جدا، ومحتاج إلى

(1) القُراضة: ما سقط بالقَرْض، وهو القطع بالمِقْراضَيْن، كقراصنة الذهب والفضة، ومقُرضى الثوب، وهو ما يقطعه الخياط بالمقراض ويلقيه. والَسَاحة: الكُنَاسة، وزناً ومعنى.

(2)

الضِرِّام، بالفتح والكسر: جنى الثمر، وأوان نضجه. والحصَاد، بالفتح والكسر كذلك: الحَصْد، وأوان الحصد، والزرع المحصود، وثمر الشجر.

(3)

انظر: ص 205.

ص: 341

التَّنْبيه عليه، لأنه لا يجوز استعمال القياس فيه وفي أشباهه إلا بعد استقصاء المسموع، لكنه لم يُضبط بالقياس، فكان التَّنْبيه عليه ضروريا. وكذلك قوله بعد:((وغَيْرُ مَا مَرَّ السَّمَاعُ عَادَلُه)).

وغَيْرُ ذِى ثَلَاثَةٍ مَقِيسُ

مَصْدُرهُ كقُدِّسَ التَّقْدِيسُ

وزَكِّهِ تَزْكِيَةً وأَجْمِلَا

إجْمَال مَنْ تَجَمُّلاً تَجَمَّلَا

واسْتَعِذِ اسْتِعَاذَةً ثم أَقِمْ

أقَامَةً وغَالِباَ ذَا التَّا لَزِمْ

لما أَتَمَّ الكلامَ على مصادر الثلاثي القياسية أَخذ في الكلام على المَزِيد منه. وأما الرُّبَاعِيُّ الأصولِ مزيدُه فسنذكره.

و((مَصْدَرُهُ)) يحتمل أن يكون مبتدأ خبرُه ((مَقِيسُ)) والجملة خبر قوله: ((وغَيْرُ ذِي ثَلَاثَةٍ)) ويَحتمل أن يكون ((مَصْدَرُهُ)) مرفوعاً بمَقِيس على المفعول الذي لم يُسَمَّ فاعلُه.

ويَعْني أن المزيد من الثلاثيِّ الأصولِ يُقاس مصدرهُ على هذا السَّبيل الذي يُذكر في الأمثلة، ولا يَعني أنه مَقِيس هكذا على الإطلاق؛ فإن ما تقدَّم أيضا مَقِيس كذلك. وأيضاً فالإخبار بقياسٍ لم يُعَيِّنه غيرُ مفيد، فإنما يريد أن هذا النوع من الأفعال يُقاس مصدرُه هذا النوع من القياس الذي يُذكر في الأمثلة ثم ذَكر أفراد أبنية الأفعال، وما يجري على كل واحد منها من أبنية المصادر؛ فذكَر أولاً (فَعَّلَ) مضاعَفَ العين، وجَعل له بناءين، بحسب صحة اللام واعتلالها، فإن كانت اللام صحيحةً فالمصدرُ يأتي على (التَّفْعِيل) وذلك قوله: ((كَقُدِّسَ

_________

ص: 342

التَّقْدِيسُ)) إلا أنه بَنى الفعلَ للمفعول، ورَفَع به مصدرَه لضرورة النَّظْم، والمعنى المقصود حاصل. ومن مُثُله: كَلَّمْتُه تَكْلِيماً، وسَلَّمْتُ تَسْلِيماً، وكَرَّمَ تَكْرِيماً، وشَرَّفَ تَشْرِيفاً.

ولم يفرقِّ فيه بين أن يكون متعدَّياً أو لازماً، ولا بين أن يكون مضاعَفاً أو غير ذَلك. والحكم في الجميع صحيح.

وإن كانت اللام معتلَّة بالواو أو الياء فإن المصدر يأتي على (التَّفْعِلَة) وهو / الذي

474 بَيَّنه بقوله: ((وزَكِّهِ تَزْكِيَةَ)) ومِثْله: قَوَّاهُ تَقْوِيَةً، وعَدَّى تَعْدِيَةً، ورَوِّى تَرْوِيَةً، ووَفَّى تَوْفِيَةً (1). ونحو ذلك.

فكأنه يقول: ما كان صحيح اللام من (فَعَّلَ) فمصدرُه المقيسُ (التَّفْعِيل) كان مضاعفاً او معتلَّ العين أو الفاء أَوْ لَا. وما كان معتلَّ اللام فمصدرُه المقيسُ (التَّفْعِلَة) وهذا صحيح إلا فيما كانت اللام منه همزة، فإن النحويين يَحكون فيه الوجهين، فتقول في هَنَّأَ: تَهْنِيئاً وتَهْنِئَةً، وفي جَزَّأ: تَجْزِيئاً وتَجْزِئَةً، وفي خَطَّأَ: تَخْطِيئاً وتَخْطِئَةً، ونحو ذلك.

والأجوَدُ، على ما قال المبرِّد في مثل هذت، الإتمامُ، حَكاه عن أبي زيد، وحَكَى أن النحويين أجمعين يقولونه بالوجهين. وقال المؤلف في ((التَّسْهيل (2))): إن الغالب على ما لامه همزة (التَّفْعِلَة).

وإذا كان كذلك، فلا يخلو أنَ يُجعل هذا النوع ههنا من الصحيح اللامِ أو من المعتلَّة؛ فإن جعلتَه من الصحيح اللام لزم على ما تقدَّم أن يكون القياس فيه (التَّفعِيل) وما عدا ذلك مسموع على ما نَصَّ عليه في

(1)(ت): ((وَصَّى تَوْصية)) وفي (س)((رَضَّى ترضية)) وهي سواء في التمثيل.

(2)

نص قوله في التسهيل (206) هو ((ومن ((فَعَّل)) على تَفْعِيل وقد يشركه ((تَفْعِلَة)) ويغني عنه غالبا فيما لامه همزة، ووجوبا في المعتل)).

ص: 343

قوله: ((وغَيْرُ ما مَرَّ السَّماعُ عادَلَهُ)) وسيأتي إن شاء الله تعالى. وليس ذلك بصحيح؛ لأن (التَّفْعِلَة) قياسٌ فيه أيضا، نَصَّ عليه سيبويه (1). وغيره.

وإن جعلتهَ من المعتلَّ اللامِ لزم أيضاً أن يكون القياس فيه (التَّفْعِلَة) وما عدا ذلك مسموع، وليس كذلك؛ لأنهم جعلوا (التَّفْعِيل) فيه قياسا أيضا.

ويُجاب عن هذا بأربعة أوجه؛ أحدها أن يُدَّعَى أنه لم يَتعرض لذكر ما لامهُ همزةٌ بقياس ولا سماع، بل أغفله جُمْلة، وذكَر ما قَيَّده بالأمثلة خاصة، وهي: قَدَّسَ وزَكَّى، فيبقى غيرُ ذلك مُغْفَلَ الذِّكر، كسائر ما أَغفل في هذا النَّظْم، ولا اعتراض عليه في ذلك.

والثاني ان يكون تعرَّض له بإشارة (تزكىَّ) لأن ما آخره همزةٌ يسمَّى في باب التَّصريف معتلا، لورود الإعلال على الهمزة بالتَّسهيل والإبدال والحذف، كالألف والواو والياء، فيكون قد جَعل المهموزَ الآخِرِ من المعتلِّ اللام، وحَكَم بأن القياس فيه (التَّفْعِلَة) على ما اسَتقْراه هو من كلام العرب، فإنه كثيراً ما يَعتمد استقراءَ نفسه، ويَبني عليه عَرَبِيَّتَه، ولذلك قال في ((التسهيل)):((وقد يَشْرَكُه (تَفْعِلَة) يعني (التَّفْعِيل) ويُغْنِي عنه غالباً فيما لامُه همزةٌ (2))) فَجعل الغالبَ على ما لامُه همزةٌ (التَّفْعِلَة) وذلك يُعطي أن (التَّفْعيل) عنده فيه قليل، كأنه مما يُعَدُّ في المسموع.

والثالث أنه يُحتمل أن يكون مذهبه مذهبَ المبرِّد في فهم كلام سيبويه، وذلك أن سيبويه لما تكلَّم في تعويض الهاء من الحرف المحذوف في (الإقَامة،

(1) الكتاب 4/ 83.

(2)

تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد: 206.

ص: 344

والتَّعْدية) ونحوهما لأجل حذفِ حرفٍ منهما قال فيه: ((وأما عَزَّيْتُ تَعْزِيَةً (1))) ونحوها فلا يجوز الحذف فيه، ولا ما أشبهه، لأنهم لا يَجِيئون بالياء في شيء من بنات الياء والواو، مما هما منه في موضع اللام (2) يَعني أن الحذف والتعويض من المحذوف لازم. ثم قال:((ولا يجوز الحذف ايضا في تَجِزْئَةٍ وتَهْنِئةٍ)) قال: ((لأنهم ألحقوها بأختيها من بنات الياء والواو (3))). ففَهِم المبرّدُ من هذا الوضع أن سيبويه لا يُجيز: تَهْنِيئاً وتَجْزِيئاً، فاستدرَك عليه بذلك طُرَّةً (4) في الكتاب، فلعل الناظم تبعه في هذا الفهم، وأجراه مُجرى المعتل.

وكلام سيبويه عند غير المبرّد محمولٌ على غير ذلك المعنى فتأمَّلْه.

والرابع أن يكون تَرك ما لامُه همزةٌ لا إغْفالاً بل قَصْداً للنَّظر يَنظر فيه، إذ كان له شَبَهان، وشَبَهٌ بالصحيح / ولذلك يَجْرِي بوجوه الإعراب كالصحيح، فيسَتحق بهذا الشَّبه بناء

475 (التَّفِعْيل) وشَبَهٌ بالمعتلَّ من حيث يَلحقه الإعلالُ، فيسَتحق بهذا الشبَه بناءَ (التَّفْعِلَة) وكذا ثبت النقل. والله أعلم.

ثم ذَكر (أَفْعَلَ) وجعل له بنائين للمصدر، أحدهما (الإفْعَالُ) وذلك قوله:((وأَجْمِلَا إجْمَالَ كَذَا)) وهو لما صَحَّت عينُه ولم تَعتل، ولا مبالَاة بغير ذلك؛ إذ لا يَفترق الحكم مع كون الفعل مضاعَفاً أو معتلَّ اللام، بل حكمُ

(1) في الأصل ((غَذَّيْتُ تَغْذِيَةً)) وما أثبته من (ت) ومن كتاب سيبويه 4/ 83، وهما سواء.

(2)

الكتاب 4/ 83.

(3)

نفسه 4/ 83، وفيه ((ألحقوهما بأختيهما)) وفي بعض نسخه كما نقل الشارح.

(4)

اي حاشية على كتاب سيبويه. ومن معاني الطرة: الحاشية والناصية، وطرة كل شِيء حرفه، وطرة الثوب: شبه علمين يخاطان بجانبي البرد- اللسان (طرر).

ص: 345

ذلك حكمُ الصحيح، فتقول: أَسْنَدْتُه إِسْناداً، وأَكْرَمْتُه إكراماً، وأعْلَمْتُه إعلاماً، وأْكَملْته إكمالاً (وأجَمَلْتُه إجْمالاً (1)) وأجْلَلْتُه إجْلالاً، وأضَلَّه اللهُ إضلالاً، وأعطيتُه إعطاءً، وأوليتُه إيلاءً، وما اشبه ذلك.

وكذلك لا يَفِترق بالتعدِّي وعدمه، كأَصْبحَ إصباحاً، وأَمْسَى إمساءً، وأَسْجَد إسجاداً، ونحوه.

والثاني (ألإفْعَال) بلَحاق الهاء في آخره عوضاً من أحد الحرفين المعتلَّين بعد حذفه، إمَّا العينِ على رأي الأخفش والفراء، وإمَّا الألفِ على رأي الخليل وسيبويه، فيكون أصله (إفْعَالَة) ويبقي بعد الحذف على (إفَالَة) أو (إفْعَلَة) وهو الذي أراد بقوله:((ثُمَّ أَقِمْ إِقَامَةً)) وسيأتي على أثر هذا بحول الله.

ثم ذكَر (تَفَعَّلَ) وجَعل مصدرَه (التَّفَعُّل) وهو المشار إليه بقوله: ((تَجْمُّلاً تَجَمَّلَا)) ولا يَفترق الحكم عنده في هذا بين الصحيح العينِ والمعتلَّه، كما في (أَفْعَل) ولا بين الصحيح اللامِ والمعتلَّه، كما في (فَعَلَ).

فتقول في الصحيح العين: تَجَمَّل تجمُّلا، وتحمَّل تحمُّلاً، وتَكرَّم تكرُّماً، وتَجبَّر تجبُّراً، وتكَبَّر تكبُّراً.

وفي المعتلَّه: تَقَوَّلَ تَقَوُّلاً، وتحوَّل تحوُّلاً، وتَميَّز تميُّزاً، وتَبيَّن تبيُّناً.

وتقول أيضا: تَرَدَّى تَرَدِّياً، وتَبَدَّى تَبَدِّياً، وتَدَلَّى تَدَلِّياً، وتَوَلِّيِّ تولياً وأصل ذلك (التَّفَعُّل) بضم العين، لكن دَخلها الإعلال بكسر ما قبل الياء لأجلها حسبما يَذكره في ((باب التَّصريف)).

وحكم ما لامُه همزةٌ في هذا والذي قبله حكمُ الصحيح؛ فإنك تقول: أَقْرَأ إقْرَاءً، وأَوْطَأَ إِيطاءً، وتَهَّيَأَ تهيُّأً، وتجزَّأَ تَجَزُؤاً.

(1) ما بين القوسين ساقط من (ت).

ص: 346

وأما في (أَفْعَلَ) فلا نظر، فإن الصحيح اللامِ والمعتلَّه على حكمٍ واحد، فلم يكن مردَّداً بين وجهين كما كان ذلك في التَّهْنِئِة والتَّهِنْئ.

وأما في (تَفَعَّلَ) فكذلك أيضا؛ إذ لا فرق بينهما في الإعلال، وذلك من أحكام التَّصريف، فلا حاجة إلى ذكر ذلك هنا.

ثم ذَكر (اسْتَفْعَل) ومصدَره، وكان حقه أن يَذكره مع ما أوَّلُه همزةُ الوصل؛ إذ هو داخلٌ في عموم العبارة المذكورة فيه، وإنما أتى بالمعتل منه هنا، لأجل مخالفته لما يَذكره بعدُ، بسبب الإعلال الحاصل في عينه؛ إذ أخرجه إلى حَذْف حرفٍ منه، وتعويضِ الهاء من المحذوف، فلما لم يكن حكمه حكم الصحيح وسواه مما يُذكر هناك، واجتمع مع الإفعال في الحكم- ذَكره هنا مع مُشاكِله، وهو ((الإقَامَةُ)) لاجتماعهما في حذف حرفٍ والتعويض منه.

فيريد أن (اسْتَفْعَلَ) المعتلَّ العينِ بالواو أو الياء يأتي المصدر منه على (الاسْتِفْعَال) محذوفَ العين، أو الألفِ واللام على المذهبين ملَحقاً هاءً، وذلك قوله:((واسْتَعِذِ اسْتِعَاذَةً)) ومثله: اسْتَبَانَ اسْتِبَانَةً، واسْتَطالَ اسْتِطَالَةً، واسْتَقامَ اسْتِقَامَةً، واسْتَعَانَ اسْتِعَانَةً. ووزنه في الأصل (اسْتِفْعَالَة) وفي اللفظ (اسْتِفَالَة) أو / (اسْتِفْعَلَة).

476

وأما المعتل اللامِ من هذا فحكمهُ حكمُ الصحيح، نحو: اسْتَدْعَى اسْتِدعَاءً، واسْتَغْنَى اسْتِغْنَاءً، وما أشبه ذلك.

ثم ذكَر البناء الثاني لـ (أَفْعَالَ) المعتلِّ العينِ، وأن حكمه كـ (الاسْتِفْعَال)

_________

ص: 347

في الحذف والتعويض؛ فتقول: أَقِمْ إقامَةً، وهو مِثَاله (1)، ومِثْله: أَعَانَ إعَانَةً، وأَبَانَ إبَانَةً، وأجَازَ إجازَةً، ونحو ذلك.

ثمَ بيَّن أن هذه الهاء اللاحقة بالبناء ليست بلازمة، وإنَّما عي غالبة، إلا أن إشارته بـ (ذا) يَحتمل أمرين: أحدهما أن تكون إشارةً إلى أقرب مذكور، وهو (الإقَامَةُ) ونحوها، فكأنه يقول: هذا التاء لازم اللَّحاق هنا في غالب كلام العرب، ويجوز قليلا أَلَاّ تَلحق، فتقول: أقَام إِقَاماً، وأنَاب إنَاباً، ونحو ذلك، بخلاف (التَّعْدِيَة، والتَّعْزِيَة) فإن ترك التاء شاذٌ جدا.

وفي القرآن الكريم {وإِقَامِ الصَّلَاةِ وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} (2)، ومثل ذلك يُحكى عن بعض العرب.

والثاني، وهو الأظهر، أن يكون إشارته بـ (ذا) في قوله:((وغَالِباً ذَا التَّا لِزمْ)) راجعا إلى المحذوف منه الحرف، وهو أيضاً أقربُ مذكور، فيدخل فيه (الاسْتِفْعَال، والإفْعَال) أي إن (الاستِفْعَال، والإفْعَال) معاً قد يأتيان دون تاء. وهذا موافق لما حَكى في ((التَّسهيل (2))) وهو ظاهر سيبويه، إذ مَثَّل التعويض فقالك ((وذلك قولك: أقَمْتُه إقَامةً، واستَعَنْتُه اسْتِعانةً، وأرَيَتْهُ إراءَةً (3))). قال:((وإن شئتَ لم تعوِّض، وتركتَ المحذوف على الأصل (4))) ثم أتى بالآية التي فيها {وإِقَامِ الصَّلَاةِ} ولكن ليس هذا القليل عنده بقياس. وقد بَيَّن ذلك في ((التصريف)) إذ قال هنالك: ((وحَذْفُها بالنَّقْلِ رُبَّمَا عَرضْ (5)))

(1) أي المثال الذي مَثَّل به الناظم.

(2)

سورة النور/ آية 37.

(3)

حيث قالوا في ص 207: ((تلزم تاء التأنيث الإفعالَ والاستفعالَ معتلي العين عوضا من المحذوف، وربما خَلَوا منها)).

(4)

الكتاب 4/ 83، وفيه ((وتركت الحروف)) وأظنه تصحيفا.

(5)

انظر: الألفية (فصل في نقل الحركة إلى الساكن قبلها).

ص: 348

فأما مثال (الإفْعَال) فقد تقدَّم.

ومثال (الاسْتِفْعَال) اسْتَقَام اسْتِقَاماً، واسْتَدَان اسْتِداَناً، ولا أحفظه منقولاً عن العرب. وإنما جاز حذف التاء هنا بخلاف (التَّعْزِية) ونحوه؛ لأنهم قد يأتون بالأصل فيرُّدون المحذوف، وإن كان حرف علة، كالاسْتْحِواذ والإجْوَاد ونحوهما، فرُوعيَ رَدُّهم لها للأصل، فاستخَفُّوا (1) حذف التاء. وأما مثل (التَّعْزِية) فلم يقولوا: تعزِّياً ولا تعدِّياً، فيردُّوا المحذوف أصلا، فللك أَلزموا العِوَض. هذا معنى تعليل سيبويه (2).

و((ذَا)) في كلامه مبتدأ، خبره ((لَزِم))، و (التَّا) مفعول ((لَزِمَ))، و ((غالبا)) حال.

وبقي هنا النظر غي أمرين، أحدهما: إن رَأْي الناظم في نحو {إقَامِ الصَّلَاةِ} أن تكون التاء حُذفت لغير الإضافة، فإنه لا يستقيم الاستدلال بالآية إلا على ذلك.

فأمَّا إن جَعل حذفَها من باب قوله، أنشده الفراء (3):

(1) في الأصل: ((فاستحقوا)) وهو تصحيف. وما أثبته من (ت، س).

(2)

حيث يقول (4/ 83): ((وأما عزيت تعزية ونحوها فلا يجوز الحذف فيه ولا فيما أشبهه، لأنهم لا يجيئون بالياء في شيء من بنات الياء والواو مما هما فيه في موضع اللام صحيحتين)).

(3)

معاني القرآن (2/ 254) وصدره:

* إنَّ الخليط أجَدُّوا البَيْنَ فانْجردُوا *

وقد استشهد به الفراء على جواز حذف الهاء للإضافة حيث يقول: ((وإنما استجيز سقوط الهاء من قوله {وإِقَامِ الصَّلَاةِ} لإضافتهم إياه، وقالوا: الخافض وما خفض بمنزلة الحرف الواحد، فلذلك أسقطوها في الإضافة)). والبيت للفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب. وهو من شواهد الخصائص 3/ 171، والتصريح 2/ 396، والأشموني 2/ 237، و 4/ 341، وانظر: العيني 4/ 573، وشرح شواهد الشافية للبغدادي 4/ 64. والخليط: المخالط، كالجليس والمجالس، يريد الفريق المخالط في الإقامة وقت النجعة. وأجدوا: أحدثوا، والبين: الفرق والبعد. وانجردوا: بعدوا.

ص: 349

* وأَخْلَفُوكَ عِدَ الأمرِ الذي وَعَدوُا *

فلا يستقيم الاستشهاد بها، إذ مذهبه في (التسهيل) جواز حذف التاء للإضافة على قِلَّة (1).

والثاني أنه قال هنا: ((وغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ)) وهذه عبارة في ظاهرها متناقضة لأن لفظ الغَلَبة يَقَتضي عدمَ اللزوم، ولفظ اللزوم ينافي الغَلبَة، ولكن الأمر في هذا قريب.

والتقدْيس: التَّطهير، من القُدُسْ، والقدس الطُّهْر. / وزَكَّى المالَ تَزْكَيةً، إذا أخرج زكاتَه، 477 وزَكَّى نفسَه: مدَحها، وزَكَّى أيضاً بمعنى طَهَّر، وهو الأصل في هذه المادة. وأجْمَل الشيءَ إِجْمَالاً، إذا فَعل فيه جميلاً، وأَجْمَل في الطَّلَب إجمالاً: رَفَق واقتصد، وتجمَّل الرجُل تجمُّلاً، إذا تكلَّف فِعْلَ الجميل، واسْتَعاذ بالله اسْتِعَاذةً، وعَاذَ به، بمعنى: لَجَأ إليه. وأَقَام بالمكان إقامةً: لَزِمَه، وأقامَ الصلاةَ أيضاً: أدامها لأوقاتها

ومَا يَلِيِ الآخِرَ مُدَّ وَافْتَحَا

مَعْ كِسْرِ تِلْوِ الثَّانِ مِمَّا افْتُتِحَا

بهَمْزِ وَصْلٍ كاصْطَفَى وضَمَّ مَا

يَرْبَعُ في أمثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا

يَعني أن ما كان من الأفعال أولُه همزةُ وصل فإن بناء مصدره مُوَافق لبناء فِعْله إذا مُدَّ ما قبل الآخر وفُتح، وإذا كُسر ما تلا الحرفَ الثاني، وهو الحرف الثالث.

(1) عبارة الناظم في التسهيل (207)((تلزم تاء التأنيث الإفعال والاستفعال معتلي العين عوضا من المحذوف، وربما خَلَوَا منها)).

ص: 350

فـ (ما) في قوله: ((وما يَلِي الآخِرَ)) مفعول بـ (مُدَّ وافْتَحا) وهي واقعة على الحرف الذي قبل الآخر.

و((ما)) في قوله: ((مِمَّا افْتُتِحَا)) واقعٌ على الفعل الذي أولُه همزةُ الوصل، كأنه قال: مُدَّ وافْتَحا ما يلي الآخَر مع كسر الثالث من الفعل الذي افْتُتِح بهمزة وصل.

ولم يفيدِّ هذا الإطلاق، فدَلَّ على أنه جارٍ في الفعل الصحيح والمضاعَف والمعتل، إلا ما تقدم في (اسْتَفْعَل).

والأمثلة التي أوّلها همزة وصل اثنا عشرَ بناء (افْتَعَل، وانْفَعَلَ، واسْتَفْعَلَ، وافْعَلَل، وافْعَنْلَلَ، وافْعَنْلَى، وافْعَوَّلَ، وافْعَوْعَلَ، وافْعَلَّ، وافْعَالَّ، وافْعَوْلَلَ، وافْعَيَّلَ).

فمصدر (افتَعَلَ) على ما رسَمه الناظم (افْتِعَالٌ) لأنَّي فتحتُ العينَ ومددتُها، فكانت المَدَّةُ ألفاً، وكسرتُ التاء، فجاء منه ذلك البناء، نحو: اقْتَدَرَ اقْتِدَارً، واكْتَسَب اكتِسَاباً، واخْتَارَ اخْتِيَارً، واصْطَفَى اصْطِفَاءً، واعْتَدَّ بكذا اعْتِدَاداً.

ومصدر (انْفَعَلَ)(انْفِعَالٌ) نحو: انْطَلَقَ انْطِلَاقاً، وانْكَسَر انْكِسَاراً، وانْقادَ انْقِيَاداً، وانْحَازَ انْحِيَازاً، واطَوىَ انْطِوَاءً، وانْدَقَّ انْدِقَاقاً.

ومصدر (اسْتَفْعَلَ)(اسْتِفْعالٌ) كاسْتَكْبَر استِكْبَاراً، واستَعْطَفَ استِعْطَافاً، واسْتَدْعَى اسْتِدعَاءً، واسْتَسَقَى اسْتِسْقَاءً، واسْتَرَدَّ اسْتِردَاداً.

وأما المعتلُّ العينِ فقد تقدَّم ذكرهن وأن مصدره (اسْتِفْعَالَةٌ) كاسْتَبان اسْتِبَانَةً.

_________

ص: 351

ومصدر (افْعَلَلَّ)(افْعِلَالٌ) نحو: اطْمَأَنَّ اطْمِئْناناً، واقْشَعَّرا اقْشِعْراراُ، واشْمَأَزَّ اشْمِئْزازاً (1).

وقد تقدم للناظم في هذا البناء أنه (افْعَلَلَّ) على ظاهر الأمر في (اطْمَأَنَّ) ونحوه، وأن غيره يقول فيه (افْعَلَّلَ).

وإفراد هذا البناء بـ (الافْعِلَاّل) يدل على أن (الفُعَلِّيلَة) ليس بمصدر، وهو ظاهر سيبويه (2)، أي ليس بجارٍ عليه، أو هو اسم مصدر: كالطَّمأْنِيِنَة والقُشَعْرِيرة، أو هو غير قياس فلم يُلْحقه به.

ومصدر (افْعَنْلَل)(افْعِنلَالٌ) نحو: احْرَ نْجَم احْرِ نْجَاماً، واسْحَنْكَكَ اسْحِنْكَاكاً، واقْعَنْسَسَ اقْعِنْسَاساً (3).

ومصدر (افْعَنْلَى)(افْعِنْلَاءً) نحو: اسْلَنْقَى اسْلِنْقَاءً، واحْرَ نْبَى احْرِ نْبَاءً (4).

ومصدر (افْعَوَّلَ)(افْعِوَّالٌ) نحو: اجْلَوَّذَ اجْلِوَّاذاً، واعْلَوَّطَ اعْلِوَّاطَّا، واخْرَوَّطَ اخْرِوَّاطاً (5).

(1) اقشعَرَّ الجِلْدُ: أخذته رِعدةٌ، واقشعرّت الأرضُ: لم ينزل عليها المطر. والنباتُ: لم يُصب رِياً. ويقال: اشمأزَّ بالأمر ومنه، إذا ضاق به ونفر منه كراهة.

(2)

الكتاب (4/ 85) حيث يقول: ((والطمأنينة والقشعريرة ليس واحد منهما بمصدر على اطمأننتُ واقشعررت، كما أن (النَّبات) ليس بمصدر على (أنْبَتَ) فمنزلة اقشعررت من القشعريرة واطمأننت من الطمأنينة بمنزلة أنبت من النبات)) يعني أنهما اسما مصدر، وليس مصدرين لهذين الفعلين.

(3)

احْرَ نْجم القومُ والدواب: اجتمعت، واحْرَ نْجم الرجل: أراد أمرا ثم رجع عنه. والمُسْحَنْك من كل شيء: الشديد السواد، يقال: اسْحَنَكك الليلُ، أي اشتدت ظلمته، وشعر مسحنَكِكُ، أي شديد السواد، واقْنَعْسسَ، وتقاعَس، وفَعَس: تأخر ورجع إلى خلف.

(4)

اسْلَنْقَى: نام على ظهره. واحْرَ نْبَى: أضمر الشر، وتهيأ للغضب.

(5)

اجْلَوَّذَ: مضى وأسرع، أو امتدَّ ودام. والاعْلوَّاط: ركوب الرأس والتقحم في الأمور بغير روية. يقال: اعْلَوَّط فلان رأسه. واعْلَوَّط بغيرَه اعْلِوَّاطاً، إذا تعلق بعنقه وعَلاه. والاخْرِوَّاط في السير: المضاء والسرعة. واخَرَوَّط بهم الطريقُ والسَّفر: امتدَّ.

ص: 352

ومصدر (افْعَوْعَلَ)(افْعِيعَالٌ) نحو: اعْشَوْشَبت/ الأرضُ اعْشِيشَاباً، واخْشَوْشَنَ 478 اخْشيشَاناً، واحْلَوْلَى احْلِيلَاءً، واذْلَوْلَى اذْلِيلَاءً (1).

ومصدر (فْعَلَّ)(افْعِلَالٌ) نحو: احْمَرَّ احْمِرَاراً، واسْوَدَّ اسْوِدَاداً، وابْيَضَّ ابْيضَاضاً.

ومصدر (افْعَالَّ)(افْعِلَالٌ) نحو: احْمَارَّ احْمِيرَاراً، وادْهَامَّ ادْهِيمَاماً (2).

ومصدر (افْعَوْلَلَ)(افْعِيلَالٌ) نحو: اعْثَوجَجَ اعْثِجَاجاً (3)، وهو نادر معدود في المستدرك على ابنية الكتاب.

ومصدر أفْعَيَّلَ) (افْعِيَّالٌ) قالوا: اهْبَيَّخَ (4)، والمصدر: اهْبِيَّاخاً، وهو نادر أيضاً من المستدرك.

وإنما قال الناظم: ((مُدَّ وافْتَحَا)) ولم يكتف بقوله: ((مُدَّ)) وقد كانت الألف اللاحقة قبل الآخر يَلزم معها فتحُ ما قبلها؛ لأن المدَّ لا يُعيِّن الألفَ، إذ قد تكون واواً مضموماً ما قبلها؛ وياءً مكسوراً ما قبلها. فلو قال:

(1) اذْلَوْلَى: ذَلَّ وانقاد، أو أسرع مخافة ان يفوته شيء، أو انطلق في استخفاء.

(2)

احْمَرَّ الشيء واحْمارَّ بمعنى، غير أن احْمَرَّ أكثر استعمالا. ويقال: احْمَرَّ الشيء احمرارا، إذا لزم لونه فلم يتغير من حال إلى حال، واحمارَّ يحمارُّ احميرارا، إذا كان عرضا حادثا لا يثِبت، كقولك: جَعل يحمارُّ مرة ويصفارُّ أخرى. وانظر اللسان (حمر). والدهمة: السواد، والأدهم الأسود. ويقال: ادهامَّ الشيء، إذا اسوَدَّ، وادهامَّ الزرع، إذا علاه السواد رِيلً.

(3)

في الأصل ((اعْشَوْجج اعْشِيجَاجاً)) وهو تصحيف. والمثبت من (ت، س) والعَثَوْجَج: البعير الضخم السريع المجتمع الخَلق، ويقال منه: اعْثَوْجَج البعيرُ اعثيجَاجاً.

(4)

الهَبيخَة: المرضعة، والجارية الممتلئة. وقد اهْبَيخَّت المرأة في مشيها، إذا تبخترت ونهادت. والهَبَيَّخ: الرجل الذي لا خير فيه، أو الأحمق المسترخي. والهبيَّخ: الغلام بالحميرية، وكل جارية بالحميرية: هَبَيَّخة.

ص: 353

اجْعَل ألفاً قبل الآخر لم يَحتج إلى ذكر الفتح. وأما حين لم يَذكر إلا مجردَ المَدِّ فلابد ان يذكر الفتح ليعيِّن بذلك أن المَدَّة هي الألف وحدها؛ لأن الواو والياء لا يكونان مَدَّة وقبلهما مفتوح أصلا، فصار ذكُر الفتح معِّيناً.

فإن قيل: بل ذِكْر الفتح فضلٌ لا يُحتاج إليه، لأن إحالته على بناء الماضي يعيِّن أن ما قبل الآخرِ مفتوح، كـ (افْتَعَل، وانْفَعَلَ، واسْتَفْعَلَ، وافْعَوْلَلَ، وافْعَوْعَلَ) وغير ذلك، وإذا كان كذلك فالوجه أنْ لو اكتفى بالمد فَتَتعَيَّن الألفُ لذلك وحدها.

فالجواب أن الفتح قبل الآخرِ لا يتعيَّن من وجهين: أحدهما أن من هذه الأبنية ما يكون ما قبل آخرِه غيرَ مفتوح، كـ (افْعَلَّ، وافْعَالَّ، وافْعَلَلَّ (1)) على رأيه.

وأيضاً من الأمثلة ما يَعْرِض لما قبل آخره السكونُ، إما بإدغام، كاعْتَدَّ واسْتَرَدَّ، وإما بإعلال، كانْقَاد واسْتَزَادَ، والناظم إنما أتى بضابط يَشمل جميعَ الأبنية وجميعَ الأمثلة، فلم يكن بُدٌّ من إلزام الفتح، فإن كان موجوداً في الفعل فذاك، وإلَاّ فقد شَرَطه، فكلامه صحيح، وإلزامُه الفتحَ ضروري.

ثم أتى بضابط آخر لمصادر ما أوَّلُه تاءٌ من الأفعال غير الثلاثية فقال: ((وضُمَّ ما يَرْبَعُ)) إلى آخره.

((مَا يَرْبَعُ)) هو ما يصيِّر الثلاثة أربعةً، تقول: رَبَعْتُ القومَ، إذا صَيَّرتَهم أربعةً، كما تقول: ثَلَثْهُم وخَمَسْتُهم، إذا صَيَّرْتَهم ثلاثةً وخمسةً. و ((ما)) واقعةٌ على الحرف الرابع.

يريد أن ما كان من الأفعال مثال (تَلَمْلَمَ) أو مقارباً له، في كونه على عدد

(1) في الأصل ((أفْعَولَلَ)) وما أثبته من (ت، س).

ص: 354

هذه الحروف، وموازِناً له (1) في الحركات والسَّكَنات وعدد الحروف، والتاء في أوله زائدة- فالمصدر منه على وزنه إذا ضُمَّ منه الحرف الرابع.

وهذا العَقْد يحتوي على أبنية جملتها عشرة (تَفَعْلَلَ، وتَفَعْلَى، وتَفَاعَلَ، وتَفَعَّلَ، وتَمَفْعَلَ، وتَفوعَلَ، وتَفَعْولَ، وتَفَيَعْلَ، وتَفَعْنَلَ، وتَفَعْلَتَ).

فمصدر (تَفَعْلَلَ) على (تَفَعْلُلٍ) حسبما قَيَّده الناظم، نحو تَدَحْرجَ تَدَحْرُجاً، وتَسَرْبَلَ تَسَرْبُلاً، وتَجَلبَبَ تَجَلبُبُاً (2).

ومصدر (تَفَعْلَى) على (تَفَعُّلٍ)، وأصله (تَفَعْلُىٌ) إلا أن اللام كُسرت لأجل الياء، فالضمة مقدرة، نحو: تَقَلْسَ تَقَلُسِياً، / وتَجَعْبَى تَجَعْبِياً (3)

479

ومصدر (تَفَاعَلَ) على (تَفَاعُلٍ) نحو: تَغَافَلَ تَغَافُلاً، وتَكَاسَلَ تَكَاسُلاً، وتَرامى تَرامِياً، وتَوَانَى تَوَانِياً.

ومصدر (تَفَعَّلَ) على (تَفَعُّلٍ) نحو: تَكَبَّر تَكَبُّراً، وتَكَسَّر تَكَسُّراً.

وكان من حقه ألَاّ يَذكر هذا البناء قبلُ، حين قال:((وأَجْمِلَا إجْمَالَ مَنْ تَجَمُّلاً تَجَمَّلَا)) فإنه داخل تحت هذا الضابط فصار ذكره هنالك حشواً، ولا جواب عنه.

ومصدر (تَمَفَعْلَ) على (تَمَفْعُلٍ) نحو: تَمَسْكَنَ تَمَسْكُناً، وتَمَدْرعَ تمَدْرُعاً (4).

(1) على حاشية الأصل ((وموافقا له)).

(2)

تَسِرْبَل: لبس السِّربال، وهو القميص أو الدرع، وجمعه سَرابِيل. وتَجَلْبَب: لبس الجِلْباب، وهو القميص أو الخمار، أو الملاءة تشتمل بها المرأة، وجمعه جَلابِيب.

(3)

يقال: قَلْسَيْتُه، إذا ألبستَه القلنْسُوه، وهي من ملابس الرءوس، وتَفَلُسَى: لبسها. ويقال: جَعْبَى فلان فلانا جِعْبَاءً، إذا صَرعه. وتَجَعْبَى: مطاوع جَعْبَى.

(4)

تَمَدْرَعَ مِدْرَعَته: لبسها، والمِدْرَعة: ضرب من الثياب التي تُلبس، ولا تكون إلا من الصوف خاصة.

ص: 355

ومصدر (تَفوعَلَ)(التَّفَوعُلَ) نحو: تَجَوْرَب تَجَوْرُباً (1).

ومصدر (تَفَعْولَ)(التَّفَعْوُلُ) نحو: تَسَهْوَكَ تَسَهْوُكاً، وتَرهْوَكَ تَرَهْوُكاً (2).

ومصدر (تَفَيَعْلَ) على (تَفَيْعُلٍ) نحو: تَشِيْطَنَ تَشِيْطُناً (3).

ومصدر (تَفَعْنَلَ)(تَفَعْنُلٌ) نحو: تَقَلْنَس تَقَلْنُساً (4).

ومصدر (تَفَعْلَتَ)(التَّفَعْلُتُ) نحو: تَعَفَرتَ تَعَفْرُتاً (5).

و(تَلَمْلَمَ) الذي مَثَّل به هو من (تَفَعْلَلَ) المذكور، والتَّلْملُم أصله الاجتماع، يقال: كَتِيبةٌ مُلَمْلَمة ومَلْمُومَة، أي مجتمعة مضمومُ بعضها إلى بعض، وصَخْرةٌ مُلَمْلَمة ومَلْمُومة، مستديرة مضمومٌ بعضُها إلى بعض.

فِعْلَالٌ أَوْ فَعْلَلَةٌ لفَعْلَلَا

واجْعَلْ مَقِيساً ثَانِياً لَا أَوَّلَا

يعني أن ما كان من الأفعال على (فَعْلَلَ) فإن مصدره يأتي على بناءين، أحدهما:(الفِعْلَالُ) بكسر الفاء، نحو: دَحْرَج دِحْرَاجاً، ولم يَحفظه السِّيرافي (6)، وحفظه غيره.

(1) يقال: جَوْربَه، إذا ألبسه الجَوْرَب، وتَجَوْرَب: مطاوعه. والجَوْرَب: لباس الرَّجل، وجمعه جَواربةٌ، وجَوارِب.

(2)

يقال: سَهْوَكْتُه فَتَسَهْوَكَ، إذا ادبر وهلك. والتَّرَهْوُك: مشى الذي كأنه يموج في مِشيته. فيقال: مَرَّ الرجلُ يَتَرَهْوَكُ، أي كأنه يموج في المشي.

(3)

تَشَيْطنَ: صار كالشيطان، أو فعل فعله.

(4)

تَقَلْنَسَ: لبس القَلَنْسُوَة. وقد مر تفسيرها.

(5)

تَعَفْرَتَ: صار عِفْريتا، والعِفْريت: الخبيث المنكر، أو النافذ في الأمر مع دهاء.

(6)

قال أبو سعيد السيرافي: والأغلب فيه الألزم الفَعْلَلَة، لأنها عامة في جميعها، وربما لم يأت فِعلال نحو: دَحْرَجته دَحْرة، ولم يُسمع دِحْراج)).

ص: 356

وسَرْهَفَ سِرهَافاً، قال (1):

* سَرْهَفْتُهُ ما شِئْتُ مِنْ سِرْهَافِ *

وزَلْزَل زِلْزالاً، وقَلْقَلَ قِلْقَالاً. وفي التنزيل:{وزُلْزِلُوا زلْزَالاً شديداً (2)} والثاني (الفَعْلَلَةُ) نحو: دَحْرَج دَحْرَجةً، وقَرْطَسَ قَرْطَسَةً (3)، وزَلْزَلَ زَلْزَلةً، وقَلْقَلَ قَلْقَلَةً، وسَرْهَفَ سَرْهَفَةً، وعَرْقَبَ عَرْقَبَةً (4)، وما أشبه ذلك.

ويَدخل بمقتضى المثال ما كان مزيداً بالتَّضعيف، نحو: جَلْبَبَ جَلْبَبَةً، وشَمْلَلَ شَمْلَلَةً (5).

ويَبْقَى عليه ما أُلحق بـ (دَحْرَجَ) بغير تضعيف، بل بحروف (سألتمونيها) فلم يَنُصَّ على قياس مصدره، وكان من حقه ذلك؛ إذ لا يَدخل له تحت بناء الفعل الذي أَتى به، وهو (فَعْلَلَ).

والأمثلة الملحَقة بـ (فَعْلَلَ):

(فَوْعَلَ) نحو: صَوْمَعَ، وحَوْقَلَ (6). و (فَيْعَلَ) نحو: بَيْطَرَ وهَيْنَمَ (7)،

و

(1) للعجاج من أرجوزة يعاتب فيها ابنه رؤبة، ديوانه 40، والخصائص 1/ 222، 2/ 302، والمقتضب 2/ 95، وابن يعيش 6/ 47، 49، اللسان (سرعف). ويقال: سَرْهَفَ غذَاءَه، إذا أحسنه، وسَرْهَفَتُ الرجلَ: أحسنتُ غذاءه، وجهدت في تربيته. ويروى ((سَرْعَفتُه ما شئتُ من سِرْعَافِ)) بالعين بدل الهاء، وهما سواء.

(2)

سورة الأحزاب/ آية 11.

(3)

يقال: رَمى فقرطَس، إذا أصاب القِرُطاس، وهو كل ما يُنْصب للنِّضال، وهو الغرض.

(4)

عَرْقَبَ الدابة: قطع عُرْقوبها. والعرقوب من الدابة: ما يكون في رجلها بمنزلة الركبة في يدها. وكل ذي أربع عُرْقوباه في رجليه، وركبتاه، في يديه.

(5)

شَمْلَلَ: اسرع. وشملل الشجرة: لقط ما عليها من الثمر. والشِّمْلال والشِّمْليل: السريع الخفيف.

(6)

صَوْمَعَ الشيء: جمعه، وصومع البناء: عَلَاّه. وحَوقَلَ حَوْقَلة وحِيقالا: اعتمد بيديه على خصريه، أو أسرع في مشيه وقارب الخطو، أو أعيا.

(7)

بَيْطَرَ الدابَة: شق حافرها ليعالجها. والبَيْطار: معالج الدواب. والبَيْطرة: مهنة البيطار. وهَيْنَم: دعا الله، أو تكلم وأخفى كلامه.

ص: 357

(فَعُوَلَ) نحو:

جَهْوَرَ، وهَرْوَلَ (1)، و (فَعْلَى) نحو: سَلْقَى وجَعْبَى (2)، و (فَعْنَلَ) نحو: قَلْنَسَ، [و (يَفْعَلَ) نحو: يَرْنَأَ لحيتَه (3)، و (فَعْنَلَ) نحو: سَنْبَل الزرعُ، ودَنْقَعَ (4).

وجميعها جارٍ في المصدر مجرى (دَحْرَجَ) فنقول: صَوْمَعَ صَوْمَعَةً، وَبيْطَرَ بَيْطَرَةً، وَجَهْوَرَ جَهْوَرَةً، وسَلْقَى سَلْقَاةً، وفَلْنَسَ (5)] قَلْنَسَةً، وبرْنَأَ بَرْنَاةً: وسَنْبَلَ سَنْبَلَةً.

وإنما ترك ذكرها لجرَيانها في الأحكام مجرى (دَحْرَجَ)، فكان ما زِيدت فيه الياءُ أو الواوُ بمنزلة المعتلِّ الفاءِ أو اللامِ أو العينِ.

وهذان البناءان، وهما (الفِعْلَالُ، والفَعْلَلَةُ) ليسا في (فَعْلَلَ) بمنزلة واحدة، بل أحدهما قياسً، والآخر غيرُ قياسُ، ولكنه كَثُر، فخاف أن يُتَوهَم أنهما معاً قياس فقال:

((واجْعَلْ قَيَاساً ثَانِياً لَا اَوَّلَا))

يعني أن ثاني البناءين هو المَقيس، وهو (الفَعْلَلَة) لا طِّراده في كل بناء من الرباعي، مُلْحَقاً وغيرَ ملحق، وأما (الفِعْلَال) فلا. ولذلك لا تجده في الملحَق إلا نادرا، فلا تقول: جَهْوَر جِهْوَاراً، ولا بَيْطَرَ بِيطَاراً، ولا ما أشبهه.

(1) جَهْوَر فلان: رفع الصوت بالقول. ويقال: جَهْوَر الصوتُ ايضا، فالرجل جَهْوَرِيٌّ، والصوتُ جَهْوَرِيٌّ. وهَرْوَل: أسرع بين العَدْو والمشي.

(2)

سَلْقَاه: طعنه فألقاه على جنبه. وجَعْبَاه صَرعَه.

(3)

قَلْنَسَه: ألبسه القَلَنْسُوَة. وقد مرَّ تفسيره. ويقال: يَرْنَأ الرجلُ لحيته، إذا صبغها باليَرنَّاء، وهو الحناء، أو مادة مثل الحناء.

(4)

سَنْبَلَ الزرعُ: أخرج سُنْبُلَه، وهو جزء النبات الذي يتكون فيه الحب. ودَنْقَعَ الرجلُ: افتقر.

(5)

ما بين الحاصرتين ساقط في الأصل و (ت) وأثبته من (س) وحاشية الأصل.

ص: 358

وقد قالوا: حَوْقَلَ الرجلُ حَوْقَلَةً وحِيقَالاً، وأنشدوا (1): /

480

يا قَوْمُ قد حَوْقَلْتُ أو دَنَوْتُ

وبَعْدَ حِيقالِ الرِّجالِ الْمَوْتُ

قال سيبويه في باب مصادر الأربعة (2): ((فاللازم لها الذي لا ينكسر عليه ان يَجئ على مثال (فَعْلَلَة) وكذلك كلُّ شيء ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة (3))) ثم قال: ((وقالوا: (زَلْزَلْتُه زِلْزَالاً) وقَلْقَلْتُه قِاقَالاً، وسَرْهَفْتُه سِرْهَافاً (3))) فجَعل (الفِعْلَال) داخلاً على (الفَعْلَلَة) ومُنْكَسِرا، بخلاف (الفَعْلَلة). ثم قال:

لِفَاعَلَ الفِعَالُ والمُفَاعَلَهْ

وغَيْرُ ما مَرَّ السَّمَاعُ عَادَلَهْ

يعني أن (فَاعَلَ) والأفعال المزيدة له من أبنية المصادر بناءان، أحدهما (الفِعَالُ) بكسر الفاء وتخفيف العين، نحو: قَاتَل قِتَالاً، وضَارَب ضِراَباً، وجَادَلَ جِدَالاً، وحَارَب حِرَاباً.

وكذلك المعتلَّ، نحو: مَارَى مِرَاءً، وزَانَى زِنَاءً، وعَادَى عِدَاءً (4).

(1) لرؤبة، ملحقات ديوانه 170، والمقتضب 2/ 94، والمنصف 1/ 39، 3/ 70، والمحتسب 2/ 358، وابن يعيش 7/ 155، ويروى ((وبعض حيقال)). والحوقلة: الإعياء والضعف. ويقال: حوقل الرجل حوقلة وحيقالا، إذا كبر وفتر عن الجماع.

(2)

في الكتاب (4/ 85)((هذا باب مصادر بنات الأربعة)).

(3)

نفسه 4/ 85.

(4)

مَارَاه مِراء ومُماراة: ناظره وجادله. وماراه: خالفه وتلوَّى عليه. وزَانَى الرجل زِنَاء ومُزاناة: زَنَى والزِّناء بالمدّ لغة بني تميم، والزنى بالقصر لغة أهل الحجاز. وعادى عِداء ومعاداة: خاصم وكان عدوا. وعادى بين الشيئين: والى وتابع، يقال: عادى بين الصيدين.

ص: 359

والثاني (المُفَاعَلَةُ) نحو: جَالَسْتُه مُجَالَسَةً، وجَالَدْتُه مَجَالَدَةً، ومارَيْتُه مُمَارَاةً، وعَانَيْتُه مُعانَاةً، وعَايَنْتُه مُعَاينةً، وذلك كثير.

وفي جَعْله البناءين معاً قياساً مطَّرِداً نظرٌ، فإن القياس إنما هو (المُفَاعَلة) خاصة، وأما (الفِعَال) فلا. قال سيبويه:((وأما (فَاعَلْتُ) فإن المصدر منه الذي لا ينكسر أبداً (مُفَاعَلَةٌ))) (1) وأتى بالمُثُل. ثم قال: ((وقد قالوا: مَارَيْتُه مِراءً، وقاتَلْتُه قِتَالاً)) (1). قال: ((وجاء (فِعَالٌ) على (فَاعَلْتُ) كثيرا)) (1). انتهى.

ولم يَجْعل (فِعَالاً) قياساً وإن كَثُر عنده، ولأنهُ منْكَسِر غير مُطَّرد، فالظاهر أن هذين البناءين كالبناءين المتقدِّمين في (فَعْلَلَ) أحدهما قياس، والآخر ليس بقياس. وقال السِّيرافي:((اللازمُ عند سيبويه (المُفَاعَلَة) وقد يَدَعون (الفِعَال) و (الفِيعَال) لم يقولوا: جِلَاسَا، ولا جِيلَاساً في (جَالَسْتُه) ولا في (قَاعَدْتُه): قِعَاداً ولا قِيعاداً بالياء (2))).

فيلزم على رأي الناظم أن يقول: في (قَاعَدْتُه): قِعَاداً، وفي (جَالَسْتُه): جِلَاسَا، وفي (كالَمْتُه): كِلَاماً، ورَاوَدْتُه رِوَاداً، ونحو ذلك.

وإلى ما ظهر هنا ذهب في (التسهيل) فقال: ((ومصدر (فَاعَلَ) مُفَاعَلَة وفِعَال (3))).

وأيضاً فإن الناظم إذا سَلَّمنا له القياسَ فذلك فيما لم تعتلَّ فاؤه بالياء، فإن (الفِعَال) فيه نادر، قالوا: يَاوَمْتُه مُيَاومَةً ويِوَاماً (4)، فكان من حقه أن

(1) الكتاب 4/ 80، 81.

(2)

نص كلام السيرافي (5/ 99 أ)((واللازم عند سيبويه في مصدر فاعلتُ المفاعلة، وقد يَدَعون الفِيعال والفعال في مصدره، ولا يدعون مفاعلة، قالوا جالسته مجالسة، وقاعدته مقاعدة، ولم يقولوا: جِلاسا ولا جِيلاسا، ولا قِعادا ولا قِيعادا)).

(3)

التسهيل 206.

(4)

ياوَمْتُه: استأجرتُه اليوم، ويقال: عاملتُه مياومة، كما تقول: مُشَاهرة.

ص: 360

يَستثنى ما فاؤه ياء، وإلا لزم ان يُقاس على مذهبه ما كان مثل (يَاوَمْتُه) فيقال: يَاسَرْتُه يِسَاراً، ويَامَنْتُه يِمَاناً، ويَاءَسْتُه يِأساً، (1) وما أشبه ذلك، وليس كذلك، فهذا مُشْكل.

والجواب عن الأول أن يُلْتَزم مقتضى ذلك الظاهر، من إجراء القياس في (الفِعَال). وليس في كلام سيبويه ما يَدفع القياس، وإنما جَعل (المُفَاعَلة) لا تَنْكَسِر، وجَعل (الفِعَال) كثيرا في الكلام قد يَنْكسر، لقوله:((وجاء (فِعَالٌ) على (فَاعَلْتُ) كثيرا (2))) وذلك قال السِّيرافي: ((وقد يَدَعُون (الفِعَال (3))). وهذا يُشعر بأن (الفِعَال) غالبٌ في (فَاعَلَ) وذلك يكفي في القياس، كالفِعْل والمفعول في فِعْل المتقدم.

وعن الثاني بأن ما فاؤه ياء قليل في اللغة/ وبناءُ (فَاعَلَ) من فِعْله قليلٌ في ذلك 481 القليل، و (الفِعَال) ليس بلازم في (فَاعَل) لا سيما وهو يُؤَدِّي إلى كَسْر الياء، وياءٌ مكسورة في أول الكلمة نادرٌ، فلهذا كله لم يَسْتَثنه الناظم، ولم يَعْبأ به.

ثم نَبَّه على ما خرج من أبنية المصادر عن القياس في هذا الفصل بقوله: ((وغَيْرُ ما مَرَّ السَّمَاعُ عَاد لَهْ)).

معنى ((عَادَلَهُ)) كان له عَدِيلاً ونَظِيراً في أنه لا يُقْدَم عليه إلا بالنَّقْل، ولا مجال للقياس فيه. وأصله من قولهم: عَادَلْتُ كذا بكذا، أي وَازَنْتُه به، وجعلته عَديلاً، والعَدِيل هو الذي يُعَادِلُك في الوزن والقَدْر، ومنه سُمِّي العِدْلُ عِدْلاً (4)، لأنه يُعادل أخاه، فيريد أنك لا تُعَادِلْ غيرَ ما مَرَّ بالقياس،

(1) ياسرته: لاينته وساهلته. ويقال: يامَنَ الرجلُ، أي أخذ ذات اليمين. ونقيضه ياسر، أي أخذ ذات الشمال. وياءسته: أيأسْتُه.

(2)

الكتاب 4/ 81، وقد مر.

(3)

انظر: الحاشية رقم (2) ص (361).

(4)

العِدْل: المِثْل والنظير، ونصف الحِمْل يكون على أحد جنبي البعير.

ص: 361

وإنما تُعادله بالسَّماع، أي لا تقَيسُ على غير ما مَرَّ، وإنما تَقْبله من حيث النَّقل في محله المنقول فيه.

فأما (فَعَّلَ) الصحيح اللام فقد جاء فيه (التَّفْعِلَة) قليلا، قالوا: كَرَّمْتُه تَكْرِمَةً، وعَظَّمْتُه تَعْظِمَةً، وألفاظ من ذلك قليلة لا يُقاس على مثلها.

و(التَّفْعِيلُ) في المعتلِّ اللامِ شاذٌ، قالوا: نَزَّى تَنْزِياً، أنشد البَكْريُّ وغيره، والبيت من المجاهيل (1):

بَاتَ يُنَزِّي دَلْوهُ تَنْزِيَّا

كما تُنَزِّي شَهْلَةٌ صَبِيَّا

وعلى أن السِّيرافي في كلامه ما يُشعر بجواز الوجهين في الصحيح، إذْ نَصَّ على أنه يقال: كَرَّمتُه تَكْرِمةً وتكريماً، وعَظَّمتُه تَعْظِمَةً وتَعْظيماً، قال: والباب التَّفعْيل (2))) انتهى.

وهو محتمل؛ فقد نَبَّه في (التَّسْهيل) على قلة (التَّفْعِلَة) فيه (3)، وهو موافق لما هنا.

وندر في مصدر (فَعَّلَ)(الفِعَّالُ) بالتشديد، قالوا: كَذَّبْتُه كَذَّاباً، وفي القرآن:{وكَذَّبُوا بآيَاتِنَا كِذَّاباً (4)} وقالوا: كَلَّمْتُه كِلَاّماً، وحَمَّلْتُه حِمَّالاً، وهو غير مقيس.

(1) الرجز في الخصائص 2/ 302، والمنصف 2/ 195، وابن يعيش 6/ 58، والتصريح 2/ 76، واللسان (نزا)، وانظر: العيني 3/ 571. ويروى ((باتت تنزى دلوها)) للمؤنث، كما يروى ((فهي تنزى)) وينزَّى: من النَّزْو، وهو الوَثْب والتحرك. والشَّهْلة: العجوز.

(2)

نص السيرافي هو ((يريد أن ما كان على فَعَّل فمصدره التفعيل أو تفعلة في الصحيح، كقولك: كرمته تكرمة وتكريما، وعظمته تعظمة وتعظيما، والباب فيه تفعيل)) أهـ

(3)

انظر: ص 206.

(4)

سورة النبأ/ آية 28.

ص: 362

وفي (تَفَعَّلَ) قالوا: (تِفِعَّال) نحو تَحمَّل تِحِمالاً، قال سيبويه:((وأما الذين قالوا: كِذَاباً فإنهم قالوا: تَحَّمْلْتُ تِحِمَّالاً (1))).

وفي (فَاعَل) جاء (الفِيعَال) بالياء، قالوا: قَاتَلَ قِيتَالاً، وهم الذين يقولون: تِحِمَّالاً. قال سيبويه: ((فيُوَفِّرون الحروف، ويَجيئون به على مثال (إفْعَالٍ) وعلى مثال قولهم: كَلَّمْتُه كِلَاّماً (2))) يعني أنهم يَتَحرَّوْن أن يأتوا به على مثال (إفْعَال) ليكون مُوَفَّرَ الحروف، وجارياً على فِعْله بزيادة ألف قبل الآخر، ليماثل (أَفْعَلَ إِفْعَالاً) وكأن هذا الذي حَكى لغةٌ لبعض العرب في (فَعَّلَ، وتَفَعَّلَ، وفَاعَل) إلا أنها لا يقاس عليها.

وفي (فَعْلَلَ) جاء (الفَعْلَالُ) بالفتح، فقالوا: الزَّلْزَالُ، والقَلْقَالُ، فَفَتحوا كما فتحوا تاء (التَّفْعِيل). هذا في المضاعَف.

وجاء في (حَوْقَلَ) الْحِوقَال وعليه يُروى قوله (3):

* وبَعْدَ حِوْقَالِ الرِّجَالِ الْمِوتُ *

فجميعُ هذا وما كان مثله موقوفٌ على السماع كما قال.

وفَعْلَةٌ لَمرَّةٍ كَجَلْسَهْ

وفِعْلَةٌ لهِيْئَةٍ كَجِلْسَهْ

في غَيْرِ ذِي الثلاثِ بالتَّا المرَّهْ

وشَذَّ فِيهِ هَيْئَةٌ كالحِمْرةْ

(1) الكتاب 4/ 79.

(2)

نفسه 4/ 80.

(3)

سبق تخريج الرجز، وقبله:

* يا قومُ قد حَوْقَلْتُ أو دَنَوْتُ *

ص: 363

كل ما تقدم الكلام فيه من المصادر إنما هو فيما يُراد به الجنسُ، وهو الذي يُفهم مدلوله من

فعله./

482

وأخذ الآن يتكلم (1) فيما يُراد به المرَّةُ الواحدةَ من الفِعْل، أو الهيئةُ المخصوصة منه، ولابد فيه من إلحاق التاء، لأن المصادر أجناس، ومن شأن الأجناس أن يُبَيَّن (2) أحدُها بالتاء، كَتْمرةٍ وتَمْرٍ، وثَمَرٍ، ونحو ذلك.

وتنقسم المصادر بحسب ذلك قسمين، أحدهما مصادر الثلاثي، الثاني مصادر غير الثلاثي، وهو الرباعي فما زاد.

فأما مصادر الثلاثي فَبيَّن الناظم أنها تأتي أبداً إذا أُرِيد بها المرَّةُ على (فَعْلَة) بفتح الفاء، لقوله:((وفَعْلَةٌ لِمَرَّةٍ)) أي لمرة واحدةٍ من ذلك المعنى، كـ (جَلَسَةٍ) فإن المصدر المطلقَ لـ (جَلَسَ) الجُلوسُ على ما تقدم. ومن ذلك قولك: ضَرَبْتُ ضَرْبَةً، وأَكَلَ أَكْلَةً، وشَرِبَ شَرْبَةً، وشَتَمَ شَتْمةً، وقَتَلَ قَتْلَةً، وما أشبه ذلك.

وفي تمثيله بـ (جَلْسَة) ما يُبَيِّن أن مصادر الثلاثي إذا كان فيها زيادةٌ على ما في الفعل لا مُعْتَبر بها في البناء للمرَّة الواحدة، بل تُطرح الزيادة، وتُبْنى من الباقي (فَعْلَةٌ) لأن مصدر (جَلَسَ) الجُلُوس، فتُحذف الواو، ولا يقال: جُلُوسَةً واحدةً، ولا قَعَد قُعُودَةً واحدةً، ولا ثَبَتَ ثَبَاتَةً واحدةً، وإنما تقول: قَعْدَةً، وثَبْتَةً. وأَتَى أَتْيَةً واحدةً، ولا يقال: إتْيَانَةً، إلا أن يُسمع.

(1) على حاشية الأصل ((وأما الآن فتكلم)).

(2)

على حاشية الأصل ((أن يتميز)) وكأنه تفسير.

ص: 364

وكذلك إذا لم يكن في المصدر زيادة إلا أنه على غير بناء (فَعْل) إنما يُؤتى فيه بـ (فَعْلَة) كَبطِرَ بَطْرَةً، وهَدَيْتَه هَدْيَةً، وحَلَبَ حَلْبَةً، وحَلَفَ حَلْفَةً، ونحو ذلك، فلا يتعدى (فَعْلَة) أصلا.

ووجه ذلك أن منزلة (الجَلْسَة) من (الجُلوس) منزلةُ التَّمْرةَ من التَّمْر، فالأصل في الجنس ووَاحدِه أن يفرق بينهما بالتاء، فالأصل الجَلْس في (جَلَسَ) والقَعْد في (قَعَدَ) والكَذِب في (كَذَبَ)، فإذا قلتَ: القُعود والجُلوس فقد ألحقتَ في المصدر ما ليس في الفعل، مع أن هذه الزيادة غير لازمة، إذ قد يجئ فيه (فَعْل) بلا زيادة كما يجئ بالزيادة، فتقول: جَحَدَ جَحْداً وجُحوداً، وأَتَى أَتْياً وإتْيَاناً، ونحو ذلك.

بخلاف مصدر المزيد فيه، كـ (استَفْعَلَ، وأَفْعَلَ) فإن الزيادة في المصدر لابد منها، فلذلك فَرَّقوا بين مصدر الثلاثي إذا أرادوا به المرَّةَ ومصدرِ غير الثلاثي. هذا معنى تعليل سيبويه (1). وشَذَّ في هذا النوع: أَتَيْتُه إتْيَانَةً واحدةً، ولَقِيتُه لِقَاءَةً واحدةً، ولُقْيَانَةً واحدةً. الأخيرة عن الجوهري (2)، والأوُلَيَانِ عن سيبويه. ثم قال:

* وَفِعْلَةٌ لهِيْئَةٍ كجِلْسَهْ *

يعني أنه إذا أرادوا نوعاً من الفعل مخصوصاً، أو هيئةً منه، فأرادوا أن يُشْعِروا بذلك، ويَدلُّوا عليه باللفظ أتَوْا بالمصدر على (فِعْلَة) مكسَور الفاءِ، ملَحق الهاء، كـ (جِلْسة) إذا أرادتَ بها ضَرْباً من الجلوس.

ومثل ذلك: قَتَلْهُ قِتْلةً مُنْكَرَة، وقَعَدَ قِعْدةَ سَوْءٍ، وفلان حَسَنُ الطَّعْمَةِ

(1) الكتاب 4/ 45.

(2)

في الصحاح (لقى)((لُقْيانةً واحدة، ولَقْيَةً واحدة، ولقَاءَةً واحدة)).

ص: 365

والرِّكْبَة، وماتَ مِيتَةً حَسَنةً وفي الحديث ((إذا قَتَلْتُم فأَحْسِنُوا القِتْلَة (1))) و ((مَنْ فارقَ الجماعةَ ماتَ مِيتةً جاهلَّيةَ (2))) وهو كثير.

وحُكم هذا حكم ما تقدم في المصدر المراد به المرَّةُ، لا يُتَعَّدى فيه هذا البناء وإن كان المصدر/ مَزيداً فيه، كالقعْدة من (القُعود) والرِّكْبَة من (الرُّكوب). وكذلك مَثَّله الناظم بـ

483 (الجِلْسَة) التي هي من (الجُلوس).

وأما مصادر غير الثلاثي فهو الذي قال فيه: ((في غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ بالتَّا المَرَّة)).

((المَرَّةُ)) مبتدأ، وخبره ((بالتَّا)) و ((في غير كذا)) حالٌ من (المَرَّة) والعامل فيه ((بالتاء)).

يعني أن ما زاد من الأفعال على الثلاثة فإن المرَّة منه بزيادة التَّاء على المصدر المعهود خاصَّة، لا يُتَعدَّى ذلك فيه، فتقول في الإكرام: إكْرَامَةً، وفي التعظيم: تَعْظِيمةً، نحو: أكرمتُه إكرامةً حَسَنةً، وعَظَّمْتُه تعظيمةً واحدةً، واكْتَسَبْتُ اكْتِسَابَةً، وتَقَاعَسَ تَقَاعُسَةً، وانْطَلق انطِلَاقةً، وتَدَحْرَجَ تَدَحْرُجَةً واحدةً، وما أشبه ذلك.

وبقي بعدُ النظرُ في ثلاث مسائل؛ إحداها أن ما ذَكر من الحكم ظاهرٌ فيما لا تاءَ فيه من المصادر، وأمَّا ما كانت فيه التاء بأصل الوضع نحو: أَقَامَ إقامةً، ودَحْرَجَ دَحْرَجَةً، وقاتَل مقاتلةً، واسْتَعان اسْتِعانةً، ونحو

(1) سنن أبي داود-أضاحي: 12، والترمذي-ديات: 14، والنسائي-أضاحي: 22، 26، 27، ومسند أحمد: 4/ 123، 124.

(2)

البخاري-فتن: 2، مسلم-إمارة: 53، 54، 55، وسنن أبي داود-سنة: 27، والترمذي-أدب: 28، والنسائي-تحريم:28.

ص: 366

ذلك- فلا يُزاد على ذلك فيه لقوله: ((بالتَّا المَرَّة)) ولم يَزِد على ذلك، فإذا كانت فيه التاء فلا يحتاج إلى إلحاقها، وتصير إذ ذاك دلالةُ التاء على المَرَّة بقصد القاصد.

ولو قال: تَحلق التَّاءُ للمَّرة لَسَاغ أيضاً، لأن التاء التي تدل على المرَّة غيرُ التاء التي لا تدل عليها. والدَّليل على ذلك أنها لو لم تكن للمرَّة لم تًثَنِّ ما هي فيه ولم تجمعه، كما لا تفعل ذلك بما لا تاء فيه مما يُراد به الجنس. والأمر في ذلك كله قريب.

فتقول: أَقَمْتُه إقامةً واحدةً، واستَعَنْتُه اسْتِعانًةً واحدةً، وقاتلتُه مقاتلةً واحدةً.

والثانية أن الناظم لم يَنص على ماله مصدران فأكثرُ لَيِّهما تَلحق التاء؟ لكنَّه أطلق القولَ بجواز اللَّحاق، فاقتضى أن لك ذلك في كل واحدٍ منها.

وليس كذلك، بل نَصَّ سيبويه وغيرُه على أن التاء تلحق من المصادر الأغلب في الاستعمال لا غير (1)، فالذي على (فَاعَلَ) له (الفِعَالُ، والمَفَاعَلَة) وهذا الثاني هو المستعمل للمرَّة وإن كانت فيه التاء، ولا يقال: ضَارَبَ ضِرَابَةً واحدةً، وإنما يقال: ضَارَبَ مضاربةً واحدةً، والذي على (فَعْلَلَ) له (فَعْلَلَه، وفِعْلَال) والمستعمل له في المرَّة (الفَعْلَلَة) لأن الأول هو الأغلب.

فالحاصل أن الفعل إذا كان له مصدران قياسيَّان فالأغلب هو المَقُول للمرَّة، ا، سَماعيَّان فكذلك، أو قياسيٌّ وسَمِاعيٌّ (2) فالقِياسِيُّ.

فكان من حق الناظم بيانُ ذلك كله، لكنه لم يَفعل فبقى إطلاقُه محتاجاً إلى التَّقييد.

(1) الكتاب 4/ 86.

(2)

في الأصل و (ت): ((أو قياسيا وسماعيا)) بالنصب، والوجه الرفع كما أثبت.

ص: 367

والثالثة أن بناء الهَيئْة في الزائد على الثلاثة مَفْقُودٌ في كلامهم، لأن بناء (الفِعْلَة) لا يَتأتَّى فيه، إذ يلزم عن ذلك هدم البِنْية بحذف ما قُصِد إثباتُه فيها، فكأنهم اجتنبوا ذلك واستغنوا عنه بنفس المصدر الأصلي، أو المستعمل للمرَّة.

وإنما جاء فيه ذلك نادراً، وهو قوله:((وشَذَّ فِيهِ هَيْئَةٌ)) الضمير في ((فيه)) عائد إلى ((غير ذي الثلاث)) ويريد أن (الفِعْلَة) فيه للهيئة شاذٌّ، فَتْركُ ذلك إذاً هو الباب.

ومما شَذَّ من ذلك قولهم: الخِمْرة، وهي هيئة الاخْتِمار، من الخِمَار، وهو / ما تُغَطِّي 484 به المرأةُ رأسَها. أَتى به مثالاً للشاذّ؛ يقال: اخْتَمرت المرأةُ اخْتِماراً فهي حَسَنَةُ الخِمْرَة، وفي المثَل ((إنَّ العَوانَ لا تُعَلَّم الخِمْرَة (1))). وقالوا: فلان حَسَن العِمَّة، من: اعْتَمَّ الرجلُ وتَعَمَّمَ، اعْتِماماً وتَعَمُّماً، وانْتَقَبتِ المرأةُ انْتِقاباً، وإنها لَحَسَنةُ النِّقْبَةِ. وكان القياس عدم الحذف، إلا أنَّهم هَدَمُوا بِنْيَةَ المصدر، فَبنوا (الفِعْلَة) حرصاً على البيان. والله أعلم.

(1) أمثال أبي عبيد 108، واللسان (خمر، عون). والعوان: المرأة الثيب. ومعناه أن هذه المرأة قد عرفت كيف تختمر، لا تحتاج إلى تعلم، وكذلك الرجل المُسِنُّ المجرِّب. ويضرب في الرجل قد حنكته السن مع الحزم والعقل.

ص: 368