الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد اللبيدي، من صغار أصحاب ابن أبي زيد والقابسي، ألف كتابًا جامعًا في المذهب المالكي أزيد من مائتي جزء في عامة مسائل الفقه وبسطها وتفريعها، وزيادات على الأمهات ونوادر الروايات، توفي سنة 440هـ.
اِنْفِصَالُ إِفْرِيقِيَّةَ عَنْ الشَّرْقِ:
وفي تلك الحقبة كانت الكارثة العظمى بزحف بني هلال وبني سليم وإليك بيانها:
كان المعز بن باديس الصنهاجي الذي تولى إمارة إفريقية في السادسة من عمره، قد تولى تربيته رجال مستمسكون بالسنة المالكية، فكبر وترعرع في بيئة علم وأدب لم ترق البلاد رقيها من قبل، والحضارة يومئذ في الأوج، فاطمأنت نفسه إلى إمكان التحرر من سيادة الفاطميين بمصر، مُجَارِيًا في ذلك ميول الأمة الإفريقية، فما فتىء يتخذ الوسائل للانفصال عن سلطان الفاطميين البعيد المتضائل على الأيام، تؤازره على ذلك صفوة العلماء، ويؤيده الشعب، وضل يقاوم شيئًا فشيئًا خطة ملوك
الشيعة في العقيدة، وفي السياسة، ماضيًا في حركة الاستقلال بالبلاد، حتى جاهر بلعن بني عبيد على المنابر، وأنكر سيادتهم، وجحد ولاءهم وقاطعهم وكانت باكورة أعماله أن حمل الأهليين على الاستمساك بمذهب مالك دون سواه، ولم يكن قد صنع ذلك وحده، بل سبقه إليه بزمان طويل ملوك بني أمية بالأندلس، فانتهجوا هذا المسلك في حمل الأمة على إيثار مذهب مالك، وما كان المعز بن باديس ليخشى غائلة الفاطميين، وبينهم وبين المغرب مفازة من الإسكندرية إلى قابس يتعذر اقتحامها على جيوش دولة دَبَّ فِيهَا الوَهَنُ وَالإِخْلَالُ، فأقبل المعز على أمره يحرر من سلطان العبيديين، ويقطع الأسباب بينه وبين المشرق الشيعي.
وبلغ المعز في ذلك مناه، مستجيبًا لرغبة شعبه، فتمتعت البلاد بالاستقلال نحو عشرين سنة، ولكن دهاة رجال الفاطميين دبروا المكر بالمعز وبقومه الأفارقة، ورموهم بجنود من أعراب بني هلال وبني سليم كانوا يقيمون على الشاطئ الشرقي للنيل، فأباحوا لهم أن يجوزوا المغرب، فانحدروا
كالسيل الجارف لَا يُبْقِي وَلَا يَذَرُ، ولا بلغوا تخوم إفريقية تصدى لهم المعز يحاول صدهم عن البلاد، فانصبوا عليه وعلى عساكره، وألحقوا بهم هزيمة كانت القضاء المبرم على حضارة إفريقية العربية، واضطر المعز أن يلتجىء إلى حصن المهدية. فملك الأعراب القيروان دونه، ورحل منها أمامهم ساكنوها متفرقين أيدي سبأ، ولم يبق بها إلا قلة مستضعفة استكانت لغلبة المهاجمين، وانقادت لسلطانهم سنة 449هـ.
وهكذا تقلص ظلال العلم من رحاب القيروان، وفارقها العلماء إلى خارج البلاد، وإلى بعض مدائن الساحل التونسي، إلا ما يذكر عن أحد الحفاظ، آثر المقام بالقيروان بعد خرابها المشؤوم، ذلك هو الإمام بقية السلف الصالح، وخاتمة الأيمة النظار:
عبد الخالق التميمي المعروف بالسيوري، فإنه لم يغادر العاصمة، وبقي بها إلى آخر أيامه، وكان من وجوه أصحاب أبي بكر بن عبد الرحمن وأبي عمران القابسي، ومن في طبقتهما، وانتفع به خلق كثير، لانفراده برواية الحديث والفقه، ومن
مشهوري تلاميذه الناقلين عنه: عبد الحميد بن الصائغ، وأبو الحسن اللخمي، ويقول الدباغ في شأنه:«السُّيُورِيُّ آخِرُ طَبَقَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ إِفْرِيقِيَّةَ، وَخَاتِمَةُ أَيِمَّةِ القَيْرَوَانِ» . توفي سنة 460 هـ أو بعدها بقليل.
وهنا تبتدئ طبقة أخرى من علماء الشريعة الذين انتقلوا من القيروان إلى الساحل التونسي واستوطنوه وأقرأوا به، وعلى رأسهم فقيهان جليلان، هما:
- علي بن محمد الربعي المعروف بأبي الحسن اللخمي من أبناء القيروان، قرأ بها على جماعة منهم أبو الطيب عبد المنعم، وبخاصة الإمام السيوري، فلما جلا السكان عن القيروان قصد مدينة صفاقس واتخذها مقرًا له، فطار له فيها صيت، وكانت له رياسة، يقصده طلاب العلم يروون عنه، منهم الإمام محمد المازري، وقد وضع اللخمي مصنفات أجلها " التبصرة "، أخرج فيه الخلاف في مذهب مالك، واستقرار الاقوال، وربما اتبع في بعض المسائل نظره الخاص، وخالف مشهور المذهب فيما يرجح عنده، فخرجت مختاراته عن القواعد المالكية
المقررة، وتوفي سنة 478 هـ، وقبره في صفاقس مشهور.
- عبد الحميد بن محمد الصائغ، من أبناء القيروان أيضًا، أخذ عن أبي بكر بن عبد الرحمن وأبي الطيب الكندي، والسيوري وغيرهم، وتحول إلى سكنى المهدية وتولى بها الفتيا، وسمع منه خلق لا يحصون، في مقدمتهم محمد المازري، ثم دارت عليه محنة من السلطان، فانتقل الى مدينة سوسة، وبها قضى بقية عمره بين التدريس والتأليف وتوفي سنة 486 هـ وقبره معروف على مقربة من البحر، خارج المدينة.
هذان الإمامان هما، شيخا المازري، وعليهما اعتماده في الرواية والسند العلمي القيرواني.
والآن وقد جلونا كيف انتهت الطريقة العلمية إلى المازري، نبحث كيف انتقلت هذه الطريقة منه إلى إصحابه وتلاميذه، لكي نرى كيف تحول سند العلم من مبحثه الأصيل - وهو القيروان - إلى المهدية - ثانية العواصم الإسلامية في إفريقية - ثم إلى مدينة تونس، قاعدة الملك الأخيرة، وكيف ظل السند موصولاً إلى أن بلغ عصرنا القريب.
ونمهد لذلك بكلمة نجمل فيها مزية المازري، فإنه لما توفي الشيخان «اللخمي» و «ابن الصائغ» ، وتعين على كبير تلاميذهما: محمد المازري - أن يخلفهما في حمل لواء العلوم الشرعية في الساحل التونسي، بل في إفريقية كلها، ولم يتقلد المازري هذه الزعامة بأمر سلطاني، بل بإجماع الكلمة من أهل البلاد، فتصدر لنشر التعاليم الدينية وتدوينها، وقد أقبل على التدريس بالمهدية، والتف حوله طلاب ممتازون تلقوا عنه سند المالكية بالرواية المتوارثة الصحيحة، وحملوا عنه مصنفاته الفقهية، وأماليه في شرح الحديث والسنن، وهو يمتاز عن غيره من متقدمي الفقهاء الأعلام بأسلوبه الواضح في التعبير والتقرير، وما كتب في مسالة فقهية، أو أصدر فتوى شرعية إلا دعمها بتطبيق أقواله على قواعد الأصول، متبعًا في ذلك المنهج المنطقي، وما انتهى إلى قول من الأقوال إلا بعد أن مهد له بالحجة، وأقام عليه البرهان، وتلك طريقة مستحدثة في التأليف والتدوين العلمي الإسلامي في أثناء القرن السادس الهجري وما تلاه، وإنها لطريقة حكيمة في إثبات الحقائق، ولا سيما في الأحكام
والمبادئ، ومتى كانت هذه الطريقة معززه بإنشاء متين كانت أوقع في النفس، وأقوى على الإقناع.
ومن تعداد تلاميذ المازري والآخذين عنه سواء بالتلقي، أو بالإجازة، يستبين لنا ما بلغه صيته العلمي مدة حياته، ونجتزئ هنا بالإشارة إلى من لازم درسه واستفاد بالنقل عنه، إلى أن خلفه بعد وفاته في نشر ما كان يحمل من السند والرواية.
فمن أشهر تلاميذه الأفارقة:
- أبو يحيى زكرياء بن الحداد المهدوي، عني به المازري عناية خاصة، ورشحه للمناصب الشرعية التي اعتذر عن قبولها لنفسه، وقد تحقق عنده دينه وعلمه وفضله، فأشار على الأمير الصنهاحي يحيى بن تميم بن المعز باختياره لمنصب القضاء بالمهدية فسار فيها سيرة أهل العدل والصلاح، وقد خلف شيخه المازري في الرياسة الدينية، إلى أن توفي في حدود سنة 570 هـ، وتخرج عليه كثير من الفقهاء، منهم:
- عبد السلام البُرْجِينِيُّ، نسبة إلى البرجين، إحدى
قرى الساحل، أقام في فترة صغيرة بالمهدية في صحبة ابن الحداد وروى عنه ما يحمل من علوم الشريعة، وانتفع به كثيرًا، ثم تحول إلى سكنى مدينة تونس بعد استيلاء الأمراء الموحدين عليها، واتصل بأعيان الدولة، ولا سيما الشيخ أبو محمد عبد الواحد بن أبي حفص ممهد المملكة الحفصية، وتولى القضاء والإفتاء في مدة ولايته، وتصدى مع ذلك لنشر التعاليم الدينية بين شباب الطلاب التونسيين، إذ لم يكن في عصره من هو قائم بها مثله، وكانت العاصمة الجديدة - مدينة تونس - في أشد الحاجة إلى معلمين مرشدين لخلو البلاد من حملة العلم بعد خراب القيروان واستيلاء نصارى النُّرْمَانِ على ساحل البلاد، فظهر البرجيني كالعلم المفرد في الاستمساك بالرواية الفقهية والسند العلمي المأثور من لدن الفتح في طبقة بعد طبقة.
وقد وهم المؤرخون وأصحاب الطبقات الذين تحدثوا عن ذلك العصر، إذ جعلوا البرجيني من تلاميذ المازري، وأنه روى عنه أصالة، على حين أن المازري مات سنة 536 هـ والبرجيني ولد بعد ذلك، وَعَمَّرَ حتى مات سنة 630 هـ، فلا
يصح في العقل أن يكون قد أخذ عنه، والذي تحقق لنا بعد المراجعة والتمحيص أن البرجيني قرأ على الشيخ أبي يحيى بن الحداد المهدوي، فبذلك تصح الرواية ويتسق التاريخ.
وكان البرجيني على جانب من التقوى، وهو الذي لحد صديقه الشيخ خلف بن يحيى التميمي المشهور بأبي سعيد الباجي دفين جبل المنار المتسمى اليوم باسمه، وذلك سنة 628 هـ.
ولا بد من التنبيه إلى أنه في العهد الذي انتقلت فيه دراسة العلوم الشرعية من القيروان إلى المهدية، ومنها إلى تونس، كانت كتب الدراسة للعقائد وللفقه المالكي إنما هي أمهات من المؤلفات وضعها علماء القيروان، مثل " الرسالة " لابن أبي زيد - وهي للمبتدئين - و" تهذيب المدونة " للبراذعي القيرواني، و" التعليقة " وهي شرح " المدونة " لأبي إسحاق إبراهيم التونسي القيرواني، و" التبصرة " لأبي الحسن اللخمي، إلى كثير من المؤلفات يعيى بها صاحبها الحصر والإحصاء.
-عبد العزيز القرشي المعروف بِابْنِ بَزِيزَةَ، مولده في سنة 606 هـ، وهو من كبار الحفاظ المجتهدين المعترف لهم
بالتقوى في علوم الشرع، وفي الأدب الرفيع، كما تشهد بذلك مؤلفاته المتعددة، وعليه تخرجت طبقة من المشتغلين بالعلوم الدينية من طلبة الحضرة التونسية، ممن أحيوا سنن البحث، وتدريس الفقه أصوله وفروعه، وتوفي سنة 662 هـ.
ومن أشهر تلاميذه:
- أبو القاسم بن أبي بكر اليمني المعروف بابن زيتون، مفتي إفريقية وقاضيها في مدة الأمير أبي زكرياء الأول، وابنه محمد المستنصر. مولده سنة 621 هـ، وقد تخرج عن ابن بزيزة وغيره، ثم رحل إلى المشرق وروى بمصر عن العز بن عبد السلام، والحافظ المنذري، وعاد إلى تونس يحمل تعاليم المشرق وأصوله في التدريس، وله رواية واسعة، وأخذ عنه من أبناء البلاد من لا يعد كثرة، وهو الذي تولى تحرير عقد الصلح المنبرم بين المستنصر بالله وجيش الفرنسيس بعد موت لويس التاسع ملك فرنسا في قرطاجنة (المحرم سنة 669 هـ / 1270 م). وتوفي ابن زيتون سنة 691 هـ.
قال العلامة ابن خلدون: «وَبَعْدَ انْقِرَاضِ الدَّوْلَةِ بِمَرَّاكُشَ اِرْتَحَلَ إِلَى المَشْرِقِ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ القَاضِي أَبُو القَاسِمِ بْنُ زَيْتُونَ لِعَهْدِ أَوَاسِطِ المِائَةِ السَّابِعَةِ فَأَدْرَكَ تِلْمِيذُ الإِمَامِ ابْنِ الخَطِيبِ فَأَخَذَ عَنْهُمْ وَلَقَّنَ تَعْلِيمَهُمْ.
وَحَذِقَ فِي العَقْلِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّاتِ وَرَجَعَ إِلَى تُونِسَ بِعِلْمٍ كَثِيرٍ وَتَعْلِيمٍ حَسَنٍ. وَجَاءَ عَلَى أَثَرِهِ مِنَ المَشْرِقِ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ شُعَيْبٍ الدُّكَّالِيُّ. كَانَ اِرْتَحَلَ إِلَيْهِ مِنَ المَغْرِبِ فَأَخَذَ عَنْ مَشْيَخَةِ مِصْرَ وَرَجَعَ إِلَى تُونِسَ وَاسْتَقَرَّ بِهَا وَكَانَ تَعْلِيمُهُ مُفِيدًا فَأَخَذَ عَنْهُمَا أَهْلُ تُونِسَ. وَاتَّصَلَ سَنَدُ تَعْلِيمِهِمَا فِي تَلَامِيذِهِمَا جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى القَاضِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. شَارِحِ " ابن الحاجب " وَ [تِلْمِيذِهِ]
…
» (*).
وقد يناسب هنا أن نورد ما قاله العلامة المقري في كتابه " أزهار الرياض "(**) في سياقة الحديث عن طريقة التعليم بفاس عاصمة المغرب الأقصى، وأنها أقل درجة مما كانت في تونس ولا ريب أن العلامة المقري تفطن إلى أن السر في تفوق الطريقة التونسية يرجع إلى عوامل أكبرها تواصل السند العلمي في الرواية، وإليك مقالته: «
…
وَالعِلَّةُ فِي ذَلِكَ كَوْنُ
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) انظر " تاريخ ابن خلدون"، تحقيق خليل شحادة: 1/ 544، 545، الطبعة الثانية 1408 هـ - 1988 م نشر دار الفكر، بيروت - لبنان.
(**) انظر: " أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض "، لشهاب الدين المقري التلمساني (ت 1041 هـ)، تحقيق
مصطفى السقا (المدرس بجامعة فؤاد الأول) - إبراهيم الإبياري (المدرس بالمدارس الأميرية) - عبد العظيم شلبي (المدرس بالمدارس الأميرية): 3/ 24، طبعة سنة 1358 هـ - 1939 م، نشر لجنة التأليف والترجمة والنشر - القاهرة - مصر.
صِنَاعَةَ التَّعْلِيمِ، وَمَلَكَةَ التَّلَقِّي، لَمْ تَبْلَغْ فَاسًا، كَمَا هِيَ بِمَدِينَةِ تُونِسَ، اتَّصَلَتْ إِلَيْهِمْ مِنَ الإِمَامِ المَازَرِيِّ، كَمَا تَلَقَّاهَا عَنْ الشَّيْخِ اللَّخْمِّيِّ، وَتَلَقَّاهَا اللَّخْمِّيُّ عَنْ حُذَّاقِ القَرَوِيِّينَ (*)، وَاِنْتَقَلَتْ مُلْكَةُ هَذَا التَّعْلِيمِ إِلَى الشَّيْخِ اِبْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - مُفْتِي البِلادِ الإِفْرِيقِيَّةِ [وأصقاعها]-، المَشْهُودِ لَهُ بِرُتَبِ التَّبْرِيزِ وَالإِمَامَةِ، وَاسْتَقَرَّتْ تِلْكَ المُلْكَةُ فِي تِلْميذِهِ اِبْنِ عَرَفَةَ [رحمه الله]
…
».
يضاف إلى ذلك أنه في أثناء تلك المدة وفد إلى حضرة تونس نخبة كبيرة من وجوه العلماء، نزحوا إليها من بلاد الأندلس بعد سقوط مدينتي «بلنسية» و «إشبيلية» في يد الإسبان نذكر منهم الحافظ محمد بن الأبار، وأبا المطرف بن عُميرة، وأبا بكر بن سيد الناس، وعبد الحق بن برطلة، وعلي بن عصفور، وحازم القرطاجني، وأحمد بن عجلان، وأبا جعفر البلي، والقاضي أحمد بن الغماز الخزرجي، وبني خلدون الإشبيليين، وسواهم ممن لا يحصون عَدًّا، وقد أثار مقدم هؤلاء المهاجرين نشطة كانت نواة حية للنهضة العلمية في تونس. ولا سيما نهضة علوم الشريعة، وكان اللاجئون جميعًا ممن يذهبون مذهب مالك
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) في المطبوع من هذا الكتاب (القَيْرَوَانِيِّينَ) وفي " أزهار الرياض " ورد كما أثبته (القَرَوِيِّينَ). انظر: " أزهار الرياض ": 3/ 24.
ابن أنس كسائر سكان الأندلس، مما زاد السند العلمي الفقهي المنتقل من القيروان إلى الساحل إلى تونس ثباتًا وقوة، وانتشارًا وسعة.
وقد نبغ من تلاميذ ابن زيتون وغيره جيل جديد من الفقهاء الأعلام، وقفوا حياتهم على التدريس والتأليف في مختلف فروع العلوم الشرعية، من آخر القرن السابع إلى آخر القرن الثامن، نذكر من بينهم:
- محمد بن عبد الجبار الرُعيني السوسي، المتوفى سنة 662 هـ.
- أبو القاسم بن علي بن البراء التنوخي المهدوي، قاضي الجماعة بتونس، المتوفى سنة 655 هـ.
- أحمد الأنصاري المعروف بِالبَطْرَانِي التونسي، المتوفى سنة 710 هـ.
- أبو بكر بن جماعة الهواري، المتوفى سنة 712 هـ.
- محمد بن عبد النور التونسي، المتوفى سنة 726 هـ.
- إبراهيم بن عبد الرفيع الربعي، قاضي الجماعة، المتوفى سنة 733 هـ.
- محمد بن راشد القفصي، المتوفى سنة 736 هـ.
- قاضي الجماعة الشيخ المتبحر محمد بن عبد السلام الهواري التونسي، مجدد الحركة الفقهية، وشيخ الجيل الآتي بعده، توفي سنة 749 هـ، ومن أشهر تلاميذه:
- محمد بن عرفة الورغمي، شيخ شيوخ عصره، وجامع قواعد الفقه وحدوده، توفي سنة 803 هـ.
- عبد الرحمن بن خلدون، نابغة الفلسفة التاريخية، توفي على خطة قضاء المالكية بمصر سنة 808 هـ.
وتتوارد بعد ذلك طبقات الفقهاء المالكيين في القطر التونسي وكل طبقة تعول على التي قبلها في روايتها، وتستمد منها تعاليمها محافظة على موروث تقاليدها، وهكذا يتواصل السند العلمي الإسلامي، لا ينقطع ولا يفتر، إلى أن يبلغ إلى القرن الهجري الأخير الذي شاهد بعض الشيوخ المعاصرين أفذاذًا من حفظة الشريعة الأعلام، أساتذة «الزيتونة» وورثة مجدها العلمي، ومفخرة تونس مدى الأيام!
…
* * *
بعد أن عرضنا هذه البسطة المستعجلة في سير السنة المحمدية بالبلاد التونسية، فلننتقل الآن إلى التعريف بِعَلَاّمَتِنَا «المَازَرِيِّ» بقدر ما أمكننا التوصل إليه من أخباره وآثاره.
فنقول: