الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث:
أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المشهور بالإمام المازري، وهو المخصص بهذه الترجمة.
وَفَاتُهُ:
عاش المازري حياة طويلة هنيئة مملوءة عِلْمًا وَعَمَلاً وتقوى ونصيحة للقريب والبعيد، وقد عمر حتى بلغ الثالثة والثمانين، وأدركته المنية في مدينة المهدية التي اتخذها مقرًا ومسكنًا من زمن دراسته إلى أن توفي بها يوم السبت الثامن من ربيع الأول سنة ست وثلاثين وخمسمائة (12 أكتوبر 1141 م) في مدة آخر الأمراء الصنهاجيين الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز، وكان لموت الإمام المازري رنة عظيمة في أنحاء البلاد الإفريقية، وتوجع لفقدانه سائر السكان من حاضر وباد.
ضَرِيحُهُ:
ونقل جثمانه من الغد فِي زَوْرَقٍ على طريق البحر من المهدية إلى المنستير، حيث مدفن الصالحين والعلماء والزهاد والمرابطين النساك، حول ذلك الرباط المبارك الشامخ الذي
كان يفزع إليه سكان الساحل الإفريقي عند الشدائد، وهرع الناس زرافات ووحدانًا من سائر الساحل وقراه لحضور الجنازة، ودفن بعد الظهر في حفل رهيب قَلَّمَا تَأَتَّى لعالم في عصره، وأقيم بعد قليل على قبره ضريح بسيط مسامت للبحر، ودام هذا البناء إلى أواخر القرن الثاني عشر للهجرة.
وفي تلك الأثناء كانت أمواج البحر تغور باستمرار على الشاطئ إلى أن اقتربت جِدًّا من الضريح، وخشي [أولو] الفضل من العلماء على القبر من غمرات الموج فاتفقوا على نقله - مع غيره - إلى مكان ليس بالبعيد من الأول، فنقل رفاته رضي الله عنه ليلة الأحد الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة 1176 هـ (9 يونية 1763 م) إلى المقام المشهور به الآن في مقبرة المنستير تحت ظل المحرس الكبير.
وكان الآمر بهذه النقلة وببناء الضريح الحالي هو أمير عصره علي باي الثاني بن حسين بن علي مؤسس الأسرة الحسينية وقد نقشت العبارة التالية على حجر رخامي نصب في مدخل التربة فوق باب المقام:
«يَرْفَعِ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ، أُسِّسَ هَذَا المَقَامُ عَلَى ضَرِيحَيْ الشَّيْخَيْنِ الإِمَامَيْنِ العَالِمَيْنِ أَبَوَيْ عَبْدِ اللهِ مُحَمًّدٍ المَازِرِيِّ، وَمُحَمَّدٍ المَوَّازِ
…
».
وظل هذا الضريح إلى يومنا المشهود من أبرك المزارات وأجمل المقامات، يزيده ريعان الموقع بهجة وجلالاً ولا غرو فإنه يواجه البحر من ناحية، وحصن الرباط الشامخ الذري من أخرى.
أمطر الله هذا القبر شبائب الرحمة والرضوان، وجازى ساكنه الرضي - عن تونس الإسلامية وأهلها - جزاء الفضل الإحسان.
آمين.
تحريرًا بالمهدية
ربيع الأنور 1348 هـ.