الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
/ بسم الله الرحمن الرحيم 493
رَبَّ يسر وأعن يا كريم (1)
الصفة المشبهة باسم الفاعل
عَرَّف في (التَّسهيل) الصفة المشبَّهة باسم الفاعل بأنها ((المُلَاقِية فعلاً لازماً، ثابتاً معناها تحقيقاً أو تقديراً، قابلةً للمُلابسة والتجرُّدِ، والتَّعريفِ والتَّنكير، بلا شرط (2))).
وتحرَّز ب (المُلاقِية فِعْلاً) من المنَسْوب، وبـ (كَوْن الفعل لازما) من المتعدَّي، وبـ (ثَبَات معناها) من نحو: قَائِم وقاعِد، وبـ (تقدير الثبوت) على ما يجري من غير الثابت لمعنى مجراه، وبـ (قَبُول المُلابسة والتجرُّد) من نحو: أَخٌ، وأَبٌ، وما أشبهها، وبما بعد ذلك من (أَفْعَل) التَّفضيل.
واجتَزأ هنا بخاصةٍ واحدةٍ من خَواصِ الصفة التي لا توجد في غيرها، وذلك أن قال:
صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعلِ
مَعْنىً بِهَا المُشْبِهَةُ اسم الفَاعِلِ
فيريد أن خاصية الصفة المشبَّهة المعرفِّة لها استحسانُ جَرِّ الفاعل بها، أي فاعِلها من جهة المعنى، وذلك أنك تقول: مَرَرْتُ برجلٍ طاهرِ
(1) البسملة والدعاء ساقطان من (ت؛ س).
(2)
التسهيل 139.
الثَّوبْ، فهذا مستَحسن من الكلام، واصله: طاهرُ ثوبُه، لكنه جُرَ لمعنىً سيُذكر في موضعه. فـ (طاهرٌ) إذاً صفة مشبَّهة باسم الفاعل.
ومثل ذلك: ضَامِرُ البَطْنِ، وخَامِلُ الذَّكْرِ، وخَفِيفُ الظَّهْرِ، وحَسَنُ الوَجْهِ، وضَخْمُ الجُثَّةِ، ويَقْظَانُ القَلْبِ، ونحوه.
والأصلُ في هذه الأسماء المضافِ إليها الفاعليَّةُ، فاستُحْسِنَ جَرُّها، فهي إذاً، أعني الصفات الجارَّةَ لها، صفاتٌ مشبَّهة.
ويدَخل في هذا (أَفْعَلُ فَعْلَاءَ) و (فَعْلَانُ فَعْلَى) ومؤنَّثَاهما، فتقول: أحمرُ الوجهِ، وحَمْراءُ الثَّوْبِ، ويَقْظَانُ القلبِ، ويَقْظَى الذِّهِن.
وكذلك الصفات التي لا تَجِرْي على فِعْلٍ، كالمَنْسوب إذا قلت: قُرَشِيُّ الأبِ، هاشميُّ الأمِّ، غَرْنَاطِيُّ الدَّارِ، مَدَنيُّ المذهبِ، أَشْعَرِيُّ العقيدةِ.
وكالصَّفات الخُماسِيَّة إذا قلت: شَمَرْدَلُ الأبِ، جَحْمَرِشُ الأمَّ، وما اشبه ذلك.
وقد تَحَّرز في (التَّسهيل) من هذا القسم كما تقدَّم (1)، فصار ((المنسوبُ)) وما لا يُلَاقِيِ فعْلاً عنده ليس من الصفة المشبَّهة.
وليس كذلك، فقد عَدَّها غيرهُ من ذلك، وقد أنشد سيبويه للفرزدق (2):
(1) يعني قوله في تعريفها: ((الملاقية فعلا لازما)) ص: 139.
(2)
الكتاب 2/ 40، وديوانه 50، والخصائص 2/ 194، وابن يعيش 3/ 89، 7/ 7، والخزانة 5/ 234 (هارون)، 3/ 293، 334، 4/ 554 (بولاق).
وديافي: منسوب إلى دِيَاف، وهي قرية بالشام تنسب إليها الإبل والسيوف. وحَوْران: إقليم بالشام. والسليط: الزيت.
يهجو عمرو بن عفراء الضبي، ويصفه بأنه قروي يكد ويشقى لكسب عيشه، وليس حاله حال العرب الخلص الذين تشغلهم الحروب والنجعة.
وَلكِنْ دِيَافِيٌّ أَبوه وأُمُّهُ
بَحَوْراَنَ يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أَقَارِبُهْ
ومَثَّل بقوله: أَقُرَشِيُّ قَوْمُك؟ وأَقُرَشِيٌّ أَبَواكَ (1)؟
وإذا رَفع الظاهرَ قياسا، ولم يكن جارياً على الفعل، وساغ أن يثنَّى وُجمع، ويُؤنثَّ ويذكَّر- فهو شأن الصفة المشبَّهة، فيقال: قُرَشِيُّ القومِ، وقُرَشِيُّ الأبَويْن، ولا مانع من ذلك، وكذلك ما كان من نحو: جَحْمَرش، وإن لم يُلاقِ فعلاً أصلا، فالصَّحيح ما ذَهب إليه هنا.
وقد ظَهر أن الصفة إذا لم يُستحسن جَرُّ الفاعل بها فليست من هذا الباب/،
…
494 وذلك قولك: مررت برجلٍ ماشٍ أبوه، وجالسٍ أخوه، ومتجاهلٍ ابنُه، ومُنْطِلقٍ غلامُه، ونحو ذلك، وبها مثَّل في ((الشرح (2))).
فليست هذه من الصفات المشبَّهة، لأن لا يُستحسن أن يُجرَّ بها الفاعل فتقول: مَاشِى الأبِ، وجالسُ الأخِ، ومتجاهِلُ الابنِ، ومنطِلقُ الغلامِ، فمثل هذا لا يقال لوجود معنى الفِعْل العِلَاجي (3).
وإنما قال: ((مَعْنىً)) لمعنىً حَسَن، وهو أن الإضافة هنا ليست من جهة كون المضاف غليه فاعلاً لفظاً ومعنى، حتى يقال: إنَّ خَفْضه من رَفْع؛ لأنه يلزم من ذلك إضافةُ الشيء إلى نفسه، وإنما هي من جهة كون المضاف إليه منصوبا، كضاربُ زيد، كما سيَتَبيَّن إن شاء الله.
(1) الكتاب 2/ 36.
(2)
شرح التسهيل للناظم (ورقة: أ-153).
(3)
الفعل العلاجي هو ما يفتقر في إيجاده إلى استعمال جارحة أو نحوها، نحو ضربت زيدا، وقتلت عمرا. وغير العلاجي مالا يفتقر إلى ذلك، بل يكون مما يتعلق بالقلب، نحو: ذكرت زيدا، وفهمت الحديث.
فلو قال: ((استُحْسِن جَرُّ فاعلٍ بها)) وسكت عن تقييد الفاعليَّة بأنها معنوية، لأوهم أن الفاعل في حقيقة اللفظ هو المخفوض بالصفة، وذلك غير صحيح، لأن الفاعل، وهو فاعلٌ، لا يُخفض بالإضافة أبدا.
هذا ما عَرَّف به، وهو جارٍ، غير أن فيه نظراً، وذلك [أن](1) جواز إضافة الصفة إلى فاعلها معنى مبنيٌّ على كَوْنها صفةً مشبَّهة، لأنها لا تضاف إليه إلا بعد تحقُّق ذلك عند المتكلِّم، وذلك بالفارق بين اسم الفاعل وبينها، الذي قَرَّره هو وغيره، من كونها بمعنى الثبوت الحالي تحقيقاً أو تقديرا، وهو الفارق الأصلي.
فإذا تقررَّ أن الصفة لا تُضاف إلى فاعلها معنى إلا بعد تحقُّق كونها صفةً مشبَّهة فتعريفُ كَوْنها مشبَّهةً بجواز إضافتها إلى فاعلها دَوْرُ (2)، فلا تَتَعرَّف أبداً.
وأيضاً فكلُّ ما مَثَّل به أن الإضافة فيه إلى الفاعل مستقْبَحةُ فيمكن أن يُعتقد فيها الثبوت، فتصير صفاتٍ مشبَّهة، تُستحسن فيها الإضافةُ إلى الفاعل، فلا يستقيم إذاً هذا التعريف بَوجْه.
وقد اعترض عليه ابنُه (3) بهذا بعينه، ولم يُجِب عنه.
والجواب عنه أن الفارق بين اسم الفاعل والصفة المشَّبهةَ ما بيَّنه الناظم
(1) ما بين الحاصرتين زيادة تستقيم بها العبارة.
(2)
الدَوْر- عند المناطقة- توقف كل من الشيئين على الاخر.
(3)
هو بدر الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الدمشقي النحوي. كان إماماً في النحو والمعاني والبيان والبديع والعروض والمنطق، جيد المشاركة في الفقه والأصول. صنف: شرح ألفية والده، وشرح كافيته، وشرح لاميته، وتكملة شرح التسهيل، والمصباح في اختصار المفتاح في المعاني، وغير ذلك (ت 686 هـ).
في التعريف المذكور، فهو المعتَمد عنده دون غيره.
وقد صَرَّح بذلك في كتاب ((التسهيل)) فقال: ويميَّزها من اسم فاعل الفعل اللَّازم اطَّرادُ إضافتها إلى الفاعل معنى (1).
هذا ما قال، وهو غير ما عَرَّف له هنا، إلا أنه شرطَ هنا أن تكون من لازمٍ ولحاضرٍ، فإن كان من متعدٍّ أو لغير حاضر لم تكن صفة مشبَّهة، وذلك يَتَبَيَّن بما يكون من معمول.
وإذا كان كذلك فجميع ما تقدَّم من الأمثلة التي أَتى بها المؤلف في ((الشَّرح)) على أنها ممَّا يُستقبح فيها الإضافة إلى الفاعل معنىً غيرُ مطابقة للمقصود، من حيث هي مشترِكةٌ في قَصْد الثبوت والعِلاج (2).
وإنما مثال ذلك فيما كانت الصفة يُفهم منها العلاج، إمَا بالعمل في ظرف الزمان، وإمَّا بنصب المفعول، كقولك: زيدٌ قائمٌ أبوه غداً، أو الآن، فها هنا لا تُستحسن الإضافة/،
…
495 فلا يقال: زيدٌ قائمُ الأب غداً، وكقولك: زيدُ ضاربٌ أبوه عَمْراً، فلا تقول: زيدٌ ضاربُ الأبِ عَمْراً، لأن ((قائمُ)) فيهما بمنزلة ((يَقُومُ)) والمخفوض إنَّما انخفض من نَصْبٍ، فلو قلت ضاربُ الأبِ عمراً لكان فرعاً عن قولك: ضاربٌ الأبَ عَمْراً، وهو ممنوع، لأنك لا تقول: زيدُ يضربٌ الأبَ عمراً، والأبُ غيرُ عمرو.
فإذا عمل في ظرفٍ أو غيرِه فالعلاجُ له لازم، وإذا لم يَعمل فذلك قد يدلُّ على الثبوت.
على أن عمله في الظرف إذا كان حالا لا يعيَّن العلاج على طريقة
(1) التسهيل: 139.
(2)
سبق التعريف بالفعل العلاجي وغير العلاجي.
ما قال المؤلف في ((باب الحال)) (1) من أن الصفة تعمل في الحال، نحو: زَيْدٌ سَمَحٌ ذَا يَسَارٍ، فكذلك تَعمل في الظرف من باب أوْلَى، فإذا كان الظرف (الآنَ) وما في معناه لم يكن فيه دليل على العلاج، وإنما يعيِّن العلاجَ عملهُ في الظرف المستقبَل أو في المفعول.
وإذا ثبت هذا فالعامل لا يَصلح أن يضاف إلى فاعله مَعْنىً. فخرج من ذلك الرَّسْمِ جَرِّ الفاعل سوى عدم العمل المذكور، ولا في استقباحِه سوى العمل. ولا شك أن مالم يَعمل يُستحسن فيه جَرُّ الفاعل على الجملة. وإنما يَبْقى عليه في هذا أن مالم يَعمل من الصفات، وهو محتمِلٌ للعلاج، فيكون اسمَ فاعل، وللثبوت فيكون صفةً مشبَّهة- لم يَتَبيَّن الفرقُ بينهما الفرقُ بينهما في الحدَّ، ولا كبيرَ ضَيْرٍ في هذا، وأن يَبْقَى ذلك محتِملاً للوجهين، ومُحالاً به على القصْدين، فلا اعتراض إذاً على الناظم في هذا، لأنه لم يَقصد أن يبيَّن الصفَة المشبَّهة إلا بالإضافة إلى الوجه الآخر الخاصِّ باسم الفاعل، وهذا صحيح كما تقرر.
فإن قيل: بل الإشكال باقٍ فيما إذا لم يكن ثَمَّ عملٌ في مفعول ولا ظرف، وهو الموضع المحتاج إلى الفَرْق، فإنك إذا قلت: زيدُ قائمُ ابوه فـ (قائمُ) محتمِل أن يكون اسم فاعل مُرَاداً به الثبوت، وأن يكون صفةً مشبَّهة مراداً به الثبوت، وعلى فَرضْ العلاج لا تصحُّ إضافته إلى فاعله، ويصحُّ على الوجه الآخر. وإذا كان كذلك فخِنَاقُ الإلزام لَم يَتَّسع، وقَيْدُ الإشكال لم يَنْحَلَّ.
فالجواب أن الفرق يتبيَّن بلك وإن لك يكن تصريحا؛ فإن اسم الفاعل إنما يظهر كونُه اسمَ فاعل بعمله النصبَ في مثل هذا، أو بكونه بمعنى
(1) انظر: التسهيل: 110.
(سَيَفْعَل) إذا نَصب الظرف، فإذا لم يكن واحدٌ من القسمين، وهو مَصُوغ- كما قال- من فعلٍ لازم، ومعناه الحاضر (1) فظاهُره أنه صفة مشَبهة لا اسم فاعل، بدليل اطِّراد جَرِّ الفاعل فيه (2)، فلا ينبغى إذاً أن نقول على رأيه: إن نحو ((قائمٌ أبوه)) محتمِل، بل الظاهر فيه أنه صفة مشبهَّة، فإذا أحْتَمل غير ذلك فخلافُ الظاهر، ولا يقدح في التعريق.
وقوله: ((المُشْبهةُ اسمَ الفاعِل)) مبتدأ، وهو على حذف الموصوف. وخبره قوله:((صِفَةٌ)) و ((بها)) متعلِّق بـ ((جَرُّ)) والتقدير: الصفةُ المشُبِهةُ اسمَ الفاعل صفةٌ استُحسن جَرُّ فاعلٍ في المعنى بها. و ((معنىً)) منصوبٌ على التَّمييز، كقولك: زيدٌ زُهْيرٌ شعراً، أي: ما هو في المعنى كالفاعل.
/ وصَوْغُهَا مِنْ لَزِمٍ لِحَاضِر
…
496
كَطَاهِرِ القَلْبِ جَمِيلِ الظاَّهِرِ
قَصْدُه هنا أن يذكر ما تُفارق فيه الصفةُ المشبَّهةُ اسمَ الفاعل من الأحكام، فإنها تُجامعه في أحكام، وتُفارقه في أخرى.
فالتي تُجامعه فيها كدلالتها على الحدثِ وصاحبه، وكونِها تَقْبل التَّثنيةَ والجمع، والتذكير والتأنيث، وما أشبه ذلك.
والتي تُفارقه فيها كصَوْغها من غير المتعدِّي لزوماً، ولزومِ تأخير ما تَعمل فيه، وكونِه سَبَبِياً، ونحو ذلك مما يذَكره.
وقصْدُه الأولُ إنما هو ذِكْر ما به يَفترقان، فهو الضروريُّ هنا، لما
(1)(ت)((ومعناه الحال)).
(2)
على حاشية الأصل ((إضافته إلى الفاعل)) وكأنه تفسير له.
يَنْبني على ذلك من الأحكام.
واللَاّزِم هنا مقابِل المتعدِّي، والحاضرُ هو الزَّمان الحاضر.
يريد أن الصفة المشبَّهة إنما تُصاغُ من فعلٍ غير متعدّ يكون زمانه حالا، فلا يجوز أن تُصاغ، أي تُصاغ، اي تُشْتق، من الفعل المتعدِّي لتضادَّ العلاج والثبوت، إذ كان التعدَّي يقَتضي العلاجَ والفعلَ في الغير، والصفةُ المشبَّهة من لوازمها الثبوتُ، فلا يجتمعان، فلا تقول: زيدٌ مضُارِبُ الأَبِ عَمْراً، لأن ((مُضَارِبا)) هنا في معنى ((يُضارِبُ)) وقد تقدَّم بيان هذا.
وكذلك لا يجوز ان تُصاغ من الماضي ولا من المستقبل، لأن ذلك أيضا يَقتضى أنه قد كان الفعلُ وانقطع، وذلك يَلزمه العلاجُ، أو سيكون بعد أن لم يكن، ويلزمه العلاج أيضا.
ولذلك تقول: زيدٌ حاسِنٌ أمسِ أو غداً، ولا تقول: حَسَنٌ، لأن اسم الفاعل من الثلاثي على (فَاعِل) أبداً، بخلاف الصفة، فإنها قد تكون كذلك وقد لا تكون كما تقدَّم.
فالحاصل أن الفعل الذي تُصاغ منه الصفةُ لا يكون متعدِّياً، ولا يكون ماضياً ولا مستقبلاً.
وأتى لها بمثالين وهما: طاهِرُ القَلْبِ، وجَمِيلُ الظَّاهِر.
وإنما مَثَّل بمثالين، وقد كام يُجزئه مثالٌ واحد، لوجهَيْن:
أحدهما أن يدل على أنَّ الصفة المشبَّهة تكون منقولة من باب ((اسم الفاعل)) وذلك قوله: ((طَاهِرُ القَلْبِ)) وتكون غير منقولة، بل مَبْنيَّةً في الأصل
_________
للمعنى اللازم الحاضر، وهو قوله:((جَمِيلُ الظَّاهِر)) وقد بَيَّن في ((باب اسم الفاعل)) أن اسم المفعول قد يَدخل في هذا الباب وإن لم يكن اصله ذلك (1).
والثاني أن يدل على أن الصفة المشبَّهة لا يَلزم فيها الجريانُ على فعلها حتى تكون موازنةً له كاسم الفاعل، بل قد تكون كذلك، كطَاهِر القَلْبِ، وقد لا تكون كذلك كجَميلِ الظَّاهِر.
وهذا الثاني أكثرُ إن كانت مَصُوغة من الثلاثي، كقولك: ضَخْمُ الجُثَّةِ، ولَيَّنُ العَرِيكَةِ (2)، وعَظِيمُ المِقْدارِ، وحَسَنْ الوَجْهِ، ويَقْظَانُ القَلْبِ، ويَقِظ القَلْبِ، وأَحمْرُ اللَّوْنِ.
وأما أن كانت من الرباعيِّ فأكثرَ فجرَيانُها على الفعل لازمٌ، كمُنْطِلَقِ اللِّسانِ،
ومُسْتَسْلِم/ النَّفْسِ، ومطْمَئِنِّ القَلْبِ، ومُتَناسِبِ الخَلْقِ.
…
497
ثم هنا نَظَران: أحدهما انه قال ((وصَوْغُهَا مِنْ لازِمٍ)) فدَلَّ على أن صَوْغها من المتعدَي لا يَسُوغ. وهذا خلافُ ما رآه في (التسهيل) فإنه أجاز هنالك صَوْغها من المتعدَّي، لكن بشرط ان يُقصد به الثبوت. بحيث لا يكون في اللفظ متعدَّيا، وذلك قوله:((وإن قُصِدَ ثبوتُ معنى اسم الفاعل عُومل معاملةَ الصفةِ المشبَّهةِ ولو كان من متعدٍّ إن أُمِن اللَّبْسُ وِفاقاً للفارسيِّ)) (3). وشَرَط أَمْنَ اللَّبْس أيضاً، ولم يَشترطه الفارسيُ، بل قال: إن من قال: زَيْدٌ الحسَنُ عَيْنَينِ فلا بأس أن يقول: زيدٌ
(1) انظر: ص 314.
(2)
العَرِيكَة: الطبيعة والنَّفْس، ويقال: هو ليَّن العَرِيكة، أي سَلِس منقاد، وهو شديد العريكة، أي أبيُّ النفْس.
(3)
التسهيل: 141.
الضاربُ أَبَوَيْينِ، والضَّاربُ الأَبَوَيْن، والضَّاربُ الأبَوانِ. و (الأَبَوَانِ) فاعلان على قولك: الحسَنُ الوَجْه. الأمرُ في ذلك كلِّه واحدٌ، فهي أذاً ثلاثةُ أقوال: أحدها مَنْعُ ذلك بإطلاقٍ، والثاني جوازهُ بإطلاق، والثالث أنه جائزٌ. مع أَمْن اللَّبْس، ممنوعٌ مع اللَّبْس.
فإن كان هنا مخالفاً لـ (التَّسهيل) حسبما يَظَهر منه فإن رأيه هنا أصحُّ، لأن عامَّةَ الباب بِنَاؤُها من اللازم لا من المتعدِّي. وأيضاً فإن معنى الفعل المتعدِّي ينافي قصدَ الثبوت ظاهراً، إذ كان المفعول مطلوباً للفعل، فكأنَّه محذوفٌ اختصاراً أو اقتصاراً مع أنه مُراد، فلا يجتمعان في الاعتبار.
ويمكن أن يكون رأيه هنا كرأي الفارسيِّ، ويكزن قائلاً بالجواز، ويُحمل قوله:((مِنْ لَازِم)) [على أنه](1) يُريد به كونَ الفعل لازماً بالوَضْع أو بالقَصْد، فإن الفعل المتعدِّي إذا قُصِد فيه تركُ ذكر المفعول أشْبَهَ اللازمَ، فكأنَّه موضوعُ (وضعاً ثانياً) (2) لِلَّزوم لا للتعدَّي. ويدلُّ على ذلك أمران:
أحدهما الاعتبارُ بالفعل المبنيَّ للمفعول، فإنه قد عُومل معاملةَ اللازم، فجَرتْ منه الصفةُ المبْنِيَّةُ للمفعول المقُامُ فيها المفعولُ الصَّريحُ مَجرى الصفةِ المشبَّهة كما تقدَّم في باب ((اسم الفاعل)) (3).
وإذا ثبت ذلك هناك مع ذكر المفعول تصريحا، نحو: مَضْروُب الأبِ، ومحمودُ المقَاصدِ، فهنا أَجْوَزُ حين لم يُذكر المفعولُ أصلا، بل قُصِد اطَّراحُه.
والثاني: وجودُ السَّماع بذلك وإن كان قليلا، فهو تَنْبيه على معاملة
(1) ما بين الحاصرتين زيادة تستقيم بها العبارة، وليست في النسخ.
(2)
ما بين القوسين ساقط من (ت).
(3)
انظر: ص 318.
المتعدَّي معاملةَ اللازم، فمن ذلك ما أنشَد في ((الشَّرح)) من قول الشاعر (1):
مَا الرَّاحُم القَلْبِ ظَلَاّمٌ وإنْ ظُلِمَا
ولا الْكَرِيمُ بَمنَّاعٍ وأنْ حُرِمَا
والثاني من النَظَرين أن الناظم نَقَصه شرطٌ ثالث في الصفة المشبَّهة لم يَنُص عليه، وهو قَصْدُ الثبوت، وهو شرط ضروريٌّ، فإنه الوصفُ اللازمُ لها، الذي به تتميَّز من اسم الفاعل، إذ الصفة قد تكون مَصُوغةً من لازم ولحاضرٍ، ولا تكون صفةً مشبَّهة، فتقول: زيدُ ((حاِسنٌ)) الآن، بمعنى أنه في حال وجودِ الحُسْنِ، ولا تقول هنا: زيدٌ حَسَنٌ، بخلاف/ ما إذا اردتَ ثبوتَ الوصف
…
498 له في الحال، فإنك تقول: حَسَنٌ، ولا تقول: حَاسِنٌ، ولذلك قال الله تعالى لنبيَّه عليه السلام:{وضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} (2)[على (فاعل) إشعارا بأنه في حال حدوث الضِّيق، ولم يقل: ((وضَيَقٌ به صَدْرُكَ))](3) إذ لم يكن الضيِّق وصفاً ثابتاً في صدره عليه السلام.
وعلى الجملة فهذه قاعدةٌ مُتَّفقٌ عليها عند أهل اللسان، فاشتراط الثبوت للصفة المشبَّهة لابُدَّ منه. والناظم لم يَشترطه، فكلامه مَدْخول (4).
فإن قيل: إنَّما قَصد بيانَ ما يُشترط في الفعل المصُوغِ منه لا في
(1) المساعد 2/ 223، والهمع 5/ 104، 105، والدرر 2/ 137، والعيني 3/ 618 ويروي ((ظلاما)) بالنصب على عمل ((ما)) الحجازية. وقائله مجهول، ومعناه واضح.
(2)
سورة هود/ آية 12.
(3)
ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل و (ت) واثبته من (س) وحاشية الأصل.
(4)
الدَّخَل بالتحريك: العيب والغش والفساد.
الصفة المصُوغة، ووصفُ الثبوت إنما يُشترط في الصفة المصُوغة لا في الفعل المصوغ منه.
قيل: هذا غير مَخْلص، لأن الصفة إذا لم يُقصد بها الثبوت فليست بصفة مشبَّهة، وإن كانت من لازمٍ لحاضرٍ، وهو إنَّما قَصد الفرقَ بين البابين، ولكنَّ العُذْرَ عنه أنه اتَّكل على التعريف الأول، وهو استحسان جَرَّ الفاعِل بها، فهو الفارقُ والمستلِزمُ للثبوت، لكنْ بالشرطين المذكورين هنا، فكأنَّه إذا حَضَر الشَّرطان ظَهر قصدُ الثبوت؛ لأنه الغالب في الاستعمال، فلم يَحْتَجْ إلى ذكره، إذ بَيَّن مَظِنَّته، والله أعلم.
وأما الآية فهي من القسم الذي ليس بغالب، فلا يَقَدْح فيما قصَد، وكذلك جميعُ ما ذُكر من بابها.
هذا غايةُ ما وجدتُ في الاعتذار عنه، فمن وَجد أقوى منه فَلُيَأْتِ به.
وعَمَلْ اسْم فَاعِلِ المُعَدَّي
لَهَا على الحَدِّ الذي قَدْ حُداً
يعني أن الصفة المشبَّهة لها من العمل مثلُ ما لاسم الفاعل المَصُوغ من الفعل المتعدِّي إلى المفعول، فتَرْفع وتَنْصب، كما يرفع اسمُ الفاعل المتعدَّي وتَنْصب، فتقول: زيدٌ حَسَنٌ ابوه، كما تقول: زيدٌ ضاربٌ ابوه، إذا اقتصرتَ على الفاعل دون المفعول. وتقول: زيدٌ حَسَنٌ أَباً، كما تقول: زيدٌ ضاربٌ عَمْراً. وكذلك تقول: زيدٌ حَسَنُ الأبِ، كما تقول: زيدٌ ضَاربٌ الغلام، وسيُبَيِّن عملهَا الرفعَ والنصبَ والجرَّ.
فهذا الذي قَصَد، لكن قوله:((على الحَدِّ الذي قد حُدَّا)) فيه نظر، وذلك أن ظاهره عدمُ الفائدة، لأن معناه: كما تقدَّم في اسم الفاعل، وهو معنى
_________
قوله: ((وعَمَلَ اسُمِ فَاعِل المُعدَّي لَهُ)) فأي فائدة في الإخبار بذلك؟
والجواب أن له فائدتين، إحداهما أن ظاهر هذا الكلام التضادُّ مع ما قَدَّم آنفاً، لأنه ذَكر أن بناء الصفةِ هذه من غير المتعدِّي، ثم أخبر أن عملها عملُ اسم فاعل الفعل المتعدِّي، فظاهرُ هذا التضادُّ.
فنَبَّه على أنهما ليسا بمتضادَّيْن، وأن الحدَّ المحدود من كونها من الفعل غير المتعدِّي لا يُضادُّ عملها عملَ ما يتعدى في اللفظ. فأجمع بينهما على ما تقتضيه ملاطفة الصَّنعة (1).
وبيانُ ذلك أن العرب حين قالوا: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ وَجْهُه- أرادوا تخفيفَ هذا الكلام على وجهٍ لا يُخِلُّ بالمعنى، فنقلوا الضمير/ الذي في (الوَجْه) إلى الصفة، ليستكنَّ فيها، فيخفَّ
…
499 اللفظُ ولا يَخْتَلَّ المعنى، إذ كان نسبةُ الحسن إلى (الوَجْه) نسبةً له إلى صاحب الوجه، ولم يريدوا أن يحذفوا الضمير جملةً، لئلا تبقى الصفة دون ضمير يعود منها إلى الموصوف، فلما تحملَّت الضمير ارتفع بها، فصار ((الوَجْه)) في اللفظ دون ضمير، كأنه مُسْتغْنىً عنه، مع أنه مطلوب من جهة المعنى، لأنه صاحب الحُسْن في الحقيقة، ولا يصح أن يُحذف، بل لابد من ذكْره ليُعلم أن الحُسْن منقول للأول عن غيره، فأشبه ((حَسَنٌ)) عند ذلك اسمَ الفاعل المتعدَّي إلى واحد، من حيث كان كلُّ واحدٍ منهما طالبا بعد مرفوعه مَحَلاً، فنُصِب ((الوَجْهُ)) على التَّشبيه بالمفعول به، فصار قولك:(زيدُ حِسِنٌ وجهاً) كقولك: زيدٌ ضاربٌ عمراً.
وكما جازت الإضافة في اسم الفاعل إلى منصوبه أُضيفت الصفة
(1)(ت)((الصفة)) وهو تصحيف.
أيضاً إلى منصوبها على التَّشبيه، فقالوا: زيدٌ حَسَنُ الوجهِ، كما قالوا: زيدٌ ضاربُ عمروٍ، فإذاً لا تضادَّ بين الموضعين.
والثانية الإشارةُ إلى ما حُدَّ في اسم الفاعل من شروط إعماله، فكأنَّه يقول: تَعمل عملَ اسم الفاعل بالشروط المذكورة، وذلك أن تعتمد على شِيءٍ كالنَّفْي والاستفهام والندِّاء، وأن تقع خبراً لدى خبر، أو حالاً لدى حال، أو صفةٍ لموصوف، فلا تعمل على غير ذلك.
وأما شرط ألَاّ تكونَ بمعنى الماضي فَبيَّنٌ من قوله: ((وصَوْغُها من لازمٍ لحاضرِ)) إذ لا يتأتَّى كونُها مشبَّهة بدونه.
وبهذا فَسَّر ابنُ الناظم (1) قوله: ((على الحَدِّ الَّذِي قَدْ حُدَّ)) وهو صحيح إذا انضمَّ إلى الوجه الأول، فكأنَّ قوله:((على الحدِّ الَّذِي قَدْ حُدَّ)) يريد: في هذا الباب، وفي باب ((اسم الفاعل)).
وقوله: ((لها)) خبر المبتدأ الذي هو ((عَمَلُ)) و ((على الحدَّ)) متعلِّقٌ بـ (اسم فاعلٍ) حالٌ، أي: وعملُ اسم الفاعل المذكور كائنٌ لها حالةَ كونها على الحدِّ المحدود قبل هذا.
ثم لما كان الظَّاهر من هذا الإطلاق جَرَيانَ الصَّفة مَجرى اسم الفاعل في توابع العمل، من كونه يعمل في كل اسم، ويتصرف في معموله بالتقديم- استدرك ذلك فأخرجه من ذلك الإطلاق بقوله:
وسَبْقُ ما تَعْملُ فِيهِ مُجْتَنَبْ
وكَوْنَه ذَا سَبَبيَّةٍ وَجَبْ
يعني أن الصفة المشبَّهة في عملها تَفْترِق من اسم الفاعل في أمرين:
(1) سبقت ترجمته.
أحدهما أنها لا يتقدَّم معمولهُا عليها بخلاف اسم الفاعل.
ونَفْىُ التَّقديم في غير المنصوب ظاهر، وإنما المخبِّل (1) للجواز المنصوبُ خاصَّة؛ إذ لا يخلو المعمول أن يكون مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً.
فإن كان مرفوعاً فهو فاعل، وقد مَرَّ له أن الفاعل لا يتقدَّم على فعله. ذَكره في ((باب الفاعل)).
وإن كان مجروراً فهو مضاف إليه، والمضاف إليه لا يتقدَّم على المضاف. وهذا مذكور في ((باب الإضافة)).
فلم يتناول هذا/ اللفظُ إلا لمنصوبَ خاصة، وذلك نحو: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ الوجهَ،
…
500 فلا يجوز أن تقول: مررتُ برجلٍ الوجهِ حَسَنٍ، كما تقول: مررتُ برجلٍ زيداً ضاربٍ، فكما لا يجوز تقدُّم الفاعل على فعله كذلك لا يجوز هنا تقدم (الوَجْه) على (حَسَن).
ولا يُعترض هذا التوجيهُ بنحو: أعطيتُ زيداً درهماً، من حيث كان أصل ((زيد)) الفاعليَّة؛ إذ كان منقولاً من (عَطَا يَعْطُو) وإذا كان كذلك فاقتضى ألا يتقدَّم على ((أَعْطْيتُ)) لكن تقديَمَه جائز، فاعتبارُ أصله من الفاعليَّة لا يصح، لأنا نقول: إن ((زيدا)) في (أعطيتُ زيداً درهماً) إنَّما
(1) المْخَبَّل: المُفسد، من قولنا: خَبَل فلان الإنسانَ والحيوانَ، وخَبَّلهَ، إذا أفسد أعضاءه بقطع أو غيره' فلا تؤدي عملها.
(2)
حيث قال هنالك:
وبَعْدَ فِعْلٍ فاعلٌ فإنْ ظَهَرْ فَهْوَ وإلَاّ فضَميرُ اسْتَتَرْ
أصلهُ الفاعليةُ في بِنْيةٍ أخرى قد ذَهبت، وصار ((أعْطَى)) إنَّما يَطلبه بالمفعوليَّة فَصَحَّ التقديم، كضربتُ زيداً، وزيداً ضربتُ، بخلاف (حَسَنٍ الوجهَ) فإن ((حَسَناً)) هو الطالبُ له أولاً وثانياً، غير أن اللفظ شُغل الآن بالضمير الذي كان في ((الوجه)) والطلبُ المعنويُّ باقٍ كما كان، فلذلك لم يتقدَّم.
وأيضاً فإن الصفة إنما عَملت بالشَّبَه باسم الفاعل، من حيث اجتمعا في أن كلاً منهما صفة مُتَحَمِلةٌ لضميرٍ، طالبةٌ للاسم بعدها، تُذَكَّر وتُؤنَّث، وتُثَنَّى وتُجمع، فإذا كانت كذلك فلا تَقْوَى أن تَلحق بالمشبَّه به، لأنه خلاف القاعدة؛ ألا ترى أن ((ما)) لَمَّا عملت في لغة الحجاز بالشَّبَه بـ (لَيْس) لم تعمل في الخبر مقدَّما على الاسم، فكذلك هنا.
وأيضا فإن نصب ((الوَجْهِ)) هنا أشبهُ شيءٍ بالتمييز، حتى إنه إذا نُكِّر أعُرِب تمييزا، والتمييز لا يتقدَّم على العامل فيه، فكذلك ما أَشْبَهه.
الأمر الثاني من الأمرين اللْذَيْن تَفْتَرِق بهما من اسم الفاعل كونُ معمولها لا يكون إلا سَبَبِياً، وذلك قوله:((وكَوْنُهُ ذَا سَبَبِيَّةٍ وَجَبْ)) والضمير في ((كَوْنُه)) عائدٌ على ((ما)) في قوله: ((ما تَعْمَلُ فِيه)) وهو المعمول.
يعني أنه يجب أن يكون معمول الصفة ذا سَبَبِيَّة منها، وهو قول سيبويه:((وإنَّما تَعمل فيما كان من سَبَبها)) (1).
ومعنى السببيَّة أن يكون المعمول مضافاً إلى ضمير صاحب الصفة لفظاً أو معنىً، فاللَّفظ نحو: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ وَجْهُه وحَسَنٍ وجهَه. والمعنى نحو: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ وَجْهاً، وحَسَنٍ الوجهُ.
هذا هو المصطَلح عليه بالسببيَّ عندهم. ويَجري مَجْراه ما كان نحوه.
(1) الكتاب 1/ 194.
وهما، بَعْدُ، نَظَرٌ في مسألتين:
إحداهما أن معمول الصفة هنا لم يُصِّرح فيه بحالة يكون عليها، وإنما قال:((وكَوْنُه ذَا سَبَبيَّةٍ وَجَبْ)) فيَحتمل أنه يريد بلك أنه لابد أن يكون سَبَبِياً، كان مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً، فلا يكون مرفوعُه إلا من سَبَبه، كما لا يكون منصوبُه ومجروره إلا كذلك.
ويحتمل أن يُريد غيرَ المرفوع، بل المنصوب، ويتبعه/ المجرور لأنه أصله. 501
فإن أراد الأولَ اقتضى ألَاّ يجوز نحوُ: مررتُ برجلٍ شريفٍ زيدٌ بخِدْمِته، ولا كريمٍ أخوك به، ولا غَنِيٍّ عمروٌ بسَبَبِه.
ولا أن يقال: أحَسَنٌ أخوَاكَ؟ وأكَرِيمٌ الزَّيدْانِ؟ ولا ما أشبه ذلك، لكنه مَقوُل. وقد نَصَّ النحويون على ذلك، وأنه من كلام العرب.
وإنَّما أَتَى سيبويه بالصفة مع مرفوعها في ((باب الصفات)) (1) ولم يتعرض للرَّفع بها في ((باب الصفة المشبَّهة)) بل خَصَّها بالنصب وقال: ((إنَّما تعمل فيما كان من سَبَبِها)) (2) ولم يقل ذلك في ((باب الصفات)).
فهذا كُّله يدل على أن عملها بالتَّشبيه باسم الفاعل إنما هو النصبُ لا الرَّفع، لأن الرفع لا تَلْزم فيه السَبَبِيَّةُ، بل قد تكون وقد لا تكون، كرفع الفعل واسم الفاعل، فإذا كان كذلك أَشْكَل هذت المحَمْل.
فإن قيل: وما الداعي إلى حمل كلام الناظم عليه، وليس فيما أَتَى به نَصٌّ يَقْتَضيه؟
(1) الكتاب 2/ 22، وما بعدها.
(2)
المصدر السابق 1/ 194.
قيل: إن لم يكن فيه نَصٌّ يقتضيه ففيه ما يُشعر بذلك، وهو قوله على أَثَر هذا:((فَارْفَعْ بِهَا وانْصِبْ وجُرَّ)) إلى آخره. فلو لم يَقْصد عملَ الرَّفع لم يَذكره في تفصيل المسائل، فحين فصَّل ذلك التفصيلَ دَلَّ على أنه يُفَسِّر حالَ المعمول الذي أجمل ذكرهَ.
وقد ذهب ابن أبي الرَبيع (1) إلى أن عمل الصفةِ الرفعَ والنصبَ معاً إنَّما هو على التَشبيه (2)، خلافَ ما ذهب إليه غيرهُ، إلا أن ابن الربيع لم يَلتزم ما التزمه الناظم، بل أجاز أن تَرفع الصفةُ السَّبَبِيَّ وغَيرهَ، وإن كان ذلك على التَّشبيه، فيجوز عنده: هذا رجلٌ شَرِيفٌ زيدٌ بخِدْمته، وإنما الْتزَم العملَ في السَبَبِيِّ في النَّصْب.
وابنُ عُصْفور (3) يَذهب إلى ظاهر سيبويه، وهو رأيُ ابن خَروُف (4) وغيره.
وإذا ثَبت هذا فما أشار إليه الناظمُ مُشِكْل إن كان قَصَده، وأما إن أراد
(1) هو عبيد الله بن أحمد بن عبيد الله أبو الحسين ابن أبي الربيع القرشي الإشبيلي السَّبتي، إمام أهل النحو في زمانه، ولم يكن في طلبة الشلوبين أنجب منه. صنف في النحو مصنفات قيمه، منها شرح سيبويه، وشرح الجمل. وتوفي عام 688 هـ. بغية الوعاة 2/ 125.
(2)
انظر: البسيط، شرح جمل الزجاجي له (ص 952، 953) بتحقيق الدكتور عياد الثبيتي (مخطوط).
(3)
هو علي بن مؤمن بن محمد بن علي أبو الحسن بن عصفور النحوي الحضرمي الإشبيلي. حامل لواء العربية في زمانه. ومن تصانيفه الممتع في التصريف، والمقرب، وشرح الجزولية، وثلاثة شروح على الجمل. توفي عام 663 هـ.
انظر: شرح جمل الزجاجي له 1/ 568. بغية الوعاة 2/ 210.
(4)
هو علي بن محمد بن علي بن محمد نظام الدين أبو الحسن ابن خروف الأندلسي النحوي. كان إماماً في العربية، محققاً مدققاً. صنف: شرح سيبويه، وشرح الجمل، وكتاباً في الفرائض. توفي عام 609 هـ. بغية الوعاة 2/ 203.
الثاني، وهو غيرُ المعمولِ المرفوعِ فيَسْهل الخَطْب، ويكون رأيهُ رأي ابن عُصْفور.
ويترجَّح من جهتين: إحداهما ظاهر ((الكتاب)) (1) لأنه إنما تكلم في ((باب الصِّفة المشبَّهة)) في النصب خاصَّةً (2)، ولم يتعرَّض للرفع إلا حيث تعرَّض لرفع الصفات كلِّها كما تقدَّم (3).
والثاني أنه لو كان الرفعُ على التَّشبيه لاقْتَصر به على السَبَبِيِّ، لأن العلة في الاقتصار عليه كونُ الصفةِ في العمل فَرْعاً عن اسم الفاعل، والفرع لَا يقْوَى قوةَ الأصل، فلما لمَ يقْتصر به عليه، بل أَعمل في السببيِّ وغيره دَلَّ على أنه في رُتْبته.
فإن قيل: قوله بعدُ ((فَارْفَعْ بِهَا)) يدل على خلاف هذا المَحمْل.
قيل: قد يمكن أن يكون قصدهُ مجرَّدَ تصوير المسائل في السببيِّ، وهو الذي يَطَّرد فيه الأوجه الثلاثة، من الرَّفع والنَّصب والجر، لا أن نقول: إنه قَصد تفصيلَ أحوال المعمول المذكور. ويترجَّح قصدُه لهذا المحَمل بأن اسم الفاعل إنَّما تكلَّم فيه بالقَصْد على النصب، وقد تقدَّم التَّنْبيه/ 502 على ذلك في قوله:
* ((وانْصِبْ بِذِي الإعْماَلِ تْلِواً واخْفِضِ)) إلى آخره.
فإذا كان كذلك، وهو هنا يتكلَّم في العمل الشَّبيه بذلك فلا بد أن يكون النَّصبَ خاصَّةً، دون الرفع. وهذا الوجه أرجح في تفسير كلامه،
(1) يعني كتاب سيبويه.
(2)
الكتاب 1/ 194.
(3)
انظر: الكتاب 2/ 22، وما بعدها.
والله أعلم.
المسألة الثانية: أنا إذا قلنا: إنه أراد بالمعمول المنصوبَ فقط، وأنْ لابد من أن يكون سببياً فيُشْكل ذلك بما ذَكر في (التَّسهيل) من أن مَعمول الصفة أعمُّ من ذلك، إذ جَعل من مَعمولاته الضميرَ، نحو: مررتُ برجلٍ حَسَنِ الوجهِ جَمِيله، وبالرجلِ الحَسَنِ الوجهِ الجَميلهِ، ولم يجعله سببياً، بل جعله قسيماً له (1). وهو عنده مما يَعمل فيه النصبَ والجرَّ على تفصيلٍ مذكورٍ هنالك.
وهذا السؤال سَهْلُ؛ فإن مدلول الضمير من سبب الأولِ، ولو أظهرتَه لظهر (وَجْهُه) كما لو قلت: الحِسِنِ الوجه، الجميل الوجهِ، وما أشبه ذلك، كما كان الموصول سَبَبِيَّا، نحو: مررتُ برجلٍ حَسَنِ ما بَيْنَ العَيْنَيْن، عَظيمِ ما بين الجَنْبَيْن، ومنه قولُ ابن أبي رَبِيعة (2):
أَسِيلَاتُ أَبْدانٍ دِقَاقٍ خُصورُهَا
وَثِيراتُ ما الْتَفَّتْ عليه المَلَاحِفُ
فقوله: ((وَثيراتُ ما الْتَفَّتْ)) في تقدير: وَثِيرات الجُسوم، أو نحو ذلك.
فإن قلت: فهل ذلك داخلٌ تحت ضابطه الآتي إثْر هذا؟ لا، بل سَكت عن ذلك كما سكت عن عمل اسم الفاعل فيه، لكن الظاهرَ على مذهب سيبويه
(1) التسهيل: 140.
(2)
ديوانه 254 (بيروت 1398 هـ) بهذه الرواية.
وروايته في الأشموني 3/ 6، والتصريح 2/ 86، والعيني 3/ 629، ومعجم شواهد العربية 155 ((ما التَفَّتْ عليه المآزرُ)) وأسيلات: جمع أسيلة، والأسيل: الأملس المستوي ويقال: خد أسيل، إذا كان سهلا لينا. والخصور: جمع خَصْر، وهو وسط الإنسان المستدق فوق الوركين. والوثير: الوطيء اللين، وامرأة وثيرة العجيزة: وطيئتها ضخمتها. واللِحاف والمِلحف والمِلحفة: اللباس الذي فوق سائر اللباس من دثار البرد وغيره- يصف هؤلاء النسوة بنعومة الأبدان وملاستها وطولها، وبضمور الخصور، وعظم الأرداف.
هو الأصل، فحيث جاز في اسم الفاعل النصبُ والجرُّ جاز في الضمير، وحيث امتنع أحدُهما امتنع في الضمير، ذكَره في ((اسم الفاعل)) (1) والصفة جاريةٌ مَجراه في ذلك' فصار تفريغُ حكم الضمير من حكم الظاهر سهلاً، فهو في قوَّة المنصوص عليه في هذا النظم. والله أعلم.
وقوله: ((مُجْتَنَبْ)) من الأجتناب، وهو المباعدة.
فَارْفَعْ بِها وانْصِبْ وجُرَّ مَعَ أَلْ
ودوُنَ إلْ مَصْحُوبَ أَلْ وما اتصَلْ
بِهَا مُضَافاً أو مجرَّداً ولا
تَجْرُرْ بها مَعْ أَلْ سُماً من ألْ خَلَا
ومِنْ إضَافةٍ لتَالِيها ومَا
لَمْ يَخْلُ فهو بالجوَازِ وُسِمَا
هذا ضابطٌ لما يُتصور في باب الصفة المشبَّهة من المسائل الجائزة قياساً، وذلك أن نحو (الحَسَن الوَجْه) يُتَصوَّر فيه بالتقسيم النظري ثمانيةَ عشرَ وجهاً، لأن الصفة قد تكون نكرةً، ويكون معمولها عبى ثلاث أوجه، مجرداً، وبالألف واللام، وبالإضافة، فهذه ثلاثة أوجه، وعلى كل وجهٍ فإما أن يكون مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً، فالمجموع تسعة أوجه.
وقد تكون الصفة مَعْرِفَة، وذلك بالألف واللام، ويكون معمولها على تسعة أوجه (2).
فالمسائل المتصوَّرة ثماني عشرة مسألةً في الأصل، وتتفرَّع إلى أكثر من
(1) انظر: ص 297.
(2)
أي على النحو السابق فيما لو كانت الصفة نكرة.
ذلك.
ولكن ليس المقصود من كلام الناظم إلا الأصول/ وليست كلُّها جائزة، بل منها ما 503 يجوز، وهو ما وافقَ ضابطَ الجواز عنده، ومنها ما لا يجوز، وهو ما خرج عن ذلك. ومعنى ما ذكره أنه يجوز رفعُ المعمولِ بالصفة على الفاعليَّة، ونصبُه على التَّشْبيه بالمفعول به مطلقا، أو على التَّمييز إن كان نكرة، وجَرُّه بالإضافة.
ويستوي في ذلك كونُها مجرَّدةً من الألف واللام أو مصحوبة بها، فهي عاملةٌ في المعمول الرفعَ والنصبَ والجرَّ إذا كان مصحوباً بالألف واللام، أو مضافاً إلى ما صَحِبَتْه.
فإن كان مجرَّداً أو مضافاً إلى غير ذي الألف واللام فلا تعمل فيه الصفةُ الجَّر إذا كانت الألف واللام، وإنما تَعمل فيه الرفعَ والنصبَ فقط.
فقوله: ((فَارْفَعْ بها)) أي الصفة، ((وانْصِبْ وجُرَّ)) أي الصفة أيضاً.
((مع ألْ ودون أَلْ)) يريد أن الصفة تَعمل الرفعَ والنصبَ والجرَ، صَحِبَتها الألف واللام أو لم تَصْحبها.
وقوله: ((مَصْحُوبَ أَلْ)) مفعول ((ارَفعْ وانْصِبْ وجُرَّ)) من باب ((الإعمال)) (1) وأعمَل الأخير.
وقوله: ((ومَا اتَّصَلْ. بِهَا مُضَافاً أو مجرَّداً)) ((ما)) معطوفة على
(1) الإعمال هو ما يسميه النحويون المتأخرون ((التنازع في العمل)) وهو أن يتقدم عاملان فأكثر على معمول، وكل منها طالب له في المعنى.
((مَصْحُوبَ أَلْ)) يعني أنها تَعمل في مَصْحوب (أل) والمضافِ والمجرَّدِ.
و((مضَافاً)) حالٌ من الضمير في ((اتصَّلَ)) والضمير في ((بها)) عائد على الصفة.
فمثالُ كَوْن الصفةِ مجردةً من الألف واللام، ومعمولُها مرفوعٌ مضافُ قولك: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ وَجْهُهُ، وهو الأصل الأوَّل، ومنه قولُ الله تعالى {ومَنْ يَكْتُمْهَا فَانَّهُ آثمٌ قَلْبهُ} (1). وقال الرَّاجز (2):
* عَجِبْتُ والدَّهْرُ كَثِيرٌ عَجَبُهْ *
وأنشد سيبويه للفرزدق (3):
ولَكِنْ دِيَافِيٌّ أَبُوهُ وأُمُّهُ
بَحَوْراَنَ يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أَقَارِبُهْ
وأنشد أيضاً للفرزدق (4):
كُنَّا وَرِثْنَاهُ عَلى عَهْدِ تُبَّعٍ
طَوِيلاً سَوَارِيهِ شَدِيداً دَعَائِمَهْ
(1) سورة البقرة/ آيه 283.
(2)
هو زياد الأعجم. وبعده:
* من عَنَزِيَّ سَبَّنيِ لم أضْرِبُهْ *
والعنزي: منسوب إلى عَنَزة، اسم قبيلة.
(3)
تقدم البيت، 2/ 557.
(4)
ديوانه 756، سيبويه 2/ 44،
وتُبَّع: ملك من ملوك اليمن القدماء. والسواري: جمع سارية، وهي الأسطوانة من حجر أو آجر. والدعامة: عماد البيت الذي يقوم عليه.
يفخر بعزة قومه وعراقتهم في المجد، ويذكر أن عزهم ومجدهم قديمان قدم عصر تبع.
وأنشد له أيضاً (1):
قَرَنْبَي يَحُكُّ قَفَا مُقْرِفٍ
لئيمٍ مَآثِرُهُ قُعْدُدِ
وهو كثير.
ومثال المنصوب المضاف: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ وَجْهًهُ، ومنه قراءة ابن أبي عَبْلة (2) {ومَنْ يَكْتُمْهَا فإنَّه آثِمٌ قَلْبَهُ} بالنصب (3). وأنشد اللِّحياني (4):
أَنْعَتُها إنِّيَ مِنْ نُعَّاتِهَا
كُومُ الذُّريَ وَادِقَةٌ سُرَّاتِهَا
وفي هذا الوجه إعادة الضمير مكَّررا، فإنه لَمَّا نُقِل من ((الوَجْه)) إلى حَسَنٍ)) كان القياس أَلَاّ يعاد إذْ قَصَدوا التَّخفيف، ولكنهم كَرَّروا ذكره تأكيدا، وليتعرف بالإضافة كما يتعرف بالألف واللام. وكذلك في الوجه الذي بعد هذا.
(1) ديوانه 205، وسيبويه 2/ 44، والمقتضب 2/ 145، واللسان (قعد) وروايته فيه ((يَسُوفُ قَفَا)) والقرنبي: دويبة تشبه الخنفساء. والمقرف: اللئيم الب، أو الذي أمه عربية وأبوه غير عربي. والمآثر جمع مأثرة، وهي الأفعال والأخبار التي تؤثر عن الرجل. والقعدد: الجبان القاعد عن الحرب والمكارم، ، أو الذي يقعد به نسبه للؤمه. يهجو أبا جرير، ويشبهه بالقرنبي.
(2)
هو أبو إسماعيل بن أبي عبلة الشامي الدمشقي، تابعي ثقة كبير، له حروف في القراءات، واختيار خالف فيه العامة (ت 151 هـ).
(3)
البحر المحيط 2/ 357.
(4)
شرح الرضي على الكافية 3/ 438، والخزانة 8/ 221، وابن يعيش 6/ 88، والأشموني 3/ 11، العيني 3/ 583، الأصمعيات 34. والشعر لعمر بن لجأ التيمي. والضمير في قوله:((أنعتها)) راجع إلى الإبل. والنعات: جمع ناعت. والكُوم: جمع كَوْماء، وهي الناقة العظيمة السنام. والذري: جمع ذروة، وهي أعلى كل شيء، ويراد بها هنا أعلى السنام. ووادقة: دانية قريبة. وسراتها: جمة سرة، وهي موضع ما تقطعه القابلة من الولد. وكني بقوله:((وادقة سراتها)) عن سمنها، لأنها إذا سمنت دنت سراتها من الأرض.
ومثال المجرور المضاف: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ وَجْهِه. ومنه في الحديث في صفة الدَّجَّال ((أعْوَرُ عَيْنِه اليُمْنَى)) (1) وفي وَصْف النَّبي صلى الله عليه وسلم ((شَثْنُ أَصَابِعه)) (2) وفي حديث آخر طِوَيلُ أَصَابِعِه)) (3) وفي حديث أم زَرْع ((صِفْرُ وِشَاحِهَا)) (4).
وأنشد سيبويه للشمَّاخ (5):
أَمِنْ دِمْنتَيْنِ عَرَّجَ الرَّكْبُ فِيهمَا
بَحقْلِ الرُّخامَى قد عَفَا طَللَاهُمَا
(1) البخاري- اللباس: 68، والفتن: 36، ومسلم-الإيمان: 273، 274، 277، فتن: 100، والترمذي- الفتن: 60، ومسند أحمد: 2/ 132، 144.
(2)
البخاري- اللباس (فتح الباري 10/ 357) بلفظ ((شثن القدمين والكفين)) والترمذي-المناقب: 8، بلفظ ((شثن الكفين والقدمين)). الشَّثن: هو غِلظ الأصابع والراحة، وقيل: الخشونة فيهما.
(3)
لم أجده بهذا اللفظ والذي وقفت عليه: طويل المسْربة. شمائل النبي، للترمذي، ص: 35،
(4)
صحيح مسلم (4/ 1902).
(5)
ديوانه 86، وهما من شواهده سيبويه 1/ 199، والخصائص 2/ 420، وابن يعيش 6/ 86، وشرح الرضي على الكافية 2/ 235، والهمع 5/ 98، وانظر الخزانة 4/ 293، والعيني 3/ 587 - والراوية السائدة في الأول ((عَرّسَ الركب)) بالسين والهمزة للاستفهام التقريري، والجار (من) متعلق بمحذوف تقديره: أتحَزن أو أتجزع من دمنتِين رأيتهما فتذكرت من كان يحل بهما! والخطاب لنفسه والدمنة: الموضع الذي أثر فيه الناس بنزولهم وإقامتهم فيه. التعريح: أن يعطف القوم رواحلهم في الموضع ويقفوا فيه. أما التعريس فهو نزول القوم من السفر في آخر الليل. والركب: جمع راكب. وحقل الرخامى: موضع بعينه. والرخامى: شجر مثل الضال، وهو السدر البري. وعفا: درس وتغير. والطلل: ما شخص وأشرف من علامات الدار. والربع: موضع النزول. والمراد بالصفا هنا الجبل. ويريد بجارتي صفاً الاثفيتين اللتين يسندان إلى الجبل حينما يراد الاصطلاء، ويكون الجبل هو ثالثة الاثافي، فتوضع القدر عليها. والكميت: ما لونه بين الحمرة والسواد، وإنما لم تسود أعاليهما لبعدها عن النار. والجون: الأسود. والمصطلى: موضع الصلا، وهي النار، إنما سودت أسافلهما من أثر الوقود ودخانه ورماده.
أَقَامَتْ على رَبْعَيْهمَا جارتَا صَفاً
كُميْتَا الأَعَالِي جَوْنَتَا مُصْطَلَاهُمَا
والضمير في ((مُصْطَلَاهُما)) عائد على الجارَتَيَنْ.
ومثال المرفوعِ ذي الألفِ واللام قولك: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ الوَجْهُ. وفي القرآن الكريم {جَنَّاتِ/ عَدْنٍ مُفَتَّحةً لَهُمُ الأَبْوَابُ} (1)، وقال النَّابغة الذُّبياني (2). 504
ونَأْخُذُ بَعْدهُ بذِنَابِ عَيْشٍ
أَقَبَّ الظَّهْرُ لًيْسَ له سَنَامُ
يُروى ((الظَّهْر)) مثلَّثاً. ونحوه قول طَرفَة بن العَبْد (3):
رَحِيبٌ قِطَابُ الجَيْبِ مِنْهَا رفَيِقَةٌ
بجسَّ النَّداَمَى بَضَّةُ المُتجرَّدِ
والإضافة إلى ذي الألف واللام، أعني في المعمول، بمنزلة ما لو
(1) سورة ص/ آية 50.
(2)
ديوانه 75، وسيبويه 1/ 196، وشرح الرضي على الكافية 4/ 231، وابن يعيش 6/ 83، 85، والخزانة 9/ 363، والعيني 3/ 579، واللسان (حبب، ذنب) ويروى ((أجبّ الظهر)) بالجيم. والذَّنَاب: عقب كل شيء ومؤخره. والأقبّ: الضامر. والأجبّ: الذي لا سنام له من الهزال. يذكر مرضى النعمان، وأنه إن هلك عاش الناس بعده في أشر حال.
(3)
من معلقته (ديوانه 48) والمحتسب 1/ 183، وشرح الرضي على الكافية 2/ 235، 3/ 443، والخزانة 4/ 303. واللسان (قطب) وقبله:
…
نَدامايَ بِيضٌ كالنحومِ وقَيْنةٌ تَروُحُ عَلَيْنَا بَيْنُ بُرْدٍ ومُجْسَدِ
والرحيب: الواسع. وقطاب الجيب: مخرج الرأس من الثوب. وصف قطاب جيب القينة بالسعة لأنها كانت توسعه ليبدوا صدرها منه، فينظر إليه ويتمتع به. ورفيقة: من الرفق، وهو اللين والملاءمة. وجس الندامى: ما طلبوا من غنائها. وقيل جَسُّهم لها بأيديهم ولَمْسها تلذذا. والبضة: البيضاء الناعمة البدن، الرقيقة الجلد. والمتجرَّد: ما ستره الثوب من الجسد. يقول: هي بضة الجسم عند التجرد من ثيابها، والنظر إليها.
كان هو بالألف واللام. وهذا الوجهُ ممَّا حُذف فيه الضمير العائد على الموصوف للعِلْم به. وهو جائزُ على الجملة، وإن لم يكن في الحُسْن بمنزلة ما لم يُحذف فيه الضمير. ونظيرهُ قول الله تعالى:{فَأَمَّا مَنْ طَغَى* وآثَرَ الحْيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الجَحِيَم هَيِ المْأوْىَ} (1) وكذلك ما بعده (2). تقديره: المَأْوَى له. فكذلك يقدَّر هنا: حَسَنٍ الوجهُ منه، وعلى هذا التقدير فلا إشكال في الجواز.
ومثال المنصوب ذِي الألف واللام: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ الوَجْهَ، ومنه قوله، أنشده سيبويه (3):
ونَأْخُذُ بَعْدَهُ بذِنَابِ عَيْشٍ
أَجَبَّ الظَّهْرَ
…
...
…
هكذا أنشده بنصب ((الظَّهْرَ)) وأنشد في نَحْوه لزُهَير بن أبي سُلْمى (4):
أَهْوَىَ لَهَا أَسْفَعُ الخَديَّن مطَّرِقٌ
رِيشَ القَوادِمِ لم تُنْصَبْ لَهُ الشَّبَكُ
وأنشد للعَجَّاج (5):
(1) سورة النازعات/ 37، 38، 39.
(2)
يعني قوله تعالى بعد هذا {وأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبَهِ ونَهَى النَّفْسَ عن الهوى. فإن الجَنَّةَ هِيَ المَأوْىَ} .
(3)
تقدم البيت في الباب نفسه، ص 414.
(4)
ديوانه 172، وسيبويه 1/ 195، وروايته في الديوان ((لم تُنصبْ لَهُ الشُّرُكُ)) يصف صقرا انقض على قطاة. وأهوى لها: انقض عليها. والأسفع: الأسود. والمطرق: من الإطراق، وهو تراكب الريش. والقوادم. جمع قادمة، وهي ريش مقدم الجناح، والشبك: جمع شبكة، وهي شبكة الصائد. أو الشُّرُك فهي جمع: شَرَك، بفتحتين، وهو حبالة الصائد، يريد أن هذا الصقر وحشي لمُ يصد حتى يذلل، وذلك أشد له، وأسرع لطيرانه.
(5)
ملحقات ديوانه 79، وسيبويه 1/ 196. يصف بعيراً بالشدة والجسامة. والمحتبك والمحبوك: الشديد القوي. وشئون الرأس: ملتقى أجزائه.
* مُحْتَبِكٌ ضَخْمٌ شُئُونَ الَّرأْسِ *
ومثال المجرور ذِي الألف واللام: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ الوجهِ، وهو كثيرٌ نظماً ونثراً. وفي التنزيل الكريم {واللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ} (1)، {واللهُ شَدِيدُ العِقَابِ} (2)، وفي الحديث ((كان عليه السلام ضَخْمَ الهامَةِ، شَثْن الكَفَّيْنِ والقَدَمْينْ، ضَخَم الكَرَادِيسِ، أَنْوَر المَتجَرد)) (3)، وقال (4):
أَهْوىَ لَهَا أَسْفَعُ الخَدَّيِنْ .... البيت
وقال (5): ((بَضَّةُ المتجرَّدِ))
ومثال المرفوع المجرَّد: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ وَجْهُ، وأنشد عليه في ((الشَّرح)) بيتاً فيه:
…
...
…
... شَهْمٍ قَلْبُ
مُنَجَّذٍ لاذي كَهامٍ يَنْبوُ
ولم أقيِّد كماَل البيت (6).
(1) سورة البقرة/ آية 202.
(2)
سورة آل عمران/ آية 11.
(3)
سنن الترمذي- المناقب (5/ 598) وشمائل ابن كثير: 50، ودلائل النبوة للبيهقي 1/ 240.
(4)
هو زهير، وتقدم البيت.
(5)
هو طرفة، وتقدم البيت.
(6)
البيت الأول بتمامه هو:
* ببُهْمَةٍ مُنِيتُ شَهْمٍ قَلْبُ *
وهو من شواهد الأشموني 3/ 10، 14، والهمع 5/ 99، وانظر الدرر 2/ 134، والعيني 3/ 577، والبهُمة: الفارس الذي لا يُدْرى من أين يؤتى من شدة بأسه. ومُنِيت: ابتليت. وشهم جلد ذكي الفؤاد. ومنجذ: مجرب حنكته الأمور. والسيف أو الروح الكَهام: الكليل الذي لا يقطع. وينبو: من نبا الشِيء، أي تباعد وتجافى.
وهو- في الجواز- نظيرُ (حَسَنٍ الوجهُ) فكما جاز هناك حذوفُ الضمير يجوز هنا، إذ لا اعتبار عند البصريَّين بالألف واللام في التعويض من الضمير، إذ لا يقولون به، وإنَّما يخالف في ذلك الكوفيون، حسبما يُذكر بَحْول الله وقُوَّته.
ومثال المنصوب المجرَّد: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ وَجْهاً. لَمَّا نَقل الضَمير من ((الوَجْه)) إلى الصفة انْتَصب لاستغناء الصفة عن رفعه، فأشبه الفضلة.
ومثلُه من كلام العرب ما أنشده سيبويه لأبي زُبَيْد (1):
كَأَنَّ أَثْوابَ نَقَّادٍ قُدِرْنَ له
يَعْلُو بخَمْلتِها كَهْبَاء هُدَّابَا
وقال أيضا، أنشده كذلك (2):
هَيُفَاءُ مُقِبْلةً عَجْزَاءُ مُدْبِرةً
مَحْطوُطةً شَنْبَاءُ أَنْيَابَا
(1) ديوانه 39، وسيبويه 1/ 198، ومجالس ثعلب، واللسان والأساس (نقد). ويصف الأسد. والنقاد: صاحب النقد أو راعيها، وفسره ثعلب بصاحب موك النقد. والنَّقَد- بالتحريك- صغار الغنم.
وقدرن: جعلن على قدر جسمه. والخملة: ثوب مخمل من صوف كالكساء. والكُهبة: غبرة مشربة بسواد، أو لون ليس بخالص الحمرة. وهُدَّاب الثوب: الخيوط التي تبقى في طرفيه دون أن يكمل نسجها.
(2)
لأبي زبيد الطائي يصف امرأة جميلة، وهو من شواهد سيبويه 1/ 198، وابن يعيش 6/ 83، 84، وانظر: العيني 3/ 593 والهَيف: ضمور البطن والخصر. والعجزاء: الضخمة العجز. والمحطوطة: الملساء الظهر. وجدلت: أحكم خلقها، من الجديل، وهو الزمام المجدول من أدم. والشنباء: من الشنب وهو بريق الثغر وبرده.
وصفها بصفات الحسن عندهم من ضمور البطن، وكبر العجيزة، وملامسة الجلد ونعومته، وحسن الخلقة، وطيب الثغر.
وأنشد لعديِّ بن زَيْد (1):
مِنْ حَبِيبٍ أو أخِى ثِقَةٍ
أو عَدُوٍّ شَاحِطٍ دَارَا
ومثال المجرور المجرَّد: مررتُ برجلٍ حَسَنِ وَجْهٍ، وهو نحو النَّصب في الجواز، ومنه قولهم: هو حَدِيثُ عَهْدٍ بكذا (2). وأنشد سيبويه لَعْرو بن شَأْس (3):
أَلِكْنِي إلَى قَوْمِي السَّلَامَ رِسَالَةً
بآيِة ما كانُوا ضِعَافاً ولا عُزْلَا
/ ولا سَيِّئِي زِيٍّ إذَا ما تَلَبَّسُوا
إلَى حَاجَةٍ يَوْماً مُخَيَّسَةً بُزْلَا 505
وأَنْشد لُحَمَيْد الأَرْقَط (4):
(1) ديوانه 101، وسيبويه 1/ 198، والمغني 459، والتصريح 2/ 82، والعيني 3/ 621 ويروى ((أراحٍ ثقةَ)) على النعت والمنعوت. وأخو الثقة: من يوثق به في الشدائد. والشاحط: البعيد. يصف الدهر بأنه يعم بمصائبه الصديق والعدو، والقريب والبعيد.
(2)
يقال: هو حديث عهد بكذا، أي قريب عهدٍ به.
(3)
سيبويه 1/ 197، والمقتضب 4/ 160، والمغني 420، 421، والعيني 3/ 596. وألكنى: بلغ عني وكن رسولي. والاية: العلامة. والعزل: جمع أعزل، وهو الذي لا سلاح معه. وتلبسوا: ركبوا وغشوا. والإبل المخيَّسة: التي لم تسرَّح، ولكنها جبست للنحر أو القَسْم. والبُزْل: جمع بازل، وهو المسن من الأبل. كان الشاعر غريبا عن قوم، فأرسل إليهم رسولا يبلغهم سلامه، وجعل علامة كونه منهم، ومعرفته بهم ما وصفهم به من القوة والعدة، وحسن زيهم إذا وفدوا على الملوك.
(4)
من شواهد سيبويه 1/ 197، والمقتضب 4/ 159، وابن يعيش 6/ 83، 85، واللسان (رزن) واللاحق: الضامر. والقر: الظهر. يصف فرسا بأنه ضامر البطن، وأن هذا الضمور ليس من الهزال، لأنه سمين الظهر.
* لَاحِق بَطْنٍ بَقراً سَمِينِ *
وقد انتهت مسائل تجريد الصفة.
وأمَّا إذا كانت الصفة بالألف واللام، ومعمولُها مرفوعٌ مضاف فمثاله: مررتُ بالرَّجلِ الحَسَنِ وَجْهُه. وهذا أصلُ هذه المسائل، كما في تنكير الصفة، ومنه قول الجَعْديِّ، أنشد سيبويه (1):
ولا يَشْعُرُ الرُّمْحُ الأصَمُّ كُعُوبُهُ
بثَرْوَةِ رَهْطِ الأَعْيَطِ المُتَظَلِّمِ
ومثال المرفوع ذي الألف واللام: مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ الوجُه، وهي مثل مالو كانت الصفة مجرَّدة من الألف واللام.
ومثال المرفوع المجرَّد: مررتُ بالرجلِ الحَسنِ وَجْهٌ، وهو مثل ما إذا كانت الصفة مجرَّدة ومثال المنصوب المضاف: مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ وَجْهَهُ. والمسألة كما في تنكير الصفة.
ومثال المنصوب ذِي الألف واللام: مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ الوَجْهَ، قال سيبويه: وهي عَرَبِيَّةٌ جَيِّدة (2)، ثم أنشد للحارث بن ظالم (3):
(1) للنابغة الجعدي، ديوانه 144، وسيبويه 2/ 42، وشرح القصائد السبع 347، واللسان (غيظ، ظلم) وكعوب الرمح: العقديين أنابيبه، وعلى قدر صلابتها تكون صلابة الرمح كله. والأصم: الصلب. والثروة: الكثرة في المال أو العدد. ورهط الرجل: قومه وقبيلته. والأعيط: الطويل العنق. والمراد به هنا الأبي الممتنع. والمتظلم هنا: الظالم، قال: تظلمني حقي، أي ظلمني. يقول متوعدا: إن من كان عزيزا كثير العدد فرماحنا لا تشعر به ولا تباليه.
(2)
الكتاب 1/ 201 من شواهد سيبويه 1/ 201، والمقتضب 4/ 161، وابن يعيش 6/ 89، وابن الشجري 2/ 143، والإنصاف 133، والأشموني 3/ 14، والعيني 3/ 609.
(3)
والشعر: جمع الأشعر، وهو الكثير شعر القفا ومقدم الرأس. والعرب ترى ذلك من علامات الغباء وكان الحارث قد فك بخالد بن جعفر بن كلاب، وهو في جوار النعمات بن المنذر، ثم هرب يستجير القبائل فقال هذا الشعر ينتفي من قومه.
فَما قَوْمِي بَثَعْلَبةَ بْنِ سَعْدٍ
ولا بفَزارَةَ الشُّعِرْ الرِّقَابَا
ومثال المنصوب المجرَّد: مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ وَجْهاً، ومنه قول رُؤْبَة، أنشده سيبويه (1):
* الحَزْنُ بَاباً والعَقُورُ كَلْبَا *
وأنشد أيضا بَيت الحارث هكذا:
فما قَوْمِي بثَعْلَبةَ بْنَ سَعْدٍ
ولا بفَزارَةَ الشُّعْرَى رِقَابَا
وأَمَّا المعمول إذا كان مجرورا فإن الناظم قال في ذلك:
…
...
…
... ولا
تَجرْزُه بِهَا مَعْ أَلْ سُمً مِنْ أَلْ خَلَا
يعني أنه لا يجوز أن يَجُرَّ بالصفة إذا كانت مصاحبةً للألف واللام اسماً خَلَا من الألف واللام، أو خَلَا من الرضافة لما صَحِبَها، وهو قوله:((ومِنْ إضَافةٍ لتَالِيها)) وهاء ((تَالَيِها)) عائدةٌ إلى الألف واللام، أي لما يَتْلو (أَلْ) وهو ما دخلت عليه، فعلى هذا إذا كان المعمول مضافا أو مجرَّدا فالمسألةُ ممتنعةٌ، فلا تقول: مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ وَجْه، ولا بالرجلِ الحَسَنِ وَجْهٍ، إذا لا ألفَ ولامَ في
(1) لرؤبة بن العجاج، ديوانه 15، وسيبويه 1/ 200، وشرح الرضي على الكافية 3/ 440، والخزانة 8/ 227، والعيني 3/ 617. والحزن: ضد السهل. والعقور: الذي يعقر ويجرح. وهو كناية عن البخل، كما أن (جبان الكلب) كناية عن الجود. ويصف رجلا بشدة الحجاب ومنع الضيف، فجعل بابه صعبا وثيقا لا يستطاع فتحه، وكلبه عقورا لمن حل بفنائه طالباً معروفه.
المعمول، ولا هو مضاف إلى ما هي فيه.
أما أمتناع (الحسَنِ وَجْهٍ) فظاهرٌ، لأن ذلك عكسُ الإضافة، إذ كان الشأن أن تضاف النكرة إلى المعرفة، لتتعرَّف بها أو تتخصَّص، دون العكس.
وأما امتناع (الحَسَنِ وَجْهِه) فلأنه اجتمع فيه أمران مكروهان، الجمعُ بين الألف واللام والإضافة، إذ لا يجوز إلا في هذا الباب، وفي العَدَد قليلا، وتَكْرارُ الضَّمير، إذ كلُّ مسألةٍ يتكرَّر فيها الضمير قليلةُ الاستعمال كما سيأتى، وقبيحةٌ عند الأئمة من جهة القياس، لأنه إذا كان نقلُهم الضميرَ من ((الوَجْه)) إلى الصفة مقتضياً لترك الإتيان به كان الإتيان به كالرجوع عما عَزموا على الخروج عنه، وذلك نَقضُ الغرض.
وقد تقدَّم في ((باب الإضافة)) أن ذا الألف واللام من الصفات لا يضاف إلا إلى ما هما فيه، أو أضيف إلى ما هما فيه (1).
ثم قال:
…
...
…
وَمَا
لم يَخْاُ فهو بِالجَوازِ وُسِمَا
يعني أن المعمول إذا لم/ يَخْلُ من الألف واللام أو من الإضافة إلى مصحوبها، بل
…
506 كان على إحدى الحالتين فهو مَوْسوم بالجواز، أي معروف، لما تقدَّم في ((باب الإضافة (2))).
(1) وذلك حيث يقول الناظم:
ووصلُ أل بذا المضافِ مُغْتَفَرْ إن وُصِلَتْ بالثَّانِ كالجَعْدِ الشَّعَرْ
أو بالذي به أُضِيف الثَّانِي كزيدٌ الضاربُ رأسِ الجاني
(2)
انظر: الحاشية السابقة.
فتقول: مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ الوَجْهِ. ومثله: مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ وَجْهِ الأخِ. وإليه الإشارةُ بقوله: ومِنْ إضَافَةٍ لتَالِيها)).
فالحاصل من كلامه أن الممتنع من هذه المسائل مسألتان، وهما: مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ وَجْهِه، والحَسَنِ وَجْهٍ، وما سواهما، وهي ستَّ عشرة مسألة جائزةٌ في القياس.
ويَبْقَى بعدُ في هذا الضَّابط مسائل:
أحداها أن المسائل الجائزة عنده لم يُبَيَّن فيه الحًسْنَ من غيره، فربَّما فُهم منه تَسوِيها عنده. وليس كذلك، بل منها ما هو حَسَن كثيرُ الاستعمال، ومنها ما ليس كذلك.
فاعلم أن الوجوه الحَسنة بإطلاق تسعةٌ، وهي: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ وَجْهُه، حَسَنٍ الوَجْهُ، حَسَنٍ وَجْهاً، حَسَنِ الوَجْهِ، حَسَنِ وَجْهٍ.
وبالألف واللام في الأربعة الأول، مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ وَجْهَه، الحَسَنِ الوَجْهَ، الحَسنِ وَجْهاً، الحَسَنِ الوَجْهِ.
وما عداها، وهي سَبْعة، فضعيفةٌ في القياس، قليلةُ الاستعمال، هي: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ وَجْهٌ، حَسَنٍ الوَجْهَ، حسنٍ وجههَ، حسنِ وجهِه. وبالألف واللام في الثلاثة الأُوَل، مررت بالرجلِ الحَسَنِ وَجْهٌ، الحِسنِ الوَجْهَ، الحَسَنِ وَجْهَه. فالجميع ستة عشر وَجْهاً جائزة.
وضابطُها ما قاله الجُزًولىُّ، (1) مِنْ أن كلَّ مسألةٍ تكررَّ فيها الضَمير، أو لم
(1) هو أبو موسى عيسى بن عبدالعزيز البربري الجُزولي، نسبة إلى (جُزولة) بطن من البربر، وكان إماما في العربية لا يشق غياره، مع جودة التفهم وحسن العبارة. شرح أصول ابن السراج، وله المقدمة المشهورة، وهي حواش على الجمل للزجاجي (ت 607 هـ). بغية الوعاة 2/ 236.
يُذكر فيها البَتَّةَ فهي قبيحة، وما ذُكر فيها الضميرُ ولم يتكررَّ فهي حَسَنة. وقد مَرَّ استثناء الممنوع منها.
والثانية أن جميعها عنده جائزً قياساً، أَغْنِى ما سوى المسألتين الممنوعتين، وإن اختلفت في القوة والضَّعف لوجود السَّماع بذلك كما تقررَّ.
وقد وقع الخلافُ في القياس في مسائل منها، بالإجازة والمنع.
فأما مسالة (الحَسَنِ وَجْهً) ومسألة (حَسَنٍ وَجْهٌ) فغير جائزين عند الكوفيِّين، وسبب ذلك عدمُ الضميَّر أو ما يَنوب مَنابَه، وهو الألف واللام.
وقال ابن خَروف (1): ليس من كلام العرب. وكأن ذلك عنده بناء على صحة وقوع الألف واللام عَوِضاً من الضمير، فإنه قال: وقد أشار سيبويه إلى ذلك في قولهم: ضُرِبَ زيدٌ الظَّهْرُ والبَطْنُ (2)، على معنى: ظَهْرُه وبَطْنُه، ولم يَقُل: الظَّهْرُ منه.
ولم يَرْتَض إذا غيرهُ، فإن العرب قد تجمع بين الألف واللام والضمير فتقول: مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ الوَجْهُ مكنْه، ولو كانت عِوَضاً منه لم تَجْتًمع معه، إذ (لا يصحُّ الجمعُ بين العِوَض وما عُرِّض منه.
ومثل اجتماع الألف واللام مع الضمير قول طَرَفة (3):
رَحِيبٌ قَطَابُ الجَيْبِ منها رَفِيقَةٌ
فإذا ثَبت ذلك لم يَنْبَغِ اعتقادُ التَّعويض، وإذا لم يكن ثَمَّ عِوَض فلا معنى
(1) تقدمت ترجمته.
(2)
الكتاب 1/ 158.
(3)
عجزه: بَجَسَّ النَّدامَى بَضَّةُ المتجرَّدِ. وقد استشهد به المصنف من قبل، وسبق تخريجه.
لمنع الحذف، كما حُذِف في نحو:{فَإنَّ الْجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى (1)} ويصير إذ ذاك/ المعمولُ
…
507 المجرَّد وغيرهُ سواء في جواز الحذف، كما جاء:((شَهْمٌ قَلْبُ (2))) فالأظهر على هذا مذهب النَّاظم في الجواز، والله أعلم.
وأما مسألة (الحَسَنِ الوَجْهُ، وحَسَنٍ الوَجْهُ) فإن الناظم يُجيزهما على رفع ((الوَجْهُ)) على الفاعَّلية كما تقدَّم.
وهو رأى الزجَّاجي وشَيْخِه، (3) وبه قال ابن عُصْفور (4).
والمسألة مختَلفٌ فيها على ثلاثة أقوال، أحدها هذا، ويكون الضمير العائد على الموصوف محذوفاً، كما تقدَّم في المسألة قبلها.
الضَّمير، وهو الألف واللام، وقد تقدَّم ما فيه (5).
والثالث مذهب الفارسيِّ وابن أبي الرَّبِيع (6) أن ((الوَجْهُ)) هنا ليس
(1) سورة النازعات/ 41. وقد سبق استشهاد المصنف بالآية الكريمة على هذه المسألة.
(2)
يقصد قول الراجز: بُبُهمةٍ فَنِيتُ شهمٍ قَلْبُ مُنَجَّذُ لاذى كَهَامٍ يَنْبُو
وقد سبق الاستشهاد بالبيت وتخريجه. انظر: ص 416.
(3)
الزجاجي هو أبو القاسم عبدالرحمن بن اسحاق الزجاجي، منسوب إلى شيخه إبراهيم الزجاج الذي لزمه حتى برع في النحو.
صنف: الجمل، وهو أشهر مصنفاته، والإيضاح، والكافي، وكلاهما في النحو. وشرح كتاب الألف واللام للمازني وشرح خطبة أدب الكاتب، واللامات، والمخترع في القوافي، والأمالي (ت 339 هـ) وأما شيخه فهو أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج، كان يخرط الزجاج، ثم مال إلى النحو، فلزم المبرد حتى برع فيه. وله من التصانيف: معاني القرآن، والاشتقاق، وخلق الإنسان، وشرح أبيات سيبوبه، والقوافي والعروض، والنوادر، وغير ذلك (ت 311 هـ).
(4)
انظر: شرح جمل الزجاجي له 1/ 569، 570.
(5)
انظر: ص 417.
(6)
انظر: الإيضاح للفارسي 154، و ((البسيط)) شرح جمل الزجاجي لابن أبي الربيع: 970، وما بعدها.
بفاعل بـ (حَسَنٍ) إنَّما هو بدلٌ من الضمير المستتر في ((حَسَنٍ)) ولا يصحُّ أن يكون فاعلاً لما فيه من حذف الضمير من الصفة، وحَمل قوله تَعالى:{جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ (1)} على أن ((الأَبْوَابُ)) بَدَلُ بعضٍ من كُلٍّ، وفي ((مُفَتَّحة)) ضميرٌ هو المبَدل منه (2)؛ إذ لابد للحال من ضمير يعود على صاحبها. ولو جَعلتَ ((الأَبْواب)) مرفوعاً بـ (مُفَتَّحة) لم يكن ثَمَّ ضميرٌ يعود على صاحب الحال. وبذلك رَدَّ على الزَّجاج قولَه في الآية.
ورُدَّ عليه بأمرين: أحدهما أن ما قال لا يَطَّرِد له، فإنهم قد أجازوا الرفع على الفاعليَّة في نحو: مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ الأَبُ، والقائمِ الأخُ، وهو مما لا يصحُّ فيه البدل؛ إذ كان من شرط بدل البعض والاشتمال صِحَّةُ إطلاق الأول والمرادُ الثاني. وأنت تقول: فَتَحْتُ الدارَ، إذا فتحتَ أبوابَها، كما تقول: قُطِعَ زيدٌ، إذا قُطِعَتْ يدُه، فإن صَحَّ ذلك في ((الوَجْه)) فلا يصحُّ في (الأب والأخ) لا تقول: زيدٌ حَسَنٌ، إذا كان أبوه أو أخوه حَسَناً، فلا بد إذاً من الرفع على الفاعلّية، وهو المطلوب.
وأجاب ابن أبي الربيع (3) عن هذا بأن الفارسيَّ يمنع المسألة، فلا يُجيز: مررتُ برجلٍ حسنٍ الأبُ (4). وهذا مشكل، فقد حَكى ابنُ عصفور الاتِّفاقَ على الجواز (5)، فلا سَنبغي المنع.
والثاني أن بدل البعض والاشتمال كلاهما لابد فيه من ضميرٍ يعود على
(1) سورة ص/ آية 50.
(2)
الإيضاح 154، والإغفال له 121 - 122.
(3)
سبقت ترجمته.
(4)
على حاشية الأصل ((مررت برجل قائمٍ الأبُ، حسنٍ الأخُ)) وهو مطابق لما في البسيط 973.
(5)
انظر: شرح جمل الزجاجي له 1/ 572.
المبَدل منه، كما أنه لابد في الوصف والحال والخبر من ضمير يعود على مَنْ هي له. فقد وقع الفارسيُّ فيما فَرَّ منه، فإنه إن مَنع من حذف الضمير في غير البَدل لزمه في البَدل، وإن أجاز ذلك لزمه الجواز في غير البدل.
وأجاب ابنُ ابي الرَّبيع عن هذا، وفَرض المسألَة في الصِّفة بأنه إنما فَرَّ من حذف الضمير من الصفة إلى حذف الضمير من البَدل؛ لأن حذف الضمير من الصفة لم يَثبت إلا أن تكون الصفة جملة، لأنها إذ ذاك شَبِيهة بالصِّلة، وثَبت حذفُ الضمير من البدل. والفِرارُ ممَّا لم يثبت من كلامهم إلى ما ثَبت هو الصواب. قِفْ حيث وَقَفُوا، ثم قِسْ (1).
وما قاله/ (2) ظاهرٌ إن ثَبت ما قال، وإلا فالخَصْم يُنازِع في عدم ثبوت الحذف
…
508 من الصِّفة، فقد زعموا أن من كلامهم: مررتُ برجلٍ حسنٍ الأبُ. ومع ذلك لا يصح الفرقُ بين البدل والصفة، قال شيخنا الأستاذ أبو عبد الله ابن الفَخَّار رحمة الله عليه (3): الظاهر أن مسائل هذا الفصل ثلاث: (مسألة تتعين فيها الفاعليّة، وهي: مررت بالرجل الحسِن الأبُ، وما أشبهها)(4). ومسألةٌ يتعَّين فيها البَدليَّة، وهي ما كان من نحو قول امرئ القيس (5):
(1) البسيط في شرح جمل الزجاجي له: 972.
(2)
من هنا إلى آخر باب الصفة المشبهة ساقط من الأصل.
(3)
هو أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد الخولاني، يعرف بابن الفخار وبالألبيري، كان نحوياً بصيراً بالعربية، لا يشكل عليه منها مشكل، ولا يعوزه توجيه، ولا تشذ عنه حجة، جَدَّد بالأندلس ما كان قد درس من العربية من لدن وفاة أبي علي الشلوبين (ت 754 هـ).
(4)
ما بين القوسين ساقط من الأصل و (ت) وأثبته من (س).
(5)
تقدم الاستشهاد بالبيت، وتخريجه. انظر: ص 370.
كِبَكْرِ مُقَانَاةِ البَياضُ بصُفْرَةٍ
غَذاهَا نَمِيرُ الماءِ غيرُ المُحَلَّلِ
برفع ((البَيَاضُ)) إذ لا وجه لارتفاعه إلا أن يكون بدلَ اشتمال من ضمير في ((مُقَانَاة)) لأن إلحاق التَّاء لهذه الصفة على تأنيث المرفوع بها، وليس إلا ضميرَ ((البِكْر)) المستتر في ((مُقَانَاة)).
قال: ومسألةٌ يجتمع فيها ما افتَرق في المسألتين على طريق الاحتمال، وهي قولك: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ الوَجْهُ.
وما قاله الأستاذ بَيِّنٌ، وهو يصحِّح ما ذَهب إليه الناظم في المسألة. وما قيل هنا جَارٍ في مسألة:(حَسَنٍ وَجْهٌ، والحَسَنِ وَجْهٌ).
وأما مسألة (الحَسَنِ وجْهَه، وحَسَنٍ وَجْهَه) فالجمهور على أنها إنما تجوز في الشِّعر للقياس والسَّماع، أما القياس فما تقدَّم من لزوم نَقْض الغرض بتكرار الضمير (1). وأما السَّماع فشاذٌ لا ينبغي أن يُقاس عليه ولو كان شائعاً لكثرة استعماله كغيره، فَلمَّا لم يكن ذلك دَلَّ على أن العرب قَصدت إهمالَه.
ويُجاب عن هذا بأنه قد جاء في القرآن مَرْويِاً عن بعض السَّلف أنه قرأ به {فَإِنَّهُ آثمِ قَلْبَهُ (2)} وما جاء في القرآن لا ينبغي أن يُترك قياسُه. قال لنا شيخنا القاضي أبو القاسم الحسني رحمه الله (3): إنَّ من عادة ابن مالك التأدُّبَ مع القرآن، والاعتمادَ على ما جاء فيه فَيقيسه، وإن لم يُجِز غيرهُ ذلك على الإطلاق. وقد جَعل تحقيقَ الهمزتَيْن مع الاِّتصال لغةً، ولم يَثبت ذلك اختياراً إلا في (أَئِمَّة)
(1) انظر: ص 370.
(2)
سورة البقرة/ آية 283، وهي قراءة ابن أبي عبلة رحمه الله، وقد تقدم.
(3)
انظر ترجمته في مقدمة التحقيق (شيوخ الشارح).
عند جماعة من القراء (1)، فجعَله لغةَ القرآن. وقد مَرَّ من ذلك مواضع. (وستأتي أخُرَ. ولكن ما رد غيره قد حسن وجهه)(2).
وأما مسألة (حَسَنِ وَجْهِه) فالجمهور على أنه إنما تجوز في الشِّعر، وأجازه الكوفيون (3). ومال ابنُ خروف إلى الجواز حين جاء منه في الحديث مواضعُ (4)، فهو أكثر في السَّماع من (حَسَنٍ وَجْهَه) وإنما فيه من جهة القياس قبحُ تكرار الضمير، وهو غير معتبر مع السَّماع، لأن القياس تابع للسَّماع لا متْبوع له، فالأَوْلى ما رآه الناظم، والله أعلم.
والمسألة الثانية في وجوه الإعراب المستعمَلة في هذه الوجوه.
أمَّا الرَّفع فعلى الفاعليَّة مطلقا، لقوله:((فَارْفَعْ بِهَا)) يعني بالصفة، وذلك على ظاهره من الفاعليَّة، وذلك مُتَّفَق عليه إلا في نحو: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ الوَجْهُ، أو وَجْهٌ؛ فإن فيه الخلافَ المذكور عن الفارسيِّ (5).
وقد يتعيَّن الرفعُ على الفاعليَّة كما في: حَسَنٍ الأَبُ، وقد يتعين عدم ذلك كما في: مررتُ بامرأةٍ حَسَنةٍ الوَجْهُ، وقد يجوز الأمران كما في: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ الوَجْهُ (6) كما تقدَّم.
(1) وهم: ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وروح. وسهَّل الثانية فيها الباقون وهم: نافع وأبو عمرو، وابن كثير وابو جعفر ورويس [النشر 1/ 378].
(2)
ما بين القوسين ساقط من الأصل و (ت) واثبته من (س).
(3)
قال ابن مالك في شرح الكافية الشافية (1609): ((وهو عند الكوفيين جائز في الكلام كله، وهو الصحيح، لأن مثله قد ورد في الحديث، كقوله في حديث أم زرع: ((صِفْر وشاحَها)) وفي حديث الدجَّال ((أعورُ عينه اليمنى)) وفي وصف النبي صلى الله عليه وسلم: ((شَثْنُ أصابعه)) ومع جوازه ففيه ضعف)).
(4)
كالأحاديث التي ذكرت في الحاشية السابقة.
(5)
يرى الفارسيّ أن ((الوجُه)) في هاتين الصورتين ليس بفاعل، وإنما هو بدل من الضمير المستتر في ((حسن)) وقد تقدم رأيه، والردُّ عليه. انظر: ص.
(6)
في (س)((حسن وجهٌ)) وهما سواء.
وليس في قوله: ((فَارْفَعْ بها)) ما يُعَيِّن وَجْهاً دون غيره، فإنه قد ذَكر في باب ((البدل)) جوازَ بدل الظَّاهر من المضمَر بدلَ البعضِ، والاشتمالِ، فإذا جُمع حكمُ البابين حَمَلت كلُّ مسألة ما تَتَحمَّله، فترجع المسائل إلى الأقسام الثلاثة.
وأمَّا النَّصب فلم يُبَيِّن وجَهه نَصاً، ولكنَّ أصل الباب مبنيٌّ على التَّشبيه، فالمنصوبُ في هذا الباب على التشبيه (بالمنصوب في باب اسم الفاعل، وهو معنى قولهم: منصوب على التشبيه)(1) بالمفعول به، وهذا ظاهرٌ في المعرفة والنكرة.
وقد يجوز في النَّكرة وجهٌ آخر، وهو النَّصب على التمييز، فإذا قلت: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ وَجْهاً، أو بالرجلِ الحَسَنِ وَجْهاً، فـ (الوَجْه) يجوز فيه أن يكون منصوباً على التمَّييز، وعلى التَّشبيه بالمفعول به.
ولم يُنَبِّه على التمَّييز هنا، لأن الآخَر هو الإعراب المطَّرِد؛ إذ هو جَارٍ في النكرة والمعرفة، بخلاف التَّمييز، فإنه لا يَجْري في المعرفة، ولأن النَّكرة هنا لا يَطَّرِد فيها جَرَيانُ التمييز، فلا يجوز أن تُعرب ((الأَبَ)) في قولك:(حَسَنٍ أَباً، والحَسَنِ أَباً) تمييزاً؛ لأن التمييز لا يصحُّ إلا فيما يُطلق فيه الأولُ ويُراد الثاني.
وأنت لا تقول: حَسُنَ زيدٌ، إذا حَسُنَ أبوع، وتقول حَسُنَ زيدٌ، إذا حَسُنَ وجهُه. فلما كان التَّشبيه هو المطَّرِد اكْتَفى بالإشارة إليه دون ذِكْر غيره.
والمسألة الرابعة أنه قال هنا: ((ومِنْ إضَافَةٍ لِتَالِيهَا)) فأشعر أن المضاف إلى المعمول إذا تَقَيَّد بإضافةٍ أو بألفٍ ولامٍ أو تجريدٍ فذلك كما لو تقيَّد المعمولُ نفسُه بها، فإنه شَرط في إضافة الصفة ذات الألف واللام إلى معمولها أن يكون مصحوباً بالألف واللام، أو مضافاً إلى مصحوبها.
(1) ما بين القوسين ساقط من الأصل و (ت) وأثبته من (س).
وفُهم من ذلك الشَّرط أنه إن لم يكن كذلك فلا يجوز الإضافة، فصار عنده المضافُ إلى المعمول بمنزلة المعمول؛ فإذا قلت:(مررتُ بالرجلِ الحَسَن وَجْهِ الأخِ) فهو في الجواز بمنزلة (مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ الوَجْهِ) و (مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ وَجْهِ أَخِيه) في المنع بمنزلة (مررتُ بالرجلِ الحَسَنِ وجهِه). وكذلك (الحَسنِ وَجْهِ أخٍ) بمنزلة (الحَسَن وَجْهٍ) وهذا صحيحٌ مطَّرِد.
وإذا قلت: (حَسَنِ وَجْهِ أخِيهِ) فهو بمنزلة (حَسَنِ وَجْهِه) وكذلك (حَسَنِ وَجْهِ الأَخِ) بمنزلة (حَسَنِ الوَجْهِ) وقولك: (مررتُ برجلٍ حَسَنِ وَجْهِ أخٍ) بمنزلة (حَسَنِ وجهٍ) وكذلك مع الألف واللام في الصفة. ومثل ذلك جارٍ في النَّصب والجر.
وممَّا جاء من ذلك في السَّماع قول خرْنق، أنشده سيبويه (1):
النَّازِلينَ بكُلِّ مُعْتَرَكٍ
والطَّيِّبُونَ مَعاقِدَ الأزْرِ
فهذا بمنزلة ((الطَّيِّبُونَ الأَخْبارَ، والحَسَنُونَ الوُجُوهَ)) وأنشد أيضاً لزهير (2):
(1) الكتاب 1/ 202، 2/ 58، 64، وشرح الرضي على الكافية 2/ 323، والهمع 5/ 183، وابن الشجري 1/ 344، والخزانة 5/ 41، والعيني 3/ 602، وقبله:
لا يَبْعَدَنَّ قومي الذين هُمُ سمُّ العُدَاةِ وآفةُ الجُزْرِ
والبيتان من قصيدة لخرنق بنت هفان ترثى بها زوجها وابنها وأخويه ومن قتل معهم من قومها. والمعترك: موضع القتال، تريد أنهم ينزلون عن الخيل عند ضيق فيقاتلون على اقدامهم. والمعاقد: جمع مَعْقِد، وهو موضع العَقدْ حيث يثنى طرف الإزار. والإزار: ما يستر النصف الأسفل من جسم الإنسان. وطيب المعاقد كناية عن العفة، وأنها لا تحل الفاحشة.
(2)
سبق الاستشهاد بالبيت.
أَهْوَى لَهَا أَسْفَعُ الخَدَّيْنِ مُطَّرِقٌ
رِيشَ القَوادِم لم يُنْصَبْ له الشَّبَكُ
فهذا نظير ((حَسَنٌ الوَجْهَ)) ومثله قول العجاج (1):
* مُحْتَبِكٌ ضَخْمٌ شُئُونَ الرَّأَسِ *
وحكى سيبويه: هو أَحْمَرُ بَيْنِ العَيْنَين (2)، وهو جَيِّدُ وَجْهِ الدَّارِ، فهذا نظير ((حَسَنِ الوَجْهِ)) وكذلك سائرُ المسائل.
(1) سبق الاستشهاد بالرجز.
(2)
في (ت)((أحمر العينين)) وما أثبته من الكتاب 1/ 195، و (س) وهو الصواب.