المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مشاركة الإفريقيين في العلم: - الإمام المازري

[حسن حسني عبد الوهاب]

الفصل: ‌مشاركة الإفريقيين في العلم:

ابن أبي عمران التُّجِيبِي، وأخذ كل منهما عن صاحبه كما سمع منه خلق كثير من أبناء تونس والقيروان، ومما هو جدير بالملاحظة أن رواية الأفارقة للحديث كانت أكثر ما كانت بطريق المدنيين وسندهم، ويلوح لي أن ذلك هو السبب الأصيل في ميل الأفارقة من بعد إلى الأخذ بآراء أهل المدينة في الفقه، وإيثار الكثير منهم لمذهب مالك بن أنس وصحبه وقد قال الإمام الشافعي:«إذَا جَاوَزَ الحَديثُ الحَرَمَيْنِ (المَدِينَةِ وَمَكَّةَ) فَقَدْ ضَعُفَ نُخَاعُهُ» (1).

ومهما يكن من أمر فقد سار يحيى في إفريقية سيرة الأخيار البررة الساعين لنشر تعاليم الملة السمحة، السالكين سبيل العفة والنزاهة في القول والعمل، وأقام يحيى في تونس نحو عشرين سنة بث في أثنائها علمًا كثيرًا، وأخلاقا مرضية، وتوفي سنة 143هـ (720 م).

‌مُشَارَكَةُ الإِفْرِيقِيِّينَ فِي العِلْمِ:

وبين الرعيل الأول من الأفارقة الذين حملوا العلم الاسلامي:

(1) كتاب " آداب الشافعي ومناقبه "، طبع القاهرة 1372 هـ، ص 200.

ص: 15

- خالد بن أبي عمران التجيبي، وهو تابعي ابن تابعي، كان أبوه ممن صحب قديمًا عبد الله بن سلام الصحابي، ثم قدم مع جيش حسان بن النعمان سنة 74 هـ. واستقر في مدينة تونس، وولد له خالد، فقرأ على أبيه وعلى غيره من حفظة القرآن ورواة الحديث، ثم رحل إلى المشرق وسمع من أعلامه، وروى عنه غير واحد من كبار الأيمة، مثل الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعه وغيرهما، وروى له مسلم في " صحيحه "، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي، كما روى له مالك بن أنس في " الموطأ " بسند يحيى بن سعيد الأنصاري، وعاد خالد إلى إفريقية مُزَوَّدًا برواية زاخرة نقيًا عنه جماعة من أبناء البلاد، مثل عبد الملك بن أبي كر يمة، وعبد الرحمن بن زياد وسواهما، وتولى خالد قضاء إفريقية في ولاية عبد الله بن الحبحاب، وتوفي سنة 123هـ، وقد ترك ديوانًا كبيرًا في الحديث فيه مروياته عن تابعي المدينة.

- عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المعافري، كان أبوه من وجوه التابعين، وقد ولد له عبد الرحمن سنة 74 هـ وجند حسان بن النعمان في دخوله إلى إفريقية. روى جانبًا كبيرًا من الحديث

ص: 16

على من كان في زمانه من التابعين المقيمين في إفريقية مثل خالد بن أبي عمران، وروى على الفقهاء الذين أرسلهم الخليفة عمر بن عبد العزيز مدة خلافته؛ لتفقيه أبناء المغرب، ثم رحل في طلب العلم إلى المشرق: مصر والشام والحجاز والعراق وصحب أبا جعفر المنصور العباسي قبل أن يلي الخلافة في مزاولة العلم بالكوفة، ورجع إلى القيروان وتولى القضاء بها مرتين، وأخذ عنه خلق لا يحصون من أبناء بلده وتوفي سنة 161هـ.

- علي بن زياد التونسي من أبناء مدينة تونس قرأ بها على خالد بن أبي عمران وغيره، وبالمشرق عن سفيان الثوري والليث بن سعد وابن لهيعة وغيرهم، وهو أول من أدخل "موطأ " مالك بن أنس و" جامع " سفيان الثوري الى المغرب " وروايته لـ " الموطأ " (*) مشهورة بين " الموطآت " يوجد منها قطعة صالحة في مكتبة القيروان العتيقة، وممن أخذ عنه من الأفارقة: أسد بن الفرات وسحنون "وقد قال سحنون في شأنه: «كَانَ أَهْلُ العِلْمِ بِالقَيْرَوَانِ إِذَا اِخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ كَتَبُوا بِهَا إِلَى عَلِيٍّ بْنِ زِيَادٍ، لِيُخْبِرُهُمْ مَنْ عَلَى صَوَابٍ فِيهَا» ، وتوفي ابن زياد سنة 183هـ وقبره في حضرة

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:

(*) قطعة من الكتاب المطبوع، " الموطأ " برواية علي بن زياد، بتحقيق الشيخ محمد الشاذلي النيفر - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، الطبعة: محرم 1399 هـ / ديسمبر 1978 م، الدار التونسية للنشر. (عدد الصفحات: 107) ، كما طبع في دار الغرب الإسلامي. بيروت - لبنان.

ص: 17