الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبْنِيَةُ أسماء الفاعلين والمفعولين والصِّفاتِ المُشَبَّهةِ بها *
هذا الباب تكلم فيه على ما يُقاس من أبنية الصفات الجارية على أفعالها، إذ هي تختلف باختلاف أفعالها، كما تختلف مصادرها على ما تقدم، فإذا حُصر ما يُقاس عليه خرج الباقي إلى باب السَّماع.
وفي إشراكه اسمَ الفاعل والصفةَ المشبَّهة في الحكم نظر، وذلك أن اسم الفاعل يُفارق الصفة المشبَّهة في هذا الباب من وجه، ويوافقه من وجه آخر، وليس القياس فيهما سواءً بإطلاق؛ فيتَوافقان فيما فوق الثلاثة؛ فيكون بناء اسم الفاعل كبناء الصفة المشبهة من كل وجه، وإنما يفترقان في المعنى والتعدي وعدمه. ويَتخالفان في الثلاثي، فيكون اسم الفاعل على بناء (فَاعِلٍ) أبدً؛ كان الفعل متعديا أو غير متعدٍّ. ويستوي في ذلك ما كان منه على (فَعَلَ، أو فَعِلَ، أو فَعُلَ) فتقول: زيدٌ قائمٌ غَداً، وضاربٌ الآنَ، وعالمٌ غَداً، وعَامٍ غداً، من: عَمِيَ، وحَاسِنٌ غداً، من: حَسُنَ، فلا يفارق (فَاعِلاً) أصلا إلا إلى أمثلة المبالغة أو بناء اسم المفعول.
وأما الصفة المشبهة فقياسها هو المقرَّر في صدر الكتاب، فإذا إنما ذكر في الباب أبنيةَ الصفة المشبهة لا أبنية اسم الفاعل، فكيف يُتَرْجِم عليهما معاً فيقول:((باب أبنية أسماء الفاعلين والصفات الشبَّهة بها))؟ ثم يقول بعد: كَفَاعلٍ صُغٍ اسْم فاعلٍ)) ثم يأتي بِصَيغ الصفات المشبَّهة، ولم يتعرضَّ لصيغة اسم الفاعل، وهما في الاصطلاح مُتَباينان؟
فالظاهر أن الترجمة غير مُطابِقة، وتبويبُه غير محرَّر، وإنَّما البابُ لأبنية
* كلمة ((والمفعولين)) ليست في النسخ، وأثبتها من الألفية وسائر شروحها.
الصفة المشبَّهة خاصة.
والفعل على ضربين، ثلاثي وغيره، ولكل واحدٍ منهما قياسٌ في بناء الصِّفة له، فأفردَ كُلاً بحكمه، وابتدأ بالثلاثي فقال:
كَفَاعِلٍ صُغِ اسْمَ فَاعِلٍ إذَا
مِنْ ذِي ثَلَاثَةٍ يَكُوُن كَغَذَا
هذا الكلام يَحتمل تفسيرين، أحدهما أن يريد أن صيغة اسم الفاعل من الفعل الثلاثي الحروفِ يأتي في القياس كَفَاعلٍ، أي على زنة (فَاعِلٍ) هذا البِنَاءِ، لكن بشرط أن يكون شبيهاً بـ (غَذَا) وذلك أن (غَذَا) فِعْل على (فَعَلَ) بفتح العين، فهو الوصفُ المعتَبر في التقييد بهذا المثال، لأن صيغة/ (فَاعِلٍ) قياسٌ في (فَعَلَ) المفتوحِ العين، كان صحيحاً أو معتلاً، متعدِّياً أو غيرَ 485 متعدٍّ، فلا أَثَر لاعتلال لام (غَذَا) في التَّقْييد، بدليل أنه جعل مُقَابِلَه (فَعُلَ، وفَعِلَ) بالضم والكسر. ولو أراد قيدَ الاعتلال لأتى بعده بمقابِله الصحيح، كما فعل في المصادر.
ولا أثَر أيضاً لتَعَدٍّ أو عدمِه؛ لأن (غَذَا) يَتَعدَّى ولا يَتَعدَّى. فمثال تَعَدِّيه: غَذَا الطعامُ الصبيَّ، وغَذَوْتُه أنا باللَّبَن، وقال امرؤ القيس (1):
كَبِكْرِ مُقَانَاةِ البَياضِ بصُفْرَةٍ
غَذَاهَا نَمِيرُ الماءِ غَيْرَ المُحَلَّلِ
ومثالُ عدم تَعَدِّيه قولُهم: غَذَا الماءُ، إذا سَالَ، وغَذَا العِرْقُ، إذا سالَ
(1) من معلقته، وانظر اللسان (نمر، حلل، قنا). ويراد بالبكرْ هنا البَيْضة الأولى من بيض النعام، وخصها لأن الأولى لا يخلص بياضها خلص سائرها. أو هي الدَّرة التي لم تُثْقب. والمقاناة: المخالطة، يريد أنها بيضاء يخالط بياضها صفرة والنَّمير: الماء العذب الناجع في الري. وغير المحلل: أي لم ينزل أحد عليه فيكدر، أو لأنه ملح لا يتغذَّى به.
دَمً، غَذْواً، وغَذَا البَوْلَ، إذا انقطع، وغَذَا الشيءُ، إذا أَسْرَع.
وإذا كان مشتركاً في التعدِّي واللزوم لم يتعيَّن فيه واحدٌ منهما، فكان إطلاقه مُشعِراً بأن القياس جَارٍ في الضَّرْبين.
ومن مُثُل المتعدِّي: ضَرَبه فهو ضاربٌ، وأَكَلَ فهو آكلٌ، وظَلَم فهو ظالمٌ، وخَلَقَ فهو خالِقٌ، وحَبَسَ فهو حابسٌ (وما أشبه ذلك.
ومن مُثُل اللازم: قامَ فهو قائمٌ، وقَعَد فهو قاعدٌ، وجَلَس فهو جالسٌ، وسكت فهو ساكتٌ، وذَهَب فهو ذاهبٌ، ومَشَى فهو ماشٍ) (1) وسارَ فهو سائرٌ، ومَرَّ فهو مارٌّ، وما أشبه ذلك.
فحاصل هذا التفسير أن المثال قْيدٌ في ((ذي الثَّلاثَة)) وأنه إنما تَكَلَّم على (فَعَلَ) وحده.
والثاني من التفسيريْن أَلَاّ يكون مثالُه تقييداً، بل يريد بقوله:((إذَا مِنْ ذِي ثَلاثةٍ يكونُ)) أن الفعل الثلاثي على أَيِّ بِنْيَةٍ كان، على (فَعَلَ) أو (فَعِلَ) أو (فَعُلَ) يُصاغ منه مثلُ (فَاعِلٍ) إلا أن هذه الأْبنِية تختلف في إجراء القياس. فأما (فَعَلَ) بفتح العين فـ (فَاِعلٌ) فيه مَقيس، كما مَثَّل. وأما (فَعِلَ، وفَعُلَ) فقد ذَكر أن بناء (فَاعِلٍ) فيهما قليل في قوله بعد: ((وهُو قَلِيلٌ في فَعُلْتُ وفَعِلْ)).
وعلى هذا المَنْزَع حَمل ابنُ النَّاظم كلامَه هنا، وهو على الجملة ممكن، إلا أن فيه قَلَقاً في العبارة، وذلك أن الناظم قال:((كفَاعلٍ صُغِ اسْمَ فَاعِلٍ)) فأمَر بالصَوْغ مطلقا، ومثلُ هذه العبارة لا يُطلقها الناظم أو غيره عُرْفاً إلا فيما كان قياساً، ومَوْكولاً إلى خِيَرة (2) المتكلِّم، فيقال له: افْعَلْ، وليس من شأن ما يُوقَف على السَّماع أن يُطْلَق القول فيه للمتكلِّم. وإذا كان كذلك فلا يصح مثلُ هذا
(1) ما بين القوسين ساقط من الأصل و (ت) وأثبته من (س) وحاشية الأصل، وهو الصواب.
(2)
الِخيَرَة والخيَرة: الاختيار، وهو اسم مصدر من (اختار) وانظر: اللسان (خير).
الإطلاق إلا بالنسبة إلى ما كان القياس فيه جارياً بإطلاق، وذلك (فَعَلَ) المفتوحُ العين وحده. وأما (فَعِلَ، وفَعُلَ) فَـ (فَاعِلٌ) فيهما ليس بقياس، فلا يصح أذاً أن يَدخل تحت كلامه هذان البناءان.
فإن قال: بل يَدْخل تحته (فَعَلَ، وفَعِلَ) المتعدِّي وغيره، إلا أنه استَثْنى منه غير المتعدِّي بقوله:((وفَعِلْ غَيْرَ مُعَدَّى)) فبقي (فَعِلَ) المعدَّي يشمله قولُه: ((مِنْ ذِي ثَلاثَةٍ)) وإذا كان كذلك فهو مطلَق في الثلاثي كلِّه، واستَثْنى ما يجب استثناؤه، وهو كالعمِّ يُخَصَّص، فكأنه يقول: الثلاثي قياسُه (فَاعِلٌ) إلا (فَعُلَ، وفَعِلَ) اللازم فإنه فيهما سَمَاعي.
فالجواب أن هذا، وإن أمكن، خلافُ ظاهر المَساق، والظاهر التفسيرُ الأول، وأنه أخذ كلَّ فِعْلٍ يَذكره على حِدَته. والله أعلم.
وقوله: ((كَفَاعِلٍ)) في موضع الحال من ((اسْم فَاعِلٍ)) / و ((مِن ذِي ثًلاثةٍ)) خبرُ ((يَكوُنُ)) 486 واسمها مضمر فيها عائد على ((اسْم فَاعلٍ)) و ((ذِي)) صفةٌ لمحذوف، وهو الفعل الممثَّل بـ (غَذَا) والتقدير: صُغ اسَم فاعلٍ شبيهاً بـ (فَاعِلٍ) إذا يكون اسم الفاعل من ذي ثلاثة أحرف كغَذَا.
وَهْوَ قَلِيلٌ في فَعُلْتُ وفَعِلْ
غَيْرَ مُعَدَّى بَلْ قِيَاسُهُ فَعِلْ
وأَفْعَلٌ فَعْلَانُ نَحْوُ أَشِرِ
ونَحْوُ صَدْيَانَ ونَحْوُ الأَجْهَرِ
يعني أن صيغة (فَاعِلٍ) قليلٌ استعمالُها عند العرب في (فَعُلَ) المضموم العين مطلقا ولا يكون إلا غيرَ متعدٍّ، وفي (فَعِلَ) المكسور العين بشرط أن يكون غيرَ متعدٍّ، لأن (فَعِلَ) قد يكون متعدِّيا ولازما.
_________
فمثال (فَاعِلِ) لـ (فَعُلَ) المضموم العين: حَمُضَ الشيءُ فهو حامض، وفرُه فهو فارِهٌ، وخَثُرَ اللَّبَنَ فهو خاثِرٌ (1)، ومَكُثَ، بالضم، فهو ماكِثٌ، وطَهُرَ فهو طاهِرٌ.
ومثاله في (فَعِلَ) الكسور العين الذي لا يتعدَّى: سَلِمَ فهو سالمٌ، وبَلِىَ فهو بَالٍ، ورَشِدَ [رَشَداً (2)] فهو راشِدٌ، وحَرِدَ؛ أي غَضِبَ، فهو حارِدٌ، ونَقِه من مرضه فهو نَاقِهٌ، حكاه سيبويه (3). ولَبِثَ فهو لابِثٌ، وذلك قليلٌ لا يُقاس عليه. واشتراطُه في (فَعِلَ) المكسور العين عدم التعدي يدل على أنه إن كان متعدياً فليس (فَاعِلٌ) بقليل فيه، بل هو كثير، فيكون إذاً قياساً، وذلك صحيح، نحو: عَلِمَ فهو عالِمٌ، وجَهِل فهو جاهِلٌ، وعَمِلَ فهو عامِلٌ، ولَحِس فهو لاحِسٌ، ولَقِم فهو لاقِمٌ، وشَرِب فهو شارِبٌ، وصَبَّ فهو صَابٌ، ووَطِئَ فهو وَاطِئٌ، وهو كثير.
ولما ذكر أن صيغة (فَعِلٍ) قليلةٌ في البنائين احتاج إلى ذكْر ما هو قياسٌ في كل واحد منهما. فأما (فَعُلَ) فأَخَّر ذكره.
وأما (فَعِلَ) اللازم فقال: إن قياس الصفة فيه تأتي على ثلاثة أبنية، أحدها (فَعِلٌ) وهو قوله:((بَلْ قِيَاسُه فَعِلْ)) وضمير ((قِيَاسُه)) عائد إلى (فَعِلَ) القريبِ الذَّكر، و (فَعِلٌ) في كلامه بِنَاءُ الصِّفة، و (فَعِلَ) في الشَّطر قبله بناءُ الفِعْل. ومثال ذلك: وَجِعَ فهو وَجِعٌ، وحَبِطَ فهو حَبِطٌ، وَوَجِلَ فهو وَجِلٌ (4)، وفَزِع
(1) فَرُة، فَراهِة وفُروهة: جَمُلَ وحَسُنَ، أو حَذِق ومَهرَ. وخَثُر اللبن خَثارة، وخُثورة، أي ثَخُن وغَلُظ.
(2)
ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل، وأثبته من (ت، س).
(3)
الكتاب 4/ 35. ويقال: نَقِه الرجل من مرضه، نَقَهاً ونُقُوهاً، إذا بَرِئ، ولكن لا يزال به ضعف.
(4)
حَبِط العملُ، يَحْبطُ حَبَطاً: بطل. وحَبِطت الدابَّةُ: انتفخ بطنها من كثرة الأكل، أو من أكل ما لا يوافقها. ووَجِلَ الرجلُ، يَوْجَل وَجَلاً: خاف وفزع.
فهو فَزِعٌ، ورَدِىَ فهو عَمٍ (1)، وهو كثير.
والثاني (أَفْعَلُ) نحو: أَدِمَ فهو آدَمُ، وشَهِبَ فهو أَشْهَبُ (2)، وعَمِىَ فهو أَعْمَى، وقَهِيَ فهو أَقْهِبُ (3)، وعَوِرَ فهو أَعْوَرُ، وحَوِلَ فهو أَحْوَلُ، وأَدِرَ فهو آدَرُ (4).
والثالث (فَعْلَانُ) نحو: عَطِشَ فهو عَطشانُ، وظَمِئَ فهو ظَمْآنُ، وصَدِىَ فهو صَدْيَانُ، وغَرِثَ فهو غَرْثَانُ (5)، وشَبِعَ فهو شَبْعَانُ، ورَوِىَ فهو رَيَّانُ، وسَكِرَ فهو سَكْرَانُ، وحَارَ يَحارُ فهو حَيْرَانُ.
ومَثَّل الناظم لكل بناء مِثَالاً، فأتى للأول بـ (أَشِرٍ) وهو من: أَشرَ يأْشَرُ أَشَراً، إذا لم يَحْمد النَّعمة والعافية. وللثاني بت (صَدْياَنَ) وهو من: صَدِىَ يَصْدىَ صدىً؛ إذا عَطِشَ. والثالث بـ (الأَجْهَرَ) وهو من: جَهِرَ جَهْراً؛ إذا لم يُبْصر في الشمس. هذا ما قال. إلا أن فيه نظراً.
وذلك أنه أطلق القولَ في كَوْن هذه الأبنية الثلاثة/ تأتي جارية على (فَعِلَ) من غير
…
487 تَقْييدها بمعنىً أو بموضع، فَيَقتضي ذلك أن يأتي القياسُ بها كلِّها في (فَعِلَ) مطلقا، وليس كذلك بصحيح (6)، بل فيها تفصيلٌ لابُدَّ من اعتباره.
(1) رَدِىَ، يَرْدَى ردىً: هلك. ورَدِىَ في الهُوَة: سقط. وعَمِىَ القلبُ أو الرجلُ، يَعْمَى عَمّى: ذهبت بصيرته، ولم يهتد إلى خيرن فهو أعمى أو عَمٍ، وهي عمياء أو عَمِيَة، من قوم عَمِين. وعَمَيت الأخبارُ والأمور عنه وعليه: خفيت والتبست.
(2)
أَدِمَ، يَأْدَمُ أَدَماً وأُدْمَة: اشتدت سُمرته، فهو آدم، وهي أدماء. وشَهِب، يَشْهَب شَهَباً وشُهْبة: خالط بياض شعره سواد، فهو اشهب، وهي شهباء.
(3)
عَمِىَ الرجلُ، يَعْمَى عَمىً: ذهب بصره كله من عينيه كلتيهما، فهو أعمى، وهي عمياء. وقَهِبَ، يَقْهَب قَهَباً: كان لونه القُهْبَة، وهي غُبرة تعلو أي لون كان.
(4)
أَدِرَ الرجل، يَأْدَرُ أَدَرَةً: انتفخت خُصيْته لانسكاب سائل في غلافها.
(5)
غَرِثَ، يغْرَثَ غَرثاً: جاع.
(6)
يعني أن الأمر على الوضع السابق، من إطلاق القياس في هذه الأبنية، ليس بصحيح.
فأمَّا (فَعِلٌ) ففي الأدواء وما لَحِق بها، وفي الفَرح وما أشبهه، مما هو راجع إلى الخِفَّة والتحُّرك.
وأمَّا (فَعْلَانُ) ففي الجوع والعطش، والامتلاء والحَيْرة، وإن اختصرتَ فهو للامتلاء حِسً أو مَعْنىً.
وأمَّا (أَفْعَلُ) ففي الألوان والعاهات العائبة، والآفات اللازمة، ونحوها.
وقد يَدخل بعضُ هذه الأشياء على بعض في بناء الصِّفة، ولكنه قليل وغير مُقيس، وإنَّما الأصل ما تقدم، وإذا اعتبرتَ ذلك بالاستقراء وجدتَه.
فإذا ثبت هذا تبيَّن أن كلام الناظم محتاج إلى التَّحرير.
والجواب عن ذلك أنه قد أشار بالأمثلة إلى [التَّفصيل المذكور، أعنى (1)] تفصيل المعاني المذكورة.
فـ (أَشِرٌ) مبنيٌّ من الفعل الذي يُعطي معنى الخِفَّة والحركة، كالفرَح ونحوه.
و(صَدْيَانُ) مبنٌّى من الفعل الذي يُعطي معنى العطش.
و(أَجْهَرُ) مبنٌّى من الفعل الذي يعطي معنى الآفة والعاهة.
ولم يُرِد أن كلَّ مثال من الثلاثة يَقتضي فِعْلُه أن يُبْنى منه الثلاثة، وإنما مراده ما تقدم.
وقد يَحتمل معنى الفعل المعنيَينْ معاً فيُبنى له البناءان، كما يقال: صَدِىَ، فهو صَدٍ وصَدْيَانُ، وأَشِرَ، فهو أَشِرٌ وأَشْرَانُ، لمقاربة ما بينهما. مثل ذلك لا يُنكر، وإن كان على غير ذلك فقليلٌ لا يُعْتَدُّ به.
(1) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل ز (ت) وأثبته من (س) وحاشية الأصل.
ثم ذكَر ما يكون من أبنية الصِّفات قياساً في (فَعُلَ) المضموم فقال:
وفَعْلٌ أوْلَى وفَعِيلٌ بفَعُلْ
كالضَّخْمِ والجَمِيلِ والفِعْلُ جمُلْ
وأَفْعَلٌ فيهِ قَلِيلٌ وفَعَلْ
وبِسِوَى الْفَاعِل قَدْ يَغْنَى فَعَلْ
يعني أن اسم فاعل الفعل الذي على (فَعُلَ) بضم العين يجئ على أبنية كثيرة، ذكَر منها في (التَّسهيل (1)) بضعة عشر بناء، وإنَّما ذَكر هنا منها أربعةً لا غير، منها بناءان هما الأَوْلَى به، يعني أنهما القياسُ فيه إن قيل به.
أحدهما (فَعْلٌ) بفتح الفاء وإسكان العين، ومَثَّله بـ (الضَّخْم) وهو من: ضَخُم الشيءُ ضَخامَةً وضَخَماً، إذا غَلُظ (2)، فهو ضَخْمٌ، وضُخَام أيضا.
ومِثْله: سَمُحَ فهو سَمْحٌ، ونَذُلَ فهو نَذْلٌ، وفَخُمَ فهو فَخْمٌ، وعَبُلَ فهو عَبْلٌ، وجهُمَ فهو جَهْمٌ (3)، وصَعُبَ فهو صَعْبٌ، وسِهُلَ فهو سَهْلٌ، وحَزُنَ المكانُ فهو حَزْنٌ؛ وجَزُلَ فهو جَزْلٌ (4)، وما أشبه ذلك.
والثاني (فَعِيلٌ) نحو: وَسُمَ فهو وَسِيمٌ (5)، وقَبُحَ فهو قَبِيحٌ، وجَمُلَ فهو جَمِيلٌ، وجَرُؤَ فهو جَرِئٌ، وعَظُمَ فهو عَظِيمٌ، وصَغُرَ فهو صَغِيرٌ، ومَلُحَ فهو مَليحٌ،
(1) ص 195.
(2)
على حاشية الأصل ((إذا عَظُم)) والضَّخامة تجمع بين الصفتين.
(3)
سَمُحَ، يَسْمُح سماحة: صار من أهل السَّماحة، وهي الجود والكرم، أو السهولة واللِّين. ونّذُل الرجل، يَنْذُل نذالة، أي خَسَّ وحَقُر. وفَخُم الشِيء، يَفْخُم فخامة: ضَخُم وعظم قدره. وفخامة المنطق: جزالته. وعَبُلَ الرجل، يَعْبُل عَبالة: غَلُظ وضخم وابيضَّ. وجَهُمَ يَجْهُم جَهامة: صار عابس الوجه كريهه.
(4)
حَزُن المكان، يحزُن حُزونة: خشن وغلظ. وجَزُل جَزالة: عظم. وجزالة اللفظ: استحكام قوته، ومجانبته الرقة.
(5)
وَسُمَ يَوْسُمُ وَسَامة: جَمُل، وحسن حُسْنا وضيئا ثابتا.
وسَمُجَ فهو سَمِيجٌ، وصَبُحَ فهو صَبيحٌ (1)، ونحو ذلك.
وهذان البناءان هما اللذان كَثُرا في الباب (فَعُلَ) وما سواهما قليل. وتمثيل الناظم بـ (جَمُلَ فهو جَمِيلٌ) بمعنى: تَمَّ حُسْنُه وكَمُل.
وهنا سؤالان: أحدهما أن يُقال: إن الناظم هنا قال: ((وفَعْلٌ اوْلَى وَفعِيلٌ بفَعُلْ)) فَعَبَّر بالأولوية، ولم يَنُصَّ على القياس فيهما، فهل يكون ذلك بمعنى أنه مَقيس أم لا؟
والجواب أنه إنما لم يصرِّح بالقياس، لأنه لم يَطَّرد فيهما السَّماعُ عنده اطِّراداً يُقَطع بالقياس فيهن وإنما جاء في الكلام كثيراً / خاصَّة، والكثرةُ على الجملة في هذه المعاني لا
…
488 تقتضي القياسَ البَتَّةَ، بل قد تكون وقد لا تكون، فكأنه تردَّد في إجراء القياس، فأخبر بأن هذين البناءين أَوْلَى من غيرهما، وبَقى النظر في القياس لاجتهاد المجتهد. ولهذا قال في كتابه ((التسهيل)): وكَثُر في اسم فاعله (فَعيلٌ وفَعْلٌ (2)) وقال في ((الشرح)) (3): ومن استعمل القياس فيهما لعدم السماع فهو مصيب. فلم يَجزم، كما ترى، في ذلك بجرَيان القياس.
هذا ما رأى. وأما غيره فيرى أن (فَعِيلاً) في (فَعُلَ) قياسٌ مطَّرِد؛ إذ قد كَثُر كثرة يُطلق معها القياسُ إطلاقا، وهو ظاهر كلام سيبويه (4)،
(1) سَمُجَ، يَسْمج سَماحة: قَبُح. والسَّمِيج والَّمْج: الخبيث الطعم أو الرائحة. وصَبُحَ الوجه، يَصْبحُ صَباحة: أشرق وجمل، ويقال: صَبح الغلام' فهو صَبِيح.
(2)
ص: 195.
(3)
انظر: شرح التسهيل للناظم [ورقة 208 - ب].
(4)
الكتاب 4/ 28 فما بعدها.
وعليه فَسَّر الشُّراح (1).
وأما (فَعْلٌ) فليس عندهم بقياسٍ أصلاً، ولم يَكثر كثرةً يُظَنُّ معها القياس، وشاهدُ هذا الاستقراءُ.
ولا شك أن القدماء اعرفُ بذلك من المتأخِّرين؛ فَتَوقُّف الناظم عن التصريح بالقياس في (فَعْلٍ) ظاهرٌ، وعدمُ القياس هو الأظهرُ، وأما توقُّفه عنه في (فَعِيلٍ) فغيرُ ظاهر، والصوابُ إجراؤه.
والسؤال الثاني: لِمَ قال: ((والفِعْلْ))؟ ومِمَّاذا تحرَّز به؟ فإن الظاهر أنه حَشْو.
والجواب أنه حَسَنٌ من التحرُّز؛ إذ كان ((جَمِيلٌ)) يقال صفةً للفاعل، وهو الي فِعْله (جَمُلَ) ويقال صفةً للمفعول (فَعِيلٌ) بمعنى (مَفْعُول) لأنه يقال: جَمَلَ فلانٌ الشَّحْمَ، بالفتح، أي أَذَابَه، وجُمِل هُوَ، أي أُذِيب، فهو مَجْمُولٌ وجَمِيلٌ، كمَجْروحٍ وجَرِيحٍ، فخشى أن يُظن أن (جَمِيلاً) (فَعِيلٌ) بمعنى (مَفَعْوَل) من: جَمَلْتُه، وليس كلامه إلا في (فَعُلَ) واسم فاعله، فعَيَّن ما قَصد تمثيلًه.
ثم بَيَّن أن من الأبنية القليلة الاستعمالِ في (فَعُلَ) بناءَيْن، أحدهما (أَفْعَلُ) والآخر (فَعَلٌ) بفتح الفاء والعين.
أمّا (أَفْعَلُ) فقليلٌ فيه كما قال، كقولهم: شَنُعَ شَنَاعَةً، فهو شَنيعٌ وأَشْنَعُ (2)، وحَمُقَ فهو أَحْمَقُ، وخَرُقَ فهو أَخْرَقُ (3).
وأمّا (فَعَلٌ) فكذلك ايضاً، نحو: حَسَنَ فهو حَسَنُ، وبَطُلَ فهو بَطَلٌ،
(1) يعني شراح كتاب سيبويه.
(2)
شَنُع، يَشْنُع شَناعة: اشتد قبحه. ويقال: شَنَّع عليه، إذا فضحه وشَوَّه سمعته.
(3)
خَرُق، يَخْرُق خُرْقا: حَمُق.
وسَبُطَ الشَّعْرُ، فهو سَبَطٌ وسَبِطٌ (1).
وقد ظهر بهذا أن (فُعَالاً) بضم الفاء، عند الناظم، من القليل الذي لا يُقاس عليه، وذلك عند غيره [غيرُ](2) صحيح، بل (فُعَالٌ) شريكُ (فَعِيلٍ) بنص سيبويه، وإن كان أقلَّ استعمالاً منه، فهو في الكثرة بحيث لا يقال: غنه قليل، نحو كَبير وكُبَار، وشَجِيع وشُجَاع، وطَوِيل وطُوَال، وعَرِيض وعُرَاض، وعَظِيم وعُظَام، وعَجِيب وعُجَاب، ومَلِيح ومُلَاح، وهو كثير.
فإذا كان كذلك لم يصح جَعْلُ (فُعَالٍ) من الذي لا يُقاس عليه، وكذلك فَعل في (التَّسهيل) أَدخل (فَعْلاً) في باب الكثير، وأخرج عنه (فُعَالاً)(3) والأمر عند الأئمة بالعكس، غير أن عادة ابن مالك الاستبدادُ برأيه في أمثال هذا، والاتكالُ على استقرائه، فإن كان السَّماع كما قال فيَشْتبَه، ولكنه بعيد مع تَضافُر الأئمة على خلافه، فالله أعلم.
ثم قال: ((وبِسِوَى الفَاعِلِ قَدْ يَغْنَى فَعَلْ)) يعني أن الفعل الذي على (فَعَلَ) بفتح العين قد يَستغني عن بناء (فاعِلٍ) بغيره من الأبنية، وذلك أنه قد قَدَّم أن ما كان على (فَعَلَ) فاسم الفاعل منه على (فَاعِلٍ) فأخبر هنا أنه قد يَنتقل عن ذلك إلى بناء آخر من غير أن يأتي في الفعل غيرهُ، لأن حقيقة/ الاستغناء أن يُترك القياسُ المطَّردِ في الكلام، فلا يُستعمل في الموضع الذي 489 شأنُه أن يُستعمل فيه، استغناءً بغيره، واطِّرَاحاً للأوَّل، كان المستَغْنَى به من مادة لك اللفظ المهملَ أو من غيره، كما استغنَوْا بـ (لَمْحَة) عن مَلْمَحة الآتِي عليه (مَلَامح) وبـ (شِبْهٍ) عن مَشْبَهٍ الذي جاء عليه (مَشَابِهُ) وبـ (لَيْلَةٍ) عن لَيْلَاةٍ التي أتى عليها (لَيَالٍ) وكما استغَنوا بـ
(1) السبط من الشعر: المسترسل غير الجَعْد، ومن الرجال: الطويل.
(2)
ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل و (ت)، ومستدرك على حاشية الأصل.
(3)
ص 195.
(تَرَكَ، وتَارِكٍ) عن: وَذِرَ ووَاذِر، ووَدَعَ ووَادِعٍ، وأشباهُ ذلك كثير (1).
فكذلك استغَنْوا هنا عن (فَاعِلٍ) بغيره، ومثال ذلك: شَاخَ يَشِيخُ، فهو شَيْخٌ، ولم يقولوا: شائِخٌ. وشَابَ فهو أَشْيَبُ، ولا يقال: شَائِبٌ. وطَابَ يَطِيبُ، فهو طَيَّبٌ، ولا يقال: طائِبٌ. وعَفَّ يَعِفُّ، فهو عَفِيفٌ، ولا يقال: عَافٌّ.
فلو اسْتُعْمِل ما هو قياسٌ وما هو سماعٌ فليس موضعَ استغناء، كقولك: مَالَ يَمِيلُ، فهو مَائِلٌ وأَمْيَلُ، وما أشبه ذلك. وكل هذا قليل فبم يَعتبره.
وهنا تَمَّ كلامه على الثلاثي، ثم شرع فيما فوقه فقال:
وزِنَةُ المُضَارعِ اسْمُ فَاعِلِ
مِنْ غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ كالمُواصِلِ
مَعَ كَسْر مَتْلُوِّ الأَخير مُطْلَقَا
وضَمِّ مِيمٍ زائدٍ قَدْ سَبَقَا
يعني أن اسم الفاعل من غير الثلاثي الحروفِ زنتُه كزِنَة فِعْله المضارع، لا يخالفه إلا في موضعين، أحدهما الحرف الذي قبل الآخِر، فإنه في اسم الفاعل مكسورٌ أبداً، ولا يَلزم ذلك في المضارع؛ إذ قد يكون مكسورا، نحو: يُوَاصِلُ، ويَنْطَلِقُ، وقد لا يكون كذلك، نحو: يَتَغَافَلُ، ويَتَواصَلُ، وَيَتَكَبرَّ، ويَتَدحْرَجُ، ويَتَبَيْطَرُ. وذلك قوله:((مَعَ كَسْرِ مَتْلوِّ الأَخِيرِ مُطْلَقَا)) أي إن ذلك لازم في اسم الفاعل من أَيِّ الصِّيغَ كان من صِيَغ المضارع، بخلاف المضارع.
والثاني: الحرف السابق في أول الكلمة؛ فإنه في اسم الفاعل ميمٌ مضمومة، وفي المضارع أحدُ حروف (أنيت) وذلك قوله:((وضَمُّ مِيمٍ زَائدٍ قد سَبَقا)).
(1) انظر الخصائص 1/ 266، 267 (باب الاستغناء بالشيء عن الشيء).
ومَثَّل ذلك بقوله: ((كالمُواصِل)) فقد حصل فيه ما شَرط من موازنة مضارعه، وهو ((يُوَاصِلُ)) مع كسر ما قبل آخِره، وجَعْلِ ميمٍ مضمونةٍ أولَه.
ومِثْله: مُكْرِمٌ، من (أَكْرَمَ)، ومُنْطَلِقٌ من (انْطلَقَ) ومُقْتَدِرٌ من (اقْتَدَر)، ومُتَماسِكٌ من (تَماسَكَ)، مُسْتَكْبِرٌ من (اسْتَكْبَر)، ومُدَحْرِجٌ (1) من (دَحْرَجَ) ومُسَحْنِككٌ من (اسْحَنْكَكَ (2).
وكذلك المعتلّ، نحو: مُتَمَادٍ من (تَمَادَى)، ومُلْقٍ من (أَلْقَى)، ومُسْتَدْعٍ، من (اسْتَدْعَى) وما أشبه ذلك.
ومعنى قوله: ((كالمُواصِلِ)) اي مع مضارعه الذي هو (تُواصِلَ) وعلى هذا المعنى يَسْتَتِبُّ قوله ((وزِنَهُ المُضَارعِ اسْمُ فَاعِل)) إذا (يُوَاصِلُ) و (مُوَاصِلٌ) متوازيان في الحركات والسكنات، وعدد الحروف، ومُقابلة الزَّائد بالزائد، والأصليِّ بالأصلي، عَيْناً لا جِنْساً، إلا ما ذكره من كَسْر ما قبل الآخر، وتعويضِ الميم من حرف المضارعة.
وإنَّما قال: ((وضَمُّ مِيمٍ)) فأَلزم الضمَّ، لأن الضم في أول المضارع قد يكون نحو: يُوَاصِلُ، وقد لا يكون نحو: يَتَدَحْرَجُ، بخلاف اسم الفاعل، فإن الضمَّ فيه لازم.
وما جاء من نحو: مِنْتِنٌ من (أَنْتنَ)، ومِعِين في (مُعِين) من (أَعَانَ)، ومِغِيرَة في مُغِيرَة، فشاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه، والأصل الضَمُّ، وإنما / كُسِرت إتْباعاً لحركة ما بعدها (3).
…
490
(1) في الأصل و (ت): ((مُتَدحرِج)) وما أثبته من (س) وحاشية الأصل، وهو الصواب.
(2)
يقال: اسْحَنْكَكَ الليُل، إذا اشتدت ظلمته. والمُسْحَنْكِك من كل شِيء: الشديد السواد.
(3)
الخصائص 2/ 143، واللسان (نتن).
وقوله: ((مُطْلَقَا)) يريد أن كَسْر ما قبل الآخر مُطَّرِد لا يَنْكسر، إلا ما شَذَّ من قولهم في (مُنْتِنٍ): مُنْتُنٌ (1)، وقالوا: مُنْحُدُرٌ في (مُنْحَدَرٍ)(2). وما عسى أن يجئ من ذلك، بخلاف المضارع فإن الكسر فيه ليس بإطلاقٍ كما مَرَّ.
فإن قيل: إن اشتراط كسر ما قبل الأخِر لزوماً قد يُخَلُّ بعضَ إخلال، لأن المضاعَف لا يَنْكسر ما قبل الآخر فيه، نحو: مُعْتَلٌ، من (اعْتَلَّ) ومُكِبٌّ، من (أَكَبَّ) ومُسْتِكَنٌ، من (اسْتَكَنَّ) ومُحْمَرٌّ، من (احْمَرَّ) ومُحْمَارٌ، من (احْمَارَّ).
وكذلك المعتلُّ العينِ كمُسْتَفِيد، من (اسْتَفَادَ) ومُنْقَاد، من (انْقَادَ) ومُحْتَال، من (احْتَالَ) ونحو لك.
وأيضاً فأن قوله: ((وضَمُّ مِيمٍ زَائدٍ قَدْ سَبَقا)) ليس فيه ما يُبَيِّن كيف تَسْبِق هذه الميم، أمعَ حرف المضارعة أم في موضعه؟
فالجواب عن الأوَّل أن كَسْر ما قبل الآخِر نارةً يكون ظاهراً كالأمثلة المذكورة، وتارةً يكون مقدرا، وذلك أن ما اعتُرِض به من الأمثلة الأصلُ فيها كَسْرُ ما قبل الآخِر، لكن أَدَّى التَّصريفُ والإدغام إلى الخروج في اللفظ عن ذلك الأصل، فأطلق الناظمُ الكسَر اعتباراً بالأصل في الجميع؛ فالصحيحُ منها بقى على الأصل كما مَثَّل، وما سواه دَخله الإعلال، والأصل: مُعْتَلِلٌ، ومُكْبِبٌ ومُسْتَكْنِنٌ ومُحْمَرِرٌ، ومُحْمَارِرٌ.
(1) الخصائص 2/ 143، وذكر فيه ثلاث لغات هي: مُنْتِن، وهي الأصل. ومِنْتِن- بكسر الميم والتاء معا، على إتباع كسرة الميم لكسرة التاء. ومُنتُن- بضم الميم والتاء معا، على اتباع ضمة التاء لضمة الميم.
(2)
المُنْحَدَر: اسم لمكان الانحدار، ومنه: مُنْحَدَر الجبل. ومن قال: مُنْحُدُر، بضم الحاء والميم، فقد أتبع الضمة الضمة، مثل أُنْبِيك وأُنْبُوك. وانظر: الخصائص 2/ 143، واللسان والتاج (حدَر).
وكذلك: مُسْتَفْيِدٌ ومُنْقَوِدٌ، ومُحْتَوِلٌ، فلا اعتراض.
وعن الثاني أن مثاله بَيَّن ان الميم عِوَضٌ من حرف المضارَعة لا زائدٌ على ذلك. وأيضاً فحرفُ المضارعة مختصٌّ بالفعل، فلا يُتَوهَّم بقاؤه في اسم الفاعل. وأيضاً فلو بقي حرف المضارعة مع الميم لم تَحصل الموازنةُ بينه وبين المضارع، وهو قد قالك ((وَزِنَةُ المُضَارِعِ اسْمُ فَاعِلِ)) فلم يُمكن إلا أن تكون الميم عِوَضاً لا زائدة.
وقوله: ((اسمُ فاعلِ)) مبتدأ، خبرُه ما قبله، وهو على حذف المضاف، أي زِنَةُ اسم الفاعل زِنَةُ المضارع، يريد: كَزِنَته، أو اسمُ الفاعل ذو زِنَةِ المضارع.
و((مِنْ غَيْر ذِي الثَّلَاث)) في موضع الحال من ((اسم الفاعل)).
وإِنْ فَتَحْتَ مِنْهُ مَا كَانَ انْكَسَرْ
صَارَ اسْمَ مَفْعُولٍ كمِثْلِ الْمُنْتَظَرْ
يريد أن بِنْية ((اسم المفعول)) من غير ذي الثلاث موافقةٌ لبِنْية ((اسم الفاعل)) لا فرق بينهما إلا في فتح ما قبل الآخِر الذي كان في اسم الفاعل مكسورا. وما سوى ذلك فهو مِثْلُه من زِنَة المضارع، مع سَبْق الميم المضمومة.
ومثاله (المُنْتَظَرُ) فإن اسم فاعله كان (مُنْتَظِراً) بكسر الظاء، فلما فُتِحت صار اسمَ مفعول.
ومثله: مُنْطَلَقٌ إليه، ومُسْتَمْسَكٌ به، ومُتَطَاوَلٌ عليه، ومُكْرَمٌ، ومُوَاصَلٌ، ومُدَحْرَجٌ، ومُتَدَحْرَجٌ عليه، وما أشبه ذلك.
والمضاعَف والمعتلُّ العينِ قد يَشترك مع اسم الفاعل في اللفظ، فلا فرق بينهما إلا في التقدير، فُيقَدَّر هنا الفتحُ، كما يقدَّر هنالك الكسرُ، فتقول: مُعْتَلٌّ، ومُنْدَقٌّ، ومُخْتَارٌ، ومُنْقَادٌ، إلا ما كان من نحو: مُسْتَعَانٌ، ومُسْتَكَنٌّ، ومُكَبٌّ، فإن
_________
الفرق في ذلك ظاهر.
والضمير / في (مِنْهُ) عائد إلى القسم المذكور أخيرا، وهو ما زاد على الثلاثة، وأما
…
491
القسم الثلاثيُّ الحروفِ فهاهو يَذكره، وذلك قوله:
وَفِي اسْم مَفْعُولِ الثُّلَاثِىِّ اطَّرَدْ
زنَةُ مَفْعُولٍ كَآتٍ مِنْ قَصَدْ
يعني أن اسم المفعول الذي من الفعل الثلاثي اطَّردَ فيه بناءٌ واحد، وهو بناء (مَفْعُول) وذلك كالمثال الآتي من هذا الفِعْل الذي هو: قَصَدَ، يَقْصِدُ، إذا بنيتَه للمفعول فقلت: مَقْصُودٌ.
ومثل ذلك: مَضْرُوبٌ، ومَأْكُول، وكذلك مَشْرُوبٌ، ومَعْلُومٌ. فالأوَّلان من (فَعَلَ) والآخِران من (فَعِلَ).
ويستوي في ذلك المتعدِّي واللازم، فتقول: مَذْهُوبٌ به، ومَقْعُودٌ به، ومَوْثُوقٌ به، وما أشبه ذلك.
وكذلك المعتَلُّ نحو: مَرْمِىٌّ، ومَغْزُوٌّ، ومَغْزِيٌّ، ومَقُولٌ، ومَبِيعٌ، ومَكِيلٌ.
أصلها: مَرْمُويٌ، ومَغْزُووٌ، ومَخْوُوفٌ، ومَقْوُولٌ، ومَبْيُوعٌ، ومِكْيُولٌ. إلا أن الإعلال صَيَّرها إلى ما رأيتَ، فهي في الأصل على (مَفْعُول) وبذلك الاعتبار دَخلت في زِنة (مَفْعُول) كما تقدم في نظيره.
ونَابَ نَقْلاً عِنْهُ ذُو فعِيلِ
نَحْوُ فَتَاةٍ أَوْ فَتى كَحِييِ
((ذُو فَعِيل)) هو صاحب هذا البناء الذي على (فَعِيل) وهو المثال الذي يُؤْتَى به على وزن (فَعِيل) كـ (الكَحِيل) فإنه (ذو فَعِيل) أي ذو الوزن المشار إليه.
_________
يعني أن بناء (فَعِيل) قد ينوب عن بناء (مَفْعُول) لكن ذلك موقوف على السَّماع، وهو قوله:((نَقْلاً)) فلا يُقاس على ما سُمع منه.
ومَثَّله بقوله: فَتىً كَحِيل، وفَتَاة كَحِيل، وهو ممَّا لا تَلحقه التاءُ في المؤنَّث. ونَبَّه على ذلك هنا بالمثال، وتمامُ بيانه في باب ((التأنيث)) لأنه (فَعِيل) بمعنى (مَفْعُول)(1).
ومثل ذلك: كَلَمْتُهُ فهو كَليمٌ، وجَرَحْتُه فهو جَرِيحٌ، وقَتَلْتُه فهو قَتِيلٌ، وأَسَرْتُه فهو أَسِيرٌ، وجَمَلْتُ الشَّحْمَ، فهو جَمِيلٌ، ودَهَنَ لحيتَه، فهي دَهِينٌ، وخَصَفَ النَّعْلَ، فهو خَصِيفٌ، ولُدِغَ فهو لَدِيغٌ، وغَسَلَ ثَوْبَه، فهو غَسِيلٌ، وما أشبه ذلك.
وما ذَهب إليه، من وَقْف هذا على السمَّاع، هو مذهبُه أيضاً في (التَّسهيل)(2).
وحُكي عن بعض النحويِّين (3) أنه يَجعله قياسا، لكن فيما ليس له (فَعِيل) بمعنى (فاعِل) كقَتِيلٍ وجَريح، فإن كان له (فَعِيل) بمعنى (فاعِل) لم يُقَس فيه، نحو: عَلِم فهو عَلِيمٌ، لا يُبْنى له (فَعِيل) بمعنى (مَفْعُول) لأن له (فَعِيلاً) بمعنى (فاعِل) نحو واللهُ عَلِيمٌ حَكِيم، وكذلك: ضَرِيبُ قِدَاحٍ، للضَّارب بالقِدَاح، وصَريمٌ للصَّارِم (4).
(1) حيث يقول الناظم في ذلك الباب:
ومِنْ فَعِيلٍ كقَتِيلٍ إنْ تَبِعْ مَوْصُوفَه غالباً التَّا تَمْتَنِعْ
(2)
قال في التسهيل (254): ((وصَوْغ فَعِيل بمعنى مفعول مع كثرته غير مقيس)).
(3)
في (ت)((اللغويين)).
(4)
القداح: جمع قِدْح، وهو قطعة من خشب تعرَّض قليلا وتسوَّى، وتخطُّ فيها حزوز، تميَّز كل قِدْح بعدد من الحزوز، وكان يستعمل في الميسر. والضَّرِيب: الموكلَّ بتلك القداح، يضرب بها والصَّرِيم والصارم: السيف القاطع.
والذي حَمل هذا القائلَ على ما ذَهب إليه كثرةُ ما جاء من ذلك في السمَّاع. ولَم يبلغ عند ابن مالك مبلغَ القياس، قال (في التسَّهيل) (1): وهو على كثرته مقصورٌ على السمَّاع.
ويبقى في هذا الباب مسألةٌ تتعلق بكلامه، وهي ما يظهر منه أن اسم الفاعل والمفعول مبنيَّان من الفعل، ومشتقَّان منه، ألا ترى إلى قوله:((كَآتٍ مِنْ قَصَدْ)) فإن معناه: كالمفعول من (قَصَدَ) وكذلك قوله أول الفصل قبل هذا: ((وزِنَةُ المُضارع اسْمُ فَاعِلِ
…
مِنْ غَيْرِ ذِيِ الثَّلَاثِ))
وقول أولَ الباب:
كَفَاعِلٍ صُغ اِسْمَ فاعل/ اذا
…
492
مِن ذِي ثَلَاثَةٍ يَكُوُنُ كَغَذا
وهذا أَصْرَحُ من ذلك.
والمسألة مختلَف فيها، فمن النحويين البصريين من يجعل اسم الفاعل والمفعول مشتقَّين من الفعل، لا من المصدر، وهو رأي لم يَرْتضه الناظمُ قبل هذا في ((باب المفعول المطلق)) بل قال بعد ما ذكر الفعل والصفة:((وكَوْنُه أَصْلاً لهَذَيْنِ انْتُخِبْ)) يعني ((المصَدْر)) فخالفه هنا حَسْبَما أعطاه ظاهرُ كلامه، فإن كان رَأىَ هنا خلاف ذلك فهما
(1) قال في التسهيل (254): ((وصَوْغ فَعِيل بمعنى مفعول مع كثرته غير مقيس)).
مذهبان له في وقتَيْن، وهو بعيد، لكن كوُن الفعلِ هو الأصلَ للصفة رأيتُه منقولاً عن بعضهم. وصرح به عبد القاهر (1)، واستَدل على هذا المذهب بأن ((اسم الفاعل)) قد جرى على الفعل في أحكامه وأنحائه، وأيضاً فهو دَالٌّ على معناه، فكان الظاهر انه فَرْعُ عنه، وأن الفعل هو الأصل.
ويرجَّح المذهبَ الأولَ، وهو عدم الاشتقاق من ((الفِعْل))، أن المشتق يَدُلُّ على معنى ما اشتُقَّ منه على التَّمام، كالفعل مع المصدر. وإذا كان كذلك لزم أن يدل ((اسمُ الفاعل، والمفعول)) على الزمان المعيَّن، لكنها لا يدلان عليه، فليسا بمشتقَّيِنْ من ((الفعل)) الدالَّ على الزمان المعيَّن، فرجع الأمرُ إلى ما يدلان عليه على التمام، وهو ((المصدر)).
ولِبَسْط الكلام على الاحتجاج موضع غير هذا (2). وقد كنت ذَكرتهُ في كتاب ((الاشتقاق)) مُسْتَوْفي.
وإن كان الناظم لم يَنْتقل عما تقدم له فهذا الكلام متناقض لذلك.
والحق أن الذي اعْتَمد عليه هو ما تَقدَّم، وإنَّما أتى هنا بهذه العبارة على عادة النحويَّين في التَّساهل في مثلها، حتى إذا أخذوا في تحقيق المسألة أوضحوا مقاصدهم فيها. وحقيقة العبارة أن لو قال: إذَا من مَصْدرِ فِعْلٍ ذي ثلاثةٍ يكون كغَذَا، لكن لو قال هذا لفاته قَصْدُ جَريان ((اسم
(1) لعله يقصد الإمام الكبير أبا بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرحاني النحوي. وكان من كبار أئمة العربية والبيان، وصنف: المغني في شرح الإيضاح، والمقتصد في شرحه أيضا، ودلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة، والجمل، والعوامل المائة، والعمدة في التصريف، [ت 471 هـ].
(2)
انظر الخلاف في أصل الاشتقاق، وهل هو الفعل أو المصدر، في الإنصاف 2/ 235 (المسألة الثامنة والعشرون).
الفاعل)) على فِعْله في الحكم، وهو المقصود، فأَتَوْا (1) بعبارة على ما قَصدوا من الجرَيان في الحكم على الفعل، ولم يبالوا بالاشتقاق (2).
(1) في (ت)((فأتى)).
(2)
إلى هنا ينتهي الجزء الثاني. وقد كتب بعده ((نجز الجزء المبارك بحمد الله وعونه، وحسن توفيقه. ويتلوه إن شاء الله تعالى في الجزء الثالث الصفة المشبهة باسم الفاعل)) سنة 804.
كما كتب على الحاشية بخط مغربي مخالف ((الحمد لله، انتهيت في مطالعة هذا السفر والذي قبله على التوالي مطالعة تفهم وتدبر واستفادة إلى هذا المحل ليلة الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى عام 1057، وكتب عبد الله تعالى محمد بن محمد بن علي القوجبلي وفقه الله بمنه)).
كما كتب على الحاشية أيضاً ((بلغ مقابلة جهد الاستطاعة ليلة الأربعاء أوائل شهر ربيع الأول النبوي عام سبعة وخمسين وألف. وكتب عبد الله تعالى محمد بن محمد بن علي القوجبلي، وفقه الله وسامحه بمنه)).